قال جابر رضي الله عنه: (ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فصنع على المروة مثلما صنع على الصفا) ].
قد وصلنا إلى السعي بين الصفا والمروة، وأنه بعدما وقف على الصفا وذكر الله ووحده وقال: (لا إله إلا اله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) وأنه كان يدعو بين ذلك، ويأتي بذلك ثلاثاً، وقد عرفنا أن هذا الدعاء مشتمل على التوحيد، وعلى إخلاص العبادة لله عز وجل، وذلك في قوله: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)، فإن قوله: (لا إله إلا الله)، هذه كلمة الإخلاص وكلمة التوحيد.
وقوله: (وحده لا شريك له) تأكيد لكلمة التوحيد؛ فهي كلمة مؤكدة للنفي الذي هو (لا إله).
ثم بعد ذلك الثناء على الله عز وجل بما هو أهله من أن له الحمد وله الملك، فهو مالك الملك، وهو المحمود على كل حال، وهو الذي يعبد وحده لا شريك له، وهو على كل شيء قدير.
قوله: (لا إله إلا الله وحده) وهذا أيضاً تكرار لكلمة التوحيد، وتأكيد لقوله: (إلا الله).
قوله: [ (أنجز وعده) ] أي: وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (ونصر عبده) ] وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (وهزم الأحزاب وحده) ] إما أن يكون المراد بهم الأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم الأحزاب، وأرسل الله عليهم ريحاً وجنوداً لم يرها الناس، وهزمهم الله، وإما أن يكون المراد ما يحصل للمؤمنين من نصر على أعداء الله عز وجل، فهو الذي ينصر عباده، وهو الذي ينصر أولياءه، وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير.
ثم ذكر أنه دعا بين ذلك وكرر ذلك ثلاثاً، وأنه نزل من الصفا متجهاً إلى المروة، وصار يمشي صلى الله عليه وسلم مشياً حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي أسرع وسعى، حتى إذا ارتفع من بطن الوادي إلى جهة المروة صار يمشي حتى وصل إلى المروة، فتبين بهذا أن السنة في السعي أن يمشي ما بين الصفا والمروة إلا في المكان الذي هو بطن الوادي، والذي جعل له في هذا الزمان علامة، وهي طلاء أخضر وإضاءة خضراء تكون على الجوانب، فإذا كان بين هذه العلامة فإنه يسعى، وإذا تجاوزها فإنه يمشي، هكذا كان يفعل في سعيه صلى الله عليه وسلم، حتى إذا وصل إلى المروة فعل عليها مثل ما فعل على الصفا، حيث وقف يدعو ويذكر الله عز وجل ويهلله، وهو مستقبل القبلة، وفيه أيضاً أنه كان يرفع يديه عليه الصلاة والسلام وهو يدعو ويذكر الله ويهلله.
يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما انتهى من الطواف بين الصفا والمروة قال لأصحابه: [ (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة) ] فدل هذا على أن التمتع أفضل من القران والإفراد، وأنه في حالة سوق الهدي يبقى القارن والمفرد على إحرامه حتى يوم النحر، وإذا لم يكن معه هدي فإنه يتحول من كونه قارناً أو مفرداً إلى كونه متمتعاً، أي: محرماً بعمرة ويقصر ويتحلل، ثم في اليوم الثامن يحرم بالحج من مكة، ويذهب إلى منى ويكمل أعمال الحج.
وهنا ذكر التقصير وأنهم قصروا، ومعلوم أن الحلق أفضل من التقصير، ولكن لكون الزمن متأخراً؛ لأنهم وصلوا في رابع ذي الحجة ولم يبق إلى الحج إلا أيام قليلة، فقصروا حتى يبقى شعر يحلق يوم العيد بعد رمي جمرة العقبة، وهذا يدل على أن الإنسان إذا أتى بعمرة وهو قريب من الحج وليس هناك وقت ينبت الشعر معه، فإن الأولى في حقه أن يقصر كما فعل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فإنهم قصروا عند المروة، وأما إذا كان الإنسان جاء في وقت مبكر ويمكن أن ينبت الشعر كأن يكون جاء في أول ذي القعدة، أو جاء في أثناء ذي القعدة أو قبل ذلك في أشهر الحج، فإن الأولى في حقه أن يحلق؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام دعا للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة واحدة، فدل على أن الحلق أفضل من التقصير، ولكن التقصير هنا من الذين فسخوا إحرامهم من الحج والعمرة إلى العمرة فصاروا متمتعين؛ لأن الحج قريب، وقصروا ليكون هناك شعر يبقى ليحلق يوم العيد.
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم قسم الناس قسمين: من كان معه هدي سواء كان قارناً أو مفرداً فيبقى على إحرامه إلى يوم النحر حيث يبلغ الهدي محله، ومن لم يكن معه هدي من القارنين والمفردين، فإنه ينتقل من كونه قارناً أو مفرداً إلى كونه معتمراً فيكون بذلك متمتعاً، وهذا -كما سبق أن أسلفت- يدل على أن التمتع أفضل من القران والإفراد، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد القارنين والمفردين الذين لم يسوقوا هدياً أن يكونوا متمتعين وأن يتحولوا إلى عمرة، ولو كان القران والإفراد أفضل لما أرشدهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يتحولوا إلى العمرة وهي دون ذلك، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرشد إلا إلى ما هو الأكمل والأفضل؛ لأنه عليه الصلاة والسلام هو أنصح الناس للناس.
لما أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يتحللوا وتحللوا سأله سراقة بن مالك بن جعشم : أرأيت عمرتنا هذه ألعامنا هذا أم للأبد؟ يعني: هل هي خاصة بنا هذه السنة فقط أو أنها مستمرة ودائمة وباقية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (لا بل لأبد الأبد) ] يعني: أنها مستمرة، وليست خاصة بكم.
قوله: [ (وشبك بين أصابعه، وقال: دخلت العمرة في الحج) ] وهذا بالنسبة للعمرة التي هي عمرة التمتع، والتي هي منفصلة عن الحج، يعني: دخلت العمرة في وقت أشهر الحج؛ لأن العمرة التي هي عمرة التمتع تكون في أشهر الحج.
إذاً: العمرة التي تكون مستقلة عن الحج ليست مقرونةً معه، وهي التي سئل عنها وقال عليه الصلاة والسلام: (لأبد الأبد)، فدل ذلك على أن هذه ليست خاصة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لما كان أهل الجاهلية يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام قبل ذلك كان قد اعتمر في السنة السادسة، وفي السنة السابعة، وفي السنة الثامنة، وكلها كانت في ذي القعدة وهي من أشهر الحج، فقد عرفوا الحكم في ذلك، وأيضاً هذه الحجة كان معهم من هو محرم بالعمرة فقط، والنبي صلى الله عليه وسلم خيرهم بين الإفراد والقران والتمتع، وكان أمهات المؤمنين متمتعات وكن محرمات بالعمرة والعمرة موجودة، ولكن إما أن العمرة المنفردة دخلت في الحج في وقته، وهي التي سئل عنها، أو أن العمرة التي مع الحج دخلت في أعمال الحج، لكن إذا كان الإنسان أحرم بحج وعمرة وساق الهدي، فإن العمرة موجودة مع الحج وهي داخلة في أعماله وليست منفصلةً عنه، ولكن الحديث والسؤال إنما جاء فيما يتعلق بالعمرة المنفصلة التي هي عمرة التمتع.
إذاً: التمتع حكم مستمر وليس خاصاً بأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم.
قدم علي رضي الله عنه من اليمن ومعه بدن للنبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم قدم ببدن من المدينة، ومجموع ذلك هو مائة كما سيأتي في حديث جابر هذا، ولما جاء كان قد أحرم بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي كان قارناً وقد ساق الهدي، وعلي أحرم بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم ومعه هدي، إذاً يكون إحرامه كإحرام النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه لما جاء وجد فاطمة رضي الله عنها قد لبست ثياباً صبيغة واكتحلت فأنكر ذلك عليها، وقال: إن هذا ليس شأن الحجاج وشأن المتلبسين بالإحرام، ولم يعرف الحكم الذي قد حصل، فقال: من أمرك بهذا؟ قالت: أبي، فقام علي وذهب محرشاً بـفاطمة رضي الله عنها ذاكراً ذلك الذي أنكره عليها للنبي عليه الصلاة والسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقت، صدقت) وفاطمة رضي الله عنها كانت متمتعة؛ لأنها تحللت من العمرة ولبست وفعلت ما يفعل المحلون، وعلي رضي الله عنه استغرب هذا منها؛ لأنه لم يعرف هذا الحكم، ولكنه لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أخبره بذلك، ثم إنه سأله عن إحرامه وقال: إنه أحرم بما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم وقد ساق الهدي هو، فأمره أن يبقى على إحرامه.
سأل النبي صلى الله عليه وسلم علياً : ماذا فعلت في إحرامك؟ قال: إني أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني قد سقت الهدي، وهو أيضاً ساق الهدي، فأمره أن يبقى على إحرامه، وكان جملة الهدي الذي جاء من المدينة ومن اليمن مائة من الإبل، وليس هذا فرضاً، وإنما الفرض ما استيسر من الهدي، كما قال الله عز وجل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، وهذا العدد الكبير من الإبل إنما هو تطوع وتقرب إلى الله عز وجل بنحر تلك البدن، والقارن عليه هدي وهو ما استيسر من الهدي وهو شاة، والمتمتع عليه شاة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما نحر هذا المقدار تطوعاً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد سبق حديث الرجل الذي جاء إلى عمر وقال: (إني كنت نصرانياً وإني أحب الجهاد، ووجدت أن العمرة والحج مكتوبان علي، فسألت رجلاً من عشيرتي، فقال: اجمعهما واذبح ما تيسر من الهدي).
إذاً: القارن عليه ما تيسر، والله تعالى يقول: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] وهي تشمل القارن والمتمتع؛ لأن القران تمتع بالمعنى العام الذي هو كون القارن أتى بنسكين في سفرة واحدة، فيشمل المتمتع ويشمل القارن، أي: كل منهما عليه هدي وهو ما استيسر من الهدي.
فالنبي عليه الصلاة والسلام نحر مائة من الإبل، وقد نحر بيده الشريفة ثلاثاً وستين، ونحر علي الباقي.
وعلي رضي الله عنه أراد أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهو لا يعرف إهلال الرسول، فأراد أن يهل بإهلاله، وقال: (اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعلي نفسه ساق الهدي، فآل أمره وانتهى إلى أن إهلاله يكون مثل إهلال النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد ساق الهدي، لكن لو لم يسق الهدي وقد أهل بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم -وهو القران- فإنه يفسخ إلى عمرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل من لم يسق الهدي من القارنين والمفردين أن يتحولوا إلى عمرة.
كذلك من جاء إلى الحج، ولكنه لم يعين النسك، فإنه يتحول إلى ما هو الأفضل الذي هو التمتع، فعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل؛ لأنه مثل من لم يسق الهدي.
يوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وفيه توجه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى منى، فالذين كانوا قارنين ومفردين وتحولوا إلى عمرة، فهؤلاء في يوم التروية دخلوا في الحج، وأما الذين كانوا قارنين فبقوا على إحرامهم وهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان معه الهدي، وكل من ساق الهدي باق على إحرامه.
والإهلال يكون في المكان الذي ينزل فيه الإنسان، والصحابة كانوا نازلين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الأبطح، فأحرموا من الأبطح، وأهل مكة الذين يريدون الحج يحرمون من منازلهم، ولو كان الإنسان نازلاً في منى قبل اليوم الثامن فإنه يحرم من منزله في منى، ولا يلزمه أن يأتي إلى مكة ويحرم منها ثم يذهب إلى منى، بل يجوز له أن يحرم من منى من منزله.
أما كون الإنسان يريد أن يدخل في الإحرام فيذهب ويطوف فليس له ذلك، وليس هناك طوافاً عند الإحرام، وإنما على الإنسان أن ينوي الإحرام من منزله ثم يذهب إلى منى، لا يذهب إلى البيت ولا يطوف به ولا يحرم من هناك وإنما يحرم من منزله كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح) ].
يعني: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ضحى إلى منى من الأبطح ونزل في منى، وصلى فيها خمسة أوقات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وهذه سنة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست واجبة، من تركها ليس عليه شيء، ولكن الأولى والأفضل للإنسان أن يأتي بهذا الذي جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، بأن يصلي الصلوات الخمس في منى، يقصر الرباعية بدون جمع، كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، كل صلاة يصليها في وقتها بدون أن يجمع بين الصلاتين.
أما أهل مكة فحكمهم حكم الحجاج في قصر الصلوات الرباعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأهل مكة: أتموا فإنا قوم سفر، وقد قال ذلك لهم وهو عند الكعبة حينما صلى بهم قال: (أتموا فإنا قوم سفر) أما في منى فلم يقل لهم ذلك، بل صلى معه الحجاج كلهم من أهل مكة ومن غير أهل مكة، لكن لا يقال: إن هذا سفر، وإنما هذا من أجل النسك بالنسبة لأهل مكة، وأما بالنسبة للحجاج فهم مسافرون.
ولهذا لو أن إنساناً من أهل مكة ذهب إلى منى أو ذهب إلى عرفات في غير الحج فليس له أن يقصر؛ لأن هذا ليس بسفر، ولكن بالنسبة للحجاج لهم أن يقصروا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس ومعهم أهل مكة، ولم يقل: إنا قوم سفر، كما قال ذلك وهو عند الكعبة صلى الله عليه وسلم.
مكث صلى الله عليه وسلم قليلاً بعد صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، فدل هذا على أن السنة أن الناس ينطلقون من منى إلى عرفة بعد طلوع الشمس.
يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بخيمة من شعر فنصبت في نمرة، ونمرة قريبة من عرفة، وليست في عرفة، وكانت قريش لا تشك أنه لا يتجاوز مزدلفة وأنه يقف بها، وهو الموقف الذي كانت تقف به قريش في الجاهلية، وذلك أنهم أرادوا أن يتميزوا عن الناس، فالناس كانوا يقفون بعرفة وهم يقفون بمزدلفة، ويقولون: نحن أهل الحرم فلا نخرج من الحرم.
والوقوف بعرفة جاء عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، فإنه تجاوز المزدلفة وذهب إلى عرفة؛ ولهذا جاء في القرآن: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199] يعني: عموم الناس، وليس الذي أحدثته قريش وأتت به، بل الشريعة جاءت بالوقوف بعرفة وأن هذا الذي كان موجوداً في الجاهلية ومعمولاً به في الجاهلية من الوقوف بعرفة هو الحق، وأن ما أحدثته قريش من الاقتصار على الوقوف بمزدلفة دون الذهاب إلى عرفة أمر محدث، والنبي صلى الله عليه وسلم تجاوز وذهب إلى عرفة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
نزل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القبة التي ضربت له بنمرة وهي قريبة من عرفة، ثم عندما جاء وقت الزوال أمر براحلته فرحلت.
قوله: [ (فركب حتى أتى بطن الوادي) ].
يعني: فأتى بطن الوادي الذي هو وادي عرنة.
صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس في ذلك الوادي جمعاً وقصراً، صلى الظهر والعصر جمعاً في أول وقت الظهر، صلى الظهر ركعتين، وصلى العصر ركعتين، وخطب الناس قبل الصلاة خطبة بين فيها كثيراً من الأمور العامة فقال: [ (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) ] وهذا فيه بيان حرمة هذه الأمور التي ذكرت كحرمة اليوم والشهر والبلد، وأن تلك محرمة كحرمة هذه، وهذا يدل على أن شأنها عظيم وأن أمرها خطير، وأنه يجب الابتعاد عن سفك الدماء، وأخذ الأموال، وانتهاك الأعراض، وأنها محرمة كحرمة هذا الزمان والمكان؛ لأن مكة بلد حرام والشهر شهر حرام.
قوله: [ (ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع) ].
يعني: أنه لا يتشبث بالأمور التي كانت في الجاهلية؛ مثل: الربا والزنا وسفك الدماء بغير حق، وغير ذلك من الأمور التي كانوا يتعلقون بها، فالنبي صلى الله عليه وسلم ألغاها وأبطلها.
قوله: [ (ودماء الجاهلية موضوعة) ] يعني: التقاتل والمطالبة بالدماء التي كانت بينهم في الجاهلية موضوعة، وقد انتهت بما فيها من شر بعد أن جاء هذا الخير، فلا يتشبث أحد بشيء مما كان في الجاهلية.
قوله: [ (وأول دم أضعه دماؤنا) ] كونه يبدأ بنفسه وبقرابته أدعى لأن تميل النفوس إلى هذا الشيء الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يجعل الذين خوطبوا بهذا الخطاب يستسلمون لهذا الحكم العام؛ لأن أول من توضع دماؤهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (دم
قيل: إن ابن الحارث هو إياس ، كان مسترضعاً في هذيل فقتلته، فكان الدم عند هذيل، فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم لأن كل ما كان في الجاهلية انتهى بعد أن جاء الإسلام، ثم تأتي الأحكام تبعاً لما يقع في الإسلام.
قوله: [ (وربا الجاهلية موضوع) ].
يعني: وكذلك ربا الجاهلية موضوع، فلا يأت أحد يطالب أحداً بشيء من الربا.
قوله: (وأول ربا أضعه ربانا ربا
وهذا مثل الذي قبله، فقد بدأ بالتخلص من الشيء الذي يتعلق بأهله وقرابته صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (فاتقوا الله في النساء) ].
أوصى عليه الصلاة والسلام بالنساء خيراً لضعفهن.
قوله: [ (فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) ] أي: لأنكم تزوجتم بهن بشرع الله، وهن أمانات عندكم، فعليكم أن تقوموا برعاية هذه الأمانة، وعدم الإضرار بهن، وعدم الإساءة إليهن، وإنما تحسنون إليهن، وتعاشرونهن بالمعروف، وتعاملونهن بالمعروف.
قوله: [ (وإن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح) ].
ليس المقصود من وطء الفرش ما يتعلق بالزنا، فإن هذا أمر خطير، ولا يكتفى فيه بالضرب غير المبرح الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذلك يتعلق بما كان معروفاً في الجاهلية من أن المرأة كانت تكلم الرجل وتتحدث معه مع البعد عن الريبة، ولكن الإسلام جاء بمنع ذلك، وأمر بالحجاب، وحرم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يخلو رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) فإذا حصل شيء من هذا الذي لا يليق ولا ينبغي، فإنكم تؤدبونهن التأديب الذي هو الضرب غير المبرح، أما ما يتعلق بالزنا فإن له حكماً يخصه إما الرجم وإما الجلد، ولا يجوز للزوج أن يتمسك بالمرأة العاهرة الزانية.
قوله: [ (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ].
يعني من حقهن عليكم أن ترزقوهن وتكسوهن بالمعروف.
قوله: [ (وإني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله) ].
هنا لم يذكر سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنها داخلة في كتاب الله؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] فهي داخلة في القرآن، والأمر بالاعتصام بالقرآن هو أمر بالاعتصام بالسنة؛ لأن الأخذ بالسنة أخذ بالقرآن، ولهذا كما في الحديث المشهور عن ابن مسعود رضي الله عنه في قصة المرأة التي اعترضت على قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله النامصة والمتنمصة)، فقال: ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، فقالت المرأة: يا أبا عبد الرحمن ! إنك قلت كذا وكذا وإني نظرت في المصحف من أوله إلى آخره فما وجدت فيه: لعن الله النامصة والمتنمصة، فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].
إذاً: السنة كلها داخلة في هذه الآية وداخلة في هذه الجملة، وكذلك في قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، وفي قوله عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59] والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إلى سنته صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (وأنتم مسئولون عني فما أنتم قائلون؟)].
المرسلون سوف يسألون والمرسل إليهم سوف يسألون، قال عز وجل: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:6] فالمرسلون يسألون عن التبليغ، والمرسل إليهم يسألون عن كونهم بلغوا.
قوله: [ (قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت، ثم قال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس) ] يعني: قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فعند ذلك رفع أصبعه الشريفة إلى السماء ونكتها عليهم وقال: [ (اللهم اشهد) ] رفع أصبعه إلى السماء يشير إلى الله عز وجل ويستشهد الله عليهم، وينكتها عليهم قائلاً: [ (اللهم اشهد) ] أي: اشهد عليهم.
ورفعه صلى الله عليه وسلم أصبعه إلى السماء يدل على علو الله، وأنه تعالى فوق العرش، وهذا من أدلة علو الله سبحانه وتعالى وفوقيته، وأنه فوق المخلوقات وأنه فوق العرش وهو مستو عليه.
قوله: [ (ثم أذن
هذا يدل على أن الخطبة تكون واحدة في يوم عرفة، وتكون قبل الصلاة، وأن للإمام أو نائب الإمام أن يقوم بالخطبة ثم يصلي بالناس، فـبلال بعدما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الخطبة أذن للصلاة ثم أقام للظهر وصلاها ركعتين، ثم أقام للعصر وصلاها ركعتين، وكان ذلك في يوم الجمعة الذي هو يوم عرفة، فهو صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ولم يصل جمعة، ولهذا أسر في القراءة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في الصلاتين.
أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى المكان الذي وقف فيه وجعل بطن ناقته إلى الصخرات.
وحبل المشاة هو الطريق الذي يمشي منه المشاة، فالنبي صلى الله عليه وسلم جعله أمامه بين يديه واستقبل القبلة وجعل يدعو الله عز وجل، وهذا هو الوقوف، ويكون بعد الزوال وبعد تأدية صلاة الظهر والعصر جمع تقديم، ولهذا يشرع الجمع جمع تقديم في أول وقت الظهر، لأنه بعد بذلك يبدأ الوقوف ويستمر إلى الغروب، وليس هناك صلاة تفصل، وإنما هي الظهر والعصر قد فرغ منهما في أول الوقت، فيمتد وقت الوقوف من وقت الفراغ من الصلاتين إلى أن تغرب الشمس، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في ذلك المكان وقال: (عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة) فليس معنى ذلك أن هذا الموقف الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو مكان الوقوف، بل عرفة كلها موقف.
قوله: [ (فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حين غاب القرص) ].
هذا يدل على أن الإنسان يقف بعرفة حتى تغيب الشمس ويذهب القرص ويتحقق الغروب، وبعد ذلك يأتي وقت الانصراف والإفاضة من عرفات إلى مزدلفة، فيستمر الإنسان إلى الغروب، ولا يصلي المغرب والعشاء في عرفة وإنما يصليهما في مزدلفة إذا وصل إليها.
إذاً: عندما تغرب الشمس ويتحقق الغروب يحصل الانطلاق والإفاضة من عرفة إلى مزدلفة، ولكن هناك أمر مهم للحجاج وهو أن الإنسان عليه أن يتحقق أنه في داخل حدود عرفة، ولا يكفي أن يرى الجبل الذي يسمى جبل الرحمة من مكان بعيد ويقول: هذه عرفة، فإنه يرى من أماكن بعيدة جداً خارج عرفة، ولكن المهم في الأمر هو الوقوف بعرفة وبأرض عرفة، وأرض عرفة قد جعل لها بنايات وعلامات وكتب عليها كتابات من مختلف اللغات، فإذا كان الإنسان يريد أن يخرج من عرفة يجد مكتوباً منتهى عرفة، وإذا كان مقبلاً على عرفة تجد مكتوباً عليها من الجهة الأخرى مبتدأ عرفة، فالإنسان عليه أن يتحقق من أنه في داخل هذه الحدود ولا يتهاون في الأمر؛ لأنه لو وقف خارج عرفة فلا يعتبر وقف بعرفة، والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ولو حصل منه أن خرج من الحدود لأمر من الأمور قبل الغروب فعليه أن يرجع حتى تغرب عليه الشمس وهو بعرفة، وبعد أن تغرب الشمس ويتحقق الغروب ينطلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما غابت الشمس وذهبت الصفرة انطلق صلى الله عليه وسلم وأفاض ومعه أصحابه متجهين إلى مزدلفة.
والوقوف -كما هو معلوم- هو المكث بعرفة سواء كان الإنسان واقفاً أو راكباً أو جالساً، وليس معنى الوقوف بعرفة أن يكون الإنسان واقفاً على رجليه، بل يكون راكباً ويكون وافقاً ويكون جالساً كل ذلك يطلق عليه وقوف.
أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف أسامة بن زيد رضي الله عنهما خلفه على دابته وعلى راحلته، وذلك في طريقه من عرفة إلى مزدلفة، وهذا يدل على جواز الإرداف على الدابة بشرط أن تكون مطيقة، وأما إذا كانت الدابة لا تطيق فإنه لا يردف عليها، بل ولا يركب الراكب عليها إذا كانت لا تطيق الركوب، كما لو كانت هزيلة ضعيفة مريضة.
قوله: [ (وقد شنق للقصواء الزمام) ].
يعني: أنه ردها حتى لا يحصل منها إسراع؛ لأنه إذا مسك الخطام وجر رأسها إلى أن يكون عند مورك رحله عند رجليه التي هي متدلية من جهة الأمام، فهذا يمنعها من الحركة والسرعة والإقدام في المشي؛ حتى لا يحصل منها أذى للناس، وأمر الناس أن يمشوا؛ حتى لا يضر بعضهم بعضاً.
قوله: [ (وهو يقول بيده اليمنى: السكينة أيها الناس! السكينة أيها الناس!) ].
يعني: وهو يشير إليهم السكينة السكينة، فقد قام بشنق زمام راحلته حتى يمنعها من الإسراع في المشي، وهو يشير للناس السكينة السكينة، أي: عليكم بالهدوء، عليكم بالسكينة؛ حتى لا يحصل ضرر، وهذا من رفقه بأمته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو رءوف رحيم بالمؤمنين كما وصفه الله عز وجل بذلك في كتابه العزيز.
قوله: [ (كلما أتى حبلاً من الحبال) ].
الحبل: هو التل من الرمل.
قوله: [ (أرخى لها قليلاً حتى تصعد) ] يعني: أرخى زمام ناقته؛ لأن السرعة لا تحصل مع الصعود، والصعود فيه تعب، لكن إذا كان هناك انحدار ونزول، أو كانت الأرض مستوية وترك الزمام لها فقد تسرع، فهو صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن في صعود سحب رأسها بالخطام حتى يكون قريباً من الرحل، وإذا كان في صعود أرخى لها حتى تتمكن من الصعود.
استمر صلى الله عليه وسلم سائراً حتى وصل إلى مزدلفة، وجمع فيها بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين.
وأول عمل يعمله الحجاج إذا وصلوا إلى مزدلفة هو الصلاة، لكن بعض الحجاج يتصورون أن المهم في مزدلفة هو لقط الحصى لرمي الجمار، فتراهم حين يصلون إلى مزدلفة من أول الليل ينتشرون في الأرض لأجل لقط الحصى، وليس هذا من السنة، بل السنة أن يصلي المغرب والعشاء جمعاً، وسواء كان ذلك في وقت العشاء فيكون جمع تأخير، أو كان جمع تقديم في وقت المغرب كما يحصل الآن بالنسبة لسرعة السيارات، لكن إذا اشتد الزحام وتأخر في الطريق حتى انتصف الليل أو قارب الانتصاف، فلا يؤخر الإنسان الصلاة إلى أن يصل إلى مزدلفة؛ لأن الصلاة لا تؤخر عن وقتها بل يصليها في الطريق، وعلى هذا فالرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء لما وصل إلى مزدلفة، ومعلوم أن ذلك كان في وقت العشاء، ولكنه إذا حصل الوصول قبل العشاء فإن الحجاج يصلون حين يصلون، وأول عمل يعملونه هو الصلاة، فلا يشتغلون بلقط الحصى، والحصى لا يلزم أن يلقط من مزدلفة، ولا يلزم أن يكون من مكان معين، بل للإنسان أن يلقط من مزدلفة وله أن يلقط من منى، ويوم العيد لا يلقط إلا سبع حصيات فقط، فليس بلازم أن يجمع سبعين حصاة ويجعلها في كيس، وإنما يجمع سبع حصيات فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم وفي أثناء انصرافه من مزدلفة إلى منى أمر الفضل بن عباس أن ينزل وأن يلقط له سبع حصيات، فلقطهن ورمى بهن جمرة العقبة صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ قال عثمان ].
عثمان هو أحد الشيوخ الأربعة الذين روى عنهم أبو داود هذا الحديث الطويل وهو عثمان بن أبي شيبة .
قوله: [ (ولم يسبح بينهما شيئاً) ] يعني: لم يتنفل بين المغرب والعشاء؛ لأنه جمع بينهما فلا يسبح بينهما، فالمراد بالتسبيح هو التنفل.
قوله: [ (ثم اتفقوا: ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى طلع الفجر) ].
أي: اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة المغرب والعشاء حتى طلع الفجر، وهذا يدل على أن السنة في مزدلفة المبيت حتى يطلع الفجر.
وهنا مسألة: هل أوتر صلى الله عليه وسلم أو لم يوتر؟ ليس في الحديث شيء يدل على هذا، لكن الأحاديث الأخرى الدالة على أن النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يترك الوتر لا في حضر ولا في سفر، وكذلك ركعتي الفجر لم يتركها لا في حضر ولا في سفر، فهذا يدل على أن الإنسان عليه أن يوتر في تلك الليلة، ولا يترك الوتر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم المعروف عنه أنه كان يحافظ على الوتر وعلى ركعتي الفجر في الحضر والسفر، وهذا سفر، لكن لا يتهجد في تلك الليلة ولا يخصها بتهجد وعبادة، وإنما يكتفي بالوتر؛ لأن الوتر وركعتي الفجر هما آكد السنن.
قوله: [ (فصلى الفجر حين تبين له الصبح) ].
صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر في أول وقتها، وهذا بعد صلاته ركعتي الفجر.
قوله: [ قال سليمان ].
سليمان هو سليمان بن عبد الرحمن أحد الشيوخ الأربعة الذين روى عنهم أبو داود هذا الحديث الطويل.
قوله: [ (بنداء وإقامة) ]؛ وذلك لأنها صلاة واحدة، بخلاف الصلاتين فإنه يشرع لهما أذان واحد وإقامتان عند الجمع.
المشعر الحرام: هو جبل في مزدلفة، والنبي صلى الله عليه وسلم لما وقف هناك قال: (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) كما قال في عرفة: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) يعني: أن هذا الموقف الذي أنا فيه لا يلزم الناس أن يقفوا فيه، بل أي مكان يوقف فيه من مزدلفة فإنه يحصل المقصود.
قوله: [ قال عثمان وسليمان : (فاستقبل القبلة فحمد الله وكبره وهلله -زاد
يعني أنه صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح جاء إلى المشعر الحرام الذي يطلق على ذلك المكان الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً يطلق على مزدلفة كلها، فيقال لها: المشعر الحرام، وهي مشعر حرام؛ لأنها من المشاعر وهي داخل الحرم؛ لأن حدود الحرم وراءها بينها وبين عرفة، وأما عرفة فهي مشعر ولكنها ليست حراماً؛ لأنها في الحل وليست في الحرم.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة فحمد الله وهلله ووحده ودعا واستمر حتى أسفر جداً، يعني: حتى اتضح النهار وحصل الإسفار ولكن الشمس لم تطلع، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك يريد أن يخالف أهل الجاهلية؛ لأن أهل الجاهلية كانوا لا ينتقلون إلا بعد أن تطلع الشمس، فالنبي صلى الله عليه وسلم حصل منه المغادرة والانصراف قبل طلوع الشمس حين أسفر جداً.
قوله: [ (ثم دفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن تطلع الشمس، وأردف
يعني: أنه صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من مزدلفة إلى منى أردف الفضل بن عباس، كما كان رديفه أسامة بن زيد من عرفة إلى مزدلفة، والفضل بن عباس هو أكبر أولاد العباس رضي الله تعالى عنهم، وفي أثناء الطريق مرت الظعن -وهن النساء- فجعل ينظر إليهن والنبي صلى الله عليه وسلم يضع يده على وجهه، فالتفت إلى الشق الآخر ينظر؛ لأن الظعن من هنا ومن هنا، ثم إنه صلى الله عليه وسلم وضع يده على وجهه، فانصرف إلى الشق الآخر.
قوله: [ (حتى أتى محسراً) ].
محسر: هو الوادي الذي يفصل بين مزدلفة وبين منى.
قوله: [ (حرك قليلاً) ] يعني: أسرع.
ووادي محسر قيل: إنه الوادي الذي حسر فيه الفيل الذي جاء لهدم الكعبة، وأنه حصل ما ذكره الله عز وجل في سورة الفيل في ذلك المكان الذي هو وادي محسر.
فكونه أسرع قليلاً؛ لأن الإسراع مطلوب عند أماكن العذاب، والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى تبوك ومر بديار قوم صالح أسرع قليلاً وقنع رأسه حتى تجاوز صلى الله عليه وسلم تلك الديار.
قوله: [ (ثم سلك الطريق الوسطى الذي يخرجك إلى الجمرة الكبرى) ].
يعني: أن هناك طرقاً متعددة، ولكنه بعدما دخل منى سلك الطريق الوسطى التي توصل إلى جمرة العقبة؛ لأن يوم العيد لا يرمى فيه إلا جمرة العقبة.
وهي جمرة العقبة، وقيل لها: جمرة العقبة لأنها كانت موجودة في سفح جبل، وكان ذلك الجبل موجوداً إلى عام (1370هـ) والناس كانوا يأتون ويرمون هذه الجمرة من جهة واحدة التي هي من بطن الودي.
قوله: [ (يكبر مع كل حصاة منها بمثل حصى الخذف) ].
يعني: الحصى الذي يخذف بالأصابع، وهو فوق الحمص ودون البندق فهو حصى متوسط.
وقد جاء في بعض الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم لما كان في أثناء الطريق من مزدلفة إلى الجمرة -لا يدري هل هو في مزدلفة أو في منى- أمر الفضل بن عباس أن ينزل فيلقط له حصى، فلقط سبع حصيات مثل حصى الخذف، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبهن بيده والناس يرون، فقال عليه الصلاة والسلام: (بمثل هذا فارموا، وإياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) يعني: لا ترموا بحصى كبيرة؛ لأن المعتبر هو السنة، وليس المعتبر كون الإنسان يكبر الحصى ويغلو ويزيد ويتجاوز، بل يقف عند السنة، والسنة في حصى الجمار أنها مثل حصى الخذف.
قوله: [ (فرمى من بطن الوادي) ].
يعني: بحيث تكون مكة عن يساره ومنى عن يمينه إذا رماها من بطن الوادي.
يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى المنحر بعدما رمى جمرة العقبة ونحر بيده ثلاثاً وستين بدنه من المائة، وأمر علياً أن ينحر ما بقي منها.
قوله: [ (وأشركه في هديه) ].
يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرك معه علياً في الهدي الذي هو مائة من الإبل؛ لأنه الهدي مائة وبعضها من المدينة وبعضها من اليمن.
قوله: [ (ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها) ].
هذا يدل على أن الحاج يأكل من هديه، والله تعالى يقول: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، والنبي صلى الله عليه وسلم أكل من هديه وشرب من المرق، فهو أكل وشرب من مجموع الهدي؛ لأن اللحم كان مائة بضعة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أكل شيئاً قليلاً، وأما المرق فإنه شرب من الجميع.
يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما نحر وحلق أفاض إلى مكة لطواف الإفاضة، وعلى هذا فيكون عمل يوم النحر أربعة أمور: الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف.
فقوله: [ (ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت وصلى بمكة الظهر) ] يعني: أنه صلى الظهر في مكة صلى الله عليه وسلم، وطاف طواف الإفاضة فقط ولم يسع بين الصفا والمروة؛ لأنه كان قارناً وكان قد سعى مع طواف القدوم، وكذلك المفرد ليس عليه إلا سعي واحد إن كان قد سعى مع طواف القدوم، أما إن كان القارن والمفرد لم يسعيا مع القدوم، أو لم يقدما مكة إلا بعد عرفة ومزدلفة فإنهما بعدما يطوفان يسعيان؛ لأن القارن ليس عليه إلا سعي واحد وطواف واحد لحجه وعمرته، والمفرد كذلك عليه سعي واحد وطواف واحد لحجه.
أي: أنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عبد المطلب وهم يخرجون الماء من بئر زمزم ليسقوا الحجاج، فقال لهم: (فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم) يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لاقتدى به الناس وعملوا مثلما يعمل.
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ وعثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجة .
[ وهشام بن عمار ].
هو هشام بن عمار الدمشقي وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ وسليمان بن عبد الرحمن ].
هو سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
قوله: [ وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة أو الشيء ].
يعني: أنهم متفقون على أكثره وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة أو الشيء.
[ حدثنا حاتم بن إسماعيل ].
حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا جعفر بن محمد ].
هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رحمة الله عليه وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
أبوه هو محمد بن علي بن الحسين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد المصنف رحمه الله طريقاً أخرى لحديث جابر وهو مختصر وذكر فيه: أنه صلى الظهر والعصر بعرفة ولم يسبح بينهما وكان ذلك بأذان وإقامتين، وكذلك في المزدلفة صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين.
وهو حديث مرسل؛ لأنه انتهى إلى محمد ولم يذكر جابراً ، ولكنه قد جاء في الطريق السابقة المتصلة أنه صلى بأذان واحد وإقامتين.
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ (ح) وحدثنا أحمد بن حنبل ].
أحمد بن حنبل الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الوهاب الثقفي ].
هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جعفر بن محمد عن أبيه ].
جعفر بن محمد وأبوه قد مر ذكرهما.
هذا الذي ذكره في هذه الطريق أسنده حاتم بن إسماعيل في الحديث الطويل؛ لأنه ذكر جابراً وهنا ما ذكر جابراً ، وقد وافق حاتم بن إسماعيل محمد بن علي الجعفي إلا أنه قال: (بأذان وإقامة)، وهذا الذي جاء في هذا الطريق غير صحيح؛ لأن الثابت هو أذان واحد وإقامتان؛ لأنه في عرفة صلى بأذان واحد وإقامة للظهر ثم إقامة العصر، وكذلك في مزدلفة أذان واحد وإقامة للمغرب ثم إقامة للعشاء، فذكر الإقامة هنا غير صحيح؛ لأنه مخالف للرواية الأخرى.
ووافق حاتم بن إسماعيل على إسناده محمد بن علي الجعفي ، حيث ذكر جابراً رضي الله عنه، لكنه خالف في هذه الفقرة التي هي غير صحيحة وهي أنه صلى المغرب والعتمة بأذان واحد وإقامة.
قوله: [ محمد بن علي الجعفي ].
محمد بن علي الجعفي من أهل الكوفة، وهو أخ لـحسين بن علي الجعفي ، يروي عن جعفر بن محمد عن أبيه وهو مترجم في التاريخ الكبير.
هذه طريق أخرى أيضاً في حديث جابر ، وهذه الطريق فيها: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة فقال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) ] يعني: أنه لا يختص الوقوف بعرفة بالمكان الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الناس قد يظنون أن مكان وقوفه هو مكان الوقوف فقط، فبين عليه الصلاة والسلام أنه وقف هاهنا وعرفة كلها موقف، ولكن كما جاء في بعض الأحاديث: (يرفع عن بطن عرنة) فلا يوقف فيه.
ومما ينبغي أن ينبه عليه: أن عرفة لها حدود وقد كتب عليها كتابات بمختلف اللغات، والحاج لا يستهين بهذا الأمر الذي هو الوقوف، بل يحرص على معرفة أن وقوفه في داخل الحدود، ولا يكتفي بأن ينظر إلى الجبل الذي يقال له: جبل الرحمة، فإنه يرى من مكان بعيد، والإنسان إذا لم يقف بأرض عرفة فإنه لا يكون قد وقف؛ لأن الوقوف إنما هو بعرفة، والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فهذا أمر ليس بالهين وليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى انتباه ويقظة وحرص على معرفة أنه في داخل الحدود؛ لأن الإنسان قد يكون جاء من أماكن بعيدة، فكونه يتساهل في هذا الأمر ثم يكون وقوفه خارج عرفة فيكون قد تعب من غير فائدة، فعلى كل حاج أن يعرف أنه في داخل عرفة، ويستمر فيها حتى غروب الشمس ولا يخرج منها إلا بعد الغروب، وإن خرج منها قبل الغروب رجع إليها حتى يكون غروب الشمس وهو فيها، أو حتى لو رجع إليها بعد الغروب فإنه يكون قد أدى ما عليه.
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام وقف بمزدلفة وفي المكان الذي وقف فيه فقال: [ (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) ] جمع هي مزدلفة.
ثم قال: [ (نحرت هاهنا - يعني في منى - ومنى كلها منحر) ] يعني: لا يختص النحر بالمكان الذي نحر فيه النبي عليه الصلاة والسلام، بل ينحر في أي مكان من منى، بل قد جاء كما سيأتي: (منى كلها منحر وفجاج مكة كلها طريق ومنحر) يعني: أن الإنسان يدخل إلى مكة من أي جهة أراد، وكذلك الحاج لو نحر هديه بمكة فنحره صحيح؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن مكة أيضاً منحر كما أن منى منحر.
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى بن سعيد ].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا جعفر ].
هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا أبي ].
هو محمد بن علي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ حدثنا مسدد حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بإسناده زاد: (فانحروا في رحالكم) ].
ورد هذا الحديث من طريق أخرى وفيه مثل الذي قبله وزاد: (فانحروا في رحالكم)، والرحال هي المساكن التي يسكنها الناس، سواء كانت بيوتاً من شعر أو من قطن أو خياماً أو غير ذلك، وقد مر ذكر الحديث الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بأصحابه ولما سلم رأى رجلين لم يصليا فدعا بهما، فأتي بهما ترتعد فرائصهما، فقال: ما لكما لا تصليا؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: إذا أتيتما والإمام يصلي فصليا معه وتكون لكما نافلة)، فالرحل هو منزل الإنسان.
قوله: [ (نحرت هاهنا ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم) ] أي: الأماكن التي أنتم ساكنون فيها في منى انحروا فيها، ولا يلزمكم أن تذهبوا إلى مكان معين، لكن الآن لما حصل من الناس إهمال وتساهل في أمر الأنساك، وأن الناس يأتون بالهدي ويذبحونه ويرمونه ثم ينتن ويلحق أذى بالناس صار هناك مكان معين للذبح؛ حتى لا يكون هذا الضرر الذي يلحق بالناس، وهذا فيه مصلحة، لكن لو أن كل إنسان ذبح في محله وأكل الذبيحة والسواقط هذه دفنها أو رماها في النفايات فلا بأس بذلك، لكن بعض الناس لا يراعون مثل هذه الأشياء بل تجده يذبحها ويتركها.
هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا حفص بن غياث ].
حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جعفر ].
جعفر قد مر ذكره.
[ حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن جعفر حدثني أبي عن جابر رضي الله عنه فذكر هذا الحديث وأدرج في الحديث عند قوله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]قال: فقرأ فيهما بالتوحيد وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] وقال فيه: قال علي رضي الله عنه بالكوفة -قال أبي: هذا الحرف لم يذكره جابر -: فذهبت محرشاً، وذكر قصة فاطمة رضي الله عنها) ].
أورد المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه بعض الزيادات المدرجة في هذه الرواية، وأنه قرأ بالتوحيد، يعني: بسورة الإخلاص، وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1].
لكن جاء في الروايات الأخرى التي سبق أن مرت أنه قرأ بسورتين.
وأيضاً قال: هنا حرف لم يذكره في هذه الرواية، وأنه سبق أن مر في رواية حاتم بن إسماعيل .
هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة أخرجوا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[ عن يحيى بن سعيد القطان عن جعفر عن أبيه عن جابر ].
وقد مر ذكرهم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر