قال أبو داود : ورواه خالد بن معدان عن ربيعة الجرشي عن عائشة رضي الله عنها نحوه ].
هذه جملة من أدعية الاستفتاح التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت [باب ما يُستفتح به الصلاة من الدعاء] وأورد جملة من الأحاديث ذكر فيها أنواعاً من استفتاح الرسول صلى الله عليه وسلم صلاته بها، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها، وقد سألها عاصم بن حميد: [بأي شيء كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه في الليل؟] فقالت: [لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك]. ثم بينت له ما كان يستفتح به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولها هذا له فيه تشجيع وثناء على مثل هذا السؤال، وأنه ينبغي الحرص على معرفة المسائل والأحكام الشرعية، وكذلك ما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمور التي يغيبون عنها فلا يطلع عليها إلا أزواجه صلى الله عليه وسلم، كهذا السؤال الذي سأل عنه عاصم بن حميد وهو استفتاح قيام الليل بأي شيء يكون.
فكان هذا من عائشة رضي الله عنها وأرضاها تشجيعاً وتأييداً لهذا السائل على مثل هذا السؤال، وحث له على أن يُعنى بمسائل العلم، وأيضاً فيه تنبيه على حصول الغفلة من بعض الناس حيث لم يحصل منهم السؤال عن مثل هذا الذي لا يطلع عليه إلا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته.
ثم إنها بينت أنه كان يستفتح قيام الليل بأن يكبر عشراً، ويسبح عشراً، ويهلل عشراً، ويحمد عشراً، ويستغفر عشراً، ثم يقول: [ (اللهم اغفرلي واهدني وارزقني وعافني) ].
قالت: [ (ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة) ] وهو ما يحصل من الكرب ومن الشدة.
هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا زيد بن الحباب ].
زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري ، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.
[ أخبرني معاوية بن صالح ].
معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أزهر بن سعيد الحرازي ].
أزهر بن سعيد الحرازي صدوق، أخرجه له البخاري في (الأدب المفرد) وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عاصم بن حميد ].
عاصم بن حميد صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .
[ سألت عائشة ].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية العلم وحفظته، لاسيما ما يتعلق بالأمور التي لا يطلع عليها إلا أمهات المؤمنين، ومن ذلك الإجابة على هذا السؤال الذي سئلت عنه، وهو المتعلق باستفتاح النبي صلى الله عليه وسلم صلاته في الليل.
قوله: [ قال أبو داود : ورواه خالد بن معدان عن ربيعة الجرشي عن عائشة نحوه ].
خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
و ربيعة الجرشي مختلف في صحبته، وثقه الدارقطني وغيره، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن عائشة ].
عائشة رضي الله عنها قد مر ذكرها.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها وفيه صفة أخرى من صفات دعاء الاستفتاح الذي كان يدعو به صلى الله عليه وسلم في صلاته عندما يقوم من الليل، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: [(اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)].
وهذا توسل إلى الله عز وجل بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل، وهم من أشراف الملائكة، وقيل: إنه ذكر هؤلاء الثلاثة وتوسل إلى الله عز وجل بربوبيته لهم لأن جبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأبدان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به الحياة بعد الموت والبعث بعد الموت، ثم بعد ذكر ربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل أثنى على الله عز وجل بما هو أهله فقال: [ (فاطر السموات والأرض) ].
يعني: فاطرهما وموجدهما. وقوله: [ (عالم الغيب والشهادة) ] يعني: يعلم ما غاب وما خفي، ما كان علانيةً وما كان سراً وخفياً، كما قال تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7].
قوله: [ (أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) ].
يعني: أنت المرجع في الحكم، لا حكم إلا حكمك. والله عز وجل والله عز وجل يقول: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ويقول عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59].
ثم بعد ذلك وصل إلى الغاية وهي السؤال؛ لأن هذا كله تمهيد وكله توطئة وكله تقديم بين يدي السؤال، وهو قوله: [ (اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) ] فما قبل هذا الدعاء وهذا الطلب من الله عز وجل كله تمهيد وثناء على الله عز وجل، وذلك بين يدي هذا الدعاء الذي هو الهداية لما اختلف فيه من الحق، بأن يوفق للصواب، ويوفق للحق في الذي اختلف فيه.
هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بـالزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عمر بن يونس ].
عمر بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عكرمة ].
عكرمة بن عمار صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني يحيى بن أبي كثير ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، ثقة فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
أورد المصنف طريقاً أخرى لهذا الحديث المتقدم، وليس فيه ذكر المتن، وإنما هو بالمعنى.
قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ].
محمد بن رافع مر ذكره.
[ حدثنا أبو نوح قراد ].
هو عبد الرحمن بن غزوان ، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا عكرمة ].
هو عكرمة بن عمار الذي مر ذكره.
قوله: [ بإسناده بلا إخبار ومعناه ].
يعني أنه ما قال: أخبرني. ومعنى (ومعناه) أي: بمعنى الحديث المتقدم.
أو أن المقصود بقوله: (ومعناه) معنى صيغة الأداء التي هي ليست إخباراً، فهو قال: (بلا إخبار) وما قال (أخبرني) ولكنه ذكر معنى روايته.
أورد المصنف هنا أثراً عن مالك ، وهو أنه قال: لا بأس بالدعاء في الصلاة في أوله وفي وسطه وفي آخره. أي: أول الصلاة ووسطها وآخرها.
وهذا يفيد أنه يرى الدعاء في الاستفتاح، وقيل: إن المشهور عنه أنه يكبر ويتعوذ ويقرأ ولا يذكر دعاء الاستفتاح، ولكن هذا الأثر يدل على أنه يرى الدعاء؛ لأن الدعاء في أول الصلاة هو الاستفتاح.
ووسطها يراد به في السجود، وكذلك بين السجدتين، وآخرها هو قبل التشهد، فكل ذلك موطن للدعاء.
قوله: [ في الفريضة وغيرها ].
يعني أن الدعاء يكون في الفريضة والنافلة.
والدعاء في أول الصلاة لا يكون إلا بما ورد، وأما بالنسبة للسجود فالإنسان يسأل فيه ما يريد، وكذلك في آخر الصلاة يسأل ما يريد، وحرصه على ما هو مأثور أولى، وأما بالنسبة لأول الصلاة فليس فيه إلا المأثور، فيدعو بما هو مأثور، وفي السجود قال صلى الله عليه وسلم: (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) ويمكن للإنسان أن ينص على حاجته وعلى مراده ويسمي مراده.
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله تعالى عنه أنه صلى وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركوع إذا برجل يقول: [ (اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) ].
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من المتكلم بها آنفاً؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله. فقال: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول) ].
وهذا فيه بيان عظم شأن هذه الكلمة وهذا الثناء وهذا التعظيم لله سبحانه وتعالى.
ولا علاقة له بدعاء الاستفتاح في هذا الباب، ولكن لعله ذكره لأنه جاء مثله في دعاء الاستفتاح في قصة ذلك الرجل الذي حفزه النفس، وذلك في دعاء الاستفتاح، وهذا الكلام من جنسه، ولكنه ليس في الاستفتاح، وإنما هو بعد الركوع.
نعيم بن عبد الله المجمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن علي بن يحيى الزرقي ].
علي بن يحيى الزرقي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن أبيه ].
هو يحيى بن خلاد الزرقي ، له رؤية، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن رفاعة بن رافع الزرقي ].
هو رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو يتعلق باستفتاح الصلاة في الليل، وهو نوع آخر من أنواع الاستفتاح لصلاة الليل، وهو مثل ما تقدم في الحديث السابق، ففيه ذكر وثناءٌ على الله عز وجل، وفي نهايته طلب المغفرة من الله سبحانه وتعالى، فيثني على الله عز وجل بما هو أهله، ويذكر عدة أشياء فيها ثناء على الله عز وجل، ثم بعد ذلك يسأل حاجته، وهي أن يغفر الله له ذنوبه.
يعني أنه يحمد الله عز وجل ويثني عليه ويقول: إنه نور السموات والأرض. والله عز وجل هو نور، وحجابه النور، ولهذا جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: هل رأيت ربك قال: (نور أنى أراه) وجاء في حديث آخر أنه قال: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فقوله: (لأحرقت سبحات وجهه) فيه ذكر نور وجهه سبحانه وتعالى.
ونور الشمس ونور القمر والنور في السموات والأرض كله من الله سبحانه وتعالى، والكتاب نور، كما قال الله عز وجل: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو سراج منير، كما قال عز وجل: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46].
والمراد بذلك نور الوحي ونور الهدى ونور الحق، فكتاب الله عز وجل هو النور لأنه ينير الطريق إلى الله عز وجل، ومن سار على هذا النور الذي جاء في هذا القرآن فإنه يصل إلى الغاية الحميدة وينتهي إلى عاقبة حسنة، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء به هدىً ونور، وهذا هو معنى كون النبي صلى الله عليه وسلم نوراً، وليس معنى ذلك -كما يقول بعض الخرافيين وبعض المبتدعة- أنه لا ظل له؛ لأنه نور، لأنه لو كان الأمر كذلك لما كان في حاجة إلى أن يستظل في الظلال، ويرد عليهم قول عائشة رضي الله عنها: (والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح) لما كان يصلي وهي مضطجعة نائمة بين يديه، وكذلك المرأة التي دفنت في الليل وكانت تقم المسجد، ولم يعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما عاتبهم قالوا: إنها ماتت في ليلة ظلماء، وكرهنا أن نوقظك. فلو كان المقصود النور الذي يضيء بحيث يرى الطريق بذلك لما كان هناك حاجة إلى ذكر هذه الأشياء، ولكن المقصود هو النور المعنوي الذي يضيء الطريق إلى الله عز وجل والذي يوصل إلى الله سبحانه وتعالى.
فالله عز وجل هو نور، وحجابه النور، وما جعله في السموات والأرض هو نور، وما وصف به كتابه فهو نور ولكنه نور معنوي، وكذلك أيضاً رسوله صلى الله عليه وسلم نوره معنوي.
والله تعالى هو منور السموات والأرض، وقد ذكر ابن القيم في كتابه (الصواعق المرسلة) أن من أسماء الله تعالى النور، وذكر عشرة أمثلة منها الآية الكريمة اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النور:35].
وإذا ثبت ذلك فيجوز إطلاق اسم (عبد النور) على الإنسان ليكون اسماً له.
ثم إنه على القول بأنه من أسماء الله يكون النور اسماً لله تعالى وصفة، ولكن المعروف أن الأسماء تدل على الصفات، مثل الحكيم يدل على الحكمة، والعليم يدل على العلم، والسميع يدل على السمع، واللطيف يدل على اللطف، والخبير يدل على الخبرة، والقدير يدل على القدرة، والكريم يدل على الكرم، وهكذا، وأما النور فهو اسم وصفة بنفس الحروف.
في بعض الروايات: (قيم السموات والأرض) وجاء في القرآن لفظ (قيوم) كما في قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، والمراد به الذي هو قائم بكل شيء، فهو قائم بذاته ومقيم لغيره، لا قيام لغيره إلا به، ولا وجود لغيره إلا به، ولا بقاء لغيره إلا به.
قوله: [ (ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن) ].
يعني: موجدهما والمتصرف فيهما.
قوله: [ (أنت الحق وقولك الحق) ].
الحق من أسماء الله تعالى، ومعنى (وقولك الحق) أن قول الله عز وجل وما يقوله حق وصدق، قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115].
قوله: [ (ووعدك الحق) ].
يعني أن الله لا يخلف الميعاد، فهو حق، والله تعالى ينجز وعده.
قوله: [ (ولقاؤك حق) ].
يعني يوم القيامة، ولهذا يستدل بعض العلماء بالآيات التي فيها ذكر اللقاء بأنها من أدلة إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى في الدار الآخرة.
قوله: [ (والجنة حق والنار حق) ].
أي أن الجنة ثابتة وموجودة، والنار كذلك، والجنة أعدها الله لأوليائه والنار أعدها الله لأعدائه، وقد جاء في الحديث: أنه تعالى قال للجنة: (أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها).
قوله: [(والساعة حق) ].
يعني أنها قائمة ولا بد من أن تأتي.
وقوله: [(وبك خاصمت) ].
قيل في معناه: إنه يقيم الحجة على الكفار، وفيه إثبات ألوهية الله عز وجل وربوبيته.
قوله: [ (وإليك حاكمت) ].
يعني: إلى حكمك احتكمت لا إلى أي شيء آخر مما يتحاكم إليه الناس من عادات الجاهلية ومما لم ينزل الله به سطاناً ولم ينزل به وحياً، كالقوانين الوضعية وغير ذلك، فإن المحاكمة إلى الله عز وجل وإلى حكمه واجبة، قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، وقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت) ].
هذه هي الغاية؛ لأن كل ما مضى ثناء على الله عز وجل، وهو وسيلة للوصول إلى هذه الغاية التي هي طلب المغفرة.
وقوله: [ (فاغفر لي ما قدمت وما أخرت) ] يعني: ما قدمت من الذنوب وما أخرت.
وقوله: [ (وأسررت وأعلنت) ].
يعني: ما كان خفياً لا يطلع عليه إلا أنت، وما كان علانيةً يطلع عليه الناس.
قوله: [ (أنت إلهي لا إله إلا أنت) ].
يعني: أنت معبودي الذي أقصدك بالعبادة، لا إله لي إلا أنت، فأنت إلهي ومعبودي الذي لا معبود بحق سواك.
أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن طاوس ].
هو طاوس بن كيسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر المصنف الحديث من طريق أخرى، وأحال على اللفظ المتقدم، فالحديث بمعنى اللفظ المتقدم.
قوله: [حدثنا أبو كامل ].
هو فضيل بن حسين الجحدري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا خالد -يعني ابن الحارث - ].
خالد بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عمران بن مسلم ].
عمران بن مسلم صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ أن قيس بن سعد ].
قيس بن سعد ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
هذا الدعاء لا علاقة له بالاستفتاح، وهو مثل الحديث المتقدم في قصة الرجل الذي قال بعد الركوع: (ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) إلا أن هذا قال هذا الكلام عندما عطس وحمد الله، قالوا: وفي هذا دليل على أن الإنسان عندما يعطس في الصلاة فإنه يحمد الله، ولكن ليس لمن سمعه أن يشمته؛ لأنه لا تشميت لأحد في الصلاة، ولا يتكلم أحد مع أحد في الصلاة، ولكن كون الإنسان يحمد الله، ويثني عليه عندما يعطس بأن يقول مثل هذا الكلام أو يقول: الحمد لله لا بأس به، وهذا الحديث يدل عليه.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغدادي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وسعيد بن عبد الجبار ].
سعيد بن عبد الجبار صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود .
قوله: [ نحوه ].
أي: بمعنى رواية الحديث، فيؤتي بمثل هذه الكلمات أحياناً، فالمقصود بقوله: (نحوه) أي: بمعناه.
[ قال قتيبة : حدثنا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع ].
قوله: [ قال قتيبة ] يعني أن هذا لفظ قتيبة .
[ حدثنا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع ].
رفاعة صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع ].
معاذ بن رفاعة بن رافع صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن أبيه ].
هو رفاعة بن رافع وقد مر ذكره.
قوله: [ ثم ذكر حديث مالك وأتم منه ].
يعني بذلك حديث مالك السابق في قصة قول الرجال بعد الركوع: (اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه).
قوله: [ لم يقل قتيبة : رفاعة ].
يعني أن الذي ذكر رفاعة هو سعيد بن عبد الجبار .
أورد أبو داود حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه أن شاباً من الأنصار عطس، فقال: [ (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه حتى يرضى ربنا، وبعد ما يرضى من أمر الدنيا والآخرة) ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [(ما تناهت دون عرش الرحمن) ].
يعني: ما قصرت أو ما منعت أو ما حيل بينها وبين أن تنتهي إلى العرش، وما وقفت دون العرش، بل انتهت إليه.
وقوله: [(حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، مباركاً عليه) ].
أي: حمداً مباركاً فيه ومباركاً عليه.
وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه هذه الزيادات، وهذا الحديث في إسناده من هو ضعيف، وهو عاصم بن عبيد الله .
هو عباس بن عبد العظيم العنبري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا يزيد بن هارون ].
هو يزيد بن هارون الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا شريك ].
هو شريك بن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عاصم بن عبيد الله ].
هو عاصم بن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ، وهو ضعيف، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ].
عبد الله بن عامر بن ربيعة ، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ووثقه العجلي ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
الملقي: [ عن أبيه ].
هو عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حدثنا عبد السلام بن مطهر حدثنا جعفر عن علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله سلم إذا قام من الليل كبر، ثم يقول: سبحانك -اللهم- وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك. ثم يقول: لا إله إلا الله -ثلاثا- ثم يقول: الله أكبر كبيرا -ثلاثا- أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه. ثم يقرأ).
قال أبو داود : وهذا الحديث يقولون: هو عن علي بن علي عن الحسن مرسلا، الوهم من جعفر ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب من رأى الاستفتاح بـ(سبحانك اللهم وبحمدك)] وهذا نوع من أنواع الاستفتاح التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي جاءت عن الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم، وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر في الصلاة قال: [ (سبحانك -اللهم- وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) ]
قوله: [ (سبحانك -اللهم- وبحمدك) ] تنزيه لله عز وجل وتعظيم له؛ لأن التسبيح هو تنزيه، والحمد هو ثناء.
ثم بعد ذلك قال: [ (وتبارك اسمك) ] و(تبارك) لا تأتي إلا مضافة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يطلق على غيره هذا اللفظ، ولا يقال لمخلوق: تبارك. ولا يقال: تعالى. ولا يقال: سبحان فلان. لأن هذه الألفاظ الثلاثة كلها من خصائص الله، ولا تقال إلا لله سبحانه وتعالى.
قوله: [ (وتعالى جدك) ] الجد هو العظمة، ومنه قول الله عز وجل فيما حكاه عن الجن: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا [الجن:3] فالجد هنا العظمة، فيأتي الجد بمعنى العظمة كما هنا، وكما في الآية، ويأتي الجد بمعنى الحظ والنصيب، ومنه قول الشاعر:
الجد بالجد والحرمان بالكسل.
يعني: الحظ والنصيب إنما يكون بالجد والاجتهاد، والحرمان الذي هو مقابل الحظ ومقابل الجد يكون بالكسل.
ويأتي بمعنى أبي الأب وأبي الأم، فيقال له: جد.
فلفظ الجد يأتي ويراد به العظمة، ويأتي ويراد به الجد الذي هو الأب الثاني، سواءٌ من جهة الأب أو الأم، ويأتي بمعنى الحظ والنصيب، ومنه الحديث: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) يعني: لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك، وإنما ينفعه العمل الصالح.
وقوله: [ (تبارك اسمك) ] يعني: كثرت بركته وخيره.
عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود .
[ حدثنا جعفر ].
هو جعفر بن سليمان ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن علي بن علي الرفاعي ].
علي بن علي الرفاعي لا بأس به، وهو بالمعنى: صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن أبي المتوكل الناجي ].
هو على بن داود ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا كلام حول هذا الحديث، لكن الحديث ثابت، وجاء عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يستفتحون بهذا الذكر، وبعض أهل العلم يختار هذا، ويقول: إن كون الإنسان يبدأ صلاته بالثناء على الله عز وجل أولى من كونه يدعو مباشرةً. وكل ذلك -كما هو معلوم- صحيح؛ لأنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم الذكر والثناء كما في هذا الحديث، وجاء عنه الدعاء مباشرةً، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب).
وهذا من قبيل اختلاف التنوع، أعني كون أحدهم يختار هذا وأحدهم يختار هذا، وآخر يفضل هذا الذكر وآخر يفضل هذا الدعاء، فهذا من قبيل اختلاف التنوع.
قال أبو داود : وهذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب ، لم يروه إلا طلق بن غنام ، وقد روى قصة الصلاة عن بديل جماعة لم يذكروا فيه شيئا من هذا ].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها وهو مثل الحديث المتقدم.
حسين بن عيسى صدوق، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا طلق بن غنام ].
طلق بن غنام ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن ].
[ حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي ].
عبد السلام بن حرب الملائي ثقة له مناكير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن بديل بن ميسرة ].
بديل بن ميسرة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن ].
[ عن أبي الجوزاء ].
هو قوس بن عبد الله الربعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة رضي الله تعالى عنها قد مر ذكرها.
الجواب: لا يليق بالإنسان أن يذهب بالملابس الخاصة بالنوم أو الملابس الخاصة بالبيت التي ليس فيها ستر وزينة للمرء، وكما أنه لا يقابل بها الناس إذا زاروه، فكذلك لا يصلح أن يذهب إلى المسجد بها، والله تعالى يقول: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، فهذا من الأمور التي بلي بها بعض الناس في هذا الزمان، حيث يأتي إلى المسجد بهيئة غير حسنة، ولا يستطيع أن يقابل بها الناس لو زاروه في بيته، فإذا زاروه في بيته يلبس لباساً آخر يناسب المقام.
الجواب: نعم ينظر إلى السبابة.
الجواب: ما دام الأمر ضرورياً فليرض والده وليتزوج.
الجواب: الصفوف الأمامية أولى من الروضة بالصلاة في صلاة الفريضة، وأما النافلة فإن صلاتها في الروضة لا شك في أن لها ميزة لكون الروضة في المسجد تتميز عن غيرها بهذا الوصف.
لكن على الإنسان أن لا يذهب إليها ولا يزاحم ويؤذي الناس في سبيل الوصول إليها، أو في سبيل الصلاة فيها؛ لأن إيذاء الناس حرام، والصلاة فيها مستحبة، كتقبيل الحجر الأسود، فإنه مستحب وإيذاء الناس في الوصول إليه حرام لا يجوز، فلا يرتكب الأمر المحرم من أجل أن يصل إلى أمر مستحب.
الجواب: هو سنة، ولا نعلم أحداً يقول بوجوبه.
الجواب: الجمع والقصر من أحكام السفر، والسفر إنما يكون عند مغادرة البلد، فبعد مغادرة البلد تبدأ أحكامه، أما ما دام المرء في البلد فليس له أن يأتي بأحكام السفر.
ثم إذا كان المكان الذي وصل إليه يريد أن يبقى فيه أربعة أيام فأكثر فإنه يتم ولا يقصر، وإن كان سيبقى فيه أقل من أربعة أيام فإنه يقصر إذا صلى وحده، وله أن يجمع، ولكن كون الإنسان في حال إقامته وهو مسافر لا يجمع هو الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في منى لا يجمع، وإنما يقصر ولا يجمع، فكل صلاة يصليها في وقتها، ويقصر بدون جمع، ولكن الجمع جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في غزوة تبوك، فدل هذا على الجواز، ولكن تركه أولى.
الجواب: نعم تقرأ آية الكرسي، وكذلك (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ).
الجواب: يجوز، لكن كون الإنسان يأتي بها قبل الغروب أولى.
الجواب: ذلك جائز، لكن ما فائدة ذلك؟! إن هناك أمراً مهماً، وهو إذنها، فإن إذنها معتبر، فمن حيث الجواز هو جائز، ولكن لا بد من إذنها.
ومن هي دون البلوغ ليس عندها إدراك ولا عندها المعرفة، ولكن البكر تستأذن، وكونها تزوج وهي صغيرة قد يحصل منه أنها إذا بلغت أو إذا دخل بها يكون لها رأي آخر، كما في قصة المرأة التي زوجها أبوها وهي كارهة، فاشتكت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فخيرها، فهذا الأمر يترتب عليه ما يترتب من المحاذير.
الجواب: صوت المرأة إذا كان يتلذذ به فإنه يكون عورة ولا يجوز سماعه، وأما إذا لم يكن كذلك فيجوز للحاجة وعلى قدر الحاجة، ولا يجوز الاسترسال فيه في التلفون ولا في غير التلفون، وإنما عند الحاجة يتكلم مع المرأة في الأمر الذي يقتضي ذلك دون أن يتجاوز إلى ما هو أكثر من الحاجة، وإذا كان الصوت فيه متعة وفيه لذة وفيه فتنة فليس للإنسان أن يسمع ذلك الصوت.
الجواب: المرأة لا يجوز لها أن تحاضر الرجال.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر