حدثنا مسدد أن أبا معاوية وحفص بن غياث حدثاه -وحديث أبي معاوية أتم- عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (صلى
قوله: [ باب الصلاة بمنى ].
الصلاة بمنى سواء كانت قبل يوم عرفة أو بعد يوم عرفة، فإنه يشرع للحاج أن يقصر الرباعية ولا يجمع؛ بل يصلي كل صلاة في وقتها، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى بمنى يوم التروية الظهر ركعتين في وقتها، والعصر ركعتين في وقتها، والمغرب ثلاثاً في وقتها كما هي، والعشاء ركعتين في وقتها، والفجر في وقتها ركعتين كما هي، ثم انطلق إلى عرفة ثم إلى مزدلفة، ثم رجع إلى منى فكان يصلي بها في يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة كل صلاة في وقتها مقصورة وبدون جمع، وهذا هو الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي سار عليه الخلفاء الراشدون من بعده، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان في صدر من خلافته، ولكنه بعد ذلك أتم رضي الله عنه، والناس يصلون وراءه، ومعلوم أن هذا العمل الذي عمله عثمان يدل على أن الإتمام في حق المسافر جائز، والأولى هو القصر، لكن الإتمام سائغ وجائز.
وقد ذكر العلماء عدة أوجه لفعل عثمان رضي الله عنه، منها: أنه رأى أن الأعراب كثروا، وأن الناس إذا جاءوا إلى الموسم والجهل فيهم كثير، فقد يظنون أن هذه كيفية الصلاة، وأن الصلاة ركعتان وليست أربعاً، فأراد أن يعلمهم.
وقيل غير ذلك، ولكن الذي يمكن أن يقال: هو أن القصر هو الأفضل والأولى، والإتمام سائغ وجائز، وعثمان رضي الله عنه فعل ما هو سائغ وجائز، وسيأتي ذكر هذه الأوجه التي قيلت في وجه إتمام عثمان رضي الله عنه وأرضاه.
وابن مسعود رضي الله عنه أنكر هذا؛ وذلك لأن القصر هو السنة وهو الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام في أسفاره فإنه كان يقصر عليه الصلاة والسلام، ولكنه لما ذكر له أنه أنكر على عثمان وقد صلى وراءه، قال: (الخلاف شر) يعني: أنه لا يترك الصلاة وراء الإمام من أجل أنه فعل فعلاً يرى عبد الله بن مسعود أن غيره أولى منه.
فهو رضي الله عنه لم يتخلف عن الصلاة وراءه؛ لأن عثمان رضي الله عنه فعل أمراً سائغاً وليس أمراً محرماً، ولكن الشيء الذي كان يريده عبد الله رضي الله عنه هو أن تصلى الظهر والعصر والعشاء ركعتين ولا تصلى أربعاً.
إذاً: هذا يدل على أن الإتمام جائز، وأن القصر هو الأولى والأفضل، وكونه يترك ما هو الأولى والأفضل ويصلي وراء الإمام الذي عمل باجتهاد منه، هذا فيه ترك للخلاف، وفيه عدم اختلاف الناس، واتفاقهم مع إمامهم وصلاتهم وراء إمامهم، وقد بين عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الخلاف شر، يعني: كون الناس يختلفون فهذا يصلي كذا، وهذا يصلي كذا، ويخالفون الإمام، والإمام فعل أمراً سائغاً جائزاً، فهذا ليس بجيد، وفيه شيء من الضرر، واجتماع القلوب واتفاقها ومتابعة الإمام في أمر هو سائغ وجائز وغير محرم أمر مطلوب، وهذا نظير ما حصل من أبي سعيد الخدري مع مروان بن الحكم لما قدم الخطبة يوم العيد قبل الصلاة، فإنه أنكر عليه، ولكنه لما صعد جلس ولم يترك المكان، وقال: (إن هذا خلاف السنة)، فدل على أن هذا العمل الذي عمله مروان ليس فيه اختلال شرط، وإنما ترك الأولى والأفضل، وصلاة العيد وجدت والخطبة وجدت ولكن السنة هي تقديم الصلاة على الخطبة، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جلس من أجل ترك الخلاف، وأن مثل ذلك أمر يمكن أن يتابع فيه الإمام، وألا تترك الصلاة وراءه من أجل هذه المخالفة.
قوله: [ (فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين) ] يعني: لو أن لي من الأربع الركعات التي فعلتها -وهي خلاف الأولى- ركعتين متقبلتين.
قوله: [ (قال الأعمش : فحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه: أن عبد الله صلى أربعاً، قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعاً؟ قال: الخلاف شر) ].
وهذا -كما أشرنا إليه- أنه تابع عثمان لأنه رأى أن الخلاف شر.
والمجتهدون يصلي بعضهم وراء بعض، ولم يقل أحدهم: أنا لا أصلي وراء فلان؛ لأنني أرى كذا وهو يرى كذا؛ لأن هذا من الخلاف الذي هو شر، ومعلوم أن العلماء يختلفون وكل يرى رأيه في المسألة، لكن لا يبتعد أحدهم عن الآخر؛ فمثل ذلك من الأمور الاجتهادية التي يتبع الناس فيها بعضهم بعضاً، وأما إذا كان الكل جائزاً ولكن أحد الوجهين أولى وأفضل كما هو موجود في مسألتنا، وهي أن الإتمام سائغ وجائز، بحيث لو صلى الإنسان متماً صحت صلاته ولكنه خالف الأولى، فـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرى أن السنة هي ركعتان، وأن الإنسان لا يتم في السفر، وعثمان رضي الله عنه لما أتم لم يخالفه عبد الله رضي الله عنه ولم يتخلف عن الصلاة وراءه، وعلل ذلك بأن الخلاف شر.
إذاً: هذا من قبيل ما هو سائغ؛ لأنه ترك أمراً مفضولاً غيره أولى منه، لكن متابعة للإمام صلى خلفه متماً.
هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ أن أبا معاوية ].
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وحفص بن غياث ].
حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وحديث أبي معاوية أتم عن الأعمش ].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم ].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن يزيد ].
هو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ فقال عبد الله ].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال الأعمش فحدثني معاوية بن قرة ].
معاوية بن قرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أشياخه عن عبد الله ].
هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
أورد المصنف رحمه الله أثراً عن الزهري أن عثمان إنما أتم لأنه أجمع على الإقامة بعد الحج، وهذا التعليل غير واضح من جهة أن عثمان رضي الله عنه كان مقره في المدينة، والمهاجرون لا يبقون في مكة أكثر من ثلاثة أيام، بل يعودون إلى دار هجرتهم، فقوله: أجمع على الإقامة بمكة هذا غير مستقيم.
قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ].
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا ابن المبارك ].
هو عبد الله بن المبارك المروزي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معمر ].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا شبيه بالذي قبله، وهو لم يتخذها وطناً، ولم يبق بها، وإنما رجع إلى المدينة.
قوله: [ حدثنا هناد بن السري ].
هو هناد بن السري أبو السري وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي الأحوص ].
هو سلام بن سليم الحنفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المغيرة ].
هو المغيرة بن مقسم الضبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم ].
هو إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي وقد مر ذكره.
يقول الحافظ في ترجمة المغيرة : ثقة متقن يدلس لا سيما عن إبراهيم ، وهنا يقول: عن إبراهيم ، فيكون الإسناد إلى إبراهيم فيه انقطاع، أو احتمال انقطاع.
وهذا أيضاً غير مستقيم؛ لأنه كما هو معلوم أن الخليفة إنما يقيم بالمدينة، وأن المهاجر لابد أن يرجع بعد هجرته إلى المدينة.
قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
الزهري قد مر ذكره.
وهذا أيضاً فيه أن الزهري علل أن عثمان رضي الله عنه إنما أتم ليعلم الأعراب الصلاة وأنها أربع، وأنهم لو رأوا الناس يصلون ثنتين لظنوا أن الصلاة الرباعية ركعتان، وأنها ليست أربعاً، وهذا هو أحسن ما قيل في التعليل؛ لأنه لا يتعلق بإقامة، ولا يتعلق بشيء فيه خلاف الواقع، ولكن كون التعليل به صحيحاً هذا لا يعرف إلا عن طريق تنصيص منه، ولكن الذي يظهر -كما أشرت- أن عثمان رضي الله عنه فعل أمراً سائغاً وأمراً جائزاً، ألا وهو الإتمام.
وكذلك ما يذكره بعض العلماء: أنه تزوج زوجة من أهل مكة، فهذا أيضاً غير مستقيم؛ لأن الرسول كان معه أزواجه لما حج حجة الوداع وكان يقصر.
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أيوب ].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
الزهري قد مر ذكره.
والشيخ الألباني رحمه الله لما ذكر هذه الآثار ضعفها كلها إلا هذا؛ وقال: إنه حسن.
وهي كلها كما هو معلوم تنتهي إلى الزهري أو إلى إبراهيم ، وأسانيدها صحيحة إلا التدليس الذي من المغيرة عن إبراهيم .
وهذه الآثار كلها إنما تتحدث عن تعليل فعل عثمان ، وكونه فعل ذلك من أجل الأعراب أقرب من التعليلات الأخرى، لكن كان بإمكانه أن يعلم الأعراب عن طريق الكلام وعن طريق التنبيه، وأن السنة القصر للمسافر، وأنهم في الحضر يتمون، فقد كان يمكن أن يبين ذلك من غير عمل.
حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق حدثني حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه، وكانت أمه تحت عمر رضي الله عنه، فولدت له عبيد الله بن عمر ، قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى والناس أكثر ما كانوا، فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع)، قال أبو داود : حارثة من خزاعة، ودارهم بمكة ].
قوله: [ باب القصر لأهل مكة ].
يعني: أهل مكة في حجهم هل يقصرون أو لا يقصرون، بعض أهل العلم قال: إنهم يقصرون؟ فلأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى معه الحجاج، ولم يقل لأهل مكة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، إنما قال ذلك بمكة عام الفتح، حيث أهل مكة بمكة، وأما هذا فكان في الحج، فبعض أهل العلم يرى أن أهل مكة إذا حجوا يقصرون ويصلون مع الناس في صلاتهم، وأنه لا يلزمهم الإتمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج معه الخلق الكثير، ولم يقل لأهل مكة: أتموا، وبعض أهل العلم قال: إن ذهاب أهل مكة للحج ليس بسفر، فعليهم أن يتموا ولا يقصروا، فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم على ما بيناه.
وقد أورد أبو داود حديث حارثة بن وهب الخزاعي أنه قال: [ (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى والناس أكثر ما كانوا، فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع) ] يعني: أنهم بلغوا من الكثرة ما بلغوا، وأنه صلى بهم ركعتين، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: أتموا، ومن أهل العلم من قال: إن هذا الحديث لا يدل على أن أهل مكة يتمون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصر؛ لأنه مسافر، وهو الذي صلى بالناس، لكن أهل مكة يمكن أنهم كانوا يصلون بغير قصر، وبعضهم يقول: إنه لو كان أهل مكة لا يقصرون وأن عليهم أن يتموا لبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأن تأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة، وهذا مثلما مر في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين) ولم يقل: ليقطعهما، فهنا لم يبين القطع، وقد سبق أن بينه فيما مضى، قالوا: إن الفعل الآخر يكون ناسخاً للفعل الأول، وهنا لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم لهم أن عليهم أن يتموا.
إذاً: لهم أن يصلوا كما يصلي الناس، وذلك ليس لأجل السفر، وإنما هو لأجل النسك، وإلا فإن أهل مكة إذا ذهبوا إلى منى أو ذهبوا إلى عرفة في غير وقت الحج فإنهم يتمون؛ لأن القصر هنا للنسك، وليس ذلك سفراً؛ لأن المسافة قريبة جداً.
هو عبد الله بن محمد النفيلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا زهير ].
هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو إسحاق ].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني حارثة بن وهب الخزاعي ].
حارثة بن وهب الخزاعي صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ وكانت أمه تحت عمر فولدت له عبيد الله بن عمر ].
هذا زيادة تعريف به، وأن عبيد الله بن عمر أخوه لأمه.
[ قال أبو داود : حارثة من خزاعة ودارهم بمكة ].
يعني: أنه من أهل مكة، ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتموا يا أهل مكة.
[ باب في رمي الجمار.
حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثني علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه رضي الله عنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب، يكبر مع كل حصاة، ورجل من خلفه يستره، فسألت عن الرجل، فقالوا:
قوله: [ باب في رمي الجمار ]، رمي الجمار يكون في يوم العيد والثلاثة الأيام التي بعده، فيوم العيد يرمي الحاج فيه جمرة واحدة وهي جمرة العقبة، وهي أقربهن إلى مكة، بل جمرة العقبة نهاية منى من جهة مكة، فما كان من بعد جمرة العقبة إلى مكة كل هذا ليس من منى، فجمرة العقبة هي نهايتها من جهة مكة، والرمي يوم النحر مقصور على هذه الجمرة، ووقت رميها من بعد طلوع الشمس إلى غروبها، والذين رخص لهم أن ينصرفوا آخر الليل لهم أن يرموا قبل الفجر، كما مر بنا بعض الأحاديث عن أم سلمة وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما.
وأما في أيام التشريق الثلاثة فالرمي يكون بعد الزوال، في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحين ويتحرى الزوال، فإذا زالت الشمس رمى قبل أن يصلي، ثم يصلي الظهر صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن الرمي في الأيام الثلاثة إنما يكون بعد الزوال، ومن لم يستطع أن يرمي قبل غروب الشمس بسبب شدة الزحام وكثرة الناس فله أن يؤخر الرمي إلى الليل، ولكن الرمي لا يقدم عن وقته، أي: قبل الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الأيام الثلاثة كلها: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر كان موجوداً بمنى، وكان ينتظر زوال الشمس، فإذا زالت رمى الجمرات الثلاث، وبدأ بالأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، وهي الجمرة التي رماها يوم العيد وحدها، في الأيام الثلاثة آخر الجمرات.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أم جندب الصحابية رضي الله عنها أنها قالت: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب، يكبر مع كل حصاة) ].
يعني: أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم العيد وهو راكب.
ثم قالت: [ (ورجل خلفه يستره) ] وقد مر في الحديث: (أنه كان يظلل بثوب حين رمى جمرة العقبة صلى الله عليه وسلم).
ثم قالت: [ (وازدحم الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! لا يقتل بعضكم بعضاً) ]، يعني: لا يقتل بعضكم بعضاً بسبب الزحام، أو بسبب الحصى التي يرمى بها، خاصة إذا كانت كبيرة فتكون سبباً في قتلهم، وحتى لو كانت الحصى صغيرة فعلى الحاج ألا يرمي بها من مكان بعيد فتقع على رءوس الناس ولا تقع في المرمى، وإنما ينبغي أن يرمي بحصى صغيرة مثل حصى الخذف، ولا بد أن تكون في المرمى، وأما لو رمى من مكان بعيد فقد تقع على رءوس الناس، فيكون بذلك لم يرم الجمرة، وفي نفس الوقت ألحق الضرر بغيره، ولهذا فعلى المسلم أن يحرص أن يصل حصى الرمي إلى الحوض، أو يكون قريباً من الحوض، فيقع في المرمى، وينبغي ألا تكون الحصى كبيرة، بل بمقدار حصى الخذف، فوق الحمص ودون البندق، مثل نوى التمر تقريباً.
ثم قالت: [ (فسألت عن الرجل، فقالوا:
وسبق أن مر بنا أنه أسامة بن زيد أو بلال بن رباح رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
إبراهيم بن مهدي مقبول، أخرج له أبو داود .
[ حدثني علي بن مسهر ].
علي بن مسهر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد بن أبي زياد ].
يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص ].
سليمان بن عمرو بن الأحوص مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن أمه ].
أمه هي أم جندب وهي صحابية، أخرج لها أبو داود وابن ماجة .
هذا الحديث في إسناده مقبولان وضعيف، ولكنه صحيح من جهة أنه قد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي، أي: جعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، ولو لم يأت إلا من هذا الطريق لما صح الحديث، لكن الحديث جاء من طرق أخرى صحيحة، فيكون صحيحاً.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أم جندب من طريق أخرى، وأنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم راكباً عند جمرة العقبة، وفي يده حجر، أي: حصى الجمار التي هي فوق الحمص ودون البندق، فكان يرمي والناس يرمون معه صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ حدثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ].
أبو ثور إبراهيم بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ ووهب بن بيان ].
وهب بن بيان ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا عبيدة ].
هو عبيدة بن حميد، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه ].
قد مر ذكرهم.
قوله: [ (ولم يقم عندها) ] يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف عند الأولى والثانية ولا يقف عند الثالثة التي هي جمرة العقبة.
قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ].
محمد بن العلاء مر ذكره.
[ حدثنا ابن إدريس ].
هو عبد الله بن إدريس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد بن أبي زياد بإسناده ].
وقد مر ذكره.
أورد أبو داود حديث ابن عمر : [ (أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشياً ذاهباً وراجعاً ويخبر أن النبي صلى الله عليه كان يفعل ذلك) ]، وهذا يحمل على غير يوم العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يوم العيد وهو على راحلته من مزدلفة، واستمر حتى وصل إلى الجمرة ورمى، وأما في الأيام الأخرى فكان يذهب ماشياً عليه الصلاة والسلام ويرجع ماشياً؛ لأن المنازل كانت عند مسجد الخيف، ومسجد الخيف قريب من الجمرات.
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا عبد الله يعني ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر العمري المصغر وهو ضعيف، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن نافع ].
هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث بهذا الإسناد ضعيف، ولكن معناه ثابت في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب ماشياً في غير أيام العيد.
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه حيث يقول: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر) ]، يعني: يوم العيد؛ لأنه جاء من مزدلفة إلى الجمرة رأساً ورماها وهو راكب.
قوله: [ (لتأخذوا عني مناسككم) ] هذا من الكلمات الجامعة والألفاظ العامة، وهو من جنس قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
قوله: [ (فلعلي لا أحج بعد حجتي هذه) ]، ولهذا سميت حجته حجة الوداع؛ لأنه ودع فيها الناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
هو أحمد بن محمد بن حنبل الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى بن سعيد ].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبو الزبير ].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت جابر بن عبد الله ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذه طريق أخرى لحديث جابر رضي الله عنه وفيه: (أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام يرمي يوم النحر على راحلته ضحى، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس) ]، أي: بعد أيام النحر في الأيام الثلاثة، التي هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر فإنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام يرمي بعد زوال الشمس.
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله ].
قد مر ذكر هذا الإسناد.
أورد أبو داود حديث وبرة بن عبد الرحمن أنه سأل ابن عمر قال: [ (متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارم) ].
يعني: إنما يكون الرمي بعد الزوال، والمقصود بذلك الإمام الذي يقتدى به، والذي يكون على علم بالسنة وهو يطبق السنة، وأما إذا وجد من يخالف السنة ومن يرمي قبل الزوال فإنه لا يرمى معه، وإنما يرمى بعد الزوال؛ لأن الرمي قبل الزوال لا يجوز ولا يصح، فمن رمى قبل الزوال يجب عليه أن يعيده بعد الزوال، وإن لم يعده فإنه لم يرم، وهو كالذي يصلي الظهر قبل الزوال لا تصح صلاته، فكذلك الذي يرمي قبل الزوال لا يصح رميه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في منى ثلاثة أيام متوالية وفي كلها ينتظر الشمس حتى تزول ثم يرمي، حتى في اليوم الثالث عشر انتظر حتى زالت الشمس ثم رمى، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم في يوم واحد من الأيام الثلاثة، حتى يبين أنه جائز، لكن كونه يتحرى الزوال في أيام ثلاثة متوالية فإنه يدل على أن الرمي قبل الزوال لا يجوز، وأن من رمى قبله فعليه أن يعيد، وإن لم يعد فإنه لم يرم وعليه فدية، وهي شاة يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم إن استطاع، وإلا صام عشرة أيام مكانها.
هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري، وهو صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن عيينة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مسعر ].
هو مسعر بن كدام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن وبرة ].
هو وبرة بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ قال: سألت ابن عمر ].
ابن عمر قد مر ذكره.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت:[ (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه -يعني: يوم النحر- حين صلى الظهر) ] وهذا غير محفوظ وغير ثابت؛ لأن المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أفاض ضحى، وإنما هل صلى بمكة الظهر أو صلى بمنى بعد رجوعه؟ هذا الذي فيه الخلاف، وأما كونه لم يذهب إلى مكة إلا بعد الظهر فهذا منكر وغير ثابت، وهو مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة أنه صلى الله عليه وسلم أفاض ضحى بعدما رمى وحلق وتحلل وطيبته عائشة رضي الله عنها.
قولها: [ (ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق) ].
أي: ليالي وأيام التشريق كان يبيت ويقيم بها.
قولهها: [ (يرمي الجمرة إذا زالت الشمس) ].
أي: في الأيام التي بعد يوم العيد كان يرمي الجمرة فيها إذا زالت الشمس، وهذا جاء في أحاديث كثيرة أنه كان يرمي بعد الزوال في الأيام الثلاثة.
قولها: [ (كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة) ].
أي: أن كل جمرة ترمى بسبع حصيات، وأنه يكبر مع كل حصاة.
قولها: [ (ويقف عند الأولى والثانية فيطيل ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها) ].
أي: أنه عندما يرمي الأولى يقف ويدعو ويتضرع، وعندما يرمي الثانية كذلك، وأما الثالثة فإنه لا يقف عندها.
إذاً: الوقوف ورفع اليدين والسؤال والدعاء إنما يكون بعد الأولى والثانية، وأما الثالثة فلا يقف بعدها، وكان بعض العلماء يعلل ذلك لضيق المكان، ولكن العمل هو اتباع السنة حتى وإن اتسع المكان وصارت جمرة العقبة مثل غيرها من ناحية سعة المكان، فإنه لا يفعل ذلك عند جمرة العقبة؛ لأنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك، فيقتصر على ما وردت به السنة، وهو الدعاء عند الأولى والثانية.
علي بن بحر ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأبو داود والترمذي .
[ وعبد الله بن سعيد ].
عبد الله بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو خالد الأحمر ].
هو سليمان بن حيان، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الرحمن بن القاسم ].
عبد الرحمن بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو القاسم بن محمد وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة رضي الله عنها، أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه: [ (أنه لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، ورمى الجمرة بسبع حصيات)].
فهذا مثلما جاء في حديث أم جندب الذي سبق أن مر من طريق ضعيفة، وفيه أنه رماها من بطن الوادي، والرامي من بطن الوادي يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه.
قوله: [ (هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة) ] خص سورة البقرة لأن كثيراً من أعمال الحج ومسائله جاءت فيها.
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .
[ ومسلم بن إبراهيم ].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحكم ].
هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود ].
قد مر ذكر الثلاثة.
أورد أبو داود حديث عاصم بن عدي رضي الله عنه: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر) ].
يعني: رخص لهم أن يذهبوا مع إبلهم، ولكنهم إذا جاءوا يرمون عن اليوم الحاضر ويوم آخر معه، سواء قبله أو بعده، وهذا يدل على أن رمي الجمار واجب؛ لأنه لو كان غير واجب لما احتاج إلى الترخيص فيه لرعاء الإبل.
إذاً: يجب على كل حاج أن يرمي الجمار، ورميها ليس من الأمور المستحبة التي لو تركها الإنسان لا يكون عليه شيء، بل هو من الأمور الواجبة التي من تركها عمداً أثم، ويكون عليه فدية وهي شاة يذبحها بمكة ويوزعها على فقراء الحرم.
قوله: [ (يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ثم من بعد الغد بيومين) ] قوله: [ (من بعد الغد بيومين) ] يتفق مع قوله: [ (يرمون يوم النفر) ] وهو يوم النفر الثاني؛ لأن النفر الثاني بعد الغد بيومين؛ لأن يوم الغد الذي هو يوم الحادي عشر الذي هو يوم القر بعده يومان، أحدهما يوم النفر الأول والثاني يوم النفر الثاني، فقوله: [ (ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر) ] ليس بمستقيم، إلا إذا كان المراد باليومين بعد العيد، ولكنه قال: (وبعد الغد بيومين)، وقد جاء في بعض الأحاديث أنهم يرمون يوماً ويتركون يوماً، فمعنى هذا: أنهم يرمون يوم العيد، ثم يتركون يوم الحادي عشر، ثم يرمون يوم الثاني عشر وهو يوم النفر الأول، وإن تعجلوا تعجلوا، وإن أرادوا أن يتأخروا رموا في اليوم الثالث العشر الذي هو يوم النفر الثاني.
وبعض أهل العلم يقول: إن لهم أن يقدموا وأن يؤخروا.
أي: لهم أن يقدموا الرمي في اليوم الحادي عشر ثم يرمون عن اليوم الثاني عشر، وبعضهم يقول: يرمي في اليوم الأخير عن اليوم الذي رخص له أن يتخلف من أجله، وسيأتي في حديث أنهم يرمون يوماً ويتركون يوماً، ومعنى هذا: أنهم يرمون يوم العيد، ثم يوم الثاني عشر، ويتركون الرمي يوم النفر الثاني لمن أراد أن يتأخر.
قوله: [ (رخص لرعاء الإبل في البيتوتة) ].
يعني: أنهم يتركون المبيت، والرمي يمكن أن يجمع بعضه إلى بعض، وكذلك يدخل في الرخصة مثل الشرطة والقائمين على الخدمات الطبية وغيرها في البيتوتة وجمع الرمي إذا كان الأمر يتطلب بقاءهم، مثل الرعاة تماماً.
القعنبي مر ذكره، ومالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ (ح) وحدثنا ابن السرح ].
هو أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ أخبرنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ].
عبد الله بن أبي بكر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي البداح بن عاصم ].
أبو البداح بن عاصم ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
هو عاصم بن عدي وهو صحابي، أخرج له أصحاب السنن.
أورد أبو داود حديث عاصم بن عدي من طريق أخرى، وفيه: [ (أنه رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً) ] يعني: أنهم يقضون ذلك الذي تركوه ولا يتركونه نهائياً، ولكنهم يجمعونه مع اليوم الذي جاءوا فيه.
قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان ].
مسدد وقد مر ذكره، وسفيان هو ابن عيينة مر ذكره.
[ عن عبد الله ومحمد ابني أبي بكر ].
عبد الله ومحمد ابنا أبي بكر كل منهما ثقة، أخرج لهما أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيهما عن أبي البداح بن عدي عن أبيه ].
هؤلاء مر ذكرهم، وأبو البداح بن عاصم بن عدي في الحديث الأول نسبه إلى أبيه، وفي الثاني نسبه إلى جده.
أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أنه سئل عن شيء من أمر الجمار، فقال: ما أدري أرماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو بسبع) ] شك هل رماها بست أو سبع، ولكن جاء اليقين عن بعض الصحابة ومنهم جابر وابن عمر وغيرهما أنه رماها بسبع، فجزم الجازم مقدم على شك الشاك.
عبد الرحمن بن المبارك ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا خالد بن الحارث ].
خالد بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
مر ذكره.
[ عن قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت أبا مجلز ].
هو لاحق بن حميد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سألت ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء) ] يعني: قد تحلل التحلل الأول الذي يحل معه كل شيء إلا النساء، والحديث كما قال أبو داود : ضعيف؛ لأنه من طريق الحجاج بن أرطأة وروايته عن الزهري منقطعة، ولكن الحديث جاء من طرق أخرى وله شواهد، وهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بعض رواياته: (إذا رميتم وحلقتم)، ولكن الرواية التي فيها ذكر الحلق ضعيفة، وبعض أهل العلم يرى أنه إذا حصل رمي جمرة العقبة فإنه يحصل التحلل كما جاء في هذا الحديث، وبعضهم يرى أنه لا يتحلل إلا إذا فعل اثنين من ثلاثة، وهي: الرمي والحلق والطواف والسعي لمن كان عليه سعي مع الطواف، فإذا فعل اثنين من ثلاثة فإنه يحصل بذلك التحلل الأول، وإذا فعل الثالث حصل التحلل الأخير، الذي يحل معه كل شيء حتى النساء، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الرمي والحلق؛ حيث قالت: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) والنبي صلى الله عليه وسلم رمى ونحر وحلق، ثم إنه ذهب للطواف صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فإن التحلل يكون برمي جمرة العقبة كما جاء في هذا الحديث، والأولى للإنسان أنه بعد أن يرمي الجمرة أن يحلق أو يطوف؛ لأنه قد جاء عن عائشة -كما أسلفت- أنها كانت تطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت بعد الرمي والحلق، لكن لهذا الحديث فإن من تحلل بعد الرمي فإن عمله صحيح، وإن كان لم يحلق، ولكن الأولى أن يكون مع الحلق كما جاء عن عائشة رضي الله عنها.
عبد الواحد بن زياد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الحجاج ].
هو الحجاج بن أرطأة، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن ].
الزهري مر ذكره، وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ثقة كثيرة الرواية عن عائشة ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
قد مر ذكرها.
الجواب: كان صلى الله عليه وسلم يرمي وهو راكب وسبق أن مر بنا الحديث في هذا، وأنه يجوز أن ترمى الجمار عن ركوب ومن غير ركوب.
الجواب: عليه أن يعيد، لكن يأخذ حصاة واحدة فقط ليست من محل الرمي فيرمي بها، وإذا كانت الحصاة قد رمي بها فلا يرمي بها؛ لأن بعض أهل العلم يقول: ولا يرمى بشيء قد رمي به، لكن إذا كانت الحصى ليست عند الحوض، وإنما هي في مكان متأخر عن الحوض، وغالباً أن الحصى الذي لم يرم به رمياً شرعياً ولا أجزأ عن صاحبه هو الذي يقع على رءوس الناس، فإذا أخذ من ذلك ورمى به فلا بأس.
الجواب: يقول بعض العلماء: إذا بقيت حصاة واحدة لم تقع في المرمى فلا بأس؛ لأنه جاء أثر عن السلف أنهم رموا بست، وأنهم قالوا: لا بأس، لكن إذا سقطت الحصاة ولم تقع في المرمى، فإنه يأخذ من الإخوة عند المرمى، أو يأخذ من الأماكن البعيدة عن المرمى، بحيث تكون الحصى لم يحصل الرمي بها رمياً شرعياً.
الجواب: إذا دخل الإنسان المسجد بعد صلاة العصر فهل يصلي تحية المسجد أو لا؟ هناك خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: إنه يصلي؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، ومنهم من قال: إنه لا يصلي؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس)، والذي يبدو أن الأمر في ذلك واسع، وأن من دخل وصلى فلا ينكر عليه، ومن دخل وجلس فلا ينكر عليه.
الجواب: كون المحرم يلبس خاتماً، أو يلبس ساعة، أو يستعمل النظارة، أو يستعمل حزاماً، كل ذلك لا بأس به.
الجواب: على الإنسان أن يبتعد عن ملامسة المرأة، والمرأة عليها أن تبتعد عن ملامسة الرجل، وإن حصل شيء من غير اختيار الإنسان فلا يؤثر عليه، ولكن على الإنسان أن يتقي الله ما استطاع.
الجواب: الواجب على المسئولين عن الحافلات أن يوفروا السيارات التي تكفي للناس، حتى لا يبقى الناس في عرفات إلى آخر الليل، وإنما يذهبون بهم في أول الليل، وتأخرهم إلى الساعة الثانية من الليل أو الساعة الثالثة غلط لا يصلح، بل عليهم أن يطالبوا من يكون سبباً في ذلك ومن يحصل منه ذلك ألا يفعل ذلك، وأن يرفعوا أمره إلى الجهات المسئولة، حتى يزيدوا في السيارات، ويزيدوا في الحافلات.
الجواب: إذا كان مع النساء فله أن يرمي، وإن أخر ذلك إلى بعد طلوع الشمس فهو الأولى، وإن رمى فرميه صحيح.
الجواب: ليس عليهم هدي؛ لأن الله تعالى قال: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196].
الجواب: حلق اللحية لا شك أنه من المعاصي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحى وأمر بتوفيرها، ونهى عن تشبه الرجال بالنساء، وكل ذلك موجود في حلق اللحى، والنبي صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية، وكان لا يأخذ من لحيته، وكذلك أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يعفون لحاهم، وقد اجتمع في إعفاء اللحى أوجه ثبوت السنة الثلاثة التي هي: القول والفعل والتقرير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بإعفاء اللحى وهذا قول، وكان معفياً للحيته وهذا فعل، وكان يرى أصحابه وهم ذوو لحى موفرة ويقرهم على ذلك، وهذه أوجه ثبوت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم: القول والفعل والتقرير، وكلها مجتمعة في مسألة اللحية وإعفائها، فلا يجوز حلقها، وحلقها لا شك أن فيه إثماً، وهو معصية لله عز وجل.
أما شرب الدخان فهو من الأمور المحرمة، وهو محرم من وجوه متعددة: محرم من جهة أن فيه إضاعة للمال، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه يقول: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).
وكذلك أيضاً من جهة أن فيه إتلافاً للنفس وجلباً للأمراض، والله تعالى يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29].
وأيضاً من جهة أن فيه إيذاء للناس بالرائحة الكريهة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) مع أن هذه الأشياء من الطيبات؛ ولكن للرائحة الخبيثة قال ما قال فيها، فكيف بالدخان الذي يؤذي صاحبه به الناس ويؤذي به الملائكة، ثم أيضاً الدخان ليس من الطيبات وإنما هو من الخبائث، والله تعالى بعث نبيه ليحل الطيبات ويحرم الخبائث، فكل هذه الأمور تدل على أنه محرم، وأن الإنسان لا يجوز له أن يتعاطاه، وأن تعاطيه فيه أضرار كثيرة كما أشرت إلى جملة منها، ويمكن للإنسان أن يتصور مدى سوء عمل صاحب الدخان وأن عمله عمل سيئ لو أن إنساناً معه نقود يمزقها ويرميها في الهواء، ماذا سيقول الناس لمن رأوه يفعل ذلك؟ سيقولون: إنه سفيه، ومع ذلك فهو أحسن حالاً ممن يصرف النقود في شرب الدخان؛ لأن ذاك ضيع نقوده وصحته باقية لم يأت بما يضرها، وأما هذا فأضاع نقوده في إتلاف نفسه، وإهلاكها، وأضاع نقوده في إيذاء الناس.
فهذا يدل على فظاعة هذا العمل المنكر، وأن الإنسان الذي ابتلي به عليه أن يتوب إلى الله عز وجل منه، وأن يبقي على ماله، وأن يصرف هذه الأموال التي يصرفها في هذا الأمر المحرم يصرفها في وجوه البر، فيحصل أجرها وثوابها، في الوقت الذي إذا صرفها في شرب الدخان يحصل إثمها وعقابها، ولكنه إذا صرفها في أمور تنفع فإنه يسلم من الدخان ويحصل على الأجر والثواب من الله عز وجل.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم تبلغه الصلاة والسلام عليه بواسطة الملائكة ولو لم يأت الإنسان إلى القبر، فلهذا قال: (لا تتخذوا قبري عيداً فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام) فتكرار الزيارة داخل تحت قوله: (لا تتخذوا قبري عيداً) يعني: أنه منهي عنه.
الجواب: لا يجوز للإنسان أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أموراً لا تطلب إلا من الله عز وجل، ثم أيضاً على الإنسان أن يعمل الأعمال الصالحة ويتوسل بها إلى الله عز وجل؛ لأنها هي التي تقربه إلى الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى بابه مفتوح للعباد، ليس بينه وبينهم وسائط، بل الإنسان يسأل الله عز وجل والله تعالى يجيبه، يقول عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، وقال عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر