حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي حدثني معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام) ].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب إذا أغمي الشهر، أي: إذا كان هناك غيم أو قتر يحول دون رؤيته، فالذي ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إن لم يرُ هلال رمضان فتكمل عدة شعبان ثلاثين، وإن كانت العدة لرمضان فيكمل رمضان ثلاثين، وإن رئي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان أصبح الناس صائمين، ويكون ذلك أول يوم من رمضان، وإذا رئي هلال شوال ليلة الثلاثين من رمضان أصبح الناس مفطرين، وهذا هو الحكم الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره) يعني: أنه كان يجتهد ويعتني بمعرفة دخوله ما لا يعتني بغيره من الشهور الأخرى التي ليست كرمضان أو ذي الحجة؛ لأن ذا الحجة يعتنى بمعرفته من أجل الحج، ورمضان يعتنى بمعرفته من أجل الصيام، ولكن شهر شعبان كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني فيه بمعرفة دخوله؛ من أجل أن يحسب الحساب حتى يعرف يوم الثلاثين، فإذا ثبت دخول شعبان في ليلة معينة فإنه سيبحث عن هلال رمضان في ليلة الثلاثين. فقوله: (يتحفظ) أي: أنه يعتني ويحرص ويجتهد لمعرفة وثبوت دخوله من أجل العدة والحساب؛ لأنه إذا لم يعرف دخول الشهر فلن يعرف الحساب، ولن يعرف الثلاثين، ولكن إذا عُرف أنه دخل في الليلة الفلانية فإن الناس يعدون إلى التسعة والعشرين، وإذا جاءت ليلة الثلاثين بحثوا عن الهلال فيها، فإن رأوه أصبحوا صائمين وإلا أكملوا العدة.
وقوله: (ثم يصوم لرؤية رمضان) يعني: إذا رؤي ليلة الثلاثين من شعبان وثبت دخول الشهر صارت من رمضان وليست من شعبان، ويصير شعبان تسعة وعشرين.
وقوله: (فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام) يعني: إن غم هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان وكان الهلال لا يرى من الغيم والقتر فتكمل العدة ثلاثين، ثم بعد ذلك يصبح الإنسان صائماً بعد الثلاثين؛ لأنه لم يثبت هلال شعبان، فإذا جاءت ليلة الثلاثين من شعبان يبحث عن الهلال إن كان الجو صحواً فإن رؤي وإلا أكملوا العدة، وإن كان غيماً ولا مجال للبحث عن الهلال فإنهم يكملون العدة كما لو كان صحواً ولم يروه، وعلى هذا فالاجتهاد والعناية تكون بدخول شعبان؛ من أجل الحساب لرمضان حتى تعرف ليلة الثلاثين، فإذا دخل -مثلاً- في يوم الجمعة فتصير الجمعة تسعة وعشرين؛ لأن الشهر إذا دخل في يوم ينخصم به إذا كان ناقصاً غير كامل فاليوم الذي يدخل فيه الشهر يوافق ثمانية من الشهر، ويوافق خمسة عشر من الشهر، ويوافق اثنين وعشرين من الشهر، ويوافق تسعة وعشرين من الشهر، فإذا دخل الشهر في يوم الجمعة يبحث عن الهلال ليلة السبت، ولا يبحث عنه ليلة الجمعة؛ لأن الجمعة تعتبر تسعة وعشرين، ولكن ليلة السبت هي ليلة الثلاثين، فيبحث عن الهلال إن كان صحواً، وإذا لم يوجد أصبح الناس مفطرين؛ لأنه لم يرُ الهلال، وإن كان غيم فإنهم يكملون العدة.
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي ].
عبد الرحمن بن مهدي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني معاوية بن صالح ].
هو معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن أبي قيس ].
عبد الله بن أبي قيس ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[ قال: سمعت عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه: (لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة).
وقوله: (حتى تروا الهلال) يعني: لا تتقدموه بصيام حتى تكملوا عدة شعبان ثلاثين ليلة، وبعد ذلك يجب أن تصبحوا صائمين بعد إكمال الثلاثين؛ لأنه إذا ثبت دخول شعبان في ليلة وكملت الثلاثين فبعدها يكون الصيام؛ لأن الشهر لا يزيد عن ثلاثين ولا ينقص عن تسعة وعشرين.
قوله: (أو تروا الهلال) يعني: قبل إكمال العدة ثلاثين، فإذا مضت تسعة وعشرون ورأيتم الهلال في ليلة تسعة وعشرين فصوموا، ويصير شهر شعبان ناقصاً وليس بكامل، وإن لم تروا الهلال فتكملون العدة ولا تسبقون شهر رمضان بصيام من أجل الاحتياط لرمضان، فليس لكم ذلك، بل تكملون العدة أو ترون الهلال ليلة الثلاثين.
وقوله: (ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة) يعني: إذا كملت عدة شعبان ثلاثين صمتم اليوم الذي بعد الثلاثين، أو رؤي الهلال ليلة ثلاثين صمتم ذلك اليوم وصار شعبان تسعة وعشرين، ثم بعد ذلك تحسبون من هذا اليوم الذي دخل فيه رمضان، فلا تفطروا حتى تكملوا العدة أو تروا الهلال؛ فإن كملت العدة لأنكم لم تروا الهلال فأفطروا بعد يوم ثلاثين، وإن رؤي الهلال ليلة الثلاثين فمعنى ذلك أن شهر رمضان صار تسعة وعشرين فتصبحون مفطرين.
فالكلام الذي يقال في نهاية شهر رمضان كالكلام الذي يقال في نهاية شهر شعبان، إلا أن شهر شعبان نهي عن تقدم الصيام فيه من أجل رمضان، فالصيام يكون للرؤية أو لإكمال العدة، والإفطار يكون لإكمال العدة أو للرؤية.
محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبي ].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور بن المعتمر ].
هو منصور بن المعتمر الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ربعي بن حراش ].
ربعي بن حراش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حذيفة ].
حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، هو صحابي بن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
ذكر أبو داود للحديث إسناداً آخر معلقاً، وقال: إن ربعي قال: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم حذيفة ، يعني: كالإسناد الأول، ولكنه لم يسم حذيفة ، وعدم تسميته له لا يؤثر؛ لأنه ما دام قيل: إنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسواءً عرف أو لم يعرف فلا يضر، وقد يكون حذيفة ؛ لأنه هو الذي جاء في الإسناد، فيكون أبهمه في موضع وسماه في موضع، ولا يعتبر هذا من قبيل المرسل، وإنما هو من قبيل المتصل، ولكنه في الإسناد الأول ذكر الصحابي باسمه وفي الإسناد الثاني لم يذكره، ولكنه ذكر أنه من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، والجهالة في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لا تؤثر، فإن كان المقصود به حذيفة فالإسنادان صحابيهما واحد، وإن كان صحابياً آخر فيكون حديثاً آخر.
وقوله: [ قال أبو داود : ورواه سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ثقة فقيه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور ].
منصور قد مر ذكره.
[ عن ربعي ].
ربعي قد مر ذكره.
حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا حسين عن زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم، ولا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه، فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين، ثم أفطروا والشهر تسع وعشرون) ].
أورد أبو داود باب من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين، يعني: إذا غم عليكم هلال شوال فصوموا ثلاثين، أي: أكملوا عدة رمضان، وهذا معناه: أنه في حال الغيم والقترة في ليلة الثلاثين فالناس يكملون العدة ويعتبر الشهر ثلاثين ليلة.
وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (لا تتقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم) يعني: إذا كان من عادة الإنسان أنه يصوم يوماً ويفطر يوماً ثم صادف أن اليوم الذي يصومه هو يوم الثلاثين فله أن يصوم، فإن كان من عادته أن يصوم الخميس أو الإثنين وكان الخميس يوم ثلاثين فله أن يصوم؛ لأن هذا شيء لا علاقة له بالاحتياط للشهر، وإنما هذا شيء معتاد ومستمر عليه، فهو يصوم الإثنين والخميس من كل شهر، فوافق أن يوم الثلاثين أو يوم التسعة والعشرين كان يوم الإثنين أو الخميس فإنه يصوم ذلك اليوم؛ لأن هذا شيء قد اعتاده وواظب عليه.
وقوله: (ولا تصوموا حتى تروه) أي: لا تصوموا رمضان حتى تروا هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان أو تكملوا العدة، كما سبق أن ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحفظ لشعبان ثم يكمل العدة إلا أن يرى الهلال قبل إكمال العدة.
وقوله: (ثم صوموا حتى تروه) أي: ثم صوموا بعد ثبوت دخول شهر رمضان ليلة الثلاثين من شعبان، أو أكملوا عدة شعبان؛ فإذا لم تروا الهلال أو غم عليكم الهلال ليلة الثلاثين فابدءوا بالصيام، ثم واصلوا إلى ليلة الثلاثين، فإن رؤي الهلال ليلة الثلاثين من رمضان فأفطروا، وإن لم ير فأكملوا العدة ثلاثين ثم أصبحوا مفطرين.
وقوله: (فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين ثم أفطروا)، وهذا بالنسبة لآخر شهر رمضان، فإن غم هلال شوال بأن حصل سحاب أو غيم غطى وحجب الهلال فإنكم تكملون العدة ثلاثين، ثم تصبحون مفطرين.
وقوله: (والشهر تسع وعشرون) يعني: في بعض الأحوال وليس دائماً، فقد يكون تسعة وعشرين وقد يكون ثلاثين.
ذكر أبو داود الحديث من طرق أخرى، وهو بمعنى الحديث المتقدم، لم يقولوا: (فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين ثم أفطروا).
يعني: أن كلمة: (ثم أفطروا) لم تأت في الرواية الثانية، فهو يكون الصيام في أول الشهر، ويكون الإفطار في آخر الشهر، أي: أفطروا لهلال شوال وصوموا لهلال رمضان، ومعنى هذا: أن ذكر الإفطار الذي يعتبر في نهاية الشهر لم يأت في الرواية الثانية، وعلى هذا فإن النتيجة بالنسبة لأول الشهر وآخر الشهر تكون واحدة وهي: أنه يكون الصيام ويكون الإفطار، فإن رؤي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان صام الناس، وإن لم يروه أكملوا العدة وصاموا بعد ذلك، فدخول شهر رمضان يكون إما برؤية الناس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، ويكون شعبان ناقصاً، أو أنهم لم يروا الهلال وأكملوا العدة وصاموا بعد إكمال الثلاثين، وبعد ذلك يفطرون إذا رأوا الهلال ليلة الثلاثين، وإن غم عليهم أكملوا العدة ثلاثين ثم أفطروا.
قوله: [ رواه حاتم بن أبي صغيرة ].
حاتم بن أبي صغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وشعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ والحسن بن صالح ].
هو الحسن بن صالح بن صالح بن حي ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن سماك بمعناه ].
سماك مر ذكره.
[ قال أبو داود : وهو حاتم بن مسلم بن أبي صغيرة ، وأبو صغيرة زوج أمه ].
هذا تعريف لـحاتم الذي ذكر بكنية أبيه في قوله: ابن أبي صغيرة ، وهنا قال: إنه ابن مسلم وأبو صغيرة زوج أمه.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، وسعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن عمران بن حصين : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هل صمت من شهر شعبان شيئاً؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يوماً)، وقال أحدهما: (يومين) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في التقدم، يعني: تقدم رمضان بالصيام، وهذه الترجمة تخالف ما تقدم من أنه لا يتقدم رمضان بيوم أو يومين، فذلك فيه نهي وهذا فيه الجواز، والتوفيق بين ما مضى وبين ما هنا أن ذلك التقدم إنما يكون في حق من كان ناذراً صيام آخر الشهر، أو كانت له عادة، كمن يصوم يوماً ويفطر يوماً، أو يصوم يوم الإثنين والخميس، فإنه يصوم عادته التي هو مستمر عليها، وليس صيامه من أجل الاحتياط في رمضان.
وقوله: (فصم يوماً أو يومين) جاء في بعض الروايات أنه قال: (من سرر الشهر)، وسرر الشهر هو: آخره، وبهذا تتضح المخالفة لما تقدم، وإلا لو كان أي يوم من شعبان من أوله أو من وسطه فهذا ليس فيه إشكال، وإنما الإشكال في آخره، فقد جاء في بعض الروايات التنصيص على سرر الشهر، وسرر الشهر هو: آخر الشهر على القول الصحيح، فيحمل هذا على من كانت له عادة وترك تلك العادة ظناً أن ذلك لا يصلح ولا يجوز؛ فإنه يستمر على عادته ويقضي ذلك الذي فاته أو ذلك الذي تركه ظناً منه أنه لا يصام ما دام أن فيه تقدماً لرمضان بيوم أو يومين، ويأتي بدل ذلك الذي تركه وهو معتاده أو أنه ناذر له وظن أنه لا يجوز فإن عليه أن يأتي بقضائه في شوال.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وفي الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا ثابت ].
هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مطرف ].
هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمران بن حصين ].
عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ وسعيد الجريري ].
هو سعيد بن إياس الجريري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي العلاء ].
هو أبو العلاء بن يزيد بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مطرف عن عمران بن حصين ].
مطرف وعمران بن حصين مر ذكرهما.
وسعيد الجريري إذا كان معطوفاً على ثابت فالإسناد الثاني أنزل، وإذا كان معطوفاً على حماد فهما مستويان.
أورد أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه: (أنه قام في الناس في دير مسحل الذي على باب حمص) وهذا مكان خاطب الناس وحدثهم فيه، وقال: (أيها الناس! إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا وأنا متقدم بالصيام)، يعني: هلال شعبان، وقوله: (يوم كذا وكذا وإني متقدم بالصيام) يعني: في نهاية شعبان، وهذا فيه ما دلت عليه الترجمة من التقدم، وهذا فيه مخالفة لما سبق أن مر من النهي عن التقدم.
وقوله: (إنّا رأينا الهلال يوم كذا وكذا) يعني: هلال شعبان، وهذا فيه أنهم كانوا يحسبون الحساب من أول الشهر.
وقوله: (وإني متقدم) يعني: متقدم بالصيام قبل رمضان.
قوله: (فمن أحب أن يفعله فليفعله) يعني: من أحب أن يصوم مثل ما أصوم فليفعل ذلك، فقال له مالك بن هبيرة السبئي : أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من رأيك؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوموا الشهر وسره).
قيل: إن المقصود بقوله: (الشهر) يعني: أول الشهر؛ لأنه يطلق على الهلال شهر، وهذا معناه: أنهم يصومون أول شعبان.
وقوله: (وسره) فسر بأنه آخره، وقد جاء التفسير بأنه وسطه، وجاء التفسير بأنه أوله، ولكن الصحيح أن المقصود بالسر أو السرر: آخر الشهر، فيقال لآخره: السرر، ويقال له: السر، ويقال للأيام الأخيرة من الشهر: أيام الاستسرار؛ لأن القمر يستسر فيها، أي: يختفي فيها، ويقال للأيام التي في وسط الشهر: ليالي الإبدار، وهي ليالي أيام البيض؛ لأن القمر يكون فيها بدراً متكاملاً، وفي آخر الشهر يختفي ويستسر، وغالباً ما يكون الكسوف للقمر في ليالي الإبدار، ويكون كسوف الشمس في آخر الشهر في أيام الاستسرار، وقد يكون في غير ذلك لكن هذا هو الغالب، وأيام الاستسرار هي الأيام التي في آخر الشهر: يوم (28، 29، 30)، وليالي الإبدار هي: (13، 14، 15) وهي أيام البيض، وقيل لها أيام البيض لأن لياليها بيض، فإن إضاءة القمر فيها واضحة وعامة.
قول معاوية رضي الله عنه: (صوموا الشهر وسره) أي: أول الشهر وآخره، لكن كما هو معلوم أن النهي قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في التقدم، وهذا فيه التجويز، وقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بعض الأحاديث لرجل: (صمت من سرر الشهر؟ قال: لا، قال: صم من شوال)، ويكون ذلك -كما أسلفنا- محمولاً على ما إذا كان من عادته ثم تركه خشية أنه لا يجوز.
وحديث معاوية رضي الله عنه هذا ذكر الألباني أنه ذكره في ضعيف سنن أبي داود ، ولكنه ذكر في (صحيح الجامع) أنه حسن، وعزاه إلى صحيح سنن أبي داود ، وذكر أنه صحيح، ففيه تناقض بين ما جاء في ضعيف السنن الموجود بأيدينا وبين ما في (صحيح الجامع) وإحالته إلى صحيح أبي داود ، ولعله يقصد بصحيح أبي داود المؤلف الكبير الذي فيه استيفاء التخريج والطرق والشواهد، وهو بخلاف هذه الطبعة الموجودة التي ليس فيها إلا مجرد الإشارة إلى أن هذا صحيح أو ضعيف، فإن كان ضعيفاً فلا إشكال، ولا يعارض ما تقدم، وإن كان صحيحاً فهو مثل ما جاء في قصة الرجل الذي قال: (صمت من سرر شعبان قال: لا، قال: فإذا أفطرت رمضان فصم يومين)، ويكون ذلك محمولاً على من كان له عادة، وهذا حتى يتفق مع الأحاديث التي فيها النهي عن التقدم.
ثم أيضاً لو لم يكن هناك هذا فإن الاحتياط هو عدم الصيام؛ لأن الأخذ بالنهي أولى من الأخذ بالرخصة والإذن، فالإنسان إذا لم يصم أكثر ما في الأمر أنه ترك سنة ولم يترك واجباً، فلا يلحقه إثم، ولكنه إذا صام وقد جاء النهي فإنه يكون متعرضاً للإثم، فعلى الإنسان ألا يتعرض للإثم في سبيل أن يفعل شيئاً هو سنة، وقد جاء عن عمار أنه قال: (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) يعني: في قوله: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين).
إبراهيم بن العلاء الزبيدي مستقيم الحديث إلا في حديث واحد، أخرج حديثه أبو داود .
[ حدثنا الوليد بن مسلم ].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الله بن العلاء ].
عبد الله بن العلاء أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن أبي الأزهر المغيرة بن فروة ].
أبو الأزهر المغيرة بن فروة مقبول، أخرج له أبو داود .
[ قال: قام معاوية ].
هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أمير المؤمنين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
لما ذكر الحديث السابق الذي فيه أن معاوية رضي الله عنه قال: (صوموا الشهر وسره) ذكر أثراً عن الأوزاعي أنه قال: (سر الشهر: أوله)، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه يكون مكرراً مع قوله: (صوموا الشهر وسره)؛ لأن المقصود بالشهر أوله، فيكون قوله: (صوموا الشهر وسره) مكرراً، فالتفسير هذا غير صحيح.
قوله: [ حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ].
سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ قال: قال الوليد ].
الوليد قد مر ذكره.
[ سمعت أبا عمرو يعني: الأوزاعي ].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ذكر المصنف أثراً آخراً عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي أنه قال: سره: أوله، وهو مثل ما تقدم عن الأوزاعي .
قوله: [ حدثنا أحمد بن عبد الواحد ].
أحمد بن عبد الواحد صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا أبو مسهر ].
أبو مسهر هو عبد الأعلى بن مسهر ، وقد وافقت كنيته اسم أبيه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: كان سعيد يعني: ابن عبد العزيز ].
سعيد بن عبد العزيز الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد)، ومسلم وأصحاب السنن.
يعني: إنه فسر بهذا وبهذا، ولكن الأقرب: أن السر هو الآخر، وهو السَّرر والاستسرار، وكلها تكون في الآخر، وإن كان في وسط الشهر فهي أيام البيض، وهي -كما هو معلوم- في وسط الشهر، وقد جاء في بعض الروايات: (سرّة الشهر)، والسرة هي الوسط.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر