حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا أبان حدثنا يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه، وإذا شرب فلا يشرب نفساً واحداً) ].
أورد أبو داود رحمه الله تعالى باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء، يعني: عند قضاء الحاجة، فإن الإنسان عندما يستنجي أو يستجمر يبتعد عن مس ذكره وإزالة ما حصل في قبله من شيء على إثر قضاء الحاجة بيمينه، فإن ذلك يكون بالشمال ولا يكون باليمين؛ لأن اليمين إنما هي للأكل والشرب والأخذ والإعطاء وغير ذلك من الأمور الطيبة.
وأما الأمور الأخرى التي فيها إزالة أذى كالاستنجاء والاستجمار والتمخط وغير ذلك فإنما تكون بالشمال.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه)، يعني: عند تنزهه واستجماره واستنجائه لا يستعمل اليمين في ذلك، وإنما يستعمل الشمال، وهذا هو مقصود أبي داود رحمه الله من إيراد هذا الحديث تحت هذه الترجمة.
قوله: [ (وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه) ]، يعني: أنه لا يستعمل اليمين لا في مس الذكر ولا في إزالة آثار البول، وإنما يستعمل اليسار سواء في قبله أو دبره.
فكل ما يتعلق بإزالة الأذى إنما يكون بالشمال ولا يكون باليمين سواء بالنسبة للقبل أو الدبر.
قوله: [ (وإذا شرب فلا يشرب نفساً واحداً) ]، يعني: أنه لا يستمر في الشرب والإناء في فمه؛ لأنه لابد أن يتنفس في الإناء إذا استمر، ولكن عليه أن يخرج الإناء ويتنفس ثم يعيده، ويكون ذلك ثلاث مرات كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلا يشرب الإنسان نفساً واحداً؛ لأن الشرب بنفس فيه مضرة على الإنسان في شربه وفيما يترتب على استعمال الماء بهذه الطريقة الذي يعب فيها الماء عباً ويسرع ويكون ذلك بنفس واحد.
وتنفس الإنسان في الماء الذي يشربه شيء سيئ وليس بحسن، وإنما عليه أن يشرب بثلاثة أنفاس وليس بنفس واحد، بحيث يزيل الإناء عن فمه ثم يعيده ثم يخرجه ويتنفس ثم يعيده؛ هكذا جاء في السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
مسلم بن إبراهيم هو الأزدي الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وموسى بن إسماعيل ] .
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قالا: حدثنا أبان ].
أبان هو ابن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن أبي قتادة ].
عبد الله بن أبي قتادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
(عن أبيه).
وهو أبو قتادة رضي الله، واسمه الحارث بن ربعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته أبي قتادة ، وهو صحابي جليل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وقد ذكروا عدة أقوال في اسمه والمشهور أنه الحارث بن ربعي .
ويقال: عمرو ويقال: النعمان بن ربعي.
والجواب: أن الحديث جاء في قضاء الحاجة، وأبو داود إنما عقد الترجمة في حال قضاء الحاجة، فقال: في الاستبراء، وبعض أهل العلم يقول: إن ذلك يكون عاماً في جميع الأحوال، ومنهم من يقول: إنه إذا حصل هذا في حال الاستبراء فغيره من باب أولى، ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأن كونه يمسه وليس فيه نجاسة ولا فيه شيء يستقذر ليس من باب أولى مما إذا كان في حال وجود النجاسة عليه وإزالة القذر منه، بل الذي جاء في هذا الحديث والذي جاء هذا النص هو لأن فيه إزالة أذى، واليمين إنما تستعمل في الأمور التي هي بعيدة عن تلك الأماكن، فلا يظهر المنع في غير حال الاستبراء.
أورد أبو داود رحمه الله حديث حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل شماله لما سوى ذلك)، يعني: أن اليمين تكون للطعام، فيأكل بها ويشرب بها، وكذلك عندما يلبس الثياب يبدأ باليمين.
وكذلك تستعمل اليمين في كل أمر مستحسن؛ فعند دخول المسجد تقدم اليمين، وهكذا المصافحة، والأخذ والإعطاء، وكل ذلك إنما يكون باليمين لا يكون بالشمال، والشمال تستعمل في الأمور التي هي دون ذلك مما فيه إزالة أذىً أو امتهان.
وهو محمد بن آدم بن سليمان المصيصي الجهني صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي .
[ حدثنا ابن أبي زائدة ].
ابن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني أبو أيوب -يعني: الإفريقي - ].
أبو أيوب الإفريقي هو عبد الله بن علي صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والترمذي ، وكلمة (يعني: الإفريقي ) هذه كما ذكرنا مراراً وتكراراً هي زيادة ممن دون التلميذ.
[ عن عاصم ].
هو عاصم بن أبي النجود بهدلة صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحديثه في الصحيحين مقرون، أي: أنهما لم يرويا عنه على سبيل الاستقلال وإنما على سبيل التبع.
[ عن المسيب بن رافع ].
المسيب بن رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ومعبد ].
هو معبد بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حارثة بن وهب الخزاعي ].
حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حفصة ].
هي حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت يدر سول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره)، يعني: كانت لاستعمال الطهور بحيث يدخلها الإناء ويغرف بها بحيث يخرج الماء من الإناء بها لطهوره عندما يريد أن يتوضأ، فإذا أراد أن يتطهر ويتوضأ فإنه يستعمل يده اليمنى في طهوره.
وهكذا طعامه.
قوله: (وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى) يعني: إذا ذهب للخلاء فإنه يستعمل يده اليسرى، وما كان من أذى مثل المخاط وإخراجه من الأنف كل ذلك يكون باليسرى.
هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وأبو توبة الحلبي هذا هو الذي اشتهرت عنه الكلمة المشهورة في حق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وفيما يتعلق بمعاوية ، وهي أن معاوية رضي الله عنه ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن اجترأ عليه اجترأ على غيره، ومن تكلم فيه تكلم في غيره.
ولهذا قال: هو ستر لأصحاب رسول الله. يعني: هو حاجز وحاجب، ومن اجترأ عليه فقد تجاوز ذلك الحجاب، بمعنى أنه: عرض نفسه وسهل لنفسه أن يتكلم في الصحابة؛ لأنه تكلم في واحد منهم، ولذا قال: هو ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن اجترأ عليه اجترأ على غيره، يعني: أن من سهل عليه أو أقدم على الكلام فيه بما لا ينبغي وبما لا يليق فإنه يسهل عليه أيضاً أن يقع في بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهي كلمة عظيمة وواضحة؛ لأن ذلك الصحابي الجليل رضي الله عنه تكلم فيه بعض من لم يوفق ومن خذل ولم يحالفه الصواب، فتكلم فيه وقدح فيه، وهو أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب رسول عليه الصلاة والسلام.
والكلام في أي واحد من الصحابة إنما هو علامة على خذلان فاعله، كما قال أبو المظفر منصور السمعاني في كتابه الاصطلاح -وهو رد على أبي زيد الدبوسي من الحنفية-: إن القدح في أحد من الصحابة علامة على خذلان فاعله وهو بدعة وضلالة، فالتكلم في أي واحد من الصحابة إنما هو دليل على سوء المتكلم ودليل على أن المتكلم أقدم على الإضرار بنفسه.
ولهذا الحافظ ابن حجر رحمه الله لما جاء عند حديث المصراة في صحيح البخاري وذكر أن بعض الحنفية لا يقولون بمقتضاه فيما يتعلق بكونه يرد الشاة ومعها صاعاً من تمر؛ لأن أحد الحنفية قال: إن الحديث من رواية أبي هريرة ، وأبو هريرة ليس في الفقه مثل عبد الله بن مسعود !
أبو هريرة له آلاف الأحاديث، وإذا تُكلم فيه في حديث سهل الكلام في الأمور الأخرى، وما الفرق بين حديث وحديث؟ فالحافظ ابن حجر رحمه الله قال: وقائل هذا الكلام إنما آذى نفسه بكلامه. يعني: أنه قال كلاماً أذاه ومضرته عليه هو، وليست على أبي هريرة .
فالاعتذار الذي حصل من أن الحديث من رواية أبي هريرة وهو في الفقه ليس مثل عبد الله بن مسعود معناه: أنه ليس بفقيه، وهذا كلام ساقط وكلام باطل.
ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وقائل هذا الكلام إنما آذى نفسه وتصوره كافٍ في الرد عليه. يعني: أنه لا يحتاج إلى رد، بل مجرد تصور هذا الكلام يعرف أنه سيء وأنه كلام ساقط وأنه لا قيمة له، وهذا يغني عن أن الإنسان يشغل نفسه في الرد عليه؛ لأن هذا كلام في غاية السوء.
فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يجب احترامهم وتوقيرهم واعتقاد أنهم خير الناس وأنهم ما كان مثلهم في الماضي ولا يكون مثلهم في المستقبل.
والذي يتكلم فيهم وقد مضى على عصرهم أزمان معنى هذا: أن الحسنات تجري عليهم حتى ممن يقع في نفسه شيء عليهم، فيؤخذ من حسنات المتكلم للذي تكلم فيه، كما جاء في حديث المفلس في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع)، يعني: أن المفلس حقاً هو الذي ليس عنده درهم ولا متاع، نعم هو مفلس في الدنيا لكن المفلس حقاً هو المفلس في الآخرة، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولكن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا وأخذ مال هذا، فيعطى لهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) .
فأبو توبة الربيع بن نافع الحلبي قال هذه الكلمة العظيمة التي فيها بيان قدر الصحابة، وأن من سهل عليه أن يتكلم في واحد منهم فمن السهل عليه أن يتكلم في غيره.
[ حدثني عيسى بن يونس ].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي عروبة ].
ابن أبي عروبة هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي معشر ].
أبو معشر هو زياد بن كليب الحمصي ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن إبراهيم ].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يرسل كثيراً.
وهنا يروي عن عائشة، وهذا من قبيل المرسل؛ لأن الحديث الذي سيأتي يبين أن هناك واسطة بينه وبينها، وهو الأسود بن يزيد النخعي ، وأيضاً هو توفي سنة (96هـ) وعائشة توفيت سنة (59هـ) وعندما توفي كان عمره قريباً من خمسين سنة، يعني: أنه ما أدرك من حياتها إلا الشيء اليسير، وهي كانت بالمدينة وهو كان بالكوفة.
والحديث الذي بعده يوضح هذا؛ لأنه من رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة ، ففيه واسطة، وهذا يبين أنه مرسل، والمرسل في اصطلاح المحدثين المشهور فيه: أنه قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه يطلق إطلاقاً عاماً على رواية الراوي عمن لم يدركه أو أدركه ولم يلقه.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لاسيما بما يتعلق في أمور البيت وما يجري بين الرجل وأهل بيته مما لا يطلع عليه إلا النساء؛ فإن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها حفظت الكثير ووعت الكثير من السنن التي لا يطلع عليها إلا النساء مما كان يجري بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين زوجاته.
فهي من أوعية السنة، وقد رفع الله شأنها وأعلى ذكرها وأنزل الله براءتها فيما رميت فيه من الإفك في آيات تتلى من سورة النور، ومع ما أعطاها الله عز وجل من الفضل وما أكرمها به من الرفعة كانت تتواضع لله عز وجل، كما جاء في الصحيح أنها رضي الله عنها وأرضاها هجرها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة طويلة وكان يقول لها: (يا
وابن القيم رحمه الله في كتابه (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام) عندما جاء إلى الكلام على الصلاة الإبراهيمية وعندما جاء في الكلام على آل محمد ذكر كلاماً عن أمهات المؤمنين، وكل واحدة منهن عقد لها فصلاً وأتى بكلاماً يخصها، ولما جاء عند عائشة رضي الله عنها وأرضاها وبين ما أكرمها الله تعالى به وأشار إلى تواضعها في قولها: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى)، قال معلقاً على كلامها: فما شأن من يصلي ركعتين في الليل ثم يقول: أنا كذا، أو يصوم يوماً من الدهر ويقول: أنا كذا؟! يعني: أنه يتبجح بعمله، وهي التي أعطاها الله عز وجل من الإكرام ما أعطاها ومع ذلك تتواضع، كما قال الله عز وجل في حق أوليائه: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ، أي: يؤتون ما آتوا من الأعمال الصالحة ويتقربون له بالأعمال الصالحة ومع ذلك قلوبهم وجلة، وهم وجلون خائفون ألا يتقبل منهم، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، فهذا هو شأن أولياء الله: جمعوا بين العمل والمخافة والتواضع.
أورد أبو داود رحمه الله هذه الطريق الثانية التي ساق إسنادها وأحال متنها إلى المتن المتقدم، أي: بمعنى الحديث المتقدم أو المتن المتقدم.
والإسناد هو نفس الإسناد المتقدم إلا أن فيه بين إبراهيم وعائشة الأسود ، يعني: أن الإرسال الذي في الإسناد الأول أمن وعرف الواسطة فيه وهو الأسود بن يزيد النخعي .
قوله: [ حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع ].
محمد بن حاتم بن بزيع ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ].
عبد الوهاب بن عطاء صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ حدثنا سعيد ].
سعيد هو بن أبي عروبة ؛ لأنه في الإسناد الأول قال: ابن أبي عروبة فذكره منسوباً ولم يذكر اسمه، وفي الإسناد الثاني ذكر اسمه وما ذكر نسبته، وسعيد الذي في الإسناد الثاني هو ابن أبي عروبة الذي في الإسناد الأول؛ لأنه في الإسناد الأول ما ذكر اسمه وإنما تلميذه روى عنه بقوله: ابن أبي عروبة ، وأما تلميذه في الإسناد الثاني فذكره باسمه سعيد ، وما قال: ابن أبي عروبة .
فمعرفة الأشخاص بأنسابهم وأسمائهم وألقابهم وكناهم من الأمور المهمة، والإنسان إذا عرف ذلك يأمن الخطأ في أن يظن أن الشخص الواحد شخصان؛ لأن الذي لا يعرف هذه الأمور إذا جاء ابن أبي عروبة في إسناد وجاء سعيد في إسناد آخر فإنه يظن هذا شخصاً وهذا شخصاً آخر مع أنهما شخص واحد، وإنما ذكر باسمه غير منسوب مرة وذكر بنسبه غير مسمى مرة أخرى، فذكر بنسبه غير مسمى في الإسناد الأول وذكر في الإسناد الثاني مسمى غير منسوب.
[ عن الأسود ].
الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى بن يونس عن ثور عن الحصين الحبراني عن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أكل فما تخلل فليلفظ وما لاك بلسانه فليبتلع، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره؛ فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) .
قال أبو داود : رواه أبو عاصم عن ثور قال: حصين الحميري ، ورواه عبد الملك بن الصباح عن ثور فقال: أبو سعيد الخير .
قال أبو داود : أبو سعيد الخير هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة (باب الاستتار في الخلاء)، يعني: أنه إذا ذهب الإنسان يقضي حاجته في فضاء وفي خلاء فإنه يبحث عن شيء يستتر به يجعله أمامه؛ بحيث إنه لو مر أحد فإنه لا يرى عورته، فالاستتار مطلوب، والنبي صلى الله عليه وسلم بال في أصل جدار، يعني: جعله ستراً له، وكذلك جاء في حديث ابن عمر : (أنه أناخ راحلته واستقبلها وجعلها أمامه)، يعني: جعلها ستراً له، فالاستتار مطلوب عند قضاء الحاجة.
فإذا لم يكن في الأماكن المخصصة كالتي في البيوت وغيرها وإنما كان في العراء أو في الخلاء أو في الأماكن البارزة التي يمكن أن يرى الناس فيها الإنسان إذا قضى حاجته فإنه يستتر بأن يجعل أمامه شيئاً إما حجرة أو شجرة لا يستظل بها؛ لأنه ورد النهي عن التخلي في ظل الناس، وأن ذلك لا يجوز، لكن يجوز تحت الشجرة الصغيرة التي يجعلها الإنسان سترة له أو فيها ظل لا يحتاج الناس إليه؛ لأنه ظل ليس بواسع وإنما هو قليل، فمثل ذلك لا بأس بجعله سترة، والاستتار مطلوب.
وقد أورد فيه أبو داود رحمه الله حديثاً لا يصح؛ لأن في إسناده مجهولاً أو مجهولين؛ فهو غير ثابت، ولكن الاستتار ثابت ومطلوب، وفائدته معروفة ومحققة.
والحديث الذي أورده أبو داود في هذه الترجمة هو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اكتحل فليوتر)، أي: فليكتحل وتراً، والوتر هو واحد.. ثلاثة.. خمسة، هذا هو الوتر، فهناك أوتار وأشفاع، ولكن ليكن انتهاؤه بوتر أو ختامه بوتر.
قوله: [ (من فعل فقد أحسن) ]، يعني: من أوتر عند اكتحاله فقد أحسن.
قوله: [ (ومن لا فلا حرج عليه) ]، يعني: ومن لم يوتر بمعنى أنه جعله شفعاً ولم يجعله وتراً فلا بأس.
قوله: [ (ومن استجمر فليوتر) ] أي: قطع الخارج أو أثر الخارج بالجمار، وهي: الحجارة، ويقال له: استجمار لأنه مأخوذ من استعمال الحجارة في إزالة آثار الخارج من بول أو غائط، وقيل له: استجمار لأنه فعل للجمار وهي الحجارة.
ولهذا يقال للحصى الذي يرمى به الجمار في منى: جمار، فقوله: (من استجمر) يعني: من استعمل الحجارة في قضاء الحاجة (فليوتر)، يعني: فليكن استجماره وتراً.
وقد سبق أن مر بنا أنه لا يستنجي الإنسان بأقل من ثلاثة أحجار.
قوله: [ (ومن أكل فما تخلل فليلفظ، وما لاك بلسانه فليبلع) ]، يعني: إذا خلل أسنانه وأخرج شيئاً من أسنانه فإنه يلفظه، وما كان كان في لسانه فإنه يبلعه.
قوله: [ (ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره) ].
هذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث للترجمة، فقوله: (فمن أتى الخلاء فليستتر)، يعني: من ذهب إلى قضاء الحاجة في مكان خالٍ وفي مكان في فضاء فليجعل أمامه شيئاً يستره.
قوله: [ (فإن لم يجد إلا يجمع كثيباً من رمل فليستدبره) ].
يعني: فإن لم يجد شيئاً يستره فليجمع كثيباً من رمل وذلك بأن يلم التراب حتى يبرز أمامه ويقضي حاجته وراءه، ثم قال: (من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه) لكن الاستتار كما هو معلوم قد جاء في غير هذا الحديث كما أشرت إلى ذلك آنفاً.
قوله: [ (فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم) ] وهذا كما هو معلوم أن الشياطين تحضر في أماكن قضاء الحاجة، ولهذا سبق أن مر أن هذه الحشوش محتضرة، يعني: تحضرها الشياطين، ولأن الحالة التي يكون الإنسان عليها لا يذكر فيها الله عز وجل، وهم يأتون إلى الأماكن التي لا ذكر لله عز وجل فيها وإلى الأماكن القذرة.
ولهذا شرع أن يقال عند دخول الخلاء: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث).
يعني: بدل حصين الحبراني ؛ لأنه قال في الأول: الحبراني ، وهنا قال: الحميري ، والحميري والحبراني بمعنى واحد؛ لأن حبران فخذ من حمير، فهي نسبة خاصة ونسبة عامة مثل أبو إسحاق السبيعي الهمداني : السبيعي نسبة خاصة والهمداني نسبة عامة؛ لأن سبيع من همدان، وهكذا حبران هم من حمير، فإذا جاء في بعض المواضع حبراني وجاء في بعضها حميري فالمؤدى واحد؛ لأن حمير نسبة عامة وحبران نسبة خاصة.
والحاصل: أن أبا داود رحمه الله أراد أن يبين اللفظ الذي جاء عن أبي ثور من طريق أبي عاصم ، وأنه عبر بـالحميري بدل الحبراني في الإسناد المتقدم.
[ ورواه عبد الملك بن الصباح عن ثور فقال: أبو سعيد الخير ] أي: أضاف إليه الخير.
[ قال أبو داود : أبو سعيد الخير هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ].
[ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ].
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا عيسى بن يونس ].
عيسى بن يونس مر ذكره.
[ عن ثور ].
هو ثور بن يزيد الحمصي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ عن الحصين الحبراني ].
الحصين الحبراني هو الحميري ، وقد عرفنا أنه لا فرق بينهما، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة .
[ عن أبي سعيد ].
وأبو سعيد هذا هو حبراني أيضاً، وهو مجهول، وحديثه أخرجه أبو داود وابن ماجة ، فـأبو داود ذكر أن عبد الملك بن الصباح رواه وقال: أبو سعيد الخير ، ثم قال أبو داود : أبو سعيد الخير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحافظ ابن حجر في التقريب قال: إن هذا غير هذا، وقد وهم من خلط بينهما، بل هذا شخص وهذا شخص، فـأبو سعيد الخير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الذي في الإسناد فهو أبو سعيد الحبراني مجهول، وحديثه أخرجه أبو داود وابن ماجة .
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
وقوله: [ رواه أبو عاصم عن ثور ].
أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، وهناك أبو عاصم خشيش بن أصرم النسائي ، لكن خشيش بن أصرم مات سنة (253هـ) والضحاك بن مخلد مات سنة (21هـ) أو بعدها، فبين وفاتيهما فترة، وعلى هذا فيكون هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل ، وهو من أتباع التابعين، وهو الذي روى عنه البخاري عدداً من الأحاديث الثلاثية التي بين البخاري فيها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص: صحابي وتابعي وتابع تابعي.
فـأبو عاصم النبيل هو من أتباع التابعين، وهو الذي يمكن أنه يروي عن ثور بن يزيد الحمصي .
والضحاك بن مخلد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ ورواه عبد الملك بن الصباح ].
عبد الملك بن الصباح صدوق، قال في التقريب: أخرج له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة .
ولم يذكر أبا داود مع أنه موجود عند أبي داود في هذا الإسناد، فكأنه يرى أنه ليس من رواته، وإنما ذكر هذه الرواية تعليقاً وتنبيهاً فقط على الرواية المتقدمة.
فلا أدري هل الأشخاص الذين يأتون هكذا لا يذكرون أو أنه سها عن ذلك، والمسألة تحتاج إلى معرفة الاصطلاح.
وأبو عاصم كما هو معلوم له أحاديث كثيرة عند أبي داود بطريقة متصلة لكن عبد الملك هو الذي ما ذكر أنه روى له أبو داود ، فهذا يحتاج إلى معرفة اصطلاح المزي هل ترك مثل هؤلاء أم لا؟
لأنه لا أحد يذكر تعليقاً إلا البخاري ، وأما غيره فلا يذكر، لكن هل هذه الإشارة يغفلونها نهائياً ولا يعتبرون الرجل من رجال أبي داود ؟ يحتاج هذا الأمر إلى أن يبحث.
وأبو داود قال: أبو سعيد الخير هو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو بناءً على هذا، لكن كلام الحافظ ابن حجر يفيد بأن هناك خطأً، وأن هذا شخص آخر ليس الذي في هذا الإسناد، وأن من جمعهما وخلط بينهما فقد أخطأ، والذي في الإسناد ذكره الحافظ ابن حجر في التقريب وقال: إنه مجهول، كتلميذه الذي هو الحصين الحبراني ، فهذا مجهول وهذا مجهول، وكل منهما ليس له إلا هذا الحديث أيضاً في هذين الكتابين: كتاب أبي داود وكتاب ابن ماجة ، لكن أبا سعيد الخير ذكر تمييزاً، فـالحافظ لما ذكر ترجمة لـأبي سعيد الخير ما رمز لأحد خرج له، فإنه قال: أبو سعيد الحبراني ، بضم المهملة الحمصي ويقال: أبو سعيد الخير ، اسمه زياد وقيل: عامر وقيل: عمر، مجهول من الثالثة.
ثم قال: أبو سعيد الخير الأنماري صحابي له حديث، وقد وهم من خلطه بالذي قبله ووهم أيضاً من صحف الذي قبله به. تمييز.
يعني: أن أبا سعيد هذا هو الحبراني وهو المجهول.
وأما أبو سعيد الخير فله حديث واحد، ولكن ما ذكر من الذي رواه، وإنما رمز له بقوله: تمييز، يعني: أنه له حديث واحد ليس في الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر