سبقت جملة من الأحاديث التي تتعلق بالإفراد، وعرفنا التوفيق بينها وبين ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه كان قارناً، وعرفنا كيف تحمل، فمر معنا جملة من الأحاديث عن عائشة ، ومر حديث عن جابر رضي الله عنه، وهذا هو الحديث الثاني من الأحاديث التي جاءت عن جابر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد أحاله على الحديث الذي قبله، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وقد حاضت وهي تبكي، فقال لها: (أهلي بالحج، ثم حجي واصنعي ما يصنع الحاج) أي: أنها تُدخل الحج على العمرة، وتفعل جميع ما يفعل الحاج، قال: (غير ألّا تطوفي بالبيت، ولا تصلي)، ومعلوم أن المرأة الحائض لا تصلي، وقد جاء ذلك في حديث عائشة المعروف عندما سئلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت عائشة : (كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة) ومعنى ذلك: أننا نتبع السنن، ونعول على ما جاءنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يقال أيضاً: إن المقصود بهذه الصلاة التي تكون بعد الطواف، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن يطوف يصلي ركعتين، ومعلوم أن الحائض لا تصلي مطلقاً سواء أكانت الصلاة فرضاً أو نفلاً، كما أنها لا تصوم إلا أنها تقضي الصوم، وأما الصلاة فلا تقضيها، وسبق أن مر الكلام عن طهر عائشة متى كان، وقد مر بنا حديثان أحدهما: أنها لما كانت ليلة الحصبة طهرت، فأمرها بالذهاب إلى التنعيم فاعتمرت، وفي رواية سابقة: (فلما كانت ليلة البطحاء طهرت)، وقد حصل إشكال في ذلك، ولكن جاء التصريح أن عائشة رضي الله عنها إنما طهرت يوم النحر، فقد جاء في صحيح مسلم :(فلما كان يوم النحر طهرت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فأفضت)، فقد طافت وأفاضت يوم النحر، وعلى هذا فالروايات التي سبق ذكرها محمولة على الحال كما سبق أن أشرنا إلى ذلك فيما يتعلق بليلة الرابع عشر، (فلما كانت ليلة الحصبة وقد طهرت) أي: والحال أنني قد طهرت، وليس معنى ذلك أنها طهرت في ذلك الوقت، بل قد طهرت قبل ذلك، وعلى هذا فالذي جاء في صحيح مسلم أنها طهرت يوم النحر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها فأفاضت، فيه بيان الوقت الذي طهرت فيه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فعلى هذا كانت في اليوم الثامن بمنى وعليها الحيض، وفي يوم عرفة وعليها الحيض، وفي ليلة النحر وعليها الحيض، وطهرت يوم النحر وطافت، فيحمل ما سبق على ما ذكرناه.
وما جاء من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تنقض رأسها وتغتسل فذلك للإحرام؛ لأن الحيض لم ينته إلا يوم النحر، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل الحج على العمرة عندما ذهب الناس إلى الحج، فقد جاء وقت الحج وهي لم تطهر بعد، فأمرها أن تدخل الحج على العمرة وتكون قارنة.
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديث أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى بن سعيد ].
يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن جريج ].
ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبو الزبير ].
أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمع جابراً ].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أنهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يهلون بالحج خالصاً لا يخالطه شيء. يعني: ليس معه عمرة، وهذا إنما حصل من بعض الصحابة رضي الله عنهم، فقد كان فيهم القارن، وفيهم المفرد، وفيهم المتمتع، فكان هذا في حق من كان مفرداً؛ فإنه لم يكن معه عمرة، وإنما هو حج مفرد، فلما طافوا بالبيت، وسعوا بين الصفا والمروة أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا ذلك عمرة، وأن يحلوا، أي: أن كل من كان قارناً أو مفرداً وليس معه هدي فإنه يفسخ إحرامه إلى عمرة، ويكون بذلك متمتعاً، وأما من كان قارناً أو مفرداً ومعه الهدي فإنه لا يحل من إحرامه حتى يأتي يوم النحر فيتحلل؛ لأن القارن والمفرد لا يتحللان قبل يوم النحر، وأما المعتمر فإنه يتحلل قبل ذلك، ويأتي بالعمرة مستقلة، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن، ويأتي بالحج مستقلاً، ففي هذا الحديث أن من الصحابة من كان حاجاً حجاً مفرداً لا يخالطه شيء من نسك العمرة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم لما طافوا وسعوا أن يتحللوا.
قوله: (لولا هديي لحللت) يعني: لولا أني سقت الهدي لكنت مثلكم، ولكنكم لم تسوقوا الهدي فعليكم أن تحلوا، وأنا قد سقت الهدي فلا يقع مني الإحلال حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، وذلك يوم النحر كما سبق أن عرفنا ذلك.
قوله: (فقام
عباس بن الوليد بن مزيد صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ أخبرني أبي ].
وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثني الأوزاعي ].
الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني من سمع عطاء ].
أبهمه هنا، ولكنه بعد ذلك ذكر أن ابن جريج ثبته به، أي: لم يحفظ الخبر ولم يتقنه، فثبته له ابن جريج كما ذكر ذلك فيما بعد.
وعطاء بن أبي رباح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر بن عبد الله ].
جابر بن عبد الله مر ذكره.
[ ثم قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يحدث بهذا فلم أحفظه حتى لقيت ابن جريج فأثبته لي ].
أي: عرف منه ذلك الذي خفي عليه، فلعله كان بعيداً منه في المجلس، فأحياناً يكون المجلس كبيراً، فلا يُسمع صوت الشيخ كما ينبغي، فبعض الناس يبلغه الصوت، وبعضهم لا يبلغه، وقد يكون هناك عارض آخر من العوارض التي شغلته عن ضبط الحديث في حينه.
[ قال: فلقيت ابن جريج فأثبته لي ] وعلى هذا فيكون من طريق ابن جريج عن عطاء .
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أنهم حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما طافوا وسعوا قال لهم: (اجعلوها عمرة) يعني: الذين لم يسوقوا الهدي، وأما الذين ساقوا الهدي فيبقون على إحرامهم.
قوله: (فلما كان يوم النحر قدموا فطافوا بالبيت، ولم يطوفوا بين الصفا والمروة) والمقصود بذلك الذين كانوا قارنين ومفردين، وأما المتمتعون فقد جاء ما يدل على أنهم وقع منهم السعي كما وقع منهم السعي في الأول، وذلك في حديث عائشة المتقدم الذي فيه: أن الذين لم يسوقوا الهدي، والذين أحلوا طافوا طوافاً آخر بعد الإفاضة لحجهم، والمقصود بالطواف هنا السعي بين الصفا والمروة كما عرفنا ذلك سابقاً؛ لأن طواف الإفاضة ركن لازم في حق الجميع، فبعدما يأتي الناس من عرفة يلزمهم كلهم أن يطوفوا بالبيت كما قال تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، وأما الشيء الذي لا يلزمهم جميعاً فهو السعي بين الصفا والمروة، فإن هذا يكون للمعتمرين المتمتعين دون القارنين والمفردين، إلا إذا كان القارنون أو المفردون لم يسعوا بين الصفا والمروة قبل الحج فيتعين عليهم أن يسعوا بعد طواف الإفاضة، فقد سبق أن عرفنا أن السعي للقارن والمفرد واحد، وأن له محلين: محل بعد القدوم، ومحل بعد الإفاضة، فإن فعله في المحل الأول فلا يفعله في المحل الثاني، وإن لم يفعله في المحل الأول تعين عليه أن يفعله في المحل الثاني، وأما المفرد المتمتع فإن عمرته مستقلة بإحرامها وبطوافها وسعيها وتحللها، والحج مستقل بإحرامه وطوافه وسعيه وتحلله، فيحمل حديث جابر على القارنين والمفردين، وبذلك تجتمع الأدلة.
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن قيس بن سعد ].
قيس بن سعد وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عطاء بن أبي رباح عن جابر ].
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هو وأصحابه بالحج) وهذا الحديث يدل على الإفراد، ولكن الأحاديث الكثيرة التي جاءت عن ستة عشر صحابياً فيها أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً، وعرفنا سابقاً أن هذا يحمل على وجوه، منها: أن بعض الصحابة سمعه يلبي بالحج، ولم يسمع التلبية بالعمرة، فظن أنه أحرم بالحج، وفسر أيضاً بأنه أهل بالحج، وأنه أتى بأعماله خاصة، من طواف وسعي، وأن العمرة جاءت تبعاً؛ لأن خروجهم كان للحج، أما وجود العمرة وعدمها فالرسول صلى الله عليه وسلم كان معه عمرة مع حجه، وغيره كان مفرداً أو محرماً بعمرة فقط، وبهذا يوفق بين الأحاديث، وتفسر على وجه يتفق مع ما جاء عن جماعة من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً ولم يكن متمتعاً ولا مفرداً.
وذكر هنا أنه كان معه الهدي، ومعلوم أن الهدي يكون مع الحاج القارن ويكون مع الحاج المفرد، وكذلك المعتمر إذا جاء ومعه هدي فإنه يدخل الحج على العمرة، فيصير قارناً لا يحل إلا يوم النحر، وقد أخبر هنا أن الهدي لم يكن إلا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وطلحة ، وهذا على حسب علمه، وجاء علي رضي الله عنه من اليمن وأهل بما أهل به رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: أنه أهل إهلالاً معلقاً؛ لأنه يريد أن يكون مثل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (أهللت بما أهل به رسول الله عليه الصلاة والسلام).
قوله: [ (وإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة يطوفوا ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي) ] أي: لما وصلوا إلى مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين كانوا قارنين ومفردين وليس معهم هدي أن يطوفوا ويسعوا ويحلوا، وأما الذين معهم هدي فإنهم يبقون، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم فبقى، فلما قال لهم ذلك، كأنهم تأثروا من أن يكون حالهم يخالف حال الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أنهم جاءوا محرمين بما أحرم به الرسول صلى الله عليه وسلم من القران أو الإفراد، فالرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بالقران، وأما هم ففيهم من كان قارناً، وفيهم من كان مفرداً، فأُمر القارنون والمفردون الذين ليس معهم هدي أن يتحولوا إلى عمرة، وقال لهم عليه الصلاة والسلام: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولولا أن معي الهدي لأحللت، ولجعلتها عمرة) وهذا يبين لنا فضل التمتع، وأنه أفضل الأنساك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تمناه، وهو لا يتمنى إلا الأفضل، ولا يرشد أصحابه إلا إلّا إلى الأفضل، ولو كان غيره أفضل منه لأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إليه؛ لأنه أنصح الناس للناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: (قالوا: أننطلق إلى منى وذكورنا تقطر؟!) وهذه مبالغه، ومعنى ذلك: أننا نترفه ونستمتع بالنساء، فيأتي يوم التروية الذي نحرم فيه ونحن حديثو عهد بالاستمتاع بالنساء، فنذهب إلى منى وقد استمتعنا واغتسلنا، فهو مبالغه في أنهم يدخلون الحج وقد استمتعوا بأنواع الاستمتاع لاسيما إتيان النساء.
قوله: (وقدم
أحمد بن حنبل مر ذكره.
[ حدثنا عبد الوهاب الثقفي ].
عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حبيب المعلم صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال أبو داود : هذا منكر، إنما هو قول ابن عباس ].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم مكة قال: (هذه عمرة استمتعنا بها)، والمقصود من ذلك أصحابه الذين لم يكن معهم هدي سواء كانوا قارنين أو مفردين وليس هو، فاستمتاعهم كان بأمره؛ لذلك أضاف ذلك إليه؛ لأنه هو الآمر به، وهو المرشد إليه، وإلا فإنه لم يستمتع، بل كانت عمرته مع حجته، وهو باقٍ على إحرامه حتى يوم النحر.
قوله: (فمن لم يكن معه هدي فليحل الحل كله) أي: أنه يفسخ إحرامه إلى عمرة، ويكون متمتعاً، فيحصل له هذا الاستمتاع الذي قال فيه: (هذه عمرة استمتعنا بها)، والمراد بذلك أصحابه الذين كانوا على هذا الوصف، فكانوا قارنين ومفردين ولا هدي معهم، فهولاء هم الذين استمتعوا، وأما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لم يستمتع، وقد يكون مستمتعاً على اعتبار أن معه عمرة مقرونة بالحج، فيقال له: تمتُّع بالمعنى العام، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان متمتعاً بالمعنى العام، وهو جمْع النسكين في سفرة واحدة، فهذا استمتاع في الجملة، وأما الاستمتاع الكامل فهو الذي يكون فيه عمرة مستقلة وحج مستقل، وبينهما يأتي النساء، ويتطيب، ويلبس المخيط وغير ذلك، والقران يقال له: متعة، ويقال له: تمتع بالمعنى العام، وقد فسر أهل العلم قول الله عز وجل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196]أنه يشمل التمتع الخاص المعروف عند الفقهاء، الذي هو قسيم للقران والإفراد، ويشمل القران أيضاً؛ لأنه تمتع بالمعنى العام، فكون الإنسان يسافر سفراً واحداً فيؤدي فيه نسكه فهذا تمتع، فبدلاً من أن يسافر للعمرة سفراً ويسافر للحج سفراً؛ فإنه يسافر سفراً واحداً ويؤدي فيه النسكين، فهذا تمتع بالمعنى العام.
إذاً: النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستمتع الاستمتاع الذي فيه إتيان النساء، ولبس الثياب، والتطيُّب بين العمرة والحج، وإنما هذا في المتمتعين الذين أحرموا بعمرة وانتهوا منها، أو كانوا محرمين بحج وعمرة وفسخوا إحرامهم إلى العمرة فكانوا متمتعين، وأما من كان مفرداً أو قارناً ومعه الهدي، فهذا باقٍ على إحرامه، ومنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان قارناً ولم يكن مفرداً.
قوله: (وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) أي: إما أن تكون دخلت في أعماله، وهذا يكون في القران، وإما في وقته، وهذا هو التمتع؛ لأنه في وقت الحج، قال الله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197]، فالإنسان إذا أحرم بالعمرة في أشهر الحج وحج من عامه فإن العمرة تكون قد حصلت في أشهر الحج، وليس في ذلك ما يدل على وجوب التمتع؛ لأن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يفردون، ولو كان التمتع واجباً ما تركوه وعدلوا عنه، فلما كانوا يأتون بالإفراد، ويريدون من الناس أن يترددوا على البيت، وتقوى صلتهم به؛ علمنا أن التمتع ليس واجباً، وإنما هو مستحب، وهو أفضل الأنساك وأولاها.
[ قال أبو داود : هذا منكر، إنما هو قول ابن عباس ].
وهذا ليس بواضح، فـابن القيم رحمة الله عليه يقول:إن قوله: (من طاف بالبيت، وسعى بين الصفا فقد حل) هذا الذي هو قول ابن عباس ، وأما قوله: (استمتعنا بها) فهو ثابت من هذه الطريق الصحيحة التي رجالها ثـقات، وكذلك من طريق أخرى غير هذه الطريق.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي ، وإنما أخرج النسائي في عمل اليوم والليلة.
[ أن محمد بن جعفر حدثهم ].
محمد بن جعفر هو الملقب غندر، وهو بصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحكم ].
الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مجاهد ].
مجاهد بن جبر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأحد العبادله الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال أبو داود : رواه ابن جريج عن رجل عن عطاء : (دخل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهلين بالحج خالصاً، فجعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمرة) ].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنه أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من طاف بالبيت وبالصفا والمروة فقد حل)، قال ابن القيم : وهذا هو المنكر، ولعله حصل خطأ من بعض النساخ، فتحول من حديث إلى حديث؛ لأن الحديث السابق رجاله كلهم ثقات، وأما هذا ففيه كلام من حيث رفعه، وأما كونه من قول ابن عباس فهذا معروف عنه.
قوله: (فقد حل وهي عمرة) هذا هو الذي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي وقعت فيه نكارة، وأما كونه من قول ابن عباس فهذا معروف ومشهور عنه، وكان يقول: حلَّ من طاف بالبيت شاء أم أبى، فقد كان يرى وجوب الفسخ، وأن الإنسان إذا لم يكن معه هدي فإنه يلزمه ذلك.
[ قال أبو داود : رواه ابن جريج عن رجل عن عطاء : (دخل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج خالصاً، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم عمرة) ].
وهذا مثل الذي مرَّ في الحديث السابق التي فيها: عثمان بن أبي شيبة عن محمد بن جعفر عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس ، ورجاله ثقات، وأما المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو الذي فيه نكارة، فيكون كما قال ابن القيم : لعله وقع خطأ من الناسخ فانتقل من حديث إلى حديث.
عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثني أبي ].
أبوه هو معاذ بن معاذ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا النهاس ].
النهاس هو ابن قهم القيسي ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
وقال ابن شوكر : (ولم يقصر، ثم اتفقا، ولم يحل من أجل الهدي، وأمر من لم يكن ساق الهدي أن يطوف وأن يسعى ويقصر، ثم يحل)، زاد ابن منيع في حديثه: (أو يحلق ثم يحل) ].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما : (أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحج)، يعني: بالحج مع العمرة، وقد عرفنا أن هذا مما أورد في باب الإفراد، وأن هذا اللفظ يشعر بأنه كان مفرداً مع أنه ليس بمفرد، وقد عرفنا الجواب عن ذلك.
قوله: (فلما طاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة) أي: وهو باقٍ على إحرامه، ولم يقصر كما قصر الذين كانوا معتمرين، أو الذين فسخوا حجهم إلى عمرة؛ لأنهم لم يسوقوا الهدي، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يقصر؛ لأنه باق على إحرامه، بل بقي على إحرامه إلى يوم النحر.
قوله: (ولم يحل من أجل الهدي) أي: لم يحل عند المروة بعد أن انتهى من الطواف والسعي، لأنه ساق الهدي، وأما الذين لم يسوقوا الهدي فأحلوا، سواء كانوا في الأصل محرمين بالعمرة أو أنهم فسخوا الحج، وسواء كانوا قارنين أو مفردين.
قوله: (وأمر من لم يكن ساق الهدي أن يطوف وأن يسعي ويقص أو يحلق ثم يحل) ذكر هنا التقصير والحلق، والمشهور التقصير في هذا الموطن؛ لأنهم قدموا في يوم رابع، ولم يبق على الحج إلا أربعة أيام، ولم يبق على يوم العيد إلا ستة أيام، وسيحتاجون إلى أن يحلقوا يوم العيد، فالأفضل والأولى في حق من جاء متأخراً وهو متمتع أن يقصر ولا يحلق، حتى يبقى شعر يحلقه يوم العيد، ولو حلقه في وقت متأخر فسيأتي يوم العيد وليس هناك شعر، لكن إذا كان سيقصر في وقت متقدم بحيث يأتي الحج وقد طلع الشعر لوجود مدة كافية لطلوعه فالحق هو الأولى، وأما إذا كان متأخراً فالأولى هو التقصير؛ حتى يبقي شعراً يُحلق يوم النحر.
الحسن بن شوكر صدوق، أخرج له أبو داود .
[ وأحمد بن منيع ].
أحمد بن منيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا هشيم ].
هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد بن أبي زياد ].
يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
وهذه المعاني التي في هذا الحديث قد جاءت من غير طريق يزيد بن أبي زياد ، فالحديث ثابت، وليس فيه شيء منكر.
أورد المؤلف حديث الرجل الذي شهد عند عمر رضي الله عنه: (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه ينهى عن العمرة قبل الحج)، ومعلوم أن العمرة قبل الحج ثابتة بالأحاديث الكثيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل الحج، وعُمَرهُ كانت قبل أن يحج، فقد اعتمر ثلاث عمر قبل الحج، واعتمر مع حجته الذي قرنها معها، بل إن الذين كانوا معه وكانوا قارنين ومفردين وليس معهم هدي أمرهم أن يفسخوا إحرامهم إلى العمرة، فيكونون متمتعين، فعلى هذا فهذا المعنى لا يستقيم ولا يصح، ولا تعارَض بمثل هذه الأحاديث الأحاديثَ الأخرى؛ اللهم إلا أن يكون المقصود من ذلك أنّ الإنسان يأتي بالحج أولاً، فهذا له وجه، ولكن لا مانع أن يعتمر الإنسان ولو لم يحج، ولا يعول على هذا الحديث الذي فيه أنه إذا لم يكن قد حج فلا يعتمر، بل يحج أولاً ثم يعتمر، ولو أراد أن يعتمر قبل ذلك فليس له ذلك، فهذا ليس بصحيح، بل إذا تيسر له أن يعتمر فليعتمر ولو لم يحج، وإذا تيسر له الحج فليحج، والعمرة واجبة والحج واجب، ومتى استطاع الإنسان أن يؤدي واجباً من الواجبات المكلَّف بها سواء كان حجاً أو عمره فعل وبادر، وعلى هذا: فهذا الحديث لا يحتج به؛ لأن فيه من لا يصلح للاحتجاج به، وفيه أيضاً انقطاع بين سعيد بن المسيب وعمر ، فإن سعيداً لم يسمع من عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[ حدثنا عبد الله بن وهب ].
عبد الله بن وهب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني حيوة ].
حيوه بن شريح المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبو عيسى الخراساني ].
أبو عيسى الخراساني هو سليمان بن كيسان مقبول لا يحتج بحديثه إلا عند الاعتضاد، أخرج له أبو داود وحده.
[ عن عبد الله بن القاسم ].
عبد الله بن القاسم مقبول، أخرج له أبو داود .
[ عن سعيد بن المسيب ].
سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
إذاً: ففي هذا الحديث ثلاث علل، فيه مقبولان وانقطاع، فلا تُعارَض به تلك الأحاديث، فالعمرة سائغة قبل الحج وبعد الحج، ويمكن للإنسان أن يعتمر قبل أن يحج، وأن يحج قبل أن يعتمر، ولكنه إذا جاء إلى الحج فينبغي له أن يأتي بالعمرة، وأن يكون متمتعاً فهذا هو الأفضل، وإن قرنها مع الحج فلا بأس بذلك، ويكون قد أدى بذلك النسكين.
أورد أبو داود حديث معاوية رضي الله عنه أنه قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كذا وكذا وعن ركوب جلود النمور؟) يعني: جلود السباع، فيستعملها الإنسان للركوب عليها، أو وطاء يجلس عليها، (فقالوا: نعم) أي: أنهم وافقوه على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك .
قوله: ( فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة؟ فقالوا: أما هذا فلا) أي: لا نعلم أنه نهى عن القران بينهما، بل هو نفسه قرن بين الحج والعمرة عليه الصلاة والسلام، وهناك من أصحابه من قرن، وأنواع الحج الثلاثة كلها جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الإفراد والقران والتمتع.
(قالوا: أما هذا فلا) أي: ليس عندنا علم بذلك، (قال: أما إنها معهم ولكنكم نسيتم)، والحديث إسناده صحيح، ولكن هذا الجملة ليست بصحيحة، يقول ابن القيم رحمه الله: لعله حصل وهم؛ لأنه جاء في سنن النسائي . (هل تعلمون أنه نـهى عن المتعة؟ فقالوا: لا)، قال: ولكون القران هو متعة بالمعنى العام فربما حصلت رواية بالمعنى، أو أنه فهم أن المراد بالمتعة القران، فعبر بالقران وهذا وهم، فإما أن يكون اللفظ جاء بالمتعة أو أنه جاء بالقران، وتكون رواية القران رواية بالمعنى، والمقصود بالمتعة التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم هي متعة النساء، وأما متعة الحج فقد كانت موجودة، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من كان منهم قارناً أو مفرداً إلى أن يفعلوها.
موسى بن إسماعيل أبو سلمة وحماد مر ذكرهما.
[ عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي شيخ الهنائي خيوان بن خلدة ].
أبو شيخ الهنائي خيوان بن خلدة ، في (التقريب) و(التهذيب) و(تهذيب الكمال) و(تحفة الأشراف): ابن خالد ) فلعل اسم أبيه خالد ، ويلقب بـخلدة ، ولعله يذكر مرة باسمه، ومرة بلقبه، فهذا أمر محتمل، وهذا يحصل في بعض الرواة، يكون له اسم ولقب، ويكون اللقب مأخوذاً من الاسم، فأحياناً يذكر بالاسم وأحياناً يذكر باللقب، مثل: هدبة بن خالد وهداب بن خالد شيخ البخاري ومسلم ، فيقال: هداب ، ويقال: هدبة ، فأحدهما اسم والثاني لقب، فاسمه هدبة ، ولقبه هداب ، ونجد البخاري لا يذكره إلا بلفظ هدبة ، وأما مسلم فكثيراً ما يذكره بلفظ هداب ، فلعل خلدة وخالداً من جنس هدبة وهداب ، وذلك من جهة أن اللقب مأخوذ من الاسم، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
قوله: [ ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة ].
هذا بيان وتعريف به، وأنه ممن قرأ القرآن أو غيره على أبي موسى الأشعري في البصرة.
[ عن معاوية بن أبي سفيان ].
معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين رضي الله تعالى وأرضاه، وقد مكث في الولاية أربعين سنة: عشرين سنة أميراً، وعشرين سنة خليفة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر