حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر، قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها إحداهما على الأخرى، يعرف في وجهه الغضب، ثم خرج سرعان الناس وهم يقولون: قصرت الصلاة، قصرت الصلاة، وفي الناس
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب السهو في السجدتين ].
والمقصود بالسجدتين الركعتان؛ لأن الركعة يقال لها: سجدة، ويقال لها: ركعة، فالمقصود من ذلك السهو في السلام من ركعتين في الثلاثية أو الرباعية.
وسجود السهو يكون قبل السلام وبعده، فإذا كان سببه نقصاً يكون قبل السلام، كما في حديث ابن بحينة الذي فيه أنه قام وترك التشهد الأول، ثم سجد قبل أن يسلم سجدتين، وأما إذا كان سببه زيادة فإنه يكون بعد السلام كما في القصة التي أوردها أبو داود هنا من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سلم سها في الصلاة وسلم من ركعتين، ثم روجع وكان يعتقد أنه قد أكمل الصلاة، فرجع إليها وصلى ثم سلم، وبعد السلام سجد للسهو.
فالحاصل أن قوله: (السهو في السجدتين) معناه: السهو في الاقتصار على ركعتين في الصلاة الثلاثية أو الرباعية ساهياً؛ لأن الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة كلها تتعلق بالسهو في سجدتين، إلا أن في آخرها حديثاً عن عمران بن حصين أنه سها فسلم بعد الثالثة، فيكون في هذه الترجمة تغليب؛ لأنه ذكر فيها السهو في سجدتين والسهو في ثلاث؛ لكن أكثر الأحاديث التي وردت في سهو النبي صلى الله عليه وسلم قبل إكماله الركعات فيها الاقتصار على ركعتين، فلعل هذا هو الذي جعل أبا داود يقتصر على السجدتين في الترجمة.
وتسمية الركعة سجدة تسمية للشيء باسم بعضه؛ لأن السجدة جزء من الركعة، فيسمى الشيء باسم بعضه، مثل ما مر بنا قريباً التشهد والمقصود به من التحيات... إلى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ لكن سمي الكل باسم بعضه الذي هو أهم شيء فيه، وهو أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة في أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم إحدى صلاتي العشي وهي الظهر أو العصر كما جاء ذلك في الحديث، والعشي هو آخر النهار من الزوال إلى الغروب؛ لأن ما قبل الزوال صباح وبكور وما بعد الزوال عشي ومساء، فقال: (إحدى صلاتي العشي) ثم فسرها بالظهر أو العصر، يعني: أنه شك.
قوله: (ثم سلم، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يديه عليها إحداهما على الأخرى، يعرف في وجهه الغضب صلى الله عليه وسلم) وجاء في بعض الروايات: (أنه شبك بين أصابعه واستند إلى هذه الخشبة المعروضة في المسجد).
قوله: (وخرج سرعان الناس) يعني: الذين يخرجون من المسجد ولا يمكثون، فخرجوا وهم يقولون: (قصرت الصلاة، قصرت الصلاة) لأن الزمن زمن تشريع، ففهموا أن الصلاة لم تعد رباعية وأنه نسخ ذلك وصارت ثنائية، هذا هو الذي فهموه.
وكان في الجالسين أبو بكر وعمر وشخص يقال له: ذو اليدين كان في يديه طول وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين ، فقال: (يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟) يعني: هي واحدة من ثنتين: فإما أنه وقع نسيان، وإما أنه نزل الوحي وحصل تشريع بأن الصلاة الرباعية جعلت ثنائية.
فقال عليه الصلاة والسلام: (لم أنس ولم تقصر الصلاة) أي: في علمي وفي ظني أنه ما حصل نسيان ولا حصل تشريع بأن الصلاة تقصر، فلما قال له ذلك قال: (بل نسيت يا رسول الله) أي: ما دام أنه لم يحدث تشريع بقصر الصلاة فالنسيان قد حصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم التفت إلى الناس وقال: (أصدق ذو اليدين؟ ) لأن هذا ما اختص به شخص واحد، بل الناس مشتركون فيه، ولا يختص بعلمه أحد دون أحد.
قوله: (فأومئوا: أي نعم) جاء في بعض الروايات أنهم قالوا: (نعم) ويمكن الجمع بينهما بأنهم جمعوا بين هذا وهذا، فأومئوا وقالوا: نعم، نوافق ما قاله ذو اليدين من أنه قد حصل النسيان.
(فرجع عليه الصلاة والسلام إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين، ثم سلم) أي: تشهد وسلم، ثم سجد سجدتين للسهو.
وفي هذا الحديث قيل لراويه وهو محمد بن سيرين : (هل سلم في السهو؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ؛ ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم)، فكلمة: (نبئت) معناه وجود واسطة؛ لأن قول الراوي: نبئت أن فلاناً قال كذا، معناه أن بينه وبينه واسطة وليس بمتصل، فلا يوجد اتصال في ذكر التسليم، لكن التسليم جاء في حديث عمران بن حصين الذي أورده المصنف في آخر الباب فإنه ذكر أنه سجد بعد السلام سجدتين وأنه سلم، فهذا الذي ذكره محمد بن سيرين عن عمران بن حصين جاء عنه بالإسناد المتصل كما سيأتي ذكره.
وأما ما يقال من أنه لا يَنْسَى وإنما يُنَسَّى ليسن، فهذا ورد فيه حديث لكنه لا يصح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والرسول أخبر أنه ينسى كما ينسون، وهو بشر، ولكنه معصوم فيما يبلغ عن الله، وما يحصل منه من خطأ في العبادة نسياناً فإنه لا يقر عليه، بل ينبه.
وفي الحديث دليل على أن الإنسان إذا سلم من صلاته وهو يعتقد إتمامها وهي لم تتم، وحصل كلام حول إتمامها وعدم إتمامها؛ أن ذلك لا يؤثر على الصلاة، بل يعود الإنسان إلى الصلاة ولو حصل هذا الكلام ويبني على ما قد حصل.
وإذا حصل سهو في الصلاة واحتاج المأموم إلى أن ينبه الإمام لأمر سها فيه فلا يتكلم قائلاً: بقي ركعة أو بقي كذا وكذا، وإنما يقول: سبحان الله، فإن تنبه الإمام لذلك وإلا فإنه يأتي بشيء يشعر بالمطلوب كذكر شيء من القرآن، كأن يكون المطلوب ركوعاً فيقول: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] أو سجدة فيقول: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19] ونحو ذلك مما يحصل به التنبيه.
وفي الحديث دليل على ذكر الإنسان بوصفه حيث يكون مشتهراً بذلك، وهذا فيما ليس فيه تنقص أو ذكر شيء لا يرضى به الشخص، فإنه لا يذكر الشخص بشيء يكرهه ولا يرضاه، والرجل كان معروفاً بهذا الوصف وكان يلقب بهذا اللقب ويقال له: ذو اليدين ؛ لأن في يديه طولاً، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: [ (أصدق ذو اليدين؟) ] واسمه: الخرباق ، ولقب بـذي اليدين لأن يديه كان فيهما طول، فدل هذا على أن ذكر الإنسان بما يتميز به إذا لم يكن فيه تنقص جائز.
وفيه: أن سجود السهو يكون بعد السلام إذا كان عن زيادة في الصلاة، والزيادة التي حصلت هنا هي السلام الذي وجد في أثنائها، لأنه لا يقال: إن السهو هنا سببه النقص؛ لأن النقص قد جبر بالركعتين اللتين أتي بهما، ولكن الشيء الذي زاد هو السلام؛ لأنه حصل في الصلاة تسليم في وسطها فكان زيادة، بخلاف النقص الذي يترك مثل التشهد الأول، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قام عنه ودخل في الركعة الثالثة استمر فسجد سجدتين جبراً للنقص، وكان ذلك قبل السلام، ولكنه إذا كان السهو بزيادة فإنه يسجد للسهو بعد السلام.
وسجدتا السهو مثل سجدات الصلاة، لا يقال: إن لهما كيفية خاصة، ولا أن لهما ذكراً خاصاً، وإنما يفعل فيهما ما يفعل في سجود الصلاة، يسبح الله عز وجل ويدعى، وكذلك الجلسة بين السجدتين يدعى فيها ثم بعد ذلك يكون السلام.
والحديث ليس فيه ذكر السلام، إلا أن محمد بن سيرين قال: (نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم ) وهذا الذي قاله محمد بن سيرين أنه بلغه عن عمران بن حصين ثبت بالإسناد المتصل الذي جاء في آخر الباب، وهو يدل على أن الإنسان يسلم من سجود السهو.
قوله: (يعرف في وجهه الغضب) لعل هذا السهو الذي حصل له سببه الغضب؛ لأن الإنسان إذا كان فيه غضب قد يحصل له تشوش وقد يحصل له شيء من السهو.
قوله: (ثم خرج سرعان الناس وهم يقولون: قصرت الصلاة.. قصرت الصلاة).
وهؤلاء الذين خرجوا إذا كان الزمن لم يطل فإنهم يعودون مثلما عاد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإن طال الفصل وحصل وقت طويل فإنها تعاد الصلاة من أولها.
قوله: (وفي الناس أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه).
لعل ذلك بسبب ما رئي في وجهه من الغضب صلى الله عليه وسلم.
قوله: (فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟) في هذا دليل على أنه إذا حصل أمر يتعلق بجماعة وأخبر شخص بخبر حضره الناس، أنه يرجع إلى الناس حتى يتحقق؛ لأنه قد يكون هذا الذي أخبر هو الواهم؛ وهذا خبر ليس مقتصراً عليه؛ بل هو خبر اشترك فيه الناس؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما اكتفى بقول ذي اليدين .
قوله: (فأومئوا: أي نعم ) معناه: أومئوا دون أن يتكلموا.
قوله: (فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه) يعني: إلى مقامه الذي كان يصلي فيه؛ لأنه تبين أن الصلاة غير كاملة، فصلى الركعتين.
وهنا لم يرد ذكر التكبير، ولا أدري هل جاء في رواية أخرى.
ومن المعلوم أنه إذا قام من الركعة الثانية قام بتكبير؛ لكن لو حصل النسيان بعد الركعة الثالثة بأن جلس بعدها وسلم، ثم تبين أنه بقي ركعة، فهنا يقوم بدون تكبير؛ لأن التكبير للانتقال من السجود قد حصل، ومعناه أنه لا يأتي بتكبير آخر؛ لأن التكبير بعد الثالثة يكون عند القيام منها وقد وجد؛ لكن حدث بعده جلوس نسياناً وسهواً.
وعلى هذا يفهم من قوله في الحديث: [ (إنه قام وصلى الركعتين) ] أن هناك تكبيراً؛ لأن القيام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة فيه تكبير، لكن القيام من الركعة الثالثة إلى الركعة الرابعة يكون الإنسان قد كبر عندما قام وجلس، وعليه فلا يعيد التكبير لو حصل السهو في القيام من ثالثة؛ لأن عدد التكبيرات في الصلاة معروف ومحصور.
قوله: (ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر، قال: فقيل لـمحمد : سلم في السهو؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ، ولكن نبئت أن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: ثم سلم).
هذا فيه دليل على أنه لا يوجد تشهد بعد السجدتين، لأنه ما ذكر أنه تشهد، ومعناه أنه يأتي بعد السجدتين بسلام لا يسبقه تشهد؛ لأنه لم يأت ما يدل عليه، والأصل عدمه حتى يثبت.
وقال بعض أهل العلم: إذا جلس بعد السلام يجلس للتشهد ثم يسلم، فيكون التشهد الذي بعد سجدتي السهو مسبوقاً بتشهد، والقول الصحيح أنه لا تشهد.
هو محمد بن عبيد بن حساب وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا حماد بن زيد ].
هو حماد بن زيد بن درهم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد ].
هو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً.
الجواب: حديث ذي اليدين لا يدل على أن خبر الواحد لا يقبل؛ لأنه ورد في أمر قابله اعتقاد ما هو خلافه، وهناك أناس حضروا، ويمكن التحقق من الأمر بحضورهم وسماعهم، فالذي عنده اعتقاد خلاف ما يقول هذا الشخص يجد ما يؤيده من كثرة الناس، فهذا لا يقال: إن فيه دليلاً على أنه لا يحتج بخبر الواحد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتقد بأنه قد أكمل الصلاة؛ وهذا شخص واحد يقول له: إنك سهوت، وهناك ناس حاضرون، فحصل السؤال حتى يتحقق من الأمر.
والأحاديث التي تدل على قبول الخبر الواحد لا تحصى كثرة؛ وليس هذا مجال ذكرها.
وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه كان يتوثق في بعض المسائل، أي: يطلب من الذي يخبره أن يأتي بمن يؤيده ويشهد له، ولا يعني ذلك أنه إذا لم يأت بأحد أنه يرد الخبر؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحدث الحديث في مكان يحضره بعض الناس ويغيب عنه كثير من الناس، وكل يحدث بما سمع؛ ولكن عمر رضي الله عنه كان يريد أن يحتاط، وقد ذهب معاذ بن جبل إلى اليمن لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بالدعوة إلى الله وأن يعلم الناس دينهم، وقامت الحجة عليهم بتعليم معاذ ، ولم يقل أهل اليمن لـمعاذ : إننا لا نقبل كلامك حتى يأتي عدد كبير.
وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل رسولاً واحداً يعلم الناس ويفقههم في الدين، وكان يتعين عليهم قبول خبره، والعمل بما يعلمهم إياه.
الجواب: الأصل أنه يفيد العلم، وتقوم به الحجة، وكونه يفيد الظن، هذا هو الذي جعل كثيراً من الناس لا يقبلون خبر الواحد وخاصة فيما يتعلق بالعقائد؛ لأنهم يقولون: إنه ليس حجة في العقائد؛ لأنه يفيد الظن.
ومن المعلوم أن معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسل إلى اليمن كان يعلمهم العقيدة ويعلمهم التوحيد ويعلمهم الأصول والفروع.
الجواب: أخوك لأمك زوجته أجنبية بالنسبة لأبيك؛ لأنه ليس من أولاده، فلا يدخل في قوله: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] ؛ لأنه ليس ابناً له.
الجواب: إذا كانت الخلوة موجودة، وكان قد اختلى بها وتمكن منها وأغلق الباب عليهما، سواء فعل الجماع أو لم يفعل؛ فإن لها الصداق كاملاً وعليها العدة أيضاً، وله الحق في أن يراجعها.
الجواب: زوج أم الزوج ليس محرماً للزوجة.
الجواب: الأولى هو الجلوس؛ لأن التسبيح والذكر يؤتى به قبل النوافل، وليس محله بعد النوافل، وهذه الصلاة التي هي صلاة الجنازة طارئة تفوت، فلا يشتغل بالتسبيح عنها؛ لأنها ليست بيده، وأما النافلة فهي بيده، فلا يقدم النافلة على الذكر الذي يكون بعد الصلاة؛ لأنه تابع للصلاة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر