حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب ويونس وحبيب ويحيى بن عتيق وهشام في آخرين عن محمد أن أم عطية رضي الله عنها قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج ذوات الخدور يوم العيد، قيل: فالحيض؟ قال: ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، قال: فقالت امرأة: يا رسول الله! إن لم يكن لإحداهن ثوب كيف تصنع؟ قال: تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب خروج النساء في العيد ]، أي: استحباب ذلك، وترغيبهن في ذلك، وذلك لحضور الصلاة ودعوة المسلمين، والنساء اللاتي ليس عليهن الحيض يشاركن في الصلاة، والحيض يكبرن ويسمعن الذكر والخطبة، ولكنهن يعتزلن المصلى بحيث لا يكنَّ مع المصليات، وإنما يكن راءهن منعزلات عنهن، فيسمعن الخطبة ويكبرن فيذكرن الله عز وجل.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أم عطية وهي نسيبة بنت الحارث رضي الله تعالى عنها أنها قالت: [ (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج ذوات الخدور) ] أي: في العيد، وذوات الخدور هن الفتيات اللاتي لم يتزوجن، والخدور هي أماكن مخصصة في البيوت، والمراد أن المخبأة التي في الخدر التي هي قليلة الخروج من المنزل؛ تذهب لصلاة العيد، وكذلك الحيض، وهن المتلبسات بالحيض، فالبالغات يصلين، والمتلبسات بالحيض يسمعن الخطبة، ويكبرن الله عز وجل، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، وهذا يدلنا على تأكد صلاة العيد، ومن أهل العلم من قال: هي فرض عين على الرجال، والنساء يرغبن فيها حتى ذوات الخدور والحيض، وبعضهم قال: إنها سنة مؤكدة، وبعضهم قال: إنها فرض كفاية، ولا شك في أن الأمر بإخراج ذوات الخدور والمخبآت والصغيرات اللاتي بلغن أو قاربن البلوغ يدلنا على تأكد هذه الصلاة وأهميتها، وقد سبق أن من حضر صلاة العيد يوم الجمعة يمكنه أن يتخلف عن صلاة الجمعة، وأنه يغنيه ويكفيه حضوره العيد، ولا يلزمه أن يحضر الجمعة، ويكون معذوراً في حضورها، وهذا يدلنا على أهمية حضور صلاة العيد، وعلى الحرص على الإتيان بها، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج ذوات الخدور والحيض ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، وليكون لهن نصيب من ذلك الخير ومن هذه الدعوة.
قولها: [ (فقالت امرأة: يا رسول الله! أرأيت إن لم يكن لإحدانا ثوب؟ قال: تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها) ] هذا مما يدل على تأكد الذهاب إلى صلاة العيد، وعدم التخلف عنها، وأن المرأة إذا لم يكن معها ثوب فإن أختها أو قريبتها تعيرها شيئاً من ثيابها حتى تذهب بها، وحتى تحضر هذه الدعوة وتحضر هذا الخير.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وإذا جاء موسى بن إسماعيل يروي عن حماد ، وحماد غير منسوب فالمراد به حماد بن سلمة بن دينار.
[ عن أيوب ].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ويونس ].
يونس هو ابن عبيد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وحبيب ].
هو حبيب بن الشهيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ويحيى بن عتيق ].
يحيى بن عتيق ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[ وهشام ].
هو هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ في آخرين ].
يعني أنه ذكر هذا العدد من الرواة، وهناك غيرهم، ولكنه اقتصر على هذا العدد، وهؤلاء كلهم يروي عنهم حماد، وهم يروون عن ابن سيرين.
[ عن محمد ].
هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أم عطية ].
أم عطية هي نسيبة بنت الحارث رضي الله تعالى عنها، وهي مشهورة بكنيتها أم عطية ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث أم عطية رضي الله عنها من طريق آخر، وفيه: [ (ويعتزل الحيض مصلى المسلمين) ] أي: المتلبسات بالحيض، واللاتي عليهن الحيض؛ لأن الحائض تطلق على البالغة، وعلى التي عليها الحيض، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) يعني: البالغة؛ لأنها قد بلغت سن المحيض، ويطلق على المتلبسة بالحيض.
فالحيض المتلبسات بالحيض يذهبن إلى المصلى في صلاة العيد، ولكن يعتزلن مصلى المسلمين، ولا تكون الحيض مع النساء الطاهرات اللاتي يصلين، وإنما يتأخرن عنهن، وذلك حتى لا يحصل التلويث للمكان الذي يصلى فيه، وأيضاً من أجل عدم حصول الرائحة التي تكون بسبب الحيض، فتعتزل الحيض المصلى، ولكنهن يشهدن الخير، ويكبرن، ويشهدن دعوة المسلمين، ويكون لهن نصيب في الخير ونصيب في الأجر.
محمد بن عبيد هو ابن حساب، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن زيد ، وإذا جاء محمد بن عبيد يروي عن حماد فالمراد به ابن زيد ، وهو أحياناً ينسبه وأحياناً لا ينسبه، وحماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أيوب عن محمد عن أم عطية ].
مر ذكر الثلاثة في الإسناد السابق.
قوله: [ وحدث عن حفصة عن امرأة تحدثه عن امرأة أخرى أنها قالت: (قيل: يا رسول الله) فذكر بعد حديث موسى في الثوب ].
يعني: روى حماد بن زيد عن أيوب عن حفصة عن امرأة حدثته عن امرأة أخرى، وفيها ذكر الثوب كما جاء في رواية موسى بن إسماعيل المتقدمة.
وحفصة هي بنت سيرين، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة، وهي تروي عن امرأة، وتلك المرأة غير معروفة، ثم تلك المرأة تروي عن أختها، وكانت مع زوجها خرجا للجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تداوي المرضى، وقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة إذا لم يكن يوم العيد لها ثوب فقال: تلبسها صاحبتها، ثم إن حفصة بنت سيرين لقيت أم عطية فأخبرتها بالذي سمعته من تلك المرأة فصدقت ذلك، وهو مطابق لما تقدم عن أم عطية في رواية موسى بن إسماعيل.
أورد أبو داود حديث أم عطية من طريق أخرى، وفيه [ قالت: (كنا نؤمر) بهذا الخبر ] يعني: بالكلام المتقدم الذي مر، وقالت: [ والحيض يكن خلف الناس يكبرن مع الناس ]، أي: خلف النساء يعتزلن المصلى، ولا يكن مع النساء الطاهرات، وإنما يكن خلفهن، ويكبرن مع الناس، والذكر لا تمنع منه الحائض، فهي تكبر وتذكر الله عز وجل، ولا بأس بذلك، وهذا يدلنا على أن الناس يكبرون في العيد، ويشرع التكبير عند الذهاب إلى مصلى العيد، وقبل صلاة العيد، وقولها: [ يكبرن مع الناس ] يدل على حصول التكبير، وأنه يكون من الرجال والنساء، ولكن النساء لا يرفعن أصواتهن بالتكبير كما يرفع الرجال، كما أنهن يلبين بالتلبية ولكن لا يرفعن أصواتهن كما يفعل الرجال.
والمصلى مكان مكشوف، والمقصود من ذلك أنهن إذا ذهبن لا يكن مع الطاهرات؛ لأن وجودهن مع الطاهرات قد يلوث المكان، وأيضاً تشم منهن الرائحة غير الطيبة، وإلا فإن المصلى مكان مكشوف يمر به الحيض وغير الحيض، وليس له حكم المسجد لكن جلوس الحيض فيه مع النساء الطاهرات قد يحصل به التلويث وشم الرائحة غير الطيبة.
هو عبد الله بن محمد النفيلي، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا زهير ].
هو زهير بن معاوية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عاصم الأحول ].
هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأحول لقبه.
[ عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية ].
مر ذكرهما.
أورد أبو داود حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، وأرسل إليهن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وأنه قام على الباب وسلم عليهن، ورددن عليه السلام، فقال: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن، وأمرنا بالعيد أن نخرج فيهن الحيض والعتق.
والحيض هن البالغات أو المتلبسات بالحيض؛ لأن الحيض يشمل هذا وهذا، فيقال للتي بلغت سن المحيض: حائض، ومنه حديث: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) يعني: التي بلغت سن المحيض، والتي صارت مكلفة، وكذلك -أيضاً- يطلق على المتلبسة بالحيض، فالنساء يخرجن كلهن، والطاهرات يصلين، وغير الطاهرات يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى.
والعتق: جمع عاتق، قيل: هي التي قاربت البلوغ أو التي قد بلغت بالفعل، ويقال لها: عاتق لأنها عتقت عن أن تمتهن وأن تستخدم لكونها تجاوزت حد الصغر الذي يكون معه الامتهان والتكليف بالأعمال التي يستخدم فيها الصغير.
قولها: [ ولا جمعة علينا ] أي: النساء ليس عليهن جمعة، وهذا بإجماع العلماء، وسبق أن مر بنا الحديث الذي في باب الجمعة للملوك والمرأة، وأنه لا جمعة عليهن، وقد سبق أن الإجماع انعقد على أنه لا يجب على النساء جمعة، ولكنهن إذا حضرن وصلين مع الناس فقد أتين بالفرض، وسقط عنهن أداء صلاة الظهر، وإذا لم يشهدن صلاة الجمعة يجب عليهن أن يصلين الظهر بعد دخول وقت الظهر.
قولها: [ ونهانا عن اتباع الجنائز ] وذلك لقلة صبرهن ولضعفهن وهلعهن، فنهين عن اتباع الجنائز، لا سيما عند الصدمة الأولى، فإن النساء عندهن ضعف، ولا يتمالكن عن النياحة والصياح وظهور شيء لا يصلح ولا يليق.
وهذا الحديث في سنده شخص قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، والشيء الذي انفرد به قصة مجيء عمر بن الخطاب إليهن، وجمع الرسول صلى الله عليه وسلم لهن في مكان، وسائر ما جاء فيه له شواهد، فقضية إخراج الحيض والعتق جاء في حديث أم عطية الذي سبق أن مر، وكذلك كونه لا جمعة عليهن سبق أن جاء في حديث: (الجمعة حق على كل مسلم إلا أربعة) وذكر فيهم المرأة، وعرفنا اتفاق العلماء على أنه لا جمعة على النساء، وكذلك نهيهن عن اتباع الجنائز جاء عن أم عطية من طرق صحيحة ثابتة، وذلك لضعفهن وخورهن وعدم صبرهن وعدم تحملهن، ولأنه قد يحصل منهن أمور لا تنبغي، ولهذا جاءت الأحاديث في ذم النائحة وبيان عقوبة النائحة، وكذلك الرجل لو ناح فإن حكمه حكم المرأة، ولكن الغالب أن النياحة تكون من النساء لضعفهن، فلو وجد من الرجال من ينوح فحكمه حكم النساء، ولكن نص على النساء وذكر النائحة دون النائح لأن النياحة تحصل غالباً من النساء؛ لعدم صبرهن وعدم قوة تحملهن.
كلمة (يعني) هذه قالها من هو دون أبي داود ؛ لأن أبا داود لا يقول: يعني الطيالسي ، بل ينسب شيخه كما يريد، فـأبو داود اقتصر على قوله: [ حدثنا أبو الوليد ] فالذي جاء بعد أبي داود هو الذي أضاف كلمة (الطيالسي)، وأتى قبلها بكلمة (يعني)، و(يعني) فعل مضارع فاعله ضمير مستتر يرجع إلى أبي داود ، والذي قال: (يعني) هو دون أبي داود ، وأبو الوليد الطيالسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ومسلم ].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا إسحاق بن عثمان ].
إسحاق بن عثمان صدوق أخرج له أبو داود وحده.
[ حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية ].
إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[ عن جدته أم عطية ].
مر ذكرها.
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ح: وعن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنه قال: (أخرج
أورد أبو داود رحمه الله [ باب الخطبة يوم العيد ]، والترجمة معقودة للخطبة، وأن العيد لا بد فيه من خطبة، بل لا بد فيه من خطبتين، ولا نعلم دليلاً يدل على أنها خطبتان، ولكن بعض أهل العلم قال: الدليل هو القياس على الجمعة، ولا أعلم خلافاً في أن خطبة العيد خطبتان، ومما يوضح هذا أن العيد شبه بالجمعة في الأحاديث التي سبق أن مرت بنا في باب إذا وافق عيد يوم الجمعة، فإذا كان العيد يجزئ عن الجمعة ويغني عن الجمعة فمعناه أنه يكون مثل الجمعة، والجمعة فيها خطبتان، ومن حضر العيد أجزأه عن حضور الجمعة، فإذا أراد أن يتخلف عن الجمعة فإنه معذور للأحاديث التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكون صلاة العيد تغني عن الجمعة وتجزئ عن الجمعة إذا وافق عيد يوم الجمعة فهذا يدلنا على أن صلاة العيدين مثل الجمعة، وأن لها خطبتين، ولا أعلم أحداً خالف في أن العيد له خطبتان كالجمعة.
وأورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن مروان بن الحكم أخرج المنبر في يوم عيد، وكان أميراً على المدينة، وبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقال له رجل: خالفت السنة، فقال أبو سعيد الخدري: من هذا؟ قالوا: فلان بن فلان. قال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ (من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) ].
وجاء في الصحيح أن أبا سعيد رضي الله عنه هو الذي أنكر على مروان ذلك، بل إنه جذبه عندما أراد أن يصعد إلى المنبر قبل أن يصلي، فاستمر مروان فيما أراده، وصعد إلى المنبر وخطب، وجلس أبو سعيد، فلعل هذا الرجل حصل منه الإنكار بعد أن قال لـمروان ما قال، وإلا فإن الذي حصل منه الإنكار مباشرة على مروان هو أبو سعيد نفسه، وقد جاء في الصحيح أنه جذبه، وكأنه خشي أن يكون نسي أن الصلاة قبل الخطبة، لكنه أراد أن يبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فخطب الناس، ولعل هذا الذي أنكر كما أنكر أبو سعيد كان بعد فراغ مروان من الخطبة والصلاة، فقال له: خالفت السنة، وعند ذلك قال أبو سعيد رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) ].
وهذا الحديث يدل على أن الصلاة قبل الخطبة، وأنه يبدأ بالصلاة ثم يؤتى بالخطبة بعد ذلك، ويدلنا على أن تقديم الخطبة على الصلاة لا يبطل الصلاة، بل حصل المطلوب ولكن فيه مخالفة للسنة، وذلك لأن أبا سعيد رضي الله عنه بقي واستمع الخطبة ثم صلى معه، فدل ذلك على أن تقديم الصلاة على الخطبة ليس من شرط صلاة العيد، وكذلك الذين صلوا معه لم يترك أحدهم الصلاة، ولم يغادر أحدهم المكان الذي حصلت فيه مخالفة هذه السنة، فدل على أن هذه المخالفة لا تصل إلى حد بطلان الصلاة، بل تبرأ الذمة بتلك الصلاة التي حصل فيها التقديم والتأخير المخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأبو سعيد رضي الله عنه بين ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن من كان ذا قدرة فعليه أن يغير بيده، كالولاة وكصاحب البيت في ولايته على أهل بيته، فالذي يمكن أن يغير المنكر بيده صاحب الولاية، سواءٌ أكانت عامة أم خاصة، وسواءٌ أكان الوالي الأعظم أم نوابه، وكذلك من يكون والياً ولاية خاصة كولاية الرجل على أهل بيته، فإن هذا مما يمكن فيه التغيير باليد، ومن لم يستطع أن يغير بيده ينتقل إلى الشيء الذي يليه وهو التغيير بلسانه، فيبين أن هذا ليس بصحيح، وأن هذا مخالف للسنة، كما حصل من أبي سعيد رضي الله عنه، وكما حصل من هذا الرجل الذي أنكر على مروان بن الحكم ، فإن لم يستطع وما تمكن من أن ينكر بلسانه فإنه ينكر بقلبه، وذلك بأن يتأثر ويتألم، لا أنه إذا لم يستطع التغيير يبقى قلبه بلا إنكار ولا تأثر، ولا يحرك ساكناً.
فقوله: [ (وذلك أضعف الإيمان ) ] يعني: لا أقل من كون الإنسان ينكر بقلبه، ويكون متأثراً ومتألماً من هذا المنكر بقلبه، ولا يكفي مجرد كونه ما استطاع الكلام، بل لابد من أن يتأثر قلبه ويظهر على وجهه التألم والتأثر.
فقوله: [ (وذلك أضعف الإيمان) ] يعني: لا أقل من هذا الشيء، والإنسان الذي لا ينكر بقلبه فليس وراء ذلك شيء من الإيمان في قلبه، وهذا يدلنا على أن الناس يتفاوتون في الإيمان، ففيهم الذي يكون إيمانه ضعيفاً، وفيهم الذي يكون إيمانه قوياً، والناس ليسوا في الإيمان على حد سواء.
قوله: [ أخرج مروان المنبر في يوم عيد ] يعني: أخرج المنبر إلى مكان المصلى، ولم يكن يخرج، لكن جاء في بعض الأحاديث الصحيحة التي ستأتي (أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما خطب الرجال نزل وذهب إلى النساء)، فدل على أنه كان في مكان مرتفع، فالتعبير بالنزول يدل على أنه كان يخطب في مكان مرتفع، لكن إخراج المنبر ونقله إلى المصلى لم يكن معروفاً في زمنه صلى الله عليه وسلم، فلا بأس بأن يكون هناك مكان مرتفع غير المنبر يخطب عليه الخطيب؛ لأن قوله في الحديث: (نزل) يدل على أنه خطب الرجال في مكان مرتفع، ثم ظن أنه لم يسمع النساء فنزل وذهب إلى النساء ووعظهن كما سيأتي.
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو معاوية ].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأعمش ].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسماعيل بن رجاء ].
هو إسماعيل بن رجاء بن ربيعة، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
هو رجاء بن ربيعة، وهو صدوق أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[ عن أبي سعيد ].
هو سعد بن مالك بن سنان، مشهور بكنيته ونسبته، مشهور بكنيته أبي سعيد، ونسبته الخدري، وهو صحابي مشهور، وهو أحد السبعة المشهورين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ ح: وعن قيس بن مسلم ].
يعني: وحدث الأعمش عن قيس بن مسلم، فـالأعمش له شيخان: أولهما إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد والثاني قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد، وقيس بن مسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن طارق بن شهاب ].
هو صحابي صغير رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد ].
وهو الذي تنتهي إليه الطريقان.
أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة العيد، وأنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم قام وخطب الناس ثم نزل وأتى النساء، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب على مكان مرتفع في المصلى، فذهب إلى النساء ووعظهن وذكرهن وحثهن على الصدقة، وبسط بلال رداءه، فجعلن يلقين في رداء بلال من فتخاتهن، والفتخات هي خواتم تكون في أصابعهن، وجاء أنهن كن يلقين من أقراطهن وخواتيمهن، والأقراط هي التي تعلق بالأذن، والخواتيم هي التي تكون في الأصابع، يعني يتصدقن، وهذا يدل على أن المرأة لها أن تخرج بحليها إلى الصلاة، وليس عليها أن تنزع حليها إذا أرادت أن تخرج للصلاة أو غيرها، ولكنها تستر وجهها وتستر زينتها، ولا تظهر زينتها للناس.
وقوله: [ فجعلن يلقين فتخاتهن ويلقين ويلقين ] يعني: يلقين ويلقين أشياء أخرى مما معهن، وهذا يدلنا على مبادرة النساء إلى الصدقة، وعدم إرجاؤهن ذلك إلى أن يذهبن للبيوت، وأنهن صرن يلقين من هذه الزينة التي عليهن، وهذا يدل على مبادرتهن إلى الخير، ومبادرتهن إلى الصدقة وسرعة امتثالهن لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن المرأة تتصدق بمالها ولو لم تستأذن زوجها، ولا يلزم استئذان الزوج في كون المرأة تتصدق.
قوله: [ (فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل فأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال) ] يعني: كان معتمداً على يد بلال وهو يعظ النساء ويذكرهن صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [ وبلال باسط ثوبه ].
يعني: وضعه على الأرض حتى تضع النساء صدقاتهن في ذلك الثوب.
قوله: [ (وقال ابن بكر : فتختها) ].
يعني أن شيخي الإمام أحمد بن حنبل -وهما عبد الرزاق ومحمد بن بكر- أحدهما قال: [ فتخها ] وهذا جمع، والآخر قال: [ فتختها ] بالمفرد، والمفرد إذا أضيف إلى معرفة يعم.
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الرزاق ].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ومحمد بن بكر ].
محمد بن بكر صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني عطاء ].
هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر بن عبد الله ].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بالناس قبل الصلاة، ثم ذهب إلى النساء ووعظهن وبلال معه.
وقال محمد بن كثير شيخ أبي داود الثاني: [ أكبر علم شعبة: فأمرهن بالصدقة.
قوله: [ فجعلن يلقين ] يعني: نتيجة لهذا الأمر وهذا الترغيب وهذا الحث على الصدقة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم -كما جاء في الحديث- قال: (تصدقن -يا معشر النساء- فإنكن أكثر حطب جهنم، فقالت امرأة من سطة النساء: يا رسول الله! لم؟! قال: لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير).
قوله: [ قال عطاء: أشهد على ابن عباس، وشهد ابن عباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
هذا يدل على أن كل واحد متحقق ومتيقن من الشيء الذي رواه؛ لأنه عبر بذلك بالشهادة التي تدل على تحقق الإنسان مما أخبر به.
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ ح: وحدثنا ابن كثير ].
ابن كثير هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أيوب هو ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء قال: أشهد على ابن عباس ].
عطاء هو ابن أبي رباح مر ذكره، وابن عباس هو عبد الله بن عباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، إلا أن فيه بيان السبب الذي جعله يذهب إلى النساء ويعظهن، وهو كونه ظن أنه لم يسمعهن، وذلك لأن مكانهن متأخر، فظن أنهن لم يسمعن الخطبة، فذهب إليهن وخطبهن ووعظهن صلى الله عليه وسلم، فأمرهن بالصدقة فجعلن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن، والأقراط هي التي تعلق في الأذن للزينة، والخواتيم هي التي تكون في الأصابع.
قوله: [ حدثنا مسدد ].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[ وأبو معمر عبد الله بن عمرو ].
وأبو معمر عبد الله بن عمرو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الوارث ].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب عن عطاء عن ابن عباس ].
مر ذكرهم.
أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وعظ النساء وجعلت النساء تلقي القرط والخاتم في ثوب بلال، وفيه زيادة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قسمه على فقراء المسلمين، يعني هذه الصدقات التي تصدقت بها النساء في يوم العيد عندما وعظهن الرسول صلى الله عليه وسلم فقسم ذلك على فقراء المسلمين، فدل هذا على أن الصدقات العامة التي ليست من الزكوات تصرف في الفقراء، والصدقة تطلق على الفريضة وعلى النافلة، قال الله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103] وهي زكاة المال، وقال الله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60] وأيضاً الصدقات تطلق على النوافل والتطوعات التي يتصدق بها.
قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عطاء عن ابن عباس ].
مر ذكر هؤلاء جميعاً.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن عيينة عن أبي جناب عن يزيد بن البراء عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نوول يوم العيد قوساً فخطب عليه) ].
أورد أبو داود [ باب يخطب على قوس ] يعني: في العيد، والمعنى أنه يعتمد عليه، فيكون بيده قوس أو عصا، وأورد فيه حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم [ نوول ] أي: أعطي، و(نوول) فعل مبني للمجهول من (ناول)، أي: أعطى، فهو (نوول) من المناولة.
والحديث في سنده أبو جناب ضعف لكثرة تدليسه، ولكن الحديث الذي سبق في خطبة يوم الجمعة أنه يخطب على قوس أو عصا يشهد له ويؤيده، فهو حديث حسن، والحكمة من ذلك كون الخطيب يرتاح في خطبته ويعتمد على ذلك الشيء الذي يعتمد عليه، ويكون ذلك أدعى لعدم حركة يده عندما يمسك القوس أو العصا، وإذا وجد المنبر وله قوائم يمكن للخطيب أن يعتمد عليها فإنها تقوم مقام العصا أو القوس؛ لأن الحكمة عدم الحركة، ولكونه يستند ويعتمد على هذا الشيء الذي يعتمد عليه، وهذا يحصل بالاعتماد على المنبر.
هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن عيينة ].
عبد الرزاق مر ذكره، وابن عيينة هو سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي جناب ].
هو يحيى بن أبي حية، ضعفوه لكثرة تدليسه، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[ عن يزيد بن البراء ].
هو يزيد بن البراء بن عازب، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ عن البراء بن عازب ].
هو صحابي ابن صحابي رضي الله عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر