حدثنا القعنبي عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي قال: رآني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأنا أعبث بالحصى في الصلاة، فلما انصرف نهاني وقال: (اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، فقلت: وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قال: كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) ].
المقصود من الترجمة: أن يشير الإنسان بإصبعه السبابة في تشهده عند شهادة أن لا إله إلا الله، وكذلك عند الدعاء يحركها يدعو بها، وهذا في التشهد كله سواء كان أولاً أو أخيراً، وليس ذلك مقصوراً على الإتيان بالشهادة، بل يشمل مدة جلوسه في التشهد حتى عندما يأتي بالأدعية الأخرى التي بعد ذلك.
وقد سبق أن أبو داود ترجمة للإشارة في الصلاة عند الحاجة، كأن يرد السلام كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، وكما أشار لـأبي بكر بأن يستمر في الإمامة لأنه قد دخل في الصلاة، فتلك إشارة غير هذه الإشارة، فهذه في الجلوس للتشهد، وسواء كان ذلك عند شهادة أن لا إله إلا الله أو عند غير ذلك من الأدعية التي يؤتى بها.
أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث أولها حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أن علي بن عبد الرحمن المعاوي صلى إلى جنبه، وكان يعبث بالحصى في صلاته في حال الجلوس، فلما انصرف نهاه عن هذا العمل، وقال له: [ (اصنع كما كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصنع، قال: وماذا كان يصنع؟ فقال: إنه يضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى مقبوضة الأصابع، ويشير بأصبعه التي تلي الإبهام) ]، وهذا فيه ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الدلالة على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنهم إذا وجدوا أحداً يحصل منه مخالفة للسنة ينبهونه على خطئه وينهونه عنه، ويرشدونه إلى اتباع السنة.
فـعبد الله بن عمر بين لـعلي بن عبد الرحمن المعاوي الصواب، وأرشده إلى الحق والهدى الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفيه النهي عن شيء غير سائغ والدلالة على شيء سائغ ومشروع، فقد نهاه وأتى بالعوض عن الشيء الذي نهاه عنه، وهو أنه كان يلمس الحصى ويعبث بها بيده، ولا يجعل يديه على فخذيه، فأرشده إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا.
وفيه أيضاً دلالة على الإشارة بالسبابة في التشهد وعند الدعاء، وأن بقية الأصابع تقبض، وهي الخنصر والبنصر والوسطى، وذلك عند وضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى، وأما السبابة فيشير بها، وهذه هيئة من الهيئات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والهيئة الثانية هي التحليق، وذلك بأن يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى، وإذا فعل هذا أو فعل هذا فكله حق، وكلا الأمرين ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما اليد اليسرى فإنها توضع على الفخذ اليسرى، وتكون مبسوطة لا يقبض منها شيئاً وليس فيها إشارة، وإنما الإشارة بالسبابة من اليمين، هذه هي الهيئة التي يكون عليها المصلي في صلاته في التشهد.
والإنسان لا يضع يديه في مكان آخر، فلا يضعهما على الأرض، ولا يلمس بهما الحصى، وإنما يجعلهما في هذا الموضع المذكور.
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، يذكر بنسبته كثيراً، ويذكر باسمه واسم أبيه عبد الله بن مسلمة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتاب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن مسلم بن أبي مريم ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن علي بن عبد الرحمن المعاوي ].
وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن عبد الله بن عمر ].
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي ابن الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
هؤلاء هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد زادت أحاديثهم في الكتب الستة عن ألف حديث، وفيهم من تجاوز الألفين وفيهم من تجاوز الخمسة آلاف وهو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، ولهذا يقول السيوطي في الألفية:
والمكثرون في رواية الأثر
وأنس والبحر كالخدري
وجابر وزوجة النبي
البحر هو ابن عباس ، وزوجة النبي هي عائشة رضي الله تعالى عنها وعن الصحابة أجمعين.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل ما تقدم في حديث عبد الله بن عمر في بيان هيئة وضع اليد اليسرى واليد اليمنى في حال التشهد، وأنه يشير بإصبعه السبابة، وفيه أيضاً ذكر الافتراش الجلوس في التشهد، وأنه يخرج رجله اليمنى من تحت ساقه وفخذه بحيث يجعلها تخرج من جهة اليمين؛ لأنه يتورك.
وذكر أنه يفرش رجله اليمنى، وهذا جاء في بعض الأحاديث، ولكن أكثر الروايات على أنه ينصبها ولا يفرشها، اللهم إلا إذا كان المقصود أنه يفرش أصابعها؛ لأن أصابعها تكون مفروشة على الأرض متجهة إلى القبلة.
ويحتمل أن يكون المقصود به أنه يضجعها كما يفرش الرجل اليسرى؛ لكنه لا يجلس عليها، ويحتمل أن يكون المقصود به فرش الأصابع، كما جاء في بعض الروايات أنه يجعل أصابعها إلى القبلة، وعلى هذا تكون أصابعها مفروشة، وهذا حيث أمكن ثنيها وليها، وأما إذا كان لا يستطيع ذلك فإن الله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
إذاً : حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه وأرضاه فيه ذكر الإشارة بالسبابة في التشهد.
محمد بن عبد الرحيم البزاز ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا عفان ].
هو عفان بن مسلم الصفار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الواحد بن زياد ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عثمان بن حكيم ].
وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام الذين هم: عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد مر في الحديث السابق ذكر عبد الله بن عمر ، وهو أحد الأربعة العبادلة من صغار الصحابة.
و عبد الله بن الزبير هذا ولد في قباء بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قبل أن يصل إلى مكانه الذي استقر فيه.
وحديث عبد الله بن الزبير أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه من طريق أخرى، وفيه: [ (أنه كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها).
وهذا مطابق للروايات المتقدمة، وأما قوله: (ولا يحركها) فهذه مخالفة لما جاء في عدد من الروايات أنه كان يحركها، وليس المقصود بالإشارة أنها ثابتة لا تتحرك، بل يحركها في التشهد ويحركها عند الدعاء، فهذه الرواية مخالفة للروايات الأخرى الدالة على أنه كان يشير بإصبعه ويحركها صلى الله عليه وسلم.
فيكون حكم: [ (ولا يحركها) ] شاذة، والشيخ الألباني حكم بشذوذها، وقال: إنها شاذة مخالفة للروايات الأخرى.
إبراهيم بن الحسن المصيصي ثقة أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا حجاج ].
هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زياد ].
هو زياد بن سعد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن عجلان ].
هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن عامر بن عبد الله عن عبد الله بن الزبير ].
وقد مر ذكرهما.
أورد هذه الطريق عن عمرو بن دينار .
وقوله: [ (إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كذلك) ] يعني: بإصبعه.
قوله: [ (ويتحامل بيده اليسرى على فخذه اليسرى) ] معناه: أنه يعتمد عليها أو يميل إليها، وليس معنى ذلك أنه وضع ذراعه على فخذه، بل يرفع ذراعه عن فخذه ولم يكن ذراعه مبسوطاً على فخذه، وإنما كان اعتماد اليد على الفخذ.
هو عمرو بن دينار المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عامر عن أبيه ].
وقد مر ذكرهما.
[ قال ابن جريج ].
هذا متصل بالإسناد الذي قبله.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه الإحالة على الحديث المتقدم، وذكر فيه زيادة وهي أنه [ (لا يجاوز بصره إشارته) ] أي: أن بصره يكون متجهاً إلى يده اليمنى التي يشير بإصبعها السبابة التي يحركها يدعو بها.
قوله: [ وحديث حجاج أتم ] معناه: أنه لما أحاله على حديث الحجاج قال: إنه أتم، أي: وليس هذا مثله تماماً بل ذاك أتم، لكن فيه هذه الزيادة التي ذكرت موضع النظر.
محمد بن بشار هو البصري الملقب بـبندار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري ، وكانت وفاته قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، وأما محمد بن بشار فقد توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
ومن صغار شيوخ البخاري أيضاً، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومات في السنة التي مات فيها غير محمد بن بشار : يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن المثنى العنزي ، فهؤلاء ثلاثة يعتبرون من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم من صغار شيوخ البخاري ، وقد ماتوا جميعاً في سنة واحدة قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.
[ حدثنا يحيى ].
هو ابن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه ].
وقد مر ذكر الثلاثة.
أورد أبو داود حديث نمير الخزاعي رضي الله عنه في الإشارة في التشهد.
وهذا الحديث فيه أولاً: وضع الذراع على الفخذ، وهذا مخالف للروايات الأخرى التي فيها أنه كان يرفع الذراع عن أن يكون موضوعاً على الفخذ، وأيضاً مخالف لما تقدم أنه يتحامل وهو لا يكون مع وضع الذراع على الفخذ؛ لأن التحامل على اليد إنما يكون إذا رفع ذراعه عن فخذه.
وكذلك فيه هذا الوصف للسبابة وأنه يشير بها قد حناها، وإنما تكون الإشارة بها بدون حني.
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
[ حدثنا عثمان يعني ابن عبد الرحمن ].
هو صدوق أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فضعف بسبب ذلك، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا عصام بن قدامة ].
وهو صدوق أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[ عن مالك بن نمير ].
وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة، يعني الثلاثة متوالون كلهم أخرج لهم أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن نمير الخزاعي ].
صحابي له حديث واحد أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة .
والحديث ضعيف بسبب عثمان بن عبد الرحمن الذي كان صدوقاً كثير الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فضعف بسبب ذلك.
وأيضاً مالك بن نمير مقبول.
ثم أيضاً هو مخالف للروايات الأخرى التي فيها ذكر وضع اليد على الركبة بدون فرش الذراع على الفخذ، وكذلك بدون ذكر الحني في الأصبع.
حدثنا أحمد بن حنبل وأحمد بن محمد بن شبويه ومحمد بن رافع ومحمد بن عبد الملك الغزال قالوا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة.
الاعتماد على اليد في الصلاة له حالتان: حالة وهو جالس، وحالة وهو يريد أن يقوم إلى الركعة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، فالاعتماد على اليد يكون في هاتين الحالتين.
أما الاعتماد على اليد وهو جالس فذلك غير سائغ، وهو الذي دل عليه الحديث الذي أورده أبو داود هنا من طريق الإمام أحمد بن حنبل وهي الطريق الأولى التي قدمها؛ لأنه ذكر الحديث عن أربعة من شيوخه، وكل واحد منهم ذكر صيغة، والترجمة عقدها فيما يتعلق بالجلوس للتشهد، وهذا فيه إشارة إلى أن المقصود أنه لا يعتمد عليها وهو جالس، وهذا بناء على رواية أحمد بن حنبل رحمة الله عليه التي قدمها أبو داود على غيرها، وأن النهي عن الاعتماد على اليد وهو جالس، بمعنى أن يجعلها على الأرض، بدل ما يجعلها على ركبتيه، وذلك يشبه قصة علي بن عبد الرحمن المعاوي قال: (كنت أعبث بالحصى فنهاني ابن عمر .. ).
فيدل هذا على أن الإنسان يضع يديه على ركبتيه بالصفة التي مرت في الأبواب السابقة، ولا يجعلهما على الأرض، ولا قدامه ولا عن يمينه ولا بين رجليه، وإنما تكون على فخذيه وعلى ركبتيه، ويشير بسبابة اليمنى وقد قبض أصابعها أو حلق الإبهام مع الوسطى مع قبض الخنصر والبنصر.
والمعنى الآخر للاعتماد في الصلاة على اليدين: هو عند القيام لأي ركعة من الركعات، ومعناه أنه لا يعتمد على يديه عند النهوض، وهذا هو الذي جاء في رواية محمد بن عبد الملك الغزال ، والاعتماد على اليدين في الصلاة جاء في بعض الأحاديث ما يدل عليه أنه عند القيام، واختلف فيه بين أهل العلم كما اختلف في تقديم اليدين أو الركبتين عندما يهوي للسجود.
فالذين قالوا: يقدم ركبتيه ثم يديه، قالوا: يرفع يديه ثم يرفع ركبتيه ولا يعتمد على يديه، والذين قالوا: يقدم يديه ثم ركبتيه، قالوا: يعتمد على يديه ثم ينهض بركبتيه قبل يديه.
وسبق ذكر مقولة شيخ الإسلام ابن تيمية : إن الاتفاق حاصل على أنه يصح تقديم أي واحدة منهما، ولكن الكلام إنما هو في الأفضل، وكذلك هنا أيضاً فإن الإنسان إن فعل هذا أو فعل هذا فكله صحيح، ولكن من أهل العلم من رأى أن ترفع اليدان أولاً ثم ترفع الركبتان، ومنهم من رأى أنه يرفع الركبتين أولاً ويكون معتمداً على يديه، وهذه الرواية الرابعة ذكر أبو داود فيها النهي عن الاعتماد على اليدين عند النهوض.
والروايتان الأخريان اللتان في الوسط، وهما رواية محمد بن رافع وابن شبويه مطلقتان؛ فلم تذكرا الجلوس ولا النهوض، فهل تحمل على رواية الإمام أحمد أنه في الجلوس، أو تحمل على رواية محمد بن عبد الملك ؟
وتقديم الإمام أبي داود رحمه الله لحديث أحمد بن حنبل يدل على أنها هي الأرجح، وإيراده الحديث في أبواب التشهد يفيد بأنه يريد هذا المعنى؛ ولكنه عند رواية محمد بن رافع قال: [ وذكره في باب الرفع من السجود ]، أي: أنه فيما يتعلق بالقيام، وهذه العبارة، وهي قول أبي داود : [ وذكره ] يرجع الضمير فيها إلى مفرد، ولم أعرف وجهه، إلا أنه قال في عون المعبود: قول أبي داود : وذكروه في الرفع من السجود، معناه: أن بعض أهل العلم ذكروا أن هذا يكون في الرفع من السجود وأنه لا يعتمد على يديه وإنما يعتمد على ركبتيه، وهذا على قول القائلين بأنه يعتمد على ركبتيه عند القيام من الركعة.
[ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) ].
قال الإمام أحمد بن حنبل في روايته -وهو الشيخ الأول-: (أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) وسواء كان بيده أو يديه؛ لأن المقصود أن يضع المصلي يديه على ركبتيه، فلا يضع يديه ولا واحدة منهما على الأرض، وإنما يضع اليدين على الفخذين.
وهذا فيه التنصيص على أن رواية الإمام أحمد في حال الجلوس، وهي مطابقة لما جاء في حديث ابن عمر المتقدم الذي نهى فيه علي بن عبد الرحمن المعاوي عن العبث في الأرض، وأرشده إلى أن يضع يديه على فخذيه.
[ وقال ابن شبويه : (نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة) ]
وهذه الرواية مطلقة، في النهي عن أن يعتمد على يده في الصلاة، فلم يقيدها بالجلوس ولا عند القيام من السجود إلى الركعة الثانية ونحوها.
وكذلك رواية محمد بن رافع كما قال: [ وقال ابن رافع : (نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده) ]
قوله: [ وذكره في باب الرفع من السجود ].
لم أجد فيما مضى لـأبي داود ذكر ذلك.
لكن الذي في عون المعبود قال أبو داود : (وذكروه)، أي: المصنفون من العلماء في كتبهم.
[ وقال ابن عبد الملك : (نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة) ]
وهذه الرواية الرابعة التي فيها أنه عند النهوض في الصلاة لا يعتمد على يديه، أي: بل يعتمد على ركبتيه.
والنهوض على اليدين من الركعة الأولى أو من التشهد -قد ورد فيه حديث صحيح في البخاري ، وقد ذهب إليه الألباني رحمه الله، فهو ممن يقول بأن الإنسان يقوم على يديه، وقال: إن هذه الرواية التي ذكرها أبو داود عن ابن عبد الملك منكرة.
هو أحمد بن محمد بن حنبل ، الإمام المعروف الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ وأحمد بن محمد بن شبويه ].
وهو ثقة أخرج له أبو داود وحده.
[ ومحمد بن رافع ].
هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ ومحمد بن عبد الملك الغزال ].
هو محمد بن عبد الملك الغزال ثقة أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[ حدثنا عبد الرزاق ]
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معمر ].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسماعيل بن أمية ]
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع ]
هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
وقد مر ذكره.
أورد أبو داود حديث ابن عمر في ذم الصلاة وهو مشبك يديه، حيث قال: [ تلك صلاة المغضوب عليهم ] وهذا لا يقال من قبل الرأي، حيث ورد فيه ذكر الغضب، وما جاء عن الصحابي وفيه ذكر وعيد أو غضب أو نحوه فحكمه الرفع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن ذلك لا يقال من قبل الرأي، وإنما يكون مبنياً على السنة التي تتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ سألت ابن عمر عن الرجل يصلي وهو مشبك يديه، فقال: تلك صلاة المغضوب عليهم ] فالترجمة وردت لكراهية الاعتماد على اليد في الصلاة، وهذه لا تتعلق بالترجمة من ناحية الاعتماد، ولكنها تتعلق بالترجمة من جهة كون الإنسان يضع يديه على ركبتيه، موافقاً للهيئة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسواء وضعها على الأرض، أو شبك بين أصابعه، أو وضعها على غير ركبتيه؛ فإن كل ذلك مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتشبيك الأصابع في الصلاة وقبل الصلاة كل ذلك جاءت فيه أحاديث تدل على منعه، وأن الإنسان لا يشبك بين أصابعه ما دام ينتظر الصلاة وما دام في الصلاة، لا في حال قيام ولا جلوس.
وأما بعد الصلاة فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين الذي سيأتي أنه صلى ركعتين من الظهر أو العصر وسلم، فكان بعض الصحابة رضي الله عنهم يظن أنه حصل نسخ وأن الصلاة حولت من أربع إلى ثنتين، فلم يسبحوا ولم ينبهوا النبي صلى الله عليه وسلم على هذا السهو، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد واستند عليها وشبك بين أصابعه، وهذا بعد الصلاة.
[ تلك صلاة المغضوب عليهم ].
وقال الله في سورة الفاتحة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، وجاء في السنة بيان أن اليهود مغضوب عليهم وأن النصارى ضالون، فكلمة المغضوب عليهم لا أدري هل المقصود بها اليهود وأنهم يفعلون ذلك، أو أن المقصود بها ما هو أعم من ذلك، وأن من يفعل ذلك فقد فعل ما يستوجب الغضب من الله عز وجل.
بشر بن هلال ، ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عبد الوارث ].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر ].
وقد مر ذكرهم.
أورد أبو داود هذا الحديث تحت ترجمة: [ كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة ] ، والمقصود من ذلك: الاعتماد عليها في حال الجلوس بين السجدتين أو في التشهد، ذلك أن الوضع الذي يجب أن تكون عليه اليدان أن تكون على الفخذين، وقد ذكر المصنف أحاديث عديدة في الباب أولها رواية الإمام أحمد وثلاثة من شيوخ أبي داود ذكروا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاعتماد على اليد في الصلاة، وقال الإمام أحمد في حال الجلوس، وهذه الرواية عن ابن عمر تطابق رواية الإمام أحمد والتي تتعلق بحال الجلوس في التشهد، وهي المناسبة للترجمة المذكورة هنا بعد أبواب التشهد وما يتعلق بالتشهد، أي: أن اليدين في التشهد تكونان على الفخذين.
هذه الرواية فيها ذكر اليد اليسرى، وأن ابن عمر رأى رجلاً يصلي وقد اعتمد على يده اليسرى في صلاته في حال جلوسه، فقال: [ لا تفعل هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون ] وهو مماثل لما جاء في الرواية السابقة من أنها قعدة المغضوب عليهم.
فهذا الحديث يدل على ما دلت عليه الأحاديث السابقة من أن الإنسان لا يعتمد على يديه في صلاته وهو جالس، وإنما يجعل يديه على فخذيه، اليسرى مبسوطة على الفخذ اليسرى، واليمنى قد قبض أصابعها وأشار بإصبعه السبابة يدعو بها.
[ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة، وقال هارون بن زيد : ساقطاً على شقه الأيسر ]
ساق أبو داود الحديث على رواية الشيخ الثاني محمد بن سلمة ، ولكنه أشار إلى رواية هارون بن زيد وأنها بلفظ: [ ساقطاً على شقه الأيسر ] أي: أنه مائل على شقه الأيسر معتمداً على يده.
قوله: [ لا تجلس هكذا؛ فإن هكذا يجلس الذين يعذبون ] هذه تماثل الرواية السابقة أن هذه صلاة المغضوب عليهم، وكلام ابن عمر ، هذا لا يقال من قبل الرأي؛ لأن الصحابي إذا تكلم بشيء فيه وعيد وتحديد عقوبة أو ثواب أو ما إلى ذلك، فهذا لا يقال من قبل الرأي، فيكون له حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمور المغيبة لا يعلمها إلا الله عز وجل فلا تعلم لنا إلا عن طريق الوحي الذي يوحيه الله إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا جاء عن الصحابي شيء مثل هذا فله حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك الشيء الذي فيه إبطال عمل، أو تحديد جزاء معين ومحدد؛ فإن هذا لا يقال من قبل الرأي، فإذا جاء عن الصحابي فيحمل على أنه أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هو هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ، وهو صدوق أخرج له أبو داود والنسائي .
[ ح وحدثنا محمد بن سلمة ].
قال [ ح ] وهي للتحول من إسناد إلى إسناد. ومحمد بن سلمة هو المرادي المصري ، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
وإذا جاء محمد بن سلمة من شيوخ أبي داود فالمراد به المصري ، وإذا جاء محمد بن سلمة من شيوخ شيوخه فهو محمد بن سلمة الباهلي الحراني ، وكل منهما ثقة، إلا أن هذا الذي من شيوخه مصري، والذي من طبقة شيوخ شيوخه حراني باهلي.
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: وهذا لفظه ].
أي: لفظ الطريق الثانية طريق محمد بن سلمة عن ابن وهب وليست طريق هارون بن زيد بن أبي الزرقاء عن أبيه، والإمام أبو داود رحمه الله من عادته أن يحدد من له اللفظ من الرواة كما هنا، فربما ذكر ذلك أثناء السند، وربما أخره فلا يأتي به إلا بعد أن يسوق الحديث بإسناده ومتنه.
وإذا كان هناك فرق بين الشيخين أشار إليه، لأنه قال هنا: [ معتمداً على يديه ] في رواية محمد بن سلمة الذي ساق الحديث عنه قال: [ وقال هارون بن زيد -الشيخ الأول-: ساقطاً على شقه الأيسر ، ثم اتفقا ] يعني: الشيخين على أن ابن عمر قال: [ لا تفعل هكذا، فإن هكذا جلسة الذين يعذبون ].
[جميعاً عن هشام بن سعد ].
يعني أن الطريقين التقيا عند هشام بن سعد ؛ الطريق الذي فيه زيد بن أبي الزرقاء ويروي عنه ابنه هارون ، والطريق الذي فيه عبد الله بن وهب ويروي عنه محمد بن سلمة المرادي .
و هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن نافع ].
هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن إذا كان من رواياته شيء في الصحيحين أو أحدهما، فإنه يذكر ذلك، ويذكر عدد ما له في الصحيحين، وعدد ما له عند البخاري وحده، وعدد ما له عند مسلم وحده، والباقي بعد ذلك يكون خارج الصحيحين أو أحدهما بعد إسقاط هذا الذي نص على أنه متفق عليه أو أنه مما اختص به أحدهما؛ فإذاً: من فوائد خلاصة تذهيب تهذيب الكمال معرفة عدد ما لكل صحابي من الحديث.
وهناك كتاب يتعلق بالصحابة الذين لهم رواية في الصحيحين، وهو كتاب: الرياض المستطابة في من له رواية في الصحيحين من الصحابة، وهو مجلد نفيس، يعني بذكر تراجم الصحابة، وكلامه حسن وجميل في الصحابة، ولكن هذه التراجم التي يذكرها له عناية فيها من ناحية أنه يذكر أولاد الصحابي وزوجاته والأولاد لكل زوجة، فيقول: فلان وفلان من فلانة، وفلان وفلان من فلانة، ويسردهم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر