حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خموش، أو خدوش، أو كدوح في وجهه، فقال: يا رسول الله! وما الغنى؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب) ].
أورد أبو داود باب من يعطى من الصدقة، وحدّ الغنى، يعني: من الذي يعطى من الصدقة وما حدّ الغنى، أي: ومن هو الفقير ومن هو الغني؟
والذي يعطى من الصدقة أعم من كونه فقيراً؛ لأن الصدقة مصارفها ثمانية، فهل لابد أن تكون الزكاة في المصارف الثمانية أو أنه يجوز صرفها في صنف واحد؟
قال بعض أهل العلم: لابد أن توزع على المصارف الثمانية، ومنهم من قال: يكفي توزيعها في صنف واحد كما جاء في حديث معاذ : (تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم) وكما حصل من عمران بن حصين عندما جمعها وأعطاها للفقراء.
وحدُّ الغنى جاء في الحديث الذي أورده أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خموش، أو خدوش، أو كدوح في وجهه، فقال: يا رسول الله! وما الغنى؟)؛ لأنه قال: (وله ما يغنيه) فطلبوا منه أن يفسر قوله: (وله ما يغنيه)، فقال: (خمسون درهماً، أو قيمتها من الذهب) وكأن المقصود من ذلك أنه يسأل في حينه وفي وقته وعنده ما يكفيه، وأما لو كان عند الإنسان خمسون درهماً فإنه يجوز أن يعطى من الزكاة ما يكفيه لمدة سنة، والمحذور هنا هو أن يسأل الإنسان وعنده شيء يغنيه في يومه وليلته أو أكثر من ذلك كما سيأتي، فالإنسان الذي عنده كفايته لا يسأل في الوقت الذي عنده تلك الكفاية، ولكن إذا نفذ ما عنده فله أن يسأل.
وعلى هذا فذكر هذا العدد ليس قيداً في كون الإنسان لا يعطى من الزكاة وعنده خمسون درهماً، وإنما يتعلق بمنع المسألة، وأن الإنسان لا يسأل وعنده هذا المقدار، لأنه غني في وقته وإن كان ليس عنده شيء يغنيه طوال السنة، ولذلك فهو أهل لأن يعطى من الزكاة، والزكاة تؤخذ في كل عام فيعطى الفقراء ما يكفيهم إلى نهاية العام، ثم إذا جاء العام الآخر أخذت الزكاة فيعطون ما يكفيهم .. وهكذا.
إذاًً: هذا المقدار ليس حداً لكونه لا يعطى من الزكاة، ولكنه حد لكونه لا يسأل؛ لأن عنده شيئاً يغنيه عن السؤال في وقته.
قوله: (خموش، أو خدوش، أو كدوح) هي آثار في الوجه، ومعنى ذلك: أنه سأل وأراق ماء وجهه، فيعاقب يوم القيامة بأن يأتي وهو على هذه الهيئة التي تصير علامة على سؤاله وهو ليس أهلاً لذلك؛ فإنه غني في الوقت الذي سأل فيه.
الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا يحيى بن آدم ].
يحيى بن آدم الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حكيم بن جبير ].
حكيم بن جبير ، وهو ضعيف، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ].
محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
وهو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله ].
هو عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث ضعيف، ففي إسناده حكيم بن جبير ، ولكن قد جاءت أحاديث أخرى تدل على ذم المسألة، وعقوبة صاحبها.
وأما سؤال ولاة الأمر، فالذي يبدو أنه لا بأس به إذا كان للإنسان شيء قليل لا يكفيه ولا يغنيه، وأما الذي عنده شيء كثير ولكنه يتكثر فهذا الذي ينبغي له أن يستعفف، وينبغي له ألا يسأل ولاة الأمر.
وفي هذا الوقت يكون عند الإنسان راتب يكفيه، لكنه يريد أن يستزيد، فهذا لو يستعفف لكان خيراً له، فمن يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله، وأما إذا جاء من غير مسألة ولا إشراف نفس فلا بأس بأخذه كما في حديث عمر (من غير مسألة ومن غير إشراف نفس) الحديث.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال يحيى : فقال عبد الله بن عثمان لـسفيان : حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير ، فقال سفيان : فقد حدثناه الزبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ].
[ قال: يحيى ].
يحيى بن آدم الذي مر ذكره.
[ فقال عبد الله بن عثمان لـسفيان ].
عبد الله بن عثمان هو البصري وسفيان هو الثوري.
وقوله: (حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير)، أي: الذي أحفظه أنه لا يروى عن حكيم ، يعني: لضعفه، فقال: (حدثناه زبيد) وهو زبيد بن الحارث اليامي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
بقي علينا أن نعرف بـعبد الله بن عثمان :
عبد الله بن عثمان الذي يبدو أنه البصري، الذي قيل إنه صاحب شعبة ، قال النسائي : ثقة ثبت أخرج له الترمذي والنسائي وابن ماجة ، ولم يذكر أبا داود لعله لأنه هنا معلق.
قال الأسدي: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية -والأوقية أربعون درهماً- قال: فرجعت ولم أسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك شعير أو زبيب فقسم لنا منه أو كما قال، حتى أغنانا الله عز وجل ].
أورد أبو داود حديث رجل من بني أسد جاء هو وأهله إلى المدينة، فنزلوا في بقيع الغرقد، أي: في منطقة البقيع يعني: ليس معناه أنهم نزلوا في البقيع ولكنهم نزلوا في منطقة البقيع يعني حوله، فقال له أهله: (اذهب إلى رسول الله فسله لنا شيئاً نأكله)، أي: سله لنا طعاماً نأكله.
فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده رجلاً يسأله، فاعتذر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وذكر أنه ليس عنده شيء يعطيه إياه، فغضب ذلك الرجل وقال: لعمري إنك تعطي من شئت! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يغضب علي ألا أجد ما أعطيه؟! من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)، والأوقية أربعون درهماً؛ لأن نصاب الفضة خمس أواق، ومقدارها مائتا درهم، فالأوقية إذاً أربعون درهماً.
قوله: (فقد سأل إلحافاً) يعني: سأل وعنده ما يغنيه، فيكون قد ألح في السؤال وهو ليس محلاً لذلك، وهذا في حال وجود ذلك المقدار عنده، وأما إذا لم يكن عنده هذا المقدار فله أن يسأل، وهذا كما هو معلوم شيء، وإعطاؤه من الزكاة شيء آخر، فهو وإن كان ينبغي له ألا يسأل لكنه يُعطي من الزكاة ما يكفيه لمدة سنة وإن كان عنده أربعون درهماً. فهذا الأسدي الذي جاء كفته هذه المحاورة التي جرت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ذلك الرجل، وذلك عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول له هذه المقالة.
قوله: (فقال الأسدي: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية).
الأسدي: نسبة إلى بني أسد، واللقحة هي الناقة، فيشربون من حليبها، وهي عندهم خير من الأوقية التي هي أربعون درهماً.
قوله: (قال: فرجعت ولم أسأله) أي: كفاه ذلك الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يسأله، فجاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعيرٌ أو زبيب فأعطاه منه حتى أغناه الله).
وقد جاء في الحديث الماضي: خمسون، وهنا: أربعون، وهما متقاربان.
وأما مقدار ذلك الآن فالمائتا درهم تعادل ستة وخمسين، فالأربعون أوقية خمُس الستة والخمسين، أي: أحد عشر وخمس من ريالات الفضة، فإذا قيل: إن الريال عُشر الفضة فالعشرة ريالات فضة تصير مائة وعشرة ريال.
ومرجع الإعطاء والكفاية إلى العرف، فبعض الأماكن وبعض الناس تختلف قضية الغنى والفقر عندهم فالأعزب مثلاً ليس كالمتزوج الذي عنده عيال من حيث الغنى والفقر، فتختلف الكفاية بحسب ذلك، وكذلك تختلف كفاية العائلة بحسب عدد أفرادها وهكذا.
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن زيد بن أسلم ].
زيد بن أسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن يسار ].
عطاء بن يسار وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن رجل من بني أسد ].
أي أنه مبهم، والمبهم والمجهول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المعلوم؛ لأن جهالة الصحابة لا تؤثر، وإنما تؤثر الجهالة في غيرهم، وأما هم فما داموا أنهم صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمجهول فيهم في حكم المعلوم.
[ قال أبو داود : هكذا رواه الثوري كما قال مالك ].
يعني: بهذا اللفظ.
والله تعالى أعلم.
أقول: لما قال علي رضي الله عنه هذا الكلام هل سلم من الخصوم؟! فالدنيا يوجد فيها خصوم، وهذا الكلام فيه مبالغة، ثم هذه أمور غيبية، فيكفي الناس ما صح وثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذكار والأدعية والأعمال الصالحة، وأما الأشياء التي فيها مبالغات، والتي ليس لها أساس من الصحة فالبعد عنها أسلم.
[ حدثنا قتيبة بن سعيد وهشام بن عمار قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف، فقلت: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية -قال
سبق بعض الأحاديث المتعلقة بذكر من يُعطى من الصدقة، ومما يدل على ذلك أيضاً حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف)، والأوقية -كما هو معلوم- هي أربعون درهماً.
(فقلت: ناقتي الياقوتة)، اسم ناقته ياقوتة، (خير من أوقية) يعني: أنه يملك شيئاً كثيراً. (قال
قوله: (فرجعت فلم أسأله شيئاً) أي: أنه لما سمع هذا الكلام اكتفى به.
وزاد هشام في حديثه: (وكانت الأوقية في عهده صلى الله عليه وسلم أربعين درهماً) أي أنه قال هذا ليبين أن الأوقية هي هذا المقدار من الدراهم.
قد يفهم من هذا الحديث أن أبا سعيد هو صاحب القصة، ويفهم منه أيضاً أن صاحب القصة هو ذلك الرجل الذي جاء وسأل كما في الحديث السابق، فليس في هذا الحديث أن أبا سعيد سأل، وإنما أخبر بأنه سمع هذا الكلام، فيحتمل أن يكون المقصود بهذا الكلام هو أبا سعيد ، ويحتمل أن يكون المقصود به الرجل السابق صاحب بني أسد.
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وهشام بن عمار ].
هشام بن عمار صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال ].
عبد الرحمن بن أبي الرجال وهو صدوق ربما أخطأ أخرج له أصحاب السنن، وابن أبي الرجال كنية أبيه: أبو الرجال ، وهو محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، وقيل له: أبو الرجال ؛ لأنه ولد له عشرة من البنين، فكان يقال له: أبو الرجال ، وهذا لقب، وأما كنيته: فـأبو عبد الرحمن ، وهذا من جنس أبي الزناد ، فإنه لقب، واسمه: عبد الله بن ذكوان ، وكنيته: أبو عبد الرحمن ، فكل من أبي الزناد وأبي الرجال لقب على صيغة الكنية، وكل منهما يكنى بأبي عبد الرحمن.
[ عن عمارة بن غزية ].
عمارة بن غزية لا بأس به، وهي بمعنى: صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ].
عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
أبوه هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه سعد بن مالك بن سنان ، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال غيره: الإلحاف في المسألة مأخوذ من قولهم: ألحف الرجل، إذا مشى في لحف الجبل، وهو أصله، فكأنه استعمل للخشونة في الطلب.
وهذه قسوة وخشونة في الطلب، وليس هناك سهولة ولين، وهذا كالذي ذهب ليسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما قال له: (لا أجد ما أعطيك، قال: إنك تعطي من شئت)، فهذه هي الخشونة في الطلب.
فقالوا: يا رسول الله! وما يغنيه؟ وقال النفيلي في موضع آخر: وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه
).وقال النفيلي في موضع آخر: أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم. وكان حدثنا به مختصراً على هذه الألفاظ التي ذكرت ].
وأورد أبو داود حديث سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، أن الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه، فكتب لهما بطلبهما، فأخذ الأقرع بن حابس الكتاب ولفه في عمامته وانطلق، وأما عيينة بن حصن فإنه جاء وقال: إني لا أدري ما في هذا الكتاب، وإني أشبّه بـالمتلمس الذي حمل الصحيفة وهو لا يدري ما فيها، وقصة المتلمس : أن رجلين يقال لأحدهما: المتلمس جاءا إلى أمير من الأمراء أو كبير من الكبراء، فحصل منهما هجر له، ثم كتب لكل واحد منهما كتاباً إلى بعض عماله، وكان الكتاب مشتملاً على قتل كل واحد منهما إذا وصلا إلى ذلك العامل، فأما أحدهما فذهب بذلك الكتاب إلى العامل ففتحه العامل وقتله، وأما هذا ففتح الكتاب في الطريق ووجد فيه أنه سيقتل، فمزق الكتاب وهرب، فصار يقال للذي يحمل شيئاً فيه حتفه ومضرته: كحامل صحيفة المتلمس .
فـعيينة يقول: إنني لا أدري ما فيها، فلعلي أكون حاملاً صحيفة المتلمس ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل وله ما يغنيه فإنما يستكثر من النار)، وفي رواية (يستكثر من جمر جهنم)، يعني: أن سؤال الإنسان وعنده ما يغنيه يعود عليه بالمضرة، ويعاقب على ذلك، وأنه إنما يستكثر من جمر جهنم، ويكون ذلك قلةً وكثرةً على حسب استكثاره من السؤال والطلب وعنده ما يغنيه.
قوله: (فقالوا يا رسول الله! وما يغنيه؟ قال النفيلي: قالوا: وما الغنى الذي لا تكون معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه) يعني: في ذلك اليوم، فالإنسان الذي عنده طعام يومه وليلته ثم يسأل بعد ذلك فإنه يكون عند ذلك سائلاً وهو غني.
وقد رواه النفيلي على عدة أوجه مختصرة، وهنا أشار أبو داود إلى هذه الروايات المتعددة التي حدث بها النفيلي ، فذكر كل فقرة على حدة، وبألفاظ مختلفة.
قوله: (أن يكون عنده شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم) هو مثل الذي قبله: أن يكون عنده ما يغديه ويعشيه.
قوله: (وكان حدثنا به مختصراً على هذه الألفاظ)، يعني: مرة هكذا، ومرة هكذا، وهنا جمعها وأشار إلى ألفاظها المختلفة.
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا مسكين ].
مسكين وهو ابن بكير الحراني، وهو صدوق يخطئ أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا محمد بن المهاجر ].
محمد بن المهاجر ، وهو ثقة أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن ربيعة بن يزيد ].
ربيعة بن يزيد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي كبشة السلولي ].
أبو كبشة السلولي ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا سهل بن الحنظلية ].
سهل بن الحنظلية صحابي أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأبو داود والنسائي .
[ عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ].
عيينة بن حصن والأقرع بن حابس زعيمان وكبيران من كبار قومهما، قيل: إنه عليه الصلاة والسلام أعطاهما لتأليف قلوبهما.
وقد يستشكل بعضهم هذه العبارة: (فقال: يا محمد! أتراني حاملاً إلى قومي كتاباً لا أردي ما فيه كصحيفة المتلمس ؟! فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فالاستشكال: ألم يقل الأقرع هذا الكلام في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يحتاج إلى إخبار معاوية بذلك؟
والجواب: يمكن أن يكون طلب من معاوية أن يقول هذا الكلام، أو أنه قاله للنبي صلى الله عليه وسلم وقاله لـمعاوية ، فأخبر معاوية بما قيل له، وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيضاً، فيكون حصل من الجهتين: فقد قاله للنبي صلى الله عليه وسلم، وقاله لـمعاوية ، وأخبر معاوية أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
أورد أبو داود حديث زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الصدقة، فقال: إن الله عز وجل قد تولى قسمة الصدقات بنفسه ولم يوكلها إلى نبي، فإن كنت من أهل هذه الأجزاء -أي: الأجزاء الثمانية التي ذكرها الله في سورة التوبة-أعطيتك حقك. أي: من الزكاة.
فالحديث فيه أن مصارف الزكاة ثمانية كما جاء في القرآن، وأن من كان من أهل الزكاة فإنه يعطى منها، ومن لم يكن من أهلها فإنه لا يعطى؛ لأنها إنما جعلت للمصارف الثمانية، وقد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن الزكاة توزع على المصارف الثمانية، وأنها لا تكون في صنف واحد.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا بأس بصرفها في صنف واحد، ولا يلزم توزيعها على المصارف كلها، ويستدلون على ذلك بحديث معاذ حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب...) وفي آخره: (فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم)، فعلى هذا القول لا يتعين توزيعها على المصارف الثمانية، وقد توجد بعض هذه المصارف وقد لا توجد، فمصرف العاملين عليها مثلاً قد لا يوجد، وذلك إذا كانت الزكاة تحصل بدون عمال، وكذلك مصرف المؤلفة قلوبهم، فربما لا يوجد من يؤلف قلبه، وكذلك ربما لا يوجد ابن سبيل، فتصرف الزكاة في المصارف الثمانية ولا تتعداهم إلى غيرهم، وإن صرفت في صنف واحد كالفقراء فلا بأس بذلك.
ولا شك أنه إذا كانت الرقاب موجودة، وكذلك ابن سبيل وغيرهما، فإعطاء كل هذه المصارف هو المناسب، لكن إذا كانت الحاجة أشد في بعض المصارف كالفقراء فلا بأس أن تعطى لهم، وإذا كانت الأموال كثيرة فتعطى الجهات كلها، ولكنه ينظر إلى الأصلح والأعظم فائدة، والأكبر منفعة فيقدم على حسب ذلك.
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا عبد الله يعني: ابن عمر بن غانم ].
عبد الله بن عمر بن غانم وثقه ابن يونس وغيره.
[ عن عبد الرحمن بن زياد ].
عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ، ضعيف في حفظه أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ سمع زياد بن الحارث الصدائي ].
زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه أحد الصحابة، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة .
وهذا الحديث ضعيف.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان، وإنما المسكين الذي لا يسأل الناس شيئاً، ولا يتفطنون به فيعطونه).
قوله: (ولا يفطنون به فيعطونه) ليس المقصود من هذا نفي المسكنة عن المسكين الذي يسأل الناس؛ لأن كلاً منهما مسكين، ولكن المقصود بيان صفة المسكين الأعظم، والمسكين الذي هو أهم وأشد، فليس عنده شيء ولا يسأل، وأما المسكين الذي يسأل فإنه يعطى فيأكل ويستفيد.
إذاً: فليس المقصود من نفي المسكنة هنا نفيها على الحقيقة في المسكين الذي يسأل، لكنه وإن كان مسكيناً إلا أنه دون من لا يسأل، ولهذا نظائر وأمثلة منها قوله (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، فالصرعة هو الذي يصرع الرجال، وليس هو شديداً على الحقيقة، وإنما الشديد حقيقة هو الذي يملك نفسه عند الغضب، وإن كان الذي يصرع الرجال هو شديداً، ولكنه ليس بشديد حقيقة.
وكذلك الحديث الذي قال صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس ما لا درهم عنده ولا متاع، قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج..)، فالذي ذكروه مفلس، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد مفلس الآخرة، وهم فهموا أن المقصود مفلس الدنيا، فهذا مفلس وهذا مفلس، ولكن المفلس على الحقيقة هو مفلس الآخرة، فهذه الأمثلة تشبه ما جاء في هذا الحديث: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان) يعني: اللقمة واللقمتان، فالأكلة هي اللقمة، (وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن الناس به فيعطونه)؛ فهو متعفف مع شدة حاجته، وتجده صابراً غير سائل، فهذا هو الذي يستحق أن يعطى، وأما السائل الذي يسأل ويعطى فهو أخف منه؛ لأنه يجد ما يأكله.
عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في (عمل اليوم والليلة) وابن ماجة .
[ وزهير بن حرب ].
زهير بن حرب هو أبو خيثمة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا جرير ].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي صالح ].
أبو صالح هو ذكوان السمان ، اسمه ذكوان ، ولقبه السمان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه بيان المسكين على الحقيقة، وهو المتعفف الذي لا يسأل، وجاء فيه أيضاً أنه المحروم، وتفسيره بالمحروم مدرج من كلام الزهري ، وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ وعبيد الله بن عمر ].
عبيد الله بن عمر بن ميسرة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ وأبو كامل ].
أبو كامل هو: الفضيل بن حسين الجحدري وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ المعنى، قالوا: حدثنا عبد الواحد بن زياد ].
أي: أنهم متفقون في المعنى مع اختلافهم في الألفاظ.
وعبد الواحد بن زياد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معمر ].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
الزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ].
هو ابن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره.
قال أبو داود : [ روى هذا الحديث محمد بن ثور وعبد الرزاق عن معمر ، وجعل (المحروم) من كلام الزهري ، وهو أصح ].
ثم ذكر طريقاً أخرى وفيها بيان أن (المحروم) من كلام الزهري وهو أصح، يعني: فيكون مدرجاً من كلام الزهري .
ومحمد بن ثور ثقة أخرج له أبو داود والنسائي .
[ وعبد الرزاق ].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معمر ].
معمر مر ذكره.
أورد أبو داود حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار : أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه، فنظر فيهما -يعني: صوب النظر وخفضه- فوجدهما جلدين -أي: نشطين قويين عليهما أثر الصحة والعافية والقوة- فقال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب، معناه: أنه لم يعرف حالهما؛ لذلك فوض الأمر إليهما، وأنهما إن كانا من أهلها فإنه يعطيهما، وإن لم يكونا من أهلها فإنهما لا حق لهما فيها.
وقوله: (لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب) الغني هو الذي عنده ما يكفيه، والقوي المكتسب هو الذي عنده قدرة على العمل مع وجود العمل، فمن المعلوم أن العمل قد يكون متوفراً وقد لا يتوفر، لكن من كان أهلاً للصدقة فإنه يعطى منها كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب) يعني: أن الأمر إليكما، فلا أدري ما الذي حصل بعد ذلك: هل أخذا أو لم يأخذا؟ ولكن كلام النبي صلى الله عليه وسلم يفيد بأن الذي يسأل هو صاحب الحاجة، أو من كان عليه أثر الضعف، وأما الذي عنده قوه فينبغي عليه أن يعمل وألا يسأل الناس، ولهذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يرشد إلى العمل، ويأمر الإنسان أن يأخذ فأساً وحبلاً ويحتطب، ثم يبيع ذلك الحطب، ثم يأكل من عمل يده.
ولا فرق في ذلك بين الصدقة الواجبة والنافلة ما دام أنها تسمى صدقة، فلا تعطى إلا لفقير ولو كانت نافلة، وأما غير الفقير فإنه يعطى هدية، فالإنسان الذي لا يستحق الصدقة يهدى إليه، ولهذا يفرقون بين الصدقة والهدية، كما يذكرون في الهدي أنه يأكل منه ويتصدق ويهدي، أي: يعطي من لا يستحق الصدقة.
وبعض أهل العلم يقول: إن الصدقة النافلة يجوز أن تعطى لمن كان غنياً، لكن ما دام أنها صدقة فلا تكون إلا للفقراء والمساكين، وأما غيرهم فلا يسميها صدقة، وإنما يسميها هدية إذا أعطيت للأغنياء، ذكر ذلك صاحب عون المعبود، وأظنه أشار في الحاشية هنا أن هذا في الزكاة، وأما الصدقة النافلة فإنه لا بأس بذلك، لكن يبدو -والله أعلم- أن كل ما يقال له صدقه فالأولى ألا يصرف إلا في مصارف الصدقة.
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا هشام بن عروة ].
هشام بن عروة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
وهو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ].
عبيد الله بن عدي بن الخيار استشهد أبوه عام الفتح وهو مميز قيل إنه لا تعرف له رواية، وقال في التقريب: (عد في الصحابة وعده العجلي وغيره في ثقات التابعين)، أي: عد في الصحابة؛ لكونه كان مميزاً في حجة الوداع، وعده العجلي وغيره في ثقات التابعين، ومعنى ذلك أنه ليس بصحابي عندهم، وهذا إذا كان لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الصغير من الصحابة الذي له رؤية فإنه يكون معدوداً في كبار التابعين من حيث الرواية، ومعدوداً في الصحابة من حيث الرؤية.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي)، فقوله: (مرة) أي: قوة، وقوله: (سوي) يعني: أنه سليم وليس به عاهة أو نقص، كما جاء في سورة النجم في وصف جبريل عليه السلام: ذُو مِرَّةٍ [النجم:6] أي: ذو قوة، فيصير مثل الحديث الذي قبله: (لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب)، فقوله هنا: (ذي مرة سوي) هو مثل قوله: (لقوي مكتسب).
عباد بن موسى الأنباري الختلي ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا إبراهيم يعني: ابن سعد ].
إبراهيم بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبي ].
أبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ريحان بن يزيد ].
ريحان بن يزيد مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي .
[ عن عبد الله بن عمرو ].
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أحد العبادلة الأربعة من الصحابة،.. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث صححه الألباني ، وفيه هذا المقبول، فلعل هناك طرقاً أخرى جاءت في معناه، فالحديث الذي قبله يشهد له، فقوله: (لذي مرة سوي) هو نفسه القوي المكتسب، وكذلك يشهد له الحديث الذي بعده.
ذكر أبو داود عدة طرق بعدة ألفاظ، وقد علق هذه الطرق، وألفاظ بعضها كالرواية السابقة: (ذي مرة سوي)، وفي بعضها: (لذي مرة قوي)، ولا شك أن قوله: (لذي مرة سوي)، أوضح من قوله: (لذي مرة قوي)؛ لأن المرة هي القوة، وأما السوي فهي تؤدي معنى آخر وهو سلامة الأعضاء، والسلامة من العاهات، مع القوة والنشاط والقدرة.
ثم قال أبو داود : [ رواه سفيان عن سعد بن إبراهيم كما قال إبراهيم ].
وسفيان يحتمل أن يكون ابن عيينة ويحتمل أن يكون الثوري ، ولعله هنا الثوري ؛ لأن شعبة -كما في بعض الطرق- والثوري قرينان، ويتفقان في كثير من الشيوخ، وطبقتهما واحدة، وقد رواه شعبة .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وقال عطاء بن زهير : إنه لقي عبد الله بن عمرو فقال: (إن الصدقة لا تحل لقوي، ولا لذي مرة سوي) ].
يعني أنهما ما اتفقا على اللفظ الأول.
وعطاء بن زهير مستور، أخرج له أبو داود .
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر