حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا عيسى بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني) ].
قوله: [ باب فاتحة الكتاب ] أي: ما جاء في فضلها وبيان عظم شأنها وعظيم منزلتها.
قوله صلى الله عليه وسلم: [ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني) ].
هذا الحديث يدل على عظم شأن الفاتحة، وأنها يقال لها: أم القرآن، ويقال لها: أم الكتاب، ويقال لها: السبع المثاني.
قوله: [ (والسبع المثاني) ] أي: كونها تثنى في القراءة وتكرر قراءتها في الصلوات؛ لأنها في كل ركعات الصلاة تجب قراءتها، فقيل لها: السبع المثاني، وهي سبع باعتبار أنها سبع آيات، وإحدى الآيات هي البسملة على أحد الأقوال، وهو أنها جزء من سورة الفاتحة، وعلى الأقوال الأخرى التي منها أنها آية ولكنها ليست من الفاتحة ولا من غيرها تكون الآية الأخيرة آيتين، فقوله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] آية، وقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]آية، ويدل على هذا القول الحديث القدسي الذي يقول الله عز وجل فيه: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]قال: هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.. .) فقوله: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) هو لله، وقوله: ( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) هو للمخلوق، وعلى هذا تكون الآية الوسطى هي: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فيكون بعدها ثلاث آيات وقبلها ثلاث آيات، وعلى أن البسملة هي الآية الأولى تكون الآية الوسطى التي تتوسط السبع هي: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] فالفاتحة يقال لها: السبع المثاني؛ لأنها تثنى في القراءة وتعاد في القراءة وتكرر في القراءة، وسيأتي أن (السبع المثاني) لفظ يطلق على سور أخرى من القرآن.
أحمد بن أبي شعيب الحراني ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا عيسى بن يونس ].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن أبي ذئب ].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المقبري ].
هو أبو سعيد المقبري أو سعيد بن أبي سعيد المقبري كل منهما يقال له: المقبري ، فكل منهما ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
[ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا خالد حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر به وهو يصلي فدعاه، قال: فصليت ثم أتيته، قال: فقال: ما منعك أن تجيبني؟ قال: كنت أصلي، قال: ألم يقل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]؟! لأعلمنك أعظم سورة من القرآن -أو في القرآن، شك خالد - قبل أن أخرج من المسجد، قال: قلت: يا رسول الله! قولك، قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] وهي السبع المثاني التي أوتيت والقرآن العظيم) ].
قوله: [(قال: قلت: قولك)] يعني: القول الذي قلت، وهو أنك ستخبرني وتعلمني بأعظم سورة في كتاب الله قبل خروجك من المسجد، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وهي السبع المثاني التي أوتيت والقرآن العظيم) ]، وفي بعض الروايات: (هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)، وهذا يدل على عظم سورة الفاتحة، وأنها أعظم سورة في كتاب الله، ولهذا شرعت قراءتها في الصلاة، بل قراءتها في الصلاة لازمة في كل ركعة من الركعات، وهي ركن من أركان الصلاة، وتثنى في الصلوات وتعاد وتكرر، فلهذا قيل لها: السبع المثاني.
وكذلك القرآن العظيم يراد به الفاتحة، وأطلق الاسم العام على بعض القرآن، فهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم، ففيه إطلاق الكل على البعض، وهذا فيه دليل على أن الفاتحة يقال لها: السبع المثاني تفسيراً لقول الله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87].
وهناك قول آخر هو: أن السبع المثاني يراد بها السبع الطوال، وهي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والسورة السابعة قيل: هي براءة، وقيل: هي الأنفال، وقيل: براءة والأنفال مع بعضهما.
هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا خالد ].
هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خبيب بن عبد الرحمن ].
خبيب بن عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت حفص بن عاصم ].
حفص بن عاصم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد بن المعلى ].
هو أبو سعيد بن المعلى رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
الجواب: لا يدل هذا على هذا؛ لأن الحديث يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم ويدل على إجابة النبي عليه الصلاة والسلام، وأما إذا والده أو والدته دعاه فإنه إذا لم يكن هناك أمر ضروري يقتضي قطع الصلاة فإنه يتمها خفيفة ويجيب والده أو والدته.
الجواب: كأن المقصود بذلك أنها في مقدمة القرآن أو الكتاب، وكأنها هي التي تؤم، والذي وراءها تابع لها، أو أنها هي كالأصل وغيرها تابع لها، فيحتمل الأمر أن يكون كذلك والله أعلم.
وكذلك هناك احتمال آخر، وهو كونها اشتملت على أنواع التوحيد الذي أرسل الله الرسل من أجله وأنزل الكتب من أجله؛ لأنها كلها توحيد من أولها إلى آخرها كما سبق أن عرفنا ذلك، فقوله عز وجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فيه توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، بل في الآية الأولى منها أنواع التوحيد الثلاثة، فقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ هذا توحيد الإلهية؛ لأن إضافة الحمد إلى الله هو من توحيد الإلهية.
وقوله: رَبِّ الْعَالَمِينَ فيه توحيد الربوبية، وكذلك فيه توحيد الأسماء والصفات؛ لأن من أسماء الله الرب، فأنواع التوحيد الثلاثة كلها موجودة فيها.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أوتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعاً من المثاني الطول، وأوتي موسى عليه السلام ستاً، فلما ألقى الألواح رفعت ثنتان وبقي أربع) ].
قوله: [ (باب من قال هي من الطول) ] كلمة (هي) يحتمل أن ترجع إلى الفاتحة، ولكن هذا يشكل؛ لأنها ليست من الطول؛ لأن الطول هي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة، أما الفاتحة فهي من السور القصيرة وليست من الطول، ويحتمل أن يكون المراد بكلمة (هي) أي: السبع المثاني التي جاءت في الأحاديث السابقة، وهذا هو الذي يناسب، فيقال: السبع المثاني تطلق على الفاتحة؛ لأنها تثنى في الصلاة، وتطلق على السبع الطول التي هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والسابعة هي على الأقوال التي أشرت إليها، فمنهم من قال: الأنفال والتوبة هما سابعة السبع الطوال، ومنهم من قال: التوبة وحدها، ومنهم من قال: الأنفال وحدها، فالمناسب أن يكون الضمير راجعاً إلى السبع المثاني التي جاءت في الأحاديث السابقة، وأنها كما فسرت بأن السبع المثاني يراد بها الفاتحة، وأيضاً يراد بها السبع الطول، ولا تنافي؛ لأن سورة الفاتحة يقال لها: مثاني لأنها تثنى فيها القراءة، ويقال للسبع الطول: مثاني لأنها تثنى فيها القصص والأحكام، ولا تنافي بين ذلك، فكل من القولين حق وله وجه.
وقد قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي [الحجر:87]: إن هذا مثل إطلاق أول مسجد أسس على التقوى على مسجد قباء وعلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الآية نزلت في مسجد قباء، ولما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى أشار إلى مسجده؛ لأن كلاً منهما أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد قباء يقال: إنه أسس على التقوى من أول يوم، وكذلك مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له ذلك، وكذلك الفاتحة يقال لها: السبع المثاني؛ لأنها سبع آيات تثنى في الصلاة، ويقال -أيضاً- للسبع الطول: إنها السبع المثاني التي تثنى فيها القصص والأحكام.
فكلمة (هي) يحتمل أن تكون راجعة للفاتحة، ولكن هذا مشكل ولا يستقيم، ويحتمل أن تكون راجعة للسبع المثاني.
قوله: [ أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطول ] ذكر الطول هنا يدل على أن المقصود بها سور طول، والطول: جمع طولى، كالكبر: جمع كبرى، يعني: سورة طولى بالنسبة لغيرها.
قوله: [ وأوتي موسى ستاً، فلما ألقى الألواح رفعت اثنتان ] يعني: رفع مما أنزل في التوراة اثنتان، ولعل المقصود بقوله: [رفع] أنه نسخ مثلما تنسخ التلاوة والحكم بالنسبة للقرآن الكريم.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا جرير ].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مسلم البطين ].
هو مسلم بن عمران البطين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد بن إياس عن أبي السليل عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (
قوله: [ باب ما جاء في آية الكرسي ] هي قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] يعني: في بيان فضلها وعظم شأنها.
قوله: [ (يا أبا المنذر! ] هذه كنية أبي بن كعب .
قوله: [ (أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أبا المنذر! أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، قال: فضرب في صدري وقال: ليهن لك -يا أبا المنذر العلم-) ]، وفي بعض الروايات: (ليهنك العلم
وقد ورد في فضل آية الكرسي أحاديث أخرى، كأحاديث قراءتها عند النوم بعد الصلوات.
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ].
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الأعلى ].
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سعيد بن إياس ].
هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي السليل ].
هو ضريب بن نقير، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن رباح الأنصاري ].
عبد الله بن رباح الأنصاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بن كعب ].
هو أبي بن كعب الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وجاء في فضل أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لَمْ يَكُنِ)، فقرأها عليه، قال
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الأعلى ].
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سعيد بن إياس ].
هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي السليل ].
هو ضريب بن نقير، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن رباح الأنصاري ].
عبد الله بن رباح الأنصاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بن كعب ].
هو أبي بن كعب الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وجاء في فضل أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لَمْ يَكُنِ)، فقرأها عليه، قال
الجواب: لا يقال الآن هذا، وإنما يقال: الله أعلم؛ لأنه يقال للرسول صلى الله عليه وسلم عندما يسأل هو: الله ورسوله أعلم، أو يحصل منه الجواب إذا كرر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه عندما يسأل الإنسان أي سؤال يقول: الله أعلم.
الجواب: نعم، فهذا فحديث أبي يدل على تفضيل كلام الله بعضه على بعض، وليس فيه نقص في المفضل عليه، ولكن كله كمال، وبعضه أكمل من بعض وبعضه أفضل من بعض،
وكذلك الصفات، وقد جاء في الحديث: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك) وهذا يعني: أن بعضها تفضل على بعض.
الجواب: نعم، وكأنه إشارة إلى كون العلم في الصدر والقلب، فضرب عليه وقال: (ليهنك العلم
حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن) ].
قوله: [ باب: في سورة الصمد] يقال لها: سورة الصمد لأن فيها هذا الاسم الذي لم يذكر إلا فيها، وهو اسم الصمد، وقيل: إنه من الأسماء التي لا تطلق إلا على الله عز وجل، كما ذكر ذلك ابن كثير في أول تفسيره، فقد ذكر عدة أسماء لا تطلق إلا على الله، وأسماء تطلق على الله وعلى غيره، مثل: العزيز، والرحيم، والرءوف؛ لأنه جاء في القرآن إطلاقها على الله وإطلاقها على غير الله، كما جاء في حق الرسول صلى الله عليه وسلم: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] فهو عليه الصلاة والسلام وصف بأنه رءوف وأنه رحيم.
وذكر رحمه الله جملة من الأسماء التي لا تطلق إلا على الله وحده، مثل: الصمد، والرحمن، والخالق، والبارئ، فإن هذه الأسماء إنما تطلق على الله عز وجل ولا تطلق على غيره.
ويقال لها: سورة الإخلاص لأنها مشتملة على توحيد الأسماء والصفات، كما أنه يقال لـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، و(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ): سورتا الإخلاص، وذلك لما اشتملت عليه سورة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) من توحيد العبادة (الإلهية)، و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) من توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة متضمن لتوحيد الربوبية، فيطلق عليهما جميعاً أنهما (سورتا الإخلاص)؛ لأن كل واحدة منهما فيها توحيد، فهذه فيها توحيد عبادة وهذه فيها توحيد أسماء وصفات.
قوله:[ (أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن) ] هذا يدل على فضل سورة (قل هو الله أحد) وعظم شأنها.
وكونها تعدل ثلث القرآن لأن القرآن مشتمل على توحيد وعلى قصص وعلى أحكام، وقد اشتملت هذه السورة على القسم الأول وهو التوحيد.
فقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، اشتمل على اسم الجلالة (الله) الذي هو أصل الأسماء ومرجع الأسماء، والذي عندما تذكر الأسماء يأتي في صدارتها، وكلها تضاف إليه، كما جاء في القرآن كثيراً: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] وقوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الحشر:22] وقوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر:24] فاسم الجلالة يذكر قبل الأسماء.
والصمد: هو الغني عن كل ما سواه والمفتقر إليه كل من عداه، وهو الذي تصمد إليه الخلائق لحوائجها.
وقوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4] يعني أنه منزه عن الأصول والفروع والنظراء، فنزه نفسه عن الأصول بقوله: ( لَمْ يُولَدْ ) وعن الفروع بقوله: ( لَمْ يَلِدْ ) وعن النظراء بقوله: ( ولم يكن له كفواً أحد ) يعني: لا يماثله أحد سبحانه وتعالى.
إذاً: هذه السورة مشتملة على التوحيد، ولهذا أطلق عليها ثلث القرآن.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه مؤلف فيها خاص، اسمه (جواب أهل العلم والإيمان فيما جاء في سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن) وهو كتاب مطبوع.
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن ].
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن أبيه ].
أبوه هو عبد الله بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن أبي سعيد الخدري ].
أبو سعيد مشهور بكنيته ونسبته، واسمه سعد بن مالك بن سنان ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا القسم للتأكيد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقسم بهذا اللفظ كثيراً، وقوله: [(والذي نفسي بيده)] فيه إثبات صفة اليد لله عز وجل، ولازم ذلك أن كل شيء في ملكه وتحت تصرفه، فإذا فسر مثل هذا اللفظ بأن كل شيء في ملكه وتحت تصرفه وكان المقصود به عدم إثبات اليد فهذا تأويل باطل، وإذا أثبتت اليد وأثبت لازمها وأثرها الذي هو أن كل شيء في يد الله وفي قبضة الله فإن ذلك كله يكون حقاً، وإنما المحذور إذا لم تثبت اليد لله عز وجل، وهذا مثل قوله عز وجل: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] فإذا أريد به أن الملك ملكه وكل شيء في قبضته وكل شيء في يده سبحانه وتعالى مع إثبات اليد فإن ذلك يكون كله حقاً.
يعني: في الفضل، وقيل -أيضاً-: في المعنى، من ناحية أن القرآن يشتمل على قصص وأحكام وتوحيد، وهي مشتملة على الثلث الذي هو التوحيد، لا كما يظن أنها لو قرئت ثلاث مرات فإنها تساوي ختم القرآن، فهذا ليس بصحيح، وإنما يدل على عظم شأنها وعلى عظم فضلها، لكن لا يستغني الإنسان عن القرآن بأن يقرأها ثلاث مرات ويقول: قد قرأت القرآن، فهذا ليس بصحيح.
الجواب: جاء حديث في قصة الرجل الذي كان في سرية وكان يقرأ ويختم بـ(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أي أنه في كل ركعة يأتي بقراءة ثم يأتي معها بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسألوه، فقال: لأنها مشتملة على صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال صلى الله عليه وسلم: أخبروه بأن الله يحبه) فهذا هو الذي كان يرددها في كل ركعة بعدما يقرأ شيئاً قبلها، وهو من الأدلة التي استدل بها على أن الإنسان يمكن أن يقرأ سورة قبل سورة؛ لأنه إذا كان يقرأ بها وليس بعدها في القرآن في المصحف إلا سورتان فإنه يقرأ معها شيئاً قبلها.
أما كون الإنسان يقوم الليل ويقرأ في كل ركعة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) عدة مرات ثم يركع والركعة الثانية كذلك فهذا لا يصلح للإنسان أن يفعله، بل يقرأ من القرآن كله ولا يخص القراءة بسورة، إلا إذا كان لا يحفظ إلا هذه السورة وشيئاً قليلاً معها فله أن يردد ما يحفظ.
الجواب: الذي يبدو أنه ليس بسنة؛ لأنه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك، فهي واقعة عين.
الجواب: إذا كانت النسبة إلى الله عز وجل فمثل هذا لا يصلح؛ لأنه لا يختلف المعنى، فمعنى الصمدي أنه متصف بهذا الوصف، فلا يصلح.
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني معاوية عن العلاء بن الحارث عن القاسم مولى معاوية عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناقته في السفر، فقال لي: يا
قوله: [ باب: في المعوذتين ] المعوذتان هما: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ).
قوله: [ (كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته في السفر، فقال لي: يا عقبة! ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ فعلمني: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) قال: فلم يرني سررت بهما جداً) ] يعني: لم يظهر عليه السرور والفرح والاستبشار؛ لأنه كان يتصور أنه يعلمه سوراً طوالاً، وعلمه هاتين السورتين القصيرتين، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما نزل وصلى قرأ بهما في صلاة الصبح، للإشارة إلى عظم شأنهما وأهميتهما، ثم قال له: [ (كيف رأيت؟) ] يعني: هذا الذي علمتك إياه هو هذا الذي قرأت به، فهو صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين عظم شأن هاتين السورتين، وهما المعوذتان.
أما كونه عليه الصلاة والسلام قرأ بهما في صلاة الصبح مع أن السنة التطويل فيها فنقول: إن الأصل في الصبح أن تطول فيها القراءة، وذلك لقوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] لكن قد تقصر فيها القراءة مثل ما جاء في هذا الحديث وفي الحديث الذي سبق أن مر بنا أنه قرأ في صلاة الصبح بـ: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، وهذا يدل على أن الصلاة التي يقرأ فيها غالباً بالطول يمكن أن يقرأ فيها بسور قصار، وعلى العكس من ذلك صلاة المغرب، فإن القراءة فيها تكون بسور قصار أو متوسطة، ولكنه في مرة من المرات قرأ فيها عليه الصلاة والسلام بسورة الأعراف وهي تعدل جزءاً وربع جزء.
ويمكن أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مراعاة لأحوال الناس؛ لأنه كان في سفر.
أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ أخبرنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني معاوية ].
هو معاوية بن صالح، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن العلاء بن الحارث ].
العلاء بن الحارث ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن القاسم مولى معاوية ].
القاسم مولى معاوية صدوق يغرب كثيراً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
[ عن عقبة بن عامر ].
هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: (بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتعوذ بـ (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) و(أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )، ويقول: يا
أورد رحمه حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه مثل الذي قبله من جهة تعليمه إياه المعوذتين وأمره بأن يتعوذ بهما، وأيضاً أمهم بهما في الصلاة، وهو مثل الذي قبله، إلا أن هنا ذكر أنه كان هناك ظلمة وأنه كان يتعوذ بهاتين السورتين، وأمر عقبة بن عامر أن يتعوذ بهما.
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا محمد بن سلمة ].
هو محمد بن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ].
سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
أبوه هو أبو سعيد، وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عقبة بن عامر ].
عقبة بن عامر وقد مر ذكره.
والواقعة واحدة في الحديثين والله أعلم، والحديث صحيح؛ لأن الطريق الأولى فيها ذلك الرجل الذي يغرب، وهذه الطريق الثانية مثلها إلا أن فيها محمد بن إسحاق وهو صدوق يدلس، فكل من الطريقين تقوي الأخرى.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر