حدثنا عبد الواحد بن غياث حدثنا حماد حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا هند رضي الله عنه حجم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في اليافوخ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا بني بياضة! أنكحوا
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الأكفاء ].
أي: الأكفاء في النكاح، يعني كون الزوج يكون كفؤاً للزوجة وكذلك الزوجة، فالكفاءة هي كون كل من الزوجين كفؤاً للآخر، بحيث يكون هناك تكافؤ وتماثل بين الأزواج.
والكفؤ: هو المثيل والنظير، وجمعه: أكفاء، كما بوب المصنف، وبعض الناس قد يخطئ فيجمعه على (أَكِفَّاء) وهو خطأ؛ لأن أَكِفَّاء جمع كفيف، وإنما جمع كفؤ أكْفَاء.
فالكفؤ هو: المثيل والنظير والشبيه، ولهذا فقول الله عز وجل في سورة الإخلاص: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4] يعني: ليس له مثيل وليس له نظير؛ لأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] فالسورة الكريمة فيها إثبات الأحدية والصمدية، وتنزيه الله عز وجل عن الأصول والفروع والنظراء والأمثال، فتنزيهه عن الفروع في قوله تعالى: لَمْ يَلِدْ [الإخلاص:3] وتنزيهه عن الأصول في قوله تعالى: وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3]، فلم يكن متفرعاً عن أحد ولم يكن أحد متفرعاً عنه، فهو منزه عن الأصول والفروع والنظراء والأمثال.
والكفاءة في الدين لا شك أنها معتبرة، وقد اتفق عليها.
والحرية لا شك في أنها معتبرة كذلك، وقد جاء ما يدل على اعتبارها من جهة أن الحر لا يتزوج الأمة إلا إذا كان مضطراً، فيجوز الزواج بها اضطراراً ولا يجوز اختياراً؛ لقول الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:25]، أي: فليتزوج أمة؛ لكن هذا مقيد بعدم القدرة على تزوج الحرة، فالحرية معتبرة.
ولهذا جاء أن الزوج والزوجة إذا كانا من الأرقاء ثم عتقت الزوجة وبقي الزوج على رقه فإن الزوجة مخيرة، كما حصل لـبريرة مع مغيث ، فإنها لما عتقت خيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأشار عليها أن تبقى معه، وذلك لشدة تعلق مغيث بها.
فالمكافأة في الحرية جاء ما يدل عليها، وتتجاوز للحاجة وللضرورة كما جاء في سورة النساء في الآية الكريمة.
ولا أعلم دليلاً يدل على منع تزوج العربي بالأعجمية، ولكنه إذا كان هناك مفاسد وأضرار يمكن أن تنشأ عن هذا، بأن يحصل من القبيلة شيء من المخاوف التي تخشى فإنه لا يفعل ذلك؛ لأن دفع الضرر الأكبر مطلوب، فترك زواج شخص من امرأة أهون من حصول فتنة، وحين لا يخشى شيء من ذلك فإنه ليس هناك مانع يمنع، وقد جاء ما يدل على ذلك، أي: على أن ذلك سائغ.
ولكن -كما قلت- إذا كان هناك أضرار تترتب على ذلك فإنه يترك ذلك التزويج.
ومما ذكروه التكافؤ والتماثل في الصناعة، وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذه الأمور الأربعة التي هي الدين، والحرية، والنسب، والصناعة معتبرة.
والصناعة شأنها شأن النسب، فإذا لم يترتب على الزواج مع اختلاف الحرفة مضرة فإنه لا مانع يمنع من الزواج.
ولكن إذا كان سيترتب على ذلك مضرة من القبيلة التي لا يوجد فيها تلك الحرفة، كأن يكون هناك من يعمل في الفحم -مثلاً- ثم أتى ليتزوج من أناس يكرهون هذا وخشي حصول فتنة، فإنه لا يصار إلى ذلك؛ لأن هذا شيء فيه مضرة، ومعلوم أن حصول الضرر الأشد ينبغي أن يتخلص من الوصول إليه بارتكاب ما هو دونه، وذلك إذا كان سيؤدي إلى ما هو أشد وإلى ما هو أخطر كما هو الحال في النسب كما أشرت إليه آنفاً.
ويدل عليه كذلك أن الأمة إذا عتقت وزوجها باق على الرق فإنها تكون مخيرة.
والرقيق لا يتزوج الحرة ابتداءً، ولكن تمكن الاستدامة، وهذا من قبيل ما يجوز في الاستدامة ولا يجوز في الابتداء.
لكن كونه أعلى منها -أي أنه حر- فله أن يتزوج ابتداءً عند الضرورة حين لا يستطيع الزواج بالحرة التي هي مكافئة ومماثلة له.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: [ (يا بني بياضة! أنكحوا
يعني: زوجوه وتزوجوا منه. وهذا محل الشاهد للترجمة؛ لأنه حجام، وهي مهنة ليست بشريفة، فليست من المهن الشريفة، بل هي من المهن الدنيئة، وذلك لأن لها علاقة بالدم، وكانوا فيما مضى يعتبرون الحجامة فيها شيء من عدم النظافة؛ لأنه يمص المحاجم، وقد يدخل الدم السيئ الفاسد إلى حلقه بسبب هذا المص، ولهذا جاء في الحديث: (أفطر الحاجم والمحجوم)؛ لأن الحاجم قد يفطر بسبب المص الذي قد يصل إلى حلقه.
ثم بعد ذلك استخدمت الآلات التي يحجم بها بدون مص، وعلى هذا يفطر المحجوم دون الحاجم.
فلما كانت الحجامة فيها مص وقد ينتقل إليه شيء من الدم الفاسد اعتبرت مهنته مهنة سيئة ومهنة رديئة.
لهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كسب الحجام خبيث) يعني: رديء، وليس معناه أنه محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم واعطى الحجام أجره، ولو كان حراماً لم يعطه، ولكن وصفه بأنه خبيث معناه أنه ليس من المكاسب الشريفة، بل من المكاسب الرديئة، كما قال الله عز وجل: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] يعني الرديء، فقوله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ [البقرة:267] يعني: رديء الطعام ورديء الأشياء.
فالخبث لا يطلق على المحرم فقط، بل قد يطلق على الشيء الرديء من الشيء المباح الذي لا حرمة فيه، ومنه قوله: (كسب الحجام خبيث)، ولا يلزم من ذلك أنه محرم؛ يقول ابن عباس : ولو كان حراماً لم يعطه. إذاً قوله: (خبيث) أي: رديء.
وقوله صلى الله عليه وسلم: [ (يا بني بياضة! أنكحوا
معناه أنه ليس من أنفسهم، وكأنه مولىً لهم؛ لأنه إذا كان مولى يقال له: مولاهم، وإذا كان منهم قيل: من أنفسهم. مثلما قالوا في ترجمة البخاري ومسلم ، حيث يقولون في مسلم : مسلم بن الحجاج القشيري ، ثم يقولون بعد القشيري: (من أنفسهم) أي أنه منهم، فنسبته إليهم نسبة أصل.
ولهذا يميز بين نسبة الأصل بأن يقال: (من أنفسهم) ونسبة الولاء بأن يقال: (مولاهم).
وفي ترجمة البخاري يقال: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه البخاري الجعفي ، مولاهم.
أي: مولى الجعفيين، فنسبته إلى الجعفيين نسبة ولاء وليست نسبة أصل، وأما نسبة مسلم إلى القشيريين فهي نسبة أصل.
يعني أن الحجامة هي من العلاج الذي تكون فيه فائدة وتترتب عليه مصلحة، وذلك لأن فيها إخراج دم فاسد، فيترتب على ذلك شفاء بإذن الله، وقد جاء في الحديث ما يتعلق بالعسل والحجامة، وكذلك الكي، وأنه يكون فيها شفاء بإذن الله عز وجل، فهذا فيه إرشاد إلى الحجامة لمن احتاج إليها علاجاً، ولكن لا يقال: إنها سنة وإن الإنسان يحتجم ولو لم يكن بحاجة إلى الحجامة.
فهذا علاج وتداوٍ، والتداوي يصار إليه عند الحاجة، ولا يتداوى من غير حاجة، فالذي يحتاج إلى الحجامة يحتجم، والذي لا حاجة له إلى الحجامة فليحمد الله على العافية.
وقوله: [ (وإن كان في شيء) ] ليس معنى ذلك التردد، وإنما هو إثبات؛ لأن هذا التعبير يكون في الإثبات كما يكون في التردد، ومعلوم أن كثيراً من الأدوية فيها شفاء، كما في الحديث: (ما أنزل الله من داء إلا وجعل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله)، ولكن هذا فيه بيان عظم نفعها وعظم الفائدة من ورائها، وذلك لما فيها من استخراج الدم الفاسد وحصول العلاج بذلك وحصول النفع بذلك.
عبد الواحد بن غياث صدوق، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا حماد ].
حماد هو ابن سلمة ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
وقولهم: (حماد) هو من قبيل المهمل في علم المصطلح، حيث يذكر اسم الراوي ولا يذكر اسم أبيه فيلتبس بغيره، والالتباس يكون بين حماد بن زيد وحماد بن سلمة ، وذلك يعرف بالشيوخ والتلاميذ، والمزي في تهذيب الكمال ذكر بعد ترجمة حماد بن سلمة فصلاً في ضوابط المراد بحماد إذا كان مهملاً هل هو ابن زيد أو ابن سلمة ، وذلك بالتنصيص على بعض التلاميذ الذين إذا ذكروا كان حماد هو ابن زيد أو إذا ذكر آخرون كان حماد هو ابن سلمة ، وهنا جاء مهملاً.
و عبد الواحد بن غياث روى عن الحمادين، روى عن حماد بن زيد وحماد بن سلمة ، لكن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص هذا روى عنه حماد بن سلمة دون حماد بن زيد ، فيكون المراد حماد بن سلمة.
[ حدثنا محمد بن عمرو ].
هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ]
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
منها: أنه كان مقيماً في المدينة والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كثيرٌ منهم تفرقوا في البلدان، وانتقالهم إنما هو للدعوة إلى الله عز وجل وبيان شرائع الإسلام للناس وتعليم الناس، وليس خروجهم من المدينة رغبة عنها، وإنما كان لمصلحة رأوها، وهي كونهم يبذلون النفع، ولو تجمعوا في المدينة وبقوا فيها لما حصلت الفائدة للآخرين الذين هم في البلاد الأخرى، فكونهم ينتقلون إلى بلاد مختلفة هذا إلى البصرة وهذا إلى الكوفة وهذا إلى مصر وهذا إلى الشام وهذا إلى كذا فيه فائدة عظيمة، وهي نشر الإسلام، ونشر تعاليم الدين، وتبصير الناس بالحق والهدى.
فكان من أسباب إكثار أبي هريرة أنه كان مقيماً في المدينة، فكان يكثر الواردون إليها فيأخذون منه ويأخذ منهم، وإذا جاء أحد من الصحابة إلى المدينة أخذ منه، وإذا جاء إلى المدينة أناس من التابعين أو من الصحابة أخذوا عنه، فهذا من أسباب إكثاره.
ومن أسباب إكثاره أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بالحفظ، فكان يحفظ الحديث.
ومن أسبابه أنه من حين أسلم كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم، يأكل من طعامه، ويسير معه حيث سار، ويجلس معه حيث جلس، ويشاركه في طعامه، فكان ملازماً له، وكثير من الصحابة يذهبون للبيع والشراء ولمزارعهم وبساتينهم ولأشغالهم، وأما هو فاختار ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت هذه الملازمة سبباً في كثرة التحمل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحدث بالحديث وهو حاضر، وقد دعا له بأن يحفظ، والناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم وهو حاضر، فكان هذا من أسباب إكثاره رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
فلا غرابة في أن يكون أكثر الصحابة حديثاً مع تأخر إسلامه؛ لأن هذه الأسباب واضحة الدلالة على حصول إكثاره، وأنه لا يعاب بذلك، ولا يوصف بأمر يقدح فيه لكونه متأخراً وكون المهاجرين الأولين السابقين للإسلام روي عنهم من الحديث أقل مما روي عنه بكثير.
حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن المثنى المعنى قالا: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي من أهل الطائف حدثتني سارة بنت مقسم أنها سمعت ميمونة بنت كردم رضي الله عنها قالت: (خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدنا إليه أبي وهو على ناقة له، فوقف له واستمع منه، ومعه درة كدرة الكتاب، فسمعت الأعراب والناس وهم يقولون: الطبطبية، الطبطبية، الطبطبية. فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه فأقر له ووقف عليه واستمع منه، فقال: إني حضرت جيش عثران -قال
قال أبو داود : والقتير: الشيب.
أورد أبو داود هذه الترجمه، وهي في تزويج من لم يولد، أي: تزويج من يكون عند التزويج غير مولود، أي: تزويج المعدوم الذي لم يوجد، وهذا -كما هو معلوم- غير جائز ولا يصح، وهو من جنس بيع المعدوم، فكل ذلك لا يجوز، فتزويج المعدوم غير جائز وبيع المعدوم غير جائز.
والحديث الذي أورده أبو داود في هذا ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه من هو مجهول، فلا يعتد به ولا يحتج به فلا حجة فيه، فهو غير ثابت، وأيضاً من حيث المعنى فيه تزويج لمعدوم، وتزويج المعدوم لا يصح فهو مثل بيع المعدوم.
وأورد أبو داود حديث ميمونة بنت كردم أنها قالت:
[ خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدنا إليه أبي وهو على ناقة له، فوقف له واستمع منه ومعه درة كدرة الكتاب ].
تخبر ميمونة بنت كردم أنها حجت مع الرسول صلى الله عليه وسلم هي وأبوها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه أبوها ودنا منه ومعه درة -والدرة هي السوط- كدرة الكتاب، أي: كالسوط أو العصا الذي يكون مع معلم الصبيان.
قالت: [ فسمعت الأعراب والناس وهم يقولون: الطبطبية، الطبطبية، الطبطبية ].
فسر هذا بأن الطبطبية يراد بها صوت المشي والحركة، وفسر بأنه صوت الدرة التي إذا حركت صار لها صوت.
قالت: [ فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه فأقر له ووقف عليه واستمع منه ].
أي: أقر له بما أخبر به وبما دعا إليه وبما بينه صلى الله عليه وسلم.
قالت: [ فقال: إني حضرت جيش عثران -قال ابن المثنى : جيش غثران- ].
معنى هذا أن أبا داود له شيخان: أحدهما الحسن بن علي الحلواني قال: (عثران) بالعين المهملة، والثاني ابن المثنى قال: (غثران) بالغين المعجمة، فلما ساقه على لفظ الشيخ الأول الذي هو الحسن بن علي الحلواني وكان محمد بن المثنى لا يتفق معه في هذه اللفظة لأنها بالعين وإنما يرويها بالغين نبه على ذلك وقال: [ وقال ابن المثنى : غثران ].
قوله: [ فقال طارق بن المرقع : من يعطيني رمحاً بثوابه؟ قلت: وما ثوابه؟ قال: أزوجه أول بنت تكون لي ].
يعني أنهم كانوا في ذلك الجيش، فقال: من يعطيني رمحاً بثوابه؟ فقال: وما ثوابه؟ قال: أزوجه أول بنت تولد لي. فأعطاه رمحه.
وكان هذا الجيش في الجاهلية قبل الإسلام.
قوله: [ فأعطيته رمحي ثم غبت عنه حتى علمت أنه قد ولد له جارية وبلغت، ثم جئته فقلت له: أهلي جهزهن ]
يعني: غاب عنه مدة طويلة وجاءه بعد خمس عشرة سنة أو أكثر وقال: جهز لي أهلي؛ لأنه كان قد تزوجها قبل أن تولد. فقال طارق : والله لا أفعل حتى تصدقني. أي: صداقاً غير الرمح الذي أخذته في ذلك الوقت. فحلف كردم أن لا يعطيه شيئاً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [ (وبقرن أي النساء هي اليوم؟) ].
أي: كم سنها اليوم؟ لأن القرن هم الذين يكونون متقاربين في السن.
قال: [ قد بلغت القتير ] يعني: الشيب، أي: تقدمت بها السن.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (أرى أن تتركها) ].
يقوله لهذا الذي يطالب بها ويريد أن تجهز له.
قوله: [ قال: فراعني ذلك ].
يعني: ظهر عليه التألم والتأثر لكون النبي صلى الله عليه وسلم أشار عليه بالترك فقال له: [ (أرى أن تتركها) ].
قوله: [ ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأى ذلك مني قال: (لا تأثم ولا يأثم صاحبك) ].
يعني أن الترك هو لئلا تأثم ولا يأثم صاحبك، لكون الزواج كان بمعدوم، وأيضاً حتى لا يترتب على ذلك مفاسد ومشاكل وأضرار وسوء اختلاف.
فكونه يتخلص من هذا الذي فيه ما فيه لا شك أن فيه السلامة.
وليس المراد بقوله: [ (لا تأثم ولا يأثم صاحبك) ] الحنث في اليمين؛ إذ اليمين أمرها يسهل بالتكفير، والذي يظهر أنه يقصد غير الحنث في اليمين وهو ما أشرنا إليه.
والحديث -كما هو معلوم- ضعيف، ومثل ذلك الزواج لا يصح ولا يجوز، وقد عرفنا فيما مضى أن المرأة لابد من أن تستأذن، ولابد من أن تأذن، إن كانت ثيباً فلابد من أن تنطق، وإن كانت بكراً فيكفي أن تصمت، وليس القضية قضية تزويج دون أن يكون للمرأة رأي فيها.
هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا النسائي .
[ ومحمد بن المثنى ].
هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي ، الملقب بـالزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة بدون واسطة.
[ حدثنا يزيد بن هارون ].
هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي ].
هو عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود .
[ حدثتني سارة بنت مقسم ].
سارة بنت مقسم مجهولة، أخرج لها أبو داود .
[ سمعت ميمونة بنت كردم ].
ميمونة بنت كردم صحابية، أخرج حديثها أبو داود وابن ماجة .
أورد الحديث من طريق أخرى، ولكنه هنا أبهم المرأة التي تحكي القصة، وقال من روى عنها: [ هي مصدقة امرأة صدق ] أي: ذات صدق، فهي مبهمة ولكن وصفت بأنها مصدقة وذات صدق، وهي ميمونة بنت كردم التي مرت في الحديث السابق.
والحديث هنا يبين أن الغزاة إنما كانت في الجاهلية.
وفيه أن الشيء الذي حصل به الوعد غير الرمح، حيث ذكر أنهم رمضوا فقال: من يعطيني نعلين وأزوجه أول بنت تولد لي؟ فأعطاه نعليه.
فالذي ليس له نعلان تضره الرمضاء لشدة حرارتها، فقولها: [ رمضوا ] معناه: أصابهم شدة حرارة الرمضاء، ولهذا جاء في الحديث: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) يعني: حين تصيبها حرارة الشمس، والفصال هي أولاد الإبل، ومعناه شدة الضحى، يعني أن خير أوقات صلاة الضحى وأفضل أوقاتها في وقت شدة الحرارة وشدة الرمضاء، ومعلوم أن وقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال، ولكن أولاه وأفضله هو هذا الوقت، ومنه قول الشاعر:
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
هو أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[ حدثنا عبد الرزاق ].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جرير المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني إبراهيم بن ميسرة ].
إبراهيم بن ميسرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن خالته أخبرته ].
خالته هذه لا تعرف، فهي مجهولة، أخرج لها أبو داود ، وهي مثل سارة التي مرت في الإسناد السابق. فكل إسناد من الإسنادين به مجهول.
[ عن امرأة قالت: هي مصدقة، امرأة صدق ].
القائلة هي خالة إبراهيم بن ميسرة ، يعني أنها تروي عن امرأة ذات صدق ولم تسمها، وقال الحافظ ابن حجر : هي ميمونة بنت كردم .
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر