إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [107]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة على الإمام والمأموم والمنفرد، إلا أنه ينبغي للمأموم ألا يجهر بها حتى يخالج الإمام ويشوش عليه، وإن كان في جهرية فالأولى له أن يقرأها في إحدى سكتات الإمام، فإن لم يتيسر له ذلك جاز له أن يقرأها والإمام يقرأ، ومن كان أمياً أو أعجمياً لا يحسن الفاتحة فعليه أن يقرأ سواها من القرآن، فإن لم يتيسر له ذلك اكتفى بالتسبيح والتهليل والدعاء، وعليه أن يسعى في حفظ الفاتحة بقدر استطاعته.

    1.   

    من رأى القراءة إذا لم يجهر الإمام بقراءته

    شرح حديث (قد عرفت أن بعضكم خالجنيها...)

    قال المصنَّف رحمة الله عليه: [ باب من رأى القراءة إذا لم يجهر الإمام بقراءته.

    حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة، ح: وحدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا شعبة -المعنى- عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فجاء رجل فقرأ خلفه بـ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) فلما فرغ قال: أيكم قرأ؟ قالوا: رجل، قال: قد عرفت أن بعضكم خالجنيها) .

    قال أبو داود : قال أبو الوليد في حديثه: قال شعبة : فقلت لـقتادة : أليس قول سعيد : أنصت للقرآن؟ قال: ذاك إذا جهر به، وقال ابن كثير في حديثه: قال: قلت لـقتادة : كأنه كرهه، قال: لو كرهه نهى عنه ].

    يقول الإمام أبو داود رحمه الله تعالى: [ باب من رأى القراءة إذا لم يجهر الإمام بقراءته ].

    والمقصود من هذه الترجمة أن الإمام إذا أسر القراءة فإن المأموم يقرأ الفاتحة وغيرها ولكنه لا يجهر بحيث يشوش على الإمام وعلى غير الإمام، فليس هناك معارضة أو تنافٍ مع قراءة الإمام، فإذا جهر الإمام فإنه يستمع، وإذا أسر الإمام فليس هناك استماع، فعلى المأموم أن يقرأ الفاتحة وغيرها ولا يسكت، وقد عرفنا فيما مضى إن العلماء اختلفوا في قراءة المأموم الذي يصلي وراء الإمام على ثلاثة أقوال:-

    القول الأول: أنه يقرأ الفاتحة دون غيرها سواء جهر الإمام أو أسر.

    والقول الثاني: أنه لا يقرأ في الجهرية ولا في السرية، أي: ليس على المأموم قراءة سواء أسر الإمام أو جهر.

    والقول الثالث: التفصيل بين السرية والجهرية، فيستمع في الصلاة الجهرية، ويقرأ في الصلاة السرية، لأنه ليس هناك قراءة قرآن حتى يستمع لها.

    والراجح هو القول الأول الذي يقول بلزوم قراءة الفاتحة على المأموم في جميع الأحوال، سواء أسر الإمام أو جهر، وأما بالنسبة لغير الفاتحة فلا يقرأها في الجهرية، ولكن يقرأها مع الفاتحة في السرية، والدليل على هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، أو (إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب) .

    وقد أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، فجاء رجل وقرأ خلفه: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) ] معنى ذلك أنه سمع صوت قراءته بها.

    قال: [ (فلما فرغ قال: أيكم قرأ؟ قالوا: رجل. قال: قد عرفت أن بعضكم خالجنيها) ] يعني: نازعني في القراءة، فالمخالجة هي المنازعة في القراءة والمداخلة، وهذا إنما يكون محذوراً وممنوعاً إذا جهر، وأما إذا كانت القراءة بدون جهر فإن هذا لا إشكال فيه، ولا يؤثر على الإمام شيئاً، ولهذا عرف الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرجل قرأ بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]؛ لأنه رفع صوته.

    قوله: [ قال أبو داود : قال أبو الوليد في حديثه: قال شعبة : فقلت لـقتادة : أليس قول سعيد : أنصت للقرآن؟ قال: إنما ذاك إذا جهر به ] أي: وهذه الصلاة سرية، والصلاة السرية يقرأ فيها؛ لأنه ليس فيها قرآن ينصت له، وإنما يكون الإنصات في الصلاة الجهرية، ولا يقرأ إلا الفاتحة، وإن كان الإمام يجهر بالقراءة، فيحاول أن يقرأ في سكتات الإمام، كالسكتة الأولى التي يستفتح بها، وإن وجد غير ذلك من السكتات فإنه يقرأ في ذلك، وإن لم يكن هناك سكوت فإن الفاتحة تقرأ ولو كان الإمام يقرأ؛ لأنه قد جاء استثناؤها عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    قوله: [ وقال ابن كثير في حديثه: قال: قلت لـقتادة : كأنه كرهه، قال: لو كرهه نهى عنه ].

    ابن كثير هو شيخ أبي داود في الطريق الثانية، وأبو الوليد هو شيخ أبي داود في الطريق الأولى، وابن كثير هو محمد بن كثير العبدي ، قال: [ قلت لـقتادة : كأنه كرهه ] يعني: كره هذا الفعل، قال: [ لو كرهه لنهى عنه ]، والمقصود من ذلك أن القراءة لو كانت منهياً عنها لمنع منها، ولكن الشيء الذي يكره إنما هو الجهر؛ لأن الإمام لا يجهر وكذلك المأموم لا يجهر، فالجهر يحصل به التشويش والمخالجة وانشغال الإمام.

    وأما أصل القراءة فإنها مشروعة، وقد جاء ما يدل على ذلك عن الصحابة، فجاء أنهم كانوا يقرءون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسمعهم الآية أحياناً؛ حتى يعرفوا السورة التي يقرأ بها من أجل أن يقرءوا بها.

    تراجم رجال إسناد حديث (قد عرفت أن بعضكم خالجنيها ....)

    قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

    أبو الوليد الطيالسي : هشام بن عبد الملك الطيالسي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا شعبة ].

    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ ح: وحدثنا محمد بن كثير ].

    قوله: [ح] للتحول من إسناد إلى إسناد، ومحمد بن كثير هو العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ أخبرنا شعبة المعنى ].

    قوله: [المعنى] أي أن هاتين الطريقين لم تتفقا في الألفاظ، وإنما اتفقتا في المعنى مع وجود خلاف في الألفاظ، وهذه الطريقة يستعملها أبو داود رحمه الله عندما يذكر طرقاً متعددة، فيشير إلى أن الاتفاق إنما هو حاصل في المعنى وليس هناك اتفاق في الألفاظ كلها، وإنما هو اتفاق معنىً لا لفظاً.

    [ عن قتادة ].

    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن زرارة ].

    هو زرارة بن أوفى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكروا في ترجمته أنه كان أميراً على البصرة فيما يظهر لي، وكان يصلي بالناس، فقرأ سورة المدثر فلما وصل إلى قول الله عز وجل: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [المدثر:8-9] شهق وخر مغشياً عليه ومات، رحمة الله عليه، وذكره أيضاً ابن كثير في تفسير عند قوله: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر:8] .

    [ عن عمران بن حصين ].

    هو عمران بن حصين أبو نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    ووجه المناسبة بين الترجمة وهذا الحديث أن الباب فيه القراءة إذا أسر الإمام بالقراءة، وهذا فيه أن ذلك المأموم قرأ بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) وراء الإمام، إذاً فالمأموم يقرأ إذا أسر الإمام بالفاتحة وغيرها.

    وقوله: [(قد عرفت أن بعضكم خالجنيها)] يعني: لكونه سمع صوته، لا لكونه أسر بها، فكلهم يقرءون ويسرون، والمقصود عدم رفع الصوت بالقراءة من قبل المأموم، ولا يلزم أن يقرأ بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، فالمخالجة في القراءة هي تداخل القراءات، فيكون هناك تشويش.

    إسناد آخر لحديث (قد علمت أن بعضكم خالجنيها) وتراجم رجاله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن النبي الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فلما انفتل قال: أيكم قرأ بـ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)؟ فقال رجل: أنا، فقال: علمت أن بعضكم خالجنيها) ].

    أورد حديث عمران بن حصين رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.

    قوله: [ حدثنا ابن المثنى ].

    ابن المثنى هو: محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـالزمن ، وهو مشهور بكنيته، ولهذا تجد في (تهذيب التهذيب) عند ذكر الشيوخ والتلاميذ من الرواة يقول: روى عنه أبو موسى ، أو روى عن أبي موسى ، والمقصود به محمد بن المثنى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.

    [ حدثنا ابن أبي عدي ].

    ابن أبي عدي هو: محمد بن إبراهيم بن أبي عدي منسوب إلى جده، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن سعيد ].

    سعيد هو ابن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين ].

    قد مر ذكرهم.

    1.   

    ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة

    شرح حديث (اقرءوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة.

    حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن حميد الأعرج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والأعجمي، فقال: اقرءوا فكل حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه) ].

    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب: ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة ].

    والأمي: هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، والأعجمي: هو غير العربي، لذلك لا يحسن العربية؛ لأنه من العجم، ولغته لغة العجم.

    وقوله: [ ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة ] يحتمل أن يكون المراد به القرآن الذي يقرأ به وهو يجزئه، أو الذي يجزئ عن القراءة إذا لم يستطع القراءة في الصلاة ولم يكن عنده شيء من القرآن، وكلا الحالتين تكون بالنسبة للأمي والأعجمي، فقد يكون الأمي والأعرابي والأعجمي عندهم شيء من القرآن ولكنهم لا يقيمونه بإتقان وترتيل، ففي هذه الحالة يقرءون على حسب أحوالهم ما دام أنهم يقيمون الحروف ولا يحصل منهم خطأ، ولو لم يكونوا متمكنين من التجويد والترتيل.

    والحالة الثانية: أن يكون الواحد منهم ليس عنده شيء من القرآن، فما الذي يجزئه بدلاً منه؟

    قد وردت في ذلك أحاديث تدل على أن الأعرابي والأعجمي يقرءان على ما يتيسر لهما، وورد أنه إذا لم يكن عنده شيء من القرآن فإنه يحمد الله ويسبحه ويهلله، وورد في هذه الترجمة أحاديث.

    فقوله: [ ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة ] يحتمل أن يكون المقصود به القرآن حيث يكون عنده شيء من القرآن ولكنه لا يقرأه كما يقرأه المتمكن في قراءته، فهنا يقرأ على حسب حاله، ويحتمل أن يكون ليس عنده شيء من القرآن، فهذا يأتي بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، ويكفيه ذلك عن القرآن، وهذا لا يعني أن الإنسان يكون كذلك باستمرار، ولكن حيث يعجز في الحال عن أن يتعلم شيئاً من القرآن فإنه يأتي بهذه الكلمات ويصلي، كأن يحين وقت الصلاة، أو دخل في الإسلام وهو لا يعرف شيئاً فإنه يصلي، ولكن عليه أن يتعلم.

    وأورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، أولها حديث جابر بن عبد الله الأنصاري

    رضي الله عنه قال: [ (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والأعجمي) ] أي أنهم يقرءون القرآن، ويتفاوتون في قراءته، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [ (اقرءوا فكل حسن) ] يعني ما عند الأعرابي وما عند الأعجمي وما يقدر عليه من القراءة حسن، قال: [ (وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح) ] وهو واحد السهام التي يرمى بها [ (يتعجلونه ولا يتأجلونه) ] يعني أنهم يتقنون القرآن، ويحسنون قراءته، ويتمكنون من ذلك، ولكن همهم الدنيا وليس همهم الآخرة، فيريدون تعجل الثواب دون أن يؤجلوا الثواب، فيكون همهم الفانية وليس همهم الباقية، وليس هذا تزهيداً في إقامة القرآن والعناية به فإن ذلك محمود، ولكن المحذور هو أنهم يجودون القرآن ويتقنونه فيتعجلون الثواب ولا يتأجلونه، فهذا هو المذموم.

    وأما إقامة القرآن وإتقانه، والحرص على إجادته دون تكلف أو مبالغة فهو أمر مطلوب، فهذا الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم هو إخبار عن أناس هذه صفتهم.

    وأما من يجيد القرآن ويتقنه ولا يكون همه الدنيا، ولا يكون متعجلاً للثواب، بل قصده أن يقرأ القرآن ويتدبره، ويحصل الأجر فيه بكل حرف واحد عشر حسنات كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا محمود، وإنما المذموم هو أوصاف هؤلاء الذين سيأتون، فهم متمكنون من القرآن، يقيمون حروفه، ويقيمون قراءته ولكنهم لا يعملون به، ويتعجلون الثواب ولا يتأجلونه، أي أن همهم الدنيا وليست همهم الآخرة، إذاً فليس في هذا تزهيد في إقامة القرآن وإتقانه، ولكن الذي لا يصلح هو المبالغة والزيادة التي تخرج عن الحد في قراءة القرآن.

    وفي هذا الحديث إخبار عن أمور مستقبلة، وكل ما أخر به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه واقع ولابد؛ لأنه لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، فهذا إخبار عن قوم سيأتون هذا شأنهم ووصفهم، ولا شك في أن هذا قد وقع، فهناك من يكون عنده إتقان للقرآن ولكن همه الدنيا وليس همه الآخرة، والعياذ بالله.

    تراجم رجال إسناد حديث (اقرءوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه ....)

    قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ].

    وهب بن بقية هو الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

    [ أخبرنا خالد ].

    خالد هو ابن عبد الله الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن حميد الأعرج ].

    حميد الأعرج لا بأس به، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن محمد بن المنكدر ].

    محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن جابر بن عبد الله ].

    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقترئ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو وابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن وفاء بن شريح الصدفي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما أنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ونحن نقترئ، فقال: الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر، وفيكم الأبيض، وفيكم الأسود، اقرءوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم، يتعجل أجره ولا يتأجله) ].

    أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه -وهو مثل حديث جابر المتقدم- أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وفيهم الأحمر والأبيض والأسود، وقال: [(اقرءوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم)] أي أنه سيأتي أناس هذا شأنهم، فلا يكن شأن أحد منكم مثلهم، فهو مثل حديث جابر بن عبد الله المتقدم، وزاده توضيحاً بذكر التعجل والتأجل، أي: يتعجلون أجره وثوابه، ولا يتأجلونه، أي: يريدون الدنيا ولا يريدون الآخرة، ويريدون العاجلة ولا يريدون الآخرة.

    ولا يفهم من هذه العبارة أن المراد تعجلهم بقراءة القرآن دون العمل بمقتضى القرآن، فالحديث واضح في بيان أن التعجل هو للأجر.

    تراجم رجال إسناد حديث (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقترئ ...)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

    هو أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

    [ حدثنا عبد الله بن وهب ].

    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ أخبرنا عمرو ].

    هو عمرو هو ابن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ وابن لهيعة ].

    ابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة المصري، وهو صدوق، احترقت كتبه فاختلط، وحديثه أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة ، وأما النسائي فما كان يحدث عنه، بل إذا جاء ذكره في مثل هذا الإسناد الذي فيه القرن بينه وبين غيره يقول النسائي : حدثنا فلان ورجل آخر، فيبهمه ولا يحذفه؛ لأن في الإسناد رجلين، فهو لا يخرج لهذا الرجل انفراداً، فيحافظ على الإسناد مع إبهام الثاني وهو ابن لهيعة كما هنا.

    [ عن بكر بن سوادة ].

    هو بكر بن سوادة المصري أيضاً، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن وفاء بن شريح الصدفي ].

    وفاء بن شريح الصدفي مصري أيضاً، وهو مقبول، أخرج له أبو داود .

    [ عن سهل بن سعد الساعدي ].

    سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    وكون وفاء بن شريح مقبول لا يؤثر في الحديث؛ لأنه بمعنى الحديث المتقدم.

    شرح حديث (إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني منه...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا سفيان الثوري عن أبي خالد الدالاني عن إبراهيم السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني منه، قال: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال: يا رسول الله! هذا لله عز وجل فما لي؟ قال: قل: اللهم ارحمني، وارزقني، وعافني، واهدني. فلما قام قال هكذا بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد ملأ يده من الخير) ].

    أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إنني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني منه. وليس معنى ذلك أنه لا يستطيع أن يأخذ من القرآن شيئاً أبداً، ولكنه لعله في ذلك الحال لا يستطيع، ويريد أن يصلي، فيريد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه شيئاً يجزئه عن القراءة حتى يتمكن من أن يأخذ شيئاً، والذي يستطيع أن يعرف هذه الكلمات فإنه يمكنه أن يتعلم الفاتحة، فالمقصود هو التمكن من الإتيان بالصلاة قبل أن يتعلم.

    وقوله: [ما يجزئني منه] أي: عنه، وليس جزءاً منه، فالرسول صلى الله عليه وسلم علمه شيئاً غير القرآن وهو التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، فكلمة ( منه ) تعني: بدلاً عنه، أي: يعلمه شيئاً يقوم مقام القرآن في حال قيامه.

    وكلمة ( منه ) تأتي بهذا المعنى وهو البدل، ومنه قول الله عز وجل: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42] أي: بدل الرحمن، والمراد: من الذي يفعل هذا غير الرحمن؟ فليس هناك أحد غير الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يكلؤكم.

    ومنه قول الشاعر:

    جارية لم تأكل المرققا ولم تذق من البقول الفستقا.

    يعني: بدل البقول.

    وليس معنى ذلك أنه يستمر دائماً وأبداً لا يتعلم شيئاً من القرآن ويأتي بهذه الكلمات.

    قوله: [هذه لربي] أي: هذا كله ثناء على الله عز وجل وليس فيه سؤال ولا طلب شيء لي، فما لي؟ قال: [(قل: اللهم ارحمني وارزقني، وعافني، واهدني)] وهذه كلها مطالب وأسئلة من الله عز وجل تعود عليه، فقوله: (اللهم ارحمني) يطلب منه الرحمة، (وارزقني) يطلب منه الرزق الحلال، (وعافني) يطلب منه العافية والسلامة، (واهدني) أي: ثبتني على الهدى الحاصل، وزدني من الهدى، فهو يطلب التثبيت على ما قد حصل، ويطلب المزيد مما لم يحصل من الهداية، ولهذا نجد في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] أنهم طلبوا الهداية من ناحيتين: التثبيت على الهداية الحاصلة، وطلب المزيد من الهداية.

    وفي قوله: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17] فهذا فيه التثبيت على ما هو حاصل، والمزيد مما لم يحصل.

    قوله: [(فلما قام)] أي: السائل أو الرجل [(قال هكذا بيده)] وقال هنا بمعنى (فعل)، أي: فعل بيده هكذا، ففيه الإتيان بالقول بدل الفعل، يعني: قال بيده هكذا. يعني: قبضها، كأنه قبض هذه الأشياء التي عدها وأمسكها حفظها وأبقى عليها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(أما هذا فقد ملأ يده من الخير)] .

    تراجم رجال إسناد حديث (إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني منه...)

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

    [ حدثنا وكيع بن الجراح ].

    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا سفيان الثوري ].

    سفيان الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي خالد الدالاني ].

    أبو خالد الدالاني هو يزيد بن عبد الرحمن ، صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أصحاب السنن .

    [ عن إبراهيم السكسكي ].

    إبراهيم السكسكي ، هو إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي وهو صدوق ضعيف الحفظ، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي ، ولا يؤثر كونه سيء الحفظ، فقد احتج به البخاري .

    [ عن عبد الله بن أبي أوفى ].

    هو عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح أثر (كنا نصلي التطوع ندعو قياماً وقعوداً ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع أخبرنا أبو إسحاق -يعني الفزاري - عن حميد عن الحسن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كنا نصلي التطوع ندعو قياماً وقعوداً، ونسبح ركوعاً وسجوداً) ] .

    أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر قال: [كنا نصلي التطوع فندعو قياماً وقعوداً، ونسبح ركوعاً وسجوداً] يعني أنهم كانوا يدعون في حال قيامهم بدل القرآن أو مع القرآن، لكن الحديث لم يثبت؛ لأن فيه انقطاعاً، ومع هذا هو موقوف على جابر ، وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وقد جاءت نصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أنه لابد من قراءة الفاتحة، فهذا الحديث مع ضعفه مخالف للأحاديث التي فيها إيجاب قراءة القرآن في الصلاة.

    تراجم رجال إسناد حديث (كنا نصلي التطوع ندعو قياماً وقعوداً ...)

    قوله: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ].

    أبو توبة الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

    [ أخبرنا أبو إسحاق -يعني الفزاري- ].

    أبو إسحاق الفزاري هو: إبراهيم بن محمد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن حميد ].

    هو حميد بن أبي حميد الطويل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن الحسن ].

    هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن جابر ].

    هو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكره.

    ولم يسمع الحسن من جابر، فهو منقطع، ومع ذلك هو موقوف على جابر ، فهو حديث لا يثبت، وهو مع ذلك معارض للأحاديث التي فيها لزوم القراءة في حال القيام، وإنما يكون الدعاء في حق من لم يقدر على القراءة، وذلك بصورة مؤقتة كما سبق في الحديث الذي قبل هذا، أما أن يكون عملهم في حال القيام الدعاء بدل القراءة فهذا لم يثبت .

    شرح أثر قراءة الحسن للفاتحة مع التسبيح والتكبير والتهليل

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد مثله، لم يذكر التطوع قال: كان الحسن يقرأ في الظهر والعصر إماماً أو خلف إمام بفاتحة الكتاب، ويسبح ويكبر ويهلل قدر ( ق ) و( الذاريات ) ].

    أورد أبو داود الحديث عن جابر وقال: [مثله] يعني: مثل ما تقدم، وزاد : [ الحسن يقرأ في الظهر والعصر إماماً أو خلف إمام بفاتحة الكتاب، ويسبح ويكبر ويهلل قدر ( ق ) و( الذاريات ) ]، وهذا فيه تنصيص على أنه يقرأ الفاتحة، ويسبح ويكبر قدر قراءة (ق) والذاريات، وهذا شيء كثير في حال القيام، وهذا الإسناد متصل إلى الحسن من فعله، فهو ثابت عنه، ولكن لا حجة فيه؛ لأن الحجة إنما تكون بما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد أثر قراءة الحسن للفاتحة مع التسبيح والتكبير والتهليل

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

    هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا حماد ].

    حماد هو ابن سلمة، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن حميد ].

    حميد هو ابن أبي حميد الطويل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ مثله ].

    قوله: [مثله] أي: مثل ما تقدم عن الحسن عن جابر، وبعد ذلك قال: [وكان الحسن ...] وهو ثابت إلى الحسن، فتبين من ذلك أن الحديث المرفوع لم يثبت رفعه، وأن الصواب فيه أنه من فعل الحسن، فقد كان يدعو طويلاً قدر (ق) والذاريات، وهذا -كما قلنا- ثابت إلى الحسن.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767964188