حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا شعبة ح وحدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة وهذا لفظ حفص عن سليمان عن أبي وائل عن حذيفة أنه قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سُباطة قوم فبال قائماً، ثم دعا بماء فمسح على خفيه).
قال أبو داود : قال مسدد : قال: (فذهبت أتباعد، فدعاني حتى كنت عند عقبه) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: (باب: البول قائماً)، يعني: ما حكمه؟
والمعروف من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يبول قاعداً، والبول قائماً جاء عنه نادراً وقليلاً، وهو يدل على أن ذلك جائز، ولكن ما داوم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل والأكمل، وهو أن يكون الإنسان عن قعود لا عن قيام، ولكنه إذا فعل ذلك قائماً في بعض الأحيان فلا بأس بذلك إذا أمن ألا يقع عليه شيء من البول بسبب ذلك، ويكون فعل الرسول صلى الله عليه وسلم له في بعض الأحيان أو نادراً فيه بيان الجواز عندما يحتاج الإنسان إلى ذلك.
وقد يكون الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك نادراً لضرورة دعته إلى ذلك، ولكن كونه صلى الله عليه وسلم حصل منه ذلك وهو قائم يدلنا على أن الإنسان يجوز له أن يبول قائماً إذا دعا الأمر إلى ذلك، لكن بشرط ألا يصل إليه شيء من رشاش البول بسبب كونه يبول عن قيام.
ذكر المصنف حديث حذيفة رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء سباطة قوم، والسباطة هي: المكان الذي يلقى فيه الأتربة والقمائم وما إلى ذلك، فإنه إذا كنست البيوت وجُمع ما يحصل عن كنسها فإنه يلقى في أفنية البيوت، يعني: خارجها وقريباً منها.
وغالباً ما يكون ذلك المكان فيه أتربة وأشياء إذا وقع عليها البول فإن الأرض تشربه ولا يحصل من ذلك تطاير رشاش البول؛ لأن الأرض تكون سهلة، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء سباطة قوم فبال قائماً، وكان معه حذيفة فأراد أن يتباعد، فطلب منه أن يرجع إليه وأن يكون في مكان قريب منه حتى يستره.
وقد يكون هذا الذي جاء في الحديث فيه إشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم اضطر إلى ذلك، وأنه احتاج إلى أن يفعله، وأنه ما استطاع أن يصبر إلى أن يصل إلى مكان آخر، ولهذا فعل ذلك وطلب من حذيفة أن يقرب منه حتى يستتر به.
والحديث يدل على أنه يجوز البول قائماً للحاجة، والأصل أن يبال في حال الجلوس.
قوله: [ (ثم دعا بماء فمسح على خفيه) ].
يعني: توضأ ومسح على خفيه، وهذا الحديث مختصر؛ لأن الحديث فيه: ( توضأ ومسح على خفيه ) يعني: أنه غسل أعضاء الوضوء، وأما الخفان فقد مسح عليهما؛ لأنه كان عليه خفان فمسح عليهما.
فالمقصود: أنه توضأ ومسح على الخفين، والحديث فيه اختصار ذكر آخره، والذي هو ذكر المسح دون أوله الذي فيه ذكر الوضوء.
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .
[ ومسلم بن إبراهيم ].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي الأزدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قالا: حدثنا شعبة ].
هو ابن حجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وُصف بأنه أمير للمؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ (ح) وحدثنا مسدد ].
هذه الحاء هي للتحويل، وهذا أول موضع في سنن أبي داود يأتي فيه ذكر التحويل بالحاء التي تكتب حاءً مفردة.
والمقصود منها: الدلالة على التحول من إسناد إلى إسناد؛ لأنه ذكر الإسناد الأول ثم أراد أن يرجع ويذكر إسناداً آخر من شيخه إلى أن يلتقي مع الإسناد الأول عند شخص، ثم يستمران إلى الآخر. وهذا يسمى التحويل.
وحاء التحويل تكتب حاءً مفردة، وينطق بها فيقال: حاء؛ حتى يسمع السامع أن هناك تحولاً، وأنه رجع من جديد ليذكر إسناداً آخر ليبدأ فيه من شيخ بإسناد غير الإسناد الذي ذكر شيخه أو شيوخه من قبل، ولكن الإسنادين يلتقيان عند شخص ثم يستمران طريقاً واحداً إلى الآخر.
وحاء التحويل فيها التفريق أو الفصل بين أثناء الإسناد وأول الإسناد، ولهذا يأتي بعدها واو، فما يقول: ح حدثنا، وإنما يقول: ح وحدثنا؛ لأن هناك عطفاً على الإسناد الأول، ولكن الإسناد الثاني يمشي إلى أن يلتقي عند المكان الذي وقف عنده الإسناد الأول ثم يستمران بعد ذلك. ومسدد قد عرفناه.
[ حدثنا أبو عوانة ].
هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة وهو مشهور بكنية أبي عوانة .
[ وهذا لفظ حفص ].
قال أبو داود : وهذا لفظ حفص ، يعني: أن اللفظ الذي سيسوقه هو لفظ الشيخ الأول؛ لأن له ثلاثة: حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم ومسدد ، الشيخان الأولان في الإسناد الأول والشيخ الثاني في الإسناد الثاني، ولكن قد أشار أبو داود إلى أن هذا لفظ حفص ، يعني: أن الكلام الذي سيسوقه هو لفظ حفص ، والذي هو الشيخ الأول.
[ عن سليمان ].
يعني: أن الالتقاء كان عند سليمان ، فالإسناد الأول شيخ شيخ أبي داود هو شعبة ، وفي الإسناد الثاني شيخ شيخه أبو عوانة ، ويلتقي الإسنادان عند سليمان ثم يتحدان فوق ذلك، وسليمان هو سليمان بن مهران الأعمش ، وقد جاء هنا باسمه غير منسوب.
وقد سبق أن مر بنا مراراً أنه يذكر بلقبه الأعمش ، وهذا يظهر فيه فائدة معرفة الألقاب، وهي كما قال علماء المصطلح: ألا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأن الذي لا يعرف أن سليمان هو الأعمش يظن أنه إذا جاء في إسناد: الأعمش ، وجاء في إسناد آخر: سليمان أن سليمان غير الأعمش ، وأن هذا شخص وذاك شخص آخر، لكن من يعرف الأسم والكنية لا يلتبس عليه الأمر.
[ عن أبي وائل ].
شقيق بن سلمة ، وقد مر ذكره قريباً.
[ عن حذيفة ].
هو ابن اليمان ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، ووالده استشهد يوم أحد، وحذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو داود : قال مسدد : قال: فذهبت أتباعد ].
يعني: أن الشيخين الأولين -وهما: حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم - قد انتهى الحديث عندهما إلى قوله: (فمسح على خفيه).
وأما مسدد الذي هو شيخه في الطريق الثاني فعنده زيادة ليست عند شيخيه الأولين.
قال حذيفة : (فذهبت أتباعد) يعني: أردت أن أبتعد عنه، [ (فدعاني حتى كنت عند عقبه) ].
والدعوة هنا يحتمل أن يكون قد ناداه وكلمه، وهذا يفيد أن الإنسان عندما يبول ويكون هناك حاجة للكلام وأمر يقتضي الكلام أنه يجوز له أن يفعل ذلك، ويمكن أن يكون بالإشارة، يعني: أشار إليه بأن يأتي حتى كان عند عقبه قريباً منه ليستره.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا حجاج عن ابن جريج عن حكيمة بنت أميمة بنت رقيقة عن أمها أنها قالت: (كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل) ].
أورد أبو داود رحمه الله باب في الرجل يبول في الليل في الإناء ثم يضعه عنده.
وقد ذكرت فيما مضى أنه يأتي مراراً ذكر الرجل في التراجم وفي المتون، وليس المقصود به خصوص الرجل، بل الحكم للرجال والنساء، وإنما ذكر الرجل لأن الخطاب غالباً يكون مع الرجال.
فالأحكام التي للرجال هي للنساء والتي للنساء هي للرجال مالم يأت شيء يخص الرجال أو يخص النساء. هذا هو الأصل، وهو قاعدة من قواعد الشرع، أي: التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام إلا ما جاء فيه شيء يخصص للرجال أو يخصص للنساء في الأحكام.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أميمة بنت رقيقة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له قدح من عيدان) والمقصود بالعيدان: النخل، ولعل المقصود أن هذا القدح كان يتكون من ساق النخل؛ لأن العيدان هو النخل الباسق الذي تتخذ الأوعية من ساقها.
وقد سبق أن مر بنا في سنن النسائي وكذلك في صحيح البخاري وصحيح مسلم ذكر النهي عن الإنتباذ في أوعية ومنها النقير، والنقير هو: ما يتخذ من جذوع النخل أو سيقانها، وذلك بأن ينقر وسط الساق ثم يتخذ وعاءً.
وبعض المفسرين قال: إن المقصود: أنه من عيدان النخل إذا قطع خوصها وضم بعضها إلى بعض، لكن مثل هذا غالباً لا يحصل منه أنه يمسك الماء؛ لأنه يذهب الماء بين تلك الأعواد، ويمكن أن يعمل على طريقة محكمة بحيث لا يذهب، لكن العيدان الذي هو النخل الطوال والذي ينقر ساقه أو قطعة من ساقها لا يذهب منه الماء؛ لأنه يتخذ وعاءً، وقد سبق أن مر بنا أنهم كانوا يتخذون الأوعية من ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ في النقير، وهو ما ينقر من جذوع النخل ومن سيقانها.
قوله: [ (كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل) ].
يعني: أنه كان يتخذ هذا الإناء ويبول فيه، ثم يضعه عنده، وقد جاء في بعض الروايات أن هذا كان في مرضه عليه الصلاة والسلام، وأنه كان مضطراً ومحتاجاً إلى ذلك.
والحديث الذي معنا في إسناده حكيمة ، وهي لا تعرف، ولكن قد جاءت أحاديث صحيحة تدل على ذلك، ولكنها مقيدة بمرضه صلى الله عليه وسلم، فيكون ما جاء في هذا الحديث متفقاً مع ما جاء في الأحاديث الأخرى، فهو وإن كان فيه مقال إلا أن الأحاديث الأخرى تشهد له وتدل على ما دل عليه.
هو محمد بن عيسى البغدادي الطباع ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا حجاج ].
هو ابن محمد المصيصي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن حكيمة بنت أميمة بنت رقيقة ].
حكيمة بنت أميمة بنت رقيقة لا تعرف، يعني: مجهولة، وحديثها أخرجه أبو داود والنسائي .
[ عن أمها ].
هي أميمة رضي الله عنها، وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب السنن.
والله أعلم.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟! قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم)
حدثنا إسحاق بن سويد الرملي و عمر بن الخطاب أبو حفص -وحديثه أتم- أن سعيد بن الحكم حدثهم قال: أخبرنا نافع بن يزيد حدثني حيوة بن شريح أن أبا سعيد الحميري حدثه عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل) ].
أورد الإمام أبو داود رحمه الله هنا: باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول فيها.
وهذه الترجمة معقودة لبيان الأماكن التي ليس للإنسان أن يقضي حاجته فيها؛ لأن في قضاء الحاجة فيها ضرر على الناس؛ لحاجتهم إلى تلك المواضع، فنهى عن البول فيها من أجل دفع الضرر عن الناس وعدم إفساد تلك الأماكن التي يكون الناس بحاجة إليها.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (اتقوا اللاعنين)، أي: ابتعدوا عن قضاء الحاجة في تلك الأماكن، وأطلق على هذين المكانين -وهما: قارعة الطريق والظل الذي يستظل به الناس- أنهما لاعنان، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم سألوا عن اللاعنين: ما هما؟ فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود بذلك: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم.
قوله: [ (الذي يتخلى) ] يعني: الذي يقضي حاجته ويتغوط أو يبول في طريق الناس أو ظلهم؛ لأن الطريق الذي يسلكونه هو معبرهم ومسلكهم؛ ولأنه إذا حصل منه قضاء الحاجة في الطريق فإنه يعرض الناس إلى أن يطئوا النجاسة أو يجعل هناك منظراً يسوءهم ويكون في نفوسهم شيء من هذا المنظر الكريه الذي رأوه.
والظل هنا هو الذي يحتاج الناس إليه بأن يستظلوا من الشمس إذا مروا في الطريق أو في أي مكان يحتاجون إليه للاستظلال به للقيلولة أو الجلوس تحته، فإن الإنسان لا يجوز له أن يقضي حاجته في هذا المكان.
ولا يعني هذا أن كل ظل لا تقضى الحاجة فيه، بل من الظل ما هو يسير وليس معروفاً أنه محل استظلال للناس، فمثل هذا لا بأس بقضاء الحاجة فيه.
وإنما الذي يكون فيه المنع هو ما كان يحتاج الناس إليه، ولهذا قال: (في طريق الناس أو في ظلهم)، أي: الذي يستظلون به لكونهم يأتون وهناك شجر كبار في الطريق، فالناس يحتاجون إلى أن يجلسوا تحتها ويستظلوا بها، فمن جاء وقضى حاجته تحتها فإنه يكون بذلك قد أفسد الظل على الناس الذي هم بحاجة إليه.
وإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم على هذين الموضعين بأنهما لاعنان قد فُسِّر بتفسيرين:
الأول: إما أن يكون المقصود أن فعل ذلك سبب ووسيلة لأن يلعن من فعل ذلك، فأطلق على المكانين بأنهما اللاعنان.
الثاني: أن لاعن: بمعنى ملعون؛ لأنه يأتي فاعل بمعنى مفعول، كما يقال عيشة راضية بمعنى: مرضية، وسر كاتم بمعنى مكتوم.
والمعنى: أن من فعل ذلك فإنه يلعنه الناس ويسبونه ويشتمونه ويذمونه، لأنه حصل منه التسبب في إيذائهم، يعني: أنه عرض نفسه لأن يذمه.
ومن المعلوم أن هذا اللعن ليس للمعيّن، وإنما هو لعن بالوصف، من باب: لعن الله من فعل هذا، ومن المعلوم أن اللعن بالوصف سائغ وجائز، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في اللعن بالأوصاف لا بالأعيان، كقوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)، وقوله: (لعن الله النامصة والمتنمصة)، ونحو ذلك من اللعن بالوصف لا بالعين.
وأما لعن المعين فإن ذلك لا يجوز، إلا إذا علم وأنه كان كافراً ومات على الكفر، فإذا كان كافراً وعرف موته على الكفر فإنه يلعن، أما إذا لم يكن كذلك فإنه لا يلعن؛ لأن المعين قد يتوب وقد يمن الله عز وجل عليه بالهداية ويرجع من الكفر إلى الإسلام.
فلعن المعين هو الذي جاء المنع منه، وأما اللعن بالوصف فإن ذلك سائغ؛ لأنه لا تعيين فيه.
فإذاً: من فعل ذلك فإنه يلعن بفعله، ومن وجد هو يفعل ذلك فلا يقال: لعن الله فلاناً؛ لأن لعن المعين لا يجوز.
هذا الحديث مثل الذي قبله؛ حيث أطلق على الأماكن بأنها ملاعن؛ لأن من فعل ذلك فيها يكون سبباً في لعن الناس له فيها.
والبراز في الموارد يعني: قضاء الحاجة فيها.
والأصل في البراز أنه الفضاء الواسع، ولكن كني به عن قضاء الحاجة في موارد الماء، وموارد الماء هي: الأماكن التي يرد الناس فيها على الماء أو الطرق التي تؤدي إليه؛ فإن ذلك مما يحتاج الناس إليه، وقضاء الحاجة فيه يعرض المار لوطء النجاسة أو لرؤية المنظر الكريه والمنظر السيء، وكل ذلك فيه إيذاء للناس.
وكذلك قارعة الطريق، وقارعة الطريق هي: المكان الذي يسلكه الناس، وهي الجادة، وسميت (قارعة)؛ لأن أقدامهم تقرعها، فيكون الطريق بيّناً واضحاً بسبب توارد الأقدام وتكررها عليه، وقد يكون الطريق -إذا كان في أرض سهلة- حفرة على طول الطريق؛ بحيث يحفر في الأرض على مقدار الجادة التي تطؤها الأقدام، وهذا شيء مشاهد ومعاين ومعروف في الأماكن التي ليست مزفلتة وليست مرصوفة بأشياء صلبة، فإن تكرر وطء الأقدام على مكان معين أو على طريق معين يؤثر ذلك فيه حتى يكون واضحاً.
فالقارعة: هي وسط الطريق أو المكان الذي تقرعه أقدام الناس، فتؤثر فيه بتكرر مشيها ووطئها عليه، والظل أي: الذي يحتاج الناس إليه، وليس كل ظل يمنع قضاء الحاجة فيه، وكذلك لا يمنع الطريق الذي هو مهجور أو أن سلوكه نادر.
فالمكان الذي اعتاد الناس أن يمشوا فيه وأن يسلكوه، أو الظل الذي يستظلون به، لكونه ظلاً واسعاً تحت شجرة كبيرة مثلاً، فاعتاد الناس أن ينزلوا تحت مثل هذه الشجرة، فحينئذ لا يجوز لأحد أن يفسد ذلك عليهم.
هو ابن جميل بن طريف البغلاني ، وبغلان قرية من قرى بلخ، وبلخ هي من أكبر بلاد خراسان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا إسماعيل بن جعفر ].
إسماعيل بن جعفر ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن العلاء بن عبد الرحمن ].
هو العلاء بن عبد الرحمن الجهني الحرقي وهو صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن أبيه ].
هو عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، أي: أن الذين رووا عن الأب هم الذين رووا عن الابن.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
قوله: [ حدثنا إسحاق بن سويد الرملي ].
إسحاق بن سويد الرملي ثقة أخرج حديثه أبو داود والنسائي .
وهو صدوق أخرج حديثه أبو داود وحده، وهو على اسم الصحابي الخليفة رضي الله عنه وكنيته، فهذا عمر بن الخطاب أبو حفص والخليفة الراشد أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب ، فهو على اسمه وهذا شيخ لـأبي داود . ولم يرو عنه إلا أبو داود ولهذا لا يأتي في الكتب الأخرى، فلم يمر بنا لا في البخاري ولا في مسلم ولا في النسائي ؛ لأنه ليس من رجالهم، وكذلك لا يأتي لا في الترمذي ولا في ابن ماجة ؛ لأنه من رجال أبي داود وحده.
قوله: [ وحديثه أتم ].
يعني: أن الشيخ الثاني الذي هو أبو حفص عمر بن الخطاب حديثه أتم من حديث شيخه الأول.
[ أن سعيد بن الحكم حدثهم ].
سعيد بن الحكم ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا نافع بن يزيد ].
نافع بن يزيد ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثني حيوة بن شريح ].
حيوة بن شريح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن أبا سعيد الحميري حدثه ].
أبو سعيد الحميري شامي مجهول أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة ].
وروايته عن معاذ مرسلة وهنا روايته هي عن معاذ ، فهو مجهول وأيضاً السند فيه انقطاع؛ لأن روايته عن معاذ مرسلة، وهذا من قبيل إطلاق المرسل على ما ليس من قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا؛ لأنه هنا يروي عن معاذ وروايته عن معاذ مرسلة بمعنى: أن فيها انقطاعاً.
[ عن معاذ ].
معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ وفي رواية ابن الأعرابي : قال أبو داود : هذا مرسل وهو مما انفرد به أهل مصر ].
يعني: أن هذا حديث مرسل، وهو مثلما ذكر الحافظ ابن حجر أبو سعيد الحميري روايته عن معاذ مرسلة.
قوله: [ هو مما انفرد به أهل مصر ] يعني: أن في الإسناد ثلاثة من أهل مصر وهم: سعيد بن الحكم ، ثم نافع بن يزيد ، ثم حيوة بن شريح ، وهؤلاء كلهم مصريون.
ومن المعلوم أن الحديث هذا وإن كان مرسلاً إلا أنه مع الحديث الأول مؤداهما واحد ونتيجتهما واحدة، والذي يفيده لفظ الحديث من جهة الطريق ومن جهة الظل ومن جهة الموارد يدخل في ذلك كل ما في معناها من الأشياء أو الأماكن التي هي محل جلوس الناس أو تجمعاتهم أو مسالكهم، كل ذلك يمنع منه؛ لأن العلة هي دفع الأذى.
فهذه الأماكن كل ما كان في معناها فإنه يكون مثلها؛ لأن الحكم واحد والحكمة واحدة والعلة واحدة وهي دفع الأذى عن الناس وعدم إيصال الأذى إليهم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر