باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة.
حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها. قال
أورد أبو داود رحمه الله عدة أبواب تتعلق بتفريع أبواب الجمعة، وقد أورد في الباب الأول ما يتعلق بفضل يوم الجمعة وليلة الجمعة.
يوم الجمعة هو خير أيام الأسبوع، وهو أفضل أيام الأسبوع، وهو يوم عيد أسبوعي للمسلمين، وقد جاء في صحيح البخاري عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: أنه خطب الناس يوم عيد أضحى وكان يوم الجمعة فقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، يعني: عيد الأسبوع وعيد السنة، فأطلق العيد على الجمعة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن صومه منفرداً، فقد دخل على جويرية أم المؤمنين وهي صائمة يوم الجمعة فقال لها: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري).
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على فضله منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [ (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة) ] أي: فهو خير أيام الأسبوع وأفضلها.
ثم ذكر جملة من الأمور التي حصلت فيه فقال: [ (فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة) ] فهذه خمسة أمور ذكرها، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقرأ في فجر الجمعة (آلم) السجدة وهَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ [الإنسان:1]؛ لأنهما مشتملتان على البعث والنشور وعلى نهاية الدنيا، فيكون في ذلك تذكير للناس بالأمور التي تحصل في ذلك اليوم.
ولا يقال: إن الساعة ستقوم في يوم آخر، فمنذ ثلاثين سنة أو نحوها جاءت الأخبار في الإذاعات والصحف عن امرأة رأت رؤيا أن الساعة ستقوم يوم الأحد، وخاف الناس في أماكن متعددة من ذلك، ولكن من يعرف الحكم الشرعي، ويعرف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أن هذا لا حقيقة له ولا أصل؛ لأن الساعة لا تقوم إلا يوم الجمعة.
قوله: [ (وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة) ].
أي: مصغية تخشى أن تقوم الساعة، فقد ألهمها الله عز وجل ذلك، ولا يحصل ذلك للجن والإنس؛ لأنهم مكلفون وشاء الله عز وجل أن يحصل للبهائم ما لا يحصل لهم، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: أن عذاب القبر تسمعه البهائم؛ حتى تظهر حكمة التشريع وحكمة الإيمان بالغيب؛ لأنه لو ظهر الغيب للناس علانية لم يتميز أولياء الله من أعدائه الله، ومن يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن به.
ثم هذا الحديث يدلنا على أن الساعة تقوم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ لأنه قال: [ (من حين تصبح إلى أن تطلع الشمس) ].
قوله: [ (وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها) ].
أي: أن من فضائل يوم الجمعة وخصائصه: أن فيه ساعة للإجابة لا يوافقها عبد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله حاجته.
قوله: [ (قال
أي: هذه الساعة تكون في كل أسبوع لا أنها مرة في السنة.
فنظر كعب في التوراة فوجد أنها تكون في كل جمعة، وأن ذلك مثلما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [ (صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].
وقد يقال: كيف يكون هذا الأمر من كعب ، حيث أنه لم يقل: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد الرجوع إلى التوراة؟
والجواب: أنه فهم من الحديث أنه يوم في السنة، فراجعه أبو هريرة ، فراجع التوراة فوجدها مطابقة لفهم أبي هريرة ، فقال: [ (صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].
قوله: [ (قال
ثم إن أبا هريرة رضي الله عنه لقي عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وكان من اليهود ثم مَنَّ الله عليه بالإسلام وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه، فأخبره أبو هريرة بالذي جرى بينه وبين كعب فقال: [ (قد علمت أية ساعة هي؟) ] أي: إني أعرف وقتها، ثم ذكرها أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.
فعندما قال عبد الله بن سلام لـأبي هريرة : [ (هي آخر ساعة من يوم الجمعة) ] قال: كيف تكون آخر ساعة يوم الجمعة والرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يوافقها عبد يصلي يسأل الله، وهذا ليس وقتاً للصلاة؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، فكيف يصلي الإنسان ذلك الوقت؟ فقال: [ (ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة) ] ومعناه: أن الذي ينتظر الصلاة هو مصل حكماً وإن لم يكن يصلي فعلاً.
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد بن عبد الله بن الهاد ].
يزيد بن عبد الله بن الهاد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن إبراهيم ].
هو محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن من خير أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن أجساد الأنبياء).
هذا الحديث يدل على فضل يوم الجمعة، وأنه من خير الأيام، وقد مر في الحديث السابق أنه خير يوم طلعت عليه الشمس، فهو خير أيام الأسبوع، وهو عيد أسبوعي للمسلمين، كما ذكر أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما خطب الناس يوم عيد الأضحى وكان يوم جمعة، فقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، يريد بذلك عيد السنة وعيد الأسبوع، فأطلق على يوم الجمعة أنه عيد، فهو عيد للمسلمين.
قوله: [ (فيه خلق آدم، وفيه قبض) ] يعني: فيه خلق وفيه مات، فبداية حياته ونهاية حياته كانت في يوم الجمعة.
قوله: [ (وفيه النفخة وفيه الصعقة) ].
الصعقة هي التي يموت بها من كان حياً في نهاية الدنيا؛ لأن من سبق له الموت فقد مات، ومن كان موجوداً على قيد الحياة عند قيام الساعة فإنه يموت بتلك الصعقة.
والنفخة: هي التي تكون بالصور، ويكون بعدها خروج الناس من قبورهم وانتقالهم من الحياة البرزخية إلى الحياة الأخروية، والحياة البرزخية هي تابعة للآخرة؛ لأن الحياة حياتان: دنيا وآخرة، والدنيا نهايتها الموت، والآخرة بدايتها الموت، ومن مات فقد قامت قيامته.
قوله: [ (فأكثروا من الصلاة علي فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي) ] أرشد عليه الصلاة والسلام المسلمين إلى أن يكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم وليلته؛ وذلك لأن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام من حقه على أمته أن يكثروا من الصلاة عليه ويسلموا تسليماً كما أمرهم الله عز وجل بذلك في كتابه العزيز، وقد أخبر الله عن نفسه وملائكته أنهم يصلون على النبي، وأمر المؤمنين بأن يصلوا ويسلموا عليه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، فالصلاة عليه من حقه على أمته عليه الصلاة والسلام، فقد أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، وهداهم به إلى الصراط المستقيم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وصلاة الله على نبيه أحسن ما قيل في معناها: ثناؤه عليه عند الملائكة، وتعظيمه في الملأ الأعلى، فكون المسلم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فهو يسأل الله أن يثني عليه عند الملائكة، وأن يعظمه في الملأ الأعلى، وأن يرفع من قدره، ويعلي من شأنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [ (فإن صلاتكم معروضة علي) ]، هذا يدلنا على أن الصلاة تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا لا يكون مختصاً بيوم الجمعة فقد جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن لله ملائكة سياحين تبلغني عن أمتي السلام)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) أي: بواسطة الملائكة، ولكن نص على هذا اليوم لخصوصيته، فلا ينافي ذلك ما جاء في الأحاديث الأخرى من أن الصلاة تعرض عليه في كل وقت وحين كما جاء ذلك في الأحاديث التي أشرت إليها.
وفي الحديث أنهم قالوا: (وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليت)، وكانوا يعلمون أن الأرض تأكل الأجساد، ولا يعلمون استثناء شيء من ذلك، والله عز وجل في كتابه العزيز يقول: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4] يعني: ما تأكل الأرض منها، وما يختلط بالتراب من أجسادهم، فأخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنهم باقون في قبورهم على الهيئة التي وضعوا عليها لا تأكلهم الأرض، بل أجسادهم باقية، وهم أحياء في قبورهم حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء التي قال الله عز وجل فيها: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، فأخبر عن الشهداء بأنهم أحياء، ورسل الله الكرام هم أكمل حياة من الشهداء، والحياة البرزخية لا يختص بها الأنبياء ولا الشهداء، بل هي ثابتة لكل من يموت، فكل من يموت في نعيم أو عذاب، فيصل إلى جسده وروحه من النعيم أو العذاب ما يستحقه، وحتى لو أن الأرض أكلت لحوم البشر من غير الأنبياء فإن العذاب يصل إلى من يستحقه، والنعيم يصل إلى من يستحقه، ولا تلازم بين كون الأرض تأكله وبين كونه لا يصل إليه النعيم أو العذاب؛ لأن حياة البرزخ من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، ولهذا لو فتح الناس القبور ما رأوا جنة ولا ناراً، والجنة أو النار موجودة، قال عليه الصلاة والسلام: (يفتح للمؤمن باباً إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها)، وذكر أنه يفتح للكافر باباً إلى النار فيأتيه من سمومها وحرها، ولو فتح الناس القبور ما وجدوا نعيماً ولا عذاباً، ولكن المؤمن يؤمن بالغيب وإن لم يشاهده ويعانيه، ويعتقد أن كل ما أخبر الله تعالى به حق، وكل ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم حق، والنبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الصحيح: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، فقد أطلع الله نبيه على ما يجري في القبور من العذاب، فكان يسمع مما يحصل في القبور من العذاب، وغيره من الناس لا يسمعون، والله على كل شيء قدير، فقد حجب هذه الأصوات التي تكون في القبور عن أن تصل إلى الجن والإنس، وشاء أن تصل إلى سمع نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، بل الحيوانات والدواب تسمع ما يجري في القبور من العذاب؛ لأنها غير مكلفة، ولما كان الجن والإنس مكلفين أخفى الله تعالى عليهم ذلك؛ حتى يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن؛ لأنه لو كان الغيب علانية وشهادة ما تميز من يؤمن بالغيب ممن لا يؤمن به.
فهذا الحديث دليل على أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنهم أحياء في قبورهم حياة برزخية تختلف عن حياة الدنيا، وتختلف عن الحياة الآخرة بعد البعث والنشور، فلا يقال: إن حياتهم في قبورهم كحياتهم في الدنيا، بل حياتهم في البرزخ تختلف عن حياتهم في الدنيا، وتختلف عن حياتهم بعد البعث والنشور، والمؤمن يصدق بكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بكل ما أخبر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما الشهداء لم يأتي دليل على أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، لكن جاء أن بعض الشهداء نبش قبره بعد مدة لأمر اقتضى ذلك فوجدوه كما كان، وهو عبد الله بن حرام والد جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، فقد استشهد يوم أحد، ثم قرب السيل من قبره حتى كاد أن يجترفه، فنبش ونقلوه من مكانه حتى لا يجترفه، فوجدوه كما كان، لكن هذا لا يدل على أنه يبقى على هذه الهيئة إلى يوم البعث والنشور؛ لأن هذا مما لم تأت فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في حق الأنبياء، فالأنبياء جاء في حقهم هذا الحديث، والشهداء جاءت في حقهم تلك الآية، والحياة البرزخية تكون للشهداء ولسائر الناس، لكن الشهداء يكونون أكمل؛ لأن الله نص عليه في حق الشهداء، وقد جاء في الحديث: (إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق من شجر الجنة)، وجاء في حق المؤمنين عموماً حديث: (نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة) يعني: على شكل طائر يعلق في الجنة، والحياة البرزخية ثابتة للجميع، ولكن نجزم بأن الأرض لا تأكل أحداً بعينه إلا الأنبياء، أما غيرهم فما جاء دليل يدل على أن الأرض لا تأكل أجسادهم.
هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا حسين بن علي ].
هو حسين بن علي الجعفي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
جابر الجعفي ، قال عنه عون في المعبود: ليس له عند أبي داود ولا عند النسائي إلا هذا الحديث، والحديث لم أجده في سنن النسائي الصغرى، فلا أدري هل هو في الكبرى أم لا؟ والحافظ ابن حجر لم يذكره من رجاله، والنسائي قد قال فيه: متروك، والنسائي رحمه الله عليه قال عن شخص: متروك وروى له، ذكر ذلك الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، قال الذهبي : وهذا عجيب! أن يقول: متروك ثم يروي عنه، وهذه إحدى الفوائد التي ذكرتها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى ورقمها (421).
[ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ].
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الأشعث الصنعاني ].
أبو الأشعث هو شراحيل بن آده وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أوس بن أوس ].
أوس بن أوس رضي الله عنه صحابي أخرج حديث أصحاب السنن.
والترجمة هي: باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، والحديثان ليس فيهما تعرض لذكر الليل، ولا أدري هل جاء في بعض روايات الحديث يوم الجمعة وليلة الجمعة؟ وأظن ورود هذا، وأحياناً قد يذكر اليوم وتكون الليلة تبعاً له.
حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - أن الجلاح مولى عبد العزيز حدثه أن أبا سلمة -يعني: ابن عبد الرحمن - حدثه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يوم الجمعة ثنتا عشرة -يريد ساعة- لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً إلا آتاه الله عز وجل، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة؟] يعني: من ساعات يوم الجمعة، وسبق أن مر حديث: (وفيه ساعة لا يوافقها عبد قائم يصلي لله عز وجل يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه) فأية ساعة هذه من ساعات يوم الجمعة؟ فالمراد تعيين وقت هذه الساعة التي هي ساعة الإجابة.
قوله: [ (لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً) ] يعني: في ساعة من ذلك اليوم كما يشير إليه آخر الحديث حيث قال: (فالتمسوها)، فليس المقصود أن كل اليوم هو ساعة إجابة، وإنما ساعة من اثني عشرة ساعة، وقوله: (فالتمسوها في آخر ساعة يوم الجمعة) يدل على أن ساعة الإجابة أرجاها وأولاها الساعة الأخيرة لدلالة هذا الحديث عليها، وقد مرت الإشارة إليه في حديث أبي هريرة عند كلام عبد الله بن سلام له لما أخبره بالذي جرى بينه وبين كعب الأحبار ، وقال عبد الله بن سلام : إني أعلم أية ساعة هي، وأخبره بها، فحديث جابر يدل على أنها آخر ساعة في يوم الجمعة، وهذا أقوى وأصح ما قيل فيها.
وقوله: (ثنتا عشرة ساعة) يدل على أن النهار مقداره ثنتا عشرة ساعة، ومعلوم أن النهار في اصطلاح الشرع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وليس من طلوع الشمس إلى غروبها؛ ولهذا فإن صيام الأيام إنما يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والليل أيضاً ثنتا عشرة ساعة، لكن الساعات ليست مستقرة ثابتة على طول الأيام، وإنما تزيد وتنقص بطول اليوم وقصره، فمعنى هذا: أن الوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يقسم إلى اثني اثنا عشر جزءاً، وجزء من هذه الاثنا عشر هو مقدار الساعة التي جاء ذكرها في هذا الحديث، فليست الساعة شيئاً ثابتاً في كل أيام السنة كما اصطلح عليه الناس في هذا الزمان، حيث يجعلون الليل والنهار أربعاً وعشرين ساعة، ولكن أحياناً يصير النهار تسع ساعات والليل خمس عشرة ساعة، وأحياناً يكون العكس، فيجعلون مجموع اليوم أربعاً وعشرين ساعة، ولا يكون الليل له نصفها والنهار له نصفها، بل هذا على حسب طول الزمان وقصره، لكن في هذا الحديث: (النهار اثنتا عشرة ساعة) سواءً في الشتاء أو الصيف، سواء طال النهار أو النهار، فتقسم اليوم في كل وقت على اثنتي عشرة ساعة، فتنقص الساعة وتزيد، وبالتوزيع عليهما يختلف مقدار الساعة من وقت لآخر، فمقدار الساعة في الصيف حيث يطول النهار أطول من الساعة في الشتاء حيث يقصر النهار.
وقد كان النهار عند العرب اثنتا عشرة ساعة، والليل اثنتا عشرة ساعة، وقد ذكر ذلك الثعالبي في كتابه: فقه اللغة، فذكر ساعات الليل وساعات النهار وأسماءها، ولكن في تسميتها عندهم ما يدل على أن النهار يبدأ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها، ولكن في اصطلاح الشرع النهار يبدأ بطلوع الفجر، ولهذا سبق أن مر بنا من فقه أبي داود أنه ذكر عند غسل الجمعة أن الإنسان إذا كان عليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة أجزأه عن غسل الجمعة؛ لأن اليوم يبدأ بطلوع الفجر.
فعلى هذا تكون ساعة الإجابة آخر جزء من اثنتي عشر جزءاً، وقد تطول في الصيف وتقصر في الشتاء على حسب توزيع مجمل الساعات.
هو أحمد بن صالح المصري وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - ].
عمرو بن الحارث المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الجلاح مولى عبد العزيز ].
الجلاح مولى عبد العزيز صدوق أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ].
أبو سلمة بن عبد الرحمن مر ذكره.
[ عن جابر ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو داود : يعني: على المنبر ].
أورد أبو داود رحمه الله حديثاً آخر عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه يتعلق ببيان ساعة الإجابة التي في يوم الجمعة، وفيه: أنها ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، أي: من حين يصعد الخطيب على المنبر ويجلس في انتظار الفراغ من الأذان إلى أن تقضى الصلاة.
هذا الحديث الذي جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما انتقده الدارقطني على مسلم ، وقد قال العلماء: الصحيح أنه موقوف وليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس من قوله صلى الله عليه وسلم وإنما قاله الصحابي أو ابنه اجتهاداً، ولعل ذلك لكون هذا الوقت هو وقت صلاة الجمعة وخطبة الجمعة والإنصات لها، حتى أن الإنسان إذا مس الحصى فقد لغا، ولا يقول لأحد: اسكت، فلعله فهم أن هذا الوقت هو وقت ساعة الإجابة، لكن الحديث موقوف وليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيكون أقوى الأقوال في هذه الساعة أنها آخر ساعة، فيحرص الإنسان فيها على الدعاء والاستغفار ففي ذلك خير كثير، وكذلك حينما يؤمن على دعاء الخطيب ففي ذلك خير أيضاً، ولكن أقوى وأقرب ما قيل في تحديد ساعة الإجابة أنها آخر ساعة بعد العصر كما مر في حديث جابر المتقدم.
هو مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج المصري وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي ، وأبوه هو بكير بن عبد الله بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ].
أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو موسى هو عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت؛ غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [فضل الجمعة]؛ لأن الترجمة السابقة تتعلق بفضل يوم الجمعة، وأما هذه ففي فضل حضور وشهود صلاة الجمعة، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت)يعني: ذهب إلى المسجد واستمع وأنصت للخطبة، ولم يتشاغل عنها بأي شيء (غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام) وذلك على اعتبار أن الحسنة بعشر أمثالها.
قوله: (ومن مس الحصى فقد لغا) يعني: من تشاغل بأي شيء عن الخطبة ولو كان بلمس الحصى فإنه يكون قد لغا، أي: أتى بشيء لغو لا يصلح ولا يليق؛ لأنه تشاغل عن الخطبة، وهذا يدلنا على عظم شأن الخطبة، والاهتمام بها، والإقبال عليها، والإصغاء لسماعها، والإنصات لها، فينبغي للحاضر أن يتأمل الخطبة ويعرف ما اشتملت عليه، ويعتبر ويتعظ ويستفيد.
وتغيير الجلسة ليس من هذا؛ لأن الإنسان قد يحتاج إلى تغيير الجلسة، أما أن يتشاغل عن الخطبة بثيابه وبملابسه فهو شبيه بالذي يعبث بالحصى؛ لأن التشاغل موجود.
والإنسان إذا هجم عليه النوم فهو معذور، لكن كونه لا يبالي بالنوم، وما عنده مانع من أن يأتي له النوم، والأمر عنده سيان، فهذا لا شك أنه مقصر ومفرط، لكن الإنسان الحريص على أن يسمع خطبة الجمعة، ولكن إن أصابه نعاس، أو خفقان وهو جالس، فنرجو أن ذلك لا يؤثر.
هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن أبي معاوية ].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش ].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي صالح ].
هو ذكوان السمان المدني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة مر ذكره.
قال أبو داود رواه الوليد بن مسلم عن ابن جابر ، قال: بالربائث، وقال: مولى امرأته أم عثمان بن عطاء ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه خطب الناس على منبر الكوفة وقال: (إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق، فيرمون الناس الترابيث أو بالربائث)، شك الراوي، قيل: المقصود أنهم يثبطونهم، ويلقون في أنفسهم التباطؤ والكسل عن الذهاب إلى الجمعة، ويحثونهم على الاستمرار فيما هم فيه من الاشتغال بالبيع والشراء، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها) فالأسواق هي محل اللغط ومحل حضور الشياطين، وهذا الحديث يفيد أنهم يخرجون بالرايات إلى الأسواق لتثبيط الناس، ولمنعهم من أن يستعدوا للصلاة، ويريدون منهم أن يبقوا فيما هم فيه من العمل الدنيوي، وأن يفرطوا ويقصروا في هذا العمل الأخروي من الذهاب والتبكير إلى الجمعة.
قوله: [ (وتغدو الملائكة فيجلسون على أبواب المسجد، فيكتبون الرجل من ساعة، والرجل من ساعتين، حتى يخرج الإمام) يعني: يكتبون من يأتي ووقت مجيئه، فيكتبون الرجل الذي جاء قبل ساعة، والذي جاء قبل ساعتين، والذي جاء قبل أكثر أو أقل حتى يخرج الإمام.
قوله: [ (فإذا جلس الرجل مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغ؛ كان له كفلان من أجر) ] فإذا جلس مجلساً في المسجد، بأن جاء مبكراً، وكان قريباً من الإمام، وصار يسمع ويرى الإمام، واستمع وأنصت؛ فإنه يكتب له نصيبان من الأجر، وإن كان في مكان نائي، وجلس بحيث لا يسمع فأنصت ولم يلغ كان له كفل من أجر يعني: نصيب من أجل إنصاته وعدم اشتغاله بشيء يشغل عن انتظار الصلاة.
قوله: [ (ومن جلس مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفل من الوزر) ] يعني: عليه إثم؛ لأنه تمكن من الاستماع ومع ذلك لم يستمع وحصل منه اللغو.
قوله: [ (ومن قال يوم الجمعة لصاحبه: صه فقد لغا) ] صه يعني: اسكت، وهذا معناه: أنه إذا أمر بمعروف فإنه يعتبر لغواً، فغيره من باب أولى، والمطلوب عدم حصول أي شيء يشغل عن الإقبال على الخطبة والاستماع والإنصات لها.
قوله: [ (ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء) ] أي: تلك التي لغا فيها.
قوله: [ ثم يقول في آخر ذلك سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ] يعني: هذا الكلام الذي قاله على المنبر، فهذا الحديث يعتبر مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن في إسناده من لا يحتج به، فهو حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (فليس له في جمعته تلك شيء) لا يعني أن جمعته باطلة، وأنه يعيد صلاة ظهر، ولكنه لا يحصل له أجر الجمعة، وقد برئت ذمته، وأدى الصلاة، ولكنه ما حصل أجرها، مثل الأحاديث التي فيها لا يقبل الله صلاة كذا، فالمعنى برئت ذمته، ولكنه ما حصل على الأجر، مثل الحديث الذي فيه: (من أتى كاهناً فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) فالمعنى أنه حرم أجر هذه الصلوات مع أنه أداها، ولا يقال: يعيدها ويقضيها، وهذا من جنسه.
إبراهيم بن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا عيسى ].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السييعي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ].
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني عطاء الخراساني ].
عطاء الخراساني صدوق يهم كثيراً، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن مولى امرأته أم عثمان ].
وهو مجهول أخرج له أبو داود .
[ عن علي ].
هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو داود : رواه الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال: بالربائث ].
يعني: أنه لم يشك؛ لأن الرواية السابقة فيها: الربائث والترابيث، وهنا الوليد بن مسلم رواه عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الذي مر في الإسناد، وقال: الربائث بدون شك.
وقوله: أم عثمان بن عطاء هو عطاء الخراساني .
الجواب: كل تشاغل عن الخطبة بشرب ماء أو غيره يدخل في اللغو، لكن الطواف شيء آخر، وينبغي للناس أن يسمعوا الخطبة، لكن الذي يطوف دخل في عبادة فيريد أن يكملها، ولكن كونهم يسمعون الخطبة ويقطعون الطواف هذا هو المطلوب.
الجواب: الكلام في أمور الغيب لا يقبل إلا بدليل، والمؤمنون ينعمون في القبور، ويأتيهم من نعيم الجنة، كما أن المعذبين يأتيهم من عذاب النار، وأما حياة الأنبياء في قبورهم فهي حياة برزخية، وكونهم يتعبدون لا يثبت منه إلا في حدود ما ورد، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به مر بقبر موسى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره.
الجواب: الظاهر أن الذي جاء إلى المكتبة ليبحث فيها مثل الذي ذهب إلى المكتبات الأخرى في غير الحرم ليبحث؛ لأنه مشتغل بالبحث، فليس هو مثل الذي جاء للصف الأول أو الذي يليه، وجلس يذكر الله عز وجل، فالذي يشتغل ببحث هو من جنس الذي يبحث في المكتبات الأخرى، وليس مثل الذي جاء مبكراً من أجل الصلاة، بل جاء مبكراً من أجل البحث.
الجواب: الكلام الذي يشغل الناس ويوشوش عليهم في الخطبة مفسدة، والإشارة ما جاء ما يدل على المنع منها، فإذا أشار إشارة ليسكت المتكلم من أجل أن يتمكن الناس من سماع الخطبة، فالظاهر أن هذا لا مانع منه؛ لأن هذه الإشارة ألجأت إليها الضرورة، وهي من أجل التمكن من الاستماع إلى الخطبة، فلا بأس بهذه الإشارة إن شاء الله.
الجواب: لا يوجد دليل يدل على هذا، وسماع الأموات لا يثبت منه إلا في حدود ما ورد؛ لأن هذه من الأمور الغيبية التي لا يتكلم فيها إلا بدليل.
الجواب: إذا كان المقصود أن الإنسان عنده نية فيها شيء من الرياء أو ملاحظة الناس ومراعاتهم؛ فالإنسان يعمل على الإخلاص لله عز وجل، وعلى أن يبعد عن نفسه كل ما يكون سبباً في التأثير في إخلاصه لله عز وجل، مثل كونه يحب الثناء من الناس والمدح أو يرائيهم من أجل أن يحصل دنيا أو ما إلى ذلك من الأمور، فعليه أن يبعد نفسه ولا يجعل هذه الأمور تخطر له على بال، ويجعل أعماله خالصة لوجه لله عز وجل، ولا يقصد بها المدح أو الثناء أو العطاء أو ما إلى ذلك، وابن القيم رحمة الله عليه له كلام جميل في الفوائد، وأنا نقلته في الفوائد المنتقاة تحت عنوان: كلمات ذات عبر وعظات، يقول: لا يجتمع الإخلاص ومحبة المدح والثناء في قلب المؤمن إلا كما يجتمع الضب والنون يعني: حيوان البحر مع حيوان البر، واجتماعهما لا يكون؛ لأن حيوان البحر إذا خرج منه مات، وحيوان البر إذا دخل البحر مات، فاجتماعهما لا يكون، ثم قال: فإذا رغبت في الإخلاص فأقبل على الطمع فيما عند الناس واذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء وازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد سهل عليك الإخلاص.
فإن قلت: وأي شيء يسهل علي الإخلاص؟
فالجواب: أن تعلم أن كل مدح أو ثناء فالله عز وجل هو الذي مدحه يفيد، وقد روي في حديث -لا أدري من صحته- أن رجلاً قال: إن مدحي زين، وذمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك الله عز وجل).
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته عليه)، لكن هذا بالاعتدال والتوسط، وليس بالإسراف، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67].
الجواب: ليس هذا صحيحاً، وكيف يقال: ليس للخطيب أن يدعو يوم الجمعة؟! هل يعظ الناس فقط ثم ينزل؟! أليس الخطيب حتى في الخطب العادية إذا انتهى قال: أستغفر الله لي ولكم؟!
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر