[ باب: في الفدية.
حدثنا وهب بن بقية عن خالد الطحان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه : (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر به زمن الحديبية، فقال: قد آذاك هوام رأسك؟ قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وآله سلم: احلق ثم اذبح شاةً نسكاً، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين) ].
قوله: [باب في الفدية].
الفدية المقصود بها ما يفعله الإنسان مقابل ارتكاب محظور منع منه في حال الإحرام، وهذا الذي تحت هذه الترجمة يتعلق بفدية الرأس من أجل السلامة من الأذى الذي فيه، وذلك في حال الإحرام.
قوله: [ (قد آذاك هوام رأسك؟) ] يعني: ما فيه من القمل.
قوله: [ (احلق ثم اذبح شاة نسكاً، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين) ].
هذه هي الفدية عند ارتكاب هذا المحظور الذي رخص فيه وكان ممنوعاً منه، لكن الإنسان لا يحلق شعره ولا يتعرض لشعره في حال إحرامه إلا عندما يقتضي الأمر ذلك؛ كأن يكون هناك ضرورة تدعو إليه كهذه التي حصلت لـكعب رضي الله عنه، فإن له أن يفعل ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رخص في ذلك، ويكون عليه فدية.
والفدية مخير فيها بين هذه الأمور الثلاثة: إما أن يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أي: ثلاثة آصع تقسم على ستة مساكين، يكون لكل مسكين نصف صاع، هذه هي فدية الأذى، ومثل ذلك اللبس فإن كفارته وفديته هي هذه الفدية التي هي التخيير بين الأمور الثلاثة: وهي الذبح أو الصيام أو الإطعام، وقد جاء ذلك مجملاً في القرآن: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] فجاءت السنة وفسرت وبينت المقصود بالنسك وأنه شاة، والمقصود بالصيام وأنه ثلاثة أيام، والمقصود بالإطعام وأنه إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وهذا يدلنا على أن السنة توضح القرآن وتبينه وتفسره وتدل عليه.
وهب بن بقية ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن خالد الطحان ].
خالد الطحان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خالد الحذاء ].
هو خالد بن مهران الحذاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي قلابة ].
هو عبد الله بن زيد الجرمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ].
عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن كعب بن عجرة ].
كعب بن عجرة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
هذا الحديث مثل الذي قبله، وفيه جواز التخيير في الفدية، إن شئت كذا، وإن شئت كذا، وإن شئت كذا.
فإن اختار الصيام مثلاً فعليه أن يبادر إلى الإتيان به حتى يتخلص مما في ذمته، وليس للصيام وقت محدود يفوت بفواته.
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن داود ].
هو داود بن أبي هند وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن الشعبي ].
هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة ].
عبد الرحمن بن أبي ليلى وكعب قد مر ذكرهما.
قوله: (أمعك دم؟ قال: لا، قال: فصم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين...) هذا لا يدل على أنه يلزم الدم، وإذا لم يجد فإنه يتحول إلى الصوم أو الإطعام، بل هو مخير بين الثلاثة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله عن الدم هل هو موجود، وإذا كان موجوداً فإنه يخيره بينه وبين الصيام والإطعام، لا أن الدم مقدم على غيره، وأنه ليس له أن يطعم وليس له أن يصوم إلا إذا لم يكن قادراً على الدم، بل من كان قادراً على الدم فلا يلزمه، بل هو مخير بينه وبين الإطعام والصيام كما جاء ذلك في الروايتين السابقتين، ويكون المقصود من قوله: (أمعك دم؟)، أنه إذا كان معه فإنه يخيره بينه وبين الصوم والإطعام، وبذلك يتفق مع الروايات الأخرى، لكن لو كان يجد الدم ففعله فإنه الأكمل والأولى والأفضل، لا أنه لازم.
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـالزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة بدون واسطة.
[ حدثنا عبد الوهاب ].
هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا نصر بن علي ].
ح للتحول من الإسناد إلى إسناد، أما الراوي فهو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يزيد بن زريع ].
يزيد بن زريع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن داود عن عامر عن كعب بن عجرة ].
داود وعامر وكعب بن عجرة قد مر ذكرهم.
وهنا جاء ذكر عامر باسمه، وفي الأول الشعبي ، وهذا يدلنا على أن الشخص إذا عرف لقبه أو عرفت نسبته أو عرفت كنيته أن ذلك من الأمور المهمة؛ لأن من يعرف ذلك لا يظن الشخص الواحد شخصين، ومن لا يدري يظن أن الشعبي شخص وأن عامراً شخص آخر، لكن من يعرف أن عامراً اسم للشعبي والشعبي نسبة له؛ فإن ذلك لا يلتبس عليه.
قوله: (وكان قد أصابه في رأسه أذى فحلق، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدي هدياً بقرة)، هذا مخالف للروايات السابقة، فإن كان الرجل من الأنصار معلوماً فيكون من قبيل الشاذ؛ لأن الإسناد صحيح، وإن كان الرجل غير معلوم فإنه يكون منكراً؛ لأن فيه شخصاً مجهول غير معروف، ولكن ذكر الحافظ أن هذا المبهم هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الذي جاء ذكره في بعض الروايات السابقة في هذه القصة كما في الحديث الأول فهو يروي عن كعب بن عجرة، فإذا كان هذا سيكون الحديث شاذاً، وإن كان غير معلوم وإنما هو رجل مبهم لا يدرى من هو فسيكون من قبيل المنكر الضعيف؛ لأن مخالفة الضعيف للثقة يقال له: منكر، ومخالفة الثقة لمن هو أوثق منه يقال له: شاذ.
قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الليث ].
الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع ].
نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن رجلاً من الأنصار أخبره عن كعب بن عجرة ].
كعب بن عجرة قد مر ذكره.
هذا حديث كعب بن عجرة من طريق أخرى وفيه: أن الآية المذكورة آنفاً نزلت فيه، وهي مجملة والسنة فسرتها وبينتها.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره وبين له المراد بهذه الأمور المجملة التي جاءت في الآية الكريمة، وهي: إما أن يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين ثلاثة آصع من زبيب، أو يصوم ثلاثة أيام، وسبق ذكر الآصع من التمر، ولا شك أن أي نوع من أنواع الطعام الذي يتعاطاه الناس والذي يستعمله الناس إذا أطعم منه كل مسكين من المساكين الستة نصف صاع، فإنه يحصل به المقصود، سواء كان ذلك من التمر أو الزبيب أو غير ذلك من طعام الناس الذي اعتادوه، كما هو معلوم في زكاة الفطر أن الإنسان يخرج صاعاً من تمر أو بر أو شعير أو زبيب؛ لأنها كانت طعام الناس، وكذلك لو أخرج أرزاً أو غير ذلك من الأشياء التي يعتادها الناس في أي زمان وفي أي مكان، فإنه يحصل بذلك المقصود.
هو محمد بن منصور الطوسي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا يعقوب ].
هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني أبي ].
هو إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق وهو صدوق يدلس ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
أبان بن صالح وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
[ عن الحكم بن عتيبة ].
هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب ].
عبد الرحمن بن أبي ليلى وكعب مر ذكرهما.
وهذا الإسناد فيه ذكر الزبيب، وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس، فذكر التنصيص على الزبيب فيه شيء من ناحية أنه جاء من طريق هذا الرجل المدلس، والمحفوظ هو التمر كما سبق أن مر، لكن كما هو معلوم كل طعام يقتات سواء كان تمراً أو زبيباً أو غير ذلك فإنه يحصل به المقصود، لكن هنا محمد بن إسحاق صرح بالتحديث حيث قال: حدثني أبان فالأمر مثل ما ذكرنا أن أي شيء يكون به الإطعام سواءٍ كان زبيباً أو تمراً، فإنه يحصل به المقصود.
ليس بلازم أن تكون الفدية متقدمةً على فعل المحظور، بل يمكن أن يفعل الشيء الذي أمر به ويفعل الكفارة فيما بعد، كأن يصوم فيما بعد أو يطعم فيما بعد، وليس بلازم أن يكون قبل فعل المحظور، ويمكن أن يكون عند الإنسان ذبيحة فيذبحها من أجل أن يحلق، ولا بأس بذلك.
قوله: (أي ذلك فعلت أجزأ عنك) يعني: أي واحد من الأمور الثلاثة فعلته أجزأك، وهذا يوضح أن المسألة فيها تخيير وأنه لا ترتيب بل تخيير.
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الكريم بن مالك الجزري ].
عبد الكريم بن مالك الجزري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة ].
عبد الرحمن بن أبي ليلى وكعب قد مر ذكرهما.
الجواب: ليس كل المحظورات تكون فديتها هذه، ولكن بعض أهل العلم جعل الترفه من تقليم الأظفار أو التطيب وما إلى ذلك يكون فيه التخيير بين هذه الأمور الثلاثة، وأما الجماع فله حكم يخصه، والصيد له حكم يخصه، وكذلك ترك واجبات الحج لها أحكام تخصها.
الجواب: لم يكن معه دم حينئذ، لكنه بعد ذلك نفذ أكمل الأمور الثلاثة وأفضلها، وقد يكون بعد ذلك اشترى نسكاً أو حصله بأي طريقة من الطرق المشروعة.
الجواب: لا يدخل فيه كل الأطعمة، وإنما الشيء الذي يقتاته الناس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر الأطعمة المعتادة عند العرب في زكاة الفطر، كان اللحم موجوداً، والنقود كذلك كانت موجودة، ولم يقل: أو كذا درهماً أو لحماً، وإنما ذكر ما يمكن أن يؤكل منه ويقتات ويدخر بخلاف اللحم، فإن اللحم كما هو معلوم في ذلك الوقت لا يستفاد منه إلا في يومه، ولو تأخر بعد ذلك لم يستفد منه، اللهم إلا ما كانوا يفعلونه من القديد، حيث كانوا يشرحونه ويملحونه ويبقى، فالأطعمة المقصود بها أقواتهم.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حجاج الصواف حدثني يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل) قال عكرمة: سألت ابن عباس وأبا هريرة رضي الله عنهما عن ذلك فقالا: صدق) ].
قوله: باب الإحصار، الإحصار هو حصول شيء يمنع من الحج أو من العمرة، كأن يصد عن البيت ولا يمكن من الوصول لأداء الحج أو العمرة، أو يكون لمرض، أو يحصل له كسر أو عرج؛ بسبب حادث، فهذا هو المقصود بالإحصار، والمشهور أن الإحصار هو المنع والصد عن دخول البيت وعن الوصول إلى البيت، وقد جاء بيان ذلك في القرآن، وأن الإنسان إذا أحصر فإنه ينحر ما استيسر من الهدي، والنبي صلى الله عليه وسلم في عام الحديبية صد عن البيت ونحر هدية في الحديبية قريباً من الحرم.
واختلف العلماء في الإحصار على قولين: منهم من قال: إن الإحصار مقصور على ما كان من صد عن البيت ومنع من الوصول إلى البيت، إما من عدو، أو يكون لمصلحة مثل ما هو موجود في هذا الزمان من ناحية الدولة، وذلك بناءً على فتوى من كبار العلماء رأوا أنه لكثرة الزحام وكون الناس الذين في الداخل -سواءً من المقيمين أو من المواطنين- يقدمون على الحج بكميات هائلة، ويترتب على ذلك ازدحام شديد وأضرار بسبب كثرة الزحام، فمن ثم يحصل الإحصار وهو الرد عن الوصول إلى البيت.
ومن أهل العلم من قال: إن ذلك يشمل هذا ويشمل ما كان عن مرض أو كسر أو عرج أو ما إلى ذلك من الأمور التي قد تطرأ وتحصل، وعمدة هؤلاء ما جاء عن الحجاج بن عمرو رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كسر أو عرج فقد حل، وعليه الحج من قابل).
قوله: (فقد حل) يعني: له أن يترك ذلك الذي دخل فيه ويحل، وعليه الحج من قابل.
وبعض أهل العلم يقول: إن الإحصار إنما هو خاص بالعدو، وأن ما جاء في هذا الحديث مبني على ما إذا اشترط كما جاء في قصة ضباعة بنت الزبير رضي الله تعالى عنها: (أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أريد الحج أأشترط؟ قال: نعم، قالت: فكيف أقول؟ قال: قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث حبستني) قالوا: فلو لم يكن الاشتراط له معنى لم يكن لها حاجة إلى الاشتراط، ولو حصل أي مرض أو حصل أي شيء، فهل للإنسان أن يحل بمجرد حصول المرض وبمجرد حصول أي شيء له مع أنه متمكن من الوصول إلى البيت؟ قالوا: بل يبقى على إحرامه، فإذا شفي فإنه يكمل عمرته، وأما الحج إذا لم يتمكن منه وذهب وقته فإنه يحوله إلى عمرة، مثل الإنسان الذي فاته الحج فإن كان فرضاً فإن عليه أن يحج من قابل، وأما إذا كان تطوعاً فإنه لا يلزمه ذلك.
إذاً: حمل بعض العلماء حديث الحجاج بن عمرو على ما إذا حصل اشتراط؛ وذلك أن أي مرض وأي شيء يحصل مع إمكان الوصول إلى البيت ولو بعد حين، فإن الإنسان يبقى على إحرامه، حتى لو دخل المستشفى فإنه يبقى على إحرامه، وعندما يشفى فإنه يؤدي الشيء الذي دخل فيه، وإن كان الحج قد ذهب ولم يتمكن من الوقوف بعرفة وهو مريض فإنه يفسخ الحج إلى عمرة ويتحلل.
ومستند قول هؤلاء أن الإحصار المذكور في القرآن إنما هو بسبب العدو، قال الله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، وعلى هذا فإن الذي يكون بسبب المرض فإنه يكون محمولاً على ماجاء في حديث ضباعة ؛ لأنه لو لم يكن للاشتراط حاجة لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـضباعة هذا الكلام، وهذا الحكم يشمل ضباعة وغير ضباعة ، ثم أيضاً مثل هذا يمكن أن يحصل للإنسان الشيء اليسير من المرض أو من الزكام أو من الحمى أو ما إلى ذلك، فيتعلل به ويترك الحج بحجة أنه محصر!
كذلك من منع من البيت للمصلحة فلا ينبغي له أن يقدم على ذلك الشيء؛ لأنه ممنوع من البيت؛ لأن الإحصار إما حصر بعدو، وإما حصر لمصلحة، ومنع لمصلحة، ومن منع بسبب مصلحة فيترتب عليه ألا يقدم على الحج.
كذلك من إذا أحصر بعدو مثل ما جاء في القرآن: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، وقال: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196]، فعليه دم، وكذلك الحلق؛ لأن الحلق يتحلل به.
أما بالنسبة للمحصر إذا ذبح بعيداً عن الحرم كما حصل في الحديبية فإنهم أكلوا هم ومن معهم، ولم ينقلوه إلى الحرم؛ وكان بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد صلح الحديبية أن ينقلوه إلى الحرم، ومع ذلك لم يفعلوا.
هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حجاج الصواف ].
حجاج الصواف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني يحيى بن أبي كثير ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عكرمة ].
هو عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري ].
الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب السنن.
[ قال عكرمة : (سألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا: صدق) ].
يعني: أن ما جاء عن الحجاج جاء عن ابن عباس وعن أبي هريرة فهو حديث عن الثلاثة.
هذه طريق أخرى لحديث الحجاج بن عمرو، وهو مثل الذي قبله، وزاد (المرض) وهو أعم، وفيه من حيث الإسناد أن سلمة بن شبيب قال: أنبأنا، والشيخ الثاني قال: عن.
قوله: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ].
محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة ، أخرج له أبو داود .
[ وسلمة ].
هو سلمة بن شبيب وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عبد الرزاق ].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معمر ].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة ].
يحيى بن أبي كثير وعكرمة قد مر ذكرهما.
[ عن عبد الله بن رافع ].
عبد الله بن رافع وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن الحجاج بن عمرو ].
الحجاج بن عمرو قد مر ذكره.
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفيه: [سمعت أبا حاضر الحميري يحدث أبي ميمون بن مهران قال: خرجت معتمراً عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة ].
يعني: لما جاء الحجاج بن يوسف ليحاصر ابن الزبير رضي الله عنهما بمكة، وحصلت محاصرته ثم قتله رضي الله عنه بعد ذلك في ذلك العام.
قوله: [ (وبعث معي رجال من قومي بهدي، فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم) ].
يعني: أن الحجاج ومن معه الذين كانوا يحاصرون مكة ردوا أبا حاضر ومن معه.
هذا غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام في عمرة الحديبية ذبح الهدي، وعندما أتى بالعمرة في السنة الثانية لم يثبت أنه قال لهم: أبدلوا الهدي؛ لأن هذه العمرة ليست عوضاً عن العمرة السابقة، بل تلك عمرة مستقلة وهذه عمرة مستقلة، وليست قضاءً وإنما هي عمرة مقاضاة، ولهذا يقال لها: عمرة القضية وليس القضاء، والمقصود المقاضاة التي حصلت مع كفار قريش على أنهم يرجعون هذه السنة ويأتون معتمرين السنة الآتية؛ ولهذا عمرة الحديبية لم تبطل وأتي بشيء عوض عنها، بل عمر الرسول صلى الله عليه وسلم أربع: عمرة الحديبية، وعمرة القضية، وعمرة الجعرانة، والعمرة التي كانت مع حجته صلى الله عليه وسلم.
ثم أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية لم يقل: كل من كان معنا في السنة الماضية عليه أن يأتي بهدي بدل الهدي الذي نحر في الحديبية، وإنما ذهب معه منهم ومن غيرهم؛ لأنها لا علاقة لها بقضاء ما فات، وإنما هي عمرة مستقلة حصل الاتفاق مع كفار قريش على أن يرجعوا هذا العام، وأن يعتمروا في السنة القادمة، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية وليس فيها أنه أبدل الهدي، ولا أمر بإبدال الهدي، وليس فيها أنه ذبح هدياً عليه الصلاة والسلام، فالحديث غير صحيح.
هو عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا محمد بن سلمة ].
محمد بن سلمة الباهلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن إسحاق ].
محمد بن إسحاق صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وهنا روى بالعنعنة.
[ عن عمرو بن ميمون ].
عمرو بن ميمون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت أبا حاضر الحميري ].
هو عثمان بن حاضر وهو صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ فأتيت ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر