حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثني يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ].
قوله: [ باب فيما عُني به الطلاق والنيات ] يعني: أن المعتبر هو النية، وهذا عند كنايات الطلاق، وأما صريح الطلاق فإنه يعتبر لفظه، أي: إذا طلق بلفظ الطلاق فإنه يعتبر مطلقاً، وأما إذا كان بلفظ الكناية فإن هذا ينظر إلى نيته، إن كان يريد الطلاق فإنه يكون طلاقاً وإن كان لا يريد الطلاق فإنه لا يكون طلاقاً ما دام أنه محتمِل لهذا ولهذا، فالمعتبر النية.
والطلاق الصريح: مثل أن يقول الرجل لزوجته: (أنت طالق)، وأما الكناية فمثل قوله: (الحقي بأهلك) وما شابهها، وسيأتي في حديث كعب بن مالك أنه قال لامرأته: (الحقي بأهلك) وهو ليس طلاقاً؛ لأنه لم ينوِ ذلك.
وهذا حديث عمر رضي الله عنه المشهور الذي هو أول حديث افتتح به البخاري صحيحه، وهو: [ (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ] وبعض أهل العلم تابع البخاري في ذلك فافتتحوا كتبهم الحديثية بهذا الحديث؛ لأنه يدل على أن كل شيء تابع للنية، وأنه مبني على النية، وأن المعتبر النيات.
قوله في الحديث: [ (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى) ] هذا هو محل الشاهد للترجمة، فإنه إذا قال لفظاً وكان محتمِلاً لأن يكون طلاقاً وأن يكون غير طلاق فالمعتبر نيته: إن كان أراد طلاقاً فيكون طلاقاً، وإن كان لم يرد ذلك فإنه لا يكون طلاقاً، والمعتبر نيته.
قوله: [ (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله -يعني: نية وقصداً- فهجرته إلى الله ورسوله) ] أجراً وثواباً؛ لأنه اتحد الشرط والجزاء، والفرق بينهما: أن الأول على اعتبار والثاني على اعتبار؛ لأن الشرط متفق مع الجزاء؛ ولكن هذا له حال وهذا له حال، ولا يقال: إنه شيء متكرر لا تترتب عليه ثمرة.
قوله:[ (ومن كانت هجرته لدنيا) ] أي: من أجل دنيا، والهجرة كانت من بلد الشرك من أجل الدنيا لا من أجل الله، فمن فعل ذلك لأجل الدنيا [ (فهجرته إلى ما هاجر إليه) ].
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ].
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني يحيى بن سعيد ].
يحيى بن سعيد الأنصاري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن إبراهيم ].
محمد بن إبراهيم التيمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن علقمة بن وقاص الليثي ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت عمر بن الخطاب ] .
أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه.
أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلفه في غزوة تبوك وتوبة الله عليه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هجره خمسين ليلة، وأنه بعدما مضى أربعون يوماً أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه يأمره بأن يعتزل زوجته، ولما أبلغه الخبر قال: أطلقها أم ماذا؟ -يعني: هذا الاعتزال هل هو تطليق أو غير تطليق؟- فقال: لا. بل اعتزلها ولا تقربنها، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر.
ومحل الشاهد هو قوله: (الحقي بأهلك) لأن هذا من كنايات الطلاق، والمعتبر فيه النية، فإذا قال لزوجه: (الحقي بأهلك) إن كان يريد طلاقاً وقع طلاقاً، وإن كان لا يريد فإنه لا يقع، كما حصل لـكعب بن مالك رضي الله عنه فإنه قال: الحقي بأهلك حتى يقضي الله في هذا الأمر، فالمعتبر هو النية في كنايات الطلاق.
أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ وسليمان بن داود ].
سليمان بن داود المصري ، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ أخبرنا ابن وهب ].
عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني يونس ].
يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب ].
ابن شهاب مر ذكره، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
وأبوه عبد الله ثقة، ويقال: له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
و كعب بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الجواب: والله ما أدري ما هو الراجح في هذا، لكن بعض أهل العلم يقول: إنها تكون واحدة إذا كان ما بعد الأولى تأكيداً، ومنهم من يقول: إن كل واحدة تعتبر تأسيساً فيكون الطلاق ثلاثاً، والراجح في هذه المسألة لم يتضح لي فيه شيء.
الجواب: كون الإنسان يحرص على ألا يحصل منه هذا ولا هذا إلا بالإشهاد لا شك أن هذا هو الواضح الذي لا إشكال فيه، لكن الطلاق ينعقد بدون الإشهاد؛ لأنه لو طلق وليس عنده أحد فإنه معتبر؛ ولكنه يُشهد فيما بعد، ولو راجع وليس عنده أحد يُشهد، بل إنه قد تكون المراجعة بأن يطأها، فإنه يكون بذلك مراجعاً لها؛ ولكن عليه أن يُشهد بعد ذلك؛ لكن ما يتضح لي كونه واجباً أو مستحباً، لا أدري؛ وأما كونه يقع الطلاق بدون إشهاد فإنه يقع، والرجعة تقع بدون إشهاد أيضاً.
الجواب: الثانية التي هي: (أنت طالق طالق طالق) أقرب من: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق)؛ لأن الأولى لاحتمال التأكيد أقرب؛ لأن المبتدأ واحد (أنت) والخبر مكرر: (طالق طالق طالق)، فتكون الكلمة الأولى هي الخبر والثانية والثالثة مؤكدة، بخلاف الثلاث عندما تكون بلفظ آخر التي هي: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق)، فإن احتمال التكرار فيها قائم.
وفي قول الرجل: (أنت طالق طالق طالق) كونه يُسأل عن نيته فهذا له وجه، والاحتمال قوي، على اعتبار أن المبتدأ واحد والكلمة الأولى هي (أنت) و(طالق) هي الخبر والباقي تأكيد؛ لأنها جملة واحدة، والثنتان الأخيرتان مؤكدتان للأولى، وأما: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق) فكل واحدة منها مبتدأ وخبر، فهي محتمِلة للتأكيد ومحتمِلة لغير التأكيد، وليست كالجملة الأولى، ولا يتضح لي شيء في كونها تنعقد ثلاث طلقات أو واحدة، أي فيما يتعلق بـ(أنت طالق أنت طالق أنت طالق).
الجواب: مدارك النظر أنا قرأته بنفسي، ولم يُقرأ علي، بل قرأته مرتين، وعرفت ما فيه، وكتبتُ ما كتبت بعد قراءته مرتين.
حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خيَّرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاخترناه فلم يعد ذلك شيئاً) ].
قوله رحمه الله تعالى: [ باب في الخيار ]، المقصود بالخيار: التخيير، أي: أن الرجل يخير امرأته بين أن تبقى في عصمته أو لا تبقى وأن يفارقها، وإذا لم تختر الفراق وإنما بقيت مع زوجها واختارت البقاء فإنه لا يترتب على ذلك شيء، ولا يعتبر طلاقاً، وإنما حصل التخيير لها فاختارت البقاء، وأما إذا اختارت الفراق فهذا اختلف فيه العلماء:
منهم من قال: يكون له حق المراجعة، ومنهم من يقول: يعتبر فراقاً نهائياً ولا مراجعة فيه.
وفي حال اختيار البقاء مع الزوج فإنه لا يترتب على ذلك شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم لما خير نساءه بعد أن نزلت عليه الآية: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحَاً جَمِيلَاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرَاً عَظِيمَاً [الأحزاب:28-29] واخترن البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لم يعدّ ذلك شيئاً، أي: لم يكن طلاقاً.
وقد أورد أبو داود حديث عائشة : [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه ولم يعد ذلك شيئاً) ] أي: أن الأمر بقي على ما هو عليه، ولم يترتب على ذلك شيء، وهذا واضح؛ لأنهن اخترن البقاء، والمرأة إذا اختارت البقاء فلا يترتب على ذلك شيء، وإنما الكلام فيما إذا اختارت الفراق هل يكون للرجل حق الرجعة في ذلك أو أنها تبين منه وليس له حق الرجعة؟ هذا هو محل الخلاف بين أهل العلم.
مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا أبو عوانة ].
أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الضحى ].
مسلم بن صبيح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مسروق ].
مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد قال: قلت لـأيوب : هل تعلم أحداً قال بقول الحسن في (أمركِ بيدكِ)؟ قال: لا، إلا شيء حدثناه قتادة عن كثير مولى ابن سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنحوه، قال أيوب : فقدم علينا كثير فسألته فقال: ما حدثت بهذا قط، فذكرته لـقتادة فقال: بلى؛ ولكنه نسي.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن الحسن في (أمركِ بيدكِ) قال: ثلاث ].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب قول الرجل لزوجته: (أمركِ بيدكِ)، أي: ما حكمه؟
فجمهور أهل العلم قالوا: يكون الطلاق ثلاثاً إذا اختارته كما جاء عن عدد من الصحابة، وجاء عن عدد من التابعين منهم الحسن .
ومنهم من قال: إنه يكون واحدة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله الأثر عن الحسن ، وكذلك الحديث الذي ساقه أبو داود مرفوعاً وفيه: أنه يكون ثلاثاً، وإيراد أبي داود للأثر إنما كان متأخراً عن ذكر الحديث والسؤال الذي حول قول الحسن ، فيبدو أن الحديث فيه اختصار في الأول، أو أن الأثر متقدم عن تأخير، والاختصار قوله: هل تعلم أحداً قال بقول الحسن في (أمركِ بيدكِ)؟ قال: لا ].
يعني: أنه ثلاث، فإما أن يكون فيه اختصار أو أن الأثر المقطوع الذي جاء في الآخر متقدم؛ لأنه عقَّبه بقوله: بمعناه، ولم يُذكر الأصل حتى يُعرف المعنى، وهو إما أن يكون فيه اختصار وأنه سقط منه ذكر (أمركِ بيدكِ) ثلاث، أو أن الأثر الذي فيه أنه قال: ثلاث متقدم، فيأتي بعد ذلك الاستفهام والسؤال والجواب.
قوله: [ بنحوه ] الأصل المحال عليه غير موجود، فهو إما أن يكون الأصل فيه: [ هل تعلم أحداً قال بقول الحسن في (أمركِ بيدكِ) أنه ثلاث؟ ] فيكون ساقطاً منه (أنه ثلاث)، أو أن الأثر الذي ساقه بإسناده مقطوعاً إلى الحسن [أنه ثلاث] يكون متقدماً، وعلى هذا يكون المعنى واضحاً، أي: من جهة أن اللفظ الذي أحيل إليه بقوله: [ بنحوه ] قد عُرف.
والأثر عن الحسن متصل إليه وهو مقطوع، والمقطوع هو: المتن الذي انتهى إسناده إلى التابعي أو من دونه، فيقال له: مقطوع، وهو غير المنقطع؛ لأن المقطوع من صفات المتون, وأما المنقطع فهو من صفات الأسانيد، فيقال: الإسناد المنقطع، وأما هذا المتن فهو مقطوع، أي: إسناده انتهى إلى التابعي؛ لأنه إذا انتهى إلى التابعي يقال له: مقطوع، وإذا انتهى إلى الصحابي يقال له: موقوف، وإذا انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع.
فهذا الأثر المقطوع الذي جاء عن الحسن إما أن يكون متقدماً ويكون الكلام ليس فيه حذف ولا اختصار، وإما أن يكون على ما هو عليه متأخر؛ ولكن فيه حذف وفيه اختصار؛ لأن الإحالة بقوله: [ بنحوه ] لا تستقيم إلا إذا عُرف لفظ المتن المحال إليه بقوله: [ بنحوه ].
والحديث الذي أورده فيه علتان:
إحداهما: فيه رجل مقبول وهو: كثير مولى ابن سمرة .
العلة الثانية: أن كثيراً قال: [ ما حدثت بهذا ]، فهو أنكر، والمعروف عند المحدثين أن الراوي إذا أضيف إليه شيء ثم أنكره فإنه يكون قدحاً فيه، أما إذا قال: لا أدري فإنه لا يؤثر في الرواية.
وعلى هذا فليس ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد؛ ولكنه جاء عن عدد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم مثلما قال الحسن : إن (أمركِ بيدكِ) ثلاث.
الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا سليمان بن حرب ].
سليمان بن حرب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حماد بن زيد ].
حماد بن زيد ،ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: قلت لـأيوب ].
أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن ].
الحسن بن أبي الحسن البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثناه قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن كثير مولى ابن سمرة ].
كثير مولى ابن سمرة ،مقبول، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[ عن أبي سلمة ].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا هشام ].
هشام الدستوائي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
قتادة مر ذكره.
[ عن الحسن ].
الحسن مر ذكره.
وهذا الحديث مروي في سنن النسائي والترمذي ، ولم يجزم فيهما كثير بالنفي كما جزم عند أبي داود هنا.
على كل حال: العلة موجودة وهي الراوي كثير، فإنه مقبول، وهذا كافٍ ولو لم يأت بالجزم، وهذه قاعدة فيمن حدث ونسي، أنه إذا جزم وأنكر فإنه لا يعتبر الأثر مروياً عنه، وأما إن قال: لا أدري فإن الرواية صحيحة؛ لأن هذا نسي، وهذا لا يعد نوعاً من أنوع الحديث أي: من حدث ونسي.
وتخرج المرأة نفسها من عصمة الرجل بجعل الأمر إليها، فإذا جعل الأمر إليها واختارت نفسها، فهذا معناه: أنها قد بانت منه.
ولها أن تطلق نفسها عندما يجعل الأمر إليها بقولها: (اخترت نفسي) أو (لا سبيل له إلي) فإذا قالت مثل هذا الكلام ثلاثاً، فلا رجعة له عليها، وأكثر العلماء على هذا.
[ حدثنا ابن السرح وإبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور في آخرين قالوا: حدثنا محمد بن إدريس الشافعي حدثني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة أن ركانة بن عبد يزيد رضي الله عنه طلق امرأته سهيمة ألبتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: والله ما أردتُ إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (والله ما أردتَ إلا واحدة؟)فقال ركانة : والله ما أردتُ إلا واحدة، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فطلقها الثانية في زمان عمر ، والثالثة في زمان عثمان رضي الله تعالى عنهما.
قال أبو داود أوله: لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح ].
قوله رحمه الله: [ باب في طلاق البتة ] أي: أن يقول: أنتِ طالق ألبتة أو بتةً، أو بتّ طلاقها، وقيل: إن معنى ألبتة: ثلاثاً، أي: أنه طلقها ثلاثاً أو أنه أبتّ طلاقها، أي قطع صلته بها نهائياً.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث ركانة وقد سبق أن مر عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه، وأنه اعتبر الثلاث واحدة؛ ولكن الحديث ليس ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي ثبت حديث ابن عباس الذي فيه: ( كان طلاق الثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد
أحمد بن عمرو بن السرح ، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ وإبراهيم بن خالد الكلبي ].
إبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور ،ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ في آخرين ].
يعني: معهم غيرهم.
[ حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ].
محمد بن إدريس الشافعي هو الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ حدثني عمي محمد بن علي بن شافع ].
محمد بن علي بن شافع ، قال الحافظ في التقريب : وثقه الشافعي ، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي .
[ عن عبد الله بن علي بن السائب ].
عبد الله بن علي بن السائب مستور -أي: مجهول الحال-، أخرج حديثه أبو داود والنسائي .
[ عن نافع بن عجير ].
نافع بن عجير قيل: له صحبة، وذكره ابن حبان في التابعين، وبعض العلماء قال: مجهول؛ لأن الصحبة لم تثبت له؛ ولهذا عبر الحافظ ابن حجر بقوله: قيل: له صحبة، وذكر صاحب عون المعبود أن ابن القيم ذكر في الزاد أنه مجهول، والإسناد فيه أيضاً من هو دونه، وهو عبد الله بن علي بن السائب الذي سبق ذكره.
و نافع بن عجير أخرج له أبو داود .
[ أن ركانة بن عبد يزيد .. ].
ركانة سبق أن مر أنه صحابي، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ قال أبو داود أوله لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح ].
يعني: شيخيه؛ لأن أبا داود له فيه شيخان:
أحدهما: أبو ثور .
والثاني: ابن السرح .
فقوله: [ أوله لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح ] يعني: ما ساقه على لفظ واحد منهما، وإنما جعل أوله على لفظ شيخ وآخره على لفظ شيخ آخر من شيخيه.
قوله: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي ].
محمد بن يونس النسائي ثقة، أخرج حديثه أبو داود .
[ أن عبد الله بن الزبير حدثهم ].
عبد الله بن الزبير وهو عبد الله بن الزبير المكي الحميدي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم في المقدمة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[ عن محمد بن إدريس حدثني عمي محمد بن علي عن ابن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة ].
وقد مر ذكرهم جميعاً، وفيهم الشخص الذي هو مستور -وهو ابن السائب - وقال عنه: ابن السائب ؛ نسبه إلى جده.
واسم عبد يزيد لا يجوز؛ لأنه لا تضاف العبودية إلا لله عز وجل، يقول ابن حزم : أجمع العلماء على تحريم كل اسم معبَّد لغير الله حاشا عبد المطلب .
أورد أبو داود نفس الحديث من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ].
سليمان بن داود العتكي هو أبو الربيع الزهراني ، ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا جرير بن حازم ].
جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزبير بن سعيد ].
الزبير بن سعيد لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة ].
عبد الله هذا أيضاً لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .
وبعده أبوه: مستور، أخرج له أبو داود .
و يزيد -الذي هو جد عبد الله - مجهول.
[ قال أبو داود : وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً؛ لأنهم أهل بيته وهم أعلم به، وحديث ابن جريج رواه عن بعض بني أبي رافع عن عكرمة عن ابن عباس ].
سبق أن مر أن حديث ابن جريج هو الذي صح، وهو مطابق لحديث ابن عباس في أن الثلاث واحدة.
وأما قول أبي داود هذا ففيه هؤلاء المجاهيل الضعفاء الذين في إسناده، وتصريح أبي داود بأنه أصح لا يعني أنه يكون صحيحاً؛ لأن كلمة (أصح) إذا أضيفت إلى شيء آخر تعني: أنه أمثل من غيره، فلا يعني تصحيحه، وهذا مثلما يقال للمريضين: هذا أصح من فلان، وكل منهما مريض، يعني: أن هذا أحسن حالاً من هذا، فلا يعني بهذا التصحيح وإنما يعني تقديمه على غيره، وأما من حيث الإسناد فحديث ابن جريج هو الذي سبق أن عرفنا أنه ثابت، وأن الألباني صححه وذكر له شواهد.
وكلام أبي داود يفيد ترجيح هذا، لكنه ليس بصحيح، ذاك هو الصحيح، وهذا ليس بصحيح.
والفرق بينهما: أن هذا الصحابي غير الصحابي -أي: صاحب القصة هذا غير صاحب القصة ذاك- لأن هنا ركانة هو الذي طلق، وفي الحديث المتقدم أن المطلق عبد يزيد .
فهنا أبو داود يرجح أنه ركانة ، وقوله: [ وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً.. ] أي: أن الأصح أن ركانة هو الذي طلق امرأته، وليس عبد يزيد الذي جاء في رواية ابن جريج وإن كانت رواية ابن جريج هي الأصح.
ولا يُحتاج إلى التحليف، مثل: أن يُستحلف الرجل، أو يُطلب منه اليمين هل أراد بـ(ألبتة) ثلاثاً أم واحدة، كما جاء في هذه الرواية؛ لأنها ضعيفة.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي قوله: [ باب في الوسوسة بالطلاق ] يعني: أن الإنسان تحدثه نفسه بالطلاق، ويقع في باله أنه طلق وهو لم يحصل منه التلفظ بالطلاق فإنه لا يعتبر شيئاً؛ لأن حديث النفس لا يقال له: كلام، وقد تجاوز الله عنه، وقد يقع في ذهن الإنسان أمور سيئة وخطيرة ولا تؤثر عليه، كما جاء في الحديث: [ (إنه يجد أحدنا ما يتعاظم أن يذكره، قال: أوجدتم ذلك؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان) ] أي: عندما يجد الإنسان في ذهنه شيئاً يعظُم في نفسه ويكرهه ويصعب عليه أن يتلفظ به، فهذا الذي وقع في نفسه وفي خاطره هو حديث النفس لا يعتبر شيئاً.
فإذا وقع في باله أنه طلق زوجته أو نوى أنه يطلق زوجته في قلبه فإنه لا يعتبر مطلقاً إلا إذا تكلم، كما جاء في هذا الحديث: [ (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها) ] ومعناه: أن حديث النفس الذي ينقدح في ذهن الإنسان وتحدثه نفسه به ولم يتلفظ به فإنه لا يترتب عليه شيء، وهذا في أمور كثيرة: في النكاح وفي الطلاق وفي العتاق وفي الهبة والعطية، وفي النذر أيضاً، فلو نذر في نفسه أنه سيفعل كذا وكذا ولم يتلفظ فليس عليه شيء، فإنه مجرد حديث نفس لا يترتب عليه شيء، وإنما العبرة بالقول أو الفعل.
قوله: [ (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به) ].
هذا مرادف للفظ الذي سيأتي، وهو قوله: [ (وبما حدثت به أنفسها) ]، والذي ورد في صحيح البخاري: [ (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل) ]، فالحديثان لهما نفس المعنى، فـ[ (ما لم تتكلم أو تعمل) ] و[ (بما حدثت به أنفسها) ] كلمتان مترادفتان.
والعمل تدخل فيه الكتابة؛ فهي من جنس القول والعمل، فإذا كتب طلاق زوجته فإنها تطلق منه بالكتابة؛ لأنه عمل، وهذا قال به جمهور العلماء على أن الكتابة عمل وأنها يحصل بها الطلاق.
وإذا تكلم الزوج بالطلاق ونطق وقال: (طلقت زوجتي) بينه وبين نفسه، فهو طلاق؛ لأنه قال: [ (ما لم تتكلم) ] والكلام قد حصل، وسواءً سمعت الزوجة أو لم تسمع، وإسماعُها ليس بلازم.
الذين تقدموا مر ذكرهم، وزرارة بن أوفى ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا أبو كامل قال: حدثنا عبد الواحد وخالد الطحان المعنى كلهم عن خالد عن أبي تميمة الهجيمي أن رجلاً قال لامرأته: (يا أخية!) فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أختك هي؟!) فكره ذلك ونهى عنه ].
قوله رحمه الله: [ باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي ] يعني: أن ذلك لا يجوز؛ لأن هذا مظنة التحريم ومظنة الظهار، والشيء الذي فيه ريبة على المسلم أن يبتعد عنه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
قوله: [ (فكره ذلك ونهى عنه) ] يعني: كره أن يقول الرجل لزوجته: يا أختي، ونهى عن ذلك؛ لأن هذا اللفظ فيه احتمال أمر خطير وعظيم وهو الظهار، وهي أنها تكون كأخته فتكون حراماً عليه، فهو مظنة التحريم، فكرهه ونهى عنه.
والحديث مرسل.
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو ابن سلمة البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ ح وحدثنا أبو كامل ].
وهو: الفضيل بن حسين ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا عبد الواحد ].
عبد الواحد بن زياد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وخالد الطحان ].
خالد بن عبد الله الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ المعنى كلهم عن خالد ].
أي: روايتهم متفقة بالمعنى، كلهم يروون عن خالد ، وهو ابن مهران المشهور بـالحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي تميمة الهجيمي ].
هو: ظريف بن مجالد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو متصل مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من الصحابة [ (أنه سمع رجلاً يقول لزوجته: يا أخية! فنهاه) ] أي: فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهذا مثل الذي قبله، إذ إن فيه النهي عن مثل هذا القول ومثل هذا اللفظ، ولو قالت المرأة لزوجها: يا أخي لا يكون هذا مظنة الظهار، لكن الأولى ألا تقول هذا لزوجها، ولو قال الزوج لغير زوجته: يا أخية أو يا أختي فلا بأس.
قوله: [ حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز ].
محمد بن إبراهيم البزاز ، ثقة، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا أبو نعيم ].
أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد السلام يعني ابن حرب ].
عبد السلام بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خالد الحذاء عن أبي تميمة ].
خالد الحذاء مر ذكره، وأبو تميمة مر ذكره.
[ عن رجل من قومه ].
قيل: هو أبو جري الهجيمي ، واسمه: جابر بن سليم أو سليم بن جابر ، فهو مختَلفٌ في اسمه، وهو صحابي ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي .
وفي هذا الإسناد ذكر الواسطة، وهناك في الإسناد السابق أرسل، والواسطة رجل من قومه، وهو من الصحابة.
وهذه طريق أخرى مرسلة: عبد العزيز بن المختار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
هو خالد الحذاء.
[ عن أبي عثمان ].
هو: عبد الرحمن بن مُل أو مَل أو مِل النهدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
فهو هنا رواه أبو عثمان النهدي .
[ ورواه شعبة عن خالد عن رجل عن أبي تميمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
وهنا يوجد إبهام، ويحتمَل أن يكون هو أبو عثمان النهدي هذا.
و شعبة هو: شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ (إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكذب إلا ثلاث كذبات)] وكل هذا الثلاث فيها تورية، وفيها مجال لمعانٍ أخرى غير أن يكون الإنسان كاذباً؛ ولكن في الظاهر حسب ما يفهم السامع هي كذب، ولكنه في الحقيقة ليس بكذب.
قوله: [ (ثنتان في ذات الله عز وجل: إحداهما: قوله: إِنِّي سَقِيْمٌ [الصافات:89]) ] يعني: أنه مريض، فيه سقم، وقيل: هذا محمول على أن قلبه فيه تألم وفيه تعب من فعلهم وصنيعهم وكونهم يعبدون الأوثان، فقلبه فيه السقم، من جهة التعب والتألم، وهو حقيقة، وكونه مريض أو متعب أو لا يستطيع الذهاب، هذا احتمال، وهذا هو الذي فهموه، وفيه معنىً آخر وهو أن قلبه سقيم متألم متأثر لصنيعهم ولفعلهم وكونهم يعبدون الأوثان ويعبدون هذه الأحجار التي لا تملك شيئاً لنفسها فضلاً عن غيرها.
قوله: [ (وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63]) ] وهذا من باب الإلزام في المناظرة، يعني: إذا كان هذا معبودكم وأنتم ترجون منه النفع فإذاً: هو الذي فعل هذا، أي إذا كان كذلك فهو الذي فعل هذا، وهو لا يفعل هذا؛ لأنه جماد، ولا يدفع الضر عن نفسه ولا عن غيره، ولا يفيد نفسه ولا يفيد غيره.
قوله: [ (في ذات الله عز وجل) ] أي من أجل الله جل وعلا، وحتى الثالثة فهي من أجل الله عز وجل؛ لأنها لدفع الضرر عن زوجته، وهي في ذات الله؛ ولكن لما كانت الثنتان متمحضتين في أن ذلك لله وأما هذه ففيها شيء من حظ النفس وفيها شيء يتعلق بمصلحته وفائدته لكونها زوجته؛ قال عن الاثنتين أنهما [ (في ذات الله) ] وإن كانت الثلاث كلها في ذات الله من جهة أنه يريد بالثالثة أن يحمي زوجته وأن يحفظ زوجته وأن يدافع عن زوجته وأن يخلص زوجته من أن يقع لها شر أو بلاء، فهذه في ذات الله عز وجل، وهذه كلها تورية.
قوله: [ (إن هذا سألني عنك فأنبأته أنك أختي، وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك، وإنك أختي في كتاب الله)]، لعل المقصود بذلك في ذلك المكان، وإلا فإنه في غير ذلك المكان يوجد مسلمون كثير، ومنهم لوط، كما قال تعالى: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت:26] وكان في زمانه، فيحمل على أنه في ذلك المكان ليس هناك مسلم سواه وإياها.
والمقصود أن قوله: [ (إنها أختي) ] فيه التورية للتخلص من الشر الذي قد يحصل له، والتورية عند الحاجة إليها سائغة.
وهذا يأتي كثيراً في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يمزح صلى الله عليه وسلم ولا يقول في مزحه إلا حقاً، ومن ذلك قصة المرأة التي قال لها: [ (لا يدخل الجنة عجوز) ]، فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أنها لا تدخل الجنة وهي عجوز، وإنما تدخل وقد عاد إليها شبابها، وهي فهمت أنها لا تدخل الجنة، فتألمت، ثم بعد ذلك بيَّن أنهن يدخلن وهن شابات، فهذه تورية.
والجمع بين هذا الحديث والذي قبله: أن هذا للضرورة، وهو تورية وليس فيه احتمال بالمعنى الباطل، وهو ما قاله إلا للحاجة، ما قاله اختياراً وإنما قاله مضطراً، ولهذا قال لها ما أراد؛ لأنه شيء جديد وليس بشيء مألوف عنده أنه يخاطبها ويقول لها: يا أختي، أو يتكلم معها بـ(أختي)، ما قال إلا هذه المرة، ومع ذلك بيّن لها.
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـالزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الوهاب ].
هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا هشام ].
هو هشام بن حسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد ].
هو: ابن سيرين ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
ذكر المصنف طريقاً أخرى معلقة رواها شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزناد ].
وهو عبد الله بن ذكوان المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعرج ].
وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
الجواب: قوله: [ (في ذات الله) ] يعني: من أجل الله، والذات يقولون عنها: هي ذات كذا وذات كذا، أي: أن الذات هي التي توصف بالصفات، ويقولون في قواعد أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات فكما أن لله ذاتاً لا تشبه الذوات فله صفات تتصف بها ذاته لا تشبه الصفات.
فقوله: [ (في ذات الله) ] يعني: من أجل الله.
الجواب: هي سائغة؛ لأن الصفات توصف بها الذات؛ ولكن أصلها أنهم يقولون: ذات كذا وذات كذا، فقيل: الذات، (الألف واللام) عوض عن المضاف إليه.
وليس معنى ذات الله: الذات، وإنما تضاف إليها الصفات مثل أن نقول: ذات علم.. ذات سمع.. ذات بصر.. ذات كذا. وقول الصحابي خبيب: (وذلك في ذات الإله) من جنس ( في ذات الله) الذي في الحديث، أي: من أجل الله، وإطلاقها سائغ بهذا المعنى، والمقصود بها الذات التي توصف بالصفات دون الصفات التي هي مضافة إليها؛ لأن وجود ذات مجردة من جميع الصفات غير ممكن إطلاقاً.
الجواب: لعل السبب في هذا أن الجبار يغار من إبراهيم لأن عنده زوجة أحسن من زوجته.
الجواب: أي نعم، يُصلى ويُسلم على الأنبياء، لكن كونه يلزم ذلك مثلما يكون للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ما نعلم شيئاً يدل عليه؛ لكن يُصلى ويُسلم على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
الجواب: التورية: هي نفس المعاريض، وفي الأثر: ( إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) والمعاريض هي نفس التورية.
الجواب: لا، التقية قد تكون تورية من أجل التقية، ومن أجل أن يتقي شراً.
الجواب: لا يصلح، بل تستعمل للحاجة، أما بدون حاجة فلا يصلح استعمالها.
الجواب: هذا لا يصلح، فأمهات المؤمنين هُن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم.
الجواب: لا يكون مظاهراً؛ ولكن الأولى أن اللفظ المحتمِل يُترك، وإلا هو لا يكون مظاهراً بمجرد أنه يقول هذا الكلام؛ لكن لأنهم قالوا: هذا مظنة التعريض، واللفظ الذي فيه احتمال يُبتعد عنه؛ لكن مجرد قوله هذا لا يصيره مظاهراً وهو يريد التوقير.
ومن التورية التي لا تحتمل معنى خاطئاً ما جاء في الصحيح في قصة أم سليم مع أبي طلحة في الولد الذي مات، وجاء أبوه وسأل عنه فقالت: إنه أسكن ما كان، وتقصد أنه مات، ولكنها أظهرت له كلاماً فهم منه أنه مستريح وأن حالته أحسن، وهي مورِّية بهذا، فما قالت له كذباً، وإنما قالت كلاماً يفهم منه المخاطب شيئاً وهي تريد شيئاً آخر، أي: كان ثائر النفَس فسكن، ففهم منها أنه هدأ، وهي تقصد أنه انقطع نفَسُه بالموت، فهذه هي التورية.
وفيما يتعلق بالألفاظ المحتمِلة جاء في القرآن النهي عن ذلك كقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا [البقرة:104]؛ لأن لفظ (راعنا) فيه إشكال وفيه احتمال أمر آخر ليس طيباً، فالأولى أن يُترك ويُعدل إلى لفظ لا يحتمِل.
الجواب: ما دام الشخص الذي يضاف إليه الكلام هو حدث، ثم نفى ذلك عن نفسه، فإن الطريق واحد والنتيجة واحدة؛ لكن العلة التي ليس فيها إشكال كونه مقبولاً.
الجواب: لا يجوز اشتراط هذا، فهو شرط باطل، أما قوله: (أمرك بيدكِ) فهذا يكون بنية طلاق، وليس معناه أن العصمة تكون بيد المرأة.
الجواب: هذا ليس فيه تصريح بشيء من كلامه، وإنما تفويضها وإعطاؤها هذا الحق لتختار نفسها عند التخيير أو (أمركِ بيدكِ) أنها تختار الخلاص منه، فهذا كما هو معلوم من التفويض وجعل الأمر إلى الغير.
الجواب: كثير من العلماء قال هذا كما ذكره صاحب عون المعبود، وبعضهم قال: إن لها الخيار إلى أن يطأها أو يحصل طلاق أو فسخ، دون أن يحصل منها تنفيذ ما جُعل إليها؛ ولكن قال في عون المعبود: أكثر العلماء على أن هذا الحق لها في المجلس، وليس شيئاً مستمراً دائماً وأبداً.
الجواب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه من اسمه عبد المطلب ولم يغير اسمه، كما هو الحال في بعض قرابته، فإن فيهم من اسمه عبد المطلب فلم يغيره اسمه وغير الأسماء التي كانت معبدة لغير الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر