حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأفلت بن خليفة قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن تنزل فيهم رخصة، فخرج إليهم بعد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب).
قال أبو داود : هو فليت العامري ].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: باب في الجنب لا يدخل المسجد. المقصود حكم دخول الجنب المسجد، والحكم في هذا هو أن الجنب لا يدخل المسجد، إلا إذا كان ماراً وعابر سبيل فإنه يجوز له ذلك، وأما أن يمكث في المسجد ويبقى في المسجد فإنه لا يجوز له ذلك؛ لقول الله عز وجل: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]، فهذه الآية الكريمة تدل على أن الجنب ليس له أن يدخل المسجد، وإنما له أن يمر مروراً إذا احتاج إلى ذلك، أما أن يمكث فيه فإن ذلك لا يجوز.
وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد والبيوت كانت مشرعة إلى المسجد) يعني: لها أبواب إلى المسجد، فأمر عليه الصلاة والسلام أن تصرف هذه الأبواب إلى جهة أخرى بحيث لا يكون دخولها أو الوصول إليها من طريق المسجد، وإنما يكون من طرق أخرى أو من مكان آخر خارج المسجد، ثم إنه عليه الصلاة والسلام بعد ذلك رأى أن الأمر على ما هو عليه، وأنه لم يحصل التحويل الذي أرشد إليه صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كما جاء في الحديث لم يفعلوا ذلك رجاء أن تحصل لهم رخصة، وأن يبقى الأمر على ما هو عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أكد كلامه السابق وقال: (فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)، ومن المعلوم أن أبواب البيوت إذا كانت من جهة المسجد، والطريق إليها من المسجد؛ فإنه يحصل الدخول والمرور، ولكن إذا كانت أبوابها إلى جهة أخرى فلا يكون هناك سبيل إلى تطرق المسجد والدخول فيه، لكن إذا كان الإنسان محتاجاً إلى المرور في المسجد فقد جاء نص القرآن في جواز ذلك، قال الله عز وجل: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]، ومثل الجنب الحائض لا تمكث في المسجد، ولها أن تمر في المسجد لكن بشرط أن يؤمن التلويث، بحيث لا يتساقط منها دم يقع في المسجد، فإذا احتاجت إلى المرور ولم يكن هناك محذور في مرورها وأمنت التلويث، فإن لها أن تمر إذا احتاجت إلى المرور في المسجد، ولم تجد بداً من ذلك، أما المكث فليس لها أن تمكث ولو أمنت التلويث مثل الجنب، ومما يدل على اعتزال الحيض المساجد وعدم مكثهن في المساجد ما جاء في حديث أم عطية في صلاة العيد قالت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض وذوات الخدور أن يخرجن إلى الصلاة، وأمرهن أن يعتزلن المصلى)، بمعنى أنهن لا يمكثن في مكان الصلاة، وإنما يكن في ناحية غير المكان الذي تصلى فيه صلاة العيد، وهذا يدل على أن الحائض ليس لها أن تمكث في المسجد، وليس لها أن تبقى في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتزل مصلى العيد، فالمسجد من باب أولى، ولكن المرور لأمر يقتضيه يجوز.
مسدد ابن مسرهد وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[حدثنا عبد الواحد بن زياد ].
عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأفلت بن خليفة ].
هو الأفلت بن خليفة العامري ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة ].
جسرة بنت دجاجة وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[قالت: سمعت عائشة ].
عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث في إسناده جسرة وهي مقبولة.
[قال أبو داود : هو فليت العامري ].
يعني: يأتي أفلت ويأتي فليت ، فأراد أن يبين أنه يسمى بهذا ويسمى بهذا، وأنه لا تنافي بين اللفظين، إذا جاء أفلت في موضع وجاء فليت في موضع ما يقال: هذا شخص آخر أو هذا غير هذا، بل هذا هو هذا.
وهذا الحديث يحتمل أنه نفس الحديث الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب ما عدا باب
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه وقال في أوله: (فكبر وقال في آخره: فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر وإني كنت جنباً).
قال أبو داود : رواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال: (فلما قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف ثم قال: كما أنتم).
قال أبو داود : ورواه أيوب السختياني وابن عون وهشام عن محمد مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فكبر ثم أومأ بيده إلى القوم أن اجلسوا فذهب فاغتسل).
وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة).
قال أبو داود : وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا أبان عن يحيى عن الربيع بن محمد (عن النبي صلى الله عليه آله وسلم أنه كبر).
أورد أبو داود هذه الترجمة: وهي باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس.
هذه الترجمة معقودة في كون الإمام يصلي وهو جنب نسياناً، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق النسيان؛ لأن الطهارة لابد منها من الحدث الأكبر والأصغر.
في الترجمة بيان الحكم فيما إذا صلى الإمام بالناس وهو جنب، فإذا علم بذلك بعد أن فرغ من الصلاة فإن عليه أن يعيد وليس عليهم إعادة؛ لأنهم أدوا ما عليهم وهم عملوا بالظاهر، والباطن لا علم لهم به، وإذا فسدت صلاة الإمام لأمر يخصه فإن صلاة المأمومين تكون صحيحة، وما دام أنه صلى بهم جنباً ناسياً وهم لا يعلمون عدم رفع الحدث منه فإن صلاتهم تكون صحيحة، وقد جاء عن عمر أنه صلى بالناس ثم إنه أخبرهم بأنه صلى وعليه جنابة، وأنه أعاد الصلاة ولم يأمرهم بالإعادة.
وأما إذا تذكر أنه جنب أثناء الصلاة فقد جاء في حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه: (أنه كبر ثم أشار إليهم مكانكم، ثم ذهب واغتسل وجاء ورأسه يقطر وصلى بهم).
ففي في هذا الحديث أنه دخل في الصلاة ثم قطع الصلاة وأمرهم أن يبقوا مكانهم، ثم رجع وصلى بهم، ومقتضى هذا أنهم لا يزالون في صلاتهم، وأنه رجع وكبر وواصل بهم، ولكن جاء في بعض الروايات التي ذكرها أبو داود وهي في الصحيحين: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل المسجد ولما أراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة فأمرهم أن يمكثوا، وذهب واغتسل وجاء ثم دخل المسجد وصلى بهم)، فالذي في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام لم يدخل في الصلاة وإنما قارب أن يكبر فتذكر أنه على جنابة، فأمر الناس أن يمكثوا وذهب واغتسل وجاء وصلى بهم الصلاة من أولها.
فمن العلماء من قال: ما في الصحيحين هو المقدم، ويحمل قوله: دخل في الصلاة على أنه كاد أن يدخل في الصلاة أو قرب أو أراد أن يدخل في الصلاة؛ حتى يوافق ما في الصحيحين.
ومنهم من قال: يحتمل أن تكون قصتين وأن تكون واقعتين، وأن الذي في الصحيحين قصة، وأن الذي في هذا الحديث قصة أخرى، ومعنى هذا أن ذلك سائغ وهذا سائغ، ولكن الذي في الصحيحين لا شك أنه هو الواضح ولا إشكال فيه، وأما هذا ففيه إشكال، وإن صح أنه كبر بالفعل فهي قصة أخرى، أو أنه لم يكبر ولكنه كاد أن يكبر فتكون مطابقة للحديث الذي جاء في الصحيحين.
والذي يبدو أنه إذا أكمل الصلاة وهو جنب فإن صلاة المؤتمين صحيحة، وعليه أن يغتسل ويعيدها، وإذا ذكر في أثنائها فيقطعها ويعيد الصلاة من جديد، ويستأنف بهم الصلاة.
والأحاديث التي وردت في هذا فيها إشكال من ناحية الإسناد، وأما الحديث الذي في الصحيحين وأنه لم يدخل في الصلاة وإنما كاد أن يدخل، فتذكر واغتسل ورجع وصلى بهم، فيحتمل أن تكون القصة واحدة، وتكون رواية راجحة وأخرى مرجوحة، أو أن يكون المقصود أنه قارب أن يكبر ولكنه لم يكبر، فالاحتياط في ذلك أن الإنسان يقطع الصلاة ويستأنف الصلاة بهم.
هو موسى بن إسماعيل المنقري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن زياد الأعلم ].
هو زياد بن حسان الأعلم وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[عن الحسن ].
الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة فقيه يرسل ويدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكرة ].
هو أبو بكرة نفيع بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
والحديث هذا في إسناده الحسن وهو مدلس.
وقوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[حدثنا يزيد بن هارون ].
هو يزيد بن هارون الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه ].
هو حماد بن سلمة بإسناده ومعناه يعني: أن الإسناد هو الإسناد، وليس متفقاً معه في اللفظ، يعني: أنه بمعنى اللفظ الذي ذكر أولاً.
[قال أبو داود : رواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ].
الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
وقوله في هذه الرواية: (فلما قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف) توافق ما في الصحيحين.
[قال أبو داود : ورواه أيوب السختياني وابن عون وهشام عن محمد مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
ابن عون هو: عبد الله بن عون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ومحمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو تابعي، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
[وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة.
و إسماعيل بن أبي حكيم ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[عن عطاء بن يسار ].
عطاء بن يسار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
(أن الرسول صلى الله عليه وسلم كبر في الصلاة).
هذا أيضاً مرسل.
[قال أبو داود : وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم ].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان ].
هو أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[عن يحيى ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الربيع بن محمد ].
الربيع بن محمد مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، فالروايات التي فيها أنه كبر وأنه دخل في الصلاة، ما تسلم من ضعف، ففيها إما الإرسال وإما احتمال الإرسال أو التدليس.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأنه أقيمت الصلاة وصفوا، فلما قام الرسول صلى الله عليه وسلم في مصلاه وأراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة، فقال: فذهب واغتسل ورجع وصلى بهم، وهذا يعني أنهم لم يدخلوا في الصلاة، وانتظروه حتى اغتسل، وجاء صلوات الله وسلامه عليه، ثم كبر وصلى بهم.
إذاً: فالثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه لم يكبر، وقد جاء الحديث في الصحيحين وفيه أنه لم يكبر، وهو أرجح مما تقدم من أنه كان قد دخل في الصلاة، لكن يمكن كما ذكر أهل العلم أن يحمل قوله: (دخل) على أنه كاد أن يدخل أو أراد أن يدخل أو أنه على وشك أن يدخل، فيكون الصحيح والثابت الذي لا إشكال فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل في الصلاة، وأنه لما أراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة فذهب واغتسل ورجع وصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
هو عمرو بن عثمان الحمصي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[حدثنا محمد بن حرب ].
هو محمد بن حرب الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الزبيدي ].
هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ ح وحدثنا عياش بن الأزرق ].
ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وعياش بن الأزرق ثقة، أخرج له أبو داود وحده.
[أخبرنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا مخلد بن خالد ].
مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود .
[حدثنا إبراهيم بن خالد إمام مسجد صنعاء ].
إبراهيم بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[حدثنا رباح ].
هو رباح بن زيد الصنعاني وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[عن معمر ].
هو معمر بن راشد الأزدي مولاهم، البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا مؤمل بن الفضل ].
مؤمل بن الفضل وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[حدثنا الوليد ].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة يدلس ويسوي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأوزاعي ].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[كلهم عن الزهري ].
يعني: هؤلاء الذين انتهت عندهم الأسانيد التي ذكرها أبو داود تلتقي كلها في الرواية عن الزهري ، والزهري تقدم ذكره.
[عن أبي سلمة ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وقد مر ذكره.
[عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره.
[وهذا لفظ ابن حرب ].
يعني: اللفظ المذكور لفظ محمد بن حرب ].
وهو الإسناد الذي فيه : عمرو بن عثمان عن محمد بن حرب عن الزبيدي ، وهو الإسناد الأول.
أما الآن لو تذكر الإمام أنه على جنابة، فهل له أن يوقف المأمومين إلى أن يغتسل؟
لا ينبغي إذا وجدت مشقة عليهم، لا سيما إذا كان بيته بعيداً ويحتاج إلى وقت، فيقدم واحداً منهم ليصلي بهم، ويكون في ذلك رفقاً بهم، وعدم تأخيرهم، وإذا لم يكن هناك مشقة وانتظروه فلا بأس بذلك؛ لأنه جاء ما يدل عليه، لكن الأرفق بالناس هو أن ينيب.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً قال: يغتسل ، وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه، فقالت:
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب الرجل يجد البلة في منامه، يعني: عندما يقوم من النوم يجد في ثيابه بللاً، ولا يذكر أن ذلك عن احتلام، فهل يجب عليه أن يغتسل؟ إذا كان هذا البلل الذي وجده منياً، فلا شك أنه يجب عليه الغسل، وهذا هو الذي يتفق مع حديث أم سليم الذي سيأتي: (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا هي رأت الماء)، فإذا حصل احتلام، وحصل رؤية الماء، فقد اجتمع الاثنان، فعليه الغسل، لكن إذا ما تذكر احتلاماً ووجد ماءً، فإن كان متحققاً أنه مني فعليه أن يغتسل، وإن كان غير متحقق أنه مني، وأنه يمكن أن يكون بولاً ويمكن أن يكون منياً فإن الأحوط في حقه أن يغتسل، ويقطع الشك باليقين، ويأخذ بحديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، أما إذا رأى في المنام احتلاماً، ولكنه ما وجد شيئاً بعد ذلك فإنه لا غسل عليه، كما جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها المتقدم.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها وفيه شيء من التفصيل : (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً، قال: يغتسل) يعني: إذا كان متحققاً بأنه مني فهذا أمره واضح، وإذا كان غير متحقق فعليه أن يغتسل حتى يقطع الشك باليقين.
قوله: (وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه).
وهذا متفق مع ما جاء في حديث أم سليم .
قوله: (فقالت
أي: المرأة ترى ما يرى الرجل فهل عليها غسل؟ نعم الأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، والأحكام التي تقال في حق الرجال تسري على النساء إلا إذا وجد شيء يخصص الحكم بالرجال أو يخصص الحكم بالنساء، فعند ذلك لا يكون التساوي ولا يكون الأمر لازماً للجميع، وإنما يكون الأمر لازماً لمن ألزم به، وأما إذا لم يأت ما ينص على تخصيص الرجال أو تخصيص النساء بالحكم؛ فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام؛ ولهذا إذا ذكر الرجال في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس الحكم يختص بهم؛ لأن الخطاب في الغالب يكون معهم.
وحديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه أن أم سلمة قالت هذه المقالة، وقال: لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (نعم، إنما النساء شقائق الرجال) يوضح هذا، فمعناه: أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وأن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء، والأحكام التي تقال للرجال تقال في حق النساء.
ومعنى كونهن شقائق الرجال أنهن مثلهم، ولهن أحكامهم، وكلهم جاءوا من طريق واحد، فلا فرق بين الرجال والنساء إلا إذا جاء نص يميز النساء عن الرجال أو الرجال عن النساء.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن خالد الخياط ].
وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الله العمري ].
هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المكبر ، وهو ضعيف، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبيد الله ].
عبيد الله أخوه، وهو المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ويقال للأول: مكبر، وللثاني: مصغر، من أجل التمييز بين هذا وهذا، لأنهما أخوان، عبد الله المكبر ، وعبيد الله المصغر .
و عبد الله هنا يروي عن أخيه عبيد الله .
[عن القاسم ].
هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة ].
وقد مر ذكرها.
والحديث فيه عبد الله بن عمر العمري المكبر ، وهو ضعيف، لكن جاء ما يدل على معناه فيما يتعلق بقصة أم سليم ، فإن قوله: (إذا هي رأت الماء)، فيه الاغتسال إذا رأت الماء، وإذا لم تر الماء وقد حصل احتلام، فليس هناك غسل، إلا أن هذا الحديث فيه ذكر البلة، والبلة يمكن أن تكون منياً، ويمكن أن تكون غير مني، لكن حيث يوجد البلل ويوجد الماء فإن الاغتسال هو الذي تبرأ به الذمة، ويكون الإنسان قد أخذ بالاحتياط إذا لم يتحقق أنه مني، وأما إذا كان يتحقق أنه مني فالأمر في ذلك واضح.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب أنه قال: قال عروة : عن عائشة أن أم سليم الأنصارية رضي الله عنهما -وهي أم أنس بن مالك - قالت: (يا رسول الله! إن الله عز وجل لا يستحي من الحق، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل أتغتسل أم لا ؟ قالت
قال: أبو داود وكذلك روى عقيل والزبيدي ويونس وابن أخي الزهري عن الزهري ، وإبراهيم بن أبي الوزير عن مالك عن الزهري ووافق الزهري مسافع الحجبي ، قال: عن عروة عن عائشة وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ]
أورد أبو داود هذه الترجمة: وهي باب المرأة ترى ما يرى الرجل، يعني: في المنام، فما الحكم في ذلك؟
والجواب: أن الحكم كالرجال، وتقدم حديث: (إنما النساء شقائق الرجال) يعني: الحكم الذي يسري على الرجال يسري على النساء، إلا إذا وجد ما يخصص الحكم بالرجال، وكذلك ما تسأل عنه النساء وهو ليس من الأشياء المختصة بهن ثم تعطى حكماً أو تفتى بشيء؛ فإن الحكم للرجال كالحكم للنساء، فإذا كانت المستفتية امرأة فلا فرق بين هذا وهذا إلا إذا كان الحكم من الأشياء التي لا تعلق لها بالرجال، فإن هذا شيء أمره واضح، ولكن الأصل هو التساوي بينهما في الأحكام.
أورد أبو داود حديث عائشة أن أم سليم جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسألته عن أن المرأة ترى ما يرى الرجل فهل عليها أن تغتسل؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم، إذا رأت الماء)، وهذا يدلنا على ما دل عليه الحديث السابق من جهة أنه من رأى في المنام احتلاماً ثم وجد البلل بعد ذلك؛ فإنه يتعين عليه الاغتسال.
ثم إن عائشة أقبلت على أم سليم فقالت: (أف لك!) وهي كلمة فيها عتاب، ثم قالت: وهل ترى ذلك المرأة؟! يعني: كأنها تستبعد أن ذلك يحصل للنساء، وقيل: هذا نادر، وقيل: إن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحصل لهن الاحتلام؛ لأنه من الشيطان، لكن ما تقدم أنه نادر هو الأظهر، وأما أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتلمن فليس عليه دليل، وقولهم: إن الشيطان ليس له عليهن سبيل، فنقول: نعم، ولا يحصل لهن ذلك بسببه، ولكن قد يحصل عن طريق الشهوة دون أن يكون للشيطان فيه دخل، فقد ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح في رمضان جنباً من غير احتلام، والتنصيص على عدم الاحتلام يدل على أنه يمكن ذلك، وقالوا: وليس ذلك عن طريق الشيطان، وإنما هو من قوة الشهوة، وليس بلازم ألا يكون الاحتلام إلا عن طريق الشيطان، بل قد يكون عن طريق قوة الشهوة في المنام، فيحصل إخراج شيء من ذلك.
قوله: [ (قالت: وهل ترى ذلك المرأة؟! فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ترتب يمينك يا
قوله: وهل ترى ذلك المرأة؟! يعني: أنه يحصل لها الاحتلام كما يحصل الاحتلام من الرجل، والمني يوجد منها كما يوجد من الرجل، سواء في اليقظة أو في المنام.
قوله: (من أين يكون الشبه؟!) يعني: أن المرأة قد يشبهها ولدها، وهذا معناه أنه متخلق من المائين؛ بدليل حصول الشبه أحياناً بالمرأة، وأحياناً يكون الشبه بالرجل.
قوله: [ (تربت يمينك يا
هذه كلمة يؤتى بها على سبيل الإنكار والتوبيخ على شيء، وهي كلمة لا يقصد معناها، مثل: ثكلتك أمك، ومثل: عقرى حلقى، وغيرها من الكلمات التي يذكرونها ولا يريدون بها الدعاء، وإنما جرت ألسنتهم بذلك عند بعض المناسبات والأحوال.
هو أحمد بن صالح المصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عنبسة ].
هو عنبسة بن خالد بن يزيد الأيلي وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري وأبو داود .
[حدثنا يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي وقد مر ذكره.
ابن شهاب مر ذكره، وعروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة.
[عن عائشة ].
وقد مر ذكرها.
[قال أبو داود : وكذلك روى عقيل والزبيدي ويونس وابن أخي الزهري عن الزهري ].
عقيل بن خالد بن عقيل المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
و الزبيدي هو محمد بن الوليد مر ذكره.
و يونس هو ابن يزيد الأيلي مر ذكره مراراً.
و ابن أخي الزهري هو محمد بن عبد الله بن مسلم ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و إبراهيم بن أبي الوزير ].
و إبراهيم بن أبي الوزير هو إبراهيم بن عمر بن مطرف الهاشمي صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ووافق الزهري مسافع الحجبي ].
مسافع بن عبد الله بن شيبة العبدري من بني عبد الدار حجبة الكعبة، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي .
[وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة ].
يعني: رواه من طريق أم سلمة الصحابية وذكرت القصة التي ذكرتها عائشة .
و زينب بنت أبي سلمة هي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
و أم سلمة هي أم المؤمنين، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
وكون الحديث جاء من طريق أم سلمة ومن طريق عائشة يجمع بين الروايتين على أنهما حضرتا القصة، وأن ذلك حصل في اجتماعهما، وأنه حصل اللوم والعتاب منهما جميعاً، فالأظهر أن القصة واحدة، وأن الاثنتين حضرتاها، وأن كل واحدة حدثت بالحديث الذي شاهدته وعاينته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سؤال أم سليم له هذا السؤال.
الجواب: وردت عبارة: (إن الله لا يستحيي من الحق) عن أم سليم رضي الله عنها لما أرادت أن تسأل، والله تعالى لا يستحيي من الحق، فهي تسأل عن الحق، وهو سؤال محمود وممدوح، والحياء المذموم هو الذي فيه خجل وفيه ضعف، وأما الحياء المحمود فهو الذي ليس من طريق الخجل والضعف، ولكنه يتعلق بالأمور المحمودة والأخلاق الكريمة، وهذا منه؛ لأن أم سليم رضي الله عنها لم تستحي الاستحياء المذموم، ولكنها أخبرت بأنها لا يمنعها ما أعطاها الله من الحياء أن تسأل عن الحق الذي تعبدها الله تعالى به؛ لتعبد الله على بصيرة وعلى بينة، وهذا فيه إثبات صفة الحياء لله، وقد جاء أيضاً في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، (إن الله حيي ستير) وصفة الحياء كغيرها من الصفات تثبت لله عز وجل كما يليق بكماله وجلاله، وكل صفاته صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
وتأويل الصفات لا يسوغ، وبعض العلماء ابتلوا بالتأويل، والواجب في كل ما ورد في النصوص من صفات إثباتها مضاف إلى الله عز وجل، فالحياء يجب إثباته لله على ما يليق به، والعلماء الذين حصل منهم التأويل يستفيد الإنسان من علمهم، ويكون على حذر مما ابتلوا به، ومن ذلك قوله بعضهم: إن الله لا يأمر بالحياء ولا يبيحه!
فهذا المعنى خطأ، كيف لا يأمر بالحياء المشروع المأمور به؟! النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل ينصح أخاه في الحياء فقال: (دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير).
الجواب: ليس للإنسان أن يأخذ الربا من البنوك الربوية ثم يصرفه في أمور أخرى، وإذا اضطر الإنسان إلى أن يودع عندها، فلا يأخذ منها المضرة المحرمة التي تسمى فائدة، وهي مضرة في الحقيقة، وإذا كانت البنوك فيها خزائن تستأجر، فالإيداع فيها أولى عن طريق الاستئجار؛ لأن في ذلك عدم تمكين البنك من التصرف بمال الإنسان، لكن إذا لم يكن عند البنك خزائن، وأودع عندها مضطراً، فيأخذ حقه ولا يأخذ الربا، وهذا كيف يتصدق بالمال الحرام أو يساعد بالمال الحرام؟! لا ينبغي له أن يفعل هذا، لكن إذا كان سبق أنه قبضه، وأراد أن يتخلص منه، فيمكن أن يتخلص منه في مثل هذا والله تعالى أعلم.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق من الجنابة) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل.
هذه الترجمة معقودة لبيان مقدار الماء الذي يكون به الكفاية في الغسل من الجنابة، وقد جاءت عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أحاديث فيها بيان المقدار الذي كان يغتسل به صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن مر عند مقدار الماء الذي يكفي في الوضوء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وتلك الأحاديث دالة على هذه الترجمة التي فيها بيان ما يكفي في الوضوء وبيان ما يكفي في الغسل، ولكنه عقد الترجمة هنا للاستدلال بالأحاديث على ما يكفي في الغسل، وقد أورد فيه جملة أحاديث، أولها حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق)، والفرق وعاء كبير يسع ثلاثة آصع، يعني: ستة عشر رطلاً وثلثاً، وتعادل اثني عشر مداً، فهذا هو أعلى مقدار ورد الاغتسال به، ولا يعني هذا أنه يغتسل بالفرق كله، لأنه قد جاء (أنه كان يغتسل هو و
هو [عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور المحدث، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة ].
هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، من أوعية السنة وحفظتها، وهي التي أنزل الله براءتها في آيات تتلى من سورة النور تبرئها مما رميت به من الإثم، وكانت رضي الله تعالى عنها وأرضاها تهضم من نفسها وتتواضع لله عز وجل، مع أن الله عز وجل شرفها ورفع ذكرها وأنزل براءتها في آيات تتلى من سورة النور، ففي الصحيح أنها قالت: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى)، وقالت: (كنت آمل أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها)، فهي رضي الله عنها وأرضاها كانت تتواضع لله، وهذا يدل على عظم شأنها وكمال عقلها وتواضعها لله عز وجل، وهذا شأن أهل الكمال يتواضعون لله مع ما أعطاهم الله عز وجل من علو المنزلة ورفعة الدرجة.
وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الشيء الذي تميزت به والذي عرف من طريقها ولا يعرف إلا من طريق النساء، هو ما كان يجري بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، وما يجري في البيوت من الأمور التي لا يطلع عليها إلا أزواجه، ولا سيما ما يتعلق بالغسل من الجنابة، حيث كان يغتسل هو وإياها من إناء واحد، فحفظت الكثير من السنن التي تتعلق بالبيوت، والتي تتعلق بما يجري بين الرجل وأهل بيته، ومن حفظ سنةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فله مثل أجور من عمل بها إلى يوم القيامة، وهذا يدلنا على عظم قدرها وعظم شأنها، والله تعالى يثيب كل من عمل بسنة جاءت عن طريقها ويثيبها بمثل ما أثابه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الدال على الخير له مثل أجر فاعله)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً).
ولهذا فإن محبة أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام تدل على الإيمان، وتدل على محبة المسلم لمن جعلهن الله حلائل لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهن زوجاته في الدنيا وفي الآخرة رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، فالذي يتكلم فيهن أو يعيبهن ويتنقصهن، فإنما يضر نفسه؛ لأنه اغتاب أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، ومن المعلوم أن الإنسان لو اغتاب أي مسلم فإن مغبة ذلك ومضرة ذلك تعود عليه، فكيف إذا كان الذي يغتاب أمهات المؤمنين اللاتي أكرمهن الله بزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم منهن، وصرن بذلك أمهات المؤمنين، ووصفهن الله بذلك في كتابه العزيز حيث قال: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6] رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها قيل: هي أفضل أزواجه، وقيل: إن أفضل أزواجه خديجة ، ولا شك أن خديجة وعائشة أفضل نسائه، ولكن أيهما أفضل؟!
لا شك أن عائشة حصل منها شيء ما حصل من خديجة ، وحصل من خديجة شيء ما حصل من عائشة ، فـخديجة حصل منها تأييده وتثبيته في وقت الشدة وفي الوقت الذي أوذي فيه من قبل كفار قريش، وأما عائشة رضي الله عنها وأرضاها فقد تميزت بتلقي السنن وحفظ السنن ونشرها ونقلها إلى الناس.
والصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم ومنهم أمهات المؤمنين هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة، ولا يصل الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الصحابة؛ لأن الصحابة هم الذين صحبوا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وتلقوا السنن والأحكام عنه ونقلوها إلى الناس، فهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يقدح في الواسطة يقدح في المنقول كما قال أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى: إذا رأيتم أحداً ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق؛ وذلك أن الكتاب حق، والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء -أي: القادحون فيهم- يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة.
يعني: أن من يقدح في الصحابة يقدح في الكتاب والسنة؛ لأن القدح في الناقل قدح في المنقول.
ثم قال: والجرح بهم أولى وهم زنادقة. أي: الذين ينتقصون الصحابة زنادقة.
[قال أبو داود : وروى ابن عيينة نحو حديث مالك ].
نحو حديث مالك الذي تقدم، يعني: أنه جاء من طريق مالك وابن عيينة ، كلاهما عن الزهري .
رواية معمر عن الزهري تتفق مع الأحاديث التي فيها أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء قدر الفرق، ومعنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يغتسل بالفرق وحده؛ لأن الفرق ثلاثة آصع، وإنما كان يغتسل منه الرسول صلى الله عليه وسلم هو وعائشة ، تختلف أيديهما منه، فهذه الرواية التي فيها أن عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانا يغتسلان من الفرق تدل على أن مقدار الفرق إنما كان للرسول صلى الله عليه وسلم ولـعائشة ، وليس للنبي صلى الله عليه وسلم وحده.
[ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق ستة عشر رطلاً، وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث، قال: فمن قال: ثمانية أرطال قال: ليس ذلك بمحفوظ، قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى، قيل: الصيحاني ثقيل، قال: الصيحاني أطيب، قال: لا أدري. ]
أورد أبو داود رحمه الله هذا الكلام الذي فيه بيان مقدار الفرق والصاع، وقد سبق ذكر مقدار الصاع ومقدار المد عند الكلام على ما يكفي في الوضوء، وهنا أتى بالكلام في بيان مقدار الصاع ومقدار الفرق في الكلام على ما يتعلق بالمقدار الذي يجزئ في الاغتسال، قال أبو داود : قال الإمام أحمد : الفرق ستة عشر رطلاً. لأن الصاع خمسة أرطال وثلث، فتكون الثلاثة الآصع ستة عشر رطلاً، وهذا بيان أن مقدار الفرق ثلاثة آصع.
ثم ذكر أن الصاع الذي كان معروفاً عندهم وهو صاع ابن أبي ذئب - مقداره خمسة أرطال وثلث. ثم ذكر الإمام أحمد أن من قال: إن الفرق مقداره ثمانية أرطال على أنه أقل من صاعين، غير محفوظ، وغير ثابت، وإنما المحفوظ أنه ستة عشر رطلاً، على اعتبار أن الصاع خمسة أرطال وثلث.
[قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى ].
لأن خمسة أرطال وثلثاً مقدار الصاع، ومعنى هذا أن الصاع الذي كانوا يكيلون به في البيع والشراء ويكيلون به زكاة الفطر هو نفس المقدار الذي يتوضأ به؛ لأن خمسة أرطال وثلث هو الصاع الذي يتوضأ به، ومن أعطى في زكاة الفطر خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى؛ لأن هذا هو مقدار الصاع.
[قيل: الصيحاني ثقيل].
الصيحاني هو نوع من تمر المدينة، والمقصود بقوله: (ثقيل) أي: أنه لو وزن منه خمسة أرطال وثلث، ما تملأ الصاع؛ لأنه ثقيل الوزن، وليس مثل التمر الآخر الذي يكون خفيفاً، وإذا ملئ منه الصاع يكون وزنه خمسة أرطال وثلث.
[قال: الصيحاني أطيب ].
معناه: أنه إذا ملأ الصاع بالصيحاني الثقيل فهو أطيب، يعني: أنه يملأ منه الصاع وإن كان يزيد في الوزن عن خمسة أرطال وثلث لكونه ثقيلاً، فإن مقدار خمسة أرطال وثلث منه أقل من ملء الصاع لثقله، وكون الإنسان يأتي بصاع يملؤه بشيء ثقيل له قيمة لا شك أنه أكمل وأطيب وأحسن.
[قال: لا أدري].
قيل: هي من كلام الإمام أحمد ، يعني: لا أدري لو وزن أحد من التمر الصيحاني خمسة أرطال وثلثاً ولم تملأ الصاع، واكتفى بها، هل تكفي أو لا تكفي؟ فهو يشك في كونها كافية؛ لأنها ما بلغت مقدار الصاع من حيث الكيل، وإن كانت بلغت مقداره من حيث الوزن.
وقيل: هذا من كلام الذي خاطبه، قال: لا أدري. يعني: هل ذلك يكفي أو لا يكفي، والأقرب أنه من كلام الإمام أحمد ، ولعل المقصود به عدم اطمئنانه إلى الاقتصار على خمسة أرطال وثلث من الصيحاني إذا كان لا يملأ الصاع؛ لأن الحديث فيه مقدار الصاع.
والرطل المذكور يعادل مداً وثلثاً تقريباً، ويقولون: هذا مكيال عراقي معروف، ويقولون: إن المد هو الشيء الثابت الذي يستقر، وهو ملء اليدين المتوسطتين، والصاع أربعة أمداد، يعني: أربع حفنات باليدين المتوسطتين، هذا مقدار الصاع من البر والطعام وما إلى ذلك، وليس من حيث المال.
والصاع في هذا الزمان يعادل ثلاثة كيلوا جرامات، فإذا أخرج ثلاثة كيلوا جرامات من الأرز من الرز في زكاة الفطر فإنها بقدر الصاع.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر