حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد رضي الله عنه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه رجل بمثل بيضة من ذهب فقال: يا رسول الله! أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من خلفه، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة، ثم يقعد يستكفُّ الناس! خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) ].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى:
باب الرجل يخرج من ماله، أي: أنه يتصدق بما يملك ولا يبقي عنده شيئاً منه، وذكْر الرجل هنا لا مفهوم له، فإن المرأة كذلك، وإنما يأتي ذكر الرجال كثيراً؛ لأن الغالب أن الكلام والخطاب يكون معهم، وإلا فإنه لا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا ما فرقت فيه النصوص، فعند ذلك يفرق بين الرجال والنساء في ذلك. وهذه الترجمة من التراجم الكثيرة التي تأتي في سنن أبي داود رحمه الله وفيها التنصيص على الرجال؛ وذلك لأنهم الذين يكون معهم الخطاب غالباً، فليس له مفهوم.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: أن رجلاًجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه قطعة ذهب مثل البيضة وقال: خذها يا رسول الله! فهي صدقة لا أملك غيرها فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى جهة اليمين فقال له ذلك، فأعرض عنه، ثم جاء إلى جهة اليسار فأعرض عنه، ثم أخذها منه وحذفه بها ولم تصبه، قال: ولو أصابته لأوجعته أو لعقرته أي: لحصل له ضرر بها، ثم قال: يأتي أحدكم بما يملك ويقول: هذه صدقة ثم يذهب يتكفف الناس، أي: يسأل الناس ويمد لهم يده؛ لأنه ليس عنده شيء، فقد أخرج ماله وتصدق بما يملك، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) أي: أن تكون الصدقة من مال كثير، فإذا تصدق بها صاحبها بقي عنده شيء لقوته ولنوائبه وما يحتاج إليه،وهذا بخلاف ما إذا أخرج ما عنده وليس عنده شيء يقتاته فإنه يضطر إلى أن يسأل الناس، وإلى أن يمد يده وكفه للناس؛ ليضعوا فيها شيئاً مما يحتاج إليه.
والتكفف -كما هو واضح- أنه يسأل الناس ويمد كفه، ومنه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) أي: يمدون أكفهم للناس ويسألونهم ما يحتاجون إليه، فالإنسان يُبقي على ماله ولا يتصدق بماله كله، وإنما يتصدق بما يمكنه منه، بحيث يبقى عنده ما يقوم بمصالحه.
وهذا الحديث فيه من الناحية الإسنادية محمد بن إسحاق وهو صدوق يدلس، وقد روى هنا بالعنعنة، وقد ضعف هذا الحديث الشيخ الألباني ، ولعل ذلك بسببه، والجملة الأخيرة وهي قوله: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) ثبتت في أحاديث صحيحة سبق أن مرت، وسيأتي بعضها.
قوله: (أصبتُ هذه من معدن) أي: كأنه أخذها من مكان يستخرج منه معدن الذهب.
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
حماد هو ابن سلمة البصري ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن .
[ عن محمد بن إسحاق ].
محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق يدلس أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عاصم بن عمر بن قتادة ].
عاصم بن عمر بن قتادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمود بن لبيد ].
محمود بن لبيد رضي الله عنه وهو من صغار الصحابة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن .
عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم أورد الحديث من طريق أخرى، وفيه زيادة: (خذ عنا مالك لاحاجة لنا به) أي: مادام أن هذا شأنك ووضع وحالك فأنت أولى به من غيرك.
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في (عمل اليوم والليلة) وابن ماجة .
[ حدثنا ابن إدريس ].
هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه ].
ابن إسحاق مر ذكره .
ثم أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد وحالته رثة فحث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فطرح الناس ثياباً يتصدقون بها فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين، ثم إنه حث على الصدقة فجاء ذلك الرجل الذي أعطاه الثوبين وطرح ثوباً، فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (خذ ثوبك) أي: أنت بحاجة إليه وأولى به، فإنه ليس عندك إلا هذان الثوبان.
فهذا وإن كان لم يتصدق بكل ما عنده إلا أنه شبيه بمن تصدق بما عنده؛ لأنه لم يبقِ إلا ثوباً يستر به عورته.
فكأن النبي لما حث على الصدقة مرة أخرى كان ذلك في وقت آخر، وليس في نفس الوقت، والرجل قد لبس الثوبين، فلما سمع الحث على الصدقة طرح أحد الثوبين، وجاء في بعض الروايات عند بعض الأئمة أنه دخل والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب.
إسحاق بن إسماعيل ثقة أخرج له أبو داود .
[ حدثنا سفيان ].
سفيان هو ابن عيينة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عجلان ].
ابن عجلان هو محمد بن عجلان المدني صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عياض بن عبد الله بن سعد ].
عياض بن عبد الله بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن خير الصدقة ما ترك غنى) أي: ما ترك بعد الصدقة شيئاً فيه كفاية وفيه غنى، فإذا كان كذلك فإنه يبقي له ما يقوم به حاله، وأما إذا تصدق بما عنده فإنه قد يحتاج، فيقع في نفسه شيء من الندم على فعله، فيتمنى أنه أبقى شيئاً؛ حتى لا يحتاج إلى الناس.
وقوله: (ما ترك غنى، أو تصدق به عن ظهر غنى) هذا شك من الراوي: هل قال هذا أو قال هذا، ومعناهما واحد، فما أبقى غنى، أي: بعد إخراج الصدقة، وما كان عن ظهر غنى، أي: من مال كثير تُخرج منه تلك الصدقة ولا تؤثر في المخرج منه لكثرته ولحصول الغنى به لصاحبه، وهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الجملة التي مرت في الحديث السابق بهذا المعنى وهي قوله: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) ففيها محمد بن إسحاق وقد عنعن، إلا أن هذا الحديث الذي معنا هنا يشهد لها، فتكون ثابتة.
قوله: (وابدأ بمن تعول) أي: أن هذا الذي يبقى عند الإنسان يكون له ولمن يعوله ويكون مسئولاً عنه، ومن تجب عليه نفقته، فإنه يبدأ به ويقدمه على غيره.
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
الأعمش هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي صالح ].
أبو صالح اسمه ذكوان ، ولقبه السمان وهو مدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن موهب الرملي قالا: حدثنا الليث عن أبي الزبير عن يحيى بن جعدة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المُقِلّ، وابدأ بمن تعول) ].
أورد أبو داود رحمه الله: باب الرخصة في ذلك، أي: في كون الإنسان يخرج من ماله، فالترجمة فيها إشارة إلى الترجمة السابقة وهي أن الإنسان يتصدق من ماله.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الصدقة جهد المقل، وابدأ بمن تعول) وجهد المقل قدر الاستطاعة وما يمكن إخراجه فالصدقة ممن هو مقل تعتبر كثيرة بالنسبة لما يملك، وهذا بخلاف الإنسان الذي عنده المال الكثير، ويخرج من ماله شيئاً قليلاً، فإنها بالنسبة لما يبقي تكون قليلة.
قوله: (وابدأ بمن تعول) أي: أن الإنسان يبدأ بمن يعوله بالبر والإحسان؛ لأنه أولى بالمعروف والإحسان إليه.
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ويزيد بن خالد بن موهب الرملي ].
يزيد بن خالد بن موهب الرملي ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا الليث ].
الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزبير ].
أبو الزبير هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن جعدة ] ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، وكان في ذلك الوقت عنده مال، ففرح بذلك؛ لأن هذا الدعاء إلى الصدقة جاء في وقت مناسب وهو أنَّ عنده مالاً يتصدق به، وهذا يدلنا على فرح الصحابة رضي الله عنهم عندما يأتي الحث من الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدقة وعند الواحد منهم مال؛ حتى يتمكن من تحقيق هذا المطلب، وتحقيق هذه الرغبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله عنه يعرف أن أبا بكر رضي الله عنه سباق إلى الخير، وأنه لا ينافس في سبقه إلى الخير رضي الله عنه وأرضاه قوله: (فقلت: أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً) هذا يعني أنه كان يعترف بأن أبا بكر كان يسبقه، فلما جاءت هذه الدعوة للصدقة مع وجود مال عنده أراد أن ينافس أبا بكر في هذه المرة، فقال: أسبقه إن سبقته يوماً، يعني: إن سبقته يوماً فهو هذا اليوم، لأنه جاء في وقت عندي فيه مال، فأخرج نصف ماله.
فقوله: (إن سبقته يوماً)، أي: فهو هذا اليوم، فتكون (إن) شرطية، وقيل: إنها نافية، أي: ما سبقته يوماً، فأنا أريد في هذه المرة أن أسبقه، فلم يسبق لي أن سبقته في يوم من الأيام و(إن) كما هو واضح تكون نافية، وقد قال شيخنا الشيخ: محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه في تفسير قول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81] إن الأصح والأولى فيها أن تكون نافية، ومعنى ذلك: ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين.
وفيها قول آخر: أنها شرطية، وأن هذا شيء لا يكون، وإنما يفترض فرضاً، فهو لا يكون له ولد، فأنا أول العابدين لله سبحانه وتعالى، لكن كونها نافية هو الأولى كما قال شيخنا الشيخ: الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه، وعلى هذا فالجملة هنا وهي قول عمر رضي الله عنه: إن سبقته يوماً، أي: ما سبقته يوماً من الأيام، بل هو دائماً يسبقني، رضي الله تعالى عنهما.
(فلما جاء عمر رضي الله عنه بما جاء به قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا أبقيت لنفسك ولأهلك؟ قال: أبقيت مثله) يعني: النصف، لأن هذا نصف ماله، (وبقي مثله)، أي: النصف الباقي، (وجاء أبو بكر رضي الله عنه بما جاء به، وقال: له ماذا أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله) يعني: أنه ما أبقى لهم شيئاً من المال، أي: أنه خرج من ماله، وهي محل الشاهد من الترجمة: (الرخصة في ذلك) أي في الخروج من المال، وهذا يناسب ويصلح لمن يكون عنده قوة توكل وقوة يقين، ولا يحصل منه تأثر لما يخرج منه، ولا يندم على ذلك، فمن كان كذلك كـأبي بكر رضي الله عنه رخص له في ذلك، وأما من كان عنده ضعف في اليقين والتوكل، وأنه إذا أخرج ماله كله فإنه يندم، أو يكون في نفسه شيء من تصرفه ذلك، فإنه لا يخرج ماله كله، بل يبقي ما يحتاج إليه هو ومن يعوله.
قوله: (قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً) أي: أني في هذه المرة قصدت مسابقتك، واجتهدت في ذلك، وأردت أن أسبقك، فجئت أنت بما عندك من غير أن يكون لك علم بما في نفسي، ولا بما عندي، فسبقتني، فكما أنك سبقتني فيما مضى، وسبقتني في هذه الحالة التي تهيأتُ لها، وفي هذه الفرصة التي تجهزتُ لها وقصدتها، إذاً فلا أسابقك أبداً.
وهذا فيه المنافسة في الخير، والاعتراف لأهل الفضل بالفضل، فقد أراد أولاً أن ينافسه، وفي الآخر قال: لا أنافسك بعدها أبداً، وهذا اعتراف لصاحب الفضل بفضله.
أحمد بن صالح المصري ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في (الشمائل).
[ وعثمان بن أبي شيبة ، وهذا حديثه ].
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره.
[ قالا: حدثنا الفضل بن دكين ].
الفضل بن دكين هو أبو نعيم الكوفي ، يذكر أحياناً بكنيته وأحياناً باسمه، مر له حديث قريباً قال أبو داود في أثنائه: أخبرنا أبو نعيم ، وهنا قال: أخبرنا الفضل بن دكين ، وهو هو، فمعرفة كنى المحدثين من الأمور المهمة، وهي من أنواع علوم الحديث، وفائدتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين، فإذا جاء أبو نعيم على حدة، وجاء الفضل بن دكين على حدة فإن الذي لا يعرف أن الفضل بن دكين كنيته أبو نعيم يظن أبا نعيم شخصاً آخر غير الفضل بن دكين .
[ حدثنا هشام بن سعد ].
هشام بن سعد صدوق له أوهام أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن زيد بن أسلم ].
زيد بن أسلم المدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
أبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمر بن الخطاب ].
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه.
حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا همام عن قتادة عن سعيد أن سعداً رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (أي الصدقة أعجب إليك؟ قال: الماء) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب فضل سقي الماء، يعني: أن سقيه من خير أنواع الإحسان؛ وذلك لشدة حاجة الناس إلى الماء، وعدم استغنائهم عنه، فالإحسان في بذل الماء لمن يحتاج إلى شربه، وتمكينه منه فعل عظيم، وله ثواب جزيل، وهذا الحديث يدل على عظم شأن إنفاق الماء لمن يحتاجه، وبذله في سبيل الله، وتسبيله للناس حتى يستفيدوا منه، فهو مادة الحياة، وبه حياة المخلوقات، وقد جعل الله تعالى من الماء كل شيء حي، والمراد بذلك من لا يعيش إلا بالماء، وكان الماء من ضرورياته، فلا تحصل حياته إلا به.
وأورد أبو داود حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه، أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أي الصدقة أعجب إليك يا رسول الله؟! قال: الماء. أي: تصدقوا بالماء؛ لأن به حياة الناس، والناس مضطرون إليه، ولا يستغني عنه أحد، فكون الإنسان يبذل الماء، ويمكن الناس من الاستفادة منه هذا من أفضل الأعمال، ومن أفضل الصدقات.
محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا همام ].
همام بن يحيى وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد ].
سعيد هو ابن المسيب وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أنَّ سعداً ].
سعد بن عبادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الخزرج، فالأنصار هم الأوس والخزرج، فـسعد بن معاذ هو سيد الأوس، وهو الذي استشهد في الخندق، وسعد بن عبادة هو سيد الخزرج، وقد عاش بعد الرسول صلى الله عليه وسلم قليلاً، حيث توفي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات.
والحديث فيه رواية سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة وهو لم يدركه، ففيه انقطاع، ويقولون: إن أصح المراسيل هي مراسيل سعيد بن المسيب . وهذا الحديث حسنه الألباني ، فلا أدري وجه هذا التحسين مع هذا الانقطاع، فهل له شواهد, أو لكونه من مراسيل سعيد ومراسيله أصح المراسيل عند المحدثين؟ ولكن المشهور والمعروف أن المرسل منقطع، وأنه ليس بحجة؛ لاحتمال أن يكون سقط تابعي مع الصحابي، ومع احتمال كونه تابعياً يحتمل أن يكون ثقة، ومحتمل أن يكون ضعيفاً، والإشكال يأتي من احتمال كونه تابعياً ضعيفاً.
وقد ذكر بعض الطلبة أنه جاء في (السلسلة الصحيحة) حديث برقم (2615) من طريق أنس عن سعد بن معاذ عن سعد بن عبادة ، أنه حفر بئراً وتصدق بها عن أمه كما في الحديث الذي جاء من طريق الحسن وسعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة ، وهما لم يدركاه، فهذا جاء من طريق أخرى من رواية سعد بن معاذ وسعد بن عبادة .
وذكره الشيخ الألباني في (صحيح سنن النسائي) برقم (2367، 2368).
لكن كلا الإسنادين يرجعان إلى ابن عجلان؛ لكن الأول ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد والقعقاع عن أبي هريرة .
الثاني: ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة.
ذكر يعني طريقين: طريقة فيها ابن خالد وطريقة أنها أخرى فيها محمد بن عمرو بن وقاص الليثي .
أورد حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه، وقال: (نحوه)، يعني: نحو الطريق المتقدمة، وهو هنا مرسل أيضاً من مراسيل سعيد بن المسيب والحسن البصري .
قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم ].
محمد بن عبد الرحيم هو الملقب بـصاعقة، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا محمد بن عرعرة ].
محمد بن عرعرة ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود .
[ عن شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قتادة عن سعيد مر ذكرهما، والحسن هو ابن أبي الحسن البصري ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعد ].
سعد بن عبادة وقد مر ذكره.
والأصل أن المرسل يتقوى بالمرسل مثله، إلا أن مراسيل الحسن البصري من أضعف المراسيل.
أورد أبو داود حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل؟ فقال: الماء، فحفر بئراً وقال: هذه لـأم سعد ، يعني: سبّلها وجعلها لأم سعد ، وحفر الآبار للسقي سواء لسقيا الناس أو لسقيا الدواب من الصدقات الجارية التي يكون الثواب عليها مستمراً بهذه الصدقة، لأن أجر الصدقات منه ما هو منته بانتهاء بقائها لمن يستحقها، ومنه ما هو مستمر لاستمرار الصدقة، كبناء المساجد، فالناس يستفيدون من المسجد باستمرار، ومثل حفر الآبار ومد الماء منها إلى الناس كي يشربوا منه، فمادام النفع حاصلاً فإن الأجر مستمر ودائم، وهذا الذي هنا من الصدقة الجارية التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا إسرائيل ].
إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي إسحاق ].
أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن رجل عن سعد بن عبادة ].
رجل هنا مبهم، يقول الحافظ : لعله سعيد بن المسيب الذي في الإسناد السابق، وعلى كل فهو مبهم، وإن كان سعيد بن المسيب فهو منقطع كالذي قبله.
ومن التصدق بالماء وجود برادة الماء، فكون الناس يأتون ويشربون ماءً بارداً فهذه صدقة جارية، ونفعها مستمر.
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة) أي: أن الجزاء من جنس العمل، فكسوة بكسوة، أي: كسوة في الدنيا بكسوة في الآخرة.
قوله: (وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة) أي: أنه إطعام بإطعام، والجزاء من جنس العمل. وقوله: (وأيما رجل سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم) يعني: في الجنة، والرحيق: هو الشراب الطيب، والمختوم: هو الذي ختم وأغلق فلا يصل إليه أحد إلا صاحبه، أو أنه خُتم بمسك، أي: يكون آخره وختامه مسكاً.
وهذا الحديث فيه فضل هذه الأمور الثلاثة، وأن الجزاء من جنس العمل، وهناك أحاديث كثيرة فيها بيان أن الجزاء من جنس العمل، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (من نفّس عن مسلم كربة نفّس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).
وحديث الباب في إسناده أبو خالد نزيل بني دالان وهو صدوق يخطئ كثيراً، فالحديث غير ثابت، وأما معناه فثابت، ولا شك أن من أحسن فإن الله يحسن إليه، وأن الجزاء من جنس العمل، وقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة.
علي بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب صدوق أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ حدثنا أبو بدر ].
أبو بدر هو شجاع بن الوليد ، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو خالد ].
أبو خالد الدالاني كان ينزل في بني دالان، وهذا يفيد أنه ليس منهم، وأنه إنما كان ينسب إليهم لنزوله فيهم؛ ولهذا يقال له: أبو خالد الدالاني الذي كان ينزل في بني دالان، مثل ذلك: سليمان بن طرخان التيمي ، فإنه ينسب إلى التيميين لنزوله فيهم، وليس لكونه منهم، فالنسبة تكون لعدة أسباب: إما أن ينزل الإنسان في قوم فينسب إليهم، وإما لكونه مولى لهم فينسب إليهم، وقد يكون من أنفسهم فينسب إليهم نسبة أصل ونَسَب.
و أبو خالد هذا صدوق يخطئ كثيراً أخرج له أصحاب السنن.
وكذلك أبو مسعود البدري ، فالمتبادر إلى الذهن من كونه بدرياً أنه ممن شهد بدراً، لكن قيل: إنه إنما نسب إلى بدر لأنه سكنها، فتكون نسبة مسكن، وليست نسبة شهود.
[ عن نبيح ] .
هو نبيح العنزي ، وهو مقبول أخرج له أصحاب السنن.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
أبو سعيد الخدري مر ذكره.
حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا إسرائيل ، ح وحدثنا مسدد ، حدثنا عيسى ، وهذا حديث مسدد وهو أتم، عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي كبشة السلولي أنه قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز، ما يعمل رجل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة).
قال أبو داود : في حديث مسدد : قال حسان : فعددنا ما دون منيحة العنز من رد السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة.
ثم أورد أبو داود باب المنيحة، والمنيحة: هي أن الإنسان يكون عنده غنم وفيها حليب، فيمنحها لفقير يحلبها ويستفيد منها، فإذا انتهى الحليب منها أرجعها إلى صاحبها، فهذا تصدُّق بالمنفعة، وليست تصدقاً بالعين، فالعين باقية على ملك صاحبها، ولكن الذي بذله صاحبها هو منفعتها، وهو الحليب الذي فيها؛ ليسد حاجة الفقير.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، وما يعمل أحد بخصلة منها).
يعني: هذه الخصال التي أعلاها منيحة العنز.
قوله: (رجاء ثوابها، وتصديق موعودها) يعني: ما وعد به على فعلها.
قوله: (إلا أدخله الله تعالى بها الجنة)، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أربعين خصلة، وذكر أن أعلاها منيحة العنز، وأن ما دونها من الخصال هي أقل منها، وأي واحدة منها يعمل الإنسان بها رجاء ثوابها، وتحصيل موعودها إلا أدخله الله تعالى بها الجنة، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأربعين وإنما أبهمها وبين أعلاها، مع أن ما دونها أخف وأسهل منها، ولعل ذلك للمصلحة، أي: حتى يحرص الإنسان على فعل كل خصلة من خصال الخير رجاء أن تكون من تلك الأربعين، ويكون إخفاؤها مثل إخفاء ليلة القدر وإبهامها في العشر، وكذلك إخفاء ساعة الإجابة يوم الجمعة؛ ليكون الإنسان في الوقت كله متحرياً ومتعرضاً لمصادفتها وموافقتها، فلعل هذه هي المصلحة في إخفائها.
وأما كونهم عدّوها فما بلغوا خمس عشرة خصلة لا يدل ذلك على عدم وجودها، فإنها موجودة، وأنا لا أعرف عدها، ولا أعرف من عدها.
إبراهيم بن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا إسرائيل ].
إسرائيل مر ذكره.
وقد ذكر بعض المحققين أن ذكر إسرائيل هنا لا يوجد في أكثر النسخ، وأنه زيادة لا توجد حتى في تحفة الأشراف، وأن بعض المحققين لـأبي داود زادها تبعاً لهذه النسخة، وكذلك أيضاً إبراهيم ليست له رواية عن إسرائيل ، وإسرائيل ليست له رواية عن الأوزاعي .
وأن أكثر النسخ الموجودة فيها الإسناد هكذا: حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا ح وحدثنا مسدد ، حدثنا عيسى .
أقول: وهذا أمر محتمل، إذا كان هذا ليس له رواية، ويكون التحويل للفرق بين الصيغتين، فأحدهما قال: أخبرنا، والثاني قال: حدثنا، فهذا هو المقصود من التحويل، وهذا إذا كان إسرائيل ليس من شيوخ إبراهيم بن موسى ، وليس تلميذاً للأوزاعي .
وأيضاً ذكر هذا المحقق الذي نبه على هذا الأمر [أنه يوجد على نسخة في حاشية (ب): حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا إسرائيل، وهذا يلزم منه إثبات الرواية بين إبراهيمو إسرائيل ، وبين إسرائيل والأوزاعي ، وهذا مع مخالفته للأصول الأخرى الأكثر والأقوى لا شيء يؤيده في كتب الرجال، ولا في تحفة الأشراف، وتصرف محققه على إتقانه فأضاف إليه بين هلالين إسرائيل اعتماداً على المطبوع من المتن والشرح، وكان عليه أن يلتزم الأصول القوية التي بين يديه، وصنيع أبي داود هنا في سياقة السند له نظائر سابقة ولاحقة، وفيه تمام الدقة، إذ يريد أن يقول: إن إبراهيم يروي هذا الحديث عن عيسى قراءة عليه، أما مسدد فيرويه عنه سماعاً منه ].
أقول: هذا الكلام صحيح، فقد كانوا يراعون التعبير بأخبرنا وحدثنا، فأخبرنا غالباً يراد بها القراءة على الشيخ، وحدثنا يراد بها السماع من الشيخ، لكن بعض العلماء يسوي بينهما.
قال الحافظ : إن بعضهم تطلبها فوجدها تزيد على الأربعين، فمما زاده: إعانة الصانع، والصنعة للأخرق، وإعطاء شسع النعل، والستر على المسلم، والذب عن عرضه، وإدخال السرور عليه، والتفسح له في المجلس، والدلالة على الخير، والكلام الطيب، والغرس والزرع، والشفاعة، وعيادة المريض، والمصافحة، والمحبة في الله، والبغض لأجله، والمجالسة لله، والتزاور، والنصح، والرحمة، وكلها في الأحاديث الصحيحة، وفيها ما قد ينازع في كونه دون منيحة العنز.
قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا إسرائيل ح وحدثنا مسدد ].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا عيسى ].
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وهذا حديث مسدد وهو أتم، عن الأوزاعي ].
الأوزاعي هو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حسان بن عطية ].
حسان بن عطية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي كبشة السلولي ].
أبو كبشة السلولي ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ سمعت عبد الله بن عمرو ].
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر