حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لـ أبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله عز وجل) فقال أبو بكر : والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب : والله! ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال. قال: فعرفت أنه الحق ].
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وكثيراً ما يقرن الله عز وجل في القرآن بين الصلاة والزكاة، والزكاة في اللغة مأخوذة من النماء، والزكاة الشرعية موجود فيها هذا المعنى؛ لأنها سبب في نماء المال وكثرته، وقد جاء في الحديث: (ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده، بل تزده)، وفي الاصطلاح هي: حق معلوم في أموال الأغنياء يصرف في جهات مخصوصة.
وهذه الجهات المخصوصة هي التي ذكرها الله عز وجل في آية مصارف الزكاة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابن السَّبِيلِ [التوبة:60]، ويأتي في بعض النصوص ذكر الفقراء خاصة كما في حديث معاذ : (فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) والفقراء صنف من أصناف الزكاة الثمانية الذين جاء ذكرهم في آية: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ [التوبة:60].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قتال أبي بكر رضي الله عنه للمرتدين ومانعي الزكاة، وقد ذكر الخطابي رحمه الله أن الذين قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه صنفان: صنف أهل كفر وردة، وصنف أهل بغي، والصنف الأول نوعان:
من ادعى النبوة وتوبع على ذلك مثل مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وغيرهما ممن ادعى النبوة وتبعهم من تبعهم على دعواهم الباطلة.
والنوع الآخر: الذين تركوا الدين، وخرجوا من الدين، وكفروا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من غير دعوى نبوة، ومن غير اتباع لمتنبئ، والكل مرتدون.
أما الصنف الآخر فقال الخطابي : هم مانعو الزكاة، وهم أهل بغي، وذلك لأنهم متأولون، حيث فهموا أن الزكاة إنما تعطى للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره؛ لقول الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة:103] قالوا: هذه الأمور التي تترتب على الأخذ إنما تنطبق على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يصلي عليهم، والتطهر والتزكيه إنما تكون لمن دفع الزكاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأصحابه. وهذا قول باطل، وفهم خاطئ، فإن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب للأمة ما لم يأت دليل يدل على تخصيص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله تعالى في الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، فإن هذا نص يدل على خصوصية هذا الحكم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يتعداه إلى غيره.
أما ما يتعلق بدفع الزكاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن الزكاة حق المال، وهي واجبة، وحكمها مستمر وليس خاصاً بزمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال الخطابي : من جحد وجوب الزكاة في غير وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكون كافراً بالإجماع قال: وإنما الإشكال في الذين فهموا هذا الفهم الخاطئ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فاعتبروا أهل بغي، وقد قاتلهم أبو بكر على أنهم أهل بغي، ومعلوم أن من امتنع من أمر من أمور الإسلام فإنه يقاتل عليه وإن لم يخرج بذلك من الإسلام.
فـالخطابي رحمه الله اعتبر مانعي الزكاة الذين فهموا هذا الفهم الخاطئ متأولين وأنهم قوتلوا على بغيهم، ومن المعلوم أن البغاة يقاتلون إذا حصل منهم القتال أو امتنعوا من شعيرة من شعائر الإسلام، فإنهم يقاتلون على ذلك حتى يحصل منهم ذلك الشيء الذي امتنعوا منه.
والامتناع من دفع الزكاة له حالتان: حالة جحد وحالة بخل وتهاون، فحالة الجحد كفر، وكل ما علم في الإسلام ضرورة إيجابه أو تحريمه فإن اعتقاد عدم وجوبه كفر، وإذا كان من المنهيات فاعتقاد حله يكون كفراً وردة عن الإسلام.
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يرى خلاف رأيه فقال: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا -لا إله إلا الله، فمن قال- لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل)؟ فقال أبو بكر : والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه.
ثم إن عمر رضي الله عنه وأرضاه اتضح له فيما بعد أن هذا الذي شرح الله له صدر أبي بكر هو الحق.
هذا وعمر معروف بشدته وقوته في دين الله عز وجل، فسبقه الصديق رضي الله عنه إلى القوة والشدة في هذا الموطن، فقاتل الناس حتى يرجعوا إلى ما كانوا عليه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل)، ففيه ذكر المقاتلة على الصلاة وعلى الزكاة، وأنه لا بد من مجموع هذه الأمور: أن يؤتى بالشهادتين، وأن يؤتى أيضاً بأهم وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وهما الصلاة والزكاة.
وأما إذا ترك الزكاة على سبيل التهاون لا على سبيل الجحود فإن هذا لا يكون كفراً، وقد جاء ما يدل على ذلك، وهو الحديث الذي فيه: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فيكوى به جنبه وظهره وجبينه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: (إما إلى الجنة) يدل على عدم كفره؛ لأن الكافر لا سبيل له إلى الجنة، بل ليس أمامه إلا النار.
والذي يترك الزكاة تهاوناً تؤخذ منه قهراً، ولا يكون كافراً، وأما من يجحد وجوبها فإن هذا يكون مرتداً، ويقتل على ردته.
والذي قاله عمر أخيراً ليس تقليداً لـأبي بكر كما يقوله بعض المخذولين، بل بين له أبو بكر معنى الحديث، وأن الزكاة من حق الشهادتين، وأن من تركها يستحق المقاتلة، فعند ذلك فهم عمر رضي الله عنه وأرضاه، وتابع أبا بكر لا تقليداً له، ولكن تابعه بعد أن اتضح له أن الذي أقدم عليه أبو بكر هو الحق.
وقوله: (والله! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه) قيل: المراد به عقال البعير، والمقصود من ذلك ليس العقال، وإنما المقصود البعير الذي يعقل بالعقال، وكان البعير إذا زكي به يعطى معه عقاله.
وقيل: المقصود بالعقال زكاة عام، وقد جاء عن بعض أئمة اللغة تفسير العقال بزكاة عام، ولكن جاء في حديث أبي هريرة أنه قال: (لو منعوني عناقاً كان يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها) فبعض أهل العلم قال: ذكر العقال شاذ، والمحفوظ هو العناق، ومنهم من قال: إن كلا الروايتين صحيحة، ولكن يحمل العقال على أن المقصود به البعير الذي يعقل بالعقال أو أن المقصود به زكاة عام.
والعناق هي التي لم تبلغ سنة، ولا يصح أن يزكى بها، والذي يعطى في الزكاة لا بد أن يكون مما أكمل سنة، ففسر بأن المقصود إذا بلغت الغنم نصاباً، وكانت كباراً وصغاراً، وبدأ الحول من حين بلغت نصاباً، ولكن ماتت الأمهات أثناء الحول وعند انتهاء الحول لم تبلغ نصاباً كباراً، وإنما كانت سخالاً، فيكون أخذ العناق من جملة العدد الذي وجبت فيه الزكاة؛ لأن الزكاة تؤخذ من المال الذي وجبت فيه.
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الليث ]
الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عقيل ].
عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ]
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد الله ]
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ]
عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وقد فرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة، في السنة التي فرض فيها الصيام.
ومناسبة إيراد الحديث هنا لأن القتال على الزكاة يدل على وجوبها، وأنها متعينة، هذا هو المقصود من إيراد هذا الحديث، وليس المقصود ذكر التاريخ، وإنما المقصود دلالته على أن الزكاة واجبة ولازمة؛ ولهذا يقاتل عليها.
وبالنسبة لمانعي الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قال عنهم الخطابي : إنهم بغاة، فهم مسلمون امتنعوا من أداء شيء متعين عليهم، فقوتلوا على منعه، وكونهم امتنعوا منها واستعدوا للقتال فهم أهل بغي، وقال الخطابي : ولو حصل منع الزكاة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وانتفاء الشبهة فإن الذي يقول بعدم وجوب الزكاة أو ينكر وجوبها يكون كافراً مرتداً، ويقتل مرتداً، ولا يقال عنه باغ أو ممتنع من الزكاة فقط، ففرق الخطابي بين الذين منعوها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبين من بعدهم؛ لأن لهم شبهة، أما بعد أن استقرت الأحكام وعرفت الأحكام فجحدها كفر وردة.
أورد أبو داود رحمه الله طرقاً فيها ذكر العقال وذكر العناق.
قوله: [رباح بن زيد ].
رباح بن زيد القرشي وهو ثقة أخرج حديثه أبو داود والنسائي .
[ وعبد الرزاق ].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معمر ].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري بإسناده ].
يعني: عن عبيد الله عن أبي هريرة .
[ وقال بعضهم: (عقالاً) ].
يعني: كالرواية السابقة.
[ ورواه ابن وهب عن يونس قال: (عناقاً) ].
ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
و يونس بن يزيد الأيلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والعناق هي التي لم تبلغ سنة من أولاد المعز.
[ قال أبو داود : قال شعيب بن أبي حمزة ومعمر والزبيدي عن الزهري في هذا الحديث: (لو منعوني عناقاً)، وروى عنبسة عن يونس عن الزهري في هذا الحديث قال: (عناقاً) ].
ذكر المصنف جملة من الذين رووه عن الزهري وقالوا: (عناقاً).
وشعيب بن أبي حمزة الحمصي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
و معمر مر ذكره.
و الزبيدي هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
قوله: [ عن الزهري في هذا الحديث: (لو منعوني عناقاً) ].
في هذا الحديث يعني: في الإسناد المتقدم، وقال: (عناقاً) بدل (عقالاً).
و عنبسة بن خالد الأيلي صدوق أخرج حديثه البخاري وأبو داود .
والعناق غير العقال؛ لأن العقال فسر بالعقال الذي يعقل به البعير، وأن المقصود به البعير، فعبر عن البعير بعقاله، أو المقصود بذلك زكاة عام، وهو إما روي هذا اللفظ أو هذا اللفظ، وقد يكون كلٌ من اللفظين محفوظاً أو يكون أحدهما محفوظاً والثاني شاذاً، والذي قيل إنه راجح هو العناق.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن السرح وسليمان بن داود قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن الزهري هذا الحديث قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: (إن حقه أداء الزكاة، وقال: عقالاً )].
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى عن أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
وسليمان بن داود المهري المصري ثقة أخرج حديثه أبو داود والنسائي .
[ عن ابن وهب عن يونس عن الزهري ].
وقد مر ذكرهم.
[ قالا: قال أبو بكر : (إن حقه أداء الزكاة) ].
يعني أن فيه مخالفة لما تقدم أنه قال أبو بكر الصديق : (إن حقه أداء الزكاة) وقال: (عقالاً) كالرواية الأولى.
حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قرأت على مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: (باب ما تجب فيه الزكاة) يعني: الأموال التي تجب فيها الزكاة، وذكر مقادير الأنصبة التي تجب فيها الزكاة.
قوله: (ليس فيما دون خمس ذود صدقة) يعني: ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة، فإذا ملك الإنسان أربعاً من الإبل وكانت سائمة فلا زكاة فيها؛ لأنها ما بلغت نصاباً، ولكنها إذا بلغت خمساً وحال عليها الحول فإنها تزكى، وقد جاء أن مقدار الزكاة في الخمس شاة كما سيأتي، فزكاة الخمس من الإبل من غير جنسها؛ لأنه لو أخرج الزكاة من جنسها -أي: واحدة من الإبل- لكانت الزكاة الخمس، وفي ذلك ضرر على أصحاب الأموال، فوجبت الزكاة فيها من نوع آخر وهو الغنم، فتجب شاة عن خمس من الإبل، والشاة عن خمس من الإبل لا تضر الغني، وتنفع الفقير، ولكن الغني يتضرر لو أخذت منه الناقة.
وهذا الحديث بيان لنصاب الإبل وغيرها من الأموال الزكوية، وبيان المقدار الذي إذا نقص المال عنه فلا زكاة فيه، وهو الخمس من الإبل، فما نقص عن خمس منها فلا زكاة فيه، وما بلغ خمساً فأكثر ففيه الزكاة، وعلى هذا فالحد الأدنى الذي لا زكاة فيه من الإبل هو الأربع، فإن الأربع لا زكاة فيها ولو بقيت سنين، أما الخمس ففيها الزكاة إذا حال عليها الحول، والذود المقصود به الإبل.
قوله: [ (وليس فيما دون خمس أواق صدقة) ].
هذا فيه بيان نصاب الورق وهي الفضة، والأوقية أربعون درهماً، والخمس أواق مائتا درهم، فنصاب الفضة مائتا درهم، وهي تعادل بالريالات السعودية الفضية (56 ريالاً سعودياً) فما دون خمس أواق لا زكاة فيه يعني: ما نقص عن مائتي درهم ولو درهماً واحداً بأن كانت مائة وتسعة وتسعين درهماً فلا زكاة فيه، وكذلك بالنسبة لما يقابلها من العملة السعودية التي هي (56 ريالاً) فما نقص عن (56 ريالاً) فلا زكاة فيها، فـ (55 ريالاً) لا زكاة فيها.
قوله: [ (وليس فيما دون خمس أوسقٍ صدقة) ].
الوسق ستون صاعاً، والخمسة أوسق ثلاثمائة صاع، والصاع (3 كيلو جرام) فالنصاب تسعمائة كيلو جرام تقريباً، فما خرج من الأرض من الحبوب والثمار فإن نصابه خمسة أوسق.
وقوله: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) يدلنا على أن الفواكه والخضروات لا زكاة فيها؛ لأنها ليست مما يكال كالحبوب والثمار، وأيضاً ليست مما يدخر ويتخذ قوتاً، والزكاة إنما تجب في الأقوات التي تخرج من الأرض كالتمر والزبيب والبر والشعير والأرز والذرة، وغير ذلك.
عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ قرأت على مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن يحيى المازني ].
عمرو بن يحيى المازني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد ].
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته ونسبته، كنيته أبو سعيد ، ونسبته الخدري ، واسمه سعد بن مالك بن سنان .
قال أبو داود : أبو البختري لم يسمع من أبي سعيد .
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد وليس فيه ذكر الأمور الثلاثة التي تقدمت في الرواية السابقة، وقوله: والوسق ستون مختوماً يعني: ستون صاعاً.
أيوب بن محمد الرقي أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا محمد بن عبيد ].
محمد بن عبيد الطنافسي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إدريس بن يزيد الأودي ].
إدريس بن يزيد الأودي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن مرة الجملي ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي البختري الطائي ].
وهو سعيد بن فيروز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد ].
مر ذكره.
[ قال أبو داود : أبو البختري لم يسمع من أبي سعيد ] وهذا لا يؤثر؛ لأن هذه الرواية ثابتة في الرواية السابقة وفي غيرها من الروايات، فلا يؤثر الانقطاع إلا إذا جاء من هذا الطريق فقط، ولكن ما دام الحديث ثابتاً من طريق أخرى فيكون هذا صحيحاً لكونه جاء من طرق أخرى صحيحة. وأما هذا السند فمنقطع لأن أبا البختري لم يسمع من أبي سعيد .
أورد المصنف أثراً عن إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي رحمة الله عليه أنه قال: الوسق ستون صاعاً مختوماً بالحجاجي، والمقصود من ذلك بيان مقدار الوسق، وقوله: بالحجاجي نسبة للحجاج، وهو -كما سبق- ثلاثمائة صاع، لأن 60×5=300 صاع، وهو 900 كيلو، لأن الصاع يساوي 3كيلو.
وهذا الأثر مقطوع؛ لأنه انتهى إلى التابعي، وهو غير المنقطع، فالمقطوع من صفات المتن، والمنقطع من صفات الإسناد، كأن يسقط من إسناده واحد أو أكثر.
محمد بن قدامة بن أعين ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا جرير ].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المغيرة ].
المغيرة بن مقسم الكوفي الضبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم ].
إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد المصنف حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال له رجل: إنكم تحدثوننا بأشياء لا نجدها في كتاب الله، فغضب عمران رضي الله عنه، وذلك لأن هذا فهم خاطئ، والسنة تلقاها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرسول كما تلقوا القرآن عنه، وهم الذين أدوا إلينا الكتاب والسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني: السنة، فالسنة وحي من الله كما أن القرآن وحي من الله، إلا أن القرآن وحي معجز، ومتعبد بتلاوته وبالعمل به، والسنة متعبد بالعمل بها كما يتعبد بالقرآن، ولا فرق بين السنة والقرآن في العمل.
وأيضاً السنة داخلة في القرآن، ومأمور بها في القرآن، قال الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] فالسنة كلها داخلة تحت هذه الآية؛ ولهذا جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه لما لعن النامصة والمتنمصة وقال: ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجود في كتاب الله، فقالت له امرأة: يا أبا عبد الرحمن ! إنك قلت كذا وكذا، وإنني قرأت المصحف من أوله إلى آخره فما وجدت فيه ذكر النامصة والمتنمصة! فقال: إن كنت قرأته فقد وجدته، قال الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].
عمران رضي الله عنه لما سأله هذا السائل غضب وقال: أين وجدتم في القرآن أن في كل أربعين درهماً درهم؟! يعني أن مقادير الزكاة ما وجدت في القرآن، بل وجدت في السنة، ففيها مقدار زكاة الدراهم والإبل والغنم، وهذا لا يوجد في القرآن، ولكن السنة مفسرة للقرآن ومبينة له ودالة عليه، وهي شقيقة القرآن، ويتعبد الله بالعمل بها كما يتعبد بالقرآن، وآيات القرآن جاءت بالأمر بالعمل بما في السنة، بل إن إنكار السنة إنكار للقرآن، وجحد السنة جحد للقرآن، وكيف يتعبد الناس لو اقتصروا على القرآن ولم يلتفتوا إلى السنة؟!
فالصلاة التي هي عمود الإسلام من أين عرف الناس أن صلاة الظهر أربع ركعات، وأن العصر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن العشاء أربع ركعات، وأن الفجر ركعتان، ولا وجود لهذا في القرآن، وهذا إنما وجد في السنة، فالسنة موضحة للقرآن، وشارحة له، ودالة عليه، والكفر بالسنة كفر بالقرآن، ومن أنكر السنة فهو منكر للقرآن، لأن السنة كلها داخلة تحت قول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وكذلك قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36].
والحاصل أن الذي قاله عمران رضي الله عنه كلام عظيم، وإن كان في الإسناد من هو متكلم فيه، فإن المعنى صحيح لا إشكال فيه، ولا خلاف فيه، فتوجد أمور كثيرة يعمل الناس بها ويتعبدون الله بها ولا وجود لها في القرآن، وهذا أمر واضح لا إشكال فيه ولا خلاف فيه بين أهل العلم.
وقد جاء نحو هذا من طريق الحسن البصري عن عمران بن حصين وهو عند الحاكم في المستدرك وغيره، فالمعنى صحيح، فالسنة لا بد من العمل بها، وكثير من الأحكام الشرعية إنما تؤخذ من السنة، ولا تؤخذ من القرآن، والسنة يحتج بها كما يحتج بالقرآن، ويعول عليها كما يعول على القرآن، ولا يفرق المسلم بين السنة والقرآن.
محمد بن بشار الملقب بـبندار البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري ].
محمد بن عبد الله الأنصاري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا صرد بن أبي المنازل ].
صرد بن أبي المنازل وهو مقبول أخرج له أبو داود .
[ سمعت حبيباً المالكي ].
حبيب المالكي هو حبيب بن أبي فضلان أو فضالة، وهو مقبول أخرج له أبو داود .
[ عن عمران ].
عمران بن حصين أبو نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر