حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر قال: (لقد ارتقيت على ظهر البيت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة في الرخصة في ذلك، يعني: في استقبال القبلة واستدبارها؛ لأنه ذكر قبل ذلك كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وهنا قال: الرخصة في ذلك، يعني: في الاستقبال والاستدبار.
وأورد حديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على لبنتين -يعني: في البيت- يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة)، وهذا يدل على أن الاستقبال والاستدبار عند الحاجة في البنيان مرخص به، وأنه لا بأس بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، فيدل هذا على جوازه.
وقد جمع بعض أهل العلم بين هذا الحديث وبين حديث أبي أيوب المتقدم الذي هو عام بأن حديث أبي أيوب يحمل على ما إذا كان في العراء وفي الخلاء والصحراء وأما إذا كان في البنيان فإنه يؤخذ بما جاء في حديث ابن عمر .
ولكن لاشك أن وضع الكراسي التي تقضى عليها الحاجة عند بناء العمارات والبيوت الأولى ألا توضع إلى اتجاه القبلة ولا استدبارها بل إلى جهة لا يكون الإنسان مستقبلاً للقبلة ولا مستدبراً لها، وإن كان ذلك جائزاً إلا أنه لاشك أن ترك ذلك وعدم الاستقبال هو الأولى، لاسيما وقد جاء عن أبي أيوب أن ذلك عام في البنيان وغير البنيان، وأيضاً قد قال بعض أهل العلم: إن حديث أبي أيوب قولي وحديث ابن عمر فعلي، والقول أقوى من الفعل؛ لأن الفعل يحتمل الخصوصية.
ولكن كما هو معلوم أن الفعل الأصل فيه التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يصار إلى الخصوص إلا إذا وجد دليل يدل على الخصوصية.
وعلى هذا فإن الحرص على الأخذ بحديث أبي أيوب حيث أمكن ذلك هو الذي ينبغي، ويجوز الاستقبال والاستدبار في البنيان عند الحاجة ولا بأس بذلك؛ لأنه ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم.
عبد الله بن مسلمة هو ابن قعنب القعنبي الذي مر بنا أنه أول شيخ من شيوخ أبي داود في هذه السنن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهو محدث فقيه، جمع بين الفقه والحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن سعيد ].
يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
و يحيى بن سعيد الأنصاري في طبقة صغار التابعين؛ لأن التابعين هم ثلاث طبقات: طبقة الكبار، وطبقة الأوساط، وطبقة الصغار، ويحيى بن سعيد الأنصاري من طبقة الصغار، وأول حديث في صحيح البخاري يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري هذا عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر .
وهؤلاء الثلاثة هم أمثلة لكبار التابعين وأوساط التابعين وصغار التابعين؛ فإن علقمة بن وقاص الذي يروي عن عمر من كبار التابعين ومحمد بن إبراهيم الذي يروي عن علقمة بن وقاص من أوساط التابعين، ويحيى بن سعيد الذي يروي عن محمد بن إبراهيم حديث: (إنما الأعمال بالنيات) وهو أول حديث في صحيح البخاري هو من طبقة صغار التابعين، وصغار التابعين هم: الذين أدركوا صغار الصحابة ورأوهم صغار الصحابة.
وفي طبقة يحيى بن سعيد شخص آخر يقال له: يحيى بن سعيد وهو أبو حيان التيمي ، وهو في طبقة صغار التابعين.
وهناك اثنان كل منهما يحيى بن سعيد ولكنهما متأخران عن طبقة يحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى بن سعيد التيمي أبو حيان وهما: يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن سعيد الأموي ؛ فإن هذين من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة.
ويحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى بن سعيد التيمي متقدمان على يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن سعيد الأموي ؛ لأن يحيى الأنصاري ويحيى التيمي من طبقة صغار التابعين، وأما القطان والأموي فهما من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن يحيى بن حبان ].
محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمه واسع بن حبان ].
واسع بن حبان قيل عنه: إنه صحابي ابن صحابي، وقيل: ليس بصحابي، ولكنه ثقة، وكلمة (ثقة) لا تطلق على الصحابة؛ لأنهم لا يحتاجون إلى توثيق الموثقين وتعديل المعدلين بعد أن عدلهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل يكفي الواحد منهم أن يقال: إنه صحابي، وإذا كان الشخص مختلفاً فيه -منهم من قال: صحابي ومنهم من قال: تابعي- فالذي قال: صحابي يكتفي بأن يقول: هو صحابي، والذي يقول: إنه غير صحابي، يقول: هو ثقة أو نحو ذلك.
ولهذا قال في التقريب: صحابي ابن صحابي، وقيل: بل ثقة. يعني: قيل قول آخر: بأنه تابعي وهو ثقة؛ لأن التابعين ومن دون التابعين يحتاج الأمر إلى النظر فيهم ومعرفة أحوالهم من الثقة والضعف وغير ذلك.
[ عن عبد الله بن عمر ].
عبد الله بن عمر قد مرّ ذكره.
أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر : (نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول، ثم رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها).
وهذا فيه بيان أن جابر رضي الله عنه رآه يستقبل القبلة، وكان ذلك في آخر حياته صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بعام، ولكن لا يعني هذا النسخ؛ لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا لم يمكن الجمع.
ومن المعلوم أن حديث أبي أيوب وغيره من الأحاديث الدالة على المنع يجمع بينها وبين ما جاء في حديث ابن عمر وجابر على أن الجواز إنما هو في البنيان والمنع إذا كان في غير البنيان، أو يحمل إذا كان في غير البنيان إذا لم يكن هناك سترة يستتر بها.
هو البصري الملقب بـبندار ، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه كلهم مباشرة وبدون واسطة، فهو شيخ للبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة كلهم يروون عنه مباشرة.
وفي طبقته -أو من يشاركه في كونه من مشايخ أصحاب الكتب الستة- وأيضاً مات في نفس السنة التي مات فيها اثنان من طبقة صغار شيوخ البخاري هما: محمد بن المثنى العنزي ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، فإن هؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة وأيضاً ماتوا في سنة واحدة، فكلّهم توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة (256هـ)، وهؤلاء الثلاثة الذين هم من صغار شيوخه ماتوا قبله بأربع سنوات، أي: ماتوا سنة (252هـ).
فـمحمد بن بشار من صغار شيوخ البخاري ومثله محمد بن مثنى العنزي الزمِن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، والثلاثة ماتوا في سنة واحدة وهي سنة (252هـ).
[ حدثنا وهب بن جرير ].
هو وهب بن جرير بن حازم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبي ].
هو جرير بن حازم، وهو أيضاً ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت محمد بن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق مدلّس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبان بن صالح ].
قال ابن حجر : وثّقه الأئمة. أي: عدد من الأئمة.
أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ عن مجاهد ].
هو مجاهد بن جبر المكي ثقة إمام في التفسير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
جابر بن عبد الله الأنصاري، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره.
حدثنا زهير بن حرب حدثنا وكيع عن الأعمش عن رجل عن ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: باب كيف التكشف عند الحاجة.
يعني: كيف يكون؟ هل يكون إذا دنا من الأرض، أو يكون واقفاً قبل أن يدنو من الأرض؟ والمقصود من ذلك: أنه يكشف عورته إذا قرب من الأرض لا يكشفها وهو قائم؛ لأن هذا أستر له، وهذا هو المقصود من الترجمة.
وقد أورد حديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض)، يعني: حتى يقرب من الأرض، ولا شك أن هذا الذي دل عليه الحديث فيه التستر، وفيه عدم تعريض العورة لرؤيتها إذا كشفها الإنسان وهو قائم؛ لأنه قد يُرى في حال القيام ما لا يُرى في حال الجلوس، فالإنسان قد تكون أمامه سترة قصيرة فإذا جلس ودنا من الأرض سترته، لكنه لو كشف وهو قائم فإنه يرى من فوق هذه السترة.
فالتستر يقتضي أن الإنسان لا يرفع ثوبه إلا إذا دنا من الأرض، وهذا الحديث يدل على ذلك.
وهذا الحديث قال عنه الألباني : صحيح، وفي إسناده رجل مبهم، وقد ذكر في عون المعبود: أنه القاسم بن محمد ، وقيل: إنه شخص آخر ضعيف، والألباني صححه، ولا أدري هل هذا التصحيح لوجود شواهد أخرى أو أن هناك شيء يوضح هذا الرجل وأنه القاسم بن محمد ، فإذا كان الرجل المبهم هو القاسم بن محمد فهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، ولا أدري ما هو المستند في بيان أنه القاسم بن محمد ، ولكن قد قيل أيضاً: إنه شخص آخر، وأظنه إياس بن إبراهيم وهو ضعيف.
فما أدري ما وجه التصحيح عند الشيخ الألباني ، ولكن المعنى لا شك أنه صحيح ومستقيم، وأن حفظ العورة وعدم كشفها يقتضي ألا تكشف إلا في حدود ما هو على قدر الحاجة، ومن المعلوم أن قدر الحاجة يحصل أو يتم حين يدنو الإنسان من الأرض، وأنه قد يحصل في حال كشفه في القيام قبل أن يدنو من الأرض أن تُرى، بخلاف ما لو دنا من الأرض فإنها لا ترى؛ لوجود شجرة أو نحوها يتوارى بها الإنسان، وخاصة إذا كانت ليست بعالية بحيث تستره إذا كان دانياً من الأرض، ولا تستره إذا كان قائماً، فمعنى الحديث صحيح.
هو أبو خيثمة زهير بن حرب، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وقد أخرج عنه مسلم كثيراً، ولهذا يأتي ذكره في صحيح مسلم كثيراً.
قال في التقريب: روى عنه مسلم في صحيحه أكثر من ألف حديث، لكن أكثر منه أبو بكر بن أبي شيبة ؛ لأنه روى عنه مسلم أكثر من ألف وخمسمائة حديث.
[ حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة يدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن رجل ].
هذا الرجل مبهم.
وقد جاء في عون المعبود: (عن رجل) قيل: هو القاسم بن محمد أحد الأئمة الثقات، وقيل: هو غياث بن إبراهيم وهو ضعيف.
وأورد البيهقي هذا السند في سننه الكبرى مع تحديد أن الرجل هو القاسم بن محمد ، قال البيهقي : وأخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الخسروجردي أنبأنا أبو بكر الإسماعيلي حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم من أصل كتابه حدثنا أحمد بن محمد بن أبي رجاء المصيصي شيخ جليل حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن القاسم بن محمد عن ابن عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة تنحى، ولا يرفع ثيابه حتى يدنو من الأرض).
ولعل هذا هو الوجه الذي صُحح الحديث به.
وعلى كل حال فإن معنى الحديث صحيح ولو لم يصح سنده، والأخذ به مطلوب؛ لأن الأمر بستر العورة مطلوب ولا تكشف إلا على قدر الحاجة، والحاجة إنما تكون عند الدنو من الأرض؛ لأنه يحصل به من التستر ما لا يحصل عند رفع الثوب في حال القيام قبل أن يهوي إلى الأرض.
قول أبي داود رحمه الله: (رواه عبد السلام بن حرب عن الأعمش عن أنس وهو ضعيف)، الضعف الذي في هذه الرواية التي أشار إليها أبو داود هو من جهة الإرسال والانقطاع بين الأعمش وأنس ؛ لأنه قيل: إن الأعمش لم يسمع من أنس شيئاً، وقد جاء أنه لقيه لكن ما جاء أنه سمع منه.
وهي رواية أيضاً موجودة عند الترمذي ، وفيه أيضاً طريق أخرى عن ابن عمر لكنه قال: وكلاهما مرسل؛ لأن الأعمش ليس له رواية لا عن أنس ولا عن ابن عمر .
و عبد السلام بن حرب هذا ثقة، قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة له مناكير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو عيسى الرملي : حدثنا أحمد بن الوليد حدثنا عمرو بن عون أخبرنا عبد السلام به ].
الذي ذكر هذا هو أحد رواة أبي داود وهو أبو عيسى الرملي ، وهو وراق أبي داود يقول: إن هذا الذي أشار إليه أبو داود وصل إليه من غير طريق أبي داود متصلاً إلى عبد السلام .
قوله: [ حدثنا أحمد بن الوليد ].
و أحمد بن الوليد هذا ليس له ترجمة في التقريب.
[ حدثنا عمرو بن عون ].
عمرو بن عون ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا عبد السلام ].
هو ابن حرب، وهو الذي أشار إليه أبو داود ، وعبد السلام يروي عن الأعمش عن أنس، وقد عرفنا العلة التي أشار إليها أبو داود في ذلك وهي أنه ضعيف بسبب الإرسال.
وإطلاق أن رواية الأعمش عن الصحابة مرسلة هذا من باب إطلاق المرسل إطلاقاً عاماً، وهو غير الإطلاق الخاص المشهور الذي هو قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا، يعني: أن المرسل المشهور عند المحدثين هو: ما قال فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا.
ولكن يأتي الإطلاق العام، وهو أن يروي الراوي عمن لم يدرك عصره أو عمن أدرك عصره ولم يسمع منه، وهذا هو الذي يسمى المرسل الخفي، فالمرسل الخفي يكون الراوي مدركاً لمن أرسل عنه ولقيه ولكن لم يسمع منه، ولهذا فإنهم يفرقون بين المرسل الخفي وبين المدلس، فالتدليس يختص برواية الراوي عن شيخ سمع منه ما لم يسمعه منه بلفظ محتمل، أما إن عاصره ولم يُعرف أنه لقيه، أو لقيه ولم يسمع منه، فهذا هو المرسل الخفي.
حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا ابن مهدي حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض قال: حدثني أبو سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله عز وجل يمقت على ذلك).
قال أبو داود : لم يسنده إلا عكرمة بن عمار ].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب كراهية الكلام عند الحاجة، يعني: كون الإنسان يقضي حاجته ويتكلم مع غيره، نعم إذا كان هناك حاجة وضرورة إلى الكلام فله أن يتكلم بحدود الحاجة والضرورة، مثلاً: إذا كان الإنسان في الخلاء وطرق عليه الباب فلا بأس أن يجيبه، لكن كون الرجل يقضي الحاجة وهذا يقضي الحاجة ويتحدثان كأنهما جالسان للحديث فهذا لا يليق ولا ينبغي، بل على الإنسان أن يسكت عند قضاء الحاجة ولا يتكلم ولا يذكر الله عز وجل، ولكن إذا اضطر إلى الكلام أو كان هناك أمر يقتضي الكلام فليتكلم في حدود ما تدعو إليه الحاجة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط) يعني: لفعل الغائط، يقال: ضرب الغائط إذا قضى حاجته، وأما إذا قيل: يضرب في الأرض فمعناه: أنه يسافر، وأما إذا قيل: ضرب الغائط فمعناه: أنه قضى الحاجة، فـ(ضرب) إذا عُدّي بنفسه فالمراد به قضاء الحاجة، وإذا عدي بـ(في) فالمراد به السفر في الأرض.
وقوله: (فإن الله يمقت على ذلك) يعني: أن الله يبغض ذلك، والمقت هو: شدة البغض، والممقوت هو: المبغوض.
عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا ابن مهدي ].
هو عبد الرحمن بن مهدي، وهو ثقة، بل من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه الذهبي في كتاب (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل): إن يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي إذا تكلما في شخص أو جرحا شخصاً فهو لا يكاد يندمل الجرح، يعني: أنهما إذا اتفقا على تجريح شخص فإنهما يصيبان الهدف ويصلان إلى الغاية في الجرح والتعديل.
وابن مهدي إمام من أئمة الجرح والتعديل.
[ حدثنا عكرمة بن عمار ].
عكرمة بن عمار صدوق يغلط، وروايته عن يحيى بن أبي كثير فيها اضطراب، وهنا روايته في هذا الإسناد هي عن يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ويحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قال الكلمة المشهورة التي رواها عنه مسلم في صحيحه: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)، يعني: من أراد أن يحصل العلم فلابد أن يتعب ولابد أن ينصب؛ لأنه لا يحصل أحد العلم بدون مقابل، بل لابد من بذل النفس والنفيس والغالي والرخيص، فبذلك يحصل العلم، أما أن يريد علماً وهو كسول مخلد إلى الراحة، لا يصبر على النصب والمشقة والتعب، فإن هذا لا يحصل شيئاً، وطلبه للعلم أو رغبته في العلم مع كسله وخموله من الأماني الكاذبة، ولكن من أراد العلم فليبذل ما يستطيع لتحصيله.
ويحيى بن أبي الكثير اليمامي يروي هذا الحديث عن هلال بن عياض ويقال: عياض بن هلال وهو مجهول، تفرد بالرواية عنه يحيى بن أبي كثير ، وأخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[ حدثني أبو سعيد ].
هو سعد بن مالك بن سنان ، مشهور بكنيته ونسبته: أبي سعيد الخدري ، وهو من أكثر الصحابة حديثاً، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث ضعيف من جهتين: من جهة عكرمة بن عمار ؛ لأن في روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراباً، ومن جهة أيضاً هلال بن عياض أو عياض بن هلال ؛ لأنه مجهول تفرد بالرواية عنه يحيى بن أبي كثير اليمامي .
ولكن المعنى صحيح من جهة أن الإنسان لا يجعل حالته وهو يقضي حاجته كحالته في غير ذلك، فلا يتحدث كيف شاء من غير الحاجة ومن غير شيء يدفع إلى ذلك؛ ولأن الكلام أيضاً قد يكون فيه ذكر الله، والإنسان لا يذكر الله عز وجل في أماكن قضاء الحاجة.
وعكرمة بن عمار عرفنا ما قيل فيه، وفي هذا إشارة إلى علة الحديث، وفيه العلة الأخرى وهي: الرجل مجهول الذي هو هلال بن عياض أو عياض بن هلال .
وعكرمة بن عمار أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
ولكن ينبغي أن يعلم أن الأشخاص الذين تكلم فيهم وقد أخرج لهم البخاري على أحوال، وابن حجر رحمه الله في كتابه (هدي الساري) الذي هو مقدمة الفتح ذَكَر الذين تُكُلّم فيهم من رجال البخاري على حروف المعجم، وأجاب عن الكلام فيهم من جهة أن الكلام لم يثبت أو أن المتكلم هو نفسه مجروح ولا يقبل جرحه وكلامه، أو من جهة أن رواية هذا الذي تكلم فيه تكلم فيها في شخص أو من جهة شخص، والرواية في الصحيح ليست من جهة الشخص المتكلم فيه، أو لأنه روى عنه حديثاً أو حديثين متابعة أو ما إلى ذلك، فذكر الجواب عن هؤلاء الذين انتُقدوا وتُكُلم فيهم، وبين أن الكلام في ذلك أو فيهم لا يؤثر للأسباب التي ذكرها والتوجيهات التي أشار إليها.
وفي بعض النسخ زيادة على كلام أبي داود الأخير: [ قال أبو داود : هذا لم يسنده إلا عكرمة وهو من حديث أهل المدينة حدثناه أبو سلمة حدثنا أبان حدثنا يحيى بهذا. يعني: موقوفاً ].
يعني: موقوفاً على أبي سعيد الخدري . والله أعلم.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)، فالإنسان يدخل معه، وإذا تمكن أن يقرأ الفاتحة والصلاة على النبي والدعاء فعل، وإذا لم يمكن إلا أحدها فالدعاء هو الأولى؛ لأن الدعاء هو الأصل في صلاة الجنازة، وإذا سلم يكبر، وإذا كبر يدعو للميت دعاءً قصيراً فيقول: الله أكبر، اللهم اغفر له، ثم يقول: الله أكبر، اللهم اغفر له، ويسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر