حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام قال: سمعت عطاء أخبرنا صفوان بن يعلى بن أمية
عن أبيه رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه أثر خلوق -أو قال: صفرة- وعليه جبة، فقال: يا رسول الله! كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوحي، فلما سُرِّي عنه قال: أين السائل عن العمرة؟ قال: اغسل عنك أثر الخلوق، أو قال: أثر الصفرة، واخلع الجبة عنك، واصنع في عمرتك ما صنعت في حجتك) ].أورد أبو داود باب: الرجل يحرم في ثيابه، أي: الثياب التي اعتادها، فيصح إحرامه فيها، ولكن لا يجوز له أن يلبس الثياب المخيطة كالقميص والفنايل والسراويل وما إلى ذلك، فكل ذلك لا يلبسه المحرم، ولكن لو حصل أنه دخل وهو كذلك فإنه يصح إحرامه، فلو أن إنساناً احتاج إلى أن يحرم وليس معه لباس الإحرام، وكان عند الميقات أو في الطائرة، ولم يتمكن من الحصول على ثياب الإحرام، فإنه يحرم في ثيابه، لكن ليس على هيئة اللبس، بل يخلع ثوبه ويتزر به، ولا يؤثر ذلك، وإنما الذي يؤثر أن يلبسه على الهيئة المعروفة كما يلبس القميص.
قوله: (لما كان بالجعرانة جاءه رجل عليه أثر خلوق)، هو نوع من الطيب، قوله: (وعليه جبة) هذا هو معنى أن الرجل يحرم في ثيابه، فهذا الرجل أحرم وعليه هذه الجبة، والجبة لباس غليظ يتقى به البرد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس جبة، كما في حديث المغيرة بن شعبة في مسألة التيمم، وكان المغيرة يصب عليه الماء، ولما أراد أن يغسل يديه أراد أن يخرجهما من الجبة فإذا كم الجبة ضيق، فأدخل يديه من الداخل، ورفع الجبة وجعل يتوضأ والجبة مرفوعة، أي: من تحتها، فهي لها أكمام، وهي مثل القميص والثوب، إلا أنها غليظة، وهي تقي من البرد، وليست كالجبب التي عندنا في هذا الزمان، فهذه التي معنا مفتوحة، والإنسان يدخل يديه في أكمامها، وأما رأسه فإنه لا يدخل في جيب، وإنما هو مفتوح، فهي مثل الكوت إلا أنها كبيرة.
قوله: (قال: كيف تأمرني أن أصنع في العمرة؟ فأنزل عليه الوحي) وكان عليه الصلاة والسلام إذا أنزل عليه الوحي يصيبه شيء من التعب والمشقة، (ولما سُرِّي عنه) أي: ذهب عنه ما كان يجد بسبب نزول الوحي عليه، قال: (أين السائل عن العمرة؟ قال: اغسل عنك أثر الخلوق، واخلع الجبة، واصنع في عمرتك ما تصنعه في حجك)، ولعلهم كانوا يفهمون أن العمرة تختلف عن الحج، وأنه يمكن للإنسان أن يلبس ألبسة في العمرة خلاف الألبسة التي يلبسها في الحج، فسأل: (ما يصنع في عمرته؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اغسل عنك الخلوق، واخلع الجبة، واصنع في عمرتك ما تصنعه في حجك)، والخلوق قيل: إنه الزعفران، والرجل لا يجوز أن يتزعفر مطلقاً، وقيل: إن المقصود من ذلك أنه فعل ذلك أولاً، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتطيب قبل الإحرام ويستديمه بعد الإحرام، وقد فعل ذلك في حجة الوداع، ومرت بنا أحاديث تدل على أن الاستدامة غير الابتداء، فيحتمل أن يكون هذا قد حصل بعد الإحرام، ويحتمل أن يكون حصل قبل الإحرام، والزعفران لا يستعمله الرجل.
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن همام عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية ].
همام وعطاء مر ذكرهما، وصفوان بن يعلى بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ]
يعلى بن أمية وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وفيه أنه قال: (اخلع جبتك فخلعها من رأسه)، ولا شك أن خلعه لا يكون إلا من رأسه، فهي تدخل من الرأس، ولا يمكن التخلص منها إلا بإخراجها من الرأس أو بتمزيق الثوب، والتمزيق إتلاف للمال، فلا يصلح، فلم يبق إلا إخراجها من الرأس، وهذا بيان للواقع الذي ليس هناك غيره.
محمد بن عيسى هو: الطباع وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .
[ عن أبي عوانة ].
أبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بشر ].
أبو بشر هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء عن يعلى بن أمية ].
عطاء ويعلى بن أمية قد مر ذكرهما.
هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحجاج هو ابن أرطأة ، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن صفوان بن يعلى عن أبيه ].
صفوان بن يعلى وأبوه قد مر ذكرهما.
يقول الألباني : إن ذكر الإخراج من الرأس منكر؛ لأنه من جهة الحجاج وحده، فقد خالف الثقات.
أقول: لكن الطريق الأولى رجالها ثقات، ثم إن إخراجها من الرأس هو الواقع، وما عداه ففيه إتلاف الجبة وشقها.
وبعض أهل العلم يقول: إذا خلعها من رأسه فيلزم من ذلك أنه يغطي رأسه، لكن هذا شيء لابد منه، وأيضاً لا توجد تغطية؛ لأن أكثر ما في الأمر أنها تمر من الجوانب، وتذهب إلى فوق، وهو لن يغطي رأسه حتى تلزمه فدية، فله أن يسحبها من فوق الرأس، ولو حصلت تغطية فهذا لا يؤثر.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه: (أن النبي أمره أن ينزعها نزعاً وأن يغتسل مرتين أو ثلاثاً) أي: يغسل الطيب.
قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ].
يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن الليث ].
الليث بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
عطاء مر ذكره.
[ عن ابن يعلى بن منية ].
ابن يعلى هو صفوان الذي مر ذكره، ويعلى بن منية هو يعلى بن أمية ، فـمنية أمّه، وأمية أبوه، فهو أحياناً ينسب إلى أمه، وأحياناً ينسب إلى أبيه.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: (أنه مصفر لحيته ورأسه) أي: بالطيب، وساق الحديث الذي تقدم، ومعلوم أن الغسل إنما يكون للجسد، وأما الجبة فإنها تنزع وما فيها، فإذا نزعها فلا يحتاج إلى أن يتخلص منها ومن الطيب الذي فيها، لكن يغسل التصفير الذي كان على لحيته ورأسه، وليس للإنسان أن يلبس الجبة وهي من المخيط، والتطيب بالزعفران قد جاء ما يدل على عدم استعماله، وقد يكون المقصود من ذلك أنه تطيب قبل الإحرام أو بعد الإحرام، فإذا كان بعد الإحرام فلا يجوز، ويغسله فلا يستديمه، وإنما يزيله، وإما إذا تطيب قبل إحرامه فاستدامته سائغة، وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان على مفرقه أثر وبيص المسك وهو محرم، وقد وضعه قبل الإحرام.
عقبة بن مكرم ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن وهب بن جرير ].
وهب بن جرير بن أبي حازم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قيس بن سعد ].
قيس بن سعد ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه ].
عطاء وصفوان بن يعلى مر ذكرهم.
الجواب: يكون متمتعاً وعليه هدي، فالحاج الذي حج يذبح الهدي، يعني الحاج الذي تصدق وأعطى هذا عمرته، وأعطى هذا حجه؛ يجب عليه أن يهدي، وإذا لم يستطع صام.
الجواب: لا يجوز إلا إذا كان الإنسان يقلبها إلى نفسه لكونه لم يحج، وأما كونه يغير النية من شخص إلى شخص فليس له ذلك إذا حج فرضه.
ولو أن إنساناً حج عن غيره، وهو لم يحج عن نفسه، فإن الحج ينقلب له، حتى ولو بدأ بمناسك الحج؛ لأن الحج وجد ولا يذهب سدى، ولا يمكن أن يكون لشخص غيره، فيكون له، وإذا كان أعطي نقود ليحج بها عن غيره فيرجع النقود إلى أهلها.
الجواب: لا يجوز أن يقول هذا في كل مكان، وإنما يقول ذلك عند زيارة قبره، وأما في غير ذلك فإنه يقول: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، أو اللهم! صل وسلم وبارك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الملائكة تبلغ ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
الجواب: ليس هذا من منهج السلف، وحتى لو كان متثبتاً فليس له أن يتكلم علناً؛ لأن هذا ليس فيه مصلحة، بل فيه مضرة، وإنما المصلحة في النصح، فعليه أن يبلغ النصيحة إلى من تنفع فيه النصيحة، وأما أن ينشر الكلام في ذلك من غير تثبت فهذا فيه وصفان ذميمان:
الأول: أنه ينشر ذلك، والنشر هنا لا يصلح، والثاني: أنه لم يتثبت من ذلك، فمطية الرجل: زعموا، فأي شيء يسمعه فإنه يشيعه من غير تثبت، وهذا لا يصلح، وكما أنه هو نفسه لا يحب أن يعامل هذه المعاملة، فعليه أن يعامل غيره بهذه المعاملة، وإذا أراد أن يعرف هل يصلح هذا أو لا فعليه أن يقيس الناس على نفسه، فهل يرضى أن تنشر عيوبه بين الناس من غير تثبت، فيتحدث الناس بها في المجالس؟! فإذا كان يرى أن مثل هذا لا يعجبه ولا يناسبه فعليه أن يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه به، قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وهو حديث طويل: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) أي: أن تعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
الجواب: لا نعلم دليلاً يدل على منع الحائض من أن تقرأ القرآن من حفظها، وأما أن تقرأ من المصحف فليس لها أن تمس المصحف، بل كل من كان غير متوضئ سواءً كان رجلاً أو امرأة فليس له أن يمس القرآن، كما جاء في الحديث: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، فمس المصحف يحتاج إلى وضوء، وأما القراءة عن ظهر قلب فلا بأس بها لمن كان على غير وضوء، وكذلك الحائض لها أن تقرأ القرآن من حفظها، إما قراءتها من المصحف فقد منعنا صاحب الحدث الأصغر فهي من باب أولى.
وأما الجنب فيختلف عن الحائض؛ لأن التخلص من الجنابة بيده، فإن كان عنده ماء يغتسل، وإن لم يكن فإنه يتيمم، وأما الحائض فليس التخلص من الحيض بيدها، بل لها أمد تنتظره حتى ينتهي ثم تغتسل، وأما الجنب فأمره بيده، فيغتسل أو يتيمم وبعد ذلك يقرأ القرآن.
حدثنا مسدد وأحمد بن حنبل قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: (سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يترك المحرم من الثياب؟ فقال: لا يلبس القميص، ولا البرنس، ولا السراويل، ولا العمامة، ولا ثوباً مسه ورس ولا زعفران، ولا الخفين إلا لمن لا يجد النعلين، فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين) ].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب ما يلبس المحرم] يعني: من الثياب، والمقصود من هذه الترجمة: بيان الألبسة التي يُمنع منها الإنسان المحرم. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يترك المحرم من الثياب) أي: عما يترك لبسه، وفي بعض الروايات في الصحيحين: (سأل عما يلبس المحرم من الثياب)، فأجاب عليه الصلاة والسلام بالشيء الذي لا يلبس؛ لأنه محصور ومحدود، وفي حديث ابن عمر هذا عند أبي داود كان الجواب مطابقاً للسؤال، فقد كان السؤال عما يترك، والجواب بما يترك.
وأما ما في الصحيحين من السؤال عما يلبس، وإجابته صلى الله عليه وسلم بما لا يلبس، فيسمى هذا الأسلوب: أسلوب الحكيم، وهو أن يجيب المسئول بالصيغة التي تجعل الجواب مختصراً.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن اللباس الذي يتركه المحرم هو اللباس الذي كان قد اعتاده؛ كالقميص المفصل على الجسد كله، أو ما فُصِّل على بعضه كالسراويل، أو ما هو خاص بالرأس كالعمامة، وهي التي يغطى بها الرأس وتكون منفصلة، وكذلك أيضاً إذا كانت متصلة بغيرها وليست منفصلة كالبرانس، وهي الثياب التي يكون غطاء الرأس فيها متصلاً بها، وكذلك لا يلبس الخفين، وهما اللذان يغطيان الكعبين، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل الكعبين.
والمقصود من ترك لبس القميص أن يلبسه الإنسان على الهيئة المعروفة، أما لو احتاج الإنسان إلى أن يجعل القميص إزاراً؛ كأن يكون آتٍ في الطائرة وليس معه إزار ورداء، أو أنه لم يكن ينوي الحج والعمرة ثم بدا له أن يعتمر أو أن يحج وهو مقبل على الميقات، فلا بأس بأن يتجرد من ثوبه ويلبسه على هيئة الإزار حتى يجد إزاراً ورداءً، فلبسه هنا ليس على الهيئة المعروفة المعتادة المنهي عنها، والمقصود من الإحرام أن يكون الإنسان على هيئة تخالف ما كان عليه من هيئة في المعتاد، ثم إن الإزار والرداء كان من ألبسة العرب ومن ألبسة المسلمين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس الإزار والرداء في غير الحج والعمرة، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هنا في الحديث ما لا يجوز من اللباس، وعليه فإن غيره من اللباس يجوز لبسه، فيجوز له أن يلبس ما شاء من الثياب ما دام أنه ليس مما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه من اللباس.
وقد كان هذا السؤال في المدينة قبل سفره صلى الله عليه وسلم إلى الحج.
قوله: (ولا ثوباً مسه ورس ولا زعفران) أي: لا يلبس الإنسان الثياب المطيبة، ولا يطيب ثيابه إذا أراد الإحرام، وإنما يطيب جسده كرأسه ولحيته، ويترك الطيب فيما بعد ذلك، والثوب المزعفر لا يستعمله الرجل لا في الحج ولا في غيره، فقد جاء نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
والتنصيص هنا على الورس والزعفران ليس من باب التخصيص لهما، إنما هذا الحكم يشمل جميع أنواع الطيب، فلا يستعمل الطيب لا في الطعام ولا في الشراب، ولا يستعمل أيضاً على جسد الإنسان ولا في ثيابه، فأي شيء رائحته طيبة ويقصد منه الرائحة الطيبة فذلك لا يجوز.
قوله: (ولا الخفين إلا لمن لا يجد النعلين، فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء: هل إذا لم يجد النعلين يلبس الخفين ويقطعهما كما جاء في هذا الحديث، أو أنه لا يقطعهما كما جاء في حديث ابن عباس الذي سيذكره المصنف، وقد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، والحجاج متوافرون من مختلف الآفاق، وهو يبين للناس ما ينبغي لهم أن يفعلوه، فإنه لم يذكر القطع في عرفة، ولكنه ذكره في أول الأمر قبل أن يسافر.
فقال بعض أهل العلم: يحمل المطلق على المقيد، فيحمل حديث ابن عباس على حديث ابن عمر، وأنه يقطع، وبهذا قال جمهور أهل العلم.
وقال بعض أهل العلم: إن حديث ابن عباس متأخر، وقد قاله النبي صلى الله عليه وسلم في مكان اجتمع فيه الناس من مختلف الآفاق، فسمعه من جاء من المدينة، ومن جاء من غير المدينة، وهذا بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو كان القطع مطلوباً أو مشروطاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
فقالوا: إن حديث ابن عمر منسوخ بحديث ابن عباس المتأخر، وأنه يؤخذ بآخر الأمرين مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم.
وقالوا أيضاً: إن هذا مثل السراويل فقد جاء في الحديث أن من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ولم يذكر أنه يشقها، إذاً فكما أن السراويل يلبسها المحرم كما هي ويكون معذوراً في ذلك، ويكون لبسها رخصة لمن لم يجد الإزار، فكذلك أيضاً من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ولا يقطعهما.
وهذا القول -فيما يبدو- هو الأرجح من جهة أنه آخر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الناس الذين سمعوه كانوا قد جاءوا من مختلف الآفاق، وكذلك الرخصة فيه كالرخصة في السراويل.
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ وأحمد بن حنبل ].
أحمد بن محمد بن حنبل الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ].
سفيان هو ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم ].
سالم بن عبد الله بن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
أبو هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وقال: بمعناه، أي: بمعنى الحديث المتقدم، مع اختلاف في الألفاظ والإسناد.
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع ].
نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
ابن عمر مر ذكره.
أورد المصنف حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو كالذي قبله وفيه زيادة: (ولا تنتقب المرأة الحرام) أي: المحرمة، (ولا تلبس القفازين)، فالمرأة ليست كالرجل في الإحرام، فلها أن تلبس ما تشاء، وإنما تمنع من لبس النقاب، فلا تنتقب ولا تلبس القفازين، وهما اللذان تدخل فيهما اليدان؛ لاتقاء البرد أو غير ذلك، فهذا تمنع منه المرأة، وقد جاء الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تلبس النقاب، وإنما تغطي وجهها إذا كان هناك رجال أجانب كما سيأتي ذلك عن عائشة أنها قالت: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نكشف وجوهنا، فإذا حاذانا الركبان سدلت إحدانا خمارها على وجهها)، فتغطية الوجه للمحرمة قد جاءت به السنة، ولكن لا يكون ذلك بالنقاب ولا البرقع، وأما استعمال الخمار وتغطية الوجه عند الرجال الأجانب فهو مشروع.
قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الليث ].
الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال أبو داود : إبراهيم بن سعيد المديني شيخ من أهل المدينة ليس له كثير حديث ].
ذكر أبو داود أن هذا الذي جاء من ذكر النهي عن الانتقاب ولبس القفازين جاء مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الطرق موقوفاً على ابن عمر ، والمرفوع ثابت وصحيح، وهو في الصحيحين، والطريق التي أوردها أبو داود من طريق الليث هي مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر بعض الطرق التي تماثل هذه الطريق المرفوع، وذكر بعض الطرق التي فيها أنه موقوف على ابن عمر ، فيكون الحديث جاء عنه موقوفاً وجاء عنه مرفوعاً.
قوله: [ وقد روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ].
حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ويحيى بن أيوب ].
يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن موسى بن عقبة ].
موسى بن عقبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أي: أنه مرفوع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ ورواه موسى بن طارق ].
موسى بن طارق ثقة، أخرج له النسائي .
[ عن موسى بن عقبة موقوف على ابن عمر ].
أي: أنه جاء عن موسى بن عقبة مرفوعاً وموقوفاً.
[ وكذلك رواه عبيد الله بن عمر ].
عبيد الله بن عمر هو: العمري المصغر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
مالك بن أنس مر ذكره، وأيوب هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وإبراهيم بن سعيد المديني ].
إبراهيم بن سعيد المديني مجهول الحال، أخرج له أبو داود ، وقال عنه أبو داود : شيخ من أهل المدينة ليس له كبير حديث.
[ عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
أي: أنه جاء من طريق هذا الرجل المجهول مرفوعاً، والطرق السابقة أيضاً جاءت مرفوعة، وقد أشار أبو داود رحمه الله إلى حاله وقلة حديثه.
هذا طريق آخر عن ابن عمر مرفوع، وإبراهيم بن سعيد الذي في إسناده هو الذي رفعه، وهو موافق لما جاء في الصحيحين.
قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد عن إبراهيم بن سعيد المديني عن نافع عن ابن عمر ].
كلهم مر ذكرهم.
هذا الحديث مثل الحديث السابق، إلا أن فيه زيادة أن المرأة تمتنع من القفازين، ومن النقاب، ومن الطيب، ولتلبس ما شاءت بعد ذلك، أي: سواءً كان سراويل أو ثياباً أو حلياً أو خفاً، فكل ذلك لا تمنع منه المرأة، لكن لا يكون زينة ولا فتاناً، فالمرأة تختلف عن الرجل.
والمحرمة لها أن تلبس الحلي، بشرط ألا يظهر ويفتتن به الناس، ولا يلزمها إذا كان عليها حلي أن تخلع حليها إذا أرادت أن تحرم.
ويصح إحرام المرأة وهي مختضبة بالحناء، ولكن لا ينبغي أن تفعل ذلك، لكن إذا وجد فإنها تخفيه بثيابها، ولا تخفيه بالقفازين.
مر ذكره.
[ حدثنا يعقوب ].
يعقوب بن إبراهيم بن سعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبي ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن إسحاق ].
محمد بن إسحاق صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ قال أبو داود : روى هذا الحديث عن ابن إسحاق عن نافع : عبدة بن سليمان ومحمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق إلى قوله: (وما مس الورس والزعفران من الثياب)، ولم يذكرا ما بعده ] أي: أنه وقع في هذه الطريق اختصار، فذكر ما مسه الزعفران والورس، ولم يذكر ما عدا ذلك، وهو مذكور في الطريق السابقة، وهو صحيح ثابت.
[ قال: روى هذا الحديث: عن ابن إسحاق عن نافع : عبدة بن سليمان ].
عبدة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ومحمد بن سلمة ].
محمد بن سلمة الباهلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
أورد المصنف حديث ابن عمر أنه وجد القر -أي البرد- فقال لـنافع : ألق علي ثوباً. أي: شيئاً يغطيه ويستدفئ به، قال: (فألقيت عليه برنساً، فقال: تلقي علي هذا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم؟!) فهذا يدل على أن المحرم لا يستعمل الشيء الذي منع منه حتى ولو كان على سبيل الغطاء، لكن إذا أراد الإنسان أن يحرم وليس معه إزار ورداء، فله أن يتزر به مؤقتاً حتى يجد إزاراً، وليس عليه شيء؛ لأنه لم يلبسه على الهيئة التي منع منها.
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ].
مر ذكر هؤلاء الثلاثة.
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السراويل لمن لا يجد الإزار، والخف لمن لا يجد النعلين)، وهذا جاء عنه صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة، والناس يشهدون ذلك من مختلف الآفاق، وتلقوا عنه هذا الكلام، فقال بعض أهل العلم: إنه يؤخذ بهذا ويترك القطع؛ لأن ذاك متقدم وهذا متأخر، وقال بعض أهل العلم: إنه يحمل المطلق على المقيد، ومما يقوي أنه لا يقطع، أن السراويل بدل عن الإزار، والسراويل لا يحصل فيها شق ولا قطع، فتكون الخفاف كذلك، ولو كان القطع مطلوباً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الذين جاءوا من مختلف الآفاق، فالقول بأن المحرم يلبسه ولا يقطعه هو الأظهر.
وإذا أراد الإنسان أن يلبس ثياباً من أجل مرض فيه فعليه الفدية، وهذا مثل الذي يحلق رأسه، فإن عليه الفدية إذا كان مضطراً إلى ذلك، فالإنسان إذا كان به مرض ويريد أن يلبس ثيابه سواءً كانت سراويل، أو قميصاً أو غير ذلك مما يحتاج الإنسان إلى لبسه لمرض به، فإن عليه الفدية، لكن من لم يجد الإزار فليلبس السراويل وليس عليه فدية، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليس عليه فدية.
وهذه الأوقات مع برودة الجو قد يحتاج كبار السن إلى ثياب داخلية للتدفئة، فإذا خشي عليهم الضرر، فإن لهم أن يلبسوا ويفدوا، ولكن يمكن أن يحصل ما يريدون بأن يلتحف الواحد منهم بأي لحاف من الألحفة التي مثل البطانية فوق الإحرام، ولا بأس بذلك.
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد بن زيد ].
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن دينار ].
عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر بن زيد ].
جابر بن زيد هو: أبو الشعثاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ قال أبو داود : هذا حديث أهل مكة، ومرجعه إلى البصرة إلى جابر بن زيد ، والذي تفرد به منه ذكر السراويل، ولم يذكر القطع في الخف ].
يعني بأهل مكة ابن عباس وعمرو بن دينار ، وسليمان بن حرب وإن كان بصرياً إلا أنه كان قاضياً بمكة، وجابر بن زيد بصري، وكذلك حماد بن زيد.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أنهن كن يخرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فكن يضمدن جباههن بالسك المطيب، فإذا عرقت إحداهن سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره) وهذا الطيب كأنه من الطيب الذي يختص بالنساء، فيرى ولا تظهر رائحته.
هو لا بأس به، أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ حدثنا أبو أسامة ].
أبو أسامة هو حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمر بن سويد الثقفي ].
عمر بن سويد الثقفي ثقة، أخرج له أبو داود .
[ عن عائشة بنت طلحة ].
عائشة بنت طلحة بن عبيد الله وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة أم المؤمنين ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عمر أنه كان يقطع الخفين للمرأة المحرمة، فلما حدثته صفية بنت أبي عبيد -وهي زوجته- أن عائشة -وهي أم المؤمنين- رضي الله عنها حدثتها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين ترك ذلك). أي: رخص لهن أن يلبسن الخفاف من دون قطع، فترك ذلك الذي كان يأمرهن به، فلعل ابن عمر اجتهد أولاً وقاس النساء على الرجال، ولما بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص ذلك للنساء، ترك الأمر بالقطع.
ابن أبي عدي هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن إسحاق عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن صفية بنت أبي عبيد ].
صفية بنت أبي عبيد هي زوجة ابن عمر ، وهي ثقة، أخرج لها البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عائشة ].
عائشة رضي الله عنها مر ذكرها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر