حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل -يعني ابن إبراهيم- عن أيوب عن أبي قلابة أنه قال: جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه إلى مسجدنا فقال: (والله إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة، ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي. قال: قلت لـ
أورد أبو داود رحمه الله تعالى: [باب النهوض في الفرد] يعني: كيفية النهوض من الركعة المفردة في الصلاة الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية، أي: بعد الركعة الأولى؛ لأن الركعة الأولى تعتبر فرداً.
وقد جاء في حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه: أنه كان يجلس بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى ثم يقوم، ولكنه جاء في بعض روايات حديثه: (إذا كان في وتر)، وهذا أشمل من كلمة الفرد؛ لأن الوتر يشمل الفرد وهي الأولى، ويشمل إذا قام من الثالثة في الصلاة الرباعية، فإن هذا وتر، فالترجمة فيها ذكر الفرد، وجاء ذكر الركعة الأولى وجاء ذكر الوتر، ولفظ الوتر أشمل من الفرد؛ لأنه يشمل القيام من الأولى والقيام من الثالثة في الصلاة الرباعية؛ لأنه يقوم من وتر.
فكان يجلس قبل أن ينهض جلسة يسيرة جداً ليس لها دعاء وليس لها ذكر، وإنما يقوم من سجوده ويجلس قاعداً يسيراً جداً ثم يقوم، وهذه يسميها العلماء: (جلسة الاستراحة)، وقد جاءت بها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك حديث مالك بن الحويرث الذي معنا في هذا الباب، فقد أورد أبو داود رحمه الله أن أبا قلابة قال: جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه وقال: [إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة] يعني: ما كان قصدي أن أكون إماماً وأن أتقدم عليكم في الصلاة، وإنما أريد أن أعلمكم، فهذا قصدي من الإمامة وكوني أصلي بكم، فليس قصدي أن أتقدم عليكم أو أن أكون إماماً لكم أو أريد أن أصلي بكم، هذا هو مقصوده من النفي، أي أنه ما كان يريد أن يكون إماماً لهم، ولكنه أراد أن يعلمهم بصلاته بهم كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يبين لنا حرص الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم على بيان السنن وبيان هدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث كان الواحد منهم يقدم على العمل فيكون إماماً لا من أجل كونه إماماً أو لأنه يريد الإمامة، وإنما يريد أن يصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من حرص الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم على بيان السنة، ومثل هذا ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم)، يريد من ذلك حثهم على أن يتلقوا عنه كيفية الصلاة وأنه يصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: [ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي]، أي: لتقتدوا به، ولتأخذوا هذه السنة عني، وقد أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو مقصوده من هذا الكلام رضي الله عنه وأرضاه.
قوله: [قال: قلت لـأبي قلابة: كيف صلى؟] أي: قال أيوب السختياني لـأبي قلابة شيخه: كيف صلى؟ فقال: [مثل صلاة شيخنا هذا -يعني عمرو بن سلمة-] ثم ذكر من صلاته وأنه [كان إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة في الركعة الأولى قعد ثم قام] ومعنا أنه يقوم من جلوس لا من سجود بعد الأولى، كان يجلس جلسة قصيرة ثم يقوم، فقيامه من جلوس وليس من سجود، وهذه الجلسة يسميها العلماء [جلسة الاستراحة]، وهنا قال: [في الركعة الأولى] وهذا هو معنى قوله: [في الفرد]؛ لأن الأولى هي فرد، فإذا أتم الأولى وقام منها إلى الثانية من السجود جلس جلوساً قليلاً لا ذكر فيه ولا دعاء، ثم يقوم إلى الركعة الثانية، لكن هذا الحكم لا يختص بالأولى، نعم يكون في الأولى في كل صلاة، سواءٌ أكانت ثنائية أم ثلاثية أم رباعية، فريضة أم نافلة، ما دام أنه يصلي ركعتين ويقوم بعد الأولى، سواءٌ أكان بعد الركعتين ثالثة أو رابعة أو ليس بعدهما شيء، لكن ورد في بعض روايات حديث مالك بن الحويرث (إذا كان في وتر)، وكلمة ( وتر ) تشمل بعد الأولى وبعد الثالثة، ولكن هذا إنما يكون في الرباعية فقط؛ لأن بعد الثالثة لا يكون إلا في الرباعية، أما المغرب والفجر فليس فيهما جلسة الاستراحة إلا بعد الأولى، ولكن في الرباعية بعد الأولى وبعد الثالثة، ولهذا قال: (إذا قام من وتر)، فالوتر في الصلوات المفروضة إنما يكون بعد الأولى وبعد الثالثة، وبعد الثالثة خاص بالرباعية، وبعد الأولى في كل صلاة، سواءٌ أكانت نافلة أم فريضة.
هو ابن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[ عن إسماعيل يعني ابن إبراهيم ].
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بـابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
وهو ابن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي قلابة ].
هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة يرسل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سليمان مالك بن الحويرث ].
هو أبو سليمان مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث مالك بن الحويرث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، فبعد أن قام من الركعة الأولى قعد ثم قام، فيكون قيامه إلى الركعة الثانية من جلوس لا من سجود.
وجلسة الاستراحة اختلف فيها العلماء: فمنهم من استحبها لحديث مالك بن الحويرث، ومنهم من لم يستحبها وقال: إنه لا يجلس لها، وقالوا: إن ذلك إنما كان بعدما كبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون ذلك الجلوس إنما هو لحاجة، لكن الأصل هو الاقتداء به، وليس هناك شيء يدل على أن ذلك كان لأمر عارض لرسول صلى الله عليه وسلم، والأصل هو الاقتداء به فيما جاء عنه، إلا ما جاء التنصيص عنه صلى الله عليه وسلم بأن ذلك الفعل الذي فعله إنما هو لعارض، مثل كونه صلى بالناس جالساً وأشار إليهم أن يجلسوا بعد أن صلوا وراءه قياماً لأمر عارض، وأما هنا فليس هناك شيء يدل على أن ذلك كان لعارض.
هو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[ عن إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة ].
إسماعيل هو ابن علية، وأيوب وأبو قلابة ومالك بن الحويرث قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
أورد هنا حديث مالك بن الحويرث من طريق أخرى، وهو أعم من الطريقين الأوليين؛ لأن الأوليين فيهما التنصيص على أنه في القيام من الركعة الأولى، وأما هنا فأتى بلفظ الوتر، وهو يشمل ما بعد الأولى وما بعد الثالثة في الرباعية، فقوله: [(إذا كان في وتر من صلاته)] معناه: بعد وتر وليس بعد شفع، فإذا كان بعد وتر من صلاته يقوم بعد الأولى وبعد الثالثة، والثالثة إنما تكون في الرباعية، فهذه الرواية أعم وأوسع، وتفيد أن جلسة الاستراحة تفعل في موضعين من الصلاة يشملهما كلمة (في وتر) وذلك بعد الركعة الأولى في أي صلاة، سواء أكانت ثنائية أم ثلاثية أم رباعية، وبعد الثالثة وذلك خاص بالصلوات الرباعية.
مسدد مر ذكره، وهشيم هو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خالد ].
هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقب الحذاء ، قيل: لأنه كان يجالس الحذائين، ولم يكن يبيع الأحذية ولا يصنعها، والأصل أن الحذاء نسبة إلى بيع الأحذية وصناعتها، مثل أبي صالح السمان والزيات لأنه كان يبيع السمن ويبيع الزيت فقيل له: الزيات والسمان، لكن هذا لم يكن بائعاً للأحذية ولا صانعاً لها، ولكنه كان يجلس عند الحذائين فنسب إليهم، وهذا -كما يقولون- من باب النسبة إلى أدنى مناسبة، وهي كونه يجلس عند الحذائين، وقيل: إنه كان يذهب للحذاء الذي يصنع الأحذية ويعطيه قياساً ويقول: احذ على كذا، أي: اصنع الحذاء وفقاً لهذا المقياس ولهذا التقدير المعين، وهو يسمى الخلق في اللغة، ومنه كلام الحجاج لأهل العراق: إنني لا أخلق إلا فريت. أي: لا أقدر وأقص إلا على قدر التخطيط الذي وضعته، ومنه قول الشاعر:
وأراك تفري ما خلقت
وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
أي: أنت ترسم وتقص طبقاً للرسم، وغيرك يرسم ولكن لا يستطيع أن يقص طبقاً للرسم. فقيل لـخالد: الحذاء لأنه كان يجلس عند الحذائين، أو لأنه كان يقول للحذاء: احذ على كذا. أي: اصنع وفقاً لهذا المقياس أو وفقاً لهذا التقدير.
[ عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث ].
قد مر ذكرهما.
حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاوساً يقول: قلنا لـابن عباس رضي الله عنهما في الإقعاء على القدمين في السجود فقال: هي السنة، قال: قلنا: إنا لنراه جفاء بالرجل. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ].
أورد أبو داود رحمه الله: [باب الإقعاء بين السجدتين]، والإقعاء: هو الجلوس على العقبين، أن يجعل القدمين منصوبتين مستقبلاً بظهورهما القبلة ويجعل إليته على العقبين، فلا يفترش ولا يتورك، لا يفترش رجله اليسرى ولا يجعل وركه على الأرض، وإنما يجعل إليتيه على عقبيه، وتكون قدماه منصوبتين على الأرض كما ينصب اليمنى في حال التشهد أو في حال الجلوس بين السجدتين سواء كان مفترشاً أم متوركاً؛ لأن اليمنى تنصب، فالإقعاء أن تكون اليمنى واليسرى منصوبتان وهو جالس عليهما، هذا هو الإقعاء الذي جاء في حديث ابن عباس، والذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهناك إقعاء محرم لا يجوز، وهو إقعاء الكلب، وهو أن يجلس على إليتيه ويرفع ساقيه ويضع يديه على الأرض كالكلب إذا أقعى، فهذه الهيئة لا تجوز.
ولكن هيئة الإقعاء الجائزة إنما تكون بين السجدتين فقط؛ لأنها وردت بين السجدتين، والجلوس بين السجدتين معلوم أنه جلوس خفيف، بخلاف التشهد فإنه جلوس طويل ولم يأت ما يدل على الإقعاء فيه، وأيضاً فيه مشقة؛ لأن كون الإنسان يجلس مدة طويلة وهو جالس على عقبيه في ذلك مشقة، ولكنه ورد بين السجدتين -أي: الإقعاء بهذه الطريقة -عن ابن عباس رضي الله عنه وقال: [هي السنة] أي أن ذلك مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولما قيل له: [إنا لنراه جفاء بالرجل] أي: كونه يجلس على عقبيه ويجعل إليتيه على عقبيه، قال: [هي سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم].
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الإنسان يكون بين السجدتين مفترشاً، كما أنه يكون في التشهد الأول في الصلاة التي فيها تشهدان مفترشاً، بمعنى أنه يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى، وفي التشهد الأخير يكون متوركا في الصلاة التي فيها تشهدان، وهي صلاة المغرب والصلاة الرباعية التي هي: الظهر والعصر والعشاء، وعلى هذا فقد جاء الإقعاء في حديث ابن عباس هذا، وجاء الافتراش في الأحاديث الأخرى، والغالب على فعله صلى الله عليه وسلم الافتراش، فإذا فعل الافتراش أو الإقعاء بين السجدتين فكل ذلك سنة، وأما بالنسبة للتشهد ففيه الافتراش والتورك، وليس فيه إقعاء، -أي: الإقعاء الذي جاءت به السنة بين السجدتين-، وأما الإقعاء الذي هو كإقعاء الكلب فإنه لا يجوز في أي حال من الأحوال.
وقول طاوس: [ قلنا لـابن عباس في الإقعاء على القدمين في السجود ].
أي: بعد السجود بين السجدتين، فإن السجود ليس فيه إقعاء؛ لأن السجود تكون الإلية فيه مرفوعة وليست على القدمين، وإنما الكلام عما بين السجدتين، ولهذا قال في الترجمة: [الإقعاء بين السجدتين].
وقوله: [ قلنا: إنا لنراه جفاء بالرجل ].
أي: كأنهم لم تعجبهم هذه الهيئة، ويرون أن فيها شيئاً من الجفاء وعدم الاطمئنان، فكأن الإنسان يريد أن يقوم بسرعة أو ينتهي من تلك الجلسة بسرعة، فقال: [هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم] أي: ليست جفاء بل جاءت بها السنة فيجب التسليم لها.
هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حجاج بن محمد ].
هو حجاج بن محمد الأعور المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزبير ].
هو محمد بن مسلم بن تدرس ، وهو صدوق يدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن طاوس ].
هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية ووكيع ومحمد بن عبيد كلهم عن الأعمش عن عبيد بن الحسن أنه قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد).
قال أبو داود: قال سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج عن عبيد أبي الحسن: هذا الحديث ليس فيه: (بعد الركوع) قال سفيان : لقينا الشيخ عبيداً أبا الحسن بعد فلم يقل فيه: (بعد الركوع).
قال أبو داود: ورواه شعبة عن أبي عصمة عن الأعمش عن عبيد أنه قال: (بعد الركوع) ].
قوله: [ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع] أي: ما هو الذكر أو الدعاء الذي يقوله إذا رفع رأسه من الركوع.
ومعلوم أن الإمام والمنفرد كل منهما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد.. إلى آخر الدعاء، أو: اللهم ربنا لك الحمد، أو: اللهم ربنا ولك الحمد.
وأما المأموم فإنما يقول: (ربنا ولك الحمد) ولا يقول: (سمع الله لمن حمده)، فكل من الإمام والمنفرد يجمع بين التسميع والتحميد: (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد)، وأما المأموم فلا يجمع بينهما، وإنما يأتي بالتحميد فقط دون التسميع.
واختلف أهل العلم في التسميع للمأموم: هل يسمع كما يسمع الإمام والمنفرد أم أنه يقتصر على التحميد فقط؟
فيه قولان لأهل العلم:
جمهور أهل العلم على أنه لا يقول: (سمع الله لمن حمده)، وإنما يقول: (ربنا ولك الحمد)، أو: (اللهم ربنا ولك الحمد)، ولا يجمع بين التسميع والتحميد، ويستدلون على ذلك بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، فلو كان المأموم يقول مثلما يقول الإمام لقال: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، كما يقول الإمام.
فلكونه صلى الله عليه وسلم بين أنه عندما يقول الإمام: (سمع الله لمن حمده) يقول المأموم: (ربنا ولك الحمد) معناه أن هذا هو الذي يقوله المأموم.
وبعض أهل العلم قال: إنه يجمع بين التسميع والتحميد، ويستدلون على ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقد كان يجمع بين التسميع والتحميد لكونه إماماً يصلي بالناس، فمادام أنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع فالمأموم يسمع مثله.
لكن الحديث الذي فيه ما يقوله المأموم بعد قول الإمام: (سمع الله لمن حمده) -وهو: (اللهم ربنا لك الحمد)- يخرج عن هذا العموم، وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)، ثم لما جاء في التفصيل قال: (وإذا قال: حي على الصلاة حي على الفلاح فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله)، فما قال: قولوا: حي على الصلاة حي على الفلاح، فهو إذاً مستثنى من قوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)، فهذا عام يخرج منه ما دل الدليل على أنه لا يقول فيه مثل المؤذن، وكذلك هنا يخرج منه ما دل الدليل على أنه لا يقول فيه مثل الإمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد).
فالأرجح -فيما يبدو من حيث الدليل- هو القول بأنه لا يقول: سمع الله لمن حمده، وإنما يقول: ربنا ولك الحمد.
وسمع معناها: (استجاب)، ولهذا جاء ذكر التحميد بعد ذلك، وقد جاء عن بعض السلف أنه سئل عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه، لأن بعض أهل البدع وبعض أهل الانحراف تكلموا في معاوية رضي الله عنه وأرضاه، فقيل لأحد السلف: ماذا تقول في معاوية ؟ فقال: ماذا أقول في رجل صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد؟! أي: ماذا أقول في رجل هذا شأنه أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عندما رفع من الركوع: سمع الله لمن حمده، ومعاوية وراءه يقول: ربنا ولك الحمد، وهذا فيه ثناء على معاوية رضي الله عنه وصحبته للرسول صلى الله عليه وسلم، وكونه يصلي وراءه ويحمد عندما يسمع الرسول صلى الله عليه وسلم هو يحمد.
قوله: [ عن عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)].
هذا فيه جمع الإمام بين التسميع والتحميد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: (سمع الله لمن حمده)، فإذا استقر قائماً معتدلاً بعد الاعتدال من الركوع قال: (ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء والأرض وملء ما شئت من شيء بعد)، وجاء في بعض الروايات: (حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد).
وقوله: [ (اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض) ].
معناه أنه يثني عليه كثيراً ويعظمه كثيراً ويمجده كثيراً، وقوله: [(وملء ما شئت من شيء بعد)] أي: بعد ملء السموات والأرض.
هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[ حدثنا عبد الله بن نمير ].
هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وأبو معاوية ].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ووكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ومحمد بن عبيد ].
هو محمد بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ كلهم عن الأعمش ].
أي: هؤلاء الذين ذكرهم، وهم أربعة: عبد الله بن نمير، وأبو معاوية، ووكيع، ومحمد بن عبيد، وهم شيوخ شيخه محمد بن عيسى؛ لأنه يروي عن شيخ واحد، وشيخه يروي عن أربعة شيوخ، وهؤلاء الأربعة الذين مر ذكرهم كلهم يروون عن الأعمش.
و الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد بن الحسن ].
هو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجة.
[ عن عبد الله بن أبي أوفى ].
هو -رضي الله عنه- صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ذكر أبو داود أن سفيان الثوري وشعبة قالوا في هذا الإسناد: [عن عبيد أبي الحسن] ولم يقولوا كما قال الأعمش: [ عبيد بن الحسن]، ولا تنافي بين هذا وهذا؛ لأن عبيد بن الحسن كنيته أبو الحسن، فالذي قال: (أبو الحسن) كلامه صحيح، والذي قال (ابن الحسن) كلامه صحيح؛ لأن كنيته وافقت اسم أبيه، فمن قال: عبيد أبو الحسن فقد أصاب، ومن قال: عبيد بن الحسن فقد أصاب؛ لأنه أبو الحسن وهو ابن الحسن ، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، وهو النوع الذي يقولون له: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع: ألا يظن التصحيف؛ لأن كلمتي (أبي) و(ابن) متقاربتان في الرسم، فالذي لا يعرف أن عبيد بن الحسن كنيته أبو الحسن إذا رآه في موضع آخر مكتوباً أبي الحسن يقول: أبي هذه مصحفة؛ لأنه عبيد بن الحسن، فصحفت (ابن) إلى أبي، ولا تصحيف؛ لأنه مادام أن كنيته أبو الحسن فالذي قال: أبو الحسن ذكره بكنيته، والذي قال: ابن الحسن ذكره بنسبه.
إذاً: شعبة وسفيان الثوري لما رووا هذا الحديث ذكروا عبيداً بكنيته ولم يذكروه بنسبه فقالوا: عبيد أبو الحسن ، هذا هو المقصود من هذا التنبيه، وكما هو معلوم لا تنافي بينهما؛ لأن كل الكلام صحيح.
قوله: [ قال سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج عن عبيد أبي الحسن : هذا الحديث ليس فيه: (بعد الركوع) ].
أي: هذا الحديث في رواية شعبة وسفيان الثوري ليس فيه لفظ: (بعد الركوع)، وإنما فيه: كان يقول كذا وكذا، وليس فيه: إذا قام من الركوع أو بعد الركوع، فلا وجود لهذا الكلام في رواية شعبة وسفيان الثوري ، ولكنه موجود في رواية الأعمش التي ساقها المصنف بالإسناد: (إذا قام من الركوع) ومعناها: أنه بعد الركوع يقول هذا الكلام وهو التسميع والتحميد.
قوله: [ قال سفيان: لقينا الشيخ عبيداً أبا الحسن بعد فلم يقل فيه: (بعد الركوع) ].
ذكر سفيان هنا عبيداً أبا الحسن كما ذكره سابقاً بكنيته، وقوله: [فلم يقل: (بعد الركوع)] معناه أنه ذكره بدون ذكر الركوع.
[ وقال أبو داود كذلك: ورواه شعبة عن أبي عصمة عن الأعمش عن عبيد أنه قال: (بعد الركوع) ].
ذكر عن شعبة أنه رواه بطريق أخرى وقال: (بعد الركوع) مثلما قال الأعمش؛ لأنه جاء عنه مع سفيان أنه ما ذكر بعد الركوع، وجاء من هذه الطريق الثانية التي فيها أبو عصمة قال: (بعد الركوع) كرواية الأعمش.
قوله: [ قال سفيان الثوري ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ وشعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد وصف أيضاً بأنه أمير المؤمنين في الحديث، فهما أميران من أمراء المؤمنين في الحديث، فهذان الشخصان اللذان جاء ذكرهما كل منهما وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل والتوثيق، وقد ذكر أن سفيان أحفظ من شعبة، وكيف عرفوا أن سفيان أحفظ من شعبة ؟ عدوا الأغلاط التي غلطها هذا والأغلاط التي غلطها هذا فوجدوا أن سفيان أقل غلطاً فقالوا: إنه أحفظ منه، أو: إنه أوثق منه أو أقوى منه، وإن كان كلاهما في نهاية الإتقان، وقد كانوا إذا أرادوا أن يقارنوا بين الرجلين القويين فإن القياس عندهم عد الأخطاء، فإذا جمعوا أخطاء هذا وأخطاء هذا ورأوا أن هذا أقل وهذا أكثر جعلوا هذا مقدماً على هذا.
[ عن أبي عصمة ].
أبو عصمة هو نوح بن أبي مريم، وهو كذاب كذبوه، وأخرج حديثه الترمذي وابن ماجة في التفسير، فليس هو من رجال أبي داود، ولهذا لم يذكر أنه من رجال أبي داود لأنه ما جاء في الإسناد وإنما جاء في المتابعات.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري أنه كان حين يقول: (سمع الله لمن حمده) يقول: (اللهم ربنا لك الحمد)، أي أنه حين يسمع يحمد، فيجمع بين التسميع والتحميد صلى الله عليه وسلم، وهو إمامهم، وقد عرفنا أن الإمام والمنفرد يجمعون بين التسميع والتحميد، وأما المأموم فيأتي بالتحميد دون التسميع على خلاف بين أهل العلم، لكن الأقوى أنه لا يجمع بينهما وإنما يأتي بالتحميد وحده، فحديث أبي سعيد يدل على الذكر بعد الركوع وما يقال بعد الركوع، وأن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد).
قوله: [ (أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت) زاد محمود: (ولا معطي لما منعت) ].
محمود هذا هو محمود بن خالد، وهو أحد شيوخه الأربعة؛ لأن عنده أربع طرق وله أربعة شيوخ، وكل واحد يروي عن شيخ ثم يجتمعون فيلتقون عند الشيخ الثالث الذي تلتقي الطرق الأربع عنده ثم تصعد بطريق واحد، فهي أربع طرق كل طريق فيها اثنان، ثم بعد ذلك تلتقي هذه الطرق الأربع عند طريق واحد وتصعد إلى النهاية، فقوله: [زاد محمود] أي: أحد شيوخه.
وقوله: [ ثم اتفقوا ].
أي: الشيوخ الأربعة.
المقصود بالجد: الحظ والنصيب، أي: لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك، وإنما ينفعه العمل الصالح، فلا ينفع عندك الحظ والمنزلة والجاه والمال؛ لأن العبرة بالعمل الصالح، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) أي: من أخره عمله عن دخول الجنة فليس نسبه هو الذي يسرع به إليها. فالجد هنا: الحظ والنصيب، يقول الشاعر:
الجد بالجد والحرمان بالكسل
فانصب تصب عن قريب غاية الأمل
يعني أن الثمرة والنتيجة والحظ والنصيب إنما هو بالجد، والحرمان يكون بالكسل؛ لأن الجد يورث جداً وحظاً ونصيباً، والكسل يورث حرماناً.
فالجد يأتي بمعنى: الحظ والنصيب، ويأتي بمعنى: الجد الذي هو أبو الأب، فيقال له: جد، ويأتي بمعنى: العظمة، كما قال عز وجل: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا [الجن:3] أي: عظمته، وجاء في الحديث: (وتعالى جدك) أي: تعالت عظمتك؛ لأن الجد هنا بمعنى العظمة.
قوله: [ وقال بشر: (ربنا لك الحمد) لم يقل: (اللهم) ].
بشر هنا لم يقل: (اللهم)، ولم يأت بالواو في: (ربنا ولك الحمد).
قوله: [ لم يقل محمود: (اللهم) قال: (ربنا ولك الحمد) ].
و محمود -أيضاً- لم يقل: (اللهم) ولكنه قال: (ربنا ولك الحمد) فأتى بالواو، وبشر قال: (ربنا لك الحمد) بدون واو، وكل منهما لم يقل: (اللهم)، والفرق بينهما هو في الإتيان بالواو وعدمه، ولفظة (اللهم) متفقان على عدم ذكرها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر (اللهم) و(ربنا ولك الحمد) بالواو وبدون واو، فكلها واردة.
هو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ عن الوليد ].
هو ابن مسلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ (ح) وحدثنا محمود بن خالد ].
هذه هي الطريق الثانية، ومحمود بن خالد دمشقي أيضاً، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[ عن أبي مسهر ].
هو عبد الأعلى بن مسهر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ (ح) وحدثنا ابن السرح ].
هذه هي الطريق الثالثة، وابن السرح هو أحمد بن عمر بن السرح المصري ، وهو ثقة، أخرج له الإمام مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[ حدثنا بشر بن بكر ].
هو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[ (ح) وحدثنا محمد بن محمد بن مصعب ].
هذه هي الطريق الرابعة، وقوله: [ح] أي: تحول من إسناد إلى إسناد، ومحمد بن محمد بن مصعب الصوري صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ عن عبد الله بن يوسف ].
هو عبد الله بن يوسف التنيسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[ كلهم عن سعيد بن عبد العزيز ].
أي: هؤلاء الأربعة الذين هم شيوخ شيوخه كلهم يلتقون عند سعيد بن عبد العزيز الدمشقي.
فهذه الأربع الطرق كلها اجتمعت عند سعيد بن عبد العزيز، وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عطية بن قيس ].
هو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن قزعة بن يحيى ].
هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث دليل على أن المأموم يحمد ولا يسمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا قال ... فقولوا)]، فلو أن الإمام يسمع لقال: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: سمع الله لمن حمده، لكنه ذكر أنه بعدما يقول هذا يقول بعده ربنا ولك الحمد.
وقوله: [ (فإنه من وافق قوله قول الملائكة) ] هذا يدل على أن الملائكة يقولون: (ربنا ولك الحمد)، إذاً: هو يقول: ربنا ولك الحمد ليكون بذلك موافقاً لقول الملائكة، فبعدما يقول: (سمع الله لمن حمده) يقول: (ربنا ولك الحمد)، وهذا مثلما جاء في التأمين: (إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)، فهذا فيه دليل على أن الملائكة تحمد، وأن من قال: (ربنا ولك الحمد) بعد قول الإمام: (سمع الله لمن حمده) فإنه قد يوافق قوله قول الملائكة، فالملائكة تحمد والمأمومون يحمدون بعد قول الإمام: (سمع الله لمن حمده).
وقوله: [ (غفر له ما تقدم من ذنبه) ] المقصود بالذنوب هنا: الصغائر، وأما الكبائر فإنه لابد لها من توبة، فالتكفير هنا إنما هو للصغائر، وأما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة.
ومعلوم أن الملائكة يحضرون مجالس الذكر ويؤمنون، فهم يحمدون بعدما يقول الإمام: (سمع الله لمن حمده)، وكذلك هم يقولون: (آمين) إذا قال الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له، وكذلك من وافق قوله قول الملائكة في التحميد، فهم يحمدون، ومن يحمد مثل الملائكة ويقول في الوقت الذي يقول فيه الملائكة: (ربنا ولك الحمد) يغفر له ما تقدم من ذنبه.
ولا يلزم من ذلك أنهم يصلون مع الناس، وإنما يحضرون الصلاة مع الناس.
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سمي ].
هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي صالح ].
هو ذكوان السمان، اسمه ذكوان وكنيته أبو صالح ولقبه السمان أو الزيات، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود هذا الأثر عن عامر الشعبي أنه قال: [لا يقول القوم] أي: المأمومون [خلف الإمام: سمع الله لمن حمده، ولكن يقولون: ربنا لك الحمد] أي أنهم يحمدون ولا يسمعون، فهو مطابق للحديث الذي قبله، وهذا الأثر جاء وفقاً لما جاء في الحديث الذي قبله، والشعبي من الذين يقولون بأن المأموم لا يسمع وإنما يحمد فقط، وجمهور العلماء على أنه يحمد ولا يسمع، وبعض أهل العلم قال بأن المأموم يجمع بين التسميع والتحميد استناداً إلى حديث: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وذكرنا أن هذا لفظ عام ولكنه يستثنى منه ما جاء في السنة بأن المأموم لا يقول كما يقول الإمام، ويدل عليه حديث أبي هريرة المتقدم حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد).
هو صدوق، أخرج له أبو داود .
[ عن أسباط ].
هو أسباط بن محمد ، وهو ثقة ضعف في الثوري ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن مطرف ].
هو مطرف بن طريف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عامر ].
هو عامر بن شراحيل الشعبي ، مشهور بنسبته ومشهور باسمه، ولهذا يأتي باسمه أحياناً وبنسبته أحياناً، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وعامر الشعبي هذا هو الذي نقل عنه أنه قال في الرافضة القول المشهور: إذا قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
يعني أن اليهود والنصارى أحسن منهم بالنسبة لأصحاب أنبيائهم، فاليهود يقولون عن أصحاب موسى: إنهم خير الناس، ويقول النصارى عن أصحاب عيسى: إنهم خير أهل ملتهم، والرافضة يقولون عن أصحاب محمد: إنهم شر أهل ملتهم! وهذا الذي قاله الشعبي رحمة الله عليه قاله رافضي شاعر في قصيدة سيئة قال فيها نفس الكلمة التي قالها الشعبي، وذلك بعد موت الشعبي بمئات السنين، يقول ذلك الشاعر السيئ:
أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها
أي: هيهات أن يكون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس، بل أشقاها، أي: أشقى أمة أخرجت للناس! وهذا يدل على خبث الرافضة، وأن خبثهم متناهٍ للغاية؛ إذ إن خير الناس عندهم شر الناس، وهذه انتكاسة عظيمة، كما قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير قول الله عز وجل في سورة التوبة: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ [التوبة:100] قال عن الرافضة: أفهامهم منكوسة وكذا معكوسة، وذكر كلاماً يدل على سوئهم وعلى خبثهم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر