[ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال: (أتانا
سبق أن مر ذكر جملة من الطرق للأحاديث الواردة عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد هذا بدأ الإمام أبو داود رحمه الله بذكر الطرق الواردة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وهذه أول طريق من تلك الطرق الواردة عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهي كغيرها من الطرق المتقدمة عن عثمان رضي الله عنه، وكذلك الطرق التي ستأتي عن جماعة من الصحابة في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يغسل يديه قبل إدخالهما الإناء ثلاث مرات، وقد ذكرنا أن هذا مستحب، لأنه يجب عند القيام من نوم الليل، أي: غسل اليدين قبل إدخالها في الإناء ثلاثاً، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنثر ثلاثاً، وعرفنا أن المضمضة هي إدخال الماء في الماء وتحريكه فيه ثم مجه، وأن الاستنثار والاستنشاق لفظان متلازمان؛ لأن الاستنشاق يعقبه الاستنثار، والاستنثار يسبقه استنشاق، فمن ذكر الاستنثار اقتصر على ما يكون في آخر الأمر، وهو إخراج الماء من الأنف بعد إدخاله فيه بالاستنشاق، ومن ذكر الاستنشاق اقتصر على ما يكون في أول الأمر، وهو إدخال الماء في الأنف.
والمقصود من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أدخل الماء في أنفه ثلاث مرات وأخرجه ثلاث مرات، كل مرة يستنشق ثم يستنثر، وهذا يدل على ما دلت عليه الأحاديث أو الطرق المتعددة بأن المضمضة والاستنشاق مطلوبان.
وقد اختلف العلماء في حكمهما: فمنهم من قال بوجوبهما تبعاً للوجه، ومنهم من قال باستحبابهما.
قوله: (ثم غسل وجهه ثلاث مرات)، أي: أن الغسل للوجه يكون ثلاث مرات، ثم الغسل لليد اليمنى إلى المرفقين أي: مع المرفقين ثلاث مرات، واليسرى كذلك، ثم المسح على الرأس مرة واحدة، ثم غسل الرجل اليمنى ثلاثاً، ثم غسل الرجل اليسرى ثلاثاً، وهذا هو الحد الأكمل لصفة الوضوء، وذلك بأن يغسل الإنسان ثلاث مرات عدا الرأس فإنه يمسح مرة واحدة، ولا يجوز الزيادة على ذلك، بل هذا هوا لحد الأعلى، وإن غسل مرتين مرتين، أو مرة واحدة أو غسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثاً، فإن ذلك كله سائغ، والحد الأدنى هو غسلة مستوعبة للأعضاء، بحيث لا يترك شيئاً من فروض الوضوء إلا وقد استوعبته، وإن فعل ثانية مع الواحدة فهو حسن، وإن فعل ثالثة مع الاثنتين فهو حسن، ولكنه لا يجوز الزيادة على ذلك.
وحديث علي رضي الله عنه هو كالأحاديث المتقدمة التي فيها بيان هذا الوصف لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي رضي الله عنه وأرضاه جاءهم بعدما صلى، ودعا بطهور، والطهور هو الماء الذي يتوضأ به، وهو بفتح الطاء، كالوضوء، أي: الماء الذي يتطهر به ويتوضأ به، والطهور بالضم هو فعل الوضوء وفعل التطهر، ولما طلب ماءً ليتوضأ وقد صلى فهموا أنه ما أراد إلا أن يعلمهم الوضوء، وأنه أراد أن يتوضأ والناس يرونه ويشاهدونه؛ حتى يعرفوا كيفية وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم من الحرص على بيان السنن وكمال النصح للأمة، وأنهم قد أدوا الشيء الذي تلقوه من رسول الله عليه الصلاة والسلام على التمام والكمال، فهم رضي الله عنهم أرضاهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عرف الناس حقاً وهدى إلا عن طريقهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
فكونه رضي الله عنه يطلب ماءً ليتوضأ وقد فرغ من الصلاة والناس يشاهدونه ويعاينونه فهم فهموا هذا الفهم وقالوا: ما يريد إلا ليعلمنا، ثم إنه أفرغ على يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً، وهذا يدلنا على استحباب هذا الفعل حتى ولو كانت اليد طاهرة ولا نجاسة فيها، إلا أن هذا مستحب، ولكن إذا علم فيها نجاسة فيجب غسلها خارج الإناء، وألا تدخل في الإناء إلا وهي نظيفة، ويدخل في ذلك القيام من نوم الليل كما ذكرنا قبل أنه يجب غسلها قبل إدخالها الإناء.
قوله: [ قال عبد خير : (أتانا
يعني: أنهم قالوا هذا إما في أنفسهم أو أنه أسر بعضهم إلى بعض وتحدث بعضهم إلى بعض، وقالوا: ما يصنع بالطهور وقد صلى؟ ثم قالوا: ما يريد إلا أن يعلمنا.
قوله: [ (فأتي بإناء فيه ماء وطست) ].
الطست هو: إناء، وفي الغالب أنه يكون واسعاً.
وعطف الطست على الإناء قيل: إنه من عطف الترادف، وأن المقصود بذلك أن الطست هو الذي فيه الماء، وقد جاء في بعض الروايات: (أن الطست فيه ماء).
وقيل: عطف الطست على الإناء؛ لأن الإناء فيه ماء وهو يريد أن يتوضأ بحيث تتساقط قطرات الماء من الأعضاء في الطست.
لكن القول الأول هو الأظهر من جهة أن ذكر الطست قد جاء في بعض الروايات أنه كان فيه الماء، فيكون المقصود أنه أتي بإناء هو طست، وفيه ماء للوضوء فتوضأ به.
قوله: [ (فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً، فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه) ].
وهذا فيه أن المضمضة والاستنشاق تكون من كف واحدة، بحيث يأخذ غرفة من ماء فيجعل بعضها في فمه للمضمضة والباقي يستنشقه في أنفه ويخرجه، فيتمضمض ويستنشق من كف واحدة، يفعل ذلك ثلاث مرات بثلاث غرفات.
وهذا بيان صفة الوضوء الكامل لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو غسل جميع الأعضاء ثلاثاً إلا الرأس، فإنه يمسح مرة واحدة ولا يغسل ولا يكرر؛ لأن المقصود هو المسح، ولو كرر لكان التكرار غسلاً وفرضه المسح، ويكون المسح مرة واحدة.
قوله: [ (ثم قال: من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا) ].
أي: الذي فعلته وأنتم تنظرون، وهذه الكلمة التي قالها في آخر الحديث وفي آخر العمل تبين الذي فهموه من فعله وأنه أراد أن يعلمهم.
والمضمضة والاستنشاق من الواجبات، وقد جاء تخصيصهما والتنصيص عليهما.
هو مسدد بن مسرهد وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا أبو عوانة ].
هو أبو عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي عوانة ، وهو غير أبي عوانة المتأخر الذي استخرج على صحيح مسلم . والذي له الكتاب الذي يقال له: (صحيح أبي عوانة )، ويقال له: (مستخرج أبي عوانة) ، ويقال له: (مسند أبي عوانة) وهو كتاب واحد، فهو مسند؛ لأنه أتى بالأسانيد قال: حدثنا فلان، وهو مستخرج؛ لأنه بناه على صحيح مسلم ، والمستخرج هو الذي يأتي به الراوي أو المحدث ويلتقي مع صاحب الكتاب في شيوخه ومن فوقهم، ولا يمر بصاحب الكتاب، هذا هو المستخرج، ويقال له: (صحيح أبي عوانة)؛ لأنه مستخرج على الصحيح.
فـأبو عوانة اليشكري متقدم، وذاك متأخر.
[ عن خالد بن علقمة ].
خالد بن علقمة وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة وعلق له الترمذي في الطهارة في باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان.
ومجرد التعليق بالنسبة لصحيح البخاري لم يكونوا يذكرونه في الرجال، وذلك باعتبار أنه روى له تعليقاً، ولم يرو له في الأصول، ويميز بين من يعلق عنه البخاري ومن روى له في الأصول، فيرمز بـ (خ) لمن روى له في الأصول، ويرمز لمن روى له تعليقاً بـ(خت)، أما غيره فالذي يظهر أنهم ما كانوا يرمزون لهذا، وقد سبق أن مر بنا بعض الإضافات أو الإشارات التي ذكرها أبو داود عن بعض الرواة الذين لم يرو لهم في الأصول.
[ عن عبد خير ].
هو عبد خير بن يزيد الهمداني وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[ قال: أتانا علي ].
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين أبو الحسنين صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
ومن المعلوم أن هذا شيء كان متقدماً ولا يمكن تغييره، لكن جاء في بعض الصحابة من اسمه عبد المطلب ولم يغير الرسول صلى الله عليه وسلم اسمه، كما غير بعض الأسماء التي هي معبدة لغير الله، قالوا: فدل هذا على أن اسم عبد المطلب مستثنى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغيره، ولكن كما هو معلوم عند التسمية يختار الاسم الذي لا إشكال فيه، وأما هذا ففيه إشكال، كيف وقد جاء فيه أنه معبد لغير الله؟ لكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم أقره وكان في بعض أقاربه من يسمى عبد المطلب ولم يغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه، فدل على أن التسمية في ذلك جائزة، لكن الأولى خلافها، وذلك بأن يكون التعبيد لله عز وجل فقط.
أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق أخرى، وأحال فيها على الطريق المتقدمة، إلا أن فيها بعض الفروق، فمن الفروق التي فيها: أنه بين كيفية مسح الرأس، وأن المسح يكون للرأس كله المقدم والمؤخر، وجاء بيان ذلك بأنه يقبل ويدبر يبدأ من مقدم رأسه حتى ينتهي إلى قفاه، ثم يرجع إلى المكان الذي بدأ منه مرة واحدة.
قوله: [ عن عبد خير قال: (صلى علي رضي الله عنه الغداة) ].
الغداة: هي الفجر، يعني: أنه صلى بالناس الفجر ثم جاء إلى الرحبة، والرحبة مكان بالكوفة.
وهذا فيه مثل ما في الذي قبله، يعني: أنه غسل كفيه ثلاثاً إلا أنه أخذ الإناء باليمنى ووضع الماء في اليسرى، ثم استعمل اليدين بحيث غسلهما بتلك الكف أو ذلك الماء الذي صبه في الكف اليسرى.
قوله: (ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض ثلاثاً).
يعني: أنه بعدما غسل يديه ثلاثاً خارج الإناء أدخل يده اليمنى في الإناء؛ لأنها بعدما حصلت لها النظافة بغسلها غمسها، واستخرج ماءً ليتمضمض منه فتمضمض ثلاثاً.
قوله: [ ثم ساق قريباً من حديث أبي عوانة ].
أي: المتقدم في الطريق السابقة.
قوله: [ (ثم مسح رأسه مقدمه ومؤخره مرة) ].
هذا فيه بيان أن المسح مرة واحدة، وأنه يكون لجميع الرأس وليس لبعضه دون بعضه، بل له كله مقدمه ومؤخره.
قوله: [ ثم ساق الحديث نحوه ].
يعني: نحو حديث أبي عوانة المتقدم.
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا الحسين بن علي الجعفي ].
الحسين بن علي الجعفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زائدة ].
هو زائدة بن قدامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا خالد بن علقمة الهمداني عن عبد خير قال: صلى علي ].
قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.
أورد أبو داود حديث علي من طريق أخرى واختصره بحيث أشار إلى أوله وأنه غسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد، فهو مثل ما تقدم أنه يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، وذكر الحديث على نحو ما تقدم في رواية أبي عوانة المتقدمة.
قوله: (ثم أتي بكوز من ماء) الكوز قيل: هو الإناء الذي له عروة، قالوا: وإذا كان ليس له عروة يقال له: كوب، يعني: فتوضأ من ذلك الإناء، وهذا يبين أن ما تقدم في الرواية من ذكره الإناء والطست أنهما شيء واحد، لأنه هنا قال: كوز، يعني: إناء.
محمد بن المثنى هو الملقب بـالزمن وكنيته أبو موسى وهو: العنزي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فإنهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله محمد بن بشار ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، فإن هؤلاء الثلاثة شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وقد ماتوا في سنة واحدة، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، حيث توفوا جميعاً سنة (252هـ) وكانت وفاة البخاري سنة (256هـ) وهم من صغار شيوخ البخاري ، وهم من رجال الكتب الستة.
[ حدثنا محمد بن جعفر ].
محمد بن جعفر وهو الملقب غندر وهو كثير الرواية عن شعبة ويروي عنه محمد بن المثنى ومحمد بن بشار كثيراً، هو محمد بن جعفر ولقبه غندر البصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي البصري وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت مالك بن عرفطة ].
هذا وهم من شعبة ؛ فإنه وهم في خالد بن علقمة فقال عنه: مالك بن عرفطة ، وليس هناك شخص يقال له: مالك بن عرفطة وإنما هو خالد بن علقمة ، وقد جاء أيضاً عن أبي عوانة أنه كان يقول ذلك، وجاء عنه خلاف ذلك، فكان أولاً يهم فيه ويقول: مالك بن عرفطة وأخيراً كان يقول: خالد بن علقمة كما سبق أن مر بنا، وقد ذكر ذلك الحافظ في التقريب، وقال: إن شعبة يخطئ في اسمه واسم أبيه، وإن أبا عوانة حصل له ذلك ورجع عنه، وعلى هذا فالمقصود به خالد بن علقمة الذي سبق أن مر في الإسناد المتقدم.
وفي بعض الزيادات في بعض النسخ أن أبا داود نبه إلى هذا الوهم، لكنها ليست من روايته، وهكذا النسائي ذكر في السنن وكذلك الترمذي ذكر أيضاً: أن شعبة وهم في اسمه واسم أبيه فكان يقول: مالك بن عرفطة وهو خالد بن علقمة .
أورد أبو داود رحمه الله حديث علي رضي الله من طريق أخرى وفيه الإحالة على ما تقدم.
قوله: [ (ومسح على رأسه حتى الماء يقطر) ].
يعني: مسح على رأسه مرة واحدة، وليس معنى ذلك أنه غسله حتى تقاطر الماء من رأسه لأنه مغسول، ولكنه وجد البلل في الرأس من هذه المسحة، لكون اليد كان فيها ماء فيمكن أنه تقاطر منها، وفي بعض النسخ: (حتى لما يقطر) يعني: أنه لم يحصل التقاطر، وهذا هو الذي يتوافق مع المسح، والرواية التي فيها: (حتى الماء يقطر) قد تكون مصحفة عن (لما) فإن الرسم متقارب.
قوله: [ (وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].
يعني: أنه غسل كل رجل ثلاث مرات، وقال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا أبو نعيم ].
هو أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ربيعة الكناني ].
هو ربيعة بن عتبة الكناني وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي .
[ عن المنهال بن عمرو ].
المنهال بن عمرو صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
و البخاري إنما روى عنه في تفسير سورة فصلت أثراً عن ابن عباس ، وهو أثر طويل فيه أن شخصاً سأله عن أسئلة، وقد أتى به البخاري على طريقة تخالف طريقته، وهي أنه أورد المتن ثم أتى بالإسناد فقال: حدثناه فلان عن فلان، وفيه المنهال بن عمرو ، وذكر الحافظ في الشرح أنه ما روى له إلا هذا الحديث.
[ عن زر بن حبيش ].
زر بن حبيش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أنه سمع علياً ].
علي رضي الله عنه قد مر ذكره.
أورد أبو داود رحمه الله حديث علي من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى وفيه: أنه (غسل وجهه ثلاثاً وغسل ذراعيه ثلاثاً) يعني: أنه غسل يديه ثلاثاً، ومما ينبغي أن يعلم أن غسل اليدين يكون من أطراف الأنامل مع المرفقين، يعني: لا يكتفي فيهما بالغسل الأول الذي كان قبل غسل الوجه، بمعنى أن غسلهما في الأول أمر مستحب، ولو لم يوجد لم يكن هناك محذور ويكون الأفضل أن يوجد، أما في الوضوء فعلى على الإنسان أن يغسل اليدين من أطراف الأصابع ولا يكتفي بالغسل الأول الذي حصل؛ لأن ذلك خارج عن فروض الوضوء ولا يدخل فيه، وإنما الذي يدخل في فروض الوضوء هو ما يكون بدءاً من المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه، ثم يأتي غسل اليدين بكاملهما؛ لأن غسل اليدين يأتي عقب غسل الوجه، والغسل لليدين يكون من أطراف الأصابع إلى نهاية المرفق بحيث تدخل المرافق مع الذراعين في الغسل.
زياد بن أيوب الطوسي ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا عبيد الله بن موسى ].
هو عبيد الله بن موسى الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا فطر ].
هو فطر بن خليفة وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبي فروة ].
هو مسلم بن سالم النهدي أبو فروة الأصغر الكوفي ويقال له: الجهني مشهور بكنيته، وهو صدوق من السادسة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ].
هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: رأيت علياً ].
علي رضي الله عنه قد مر ذكره.
أورد أبو داود رحمه الله حديث علي من طريق أخرى، وفيه: (أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ومسح رأسه) يعني: مرة واحدة.
قوله: (وغسل رجليه) وليس فيه ذكر العدد، ولكنه جاء مبيناً في الروايات الكثيرة التي فيها: (أنه غسل رجليه ثلاثاً)، أي: يغسل اليمنى ثلاثاً ثم يغسل اليسرى ثلاثاً.
وقوله: (إنما أحببت أن أريكم طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم).
مسدد مر ذكره وأبو توبة هو الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[قالا: حدثنا أبو الأحوص].
هو سلام بن سليم الحنفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا عمرو بن عون].
ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وعمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أبو الأحوص عن إبي إسحاق].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حية].
هو أبو حية بن قيس الوادعي الهمداني وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[قال: رأيت علياً].
علي رضي الله عنه وقد مر ذكره.
وهنا قال: (فغسل رجليه إلى الكعبين) وجاء في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم أنه قال: (غسل رجليه حتى أشرع في الساق) ولا تنافي بينهما؛ لأنه غسل الكعبين وأشرع في الساق، يعني: أنه دخل في الساق، مثلما أشرع في العضد، يعني: أن نهاية ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإشراع في العضد أو الساق، وهذا هو التحجيل، والسنة أن الإنسان يستوعب الكعبين بحيث يدخلان، وإذا شرع في الساق فهذا هو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه التحقق من استيعاب الكعبين.
أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو يختلف عن الطرق المتقدمة في بعض الألفاظ وفي بعض الصفات لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، يختلف عنها من جهة أنه جعل مسح الأذن بعضه يكون مع الوجه وبعضه يكون مع الرأس، ويحتمل أن يكون المقصود بما أقبل من أذنه ما دون الأذن، وأنه اعتبر ذلك تابعاً للوجه، وحكمه الغسل، وأما الأذن فإن حكمها المسح سواءً كان داخلها أو ظاهرها، وكذلك كونه أخذ حفنة من ماء وضرب بها وجهه وفعل ذلك ثلاث مرات، ثم أخذ ماءً ووضعه على ناصيته حتى سال على وجهه بعد الثلاث الأولى، وهذا فيه إشكال من ناحية أن فيه زيادة على الغسلات الثلاث، ثم بعد ذلك غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، مع أن الذي تقدم معناه أن داخل الأذنين يكون مع الوجه، والذي جاء في الروايات أنه مسح داخلهما وظاهرهما مع مسح الرأس، وقد جاء في الحديث: (الأذنان من الرأس)، يعني: أنهما يمسحان تبعاً للرأس ولا يغسلان تبعاً للوجه، فهذا من الألفاظ التي فيها مخالفة هذه الرواية لغيرها من الروايات عن علي رضي الله عنه.
ثم أدخل يديه جميعاً فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل ففتلها بها وفي بعض النسخ: فغسلها، يعني: فغسلها بهذه الحفنة.
ثم الأخرى مثل ذلك أخذ حفنة من ماء وضرب بها عليها، وهذا أيضاً مشكل إلا إذا كان المقصود بأن هذه الحفنة استوعبت الرجل غسلاً داخلها وظاهرها،وكذلك ما يكون في النعل منها بحيث يأتي عليها الماء،أما إذا كان المقصود بذلك المسح، فإن هذا يخالف الروايات الكثيرة التي جاءت عن علي وعن غيره، والتي فيها: (أنه كان يغسل رجليه ثلاثاً)، يعني: غسل وليس مسحاً، وكذلك أيضاً ما جاء في الحديث الذي سبق أن مر حيث قال عليه الصلاة والسلام: (ويل للأعقاب من النار) وذلك لما رأى أعقابهم تلوح فيها مواضع لم يصبها الماء، فلو كان المسح مجزئاً كيف يكون الوعيد الشديد على من يترك شيئاً من عقبيه وهو مؤخر القدم لا يصيبها الماء؟!
إذاً: فإن كان المقصود من ذلك أنه غسل رجله وهي في النعل وقد استوعب الغسل الرجل كلها فلا إشكال، وإن كان المقصود به المسح فإن هذا يخالف ما ثبت عن علي رضي الله عنه وعن غيره من الصحابة الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يغسل رجليه ثلاثاً ويستوعبهما بالغسل ولا يمسحهما مسحاً.
وقد أجاب العلماء عما في هذا الحديث من الإشكال، فذكروا أن هذا مما تفرد به بعض الرواة وأنه مخالف للروايات الأخرى، فهو إما أن يكون ضعيفاً وإما أن يكون شاذاً.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في حاشيته على السنن وتعليقه على تلخيص المنذري وجوهاً عدة ومسالك عديدة للإجابة عن الإشكال الذي ورد في هذا الحديث، وكلها تدور على أن الفرض هو الغسل وليس المسح، وأن الحديث إن صح فإنه يحمل على أنه غسل كل رجل بالحفنة التي ضرب بها رجله وفيها النعل، أي: أنه قد استوعبها غسلاً، وليس فيه دليل لـلرافضة الذين يقولون: إن الرجل فرضها المسح وليس الغسل؛ لأن علياً رضي الله عنه وغيره من الصحابة كلهم رووا صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نصوا على غسل الرجلين ثلاثاً، فهذه الرواية المشكلة إما أن تكون محمولة على الغسل مرة واحدة كافية، أو تكون شاذة ضعيفة لا يحتج بها لمخالفتها الروايات الكثيرة التي جاءت عن علي وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في بيان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما جاء عن بعض العلماء من أن الرجلين يمسحان وأن ذلك نسب إلى ابن جرير الطبري أنكره بعض أهل العلم ومنهم ابن القيم حيث قال: إن كتبه وتفسيره واضح في خلاف ما قيل عنه، ولكن الذي جاء عنه القول بالمسح هو رافضي يوافق ابن جرير في اسمه واسم أبيه، وكل منهما يقال له: محمد بن جرير، قال ابن القيم : وقد اطلعت على بعض كتبه -يعني: ذلك الرافضي- وهو محمد بن جرير بن رستم .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر ترجمته في لسان الميزان بعدما ذكر ترجمة ابن جرير الطبري ، وقال: إن ما نسب إلى ابن جرير الطبري من مسح الرجلين لا يصح، وإن الذي حصل منه ذلك هو هذا الرافضي الذي هو محمد بن جرير بن رستم.
ومن المعلوم أن الرافضة خالفوا المسلمين في هذا العمل حيث يمسحون ظهور أقدامهم ويقولون: إن في الرجل الواحدة كعب واحد وهو العظم الناتئ في ظهر القدم، مع أن كل رجل فيها كعبان؛ لأنه صلى الله عليه وسلم غسل رجله إلى الكعبين، كما جاء في بعض الروايات: (غسل رجله اليمنى إلى الكعبين، وغسل الرجل الأخرى إلى الكعبين) فلكل رجل كعبان؛ وهما العظمان الناتئان في مفصل الساق من القدم، وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من الوعيد في حق الذين لم يغسلوا أعقابهم حيث قال: (ويل للأعقاب من النار) يوضح ذلك، بالإضافة إلى الأحاديث الكثيرة في بيان صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم، وما جاء في القرآن من القراءة: (وامسحوا برءوسِكم وأرجلِكم) فإنه لا يكون حكم الرجلين المسح الذي للرأس، بل قيل: إن المقصود بذلك على هذه القراءة هو الغسل الخفيف، والغسل الخفيف يقال له: مسح، ويقال له: رش، وقالوا: إن كون الرجلين يمسحان أو يغسلان غسلاً خفيفاً إنما هو لأن الرجلين هي آخر الأعضاء، فقد يكون في ذلك مظنة الإسراف في غسلهما، فجاء على إحدى القراءتين ذكر المسح معطوفاً على الرأس فيكون المقصود به الغسل الخفيف وليس المسح الذي هو مثل مسح الرأس، أو أنه مجرور بالمجاورة، فيكون الحكم الغسل ولكنه عطف على الرأس وجر عطفاً عليه؛ لأنه مجاور له، وإلا فإن حكمه الغسل كما بينته القراءة الأخرى التي هي بفتح اللام: وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6] وكما بينته الأحاديث الكثيرة في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة تبين القرآن وتوضحه وتدل عليه.
والحاصل: أن الرافضة بعدوا عن الحق والهدى ولم يوفقوا لاتباع ما جاء في الكتاب والسنة من غسل الرجلين، فصاروا بذلك لا حظ لهم فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه يعرف أمته غراً محجلين من أثر الوضوء؛ لأنهم لا يغسلون أرجلهم، فليست فيهم هذه العلامة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي يعرف بها أمته، وهذا يدل على خذلانهم وبعدهم عن الحق والهدى.
عبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي .
هو محمد بن سلمة الباهلي الحراني وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن، وهناك محمد بن سلمة المرادي ، وكلاهما يأتي ذكرهما عند أبي داود وكذلك عند النسائي وعند بعض أهل العلم في الأسانيد، وهما في طبقتين؛ فـمحمد بن سلمة المرادي الذي مر ذكره في الدرس السابق مع أحمد بن عمرو بن السرح المصري من طبقة شيوخ أبي داود ، وأما محمد بن سلمة الباهلي الحراني فهو من طبقة شيوخ شيوخه كما هنا؛ لأنه يروي عنه بواسطة.
[ عن محمد بن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، واحتمال التدليس في هذا الإسناد لا يضر؛ لأنه قد جاء التصريح بالسماع عند البزار ، والتدليس من القوادح لو لم يصرح المدلس بالسماع.
[ عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ].
محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في الخصائص وابن ماجة .
[عن عبيد الله الخولاني ].
هو عبيد الله بن الأسود الخولاني وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال: دخل عليَّ علي ].
علي رضي الله عنه قد مر ذكره.
وقال ابن وهب فيه: عن ابن جريج : (ومسح برأسه ثلاثاً) ].
ذكر أبو داود رحمه الله في باب صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم الطرق المتعددة عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عقبها بالطرق المتعددة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، وبعد أن ختم وأنهى الطرق المتعددة عن علي رضي الله عنه عقبه بقوله: وحديث ابن جريج عن شيبة يشبه حديث علي ، ثم ذكر أن فيه من طريق حجاج بن محمد أنه مسح رأسه مرة، ومن طريق عبد الله بن وهب أنه مسح رأسه ثلاث مرات، والعبارة هذه فيها إشكال؛ لأنه قال: حديث ابن جريج عن شيبة يشبه حديث علي والمقصود به: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد ذكر صاحب عون المعبود أن الحديث الذي أشار إليه أبو داود موجود عند النسائي ، وذكره بإسناده عن حجاج عن ابن جريج عن شيبة وهو: ابن النطاح ، لكن قوله: يشبه حديث علي مشكل؛ لأن حديث علي رضي الله عنه ليس فيه ذكر هذه الكيفيات لمسح الرأس ثلاثاً، أما ذكر المرة الواحدة فهي موجودة فيه، لكن حديث عثمان هو الذي جاء فيه ذكر مسح الرأس مرة واحدة وهي رواية الأكثر، وجاء في روايتين ذكر المسح ثلاثاً، وحديث علي رضي الله عنه ليس في رواياته ذكر شيء يتعلق بالمسح ثلاثاً، بل الذي فيها المسح مرة واحدة، أو المسح وعدم التنصيص على مرة أو أكثر من مرة فتكون محمولة على المرة الواحدة، فالذي يبدو والله أعلم أن العبارة فيها إشكال؛ لأن قوله: حديث شيبة يشبه حديث علي ، هو عن علي ، يعني: أن حديث ابن جريج عن شيبة بن نصاح هو عن علي وليس عن غيره، فكيف يكون يشبهه؟!
يحتمل أن يكون أبو داود رحمه الله بعدما ذكر حديث عثمان وفيه ذكر المسح مرة واحدة والمسح ثلاثاً، وحديث علي ليس فيه ذكر المسح ثلاثاً أشار بعد ذلك إلى شيء عند علي يشبه ما جاء عن عثمان الذي تقدم من أنه جاء عنه مرة وجاء عنه ثلاثاً، وعلى هذا فتكون العبارة معناها أن حديث ابن جريج عن شيبة عن علي يشبه حديث عثمان .
وأحاديث علي التي تقدمت ليس فيها ذكر المسح ثلاثاً، فلعل أبا داود رحمه الله أراد أن ينبه إلى أن الذي جاء عن عثمان من قبل من جهة المرة والثلاث المرات قد جاء عن علي مرة من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج عن شيبة وفيه: (ومسح مرة واحدة) وجاء مرة من طريق عبد الله بن وهب عن ابن جريج عن شيبة وفيه: (ومسح ثلاث مرات)، فتكون القضية أن ما عند ابن جريج عن علي يشبه ما جاء عن عثمان يعني: من ذكر الثلاث.
وشيبة الذي يروي عنه ابن جريج هو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وهذا يوضح ما سبق أن قلت فيما مضى: إن الذين علق عنهم أبو داود لا يذكرون في كتب الرجال التي تتعلق بالكتب الستة؛ لأنه عند النسائي وحده.
فإذاً: هذا يدلنا أن الذين يشير إليهم أبو داود أو يعلق عنهم أبو داود وليس لهم رواية في الأصول المتصلة أنه لا يذكرهم أهل التراجم وأصحاب المؤلفات في التراجم الذين ألفوا على الكتب الستة كالكمال وما تفرع عنه، كتهذيب الكمال، ثم الكتب التي تفرعت بعد ذلك.
وقوله: [وحديث ابن جريج عن شيبة يشبه حديث علي ].
وقوله: [قال فيه حجاج بن محمد عن ابن جريج : (ومسح برأسه مرة واحدة) ] يعني: أن حجاج بن محمد روى عن ابن جريج عن شيبة وقال فيه: (ومسح برأسه مرة واحدة)، وهذا يتفق مع الروايات الكثيرة التي جاءت عن علي وجاءت عن عثمان ، وجاءت عن غيرهم من الصحابة.
وقوله: [وقال ابن وهب فيه عن ابن جريج : (ومسح برأسه ثلاثاً) ].
يعني: أن ابن وهب قال في حديث ابن جريج عن شيبة : (ومسح برأسه ثلاثاً)، وقد قلنا: إن ما جاء من الروايات في مسح الرأس ثلاثاً إما أن تكون ضعيفة وإما أن تكون صحيحة من حيث الإسناد ولكنها شاذة لمخالفتها الروايات الكثيرة التي هي الاقتصار على مرة واحدة.
أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث من طريق الصحابي عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن يحيى بن عمارة المازني وهو أبو عمرو بن يحيى المازني قال لـعبد الله بن زيد : (هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال: نعم، فدعا بوضوء -يعني: دعا بماء يتوضأ به- فأفرغ على يديه فغسل يديه) وما ذكر العدد، لكنه جاء في الروايات الأخرى أنه غسلها ثلاثاً.
قوله: [(ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين)] يعني: أنه غسل كل يد مرتين إلى المرفقين.
وفي هذه الرواية ذكر التثليث والتثنية؛ لأنه ثلث في غسل الوجه وفي المضمضة، وثنى في غسل اليدين، يعني: كل يد غسلها مرتين، وهذا فيه التفاوت في العدد بين أعضاء الوضوء، وأنه يمكن أن يكون بعضها ثلاثاً وبعضها اثنتين وبعضها واحدة؛ لأن التثليث جاء فيها كلها إلا الرأس، وجاءت التثنية وجاءت المرة الواحدة، وجاء اختلاف العدد بين عضو وعضو؛ فإنه هنا جعل غسل الوجه ثلاثاً وجعل غسل اليدين مرتين، وكل ذلك صحيح.
قوله: [ (ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر) ] يمكن أن يفسر الإقبال على أنه بدأ بمؤخر رأسه حتى انتهى إلى الأول ثم رجع من الخلف مقبلاً، ثم أدبر يعني: رجع إلى الخلف، ومنهم من قال: إن الواو في قوله: (وأدبر) لا تقتضي الترتيب، بل يمكن أن يكون المقصود أنه أدبر وأقبل فيكون من جنس التفصيل الذي جاء بعده حيث قال: (بدأ بمقدم رأسه حتى انتهى إلى قفاه ورجع إلى المكان الذي بدأ منه) يعني: كونه يبدأ بمؤخرة رأسه حتى ينتهي إلى أول ثم يرجع لا يتفق مع هذا القول، لكن يمكن أن يتفق معه على تفسير آخر بأن يقال: (أقبل) يعني: مسح المقدم الذي هو الجهة الأمامية، (وأدبر) يعني: مسح المكان المتأخر كما يقال: أنجد وأتهم يعني: إذا مشى في نجد ومشى في تهامة، وعلى هذا التفسير يتفق ما جاء في أول الحديث وآخره.
فإذاً: كلمة (أقبل وأدبر) إما أن تفسر بأن الواو لا تقتضي الترتيب، أو أن (أقبل) معناه: مسح المقدم، و(أدبر) مسح المؤخر.
وقوله: [ (ثم غسل رجليه) ] ولم يذكر عدداً، لكنه جاء في الروايات الأخرى المتعددة أنه غسلهما ثلاثاً.
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن يحيى المازني ].
عمرو بن يحيى المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه هو يحيى بن عمارة المازني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه قال لـعبد الله بن زيد بن عاصم ].
هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن زيد بن عاصم من طريق أخرى وأحال فيه على الطريق المتقدمة إلا أنه ذكر ما يتعلق بالمضمضة والاستنشاق أنه فعل ذلك من كف واحدة، يعني: أنه يأخذ كفاً من الماء فيضع في فمه بعضه ثم يستنشق الباقي، فذكر أنه مضمض واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاث مرات.
هو: مسدد بن مسرهد وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[حدثنا خالد ].
هو خالد بن عبد الله الطحان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن عبد الله بن زيد بن عاصم ].
قد مر ذكر الثلاثة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وأشار إليه حتى انتهى إلى آخره فذكر أنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه، يعني: أنه أخذ ماءً جديداً وليس بالماء الذي علق بعدما غسل اليدين، ومسح به رأسه، وأما بالنسبة لمسح الرأس مع الأذنين فإن الأذنين تمسحان بماء الرأس؛ لأن حكمهما حكم الرأس يمسحان كما يمسح الرأس ويكون ذلك بماء واحد.
قوله: [ (وغسل رجليه حتى أنقاهما) ].
وليس فيه ذكر العدد، وإنما فيه ذكر التنظيف والإنقاء، وذكر الإنقاء بالنسبة للرجلين؛ لأن الرجلين هي التي تباشر الأرض ويصيبها الغبار ويحصل فيها الأوساخ، ولكن ليس هذا أنها تغسل بماء كثير يتجاوز الثلاث، بل في حدود الثلاث، كما جاءت الروايات الأخرى مبينة، وكما جاء النهي عن التعدي والزيادة على الثلاث.
هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن الحارث ].
هو عمرو بن الحارث المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن حبان بن واسع حدثه] .
حبان بن واسع صدوق، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي .
[أن أباه حدثه].
أبوه هو واسع بن حبان قيل: إنه صحابي ابن صحابي، وقيل: بل ثقة، يعني: أنه إذا لم يكن صحابي فهو ثقة؛ لأن الصحابي لا يحتاج إلى أن يوثق وإنما يكفيه أن يقال: صحابي، لكن على القول بأنه غير صحابي فهو ثقة؛ لأن غير الصحابة هم الذين يحتاجون إلى تعديلهم وتوثيقهم وبيان أحوالهم، وأما الصحابة فإنه لا يحتاج معهم إلى شيء من هذا بعد تعديل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم، فلا يحتاجون بعد ذلك إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع عبد الله بن زيد بن عاصم ].
عبد الله بن زيد بن عاصم قد مر ذكره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر