حدثنا هناد بن السري حدثنا ابن فضيل عن المختار بن فلفل أنه قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: (أنزلت علي آنفا سورة. فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] حتى ختمها، قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة) ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس رضي الله تعالى عنه الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (أنزلت علي آنفاً سورة. فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]) ] وإيراد الحديث تحت ترجمة [من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] ليس بواضح؛ لأنه ليس فيه شيء يدل على أن (بسم الله الرحمن الرحيم) لا يجهر بها، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم ما أنزل عليه، وكان مما قرأه (بسم الله الرحمن الرحيم) إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1].
فقوله: [ (فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]) ] يدل على أن (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من القرآن، لكن ليس فيه ما يدل على أنه لا يجهر بها كما أدخل ذلك أبو داود رحمه الله تحت الترجمة، وهي [من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] فليس فيه ما يدل على ذلك، بل قد يقال: يمكن أن يستدل به على الجهر، وهو أنه لما ذكر أنها آية من القرآن وأنه قرأ البسملة كما قرأ السورة دل ذلك على أنه يجهر بها كما يجهر بالقرآن. فالاستدلال أو إيراد الحديث تحت ترجمة [من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] ليس بواضح؛ لأن الذي فيه أنه أخبر أنه أنزلت عليه سورة، قال: [ (فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم) ] يعني: أتى بكلمة (قرأ) ثم بعدها (بسم الله الرحمن الرحيم) على أنها قرآن كالسورة، ولكن ليس فيه -فيما يظهر- دليل على الترجمة، وهي [من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] ولو كان في الترجمة التي تليها وهي [باب من جهر بها] لكان واضحاً ولكان له وجه؛ لأن (بسم الله الرحمن الرحيم) قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم كما قرأ السورة، وإذا كانت من جملة السورة فإنه يجهر بها كما يجهر بالسورة على سبيل الاستنباط والاستدلال.
فهذا النهر الإيمان به داخل تحت الإيمان باليوم الآخر، وهو من الإيمان بالغيب؛ لأن هذه أمور مغيبة لا تعرف إلا عن طريق الوحي، ولا يتكلم فيها إلا بالوحي، فما جاء به الوحي من أمور الغيب فإنه يصدق ويؤمن به، سواءٌ أكان ذلك في الماضي أم في المستقبل أم في الأمور الموجودة الغائبة عنا التي لا نراها ولا نشاهدها، فالماضي مثل بدء الخلق وأخبار بدء الخلق وأخبار الأنبياء السابقين وأخبار الأمم السابقة، فكل هذا الإيمان به من الإيمان بالغيب؛ لأن هذه أمور مغيبة مضت ما عرفناها إلا عن طريق الوحي.
والمستقبل كالأمور التي تجري قبل قيام الساعة، وما يجري عند قيام الساعة، وما يجري من البعث، وما يجري من الحشر، وما يجري من الصراط والميزان، وما يجري من الورود على الحوض، وكذلك الجنة وما فيها من النعيم، ومنها ذلك الحوض الذي وعده الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة، وكل ذلك داخل في الإيمان بالغيب.
والأمور الموجودة التي لا نشاهدها هي كالجن والملائكة؛ لأن الملائكة موجودون والجن موجودون، وهم يكونون حولنا ولا نراهم، ولكن جاء الوحي بذلك، فهذه من الأمور المغيبة التي نؤمن بها، ونصدق بأن ما أخبر الله به وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم حق وصدق يجب الإيمان به ويجب تصديقه.
هذا السؤال والاستفهام حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أنهم لا يدرون؛ لأن هذا أمر مغيب، ولكنه عندما يسأل هذا السؤال يجعلهم يستعدون ويتهيئون ويكونون على استعداد لمعرفة هذا الشيء الذي لا يعرفونه ولا يعلمونه، فإذا بين فإنهم يكونون على استعداد وعلى تهيؤ لتلقيه واستيعابه ومعرفته وعدم فوات شيء منه، فهذه فائدة سؤاله: [ (هل تدرون ما الكوثر؟) ] لأنه كان بإمكانه صلى الله عليه وسلم أن يقول: الكوثر نهر وعدنيه ربي في الجنة. لكن هذا من كمال بيانه وكمال نصحه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو أفصح الناس وأنصح الناس للناس عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وقوله: [ (قالوا: الله ورسوله أعلم) ].
قول (الله ورسوله أعلم) يقال في حياته صلى الله عليه وسلم عندما يسأل هو فيجيبونه بذلك ليعلمهم وليبين لهم، وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فلا يقال: الله ورسوله أعلم. بل يقال: (الله أعلم) فحسب.
كما أن هذه الكلمة لا تقال في الأمور التي لا يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم، سواء وقع السؤال في حياته أو بعد مماته، فلو قيل: متى تقوم الساعة؟ فليس للإنسان أن يقول: الله ورسوله أعلم. فالرسول لا يعلم متى تقوم الساعة، وإنما يقال: الله أعلم. فالإنسان عندما يسأل عن شيء مثل هذا يكل العلم إلى العالم، وهو الله سبحانه وتعالى الذي يعلم الغيب في السموات والأرض ويعلم السر في السموات والأرض ويعلم كل شيء، ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
قوله: [ (قال: فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة) ].
هذا بيان أن نهر الكوثر في الجنة، وأما الحوض فهو في العرصات في الموقف يوم القيامة قبل أن يذهب الناس إلى الصراط والميزان، لأن الناس إذا خرجوا من قبورهم يكونون عطاشاً، فيكون الحوض في عرصات القيامة، فيتجه الناس إليه يريدون أن يشربوا منه فيذاد عنه من يذاد ويشرب من يشرب، وجاء في بعض الأحاديث أن الكوثر يصب فيه ميزابان من الجنة.
هو هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا ابن فضيل ].
هو محمد بن فضيل بن غزوان صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المختار بن فلفل ].
المختار بن فلفل ، صدوق له أوهام، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ سمعت أنس بن مالك ].
أنس بن مالك -رضي الله عنه- صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأن أبا داود أعلى ما عنده الرباعيات، فليس عنده إسناد ثلاثي، بل أعلى ما عنده الرباعيات، وهذا منها.
قال أبو داود : وهذا حديث منكر، قد روى هذا الحديث جماعة عن الزهري لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة من كلام حميد ].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك، وحديث الإفك حديث مشهور طويل جاء في الصحيحين وفي غيرهما، والإفك المقصود به الكذب والافتراء الذي رميت به عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي بريئة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هجرها وأذن لها بأن تذهب إلى أهلها، وكان لا يعلم الحقيقة، وكان يأتي إليها ويقول: (يا
وإنما بقي متألماً متأثراً وهجر زوجه وأرسلها إلى أهلها وبقيت متألمة مريضة متعبة بسبب هذا الذي ألصق بها، والرسول صلى الله عليه وسلم مكث مدةً طويلة وهو لا يعلم، حتى أنزل الله براءتها في قرآن يتلى.
وهذا شأن أولياء الله، حيث أعطاهم الله ما أعطاهم من الكمال ومع ذلك يتواضعون لله عز وجل، ولهذا فإن ابن القيم رحمه الله في كتابه (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام صلى الله عليه وسلم) عندما جاء إلى ذكر الآل ترجم لأمهات المؤمنين؛ لأنهن داخلات تحت الآل حين يقال: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد).
فترجم لكل واحدة من أمهات المؤمنين ترجمة وأتى بشيء من فضائلها، ولما جاء عند عائشة رضي الله عنها وأرضاها ذكر تواضعها، وأن الله عز وجل أنزل فيها ما أنزل وكانت تقول: كنت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرؤني الله بها، ولشأني في نفسي أحقر من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى.
وذكر أن هذا من تواضعها، ثم قال: أين هذا ممن يصوم يوماً من الدهر ويقول: أنا فعلت كذا وكذا. وذكر أمثله.
فهذا شأن أولياء الله كما قال تعالى عنهم: يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60].
ومثل ذلك قصة أويس القرني مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فـعمر بن الخطاب رضي الله عنه خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين وبعد أبي بكر رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين، وأويس القرني هو من التابعين، بل هو خير التابعين، فقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن خير التابعين رجل يقال له:
فـأويس يقول: أنتم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنتم الأحق بأن يطلب منكم الاستغفار.
فما تعاظم وتكبر لكون صحابي يقول له هذا الكلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما زاده ذلك إلا تواضعاً، ولهذا لما قال له عمر : إلى أين تذهب؟ قال: إلى البصرة أو إلى الكوفة. قال: هل أكتب لك إلى أميرها؟ قال: دعني أكون مع الناس. أي: غير معروف وغير مشهور وغير بارز وغير ظاهر.
فالحاصل أن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك والكذب الذي ألصق بها وأضيف إليها رضي الله عنها وأرضاها أنزل الله براءتها في تلك الآيات من سورة النور.
وهنا أورد المصنف رحمه الله تعالى عن عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآيات من سورة النور التي فيها براءتها -رضي الله عنها وأرضاها- كشف عن وجهه، أي: بعد أن أوحي إليه؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم عندما يوحي إليه تصيبه شدة ويصيبه كرب شديد، حتى إنه يكون في اليوم الشاتي الشديد البرودة يتفصد جبينه عرقاً من شدة ما يحصل له عند الوحي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قالت: [ (وكشف عن وجهه وقال: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ [النور:11]) ].
والمقصود من إيراد أبي داود رحمه الله لهذا الحديث أنه ذكر الاستعاذة وما ذكر البسملة قبل قراءته قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11].
لكن عدم إيراد البسملة لا يدل على أن هناك بسملة في هذا المكان؛ لأن هذا ليس أول السورة، والبسملة إنما تكون في أوائل السور إلا في سورة براءة، وأما قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11] فهو في أثناء السورة وليس في مطلعها؛ لأن سورة النور أولها قوله تعالى: سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا [النور:1] وبعد آيات متعددة جاءت الآية الكريمة: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ).
فكونه ما قال: (بسم الله الرحمن الرحيم) ليس معناه أنه لم يجهر بالبسملة أو لم يأت بالبسملة؛ لأن هذا ليس مكان بسملة، ولكنه مكان استعاذة.
فالإنسان إذا أراد أن يقرأ من وسط السورة يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كان يريد أن يقرأ من أول السورة يستعيذ ويبسمل، فهنا الآيات ليست من أول السورة، فلا يظهر وجه لإيراد الحديث تحت هذه الترجمة.
ثم إن هذا الحديث قال عنه أبو داود [وهذا حديث منكر] وذلك لأن الذين رووا عن الزهري قصة الإفك وحديث الإفك -وهم كثيرون- ما ذكروا الاستعاذة، وإنما ذكروا أنه أتى بالآيات التي أنزلها الله تعالى عليه دون أن يسبقها استعاذة.
وقال أبو داود رحمه الله: [وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة من كلام حميد ] أحد رجال الإسناد، وهو حميد الأعرج ، ولا بأس به، أي أنه صدوق، وهو من رجال الكتب الستة، وبعض أهل العلم قال: إنه على موجب الاصطلاح فإن الثقة المخالف لمن هو أوثق منه يقال لحديثه: شاذ. ولا يقال له: منكر. وإنما المنكر مخالفة الضعيف للثقة.
وعلى هذا فيكون ذكر الاستعاذة في هذا الموضع فيه مخالفة، ومخالفة الثقة لمن هو أوثق منه تعتبر شذوذاً، ولا يعتبر هذا من زيادة الثقة، لأن في رجال الإسناد من هو متصف بالخطأ كما سيأتي ذكره.
وعلى كل حال فإن إيراد الحديث تحت ترجمة [من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] ليس بواضح؛ لأنه ليس فيه عدم الجهر بالبسملة؛ لأن البسملة ليس هذا مكانها، وإنما تأتي في أوائل السور.
قطن بن نسير صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي .
[ حدثنا جعفر ].
هو جعفر بن سليمان ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
وابن القيم في تهذيب السنن قال: لعل الحمل في ذلك على قطن الذي هو صدوق يخطئ، أو على جعفر بن سليمان ، وهذا هو السبب في كون الحديث فيه نكارة.
أما حميد أبو صفوان الأعرج الذي أشار إليه أبو داود وقال: [وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة من حميد ] فقد قال الحافظ ابن حجر عنه: لا بأس به. أي أن حديثه معتمد وحجة ومقبول.
فـابن القيم أشار إلى أن الحمل قد يكون على من دونه، وهو جعفر بن سليمان أو قطن بن نسير .
قوله: [ حدثنا حميد الأعرج المكي ].
حميد الأعرج المكي لا بأس به، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة ].
هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة ].
هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي مكثرة من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم عن عوف عن يزيد الفارسي أنه قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قلت لـ
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [من جهر بها] ويعني ما يدل على الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).
وأورد حديث ابن عباس أنه سأل عثمان رضي الله تعالى عنه فقال: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال -وهي من المثاني- وبراءة -وهي من المئين- وهذه من أول ما نزل في المدينة وهذه من آخر ما نزل فجعلتموهما سورة واحدة، ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم)؟
فـعثمان رضي الله عنه قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تنزل عليه الآية والآيتان فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا. ويعني بذلك الشيء الذي اشتهرت به السورة.
وكان بين سورتي التوبة والأنفال تشابه وتماثل، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكتبوا سطر (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل سورة براءة، فمن أجل ذلك جمعوا بينهما، ولم يفصلوا بينهما بسطر (بسم الله الرحمن الرحيم).
ولهذا قال بعض العلماء: إن هاتين السورتين هما بمثابة السورة الواحدة، ولهذا اعتبروهما جميعاً، فسابعة السبع الطوال هاتان السورتان الاثنتان.
ومنهم من قال: السابعة هي براءة والأنفال ليست من الطوال. ومنهم من قال: إن الأنفال هي السابعة.
فبين عثمان رضي الله عنه وأرضاه أن السبب الذي جعله لم يكتب سطر (بسم الله الرحمن الرحيم) هو أن النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عنه أنه قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل براءة، ومن أهل العلم من يقول بأن سورة براءة نزلت بالسيف والبسملة فيها رحمة، فما ذكرت فيها.
والذي جاء عن عثمان هو ما ذكر، ولكن هذا الحديث فيه ضعف من جهة يزيد الفارسي الذي هو مقبول.
ثم إن معنى المئين السور التي تبلغ آياتها فوق المائة، أي: مائة فأكثر، فهذه يقال لها: ذوات المئين.
والمثاني قيل: هي التي دون ذلك. ولهذا فسورة الأنفال لا تصل إلى مائة، لكن مجموع السورتين يجعلهما من ذوات المئين، وسورة التوبة وحدها هي من المئين.
عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا هشيم ].
هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عوف ].
هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد الفارسي ].
يزيد الفارسي مقبول، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن الزبير ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قلت لـعثمان ].
هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
قال أبو داود : قال الشعبي وأبو مالك وقتادة وثابت بن عمارة : (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) حتى نزلت سورة النمل) هذا معناه، وهذا مرسل ].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما من طريق أخرى، وهو بمعنى الحديث السابق، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض ولم يبين لهم أنها منها.
أي: لم يبين لهم أن البسملة من سورة براءة، فمائة وثلاث عشرة سورة بدأت بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، وسورة التوبة وحدها لم يأت قبلها بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله: [حدثنا زياد بن أيوب ].
زياد بن أيوب ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا مروان -يعني ابن معاوية - ].
هو مروان بن معاوية الفزاري ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عوف الأعرابي عن يزيد الفارسي عن ابن عباس ].
قد مر ذكرهم.
قوله: [ قال أبو داود : قال الشعبي وأبو مالك وقتادة وثابت بن عمارة : (إن النبي صلى عليه وآله وسلم لم يكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) حتى نزلت سورة النمل) هذا معناه، وهذا مرسل ].
الشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة فقيه، من التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وقتادة هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وثابت بن عمارة صدوق فيه لين، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي .
وقولهم: [إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) حتى نزلت سورة النمل] هو مرسل؛ إذ إن هؤلاء الذين ذكروا ذلك هم من التابعين، وإضافة ما قالوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو من قبيل المرسل؛ لأن المرسل هو ما يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون ذكر الواسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم، وهذا يدل على أن البسملة هي من القرآن؛ لأن قوله: [حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم] معناه أنها قرآن، وهو يدل على أنها آية يفصل بها بين السور وليست من السورة، ولهذا لا تعد من الآيات، ولا يأتي ذكرها في عدد الآيات، وإنما يعد من ورائها، إلا سورة الفاتحة فإنها عدت البسملة فيها في المصحف، وقد عرفنا أن القول الصحيح أنها آية مستقلة ليست من الفاتحة ولا من غيرها، إلا في سورة النمل فهي جزء آية، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم -كما جاء في الحديث القدسي الصحيح- قال: (قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين...) فما قال: فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم. فهذا يبين أنها ليست من الفاتحة، فهي آية مستقلة يفصل بها بين السور.
وهذا الحديث الذي هو حديث ابن عباس يدل على أن البسملة من القرآن وأنها آية من القرآن، ولكن يفصل بها بين السور، وهذا -كما هو معلوم- في غير براءة وفي غير الفاتحة؛ لأن الفاتحة ليس قبلها سورة حتى تفصل عنها، فهي جاءت في أولها لا لتفصل بينها وبين سورة، ولم تأت في سورة التوبة.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وأحمد بن محمد المروزي ].
أحمد بن محمد المروزي ثقة، أخرج حديثه أبو داود .
[ وابن السرح ].
هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ قالوا: حدثنا سفيان ].
[ عن عمرو ].
هو عمرو بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس ].
قد مر ذكره.
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا عمر بن عبد الواحد وبشر بن بكر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه) ].
أورد أبو داود رحمه الله [باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث] يعني: للأمر الذي يطرأ ويقتضي التخفيف، فيخفف إذا كان يريد التطويل، أو حيث يكون من نيته أن يطول، ثم يحدث شيء يقتضي أن يخفف فيخفف، مثلما جاء في هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه) ].
وذلك لأن الطفل إذا صار يبكي في الصلاة وأمه تصلي مع الإمام فإنه يحصل لها تشويش، فالرسول صلى الله عليه وسلم يخفف من أجل هذا البكاء الذي يسمعه من ذلك الصبي، وهذا يدلنا على أن النساء يحضرن المساجد ويصلين مع الرجال، وأنهن يحضرن أطفالهن معهن، وأنه إذا وجد أمر يقتضي التخفيف في الصلاة ممن يريد التطويل فإنه يخفف للأمر الذي طرأ، كما جاء في هذا الحديث، وكما حصل من عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما طعن عمر وتقدم وصلى بالناس، فإنه قرأ (قل يا أيها الكافرون) و(قل هو الله أحد) في صلاة الفجر، فخفف الصلاة لهذا الأمر الطارئ والمصيبة التي نزلت وحلت.
وكذلك جاء في الحديث الذي سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ب(المؤمنون) حتى جاء عند قصة موسى وهارون أو موسى وعيسى فأصابته سعلة فركع، فكان يريد أن يواصل، ولكن عندما طرأ هذا الشيء الذي حصل اختصر القراءة وقطعها وركع.
وفي حديث الباب بيان شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما وصفه الله عز وجل بذلك فقال: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، فهذا من رحمته ورأفته بأمته؛ لأنه يدخل في الصلاة يريد أن يطول وإذا سمع بكاء الصبي خفف حتى لا يشق على أمه ويحصل لها تشويش ويحصل لها تأثر وهي تسمع طفلها يبكي ويصيح.
قوله: [ (إني لأقوم إلى الصلاة وأن أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه) ].
معنى (أتجوز): أخفف، يعني: أخفف القراءة كراهية أن أشق على أمه لو أطلت القراءة.
وقد يحصل للإمام عكس ما ذكر، حيث يكون يريد التخفيف فيعرض له أمر طارئ فيطيل، كما إذا ركع يريد التخفيف، ثم دخل أناس وهو راكع، فإنه يطيل ليدركوا الركعة.
وأنبه هنا على قول بعض الناس عند دخولهم والإمام راكع: (إن الله مع الصابرين) لكي يطيل الإمام، فلا يصح أن يقول المأموم هذا الكلام.
نعم الركعة الأولى هي أطول من الثانية، وذلك ليدرك الناس، ولو أراد أن يخفف ثم بدا له أن يطول لأمر طارئ فلا بأس بذلك.
عبد الرحمن بن إبراهيم هو الملقب بـ( دحيم ) وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عمر بن عبد الواحد ].
عمر بن عبد الواحد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ وبشر بن بكر ].
بشر بن بكر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن الأوزاعي ].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن أبي كثير ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن أبي قتادة ].
هو عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر