حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن قزعة عن أبي سعيد رضي الله عنه، ذكر ذلك عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم -يعني العزل- قال: (فلم يفعل أحدكم؟ -ولم يقل: فلا يفعل أحدكم- فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها) قال أبو داود : قزعة مولى زياد ].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [ باب ما جاء في العزل ] والعزل هو العزل عن النساء، بحيث يجامع الإنسان المرأة، فإذا جاء وقت خروج المني ينزع ويفرغ خارج الفرج، فهذا هو العزل، وكانوا إذا حصلوا على السبي واشتهوا الوقاع يخافون أن تحمل الأمة بسبب الوقاع فتكون أم ولد، وحينئذ لا يتمكنون من بيعها، فكانوا يعزلون حتى لا يحصل الحمل الذي تصير به الأمة أم ولد تعتق بعد الموت.
والعزل جاء في السنة ما يدل على أنه سائغ وأنه لا بأس به، فقد ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن).
والعزل من الأمة لا بأس به، وأما من الحرة فإنه لا بد فيه من إذنها؛ لأن لها حق الجماع ولها الحق في تحصيل الولد، وكذلك الأمة المزوجة لا يعزل عنها إلا بإذن مواليها؛ لأن لهم الحق في ذلك، ولأن الولد يكون تابعاً للأم في الرق، فإذنهم معتبر في ذلك، وعلى هذا فأمة الرجل له أن يعزل عنها، والأمة المزوجة ليس لزوجها أن يعزل عنها إلا بإذن مواليها، لأن الولد منه يكون رقيقاً لهم، فلهم حق في الولد، وحينئذ فلا يعزل إلا بإذنهم، إلا إذا اشترط أن يكون الولد ليس لهم فله ما اشترط.
وأورد أبو داود هنا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم العزل فقال: [ (فلم يفعل أحدكم؟) ] ولم يقل: لا يفعل أحدكم ذلك.
ثم قال: [ (فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها) ]، يعني: ما من نفس كتب الله عز وجل وقدر وقضى أنها توجد إلا ولا بد من أن توجد، فالشيء الذي قدره الله لا بد من أن يوجد، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وفي الحديث: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن العزل يراد من ورائه عدم الحمل، وإذا كان الله قدر أن يوجد الحمل فإنه يوجد ولو وجد العزل، وذلك بأن تنطلق قطرة مع حرصه على أن لا يخرج شيء فيكون منها الحمل، ولهذا جاء في صحيح مسلم (ليس من كل الماء يكون الولد) ومعناه أن الحمل لا يأتي من جميع المني، وإنما قطرة واحدة من المني ونقطة يسيرة يكون بها الحمل.
فإذاً: هذا الذي يعزل إذا كان الله أراد أن يوجد له الولد فإنه قد تنطلق منه قطرة يكون منها الولد ولو حصل منه العزل.
إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود .
[ عن سفيان ].
هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي نجيح ].
هو عبد الله بن أبي نجيح المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مجاهد ].
هو مجاهد بن جبر المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قزعة ].
هو قزعة مولى زياد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد ].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بنسبته وكنيته، فكنيته أبو سعيد ونسبته الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن لي جارية، وإني أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل. أي أنه يعزل عنها لئلا تحمل، فيخشى أن تحمل؛ لأنها إذا حملت صارت أم ولد، فيفوت عليه بيعها أو التصرف فيها بالبيع، قال: وإن اليهود يقولون: إنها الموءودة الصغرى. فقال صلى الله عليه وسلم: (كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه) ].
يعني: إذا كان الله عز وجل أراد أن يخلقه فلا يستطيع أحد أن يصرف ما قدره الله عز وجل وأراده؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال الشاعر:
فما شئتَ كان وإن لم أشأ
وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن
فالشيء الذي قدر وكتب لا سبيل إلى رده، ولا يستطيع الإنسان أن يصرفه. وقولهم: إنها الموءودة الصغرى معناه أنهم يقصدون بذلك أنه لما انعقد السبب -وهو الجماع الذي هو سبب وجود الولد- ثم إنه عزل من أجل عدم حصول الولد فإنه يكون كأنه قضى عليه بعد أن انعقد سببه، ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأنه قد يوجد السبب ولا يوجد المسبب، والوأد إنما هو وأد البنت الحية، بأن يدفنها وهي حية ويتخلص منها، فهذه هي الموءودة التي كانوا يئدونها في الجاهلية، وذكرها القرآن في قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9] فالرسول صلى الله عليه وسلم كذبهم، وقال: إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق الولد فإنه لا أحد يستطيع أن يصرف وأن يمنع وأن يحول بين وجود ذلك الشيء الذي قدره الله عز وجل؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل شيء شاءه الله لا بد من وجوده، وكل شيء لم يشأه الله لا سبيل إلى وجوده.
وقوله: [ (وأنا أريد ما يريد الرجال) ] أي: من الوقاع والاستمتاع، ولا يريد الولد خشية أن تصير أم ولد فلا يتمكن من بيعها، وكذلك -أيضاً- يريد ما يريد الرجال من الاستفادة منها في بيعها إذا أراد، فهو يريدها من ناحية الاستمتاع ولا يريد ولداً يمنعه من البيع.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبان ].
أبان هو ابن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ].
محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثه أن رفاعة ].
رفاعة مقبول، أخرج له أبو داود .
[ عن أبي سعيد ].
أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قد مر ذكره.
وكون رفاعة مقبولاً لا يؤثر، لأن الحديث بمعنى الأحاديث الأخرى.
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله في كونهم كانوا يعزلون من أجل أن لا تحمل المرأة، وهذا الفعل الذي فعلوه -وهو العزل- لا يكون صاداً وراداً لما قدر الله تعالى أن يكون؛ لأن الحمل قد يوجد مع العزل -كما ذكرنا- بانطلاق قطرة يسيرة يكون بها الحمل مع حرص الرجل أن لا تنطلق هذه القطرة منه ثم يخرج ما يخرج خارج الفرج، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس من كل الماء يكون الولد)، أي: فهذا الذي لا تريدونه إذا كان الله عز وجل قدره فإنه لا سبيل إلى صده ولا سبيل إلى رده.
قوله: [ (فأصبنا سبياً من سبي العرب) ] هذا يدل على أن العرب يسبون كما يسبى غيرهم.
قوله: [ (فاشتهينا النساء) ]، يعني الاستمتاع بهن [ (واشتد علينا العزبة) ] وهي عدم التمكن من الاستمتاع بالأهل، وذلك لأنهم مسافرون، ولكنهم حصلوا هذا السبي وقد اشتهوا.
قوله: [ (وأحببنا الفداء) ] يقصد بذلك أنهم أحبوا أن يأخذوا قيمة السبي إذا احتاجوا إلى ذلك، واستمتاعهم بهن يفضي إلى أن يحملن، وإذا حملن لا يتمكنون من البيع، فلا يحصلون القيمة التي تكون في مقابل بيعهن.
قوله: [ (فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا) ].
يعني: فعلكم هذا الذي تفعلون من أجل أنه لا يحصل حمل لا يرد الشيء الذي قدره الله عز وجل؛ لأنه إذا قدر الله أن يكون فإنه لا بد من أن يكون.
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الفقيه المحدث الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ].
ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن يحيى بن حبان ].
محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن محيريز ].
هو عبد الله بن محيريز ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد ].
قد مر ذكره رضي الله تعالى عنه.
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار كان له جارية، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد الاستمتاع بها، وإني أخشى أن تحمل -وإذا حملت صارت أم ولد- فقال: [ (اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها) ] يعني: إن كان الله كتب أنه يوجد ولد فسيكون. فما لبث إلا فترة من الزمان ثم جاء وقال: إنها حملت. فقال له صلى الله عليه وسلم: إني قد أخبرتك أن ما قدره الله لا بد من أن يكون. فهو دال على أن العزل جائز، وأن العزل لا يمنع حصول الولد، فقد يوجد الولد مع العزل، والشيء الذي قدر الله تعالى أن يكون لا بد من وجوده ولا بد من حصوله، وهو دليل على جواز العزل.
وكذلك يجوز للمرأة إذا كانت مضطرة إلى أن تعمل على تأخير الحمل لأمر يقتضي ذلك كأن تكون مريضة ويشق عليها الحمل، أو أن الحمل يتتابع عليها ولا تستطيع أن تقوم بتربية أبنائها، فإنها إذا كانت تلد في كل سنة فإنها تحتاج إلى أن تحمل هذا وتحمل هذا، فقد تلد مولوداً والذي قبله لا يستطيع المشي، فلا تستطيع أن تحملهم؛ فكونها تتخذ الشيء الذي يؤخر الحمل زمناً يسيراً ولا يقطعه حتى تتمكن من تربيتهم، أو أن تتابع الحمل يضرها في جسمها وفي صحتها؛ فلا بأس بذلك.
أقول: لا مانع من اتخاذ شيء يؤخر الحمل، والذي لا يجوز هو تحديده أو قطعه، وذلك بأن يقول: أنا أريد كذا وكذا ولداً وبعد ذلك لا أريد شيئاً، فيقطع النسل أو يعمل على قطعه، فهذا هو الذي لا يجوز، كما أنه لا يجوز منع الحمل باتخاذ الحبوب ونحوه خشية النفقة على الأولاد؛ لأن الله تعالى هو الذي يرزق، وقد يكون وجودهم سبباً في تحصيل الرزق من الله تعالى.
هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا الفضل بن دكين ].
الفضل بن دكين هو أبو نعيم ، مشهور بكنيته، ويأتي ذكره بكنيته أحياناً فيقال: أبو نعيم . وأحياناً يأتي باسمه كما هنا، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا زهير ].
هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزبير ].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا مسدد حدثنا بشر حدثنا الجريري .
ح: وحدثنا موسى حدثنا حماد كلهم عن الجريري عن أبي نضرة قال: حدثني شيخ من طفاوة قال: تثويت أبا هريرة رضي الله عنه بالمدينة، فلم أر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه، فبينما أنا عنده يوماً وهو على سرير له ومعه كيس فيه حصاً أو نوى وأسفل منه جارية له سوداء، وهو يسبح بها حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه، فقال: ألا أحدثك عني وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال: قلت: بلى. قال: (بينا أنا أوعك في المسجد إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى دخل المسجد، فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ -ثلاث مرات- فقال رجل: يا رسول الله! هو ذا يوعك في جانب المسجد. فأقبل يمشي حتى انتهى إلي، فوضع يده علي فقال لي معروفاً، فنهضت فانطلقت، فانطلق يمشي حتى أتى مقامه الذي يصلي فيه، فأقبل عليهم ومعه صفان من رجال وصف من نساء -أو صفان من نساء وصف من رجال- فقال: إن نسَّاني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم وليصفق النساء. قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينس من صلاته شيئاً، فقال: مجالسكم مجالسكم -زاد قال أبو داود : ومن ها هنا حفظته عن مؤمل وموسى ألا لا يفضين رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة، إلا إلى ولد أو والد
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله ].
يعني كونه يتحدث بما يجري بينه وبين أهله عند الجماع. هذا هو المقصود من الترجمة، فالإنسان لا يتحدث بما يجري بينه وبين أهله، ولا يخبر بما يرى منها ولا تخبر بما ترى منه، وإنما الواجب هو الإمساك عن ذلك وعدم التعرض له بأي حال من الأحوال.
وأورد أبو داود في هذه الترجمة حديثاً ضعيفاً فيه رجل مجهول، وهو الطفاوي ، والحديث لا يحتج به، ولكن فيه بعض الأشياء جاءت في بعض الأحاديث الصحيحة، مثل مسألة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، ومسألة طيب النساء وطيب الرجال، فقد جاء ما يدل عليها، ولكن الحديث نفسه فيه هذا الرجل المجهول، فالشيء الذي لم يكن ثابتاً من وجوه أخرى غير هذا الحديث فإنه لا يعول عليه ولا يحتج به لحصول الجهالة في أحد رواته.
قوله: [ تثويت أبا هريرة ] أي: صرت ضيفاً عنده.
قوله: [ فلم أر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه ].
هذا إخبار عن المشاهدة والمعاينة لما صار ضيفاً عنده، فكان يراه مشمراً في العبادة وقائماً على إكرام الضيف وخدمته والسعي للإحسان إليه.
قوله: [ فبينا أنا عنده يوماً وهو على سرير له ومعه كيس فيه حصاً أو نوى، وأسفل منه جارية له سوداء، وهو يسبح بها، حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه ].
معناه أنه كان على سرير ومعه كيس فيه حصا، وكان يأخذ من هذا الكيس ويسبح ويرمي الحصا، ثم بعد ذلك رمى بالكيس إلى الجارية فجمعت الحصا وجعلته في الكيس وأعادته إليه ليسبح فيما بعد.
وكما هو معلوم فإنه ما ثبت شيء في السنة في التسبيح بالحصا أو التسبيح بالنوى أو ما إلى ذلك، وهذا الحديث -كما هو معلوم- ضعيف؛ لأنه ما جاء إلا بهذا الإسناد الضعيف، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على التسبيح بالحصا لا من فعله ولا من إقراره صلى الله عليه وسلم، فهذا الذي جاء في الحديث لا يحتج به؛ لأن الحديث ضعيف.
وأما السبحة فإنّ التسبيح بها مثل التسبيح بالحصا، وما جاء شيء يدل عليه، فمن أهل العلم من يقول: إنها بدعة. وأقل أحوالها أن يقال: إنها خلاف الأولى. فلا ينبغي للإنسان أن يستعملها، وإنما يسبح بأصابعه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسبح بأصابعه.
ثم إن في استعمال السبحة محذوراً من جهة أخرى، وهو أن الإنسان تكون في يده السبحة، فقد يحركها ساهياً لاهياً، فمن يراه يظن أنه يسبح، فيكون محموداً بما لم يفعل، فاللائق بالمسلم أن لا يستعمل ذلك، وإنما يسبح بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسبح به.
ومن الآثار التي وردت في التسبيح بالحصا أثر عبد الله بن مسعود الذي فيه أنه دخل المسجد يوماً من الأيام ووجد أناساً متحلقين وفي أيديهم حصا، وفيهم رجل يقول: سبحوا مائة، هللوا مائة، كبروا مائة. فيسبحون ويهللون، فوقف على رءوسهم وقال: إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة. فقالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير. أي إن قصدنا في هذا العمل طيب، فقال: وكم من مريد للخير لم يصبه!
فهذا أثر ثابت عن عبد الله بن مسعود ، أنكر عليهم هذا الفعل، وهو كونهم يسبحون تسبيحاً جماعياً بالحصا، وكل ذلك خلاف السنة، وقال: إن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلوه، فإما أنكم أحسن منهم، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة.
وقد فهموا أنه لا يمكن أن يكونوا خيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبقيت الثانية، وهي أنهم مفتتحو باب ضلالة، فعند ذلك قالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير. فقال: وكم من مريد للخير لم يصبه. ثم قال: عدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء.
وكون الإنسان يفعل هذا الفعل ليحصي ذكره بهذه الطريقة ليس بصحيح، فالله عز وجل يحصي ولا تخفى عليه خافية، والإنسان إذا سبح بدون حصا وبدون أن يعد بشيء لا يشرع لا يضيع أجره عند الله عز وجل، فليسبح ما شاء بدون أن يعد، والله تعالى يأجره على تسبيحه وتهليله وذكره لله سبحانه وتعالى.
أي أن أبا هريرة رضي الله عنه قال لضيفه الطفاوي الذي هو مجهول: ألا أحدثك حديثاً بما كان عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: بلى. فقال: إني كنت في المسجد أوعك، أي: كان فيه ألم ومرض، فكان يوعك بسبب هذا المرض، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى المسجد فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ يعني أبا هريرة ، فهو يسأل عنه، وكان المسجد فيه جماعة، فقال له رجل: هو ذاك يوعك. فقصده النبي صلى الله عليه وسلم وذهب إليه حتى جاء إليه فوضع يده عليه وقال معروفاً، أي: قال له قولاً معروفاً، ثم إنه انطلق ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاء إلى مقامه الذي يصلي فيه.
قوله: [ فأقبل عليهم ومعه صفان من رجال وصف من نساء، أو صفان من نساء وصف من رجال ].
معناه أن معه رجالاً ونساء، صفان من رجال وصف من نساء أو العكس، شك من الراوي.
قوله: [ (فقال: إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم وليصفق النساء) ].
وهنا قابل بين القوم وبين النساء، فيكون المقصود بالقوم الرجال، وهذا كما جاء في القرآن في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ [الحجرات:11] فمقابلة القوم بالنساء تدل على أن المقصود بهم الرجال، وهنا في الحديث ذكر القوم في مقابلة النساء، فإذاً: يكون المقصود بهم الرجال.
فـ(القوم) قد يراد بهم الرجال دون النساء إذا قوبلوا بالنساء، ويأتي ذكر القوم ويراد بهم مجموع الرجال والنساء، وهذا كثير في القرآن، ومنه قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ [البقرة:54]، وقومه الرجال والنساء.
قوله: [ (فليسبح القوم وليصفق النساء) ].
التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى، وإنما كان التسبيح للرجال والتصفيق للنساء لئلا يحصل الافتتان بأصواتهن، فيكون شأنهن عند التنبيه التصفيق، والرجال يسبحون فيقولون: سبحان الله. وهذا من الأحكام التي يفرق بها بين الرجال والنساء، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا جاءت نصوص تميز بين الرجال والنساء بأن الرحال يفعلون كذا والنساء يفعلن كذا، كما جاء في هذا الحديث: [ (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) ].
قوله: [ (فصلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينس من صلاته شيئاً) ].
أي: فلم يحتج إلى التسبيح من الرجال والتصفيق من النساء.
ثم قال: [ (مجالسكم مجالسكم) ] يعني: الزموا أماكنكم فلا تقوموا؛ لأنه سيخطب فيهم، فيريد أن يحدثهم ويريد أن يذكرهم، فقال: الزموا مجالسكم.
معنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: [ (مجالسكم) ] حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد. وخاطب الرجال بقوله: هل منكم من إذا كان مع أهله وأغلق الباب واستتر بستر الله عز وجل يتحدث فيقول: فعلت مع أهلي كذا وعملت مع أهلي كذا؟ ثم أقبل على النساء وقال: هل منكن من تفعل كذلك؟ فسكتن، فقامت فتاة كعاب -أي: صغيرة- على ركبتيها حتى يراها، الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت: [ إنهم ليتحدثون وإنهن ليتحدثن ] أي: هذا الذي سألت عنه موجود عند الرجال وموجود عند النساء. فقال: [ (أتدرون ما مثل ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة فقضى منها حاجته والناس ينظرون إليه) ].
أي: لقيها في الطريق فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه.
فإذا حكى الرجل للناس ما حصل بينه وبين أهله فإنهم بذلك يصيرون كأنهم ينظرون إليه، فصار مثله مثل الشيطان الذي لقي شيطانة ففعل بها في الطريق والناس ينظرون إليه.
قوله: [ (ألا وإن طيب الرجال ما ظهر ريحه ولم يظهر لونه، ألا إن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه) ].
أي أن ظهور الطيب من الرجال حتى يشم منهم في الشوارع لا بأس به، وإنما المحذور هو طيب النساء إذا ظهر ريحه، فطيبهن هو ما ظهر لونه وخفي ريحه؛ لأن المرأة إذا خرجت من بيتها وهي متعطرة يشم منها الرائحة الطيبة فإن ذلك يكون فتنة، وتدعو الناس بذلك إلى نفسها، فيترتب على ذلك مضرة، ولهذا لا يجوز للمرأة أن تخرج متعطرة لتلفت أنظار الناس إليها؛ لأن هذا من أسباب الفتنة ومن أسباب الشر الذي يقع بسبب ذلك، وهذا فيما إذا خرجن، وأما إذا كانت داخل بيتها فإنها تستعمل ما شاءت من الطيب مع زوجها مما ظهر ريحه ومما ظهر لونه.
والمراد بطيبها الذي يظهر لونه ولا تظهر رائحته، هو الطيب الذي يشمه من حولها، فليس هو مثل الطيب الذي تنشر رائحته وتشم من مكان بعيد.
قوله: [ (ألا لا يفضين رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة، إلا إلى ولد أو والد) ]
لعله يقصد بذلك الأمور التي لا بد منها بين الأقارب وهي لا تتعلق بحال الجماع وما إلى ذلك، وإنما ذلك في الأمور التي لا يطلع عليها كل أحد، وفي الأسرار الخاصة التي ليس فيها محذور، وليس منها كون الإنسان يتحدث مع الوالد أو الولد فيما يتعلق بأمور الجماع التي تحصل، فكل ذلك لا يجوز.
ويحتمل أن يكون له معنى آخر، وهو كونهما يكونان على فراش واحد وبشرة أحدهما تتصل ببشرة الآخر، وذلك بأن يكون كل منهما بدون ثوب، فيتصل الجسد بالجسد وتلتصق بشرة الرجل ببشرة الرجل، والواجب أن يتستر كل منهما، وأن يبتعد أحدهما عن الآخر، وإذا اضطرا إلى أن يكونا متجاورين فليكن عليهما ثياب أو شيء يحول دون أن تتصل البشرة بالبشرة.
والاستثناء بقوله: [ (إلا إلى ولد أو والد) ] غير مستقيم، والحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة الرجل الطفاوي الذي في إسناده.
يعني أن الإسناد الذي فيه موسى بن إسماعيل -وهو الطريق الثالث من الطرق الثلاث- ما قال فيه: شيخ من طفاوة. وإنما قال: الطفاوي فهذا هو الفرق بين الإسنادين؛ لأن الشيخين الأولين قالا: شيخ من طفاوة. وأما موسى بن إسماعيل فإنه قال: الطفاوي . نسبة إلى طفاوة.
قوله: [ حدثنا مسدد ].
هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا بشر ].
هو بشر بن المفضل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الجريري ].
هو سعيد بن إياس الجريري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح: وحدثنا مؤمل ].
هو مؤمل بن هشام اليشكري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا إسماعيل ].
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح: وحدثنا موسى ].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وقد مر ذكره.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ كلهم عن الجريري عن أبي نضرة ].
الجريري هو سعيد بن إياس ، وأبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني شيخ من طفاوة ].
هذا الطفاوي مجهول لا يعرف
الجواب: يجوز، ولا يعد تشبهاً بالنساء، ولا شك أن طيب الرجال هو الذي ينبغي للرجل أن يستعمله.
الجواب: يصح ذلك، فما دام أنه وجد المسبوق يصلي ودخل معه ووافق على أن يكون إماماً له وما رده، فلا بأس بذلك.
الجواب: الحناء ليس من الطيب، بل يتجمل به في الأيدي والأرجل، وتستعمله النساء فقط ولا يستعمله الرجال، وهو لا يستعمل للطيب، وإنما يستعمل للتجمل من ناحية اللون، والرجال يمكن لهم أن يستعملوه إذا كان يحتاجونه علاجاً.
وقد يقال: إذا كان الحناء من أمور النساء فكيف يجوز للرجال أن يغيروا الشيب به؟!
والجواب: أن النساء يستعملنه من أجل التجمل به في أيديهن وأرجلهن، وأما كونه يغير الشيب بالحناء والكتم فهذا لا بأس به، لأنه ليس كالتجمل الذي هو من خصائص النساء.
الجواب: إذا كان المرء في أول صلاته النافلة فإنه يقطعها، وإذا كان في آخرها فإنه يتمها، والذي يبدو أن الركعة هي الحد الفاصل، فإذا جاوز الركعة الأولى فإنه يكون في آخرها، وأما إذا كان في الركعة الأولى فيقطعها.
الجواب: لا جهاد فيه سبي في هذا الزمان؛ لأن الجهاد الذي فيه السبي هو في وقت كون المسلمين أقوياء يذهبون إلى الكفار ليدعوهم إلى الدخول في الدين، وإذا لم يدخلوا فإنهم يأخذون منهم الجزية، وإذا لم يدفعوا الجزية قاتلوهم وسبوا نساءهم.
وأما في هذا الزمان فالقوة للكفار على المسلمين، فالكفار أقوى من المسلمين، فهم الذين يستطيعون أن يأخذوا من شاءوا من المسلمات، فالضرر على المسلمين لا على الكفار.
الجواب: ما دام أنه مسافر صلى خلف إمام أتم فإنه يجب عليه أن يتم، ولا يجوز له أن يقصر ولو كان قد نوى القصر، وتغيير النية هنا لا يؤثر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر