أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث من طريق المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه، وذلك أنه بعدما فرغ من الأحاديث التي جاءت عن طريق عبد الله بن زيد بن عاصم أتى بالأحاديث التي جاءت من رواية المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه.
وفي هذا الحديث قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ: فغسل يديه ثلاثاً، وتمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً -أي: كل يد ثلاثاً ثلاثاً- ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما)، يعني: مرة واحدة وانتهى عند هذا الحد، ولم يذكر غسل الرجلين، أي: أنه ذكر الحديث مختصراً.
وذكر في المسح أنه مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، يعني: مرة واحدة، ومسح الأذنين يكون مع الرأس؛ لأن الأذنين من الرأس، فيمسحان ولا يغسلان، وقد جاء بيان كيفية مسحهما، وأنه يضع السبابة في داخل الأذنين والإبهام على ظهر الأذنين فيمسح بهما باطن الأذنين وظاهرهما، باطنهما بالسبابة وظاهرهما بالإبهام، كما جاء في بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تبين أنه توضع السبابة في داخل الأذنين والإبهام في خارج الأذنين، ومسحهما يكون مع مسح الرأس.
أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو المغيرة ].
أبو المغيرة هو عبد القدوس بن حجاج وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حريز ].
هو حريز بن عثمان الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي ].
عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي مقبول، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة .
[سمعت المقدام بن معد يكرب الكندي ].
المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.
أورد أبو داود رحمه الله حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، وفيه: (أنه توضأ حتى وصل إلى رأسه فوضع كفيه على مقدم رأسه وأمرَّهما إلى آخره، ثم رجع إلى المكان الذي منه بدأ) وهذا يتفق مع ما تقدم في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم في قوله: (بدأ بمقدم رأسه حتى انتهى إلى قفاه ثم رجع إلى المكان الذي بدأ منه) ففيه بيان كيفية مسح الرأس، وأنه يكون له كله بحيث يستوعب في المسح، فلا يسمح بعضه ويترك بعضه، وأن طريقة المسح أن يبدأ بالمقدم حتى ينتهي إلى الآخر ويرجع إلى المكان الذي بدأ منه مرة واحدة.
هو محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ ويعقوب بن كعب الأنطاكي ].
يعقوب بن كعب الأنطاكي ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[ لفظه ].
يعني: أن اللفظ الموجود هو للشيخ الثاني الذي هو يعقوب بن كعب الأنطاكي ، فالضمير يرجع إلى يعقوب بن كعب الأنطاكي ، يعني: أن اللفظ لفظه، وليس لفظ الشيخ الأول الذي هو محمود .
[ قالا: حدثنا الوليد بن مسلم ].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي ثقة يدلس ويسوي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن المقدام بن معد يكرب ].
قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال محمود : قال: أخبرني حريز ].
لما قال أبو داود رحمه الله تعالى: إن اللفظ لفظ يعقوب أشار إلى شيء عند محمود الذي لم يسق لفظه وهو تصريح الوليد بن مسلم بالإخبار عن حريز بن عثمان ، وعلى هذا فيكون التدليس الذي يخشى من الوليد بن مسلم -لأنه مدلس- قد زال بتصريحه بالإخبار الذي جاء من طريق محمود بن خالد الذي هو شيخ المصنف الأول؛ لأنه ساقه على لفظ الشيخ الثاني وفيه الرواية بالعنعنة؛ لأن طريق يعقوب بن كعب الأنطاكي فيها: الوليد عن حريز ، لكن لفظ محمود : أخبرني حريز ، فقوله: أخبرني حريز هذه تصريح بالسماع، فينتفي احتمال التدليس، ولهذا أشار أبو داود رحمه الله إلى لفظ محمود بن خالد وأن فيه تصريح الوليد بن مسلم بالسماع من حريز بن عثمان ، فاحتمال كونه دلس في هذا الحديث قد زال بالتصريح بالسماع.
فـالوليد صرح بينه وبين شيخه بالتحديث، لكن بقي بعد ذلك تدليس التسوية؛ لأنه يدلس ويسوي، يعني: أن عنده تدليس إسناد وتدليس تسوية.
أورد أبو داود حديث المقدام بن معد يكرب من طريق أخرى وفيه: (ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما) وزاد هشام الذي هو الشيخ الثاني: ( وأدخل أصابعه -يعني: السبابتين- في صماخ أذنيه) يعني: في الثقب أو في شق الأذن، وقد جاء في بعض الروايات: (أنه يجعل السبابة في داخلهما والإبهام في خارجهما)، وهنا فيه الإشارة إلى أنه أدخل الأصابع -أي: السبابتين- في صماخهما، يعني: في شق الأذنين.
محمود بن خالد مر ذكره، وهشام بن خالد صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[المعنى].
يعني: أن هذين الشيخين لم يتفقا في الألفاظ في حديثهما، ولكنهما اتفقا في المعنى، وهذه طريقة أبي داود رحمه الله، وقد سبق في موضع أنه ذكر ثلاثة من شيوخه، ثم قال: المعنى، يعني: أنهم متفقون في المعنى مع اختلافهم في الألفاظ، وهنا ذكر شيخين وقال: المعنى. أي: أنهما متفقان في المعنى مع اختلافهما في بعض الألفاظ.
[قالا: حدثنا الوليد بهذا الإسناد].
أي: بالإسناد الذي تقدم.
بعدما ذكر أبو داود رحمه الله حديث المقدام بن معد يكرب أتى بحديث معاوية رضي الله عنه، وأنه توضأ للناس، يعني: أنه أراد أن يريهم الوضوء وكيفية الوضوء، وهذا كما ذكرت من كمال نصح الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وحرصهم على بيان السنن للناس، بالقول والفعل، فإن عثمان رضي الله عنه توضأ للناس، وعلي رضي الله توضأ وكان قد صلى، فقالوا: إنما يريد أن يعلمنا. ومعاوية رضي الله عنه توضأ للناس يريد أن يريهم كيفية وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما جاء إلى رأسه أخذ بيده اليمنى غرفة من ماء وجعلها في يده اليسرى، ثم وضعها على وسط رأسه، ثم مسح بمقدم رأسه إلى قفاه. وهذا فيه بيان أن الرأس يمسح بماء جديد، يعني: غير فضل اليدين الذي يبقى بعد غسل اليدين إلى المرفقين، وإنما مسحه بماء جديد فوضع ذلك على رأسه ثم مسح من مقدمه إلى مؤخره ومن مؤخره إلى مقدمه. يعني: أنه بدأ بالمقدم حتى انتهى بالمؤخر ورجع إلى المكان الذي بدأ منه.
هو مؤمل بن الفضل الحراني الجزري صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء ].
الوليد بن مسلم قد مر ذكره، وعبد الله بن العلاء ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو الأزهر المغيرة بن فروة ].
أبو الأزهر المغيرة بن فروة مقبول، أخرج له أبو داود .
[و يزيد بن أبي مالك ].
هو يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[أن معاوية ].
هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه أمير المؤمنين صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وأخذ ماء جديد للرأس الذي يبدو أنه يجب؛ لأنه جاءت الأحاديث بأنه صلوات الله وسلامه عليه لم يمسحهما بالماء المتبقي بعد غسل اليدين إلى المرفقين، بل أخذ ماءً جديداً.
أورد المصنف رحمه الله حديث معاوية رضي الله عنه من طريق أخرى وفيه أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وغسل رجليه بغير عدد، يعني: أنه لم ينص على ذكر العدد، ولكن العدد جاء مبيناً في الرواية الأخرى، وجاء أنه لا يزاد على ثلاث، فإذا جاء بغير عدد فمعناه أنه يكون في حدود ما قد ورد، فرواية بغير عدد إما أن تكون مقيدة في حدود ما ورد أو تكون شاذة.
قوله: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد ].
محمود بن خالد والوليد قد مر ذكرهما.
قال أبو داود : وهذا معنى حديث مسدد ].
أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث الذي جاء من طريق الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله تعالى عنها، وهو في بيان صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إليهم في بيتهم، وأنه قال: (اسكبي لي وضوءاً -يعني: صبي أو أفرغي من الإناء الكبير في إناء يتوضأ به- فسكبت له وضوءاً فتوضأ) ثم ذكرت كيفية وضوء رسول الله فقالت: (فغسل كفيه ثلاثاً -يعني: قبل إدخالها في الإناء- ثم وضأ وجهه ثلاثاً، ومضمض واستنشق مرة واحدة)، وذكر المضمضة والاستنشاق بعد الوجه لا يعني أنهما تكونان بعد ما يفرغ من الوجه، بل يكونان قبل البدء في غسل الوجه، كما تقدم ذلك في الأحاديث أنه يتمضمض ويستنشق ثم يغسل وجهه، وفيه أنها مرة واحدة، وقد جاء أنها ثلاث مرات، وكل ذلك سائغ.
قوله: [ (ووضأ يديه ثلاثاً) ].
يعني: غسل يديه ثلاثاً.
قوله: [ (ومسح برأسه مرتين) ].
يعني: إذا كان قوله: (مسح برأسه مرتين) يقصد به الإقبال والإدبار وأنهما حسبا شيئين فهذا لا إشكال فيه؛ لأنه لم يخرج عن المسحة الواحدة؛ لأن المسحة الواحدة فيها إقبال وإدبار، وإن كان المقصود أكثر من مسحة بحيث يأخذ ماءً ثم يمسح ثم يأخذ ماءً ثم يمسح، فيكون في ذلك زيادة في العدد، وهذا خلاف ما ثبت في الروايات الكثيرة من أن المسح يكون مرة واحدة، لكن يمكن أن يحمل قوله: (مرتين) بما يتفق مع الروايات؛ وذلك بأن يكون الإقبال حسب مرة والإدبار مرة، وعلى هذا لا إشكال إذا كان هذا هو المعنى، أما إن كانت المسحة الثانية مستقلة عن الأولى فيكون فيه زيادة عن المرة الواحدة، وهذا خلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلاف المحفوظ في الروايات الكثيرة في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه وبأذنيه كلتيهما: ظهورهما وبطونهما) ].
هذا أيضاً مشكل على ما تقدم من الروايات: (أنه يبدأ بمقدم رأسه حتى ينتهي إلى قفاه ثم يرجع إلى المكان الذي بدأ منه)، وبعض أهل العلم قال: إن ذلك سائغ؛ لأن المهم أن يمسح الرأس، سواءً بدأ بالمقدم أو المؤخر. لكن الروايات الكثيرة جاءت مبينة أن المسح يكون بالبدء بمقدم الرأس حتى الانتهاء إلى القفا ثم الرجوع إلى المكان الذي بدأ منه.
قوله: [ (ووضأ رجليه ثلاثاً ثلاثاً) ].
يعني: غسلهما ثلاثاً ثلاثاً.
[حدثنا بشر بن المفضل ].
بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ].
هو عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ، وهو صدوق في حديثه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[عن الربيع بنت معوذ بن عفراء ].
الربيع بنت معوذ بن عفراء صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود : وهذا معنى حديث مسدد ].
يعني: أن الحديث ذكره أبو داود بالمعنى ولم يذكره باللفظ؛ لأن الحديث كله جاء من طريق واحد من طريق مسدد ، لكنه قال: وهذا معنى حديث مسدد ، يعني: ليس لفظه، وكأن أبا داود لم يضبط اللفظ، ولكنه ضبط المعنى، فأتى به وأشار إلى أن الذي أثبته هنا إنما هو بالمعنى وليس باللفظ، ومن المعلوم أن اللفظ إذا أمكن ضبطه والمحافظة عليه فهذا هو الذي لا ينبغي العدول عنه؛ لأن ألفاظ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يحافظ عليها، وألا يتصرف فيها إلا عند الحاجة، ولكن إذا لم يضبط الراوي اللفظ ولكنه ضبط المعنى فيتعين عليه أن يؤديه على الوجه الذي تمكن منه، فإذا لم يتمكن من اللفظ وتمكن من ضبط المعنى ومن فهم المعنى فإنه يرويه بالمعنى؛ لقوله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ولا يتركه لكونه لم يضبط اللفظ، بل إذا كان قد ضبط المعنى فيرويه بالمعنى، وبعض أهل العلم يجيز الرواية بالمعنى، لكن بشروط منها: أن يكون ذلك من شخص عارف بمقتضيات الألفاظ وبما يحيل المعاني، ولكن مهما يكن من شيء فإن المحافظة على ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم والإتيان بها كما جاءت هذا هو الذي لا ينبغي العدول عنه.
أورد المصنف حديث الربيع من طريق أخرى وأشار إلى أن لفظه قريب من لفظ بشر وأنه غير بعض الألفاظ التي جاءت في حديث بشر ، ومما جاء فيه (أنه تمضمض واستنشق ثلاثاً)، والذي تقدم في حديث بشر : (أنه تمضمض واستنشق مرة واحدة).
وقوله ([وتمضمض واستنثر ثلاثاً)].
الاستنثار والاستنشاق متلازمان كما ذكرنا؛ فالاستنشاق هو: جذب الماء إلى داخل الأنف، والاستنثار هو: إخراجه من الأنف، وكل منهما ملازم للثاني، فالاستنشاق يعقبه استنثار، والاستنثار يسبقه استنشاق، فهما شيئان متلازمان.
هو إسحاق بن إسماعيل الطالقاني وهو ثقة، أخرج له أبو داود .
[حدثنا سفيان ].
سفيان هو: ابن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عقيل ].
ابن عقيل هو عبد الله بن محمد بن عقيل الذي مر ذكره.
أورد أبو داود رحمه الله حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه ذكر الإشارة إلى كيفية مسح الرأس.
قوله: [ (فمسح رأسه كله من قرن الشعر) ].
قرن الشعر هو: مقدم الرأس.
قوله: [ (كل ناحية بمنصب الشعر) ].
يعني: الجهات التي يسترسل وينزل معها الشعر، ومنصب الشعر هو: المكان الذي ينزل معه الشعر.
قوله: [ (لا يحرك الشعر عن هيئته) ].
يعني: أنه لا يجعل يده تحركه، وإنما هو على هيئته التي هو عليها، أي: أنه يمسح على رأسه كله من جميع الجوانب بحيث يستوعبه مسحاً، يبدأ من مقدم رأسه إلى منصب الشعر الذي هو الجوانب التي ينزل فيها الشعر حتى ينتهي إلى القفا دون أن يحرك الشعر، بمعنى: أنه لا يجعل يده تدخل مع الشعر، أو تتخلل في الشعر، وإنما يترك الشعر على هيئته وعلى وضعه.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ويزيد بن خالد الهمداني ].
يزيد بن خالد الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[قالا: حدثنا الليث ].
هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عجلان ].
ابن عجلان هو محمد بن عجلان المدني صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
ومحمد بن عجلان هذا قيل: إن أمه حملت به أربع سنين.
[ عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء ].
عبد الله بن محمد بن عقيل والربيع قد مر ذكرهما.
أورد المصنف حديث الربيع بنت معوذ من طريق أخرى، وهو يتعلق بمسح الرأس، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم مسح ما أقبل وأدبر وصدغيه وأذنيه، يعني: أنه مسح الرأس كله، ولم يترك منه شيئاً، بل استوعبه مسحاً المقدم والمؤخر والأذنين والصدغين. والصدغ هو: الذي بين العين والأذن.
قوله: [مرة واحدة].
يعني: أنه مسحه مرة واحدة، وهذا تنصيص على أن المسح يكون مرة واحدة.
مر في هذا الباب باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم عن جماعة من الصحابة بيان صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مرت جملة من الطرق التي فيها صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله تعالى عنها، وهذه طريق أخرى من طرق حديثها في بيان صفة وضوئه عليه الصلاة والسلام، وفي هذه الطريق: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يديه)، والمقصود من ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من ماء بقي في يديه بعد أن غمسهما في الإناء، فيكون ذلك الفضل الذي كان في يديه ليس فضل غسل اليدين إلى المرفقين، بل أخذ ماءً جديداً ولكنه ما أخذه وصبه على رأسه صباً، وإنما كانت يداه مبلولة بفضل ماء جديد وليس مما بقي في اليدين من الرطوبة بعد غسل اليدين إلى المرفقين.
وقد ذكرنا فيما مضى كيفية مسح الرأس وأنها جاءت بمسحه كله من أوله إلى آخره، وأن طريقة المسح تكون بالبدء من مقدمه إلى مؤخره، ثم الرجوع من مؤخره إلى مقدمه، وهو المكان الذي بدأ منه، هذا هو الحكم في مسح الرأس، وأنه يستوعب الرأس مسحاً، ويكون مسحه بالبدء من مقدمه حتى الانتهاء إلى مؤخره، ثم الرجوع إلى المكان الذي بدأ منه، وأن الأذنين من الرأس، وأنهما يمسحان بالماء الذي يمسح به الرأس؛ لأنهما من الرأس في حكم المسح، فهما يمسحان، ولا يغسلان.
هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[حدثنا عبد الله بن داود ].
هو عبد الله بن داود الخريبي ، وهو ثقة عابد، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن سفيان بن سعيد ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
[عن ابن عقيل ].
ابن عقيل هو: عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي ، وهو صدوق في حفظه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[عن الربيع بنت معوذ ].
هي الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله تعالى عنها صحابية من صغار الصحابة،
وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود رحمه الله هذه الطريق من حديث الربيع ، وفيه اختصار؛ لأنه ما ذكر منه إلا ما يتعلق بمسح الأذن، وأنه أدخل أصبعيه في جحري أذنيه، يعني: أنه أدخلهما -كما مر في بعض الروايات- في الصماخ، يعني: في الثقب والشق، وقد مر في بعض الروايات أنه جعل فيها أصابعه، والمقصود بذلك: أصبعيه السبابتين، وقد جاء في بعض الروايات تفصيل كيفية مسح الأذنين وذلك أن السبابتين يكونان في داخل الأذنين والإبهامين يمسحان ظاهرهما، فتكون السبابتان تمسحان داخلهما، والإبهامان تمسحان ظاهرهما، وسيأتي في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص تفصيل ذلك في بيان أن السبابتين تكونان في الداخل، والإبهامين يكونان للخارج.
وقوله: [ (في جحري أذنيه) ] في بعض النسخ: (حجري أذنيه) فلا أدري أيهما أصوب، ولكن إن كان (حجري أذنيه) فالمقصود به: الخرق والثقب، وإن كانت الرواية بلفظ: (حجري) فحجر الشيء هو: داخله مثل حجر الإنسان يعني: ما يكون بين رجليه، فإذا كانت ثابتة بهذا اللفظ فيمكن تفسيرها على وجه يكون له معنى، والمقصود: أنه هذا الشيء الداخل في الأذن؛ لأن الأذن فيها شيء بارز وفيها شيء داخل، والأصبع إنما يدخل في ذلك الداخل الذي هو جحر أو صماخ أو ثقب أو حجر إذا كانت الرواية صحيحة، لكن إطلاق الحجر غالباً لا يكون إلا على حجر الإنسان.
هو إبراهيم بن سعيد الجوهري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الحسن بن صالح ].
الحسن بن صالح بن حي ثقة أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع ].
عبد الله بن محمد بن عقيل والربيع قد مر ذكرهما.
أورد أبو داود رحمه الله حديث جد طلحة بن مصرف وهو كعب بن عمرو أو عمرو بن كعب ، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه -يعني: عندما توضأ- حتى بلغ القذال)، والقذال هو: أول القفا، وهذا في رواية أحد الشيخين لـأبي داود ، ورواية الشيخ الثاني وهو مسدد : (أنه مسح من مقدم رأسه ومؤخره حتى أخرج يديه من تحت أذنيه)، يعني: أنه استوعب الرأس كله، وقد سبق في الأحاديث العديدة الكثيرة التي فيها مسح الرأس كله أنه يمسح من أوله إلى آخره ثم يرجع من آخره إلى أوله، وهذا الذي جاء في بعض الروايات (أول القفا) إذا لم يكن المقصود به استيعاب الرأس إلى آخره فإنه يكون مخالفاً للأحاديث المتقدمة.
وهذا الحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده رجلاً مجهولاً، وهو والد طلحة بن مصرف الذي هو مصرف بن عمرو بن كعب أو مصرف بن كعب بن عمرو ، فالحديث غير صحيح، لكن ما يتعلق بكيفية المسح وأنه مسح الرأس مقدمه ومؤخره -كما جاء في رواية مسدد - مطابق لما جاء في الرواية الأخرى التي فيها استيعاب الرأس مسحاً، وعدم الاكتفاء بمسح شيء منه أو جزء منه.
هو محمد بن عيسى الطباع البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .
[ ومسدد ].
مسدد قد مر ذكره.
[قالا: حدثنا عبد الوارث ].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ليث ].
هو ليث بن أبي سليم ، وهو صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك؛ لأن المختلط إذا عرف ما كان من حديثه قبل الاختلاط وتميز ما كان قبل الاختلاط عما بعد الاختلاط فإن ما كان بعد الاختلاط يرد، وما كان قبل الاختلاط هو الذي يقبل، ولكنه إذا لم يتميز بأن اختلط وما عرف المتقدم من المتأخر فإنه يترك حديثه؛ لأنه ما عرف المتقدم على الاختلاط حتى يؤخذ به فصار مجهولاً، وعلى هذا فيكون غير معتبر؛ لأنه غير متميز ما كان قبل الاختلاط عما كان بعد الاختلاط.
فهذا الحديث فيه جهالة والد مصرف ، وأيضاً فيه ليث بن أبي سليم .
فإذا كان ليث بن أبي سليم هو الذي في سند هذا الحديث فإنه يصير علة أخرى مع جهالة والد طلحة ؛ لأنه اختلط ولم يتميز حديثه فترك، لكن أنا رأيت أن الكلام كله يدور حول رواية طلحة عن أبيه عن جده، وما ذكروا ليث بن أبي سليم فلا أدري هل هو اكتفاءً بذكر المجهول وأن ذلك وحده يكفي في عدم قبول الحديث، أو أن الليث هو غير الليث بن أبي سليم ، فهذا يحتاج إلى معرفة ليث بن سعد هل من شيوخه طلحة بن مصرف ومن تلاميذه عبد الوارث بن سعيد أم لا؟
[عن طلحة بن مصرف ].
طلحة بن مصرف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه مصرف مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[عن جده].
جده صحابي أخرج حديثه أبو داود وحده، وبعضهم يقول: إنه مجهول، يعني: أنه ليس بصحابي، لكن في الحديث هنا يقول: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه) وهذا إن ثبت يدل على الصحبة.
[قال أبو داود : قال مسدد : فحدثت به يحيى فأنكره].
قال أبو داود : قال مسدد : فحدثت به يحيى بن سعيد القطان فأنكره، يعني: اعتبر هذا الحديث منكراً.
[وقال أبو داود : وسمعت أحمد يقول: إن ابن عيينة زعموا أنه كان ينكره ويقول: إيش هذا: طلحة عن أبيه عن جده؟!].
يعني: أنه أنكر هذا ولم يعتبره شيئاً، والسبب كما هو معلوم ليس من جهة طلحة ، ولكن من جهة أبيه الذي هو مصرف ؛ إذ هو مجهول.
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ وذكر الحديث وقال: ثلاثاً ثلاثاً)، يعني: الحد الأعلى في الوضوء الذي هو الإسباغ، وقوله: (ثلاثاً ثلاثاً)، يعني: من غير الرأس؛ لأن الرأس جاءت الأحاديث الكثيرة بأنه يمسح مرة واحدة.
فإذاً: قوله: (ثلاثاً ثلاثاً) يحمل على ما عدا الرأس؛ لأنه يمسح ولا يغسل.
قوله: [قال: (ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة) ].
يعني: أن الماء الذي مسح به جمع فيه بين مسح الرأس ومسح الأذنين، والأذنان من الرأس كما ذكرنا، ولذا يمسحان كما يمسح الرأس ، ويكون الماء الذي تمسح به الأذنان هو ما تبقى بعد مسح الرأس في اليدين.
هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[حدثنا يزيد بن هارون ].
هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عباد بن منصور ].
عباد بن منصور صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عكرمة بن خالد ].
عكرمة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس ].
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي أمامة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح المأقين، أو الماقين) والمأقان أو الماقان هما: طرفا العين أو جانبا العين مما يلي الأنف، ومن المعلوم أن الوجه كله يغسل ولا مسح فيه، وإنما المسح للرأس وللأذنين.
قوله: [وقال: (الأذنان من الرأس) ] فيه أن الأذنين من الرأس في حكم المسح، وليستا من الوجه في الحكم بحيث تغسلان كما يغسل الوجه، وإنما هما من الرأس فتمسحان كما يمسح الرأس، يعني: أن حكمهما المسح كالرأس وليس حكمهما الغسل كالوجه.
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد ].
حماد هو ابن زيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا مسدد ].
ح يؤتى بها للتحويل من إسناد إلى إسناد آخر، ومسدد قد مر ذكره.
[و قتيبة ].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف ، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة ].
سنان بن ربيعة صدوق فيه لين، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[عن شهر بن حوشب ].
شهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي أمامة ].
هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
يعني: أن هذا القول: (الأذنان من الرأس) هو من قول أبي أمامة ، وقال قتيبة : قال حماد بن زيد : لا أدري هل هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي أمامة . يعني: (الأذنان من الرأس الأذنان). يعني: أن حماد بن زيد تردد وشك هل هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو من كلام أبي أمامة.
يعني: أن قتيبة قال في حديثه: عن سنان أبي ربيعة وقال مسدد وسليمان بن حرب : سنان بن ربيعة . قال أبو داود : ولا إشكال في ذلك؛ لأن سنان بن ربيعة هو أبو ربيعة فوافقت كنيته اسم أبيه، ومعرفة من وافقت كنيته اسم أبيه نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة ذلك: دفع احتمال التصحيف؛ لأنه إذا كان معروفاً بأنه سنان بن ربيعة ولا يدري بعض الناس أن كنيته أبو ربيعة فلو جاء في الإسناد سنان أبي ربيعة فإن الذي لا يعرف سيقول: (أبي) مصحفة عن (ابن) والذي يعرفه سيقول: هذا كلام صحيح فهو سنان بن ربيعة وهو سنان أبو ربيعة ؛ لأن كنيته وافقت اسم أبيه، يعني: أن أبا سنان اسمه ربيعة وكنيته أبو ربيعة ، فإن قيل: عن سنان أبي ربيعة فهو كلام صحيح، وإن قيل: سنان بن ربيعة فهو أيضاً كلام صحيح ولا تصحيف؛ لأن الذي لا يفهم يظن أن (أبي) مصحفة عن (ابن) والرسم قريب بين (ابن) و(أبي).
ففائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث دفع احتمال التصحيف أو توهم التصحيف بين كلمة (أبي) و(ابن)، ولهذا قال أبو داود بعد ذلك: سنان هو ابن ربيعة . وهو أبو ربيعة فمن قال: سنان بن ربيعة ومن قال: سنان أبو ربيعة كله كلام صحيح.
وحديث: (الأذنان من الرأس) جاء عن جماعة من الصحابة، وصححه بعض أهل العلم، وقالوا: مما يؤيده ويوضحه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الكثيرة أنه كان يمسح الأذنين تبعاً للرأس، وفي ذلك توضيح وبيان لهذا المعنى الذي هو قوله: (الأذنان من الرأس) يعني: أنهما ممسوحتان لا مغسولتان.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر