حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله -يعني ابن عبد الله بن عتبة - عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) ].
قوله: [ باب الطواف الواجب ].
الطواف الواجب في العمرة هو طواف العمرة، وهو ركن من أركان العمرة، أما الطواف الواجب في الحج فطواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج، وطواف الوداع واجب من واجبات الحج، وكذلك إذا نذر الإنسان أن يطوف فإنه يكون واجباً عليه، وقال بعض أهل العلم: إن طواف القدوم واجب.
وقد عقد المصنف رحمه الله هذه الترجمة وأتى بالأحاديث التي فيها طواف القدوم، ولعل في إيراد الأحاديث تحت هذه الترجمة إشارة إلى أنه يرى أن طواف القدوم واجب، وذلك في حق من كان قارناً أو مفرداً، أما من كان متمتعاً فإنه يطوف طواف العمرة وهو يغني عن طواف القدوم، وهذا مثل كون الإنسان إذا دخل المسجد والصلاة قائمة فإنه يصلي الفرض وهو يغني عن تحية المسجد، فكذلك عندما يدخل المسجد الحرام فإنه يطوف طواف العمرة وهذا الطواف يغني عن طواف القدوم، وأما من كان حاجاً مفرداً أو قارناً فإنه يطوف طواف القدوم؛ لأن الذي عليه من الطواف الواجب هو طواف الحج والعمرة إذا كان قارناً وكذلك إذا كان مفرداً، أما طواف الإفاضة فإنه يكون بعد الحج، سواء كان قراناً أو إفراداً أو تمتعاً؛ لأن طواف الإفاضة لازم في حق الجميع، وهو إنما يكون بعد الإفاضة من عرفة ومن مزدلفة.
وعلى هذا فطواف القدوم من العلماء من قال بوجوبه، ومنهم من قال: إنه من قبيل المستحب؛ لأن الإنسان يمكن أن يتركه، كما لو جاء الحاج متأخراً وذهب إلى عرفات رأساً ولم يدخل مكة إلا بعد الحج فليس بلازم عليه أن يطوف طواف القدوم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم فعله أول ما دخل مكة، فدل هذا على أن القارنين والمفردين إذا دخلوا مكة فإنهم يطوفون طواف القدوم، ويسعون سعي العمرة والحج بعد طواف القدوم، هذا في حق القارن والمفرد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بعدما طاف طواف القدوم وكان قارناً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) ].
يعني: أنه عليه الصلاة والسلام طاف على بعير، وجاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طاف لأن الناس غشوه وازدحموا حوله، فأراد أن يكون على بعير حتى يشرف على الناس، وحتى يأخذ الناس عنه المناسك، وحتى يسمعوا كلامه ويرون فعله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث جابر : (فإن الناس غشوه) يعني: ازدحموا حوله صلى الله عليه وسلم فركب البعير.
قوله: [ (وكان يستلم الركن بمحجن) ] المحجن: هو عصا منحنية الرأس، كان صلى الله عليه وسلم يضعها على الحجر ثم يقبلها، ودل هذا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف أول ما قدم مكة وكان على بعير، وأيضاً يدل على صحة طواف الراكب، ويدل أيضاً على أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر؛ لأن كون البعير يدخل المسجد ويطاف عليه حول الكعبة قد يكون هناك روث وبول، فدل ذلك على طهارة الأبوال والأرواث مما هو مأكول اللحم، ومما يدل على طهارته أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للعرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل للاستشفاء، ولو كان بولها نجساً لما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نهى عن التداوي بالحرام، فدل هذا على أن روث وبول ما يؤكل لحمه طاهر وليس بنجس.
هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل .
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ].
ابن شهاب مر ذكره، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
في هذا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم عام الفتح مكة طاف على بعير يستلم الركن بمحجن، وهذا ليس فيه طواف قدوم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدخل مكة معتمراً، وإنما دخل وعلى رأسه المغفر عليه الصلاة والسلام، وإنما طاف عليه الصلاة والسلام تطوعاً، وهذا من الأدلة الدالة على جواز التطوع بالطواف في أي وقت، وأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف وهو بمكة عام الفتح، ولم يكن ذلك طواف عمرة وإنما كان طواف تطوع، فدل هذا على أن التطوع بالطواف مشروع، وأما السعي فلا يأتي الإنسان إلا بالسعي الواجب، أي: لا يسعى الإنسان بين الصفا والمروة تطوعاً مثلما يتطوع بالطواف؛ لأن السعي بين الصفا والمروة إنما يكون للحج والعمرة، سواء كانت عمرة مستقلة لا علاقة لها بالحج، أو عمرة تمتع أو قران مع الحج، أما سعي الحج فيكون بعد الحج أو قبله.
إذاً: هذا الحديث فيه أنه طاف عليه الصلاة والسلام على بعير وكان يستلم الركن بمحجن ولم يكن محرماً.
مصرف بن عمرو اليامي ثقة، أخرج له أبو داود .
يونس بن بكير صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه .
[ حدثنا ابن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ].
محمد بن جعفر بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ].
عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن صفية بنت شيبة ].
صفية بنت شيبة رضي الله عنها، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ (رأيت النبي عليه الصلاة والسلام طاف على بعير يستلم الركن بمحجنه ويقبله) ] يعني: يقبل الذي لامس الحجر من المحجن.
إذاً: هذا يدل على أن الحجر يقبل مباشرةً، وإذا لم يتمكن الإنسان من ذلك استلمه بيده أو بمحجن أو بعصا أو ما إلى ذلك ثم يقبل ما استلمه به، والأمر الثالث الذي أشرنا إليه آنفاً أنه يشار إليه، هذا إذا كان الإنسان ليس قريباً منه ولا يستطيع التقبيل مباشرة ولا الاستلام بمحجن ونحوه.
قوله: [ (ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف سبعاً على راحلته) ].
يعني: أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى الصفا والمروة وطاف بينهما على راحلته، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم طاف وسعى بين الصفا والمروة على البعير، وفعل ذلك ليراه الناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ ومحمد بن رافع ]
هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
[ حدثنا أبو عاصم ].
هو الضحاك بن مخلد النبيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معروف يعني ابن خربوذ المكي ].
معروف بن خربوذ المكي صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه .
[ حدثنا أبو الطفيل ].
هو عامر بن واثلة رضي الله عنه، وهو آخر الصحابة موتاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة؛ ليراه الناس وليشرف وليسألوه، فإن الناس غشوه) ] يعني: أحاطوا به وازدحموا عليه، كل يريد أن يقرب منه وأن يشاهده ويعاينه صلى الله عليه وسلم، فركب على بعيره يطوف عليه ويسعى عليه صلى الله عليه وسلم؛ ليراه الناس عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
يحيى هو القطان وقد مر ذكره، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبو الزبير ].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أنه سمع جابر بن عبد الله ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته) ].
يعني: أن السبب في طوافه على الراحلة كونه يشتكي، لكن تقدم في حديث جابر رضي الله عنه أن السبب في ذلك ليشرف فإن الناس غشوه.
فقوله: [ (وهو يشتكي) ] هذه اللفظة جاءت من طريق يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، وكونه طاف على بعير واستلم الركن بمحجن هو ثابت في الأحاديث الأخرى.
مر ذكره.
[ حدثنا خالد بن عبد الله ].
هو خالد بن عبد الله الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يزيد بن أبي زياد ].
يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عكرمة ].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ]
مر ذكره.
هذا كما مر في الحديث السابق أنه كان يستلمه في كل طوفة.
وهذا لم ينفرد به يزيد بن أبي زياد، بل قد رواه غيره كما مر.
أما الاستلام في آخر الطواف في الشوط السابع فالذي يظهر أنه كلما أتى على الحجر فإنه يستلمه، سواء كان في الأول أو في الآخر، كلما حاذاه يستلمه.
قوله: [ (فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين) ].
يعني: ركعتي الطواف.
قول أم سلمة : [ (شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي) ] يعني: من المرض.
قولها: [ (فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) ] وذلك لأنه قد يحصل من المركوب بعض الإيذاء للناس، فكونه يكون من وراء الناس يكون أسلم لهم، وحتى لا يتعرض أحد منهم لشيء من الأذى من المركوب، فهذا يدل على جواز الطواف راكباً، والنبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً ليراه الناس، وأما هي فلأنها كانت تشتكي، فدل هذا على أنه يسوغ للإنسان أن يطوف راكباً، وأنه إذا كان يشتكي فالأمر كما قال الله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وإذا كان لا يشتكي، ولكن قد تناله مشقة فله أن يطوف وهو محمول على العربة، وكذلك الأمر في السعي بين الصفا والمروة.
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ].
محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة ].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن زينب بنت أبي سلمة ].
زينب بنت أبي سلمة هي ربيبة النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أم سلمة ].
أم سلمة رضي الله عنها أم المؤمنين، وهي هند بنت أبي أمية ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أما كونه صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور وكتاب مسطور فذلك كان في صلاة الفجر، وأم سلمة كانت تطوف من ورائهم وهم يصلون؛ لأن صلاة الجماعة ليست واجبة على النساء.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن ابن يعلى عن يعلى رضي الله عنه أنه قال: (طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم مضطبعاً ببرد أخضر) ].
قوله: [ باب: الاضطباع في الطواف ].
الاضطباع: هو أن يجعل المحرم رداءه تحت إبطه الأيمن، ثم يسدله على كتفه الأيسر، فتكون اليد اليمنى كلها مكشوفة بارزة، هذا هو اضطباع.
وقيل: الاضطباع مأخوذ من الضبع، والضبع هو العضد.
والحكمة في ذلك أنه أنشط، ولأنه أيضاً يكون مع الرمل الذي يكون في الثلاثة الأشواط الأولى، وأما الاضطباع فيكون في الأشواط السبعة، والرمل هو الإسراع في الثلاثة الأشواط الأولى فقط، جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والاضطباع إنما يكون في طواف القدوم لمن كان قارناً أو مفرداً، وفي طواف العمرة في حق من كان معتمراً، سواء كان في وقت الحج متمتعاً أو في أي شهر من السنة.
قوله: [ (ببرد أخضر) ] هذا يدل على أن الإنسان يحرم بأي شيء من اللباس، سواء كان أخضر أو أبيض أو غير ذلك.
محمد بن كثير مر ذكره.
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان الثوري، وقد مر ذكره.
ابن جريج مر ذكره، وابن يعلى هو صفوان بن يعلى بن أمية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يعلى ].
هو يعلى بن أمية رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة) ] وكان ذلك في السنة الثامنة بعد الفتح.
قوله: [ (فرملوا بالبيت) ] يعني: رملوا في الأشواط الثلاثة الأولى.
قوله: [ (وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم اليسرى) ].
يعني: بحيث يكون العاتق الأيسر عليه الرداء الذي كان موجوداً من الأصل، ثم ألقي عليه طرفه الذي كان على الكتف الأيمن، أي: جعل تحت العضد الأيمن ثم ألقي على الكتف الأيسر، فيكون الكتف الأيمن كله مكشوفاً، والأيسر عليه الطرفان الطرف الذي كان عليه من الأصل، والطرف الذي كان على الكتف الأيمن جُعل على الكتف الأيسر، وهذا الحديث فيه بيان الاضطباع وتفسيره؛ لأنه قال في الحديث السابق: (مضطبعاً)، وهنا فسر الاضطباع بأنه أن يجعل الرداء تحت إبطه الأيمن ويلقي به على كتفه الأيسر.
وهذا في طواف العمرة، وكذلك في طواف القدوم إذا كان قارناً أو مفرداً.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ].
عبد الله بن عثمان بن خثيم صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس قد مر ذكره.
حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا أبو عاصم الغنوي عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: قلت لـابن عباس رضي الله عنهما (يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قد رمل بالبيت، وأن ذلك سنة. قال: صدقوا وكذبوا، قلت: وما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا، قد رمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذبوا ليس بسنة، إن قريشاً قالت زمن الحديبية: دعوا محمداً وأصحابه حتى يموتوا موت النغف، فلما صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام، فقدم رسول الله صلى الله عليه وآله سلم والمشركون من قبل قعيقعان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: ارملوا بالبيت ثلاثاً، وليس بسنة. قلت: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاف بين الصفا والمروة على بعيره، وأن ذلك سنة، فقال: صدقوا وكذبوا، قلت: ما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا، قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعيره، وكذبوا ليس بسنة؛ كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه، وليروا مكانه، ولا تناله أيديهم) ].
قوله: [ باب في الرمل ].
الرمل: هو الإسراع مع مقاربة الخطا، أي: دون الجري والعدو والركض، وإنما هو إسراع خفيف لا يحصل فيه مشقة على الإنسان، وأصل هذا الرمل أن النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء في عمرة القضية في السنة السابعة من الهجرة، وهي العمرة التي اتفق النبي عليه الصلاة والسلام مع كفار قريش عام الحديبية أن يرجع ذلك العام ويأتي معتمراً في السنة القادمة، فقدم عليه الصلاة والسلام وكان الكفار قد جلت مجموعة منهم وراء المطاف من جهة الحجر، فكانوا يقولون: يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، أي: أضعفتهم حمى يثرب، ويثرب هي المدينة، فأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يرملوا في الأشواط الثلاثة الأولى، وإذا كانوا بين الركنين في الجهة التي تحجب الكعبة بينهم وبين الكفار يمشون؛ ليخففوا على أنفسهم، ولكنه عليه الصلاة والسلام بعد ذلك رمل من الحجر إلى الحجر، فدل ذلك على أنها سنة سنها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه يسن لكل معتمر أن يرمل، ويسن لكل حاج عندما يقدم مكة قارناً أو مفرداً أن يرمل في طواف القدوم.
هذا الحديث عن ابن عباس لما قيل له: إن قومك يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم رمل وأنه سنة فقال: صدقوا وكذبوا، قال السائل: ما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا في أنه رمل، وكذبوا في أنه سنة، ثم بين السبب في ذلك وهو: أنه من أجل أن يروا الكفار شيئاً من الجلد والقوة، وهذا من المعاريض، والمعاريض تكون بالقول وتكون بالفعل، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحرب: (الحرب خدعة) فكون المسلمين يظهرون شيئاً من القوة -وإن كان عندهم شيء من الضعف-؛ ليرهبوا العدو، فهذا من المعاريض الفعلية، وكون الإنسان يقول كلاماً هو صادق فيه يريد شيئاً وغيره يفهم شيئاً آخر، فهذا من المعاريض القولية.
لكن جاء عن ابن عباس نفسه ما يدل على أنه سنة.
إذاً: فهو سنة، ولكنه في الأصل لم يكن للتشريع والتسنين وإنما كان لإظهار القوة؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك رمل في حجة الوداع من الحجر إلى الحجر، فدل هذا على أنه سنة؛ لأنه لو كان المقصود هو إظهار القوة أمام الكفار فقط لاقتصر على الرمل في تلك السنة التي هي عمرة القضية، ولكن كونه فعل ذلك في عمرة الجعرانة في السنة الثامنة، وفعل ذلك في حجة الوداع يدل على أنه سنة.
فقوله: [ ليس بسنة ] في هذا تذكير للمسلمين بأصل الرمل وسبب الرمل في الأصل، وأن المسلمين كان فيهم ضعف، وبعد ذلك أعزهم الله، والرسول صلى الله عليه وسلم صُدَّ عن البيت ثم دخله، وقال الكفار فيه وفي أصحابه ما قالوا، ولكنه بعد ذلك دخل مكة فاتحاً صلى الله عليه وسلم، وصارت مكة تحت ولايته وتحت حكم الإسلام، فكان القول بأنه ليس سنة مخالفاً لما جاء في الصحيح من أنه رمل في حجة الوداع، وكذلك ما جاء في حديث عمرة الجعرانة.
وقوله: [ ليس بسنة ] هذا كلام ابن عباس وليس كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: [ (ارملوا) ] يعني: في الأشواط الثلاثة، وأمرهم -كما جاء في الصحيح- أن يمشوا بين الركنين حيث تحجب الكعبة بينهم وبين الكفار؛ لأنهم من جهة الحجر، فإذا اختفوا عنهم مشوا، وإذا ظهروا عليهم من الجهة الأخرى رملوا.
يعني: كونه طاف على بعير صدقوا فيه، وكونه سنة هذا كذبوا فيه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فعله للحاجة، وهو أن الناس غشوه وأنهم لا يصرفون عنه ولا يدفعون عنه، فركب حتى يراه الناس وحتى يشرف عليهم عليه الصلاة والسلام، فكون الناس يطوفون راكبين ليس بسنة، لكن عند الحاجة لهم أن يطوفوا راكبين، مثلما أذن عليه الصلاة والسلام لـأم سلمة رضي الله عنها أن تطوف وهي راكبة من وراء الناس؛ لأنها كانت تشتكي من المرض.
إذاً: لا يقال: إن الركوب سنة وأن الإنسان يفعله رأنه سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما طاف راكباً ليراه الناس ويسمعوا كلامه عليه الصلاة والسلام، وهذا كما يقال: إن الإنسان له أن يصلي جالساً في النافلة وله نصف الأجر، بخلاف ما لو صلى النافلة قائماً فإن له الأجر كاملاً، لكن لا يقال: إن من السنة أن يصلي النافلة جالساً، فإنه من العموم أنه ليس بسنة.
أبو عاصم الغنوي مقبول، أخرج له أبو داود وحده.
[ عن أبي الطفيل قال: قلت لـابن عباس ].
أبو الطفيل وابن عباس مر ذكرهما.
قوله: [ (ليسمعوا كلامه، وليروا مكانه، ولا تناله أيديهم) ].
معناه: أنهم كانوا يزدحمون عليه ويصافحونه ويلمسونه أو ما إلى ذلك، فإذا ركب رآه الناس وسمعوه ورأوه فعله عليه الصلاة والسلام.
قال ابن عباس : (ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم). ].
في هذا الحديث أن الكفار قالوا: [ (يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى) ] فالنبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على هذا الكلام الذي جرى بينهم وهم بعيدون، فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، يعني: حيث يكون الكفار في الجهة الأخرى وتحجب الكعبة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبين الكفار.
قوله: [ (فلما رأوهم رملوا قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى قد وهنتهم! هؤلاء أجلد منا) ] يعني: حركاتهم وسرعتهم في مشيهم يدل على أن كلامكم ليس بصحيح؛ فهم أجلد منا.
قوله: [ ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم ] يعني: أنه عليه الصلاة والسلام لم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا خوف المشقة عليهم؛ لأن المقصود من ذلك هو أن يروا الكفار قولهم، ولكن جاءت بعد ذلك السنة بالرمل في الأشواط الثلاثة الأولى كلها.
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس مر ذكره.
قوله: [ (فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب وقد أطأ الله الإسلام؟) ].
يعني: وقد ثبت الله الإسلام، وأعز الإسلام وأهله.
قوله: [ (مع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].
يعني: إنما رمل عليه الصلاة والسلام أولاً من أجل أن يري المشركين في عمرة القضية، ولكنه فعله بعد ذلك، فنحن نفعل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نتركه.
والنبي صلى الله عليه وسلم رمل في حجة الوداع، ورمل في عمرة الجعرانة، فهذا يدل على مشروعية الرمل.
عبد الملك بن عمرو هو أبو عامر العقدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا هشام بن سعد ].
هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن زيد بن أسلم ].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو أسلم العدوي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت عمر بن الخطاب ]
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ (إنما جعل الطواف بالبيت والسعي وبين الصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله) ] معلوم أن جميع أعمال الحج إنما هي لإقامة ذكر الله، كلها من أولها إلى آخرها جعلت لذكر الله عز وجل، فالطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت مزدلفة، كل ذلك هو لإقامة ذكر الله، والحديث في إسناده من تكلم فيه، وهو عبيد الله بن أبي زياد، والباقون في الإسناد ثقات، ولعل الشيخ الألباني ضعفه بسبب عبيد الله بن أبي زياد .
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبيد الله بن أبي زياد ]
عبيد الله بن أبي زياد ليس بالقوي، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجه .
[ عن القاسم ].
هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطبع) ] قد عرفنا الاضطباع.
قوله: [ (فاستلم وكبر) ].
يعني: أنه كان عندما يستلم الحجر يكبر.
قوله: [ (ثم رمل ثلاثة أطواف) ].
يعني: في الأشواط الثلاثة الأولى.
قوله: [ (وكانوا إذا بلغوا الركن اليماني وتغيبوا من قريش مشوا، ثم يطلعون عليهم يرملون) ].
وهذا مثلما ما تقدم، يعني: أنه أمرهم أن يمشوا بين الركنين، وإذا طلعوا عليهم من الجهة التي يراهم الكفار يرملون.
قوله: [ (تقول قريش: كأنهم الغزلان) ].
هذا مثل قولهم في الحديث السابق: (هؤلاء أجلد منا) وهنا قالوا: (كأنهم الغزلان) يعني: لم تضعفهم الحمى.
قوله: [ قال ابن عباس: فكانت سنة ].
يعني: أن هذا هو سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فيما بعد، فهو في الأصل لم يكن للتشريع، وإنما كان من أجل إراءة المشركين القوة، ثم كان بعد ذلك ليس من أجل إظهار القوة أمام المشركين، فكان سنة كما قال ابن عباس ، وهذا يبين لنا صحة أنه سنة، وأن القول الذي تقدم من ابن عباس أنه ليس بسنة يحمل على أنه في الأصل لم يكن سنة، ولكنه بعد ذلك صار سنة.
محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود .
[حدثنا يحيى بن سليم ].
يحيى بن سليم صدوق سيء الحفظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن خثيم ].
مر ذكره.
[ عن أبي الطفيل عن ابن عباس ].
مر ذكرهما.
قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة) ] كان ذلك في السنة الثامنة بعد الفتح.
قوله: [ (فرملوا ثلاثاً ومشوا أربعاً) ] وهذا ليس فيه شيء يتعلق بالمشركين وإظهار القوة للمشركين، فدل ذلك على أن الرمل سنة.
لكن لو أن الإنسان نسي الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فلا يرمل في الباقي؛ لأنها سنة فات محلها.
وعمرة الجعرانة كانت بعد الفتح بعد ما ذهب إلى الطائف.
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس ].
قد مر ذكرهم جميعاً.
قوله: [ (أن
هو الفضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود والنسائي .
[حدثنا سليم بن أخضر ].
سليم بن أخضر ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا عبيد الله ].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المصغر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
الجواب: يجوز للإنسان أن يقبل الحجر، سواء كان مطيباً أو غير مطيب.
وكذلك الركن اليماني له أن يستلمه وإن كان مطيباً.
الجواب: إذا كانت فقيرة وليس عندها نفقة فله أن يعطيها، لكن الأقارب بصفة عامة ينبغي أن يعلم أن لهم حقوقاً غير الزكاة، فإن بعض الناس يجعل زكاته ليصل بها رحمه لأجل أن يتخلص من الزكاة التي عليه، وهذا لا يصلح ولا يليق، بل على المسلم أن يعطي الزكاة لمن يستحقها، ولكن إذا كانت الزكاة قليلة والمستحقون هم الأقارب فالأقارب أولى، وهي حينئذٍ صدقة وصلة، ولكن كون الإنسان يقي ماله بإخراج الزكاة للأقارب ويصل رحمه من الزكاة فهذا لا يصلح ولا يجوز للإنسان فعله.
الجواب: كونه يشهد لمن قبله بحق لا أدري عن صحته، لكن لو ثبت فكما هو معلوم أن كل الأرض تشهد بما حصل عليها من خير وشر، كما قال الله عز وجل: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4]. ولكن المقصود من قول عمر هو أن الحجر نفسه لا ينفع ولا يضر، وإنما النافع والضار هو الله سبحانه وتعالى، وأما كونه يشهد لمن قبله إذا ثبت ذلك فيكون داخل تحت ما جاء في قوله عز وجل: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4]؛ لأن الأرض تشهد بما حصل على ظهرها من خير وشر.
الجواب: هو خاص بالطواف وبما يكون بعد الطواف، يعني: بعدما يطوف الإنسان ويصلي ركعتين فإنه يرجع إلى الحجر ويقبله إذا تيسر له ذلك.
الجواب: هذا غلط، فلا يصح للإنسان أن يطيل الوقوف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح للإنسان أن يأتي بكلام لا يعرف هل هو سليم أو غير سليم، وإنما عليه أن يختصر في تسليمه عند الزيارة.
الجواب: لاشك أنه كان فيهم ضعف؛ ولهذا جاء في حديث ابن عباس السابق: (قد وهنتهم الحمى).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر