تفريع أبواب الطلاق.
باب فيمن خبب امرأة على زوجها.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى عن عكرمة عن يحيى بن يعمر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده) ].
لما فرغ الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى من كتاب النكاح أعقبه بكتاب الطلاق.
والطلاق: اسم مصدر بمعنى التطليق، كالسلام والكلام، فالسلام اسم مصدر، والمصدر هو التسليم، والكلام اسم مصدر، والمصدر هو التكليم، والطلاق اسم مصدر، والمصدر هو التطليق.
والطلاق في اللغة: حل الوثاق.
وفي الشرع: حل عقدة النكاح. فهو جزء من جزئيات المعنى اللغوي؛ لأن المعنى اللغوي يكون واسعاً، والمعنى الشرعي يكون جزءاً من جزئياته، فالمعنى اللغوي له أي وثاق، وأما في الشرع فهو حل وثاق مخصوص، وهو عقدة النكاح، أي: إنهاء عقد النكاح بالطلاق.
وكثيراً ما تكون المعاني الشرعية جزئيات من جزئيات المعاني اللغوية، بحيث يكون المعنى اللغوي واسعاً والمعنى الشرعي يكون جزءاً من جزئياته كما هنا، وكما في الصوم، فإن الصوم في اللغة الإمساك، فأي إمساك يقال له صوم. وأما في الشرع فهو إمساك مخصوص عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
والحج في اللغة: القصد، أي قصد، وفي الشرع قصد مخصوص، وهو قصد الكعبة البيت العتيق للإتيان بأفعال مخصوصة. والعمرة في اللغة: الزيارة، أي زيارة، وفي الاصطلاح زيارة البيت للطواف به والسعي بين الصفا والمروة.
وأورد أبو داود هنا [ باب فيمن خبب امرأة على زوجها ].
وقال قبله: [ تفريع أبواب الطلاق ] فأشار إلى الأبواب المختلفة التي تدخل تحت كتاب الطلاق، وبدأ بمن خبب امرأة على زوجها، يعني حكمه وأنه محرم لا يسوغ ولا يجوز.
والتخبيب هو إفساد المرأة على زوجها، بأن يسعى إلى أن يفسد ما في قلبها حتى يكون الفراق، ولهذا قدمه في أول الطلاق؛ لأن من أسباب الطلاق تخبيب المرأة على زوجها حتى تتمرد عليه وتسعى إلى التخلص منه بسبب هذا الإفساد.
وأورد هنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده) ] وتخبيب العبد على سيده هو -كذلك- إفساده على سيده حتى يسعى للتخلص منه.
وقوله: [ (ليس منا) ] يدل على تحريمه وأنه من الأمور المحرمة، وأن من يفعل ذلك فقد عرض نفسه لأن يكون من أهل هذا الوصف، لكن لا يعني ذلك أنه ليس من المسلمين، بل هو مسلم، ولكنه ليس على المنهج الصحيح وعلى الطريق الصحيح، بل هو عاص ومخالف
هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا زيد بن الحباب ].
زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عمار بن رزيق ].
عمار بن رزيق لا بأس به، وهذه اللفظة تعادل كلمة (صدوق)، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن عيسى ].
عبد الله بن عيسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عكرمة ].
هو عكرمة مولى ابن عباس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن يعمر ].
يحيى بن يعمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب في المرأة تسأل زوجها طلاق امرأة له ] أي أن ذلك لا يجوز.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ ما في صحفتها ولتنكح، فإنها لها ما قدر لها) ].
وهذا جاء في المرأة عندما تخطب والخاطب عنده زوجة، فهي تطلب منه أن يطلقها لتستفرغ ما في صحفتها، ومعناه أن هذه المخطوبة التي يريد أن يعقد عليها تشترط عليه أن يطلق المرأة السابقة التي قبلها لتستأثر به وتكفأ ما في صحفتها، وكأن تلك المرأة عندها طعام في صحفة فأفسدت عليها واستأثرت به وأضافته إلى صحفتها واختصت به.
ثم قال: [ (ولتنكح) ] يعني أنها إذا خطبت والرجل عنده زوجه سابقة فلا تشترط طلاق تلك، ولها أن تنكح فتقدم على الزواج إذا كان عندها رغبة فيه، ولكن لا تقيد ذلك بطلاق المرأة الأخرى؛ فالشيء الذي كتبه الله لها من الرزق لا بد من أن يأتيها، وأما كونها تسعى إلى التفريق بين رجل وامرأته وتشتغل بذلك فغير صحيح، بل إما أن تقبل وإما أن ترفض.
ولكن إذا كان الرجل أهلاً وكان كفؤاً فالذي ينبغي أنها لا تفوته، ولهذا قال : [ (فلتنكح، فإنما لها ما قدر لها) ] ويحتمل أن يكون معنى (ولتنكح) أي: هذا الرجل، ولها ما كتب لها، أو يكون المعنى أنها لا تشترط هذا الشرط وترفضه وتنكح غيره، والذي قدر الله عز وجل أن يكون لها فإنه لا بد من أن يصلها؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزناد ].
هو عبد الله بن ذكوان المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو الزناد لقب وليس كنية، وكنيته أبو عبد الرحمن ، فلقبه على صيغة الكنية.
[ عن الأعرج ].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا معرف عن محارب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة [ باب في كراهية الطلاق ].
يعني أن الطلاق إنما يصار إليه عند الحاجة، فليس هو من الأمور المحبوبة المرغوبة، وإنما يحل عندما تكون هناك حاجة إلى حل تلك العقدة، فهو شيءٌ يترتب عليه فراق، وذلك الفراق قد يكون فيه مصلحة وقد يكون فيه مضرة، يكون فيه مصلحة إذا كان الوئام والوفاق لم يتم، وكان الشقاق موجوداً والمشاكل كثيرة، فالطلاق يكون في هذه الحالة مرغوباً مفيداً وتكون فيه مصلحة، وأما إذا كان الوئام موجوداً والمودة موجودة والمرأة ما حصل منها شيء يقتضي الطلاق فإنه لا يكون مرغوباً ولا يكون محبوباً، وهذا هو الذي فيه الكراهية.
وأورد أبو داود هنا حديث محارب بن دثار رحمة الله عليه [ (ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق) ].
وهذا -كما هو معلوم- إنما هو فيما إذا كان من غير أمر يقتضيه، أما إذا كان لأمر يقتضيه فإنه يكون متعيناً وتكون المصلحة فيه ويكون هو المطلوب؛ لأن البقاء على مشاكل وأمور قد تضر الإنسان في دينه ودنياه لا يصلح، فالطلاق هنا يكون خيراً ويكون محبوباً، ولكنه إذا كان يترتب عليه أضرار من غير أسباب يقتضيها ذلك الطلاق فإن هذا هو الذي يوصف بأنه غير محبوب وأنه مبغوض.
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له، أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا معرف ].
هو معرف بن واصل ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود .
[ عن محارب ].
هو محارب بن دثار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث مرسل.
أورد أبو داود الحديث عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) ] وهو بمعنى ما تقدم من أنه إذا كان من غير أمر يقتضيه ومن غير حاجة، أما إذا كان هناك حاجة إليه وهناك أمر يقتضيه فإن المصلحة فيه، وليست في غيره؛ لأن البقاء على شقاق وعلى خلاف وعلى تنافر قلوب وعلى كلام سيء من الطرفين غير صحيح، والمصلحة في التخلص منه، ويكون بذلك محبوباً وليس مبغوضاً.
وقد يستشكل ما ورد في الحديث من كون الله تعالى يحل شيئاً يبغضه.
والجواب أنه قد يكون الشيء محبوباً باعتبار مبغوضاً باعتبار، فالطلاق يكون محبوباً باعتبار أن فيه التخلص من المشاكل وعدم الوئام، ويكون مبغوضاَ إذا كان لغير أمر يقتضيه وترتب على ذلك الانفصال بين شخصين بينهما الوئام والمودة، ثم حصل من ذلك ضرر على الزوجة بترك زوجها لها من غير أمر يقتضي ذلك.
فاجتماع البغض والمحبة في الشيء وارد باعتبارين، ومثاله كذلك صاحب الكبيرة، فهو محبوب مبغوض، محبوب باعتبار ما عنده من الإيمان، مبغوض باعتبار ما عنده من الفسوق والعصيان، ولهذا فأهل السنة والجماعة يقولون عن مرتكب الكبيرة: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، يحب على ما عنده من الإيمان ويبغض على ما عنده من الفسوق والعصيان. فاجتمع فيه المحبة والبغض، ويدل لاجتماعهما بيت الشعر الذي يتحدث عن الشيب، فالشيب إذا نظر إلى ما قبله -وهو الشباب- صار غير مرغوب فيه وصار مبغوضاً، ولكنه إذا نظر إلى ما بعده -وهو الموت- صار محبوباً، يقول الشاعر
الشيب كره وكره أن نفارقه
فاعجب لشيء على البغضاء محبوب
وقد يقال أيضاً: ألا يعارض هذا الحديث ما تقرر عند السلف من أن الإرادة الشرعية يحبها الله تعالى، فكيف يريد الله عز وجل الطلاق شرعاً وهو يبغضه؟!
والجواب عن ذلك أنه عند وجود مقتضيه يكون مأموراً به ومرغباً فيه، بل قد يكون واجباً، وعند عدم وجود شيء يقتضيه يكون غير محبوب.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الطلاق قد يكون حراماً، وذلك إذا كان طلاقاً بدعياً، بأن يكون في الحيض، أو يكون ثلاثاً، أو يكون في طهر جامعها فيه، فإنه هنا لا يجوز.
ويكون واجباً إذا لم يتم الوئام والوفاق، ثم بعث حكمان فرأيا أن المصلحة في الطلاق وعدم البقاء، فعند ذلك يتعين الطلاق ويكون واجباً.
وهذه الطريق الثانية فيها أن محارب بن دثار يضيفه إلى عبد الله بن عمر ويرفعه عبد الله بن عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الطريق الأولى قال محارب : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] فهو من قبيل المرسل؛ لأن قول التابعي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) هو من قبيل المرسل، وهذا في اصطلاح المحدثين، وأما في اصطلاح الفقهاء -وكذلك أيضاً في اصطلاح المحدثين أحياناً- فالمرسل يطلق على المنقطع، ولهذا يقولون في شخص متقدم أو متأخر: يرسل كثيراً. أي: يضيف إلى من فوق شيخه.
فيكون تعريف المرسل بهذا أوسع من التعريف المشهور عند المحدثين الذي يراد به ما إذا قال التابعي -سواءٌ أكان صغيراً أم كبيراً-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
وإنما كان المرسل غير معتمد وغير محتج به عند المحدثين لأن المحذوف يمكن أن يكون صحابياً، ويمكن أن يكون تابعياً، وعلى احتمال كونه تابعياً فإنه يحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً، فمن أجل هذا اعتبروه من قبيل المردود،وليس من قبيل المقبول المحتج به للاحتمال.
أما لو كان المرسل سقط فيه صحابي فقط فهذا لا يؤثر؛ لأن جهالة الصحابة لا تؤثر، وإنما الإشكال في احتمال غيرهم.
ولهذا فمن عرفه بأنه ما سقط منه صحابي لم يصب في هذا التعريف، كما قال صاحب البيقونية: (ومرسل منه الصحابي سقط) فهذا التعريف غير صحيح؛ لأنه لو كان الذي سقط منه صحابياً فليس في ذلك إشكال، وإنما الإشكال في احتمال سقوط غيره من التابعين؛ لأنه يمكن أن يكون صحابياً أو تابعياً، وعلى فرض أنه تابعي فيحتمل أن يكون ثقة أو ضعيفاً، فيأتي الإشكال من جهة احتمال الضعف.
والإسناد الذي أورده أبو داود هنا رجاله محتج بهم، ومن العلماء من صحح الحديث، مثل الحاكم ، ومنهم من أعله بالإرسال ورجح المرسل الأول الذي ذكره أبو داود عن محارب بن دثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً ذكر أن في رواته محمد بن خالد قد اضطرب فيه، فرواه على عدة أوجه، والاضطراب يمكن أن يكون مؤثراً، أما قضية الإرسال فمن المعلوم أن من العلماء من قال: إن الوصل زيادة من ثقة، فتكون مقبولة. وعلى هذا فيكون الحديث لا بأس به.
أما إذا كان الاضطراب الذي ذكر عن محمد بن خالد الذي هو أحد رواته مؤثراً يقدح فيه فإنه يكون على ذلك ضعيفاً، وقد ضعفه بعض أهل العلم، مثل الشيخ الألباني رحمه الله، فإنه ضعف هذا الحديث من أجل الإرسال، وقال: إن الذين أرسلوه أوثق من الذي وصله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هو كثير بن عبيد الحمصي ، وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا محمد بن خالد ].
محمد بن خالد صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن معرف بن واصل عن محارب بن دثار ]
قد مر ذكرهما.
[ عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، وهم الذين يقول فيهم السيوطي في الألفية.
والمكثرون في رواية الأثر
وجابر وزوجة النبي
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء) ].
أورد أبو داود رحمه الله [ باب في طلاق السنة ] أي: الطلاق الذي يكون موافقاً للسنة وليس طلاق بدعة، فالمقصود بالسنة هنا مقابل البدعة؛ لأن السنة تأتي لمعانٍ، منها أنها تأتي بمعنى الشرع كله، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) فالمراد من سنته هنا ما جاء به من الكتاب والسنة، أي أن من رغب عن الكتاب والسنة، أو عما جاء في الكتاب والسنة، أو عن شيء مما جاء في الكتاب والسنة فإنه مذموم، وهذا أوسع معنى للسنة.
ويليه إطلاق السنة على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة، ومن ذلك قول العلماء من محدثين وفقهاء عندما يأتون إلى مسألة من المسائل يقررونها فيحصرون الأدلة إجمالاً أولاً فيقولون: هذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والقياس، أما الكتاب فكذا، وأما السنة فكذا، وأما الإجماع فكذا، وأما القياس فكذا. فعطف السنة على الكتاب هنا يراد به خصوص الحديث.
المعنى الثالث: أن السنة مقابل البدعة، وهذا الذي معنا هو من هذا القبيل، فقوله: [ باب في طلاق السنة ] أي: الذي ليس على بدعة، والذي هو موافق لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومجانب ومخالف للبدعة.
وهناك إطلاق رابع للسنة في اصطلاح الفقهاء، وهو أن السنة تعني المستحب والمندوب، وهو المأمور به لا على سبيل الإيجاب، وإنما على سبيل الاستحباب، فهذا يقال له سنة. فإذا قال الفقهاء: يسن كذا فإنهم يقصدون أنه من الأمور المستحبة. وأما معنى ما جاء في هذه الترجمة فهو السنة التي هي في مقابل البدعة.
وطلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يجامعها فيه طلقة واحدة، فقولنا: في طهر يخرج به الحيض، فلا يطلق في الحيض؛ لأن الطلاق في الحيض طلاق بدعة، وقولنا: لم يجامعها فيه يخرج به الطهر الذي جامعها فيه، فإنه لا يطلق في الطهر الذي جامعها فيه وإنما يطلق في طهر لم يجامعها فيه؛ لأنه إذا جامعها فيه فيمكن أن يكون هناك ولد يترتب على ذلك، ولكن كونه يطلقها حاملاً أو حائلاً هذا هو طلاق السنة.
وقولنا: طلقة واحدة خرج به أن يطلقها ثلاثاً أو أكثر، وإنما يطلق طلقة واحدة إذا أراد أن يطلق، فيقول: طلقت زوجتي طلقة واحدة.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر في قصة طلاقه لزوجته، وأنه طلقها وهي حائض، وأن أباه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر : [ (مره فليراجعها) ] يعني: أخبره بأن يراجعها، والمراد بالمراجعة أنه يعيدها إليه بالمراجعة، فتكون الطلقة التي حصلت في حال الحيض معتبرة، وتكون معدودة ومحسوبة عليه من طلقاته الثلاث، فيكون قد أمضى واحدة، ثم يتركها حتى تطهر من ذلك الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر فيطلقها في ذلك الطهر الذي جاء بعد الحيضة الثانية التي حصل فيها الطلاق البدعي.
لكن ابن القيم رحمه الله في (تهذيب السنن) أطال الكلام في أنه لا تحسب التطليقة التي في الحيض، وأن الذي يحسب هو ما كان في حال الطهر، وقوى ذلك وأطال فيه الكلام في تهذيب سنن أبي داود .
والقول بكون الطلاق لا يقع في الحيض قال به قليلون، وبه يفتي الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، وقد ذهبوا إلى أن قوله: [ (مره فليراجعها) ] ليس المراد فيه بالمراجعة الرجعة المعروفة التي هي إعادة المطلقة، وإنما المراد به كونها تبقى عنده ولا يتركها.
والقول المشهور عن العلماء هو أن الطلاق يقع، وأن عليه أن يراجع، على خلاف في كون المراجعة واجبة أو مستحبة.
وقوله: [ (ثم إن شاء أمسك) ] يعني: إن شاء أبقاها في عصمته وبقيت زوجة له، وإن شاء طلق في ذلك الطهر الذي لم يجامعها فيه بعد الحيضة الثانية، وقد جاء في بعض الأحاديث التي سيذكرها المصنف أنه يراجعها بعد الحيضة التي حصل فيها الطلاق، ثم بعد ذلك يطلقها إذا بدا له، أي: بعد انقضاء الحيض في طهر لم يجامعها فيه، أما إذا جامعها في الطهر -أي طهر- فإنه لا يطلقها.
والحكمة من منع الطلاق في طهر مسها فيه أنها قد تحمل منه في ذلك الطهر، وأما منعه في حال الحيض فلم يظهر لي وجه الحكمة فيه.
وقوله: [ (وإن شاء طلق قبل أن يمس) ]. معناه أنه يطلقها في الطهر بدون مسيس، أما إذا وجد المسيس فإنه لا يطلقها، بل يبقيها حتى يأتي طهر لم يجامعها فيه، فيكون الطلاق إما في حال الحمل المتحقق أو في حال كونه متحققاً من عدم حملها بأن كانت تحيض ثم طلقها في طهر لم يجامعها فيه متحققاً عدم حملها.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر عمر رضي الله عنه بأن يأمر عبد الله بن عمر ، ومعنى ذلك أنه يبلغه؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: [ (مره فليراجعها) ] المقصود به إبلاغه بأن يراجعها وبيان أن هذا هو الحكم الشرعي، وهو أن المطلق في حال الحيض عليه أن يراجع.
واختلف في هذا الأمر هل هو للاستحباب أو للإيجاب؟
فمن العلماء من قال بوجوبه، ومنهم من قال باستحبابه، بمعنى أنه لو ترك حتى مضى بعد ذلك وقت وخرجت من العدة فليس هناك مجال للمراجعة؛ إذ المراجعة إنما تكون في حال العدة، فإذا جاء الطهر الذي يلي الحيض فإنه يمسكها فيه، ثم تأتي الحيضة الثانية، ثم يأتي الطهر الذي بعدها، ثم بعد ذلك إن شاء أمسكها وأبقاها زوجة له وتكون قد مضى من تطليقاتها طلقة واحدة، وإن شاء طلقها في طهر لم يجامعها فيه فتكون طلقة ثانية.
ومن العلماء من قال: إن التطليق إنما يكون في الطهر الأول بعد الحيضة التي حصل فيها الطلاق؛ لأنه جاء في روايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها أبو داود أنه يطلقها بعد طهرها من تلك الحيضة التي حصل التطليق فيها.
وبعض الروايات -كما في الرواية التي معنا- فيها أنه لا يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي حصل فيها الطلاق، وإنما يكون في الطهر الذي يكون بعد الحيضة الثانية، قالوا: وهذه زيادة من ثقة، فتكون مقبولة ويعول عليها، بمعنى أن الطلاق إنما يكون بعد الطهر من الحيضة الثانية.
قالوا: وإنما شرع أن يكون الطلاق بعد حيضة ثانية لأن ذلك قد يكون فيه وقت متسع للإنسان لأن يراجع ويفكر في أمره، فقد يرى أن المصلحة له في أن تبقى الزوجية على ما كانت عليه، فيجامعها ويكون هناك رغبة في الاستمرار ورغبة في الوئام، فيكون في ذلك مصلحة، بخلاف ما إذا شرع له بأن يطلقها بعد الحيضة الأولى فإنه لا يكون هناك متسع للمراجعة ولتدارك ما قد يندم عليه.
قوله: [ (فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) ] يعني: مستقبلات العدة. بمعنى أن العدة تبدأ من الطلاق، والطلاق يكون في طهر لم يجامعها فيه، فلا يكون في الحيض ولا يكون في طهر جامعها فيه، وإنما في طهر لم يجامعها فيه، وفي حال التطليق في الحيض فإنه يراجعها، ثم يكون بعده طهر، ثم يأتي بعده حيض، ثم التطليق يكون في الطهر بعد ذلك الحيض الثاني، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء، أي أنهن يطلقن مستقبلات لعدتهن، ويكون ذلك بتطليقهن في طهر لم يجامعن فيه، وأن يكون ذلك طلقة واحدة.
القعنبي مر ذكره، ومالك مر ذكره، ونافع هو مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن عمر ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود التي هي الأسانيد العالية عنده، فأعلى ما يكون عند أبي داود من الأسانيد الرباعيات، وهذا منها، وهو القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه طلقها تطليقة واحدة وهي حائض، فالتطليقة الواحدة هي طلاق سنة، ولكن تطليقها في الحيض ليس طلاق سنة.
قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الليث ].
هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد -أيضاً- رباعي مثل الذي قبله.
أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق سالم عن أبيه، وهو أنه طلقها في حال حيضها، وأن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بأن يأمره بأن يراجعها، ثم إذا طهرت يطلقها وهي طاهر أو وهي حامل.
أي: يطلقها في طهر لم يجامعها فيه أو وهي حامل قد تحقق حملها، أي: إما أن تكون حاملاً تحقق فيها حمل الولد أو حائلاً تحقق فيها عدم الحمل. وهذا هو طلاق السنة، أن يطلق طلقة واحدة والمرأة حامل أو في طهر لم يجامعها فيه.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ].
محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن سالم ].
هو سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ]
هو عبد الله بن عمر ، وقد مر ذكره.
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنه من طريق أخرى، وهي مثل الطريق الأولى التي بدأ بها المصنف، أعني كونها تطلق بعد الطهر من حيضة ثانية غير الحيضة التي حصل فيها الطلاق، قيل: وفي قوله [ تغيض رسول الله صلى الله عليه وسلم ] إشارة إلى أن الطلاق في الحيض كان معروفاً عندهم أنه لا يجوز.
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].
هو أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[ حدثنا عنبسة ].
هو عنبسة بن خالد الأيلي ، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود .
[ حدثنا يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم عن أبيه ].
سالم وأبوه قد مر ذكرهما.
أورد حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه سئل: [ كم طلقت امرأتك؟ فقال: واحدة. ] وهذا يدل على أنه طلقها طلقة واحدة، وقد سبق أن مر في الطريق الثانية التي ذكرها أبو داود أنه طلقها تطليقة واحدة.
وإنكار النبي صلى الله عليه وسلم وتغيضه -كما مر ذكره- لكونه طلق في الحيض لا لأنه طلق تطليقة، ومعلوم أن أكثر من تطليقة ليس سنة، ولو كان ابن عمر طلق ثلاثاً وفي الحيض فإنه يكون بذلك قد فعل محذورين.
هو الحسن بن علي الحلواني ، وقد مر ذكره.
[ حدثنا عبد الرزاق ].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا معمر ].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة
[ عن ابن سيرين ].
هو محمد بن سيرين ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يونس بن جبير ].
يونس بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
ابن عمر رضي الله عنهما قد مر ذكره.
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى في قصة تطليقه لامرأته وهي حائض، فقد سأله سائل عن رجل طلق امرأته وهي حائض، فقال: [ أتعرف عبد الله بن عمر ] يريد من ذلك أن الجواب عنده وأنه صاحب القصة وأن هذا قد حصل له، وأنه قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيها، هذا هو المقصود من قوله: [ أتعرف عبد الله بن عمر؟ ] يعني: أتعرفني؟ فأخبره بأن الذي سألت عنه قد حصل لي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أفتى بكذا وكذا وقال كذا وكذا.
فهو يتحدث عن نفسه على سبيل الغيبة.
وقوله: [ فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم ] فيه جواز تسمية الأب باسمه دون قول (أبي) وهذا إذا لم يكن المقصود به الاستهانة به ونحو ذلك، فإن قصد الاستهانة فذلك لا يجوز، مع أن التعبير بقول المرء (أبي) هو الأولى.
قوله: [ (مره فليراجعها، ثم ليطلقها في قبل عدتها) ] يعني: مستقبلة عدتها، وذلك في طهر لم يجامعها فيه، وقد جاء تفسير ذلك في الروايات السابقة أنه يكون بعد الطهر من الحيضة الثانية بعد الحيضة التي حصل الطلاق فيها.
قال: [ قلت: فيعتد بها؟ قال: فمه، أرأيت إن عجز واستحمق؟! ]
قوله: [ فيعتد بها ] يعني: بالطلقة أو التطليقة. وقوله: [ أرأيت إن عجز واستحمق ] قيل: معنى هذا أن الإنسان لو عجز عن رفض فلم يأت به لا لكونه لا يقدر عليه؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولكن المقصود هنا العجز الذي هو عدم الجد وعدم الفعل للشيء المطلوب منه، أو استحمق فركب رأسه، فإنه حينئذٍ إن لم يفعل ذلك الفعل المأمور به ألا يؤاخذ؟! ويفهم من هذا أن ابن عمر حسبها تطليقة.
القعنبي مر ذكره.
[ حدثنا يزيد -يعني ابن إبراهيم - ]
يزيد بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن سيرين حدثني يونس بن جبير قال: سألت عبد الله بن عمر ].
هؤلاء قد مر ذكرهم جميعاً.
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى، وفيه أن ابن عمر سئل عن رجل طلق امرأته وهي حائض، فأخبر أنه طلق امرأته وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئاً، وأمره بعد ذلك بأن يطلقها في قبل عدتها، أي: مستقبلة عدتها.
وهذا اللفظ يفيد أنه لم ير تلك الطلقة شيئاً، لكن يمكن أن يوفق بينه وبين ما جاء في الرواية الأخرى من كونها حسبت عليه تطليقة بأنه لم ير ذلك شيئاً باتاً كما قال بعض أهل العلم، أي أنه كان طلاقاً فيه رجعة وفيه إمكان التدارك.
قد مرَّ ذكرهما.
[ أخبرنا ابن جريج ]
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبو الزبير ].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر ].
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.
هذه إشارة إلى الروايات التي فيها أن التطليق إنما هو بعد طهرها من الحيض الذي وقع فيه الطلاق، وأنَّه ليس هناك حيضة ثانية وطهر بعدها، وإنما يطلق في طهرها من الحيض الذي وقع فيه الطلاق، وهؤلاء هم الذين رووا عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالمراجعة بعد طهرها من الحيض الذي حصل فيه الطلاق، ثم ذكر الذين رووا أنه يكون بعد حيضة ثانية.
وأما رواية الزهري عن سالم ونافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك].
هذه هي الرواية الثانية، وهي التي قال عنها الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): إنها زيادة من ثقة، فتكون مقبولة. بمعنى أن الطلاق يكون بعد الحيضة الثانية، وأنه يكون في ذلك متسع للمراجعة ومراجعة النفس، وقد يتبين له أن الاستمرار خير من المبادرة إلى الطلاق.
أي أن الأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير ، حيث قال: [فردها علي ولم يرها شيئاً] لأنها كلها على أنه أمر بالمراجعة وأنها احتسبت، وهي على خلاف ما ذكره أبو الزبير .
ابن عمر ويونس بن جبير مر ذكرهما.
[ وأنس بن سيرين ].
أنس بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وسعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وزيد بن أسلم ].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وأبو الزبير ].
أبو الزبير مر ذكره.
[ ومنصور ].
هو منصور بن المعتمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي وائل ].
هو شقيق بن سلمة الكوفي ، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي وائل .
[ وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر ].
محمد بن عبد الرحمن هو مولى آل طلحة الذي مر ذكره، وسالم وابن عمر مر ذكرهما كذلك.
[ وأما رواية الزهري عن سالم ونافع عن ابن عمر ].
مر ذكرهم جميعاً.
[ وروي عن عطاء الخراساني ].
عطاء الخراساني صدوق يهم كثيراً، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن الحسن ].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر نحو رواية نافع والزهري ، والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير ].
يعني: في أنها احتسبت وأنه أمر بالمراجعة وأما أبو الزبير فروى أنه لم يرها شيئاً، ولكن بعض أهل العلم قال: يمكن أن يوفق بينها بأنه لم ير ذلك شيئاً باتاً، وأما أنه طلاق فيه مراجعة فقد أخبر به صلى الله عليه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر