حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد حدثنا هشام -يعني: ابن الغاز - حدثنا نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: هذا يوم الحج الأكبر) ].
قوله: [ باب يوم الحج الأكبر ].
أي: يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، وهو يوم عيد الأضحى، وهو العاشر من شهر ذي الحجة، هذا هو يوم الحج الأكبر.
ومن أهل العلم من يقول: إنه يوم عرفة، ولكن الأحاديث واضحة الدلالة على أن المراد به يوم النحر الذي هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة.
وقيل له: الحج الأكبر؛ لأنه يجتمع فيه عدة أعمال من أعمال الحج التي هي الرمي والنحر والحلق والطواف والسعي لمن كان عليه سعي بعد طواف، فهذه الأعمال إنما تكون يوم النحر يوم الحج الأكبر.
قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: هذا يوم الحج الأكبر) ] هذا دليل على تعيين هذا اليوم، فقد سبق أن مر بنا الحديث الذي هو: (خير الأيام يوم الحج الأكبر ثم يوم القر) الذي هو اليوم الحادي عشر، فهذا فيه دلالة على أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر وأن هذا أرجح ما قيل في ذلك؛ بدلالة الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها كذلك المناداة التي حصلت في ذلك اليوم يوم الحج الأكبر بـ: (ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان).
فالحاصل أن الأدلة دلت على أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر.
هو مؤمل بن الفضل الحراني وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ حدثنا الوليد ].
هو الوليد بن مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا هشام يعني: ابن الغاز ].
هشام بن الغاز ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
[ حدثنا نافع ].
هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (بعثني أبو بكر) هذا كان في السنة التاسعة عندما حج بالناس أبو بكر رضي الله عنه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (فيمن يؤذن يوم النحر: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان) ] كان أهل الجاهلية والكفار يحجون، فجاء النهي ألا يحج بعد ذلك العام الذي هو في السنة التاسعة التي جاءوا فيها مشرك وألا يطوف بالبيت عريان، كما كان يفعله بعض الناس في الجاهلية، فقد كانوا يطوفون بالبيت عراة، فهذا كذلك يمنع؛ حتى تأتي السنة التي بعدها ولا يحصل شيء من ذلك، وهي السنة التي حج فيها النبي عليه الصلاة والسلام، فيكون عندما يأتي إلى الحج وقد طهرت مكة من الكفار الذين يأتون إلى الحج، وكذلك من الذين كانوا يتعرون وهم يطوفون، وهذه من أعمال الجاهلية فبعد هذا العام لا تُفْعَل، وتكون حجة النبي صلى الله عليه وسلم سليمة من أن يجد شيئاً من ذلك فيها.
قوله: [ (ويوم الحج الأكبر يوم النحر) ] هذا فيه دلالة لما ترجم له المصنف من أن يوم النحر هو يوم الحج الأكبر.
قوله: [ (والحج الأكبر الحج) ].
قيل: إن هذا في مقابل العمرة؛ لأنها الحج الأصغر، وكون الحج الأكبر في ذلك اليوم فهذا يعني تمامه وكماله، وأن الإنسان في ذلك اليوم يأتي بالأمور المتعددة التي منها ما هو ركن ومنها ما هو واجب، الركن الذي هو الطواف والسعي بعده لمن كان عليه سعي، والأمور الأخرى التي هي الرمي والحلق فهذه من الأمور الواجبة، أما النحر فإنه واجب على المتمتعين والقارنين، وأما المفردون فإنه لا هدي عليهم، وعلى هذا فإن الأربعة الأعمال التي هي: الرمي والنحر والحلق والطواف ثلاثة منها لازمة على جميع الحجاج، وهي: الرمي والحلق أو التقصير والطواف والسعي لمن كان عليه سعي كالمتمتعين أو القارنين والمفردين الذين لم يسعوا مع طواف القدوم.
وأما النحر فليس على الحجاج جميعاً؛ لأن من الحجاج من لا نحر عليهم وهم المفردون، وأما القارنون والمتمتعون فإنه يجب عليهم الهدي وهي شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة.
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ أن الحكم بن نافع ].
الحكم بن نافع هو أبو اليمان وهو مشهور بكنيته ويذكر بكنيته دون اسمه، وهنا ذكر باسمه بدون كنيته وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعيب ].
هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني حميد بن عبد الرحمن ].
هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن أبا هريرة ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن محمد عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب في حجته فقال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) ].
قوله: [ باب الأشهر الحرم].
الأشهر الحرم هي أربعة من أشهر السنة: ثلاثة متوالية وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد منفرد في أثناء السنة وهو رجب، أما الثلاثة فإنها متوالية واحد منها شهر الحج وواحد قبله وواحد بعده، وكان أهل الجاهلية يحرمون القتال فيها ويستعظمونه، وكانوا إذا أرادوا أن يقاتلوا في شهر حرام أخروا حرمة ذلك الشهر إلى غيره، فمثلاً: يستحلون القتال في شهر محرم ويحرمون صفر مكانه، وهذا الفعل كانوا يسمونه النسيء، يقول عز وجل: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37] فكانوا يعظمون الأشهر الحرم، ولكنهم كان يحتالون فيها بتأخير حرمتها إلى غيرها، وقيل: إنه عند تغيرهم لها اختلطت عليهم الشهور، فصاروا لا يميزون بعضها من بعض؛ ولهذا جاء في الحديث: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) يعني: رجع ترتيب الشهور إلى ما كان عليه الترتيب الذي كان موجوداً قبل أن يحصل النسيء وكما كانت يوم خلق الله السماوات والأرض، وهذا الرجوع كان في السنة التي حج فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
والخطأ الذي كان موجوداً بسبب النسيء والاختلاط الذي حصل من أهل الجاهلية قد زال بإخبار النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) وهذا قد يحصل لبعض الناس فتختلط عليهم الأيام، ففي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه قصة عجيبة فيها اختلاط الأيام على الناس، وهو أن جماعة من أهل قرية التبست عليهم الأيام فصلوا الجمعة يوم الخميس يظنون أنها الجمعة، ولما جاء الغد كان هناك أناس يأتون عادة من الأطراف ليصلوا الجمعة، فلما جاءوا إليهم يوم الجمعة قال الذين صلوا الجمعة يوم الخميس: بل الجمعة أمس، وقال هؤلاء: بل الجمعة اليوم وليست أمس، فكتبوا للشيخ يستفتونه، فأفتاهم بأن يعيدوا الصلاة التي صلوها يوم الخميس جمعة وأن يعيدوها ظهراً.
الحاصل: أن اختلاط الأيام واختلاط الشهور قد يحصل، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن هذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر) سمي رجب مضر لأن مضر كانوا يعظمونه.
قوله: ((الذي بين جمادى وشعبان) بعد إضافته إلى مضر ذكر أيضاً أنه الشهر الذي يكون بين جمادى وشعبان، هذه هي الأشهر الحرم.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن القتال الذي كان محرماً فيها قد نسخ، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يزال تعظيم القتال في أشهر الحرم محكماً غير منسوخ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام معلوم أنه غزا الطائف وحنيناً في أشهر الحرم؛ لأنه بعد الفتح وكان ذلك في شهر ذي القعدة وهو أول أشهر الحرم.
أما علاقة الأشهر الحرم بأشهر الحج: فإن أشهر الحج تتداخل مع الأشهر الحرم في بعضها؛ لأن أشهر الحج سبعون يوماً شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، هذه أشهر الحج، وأما الأشهر الحرم فهي الثلاثة التي هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب الفرد، فشهر ذي القعدة من الأشهر الحرم ومن أشهر الحج، والعشر الأول من ذي الحجة هي من أشهر الحرم ومن أشهر الحج، وأما شوال فهو من أشهر الحج وليس من أشهر الحرم، ومحرم وبقية شهر ذي الحجة هي من الأشهر الحرم وليست من أشهر الحج.
هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[ حدثنا إسماعيل ].
هو إسماعيل بن علية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أيوب ].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد ].
هو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكرة ].
هو نفيع بن الحارث رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد المصنف رحمه الله حديث أبي بكرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وأحال على الذي قبله وهو أنه متفق بالمعنى، وإن كان يختلف معه في الألفاظ.
قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فياض ].
محمد بن يحيى بن فياض ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا عبد الوهاب ].
هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين ].
قد مر ذكر الاثنين.
[ عن ابن أبي بكرة ].
هو عبد الرحمن بن أبي بكرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بكرة ].
أبو بكرة رضي الله عنه مر ذكره.
[ قال أبو داود : وسماه ابن عون فقال: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة في هذا الحديث ].
يعني: أنه جاء تسميته في سند آخر وأنه عبد الرحمن ؛ لأنه كان في الحديث الأول مبهماً وهنا مسمى.
[ وسماه ابن عون ].
هو عبد الله بن عون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثني بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلاً فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف الحج؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى: الحج الحج يوم عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه، أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه, قال: ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بذلك).
قال أبو داود : وكذلك رواه مهران عن سفيان قال: (الحج الحج) مرتين، ورواه يحيى بن سعيد القطان عن سفيان قال: (الحج) مرة ].
قوله: [ باب من لم يدرك عرفة ].
يعني: من لم يدرك الوقوف بعرفة فقد فاته الحج, والوقوف فيها يستمر إلى طلوع الفجر من ليلة العيد, فإذا طلع الفجر والإنسان لم يصل إلى عرفة فإنه قد فاته الحج هذا العام، ويتحول إلى عمرة, ويتحلل.
والحج له زمان ومكان, له مكان هو عرفة, فلا بد من الوقوف فيها, وله زمان هو يوم عرفة, وليلة العيد إلى طلوع الفجر, فمن لم يصل إلى عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة العيد, فإنه قد فاته الحج؛ لأن له نهاية وله غاية.
وأما الأركان الأخرى مثل: طواف الإفاضة، فإنه ليس له وقت محدد فلا يفوت بوقت من الأوقات، بل يمكن أن يفعل في أي وقت.
ولو أن إنساناً نسي طواف الإفاضة ومضى عليه أشهر، فإنه يمكن أن يأتي به، وأما الوقوف بعرفة فإن له أمداً ينتهي عنده وهو طلوع الفجر.
كذلك هناك مكان للوقوف بعرفة, فلا يجوز للإنسان أن يقف خلف عرفة, ولو وقف خارج عرفة لم يحصل منه وقوف, وكذلك الزمان وهو يوم عرفة وليلة العيد إلى طلوع الفجر, فإذا طلع الفجر ولم يصل إلى عرفة -ولو جاء من أقصى الدنيا- فاته الحج.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه قال: [ (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلاً فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف الحج؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى: الحج الحج يوم عرفة) ].
يعني: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينادي حتى يسمع الناس ويرفع صوته: الحج الحج يوم عرفة.
ومعنى ذلك: أن أهم أعمال الحج أو الشيء الذي له أمد ينتهي ولا يمكن أن يتدارك هو يوم عرفة، أما غيرها من الأمور الأخرى مثل الطواف والسعي فإنها تتدارك أو فاتت ولو نسيت، ولكن الوقوف لو ذهب زمانه فإنه لا مجال لتداركه.
قوله: (الحج الحج يوم عرفة) فيه إشارة إلى أهميته وعظم شأنه؛ لأنه الركن الذي لا بد منه, حيث إنه الركن الذي يفوت الحج بفواته؛ لأن له أمداً محدداً وزمناً محدداً.
قوله: (من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه).
يعني: من جاء إلى عرفة قبل صلاة الصبح من ليلة مزدلفة فقد تم حجه، وذلك قبل طلوع الفجر, ويسقط عنه المبيت بمزدلفة، ومن جاء بعد ذلك فقد فاته الحج ويتحول إلى عمرة، فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل.
قوله: [ (أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه) ].
يعني: أيام منى ثلاثة أيام وهي أيام التشريق, وليس منها يوم العيد؛ لأن يوم العيد ليس من أيام منى الثلاثة المعدودة، التي من تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه.
والأيام الثلاثة هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، هذه أيام منى التي قال الله تعالى عنها: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] يعني: الحادي عشر والثاني عشر، فإذا رمى الجمار بعد الزوال من اليوم الثاني، وأراد أن يتعجل فله أن يتعجل، ومن أراد أن يتأخر إلى اليوم الثالث عشر فله ذلك، والتأخر إلى اليوم الثالث عشر أكمل وأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله, وفيه زيادة مبيت ليلة وفيه رمي الجمار من الغد، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك, ولكن التعجل سائغ وجائز.
فهذه هي أيام منى التي قال الله تعالى عنها: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] وليس يوم العيد من الثلاثة الأيام، ولذلك بعض الناس ينفرون يوم الحادي عشر, وهذا لا يجوز؛ لأن الأيام الأربعة هي: يوم النحر، ويوم القر، وهو يوم الحادي عشر، وسمي بيوم القر لأن الناس مستقرون في منى، لا يخرج أحد من منى، بل لا بد من المبيت ليلة الثاني عشر في منى، أما اليوم الثاني عشر فهو يوم النفر الأول، من أراد أن ينفر فيه بعد الزوال والرمي فله ذلك، أما اليوم الثالث عشر فهو يوم النفر الثاني.
فقوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203 ] المراد بذلك الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويوم العيد ليس معها.
قوله: (ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بذلك) ].
يعني: جعل ينادي بهذا الذي قاله صلى الله عليه وسلم: [ (من جاء إلى عرفة قبل صلاة الفجر ليلة جمع فتم حجه، وأيام منى ثلاثة) ].
هو محمد بن كثير العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان الثوري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني بكير بن عطاء ].
بكير بن عطاء ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي ].
عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه صحابي جليل، أخرج له أصحاب السنن.
[ قال أبو داود : وكذلك رواه مهران عن سفيان قال: (الحج الحج) مرتين ].
هو مهران بن أبي عمر العطار، وهو صدوق له أوهام سيء الحفظ، أخرج له أبو داود في المراسيل وابن ماجه .
قوله: [ ورواه يحيى بن سعيد القطان عن سفيان قال: (الحج) مرة ].
يعني: يحيى بن سعيد القطان روى عن سفيان الثوري وقال: (الحج) يعني: مرة واحدة الحج عرفة.
أورد أبو داود حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه وكان قد جاء من طيء، وجاء متأخراً، ولكنه كان يقف في الأماكن كلها، يعني: ما ترك حبلاً من الحبال إلا وقف عليه، والحبل هو التل من الرمل وعرفة فيها شيء من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه).
يعني: أن من أدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه، ويبقى الشيء الذي لا يفوت، مثل الطواف والسعي والأعمال الأخرى.
يقول بعض أهل العلم: إن الوقوف بمزدلفة ركن من أركان الحج، ويستدلون على ذلك بحديث عروة بن مضرس هذا، حيث قال فيه: (من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه) لكن الحديث الذي سبق أن مر: (من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه) فهذا يدل على أن الركن هو عرفة، لكن أمر مزدلفة لا يستهان به؛ لأن بعض أهل العلم قال بركنيته، والركن لا يتم الحج إلا به، لكن القول الصحيح أنه ليس بركن وإنما هو واجب.
قوله: (وقضى تفثه)، يعني: قضى الأشياء التي يطلب منه أن يأتي بها، كتقليم الأظفار وحلق الرأس، وما إلى ذلك من الأشياء التي يباح للإنسان أن يأتي بها بعدما يكون قد أدى ما هو مطلوب منه، ولكن كما هو معلوم إنما يكون ذلك بعد الرمي.
هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسماعيل ].
هو إسماعيل بن أبي خالد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عامر ].
هو عامر بن شراحيل الشعبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني عروة بن مضرس ].
هو عروة بن مضرس الطائي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر