حدثنا محمد بن جعفر بن زياد قال، وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي والوضوء عند كل صلاة) قال أبو داود : زاد عثمان : (وتصوم وتصلي) ].
هذا باب من قال إن المستحاضة تغتسل من طهر إلى طهر يعني: أنها تغتسل غسلاً واحداً، وهو الغسل الذي تتطهر به من الحيضة، وتقبل على الطهر الذي هو استحاضة بدون حيض؛ لأن المستحاضة عندما يأتيها الحيض يجتمع دم الاستحاضة ودم الحيض، وإذا انتهى زمن الحيض بقي دم الاستحاضة فقط، وهو دم الفساد الذي يخرج منها باستمرار، وهو لا يمنعها من الصلاة والصيام وسائر الأعمال التي تفعلها الطاهرات، هذا هو المقصود بالترجمة.
قوله: (تغتسل من طهر إلى طهر) يعني: أنه لا يجب عليها إلا غسل واحد، وهو الاغتسال الذي يكون عند إدبار حيضها، فإنها تغتسل لانتهاء الحيض منها، هذا هو الواجب، والأغسال الأخرى التي تكون عند كل صلاة وغيرها مندوبة مستحبة، وأما الغسل المتعين الواجب اللازم الذي لا بد منه فهو غسل الحيض، وهو الذي يكون عند إدبار حيضها، وانقطاع الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة، ثم بقاء ذلك الدم الذي هو دم الاستحاضة والذي هو دم عرق وفساد.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها) يعني: أيام حيضها، فإذا كانت مميزة فعلامته إقبال الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة، فإذا انتهى ذلك الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة تغتسل من الحيض، وإذا كانت غير مميزة ولكنها تعرف عادتها قبل أن تأتيها الاستحاضة، كأن كانت تعرف أنها تأتيها خمسة أيام -مثلاً- من أول الشهر؛ فإنها تجلس خمسة أيام من أول الشهر، يعني: نفس الأيام التي كانت تجلسها، فإذا انتهت الأيام اغتسلت غسل الحيض، وما عدا ذلك من الأغسال عند كل صلاة أو غير ذلك ليس بواجب.
وقوله: (ثم تغتسل وتصلي) هذا هو محل الشاهد للترجمة، فهو يدل على الغسل من طهر إلى طهر يعني: إذا طهرت اغتسلت وجوباً، ولا يجب عليها أن تغتسل إلا بعد مجيء الطهر الآخر، لكن لو جامعها زوجها فإنه يجب عليها أن تغتسل، ولو احتلمت فيجب عليها أن تغتسل؛ لأن هذا غسل وجد سببه، لكن حيث لا يوجد سبب يوجب الغسل كالجماع أو الاحتلام فإن الذي عليها إنما هو غسل الحيض.
وقوله: (والوضوء عند كل صلاة) أي: أنها عند كل صلاة تتوضأ لزوماً، ولكن الغسل ليس لازماً، ولكنه مندوب إليه ومستحب.
[ قال أبو داود زاد عثمان : (وتصوم وتصلي) ] يعني: أنها في تلك المدة تصلي وتصوم، فزاد فيه الصيام، والأول قال: (تغتسل وتصلي)، ومن المعلوم أن كل الأعمال التي هي مطلوبة من الطاهرات يسوغ لها أن تفعلها، فالطاهرات يصلين ويصمن ويحججن ويقرأن القرآن، ويجامعهن أزواجهن، ويمسسن المصاحف، وما إلى ذلك من الأمور التي هي سائغة في حق الطاهرات، وكذلك يسوغ للمستحاضة ذلك، وهذا مرض ودم فساد، وأما الدم الذي يكون منه المنع فهو دم الطبيعة الذي هو دم الحيض.
محمد بن جعفر بن زياد ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .
[ وعثمان ].
عثمان بن أبي شيبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن شريك ].
شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيرا،ً وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي اليقظان ].
وهو عثمان بن عمير ، وهو ضعيف اختلط أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن عدي بن ثابت ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
ثابت الأنصاري ، وهو مجهول أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن جده ].
قيل: إنه دينار ، وقيل: إنه جده لأمه عبد الله بن يزيد ، وقيل غير ذلك، وهو مختلف فيه.
الحديث فيه شريك القاضي وهو يخطئ كثيراً، وفيه ذلك الضعيف الذي هو أبو اليقظان ، ولكن معناه جاء في روايات صحيحة وثابتة، ومنها الوضوء عند كل صلاة، وقد ذكر الحافظ في بلوغ المرام أن في راوية البخاري : (وتوضئي عند كل صلاة)، فالوضوء عند كل صلاة ثابت، وهذا الحديث قد جاء من طرق، والشيخ الألباني صحح الحديث بالشواهد، وإلا فإنه من حيث الإسناد فيه أبو اليقظان وهو مجهول، وفيه شريك النخعي الكوفي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً، والأشد أن فيه ذلك المجهول.
ذكر المصنف حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها وفيه قصتها التي تكررت وجاءت مراراً، وهي أنها كانت تستحاض، وأنها سألت الرسول أو سأله غيرها لها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأن تغتسل وتصلي عند إدبار الحيض، وتتوضأ لكل صلاة، وهذا مثل ما أشرت إليه في الحديث السابق من أن الوضوء لكل صلاة جاء في روايات متعددة وفي أحاديث متعددة.
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
وهو سليمان بن مهران الكاهلي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حبيب بن أبي ثابت ].
وهو ثقة كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة ].
عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أنزل الله تعالى في براءتها مما رميت به من الإفك آيات تتلى في سورة النور، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم:
أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة.
أورد أبو داود الأثر عن عائشة رضي الله عنها أن المستحاضة تغتسل مرة واحدة، يعني: عند انتهاء الحيض أو عند إدبار الحيض، وتتوضأ إلى أيام أقرائها يعني: أنها تتوضأ عند كل صلاة إلى أن يأتيها الحيض مرة أخرى.
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا يزيد ].
يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب بن أبي مسكين ].
أيوب بن أبي مسكين أبو العلاء الواسطي ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي .
[عن الحجاج ].
الحجاج بن أرطأة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أم كلثوم ].
أم كلثوم الليثية المكية ولم يذكر الحافظ عنها شيئاً، أخرج حديثها أبو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة .
وهذا الأثر عن عائشة مطابق للروايات الأخرى الثابتة الصحيحة في أن المرأة المستحاضة تغتسل عند إدبار حيضها، وأنها تتوضأ لكل صلاة، والاغتسال مستحب لها وليس بواجب.
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى عن عائشة ، وهو مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: مثله، أي: مثل ذلك الذي مرّ موقوفاً على عائشة .
أبو داود رحمه الله بعدما ذكر تلك الأحاديث المرفوعة قال: إنها كلها ضعيفة لا تصح، ثم بين الوجه في ذلك وهو أنه اختلف على عدي بن ثابت في رفعها وفي وقفها، وقال: إن الذي صح عنده أنها موقوفة، وليست مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ وحديث عدي بن ثابت ].
عدي بن ثابت هو الأول.
[ والأعمش عن حبيب ] هو الثاني.
[ وأيوب أبي العلاء ].
وأيوب أبو العلاء وهو الأخير، فرواه أحمد بن سنان القطان ، عن يزيد بن هارون ، عن أيوب أبي العلاء ، يعني: فهذه الثلاثة المرفوعة كلها يضعفها أبو داود ، وبعض أهل العلم يصححها، ويجعل بعضها يشهد لبعض، فإن الوضوء لكل صلاة جاء في غيرها.
قوله: [ كلها ضعيفة لا تصح، ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب هذا: الحديث أوقفه حفص بن غياث عن الأعمش . وأنكر حفص بن غياث أن يكون حديث حبيب مرفوعاً ].
يعني: حتى ابن غياث أنكر أن يكون مرفوعاً، وهو أحد رواته، وحفص بن غياث ثقة أخرج له أصحاب الكتب.
قوله: [ وأوقفه أيضاً أسباط ].
أسباط هو ابن محمد بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، ضعف في الثوري ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ وأوقفه أيضاً أسباط عن الأعمش موقوف عن عائشة ].
وهذا أيضاً وجه آخر لتضعيفه، وهو: أنه موقوف.
[ قال أبو داود : ورواه ابن داود عن الأعمش مرفوعاً أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة ].
أوله هو أن تدع الصلاة أيام أقرائها، وآخره هو الوضوء عند كل صلاة، فجاء أوله مرفوعاً من طريق ابن داود ، وهو عبد الله بن داود القريبي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن، يروي عن الأعمش .
وفي الحديث: أنها تترك الصلاة، وتغتسل وتصلي، وتتوضأ لكل صلاة، وعقب الراوي بقوله: ليس فيه تتوضأ لكل صلاة.
إذاً: الرواية التي ذكرها عن طريق ابن داود فيها أول الحديث مرفوعاً، وأنكر أن يكون فيه (تتوضأ لكل صلاة) الذي هو آخر الحديث.
قوله: [ ودل على ضعف حديث حبيب هذا: أن رواية الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قد كانت تغتسل لكل صلاة في حديث المستحاضة) ].
يعني ما ذكرت الوضوء عند كل صلاة، وإنما ذكرت الغسل عند كل صلاة.
داود هو ابن أبي هند ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
وعاصم هو ابن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي ، عن قمير ، عن عائشة ].
وقد مر ذكرهم.
[ تغتسل كل يوم مرة ] يعني: هذا فيه أن الاغتسال كل يوم مرة.
[ وروى هشام بن عروة ، عن أبيه: (المستحاضة تتوضأ لكل صلاة) ].
يعني: هذا أثر عن عروة .
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهذه الأحاديث كلها ضعيفة، إلا حديث قمير ، وحديث عمار مولى بني هاشم ، وحديث هشام بن عروة عن أبيه، والمعروف عن ابن عباس الغسل ].
هذه المستثناة آثار وليست أحاديث، لكن قضية الوضوء عند كل صلاة ثابت، وقد جاء في صحيح البخاري ، وجاء في غيره، وهذه الأحاديث التي ضعفها أبو داود قد صححها غيره، واعتبروا مجموع تلك الأحاديث يؤدي إلى شيء واحد، وهو: أن الوضوء لكل صلاة لابد منه.
عبد الملك بن أبي سليمان ، هو ابن ميسرة وابن أبي سليمان ، ابن ميسرة هو أبو سليمان ؛ لأن الأول اسم أبيه، والثاني كنية أبيه.
ويوجد راو آخر هو: عبد الملك بن ميسرة الهلالي ، أبو زيد العامري الكوفي الزراج ، ثقة من الرابعة، يروي عن الشعبي ، والأول أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن، وعلى كل النتيجة واحدة، سواء كان هذا أو هذا، لكن هذا لا شك أنه أقوى.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، عن مالك ، عن سمي مولى أبي بكر : أن القعقاع وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله: كيف تغتسل المستحاضة؟ فقال: (تغتسل من ظهر إلى ظهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت بثوب) ].
هذه الترجمة هي: [باب من قال تغتسل من ظهر إلى ظهر] يعني: من وقت الظهر إلى وقت الظهر.
وأورد أبو داود هذا الحديث، وفيه (من ظهر إلى ظهر)، وأبو داود ذكر بعد ذلك أنه (من طهر إلى طهر) ولكن حصل زيادة النقطة فتحول الطهر إلى الظهر، ولا وجه لكون الاغتسال يكون من ظهر إلى ظهر، وإنما الاغتسال الاغتسال الواجب من الطهر إلى الطهر، وأما الأغسال المستحبة فلكل صلاة، فإن اغتسلت لكل صلاة، أو اغتسلت لبعض الصلوات، أو جمعت بين الصلاتين واغتسلت لهما غسلاً واحداً؛ فكل ذلك مندوب، وإنما الواجب هو الغسل عند الانتهاء من الحيض.
وهذا الأثر عن سعيد بن المسيب أن القعقاع وزيداً أرسلا سمياً مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى سعيد بن المسيب يسأله عن المستحاضة، فقال: (تغتسل من ظهر إلى ظهر) والصواب: من طهر إلى طهر.
قوله: [ وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت بثوب ].
(فإن غلبها الدم) يعني: إذا كان يخرج منها بكثرة فإنها تستثفر بثوب حتى يمنع تقاطره على جسدها وعلى ثيابها وعلى الأرض، كما مر في قصة حمنة رضي الله عنها حيث قالت: (إني أستحاض حيضة شديدة كثيرة، فوصف لها الكرسف -الذي هو القطن- فقالت: هو أكثر من ذلك. قال: شدي عليه ثوباً، قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أفج فجاً).
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سمي مولى أبي بكر ].
سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أرسلاه إلى سعيد بن المسيب ].
سعيد بن المسيب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين بالاتفاق.
وأبو بكر بن عبد الرحمن هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في ذلك؛ فـأبو بكر هو مولى سمي ، وهو ليس من رجال الإسناد. وسمي هذا ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو بكر هو مولاه من أعلى؛ لأن المولى يكون من أسفل، ويكون من أعلى، يكون من أعلى وهو السيد، ومن أسفل هو العبد، الأعلى هو المعتِق، والأسفل هو المعتَق، وكل واحد منهما يقال له: مولى.
يعني: مثل ما جاء عن سعيد ، والمسألة فيها قلب، والصواب: (من طهر) ولكنه تحول إلى (ظهر)، وهذا يسمونه تصحيفاً.
[ وكذلك رواه داود وعاصم عن الشعبي ، عن امرأته، عن قمير ، عن عائشة رضي الله عنها، إلا أن داود قال: (كل يوم). وفي حديث عاصم : (عند الظهر). وهو قول سالم بن عبد الله والحسن وعطاء ].
داود هو ابن أبي هند ، وعاصم هو الأحول.
[ عن الشعبي ].
هو عمرو بن شراحيل .
[ عن امرأته ].
ما أدري ما اسمها.
قد مر ذكرهما.
قوله: [ إلا أن داود قال: كل يوم ].
يعني: أضاف من ظهر إلى ظهر كل يوم.
قوله: [ وفي حديث عاصم : عند الظهر ].
يعني: أنه عند الظهر ومعلوم أن هذا كما قال أبو داود : انقلاب وتصحيف. بدل ما كانت (طهر) انقلبت إلى (ظهر)، أو تحولت إلى (ظهر)، أو صحفت إلى (ظهر).
قوله: [ وهو قول سالم بن عبد الله ].
سالم بن عبد الله بن عمر ، أحد فقهاء المدينة السبعة في عهد التابعين على أحد الأقوال الثلاثة.
[ والحسن ].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وعطاء ].
عطاء بن أبي رباح، مكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو داود: قال مالك : إني لأظن حديث ابن المسيب: (من ظهر إلى ظهر) إنما هو (من طهر إلى طهر)، ولكن الوهم دخل فيه، فقلبها الناس فقالوا: (من ظهر إلى ظهر).
ورواه مسور بن عبد الملك بن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع قال فيه: (من طهر إلى طهر) فقلبها الناس: (من ظهر إلى ظهر) ].
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الله بن نمير عن محمد بن أبي إسماعيل -وهو محمد بن راشد -، عن معقل الخثعمي ، عن علي رضي الله عنه قال: (المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم، واتخذت صوفة فيها سمن أو زيت) ].
قال في الترجمة السابقة: كل يوم مرة ولكن من الظهر إلى الظهر. وهنا قال: (كل يوم مرة) ولم يقل: من الظهر إلى الظهر، وإنما أطلق.
وكلمة (من قال) في هذه التراجم هو رأي، وليس رواية؛ لأنهم قالوا: إنها تغتسل من كذا إلى كذا؛ يعني: من ظهر إلى ظهر، ولا توجد هنا رواية مرفوعة مثل التراجم التي سبقت، وكأن المقصود بها من قال رأياً، يعني قاله برأي منه أو باجتهاد منه، فليست كل التراجم التي مرت وفيها ذكر (من قال) على نسق واحد من حيث المعنى؛ لأن الروايات السابقة كان في أولها أنها تدع الصلاة أيام أقرائها، وأنها إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، وإذا أدبرت تغتسل وتصلي، وكل هذه رواية، وفي هذه التراجم الأخيرة إنما هي آراء وليست رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(باب من قال تغتسل كل يوم مرة ولم يقل عند الظهر) هذا مثل الترجمة السابقة، إلا أن الأولى مقيدة في أنها من الظهر إلى الظهر، وهذه كل يوم، وليس فيها تقييد بأنها من كذا إلى كذا.
قوله: [ (المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم، واتخذت صوفة فيها سمن أو زيت) ].
سمن أو زيت من أجل تمسك الدم.
هو أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن نمير ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن أبي إسماعيل -وهو محمد بن راشد - ].
هو محمد بن راشد ، وأبو إسماعيل هو راشد ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن معقل الخثعمي ].
هو راو مجهول، أخرج له أبو داود وحده.
[ عن علي ].
هو علي بن أبي طالب ، وقد مر ذكره.
الإسناد فيه معقل الخثعمي ، وهو مجهول، فالحديث ضعيف.
حدثنا القعنبي ، حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن محمد بن عثمان أنه سأل القاسم بن محمد عن المستحاضة، فقال: (تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل فتصلي، ثم تغتسل في الأيام) ].
هنا قال: (تغتسل في الأيام)، والترجمة مطلقة، وليس فيها التقييد بأن تغتسل كل يوم مرة، ومن الظهر إلى الظهر، وإنما قال: (تغتسل في الأيام) يعني: بعد انتهاء الحيض تغتسل غسل الجنابة، ثم بعد ذلك تصلي وتصوم وتغتسل في الأيام، يعني: في الأيام التي هي فيها في حكم الطاهرات، إلى أن يأتي الحيض مرة أخرى، وعند ذلك تمسك عن الصلاة وعن الصيام وعن الأمور التي تمتنع منها الحُيض.
قوله: (ثم تغتسل فتصلي) أي: تغتسل غسل الانتهاء من الحيض الذي لابد منه، (ثم تغتسل في الأيام) يعني: تغتسل في الأيام التي تكون فيها مستحاضة وليست بحائض، وهنا لا يوجد تحديد لعدد الأغسال، وإنما قال: (في الأيام) بدون تحديد. وهذا أثر عن القاسم بن محمد بن أبي بكر .
هو ابن محمد الدراوردي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عثمان ].
محمد بن عثمان بن عبد الرحمن ، صدوق، أخرج له أبو داود .
[ سأل القاسم بن محمد ].
القاسم بن محمد بن أبي بكر، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن محمد -يعني: ابن عمرو - قال: حدثني ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: (أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: من قال تتوضأ لكل صلاة. يعني: بعد انتهاء حيضها، وعندما تكون مستحاضة غير حائض فحكمها حكم الطاهرات.
عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف)، يعني: إذا حصل لك دم الحيض فعلامته: أنه أسود يُعرِف، أي: من الرائحة، أو (يُعرَف) تعرفه النساء (فأمسكي عن الصلاة) قوله: (وإذا كان الآخر) يعني: الذي هو ليس بأسود ولا بغليظ (فتوضئي وصلي) أي: بعد الاغتسال من الحيض؛ لأنه لابد من الاغتسال من الحيض عند انتهائه، وأيضاً تتوضأ لكل صلاة.
محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[ حدثنا ابن أبي عدي ].
محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني ابن شهاب ].
هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة بن الزبير ، عن فاطمة بنت أبي حبيش ].
عروة قد مر ذكره.
وفاطمة بنت أبي حبيش صحابية، أخرج حديثها أبو داود والنسائي وابن ماجة .
اللفظ الأول هو من مسند فاطمة ، والثاني من مسند عائشة ، وقوله: (حدثنا به ابن أبي عدي حفظاً) يعني: من حفظه، (فقال: عن عروة ، عن عائشة أن فاطمة ) فيكون الحديث من مسند عائشة في هذه الرواية، وفي الرواية السابقة من مسند فاطمة .
[ قال أبو داود : وروي عن العلاء بن المسيب وشعبة عن الحكم ، عن أبي جعفر ، قال العلاء : عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأوقفه شعبة على أبي جعفر : (تتوضأ لكل صلاة) ].
ثم أورد الحديث من طرق أخرى، بعضها موقوف وبعضها مرفوع، ولكنه مرسل، فذكر أن منهم من وقفه على أبي جعفر ، وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، المشهور بـالباقر . ومنهم من قال: إنه أضافه للنبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرسلاً؛ لأن محمداً يروي عن الصحابة، فهو تابعي، وهو الذي روى حديث جابر الطويل في حجة الوداع، والمرسل على طريقة المحدثين: ما أضافة التابعي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والحاصل: أن منهم من وقفه عليه فجعله من كلامه موقوفاً عليه وليس بمرفوع، ومنهم من أضافه إلى الرسول أو أسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيكون مرسلاً.
[ وروي عن العلاء بن المسيب وشعبة ].
العلاء بن المسيب ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
وشعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحكم ].
الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو أحد الأئمة الإثنا عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويصفونهم بصفات لا تصلح، ولا تليق بهم، ولا يجوز أن تطلق عليهم، مثل ما جاء في كتاب (الكافي) للكليني : باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، وكذلك يقول: باب أنه ليس شيء من الحق إلا ما كان من عند الأئمة، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل.
والخميني زعيم الرافضة في هذا العصر، والذي هلك قبل سنوات، يقول في كتابه (الحكومة الإسلامية): وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل. وقصده الأئمة الإثنا عشر الذين منهم أبو جعفر .
والأثر الثاني أيضاً في صحيح البخاري يقول رضي الله عنه: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته)، ومعناه: حققوا ونفذوا ما رغبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أرشد إليه في حق آل بيته، رضي الله تعالى عنهم وعن أبي بكر .
وأما عمر رضي الله عنه فقد جاء عنه أثران؛ أحدهما: أنه لما حصل الجدب في الناس، وكانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم، فلما أراد أن يستسقي طلب من العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو للناس أن يغيثهم الله عز وجل، وقال -كما في صحيح البخاري -: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا -يعني: توسلنا بدعائه وطلبنا منه أن يدعو- وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قم يا عباس فادع الله) فقال: عم نبينا، وما عبر بـالعباس ؛ لأنه أراد القرابة، وقصده من اختيار العباس القرابة، وكان هناك من هو أفضل من العباس ممن شُهد له بالجنة من العشرة المبشرين، ومع ذلك ما طلب منهم، ولكنه اختار واحداً من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم.
الأثر الثاني: قال عمر رضي الله عنه للعباس : إن إسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب -الذي هو أبوه- لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك.
وقد ذكر ابن كثير رحمه الله هذه الآثار عند آية الشورى: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]، وقال: إن هذه الآية مكية، والمقصود بها -كما جاء عن ابن عباس في صحيح البخاري -: أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من قريش أنهم إذا لم ينصروه أن يتركوه يبلغ دعوته لما بينه وبينهم من القرابة، وليس المقصود بها القربى الذين هم: علي وفاطمة وأولادهما؛ لأن علياً ما تزوج من فاطمة في مكة، وإنما حصل الزواج بها بعد ذلك في المدينة، والآية مكية، والمقصود بها -كما جاء عن ابن عباس -أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد من قريش أن يتركوه إذا لم ينصروه ويؤيدوه.
ثم إن ابن كثير رحمه الله ذكر فضل آل البيت والآثار التي تدل على فضلهم، وذكر منها الأثرين عن أبي بكر ، وعمر في محبته لإسلام العباس على إسلام الخطاب .
والله تعالى أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر