حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال: أخبرني سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: (أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً، وأشار بيديه كلتيهما). ].
أورد أبو داود رحمه الله باباً في الغسل من الجنابة، يعني: كيفية الغسل من الجنابة، وما يجزئ وما يكون أكمل. هذا هو المقصود بالترجمة، فبعدما ذكر مقدار ما يغتسل به ذكر كيفية الاغتسال بذلك المقدار.
عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً)، معناه: أنه في غسل رأسه يكتفي بأن يفيض عليه ثلاث مرات، وليس معنى ذلك أن الإفاضة على الرأس ثلاث حثيات تكفي للغسل كله، وإنما المقصود ما يتعلق بالرأس فقط، فالمراد بعض ما يدخل تحت الغسل، وهو الشعر الذي يحتاج إلى أن يروى، وأن يصل الماء إلى أصوله، فكان يكفيه ثلاث حفنات.
قال: (وأشار بيديه كلتيهما)، يعني: ثلاث غرفات بيديه جميعاً، وهذا الحديث فيه اختصار كما هو معلوم؛ لأنه يجب أن يغسل سائر جسده، ويفيض الماء عليه كله، لكن هذا فيما يتعلق بغسل الرأس فقط، فيكفي ثلاث حثيات بيديه كلتيهما.
هو عبد الله بن محمد النفيلي ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا زهير ].
هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو إسحاق ].
هو أبو إسحاق السبيعي ، وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني سليمان بن صرد ].
هو سليمان بن صرد ، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جبير بن مطعم ].
هو جبير بن مطعم رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها من طريق أخرى، وفيه ذكر الثلاث الحثيات، وأنه كان يحثي على شقه الأيمن ثم شقه الأيسر ثم على رأسه.
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى ].
هو محمد بن المثنى الزمن أبو موسى العنزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عاصم ].
أبو عاصم هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري ، بل ويروي عنه بعض الثلاثيات التي في صحيح البخاري التي هي أعلى أسانيد البخاري ، وأبو داود يروي عنه بواسطة محمد بن المثنى ، ومحمد بن المثنى من صغار شيوخ البخاري ، وأبو عاصم من كبار شيوخ البخاري ، فـالبخاري يروي مباشرة عن محمد بن المثنى وعن أبي عاصم ، وأما أبو داود فلا يروي مباشرة إلا عن محمد بن المثنى ، وهو يروي عن أبي عاصم بواسطة.
[عن حنظلة ].
هو حنظلة بن أبي سفيان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن القاسم ].
هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة ].
هو عائشة مر ذكرها.
والبخاري ظن أنه نوع من الطيب يقال له: المحلب، والحافظ ابن حجر أطال الكلام عليه فيما يتعلق بهذه الترجمة، وقد أشرت إلى ذلك في الفوائد المنتقاة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها، أنها سألتها امرأة: كيف كنتم تصنعون في الغسل من الجنابة؟ فقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض على رأسه ثلاث حثيات، ونحن نفيض خمساً من أجل الضفر. يعني: من أجل الضفائر التي على رءوسهن، حيث يجمعن الشعر ويجعلنه ضفائر، والضفائر جمع: ضفيرة، وهي خصال الشعر تجمع ويلف بعضها إلى بعض، فكن يزدن على ثلاث حثيات من أجل الضفر.
والحديث ضعيف بسبب جميع بن عمير ، فليس هناك فرق بين الرجال والنساء، وإن لم تحل المرأة الضفائر فيكفي أن تفيض عليها الماء، ولا يلزمها أن تحل الضفائر حتى يصل إليها الماء، وإنما يصب الماء عليها حتى يصل إلى أصول الشعر.
هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. ويعقوب بن إبراهيم ، ومحمد بن المثنى الذي مر آنفاً ومحمد بن بشار الذي يأتي كثيراً، هؤلاء ثلاثة من صغار شيوخ البخاري ، ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة 252هـ، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهم جميعاً من شيوخ أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مهدي ].
عبد الرحمن بن مهدي ثقة إمام في الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن زائدة بن قدامة ].
زائدة بن قدامة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صدقة ].
هو صدقة بن سعيد الحنفي ، مقبول أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[حدثنا جميع بن عمير ].
وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[عن عائشة ].
وقد مر ذكرها.
وأما أمه وخالته فليستا من الرواة لأنه ذهب معهن، وإحداهن سألت، فهو يروي عن عائشة .
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة، قال -سليمان ، وهو ابن حرب - : يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، أي: يمسك الإناء باليد اليمنى، ويفرغ على الشمال، ثم يستعمله.
وقال: مسدد : غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، أي: أنه يمسك بشماله ويصب الماء على اليمنى، عكس الأول. يعني اختلفا هل يبدأ يصب على الشمال، أو على اليمين؟ ثم بعد ذلك يغسل فرجه بيده اليسرى.
قوله: [وربما كنّت عن الفرج] يعني: أنه يغسل الفرج، يعني أحياناً يأتي التصريح، وأحياناً تأتي التكنية.
قوله: [ثم يتوضأ وضوءه للصلاة] يعني: بعدما يغسل يديه وفرجه يتوضأ وضوءه للصلاة، فهو أولاً يغسل يديه لتكونا نظيفتين عند استعمالهم الماء، ويغسل فرجه وما أصابه من الجنابة، ثم بعد ذلك يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يكمل بإفراغ الماء على جسده.
قوله: [ثم يدخل يديه في الإناء، فيخلل شعره] يعني: شعر رأسه ولحيته، بحيث يصل الماء إلى أصول الشعر.
قوله: [حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثاً] يعني: بعد أن يخلل شعره ولحيته يفرغ الماء على رأسه ثلاثاً.
قوله: [فإذا فضل فضلة صبها عليه] يعني: على جسده، أي: بعد أن يكون قد استكمل الغسل، فإذا فضل فضلة يصبها عليه.
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و مسدد ].
ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
[حدثنا حماد ].
هو حماد بن زيد ؛ لأن مسدد يروي عن حماد بن زيد ، وحماد بن زيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة ].
هشام بن عروة ، وهو ثقة ربما دلس، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبو هو عروة بن الزبير ، ثقة من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة ].
وقد مر ذكرها.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى، وفيها أنه كان يغسل يديه أولاً قبل أن يبدأ الوضوء والغسل، ثم بعد ذلك يغسل مرافغه وهي المغابن التي قد لا يصل إليها الماء، والتي يتجمع فيها الأوساخ، مثل أصول الفخذين، وقيل: إن عائشة تعني بالمرافغ الفرج وما حوله من أصول الفخذين، والتي تحتاج إلى أن يوصل إليها الماء؛ لأنها تكون في مكان يصتك عليه اللحم، فيحتاج إلى أن يوصل إليه الماء، وقيل: إن العبارة التي مضت: (وربما كنت عن الفرج) هي المرافغ هنا.
قوله: [ (فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط) ].
يعني: أنه غسل فرجه وما حوله، فإذا أنقى تلك الأماكن يغسل يديه، ويهوي بهما إلى الحائط؛ حتى يزول ما قد علق بهما، وهذا مثل ما مر في بعض الروايات: (أنه كان يضرب بيده على الأرض عندما يستنجي؛ حتى يزول الأثر الذي قد علق باليدين).
قوله: [ (ثم يستقبل الوضوء) ].
يعني: يتوضأ بعدما يغسل فرجه وما حوله، ويغسل آثار الجماع التي علقت بجسده وينقي يديه، وبعد ذلك يستقبل وضوءه بأن يتوضأ وضوءه للصلاة، ويفيض الماء على سائر جسده.
عمرو بن علي الباهلي هو الفلاس ، وهو ثقة من أئمة الجرح والتعديل، وكثيراً ما يأتي ذكره في كتب الرجال: وثقه الفلاس ، ضعفه الفلاس ، قال فيه الفلاس كذا، وهو ثقة ناقد، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، مثل محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، فهؤلاء من شيوخ أصحاب الكتب الستة، ورووا عنهم جميعاً مباشرة بدون واسطة.
[حدثنا محمد بن أبي عدي ].
هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد ].
هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي معشر ].
هو زياد بن كليب ، ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة فقيه، أحد الفقهاء المشهورين المعروفين، وكلامه في الفقه كثير، ولهذا يأتي باسمه إبراهيم كثيراً عندما يروي عن أهل الكوفة مثل الأسود أو عبد الرحمن بن الأسود أو أبي وائل ، ويأتي ذكره بـالنخعي قليلاً، ويأتي كثيراً إبراهيم النخعي أو إبراهيم بدون ذكر النخعي ، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ذكر ابن القيم في زاد المعاد أنه أول من عبر بعبارة: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، ويقصد بذلك الدواب التي لا دم فيها مثل الجراد والذباب ونحوها، والتي إذا ماتت لا تنجس الماء. يقول ابن القيم : أول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة وما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه إبراهيم النخعي ، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، ذكر هذا ابن القيم عند ذكر حديث الذباب وغمسه في الماء إذا وقع فيه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغمسه، وقال: (إن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء)، فأمر أن يغمس وأن يستعمل الماء، قال: إن العلماء استدلوا من غمسه -مع أن الماء قد يكون حاراً فيموت بسبب الغمس- أن موته في الماء لا ينجسه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى كونه يستعمل ولا يتلف، قالوا: فهذا فيه دليل على أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، والمراد بالنفس هنا: الدم؛ لأن النفس تأتي بعدة معان منها الدم، والروح تطلق على النفس التي بها حياة الإنسان، والروح مخلوق إذا نفخ في الإنسان صار حياً، وإذا نزع من الإنسان صار ميتاً، وعندما يذكرون الفرق بين النفس والروح فيطلقان جميعاً على ما يكون به حياة الإنسان، وتطلق النفس على الدم بخلاف الروح، والروح تطلق على أمور لا تطلق عليها النفس مثل الوحي، ومثل جبريل، فإنه يطلق عليه روح، ويطلق على الوحي أنه روح كما قال الله: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52] وهو الوحي، فهو روح؛ لأن بالوحي حياة القلوب.
فالحاصل أن إبراهيم النخعي هو أول من عبر بهذه العبارة كما قال ابن القيم ، ولكنه في كتاب الروح لما ذكر الفرق بين النفس والروح قال: وفي الحديث: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات)، وليس في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن القيم نفسه قال: إبراهيم النخعي هو أول من عبر بهذه العبارة! فهذا يبين لنا أن كلامه في الروح قديم، وأن كتابته لزاد المعاد الذي نسب فيه هذه العبارة لـ إبراهيم النخعي متأخر، وفيه من التحقيق ما يكن عنده من قبل، ولهذا يذكر في كتاب الروح أموراً غريبة يتعجب من ابن القيم كيف يذكرها من أحوال الأموات وما إلى ذلك من الأشياء.
[ عن الأسود ].
هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة مر ذكرها.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة قالت: (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة) وسبق أن مر في الحديث أنه كان يضرب يده بالجدار؛ حتى ينقي يده من أثر غسل فرجه وما حوله.
(لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حين يغتسل من الجنابة) حيث كان يضرب يديه على الجدار لتنقية يديه بعد غسله فرجه وقبل بدئه للوضوء، وقد كان ذلك الأثر موجوداً في ذلك الوقت، لكن الحديث فيه ضعف.
الحسن بن شوكر صدوق، أخرجه له أبو داود وحده.
[ حدثنا هشيم ].
هو هشيم بن بشير الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة الهمداني ].
هو عروة بن الحارث الهمداني ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا الشعبي ].
هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو فقيه، وهو الذي اشتهرت عنه العبارة المشهورة التي ذكرها شيخ الإسلام في أول منهاج السنة في بيان خبث الرافضة وسوء معتقدهم حيث قال: إن اليهود والنصارى فضلوا الرافضة بخصلة، إذا قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد!
هذه العبارة التي عبر بها الشعبي رحمه الله قد قالها بعض الرافضة في شعر له يذم فيها الصحابة، ويذم الخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان وكبار الصحابة وصغارهم، وكان من جملة ما قال:
أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها
وهذا استفهام استنكار، يعني: بعيد أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس، بل هم أشقى أمة أخرجت للناس، وهي قصيدة طويلة تبلغ أربعمائة أو خمسمائة بيت، وقد ذكر محمود الملاح جملة من أبياتها، ومنها هذا البيت، وتكلم عليها وبين ما عند الرافضة من الباطل، ومن جملة ما ذكره في بيت من الأبيات: أن سورة براءة خلت من البسملة دون سور القرآن كلها؛ لأن أبا بكر ذكر فيها، حيث قال الله عز وجل: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]!
فهذا الكلام الذي قاله الشعبي رحمة الله عليه من قديم قاله بعض الرافضة الذين جاءوا بعد ذلك بمئات السنين، وهذا الرافضي الخبيث ما أدري هل هو من القرن التاسع أو القرن الثامن، أعني: صاحب القصيدة التي قال فيها هذا البيت:
أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها
وقد ذكر لي بعض من المشايخ أنه سمع رافضياً يقول مثل هذه العبارة، قال: الصحابة هم أسوء هذه الأمة! تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [البقرة:118].
[ قالت عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وقد مر ذكرها.
والحديث فيه انقطاع بين الشعبي وعائشة ، فهو لم يسمع من عائشة ، وعلى هذا فيكون السند منقطعاً.
أيضاً هشيم مدلس، وهو يروي عن عروة بالعنعنة، وهشيم مدلس مثل به العراقي في ألفيته حيث قال:
قال أبو داود : قال مسدد : قلت لـعبد الله بن داود : أكانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا ].
وإذا كان الغسل للجنابة ونوى به رفع الحدث الأكبر والأصغر وأفاض الماء على جسده جميعاً وإن لم يتوضأ قبله؛ فإنه يرتفع الحدثان الأكبر والأصغر، ولكن الأغسال الأخرى التي للتبرد أو للجمعة لا يرتفع بها الحدث الأصغر ولو نوى رفع الحدث الأصغر، وإنما ذلك خاص في الغسل من الجنابة، فالغسل من الجنابة فقط هو الذي يرتفع به الحدث الأكبر والحدث الأصغر، وأما غسل الجمعة وغسل التبرد فلا يرتفع به الحدث الأصغر، فلا يكفي أن يفيض الإنسان الماء على جسده وينوي رفع الحدث الأصغر، بل لابد أن يتوضأ لذلك، إما قبل الاغتسال وإما بعد الاغتسال، وإذا توضأ قبل الاغتسال ثم بعد ذلك لمس ذكره فإن عليه أن يعيد الوضوء؛ لأن مس الذكر والفرج ينقض الوضوء، وأما الجنابة إذا غسل فرجه أولاً وتوضأ واغتسل بأن أفاض الماء على سائر جسده فإنه بذلك يرتفع منه الحدث الأكبر والأصغر، حتى وإن لم يتوضأ ولكنه نوى بالاغتسال رفع الحدث الأكبر والأصغر، فإن ذلك يجزئ ويكفي، لكن بشرط ألا يمس ذكره عند الاغتسال أو بعده؛ لأن مس الذكر ينقض الوضوء.
أورد أبو داود حديث ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي ميمونة بنت الحارث الهلالية خالة ابن عباس ، وهو (أنها وضعت غسلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأفرغ على يده اليمنى وغسل يديه، ثم غسل فرجه وما حوله، وضرب بيده الأرض) يعني: ليحصل نقاؤها من آثار ما علق بها عند غسل الفرج (ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ومسح على رأسه، ثم بعد ذلك تنحى وغسل رجليه) وغسل الرجلين يمكن أن يكون قبل الاغتسال ويمكن أن يكون بعده، ويكون بعد الاغتسال إذا كان في الأرض تراب أو نحوه، فكونه يغسل رجليه في الآخر أنسب لتنظيفهما مما علق بهما.
والحاصل: أن غسل الرجلين يكون قبل الاغتسال في آخر الوضوء، ويمكن أن يؤخر إلى ما بعد الاغتسال، وكل ذلك جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث فيه بيان كيفية الغسل، وهو مشتمل على الوضوء، وفيه ذكر المضمضة والاستنشاق في الوضوء، ولابد منهما كذلك في الاغتسال، وإذا اغتسل الإنسان للجنابة من غير أن يتوضأ فعليه أن يتمضمض ويستنشق؛ لأن المضمضة والاستنشاق لها حكم الوجه.
قوله: [ عن خالته ميمونة رضي الله عنها قالت: (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً يغتسل..) ].
(غسلاً) يعني: ماء يغتسل به.
قوله: [ (يغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليمنى فغسلها مرتين أو ثلاثاً) ].
من المعلوم أن الغسل يكون لليدين وليس لليد الواحدة، فهو أكفأ على اليد اليمنى ثم غسل يديه.
وفي هذا غسل الرجلين بعد الاغتسال.
تقول ميمونة رضي الله عنها: (فناولته المنديل -أي: ليتنشف به- فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده صلى الله عليه وسلم)، وهذا لا يدل على أن المنديل لا يستعمل أو أن الإنسان لا يتنشف، فللإنسان أن يتنشف بعد الوضوء وبعد الغسل، وما جاء في هذا الحديث من كونه لم يأخذه لا يدل على منعه ولا كراهيته، فلعله كان مستعجلاً، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه (مسح بجبة كانت عليه بعدما توضأ) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
إذاً: التنشيف لا بأس به، وعدم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم للمنديل لما ناولته إياه لا يدل على الكراهية والمنع، فلعله كان في تلك الحالة مستعجلاً، أو أن الخرقة لم تعجبه، أو لأي أمر من الأمور.
قوله: [ فذكرت ذلك لـإبراهيم ].
يقول الأعمش : ذكرت لـإبراهيم النخعي ، ما يتعلق بكونه أعطي المنديل ولم يأخذه.
قوله: [ فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، ولكن كانوا يكرهون العادة ].
هذه حكاية عن السلف وعن العلماء أنهم كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، وكون الإنسان يتنشف، ولكن كانوا يكرهونه للعادة، يعني: كونه يتخذ عادة بحيث يكون كأنه سنة لا تترك، ويذكر بعض العلماء: أن الشيء الذي يكون سائغاً أو مستحباً ينبغي أن يترك في بعض الأحيان حتى لا يعتقد أنه واجب أو أنه سنة إذا لم يكن واجباً، مثل قولهم: تكره المداومة على قراءة [السجدة:1] وهَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ [الإنسان:1] فجر يوم الجمعة لئلا يعتقد الناس أن هذا لازم ولابد منه، فيترك المستحب في بعض الأحيان حتى لا يتخذ عادة دائماً وأبداً بحيث لا يترك ويعتقد أنه مطلوب دائماً وأبداً، فهنا حكاية عن السلف وعن العلماء أنهم كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، وهذا من جنس قول إبراهيم النخعي الذي حكاه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: كانوا يضربوننا على اليمين والعهد ونحن صغار، يعني: يعظمون شأن اليمين والعهد، فيضربونهم عليهما حتى لا يستهينون بذلك ولا يستسهلونه، وهي حكاية عما كانوا يؤدبون به أولادهم.
[ قال أبو داود : قال مسدد : قلت لـعبد الله بن داود : وكانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا ].
ثم قال أبو داود : قال مسدد -وهو شيخه-: قلت لـعبد الله بن داود -وهو شيخ مسدد في الإسناد عبد الله بن داود الخريبي -: كانوا يكرهونه للعادة؟ يعني: يريد أن يستفهم، قال: هكذا هو، يعني: هكذا حفظ، وهكذا وجده في كتابه.
مسدد بن مسرهد ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا عبد الله بن داود ].
هو عبد الله بن داود الخريبي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم ].
هو سالم بن أبي الجعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن كريب ].
هو كريب مولى ابن عباس وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ عن خالته ميمونة ].
هي ميمونة بنت الحارث الهلالية خالته؛ لأن ابن عباس أمه لبابة بنت الحارث الهلالية ، وتكنى أم الفضل بأكبر أولاد العباس وهو الفضل ، فـالعباس وهو أبو الفضل وزوجته هي أم الفضل وهي لبابة بنت الحارث ،وهي أخت ميمونة بنت الحارث ، فهو يروي عن خالته ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين؛ وحديث ميمونة عند أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث ابن عباس أنه كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار. يعني: يغسلها سبع مرات، ثم يغسل فرجه، فنسي مرة كم أفرغ، فسألني: كم أفرغت؟ فقلت: لا أدري، قال: لا أم لك؛ قيل: إنه مدح، وقيل: إنه ذم، وفي الغالب أنه يذكر للذم، ومعناه: أنه كان ينظر إليه، فيعرف كيفية اغتساله؛ لأنهم كانوا ينظر بعضهم إلى بعض، ويعرفون الهيئات والكيفية التي تفعل حتى يأتسوا ويقتدوا، فسأله فقال: لا أدري، يعني ما أدري العدد الذي سبق؛ لأن ابن عباس نسي العدد، وقال له: كم أفرغت؟ يريد أن يتأكد ويتحقق من شعبة فقال: لا أدري، فقال: لا أم لك! وما يمنعك أن تدري؟!
قوله: [ ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
وهذا مخالف لما جاء في الروايات الكثيرة العديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يزيد على ثلاث مرات، والحديث في إسناده ضعف بسبب شعبة الذي يروي عن ابن عباس ، وهو مولى ابن عباس .
حسين بن عيسى الخراساني صدوق أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا ابن أبي فديك ].
هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي ذئب ].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
هو أبو عبد الله شعبة بن دينار ، وهو صدوق سيء الحفظ، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[ قال: إن ابن عباس ].
ابن عباس قد مر ذكره.
هذا الحديث ضعيف، ولا يقال عنه: منكر؛ لأنه حديث مستقل، وما روي عن ابن عباس رواة آخرون يخالفه، وهذه الرواية فيها ضعف بسبب الرجل سيء الحفظ.
هذا الحديث ضعيف، أما بالنسبة للصلاة ففي الصحيحين وغيرهما في قصة الإسراء: أن أول ما فرضت الصلاة فرضت خمسين في السماء، ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله التخفيف بمشورة موسى عليه الصلاة والسلام وعرضه عليه حتى وصلت خمساً، وقال الله عز وجل: (إنها خمساً في العمل، وخمسون في الأجر)، فخففت من خمسين إلى خمس، أما ذكر السبع مرار في غسل الجنابة، وكذلك في غسل الثوب من النجاسة؛ فهذا غير صحيح وغير ثابت، والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو ضعيف.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أيوب بن جابر ].
ضعيف أخرج له البخاري في جزء القراءة وأبو داود والترمذي .
[ عن عبد الله بن عصم ].
عبد الله بن عصم صدوق يخطئ حديثه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن عبد الله بن عمر ].
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث ضعيف، والجنب عليه أن يروي جسده كله بالماء، ويروي رأسه وشعره بالماء ويدلكه ويخلل شعره، ولكن كون تحت كل شعرة جنابة غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ حدثنا نصر بن علي ].
هو نصر بن على بن نصر بن علي الجهضمي فاسمه واسم أبيه يوافق اسم جده وجد أبيه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني الحارث بن وجيه ].
هو الحارث بن وجيه وهو ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ حدثنا مالك بن دينار ].
مالك بن دينار صدوق أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن سيرين ].
محمد بن سيرين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
[ قال أبو داود : الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف ].
هذا الحديث منكر حيث تفرد به هذا الضعيف.
أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا ) يعني: عذبه بكذا وكذا وذكر عقوبة، وقد أبهمها وأشار إليها بقوله: (كذا وكذا) دون أن يسميها، يعني: يعاقبه الله بعقوبة كذا وكذا في النار، ومعناه أنه أمر خطير من الكبائر، قال علي رضي الله عنه: فمن ثم عاديت رأسي، يعني: عادى شعر رأسه بحيث أنه كان يجزه ويستمر على جزه حتى لا يحصل منه الإخلال بغسله؛ لأنه توعد عليه بهذا الوعيد الشديد، فكان يجزه دائماً وأبداً.
والحديث ضعيف؛ لأنه من رواية عطاء بن السائب ، وهو صدوق اختلط، وحماد بن سلمة روى عنه قبل الاختلاط وبعد الاختلاط، ولم يتميز حديثه الذي قبل الاختلاط عما كان بعده فردت روايته، وحكم حديث المختلط: أن ما تحقق أنه رواه قبل الاختلاط يحتج به؛ لأن الاختلاط طرأ بعد ذلك، وما تحقق أنه بعد الاختلاط فهو مردود لا يحتج به، ومن روى عنه قبل الاختلاط وبعده فإن كان متميزاً فما كان قبل الاختلاط يعمل به، وما كان بعد الاختلاط لا يعمل به، وإن لم يتميز فكله لا يعول عليه؛ لأنه روى عنه قبل الاختلاط وبعده فلم يتميز، وحماد بن سلمة روى عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط وبعده، ولم يتميز ما روى عنه قبله وبعده فترد روايته عنه؛ أما حماد بن زيد فإنه روى عنه قبل الاختلاط، ولهذا روايته عن عطاء بن السائب مقبولة ومعتبرة ومحتج بها؛ لأنه روى عنه قبل الاختلاط، فالحديث ضعيف من أجل عطاء بن السائب ، ورواية حماد بن سلمة عنه.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحابه الكتب الستة.
و موسى بن إسماعيل التبوذكي هو جد ابن أبي عاصم من جهة أمه، وجده من جهة أبيه هو أبو عاصم ، فله جدان ثقتان من جهة أبيه ومن جهة أمه، وأبو عاصم النبيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب كتاب السنة وغيره من الكتب, وهو من شيوخ البخاري ، وموسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ البخاري .
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة ، وإذا جاء حماد غير منسوب يروي عنه موسى بن إسماعيل فهو ابن سلمة ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ أخبرنا عطاء بن السائب ].
عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن زاذان ].
هو زاذان الكندي ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن علي ].
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الجواب: الإنسان الذي ليس عنده قدرة يقلد إذا لم يجد من يستفتيه ويرجع إليه في معرفة أمور الدين، فيتعلم مذهباً من المذاهب، ويعبد الله عز وجل بها، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لكن الإنسان الذي عنده القدرة والتمكن، وعنده الاطلاع الواسع على كتب السنة، والفقه والحديث فلا يلزمه أن يقلد إماماً من الأئمة، وإنما عليه أن يتبع الدليل؛ لأن الله عز وجل يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59].
ويقول الإمام الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان.
وكل واحد من الأئمة الأربعة جاء عنه التنصيص على أنه إذا وجد له قول يخالف حديثاً صحيحاً فإنه يتبع الدليل ويأخذ بالحديث، ويترك ما جاء عنه من القول الذي خالفه الحديث.
والإمام الشافعي رحمة الله عليه نفسه قد جاء عنه في مسائل متعددة أنه يعلق القول فيها على الصحة، فيرى رأياً خلاف ما جاء به الحديث الذي ما صح عنده، ومع ذلك يعلق القول به على صحته فيقول: إن صح الحديث قلت به، ولهذا يأتي بعض أتباعه كـالبيهقي والنووي وغيرهما في بعض الأحاديث فيقولون: وقد صح الحديث، وهو مذهب الشافعي ؛ لأن الشافعي علق القول به على صحة الحديث، فإذاً هو مذهب الشافعي حكماً؛ لأنه علق القول به على صحته.
لكن ليس كل أحد يستطيع أن يرجع إلى الأدلة، ويأخذ بها دون أن يكون عنده علم وبصيرة واطلاع واسع؛ لأن بعض الناس قد يطلع على شيء وهناك شيء أقوى منه، أو هناك ما ينسخه، أو ما يقيده، فعليه أن يرجع إلى كلام العلماء والفقهاء وشراح الحديث والمصادر المختلفة، فليس كل أحد بإمكانه أن يجتهد؛ لأن الذي بإمكانه الاجتهاد هو الذي عنده قدرة واطلاع، وأما أي إنسان يأتي ويقول: أنا أفعل كذا وكذا فهذا لا يصلح ولا ينبغي، ولكن مثل المشايخ الكبار الذين عندهم قدرة ومعرفة واستيعاب مثل الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين ونحوهما هل يقال: يلزمهم أن يقلدوا مذهباً معيناً؟!
لا يقال في حقهم ولا في حق غيرهم ممن يكون عنده القدرة مثلهم، أما الإنسان الذي ليس عنده علم وليس عنده معرفة ولا قدرة؛ فإنه يستفتي من عنده علم، ومن لا يجد من يفتيه يتعلم مذهباً من المذاهب، ويتعبد الله تعالى به، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر