حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحابه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يفطر من قاء، ولا من احتلم، ولا من احتجم) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى:
باب في الصائم يحتلم نهاراً في شهر رمضان.
الاحتلام : هو ما يحصل في النوم من استمتاع يخرج بسببه ماء فيجب معه الغسل، وهو ليس داخلاً تحت اختيار الإنسان، وليس مكلفاً فيه؛ لأن هذا خارج عن إرادته، ولا شأن له فيه؛ ولهذا فإنه لا دخل له في الصيام ولا يؤثر فيه؛ لأنه ما فعل شيئاً يوجب الإفطار، وإنما هذا شيء خارج عن إرادته فلا تأثير له على صيامه.
قوله: [ (لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم) ].
محل الشاهد منه قوله: (احتلم) وأما: (قاء) ففيه تفصيل، فإن كان قيؤه عن إرادته ومشيئته فإنه يفطر، وإن ذرعه القيء وليس له دخل فيه فإنه لا يفطر، وأما: (من احتجم) فقد سبق أن عرفنا الخلاف في ذلك، وأن القول الصحيح هو أنه يحصل به الإفطار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم)
محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ].
سفيان هو الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زيد بن أسلم ].
زيد بن أسلم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن رجل من أصحابه ].
وهذا مبهم، وهذا هو سبب ضعف الحديث، فالحديث ضعيف؛ لأن فيه رجلاً مبهماً، والمبهم غير معروف، فلا يكون الإسناد صحيحاً، ولا يكون الحديث صحيحاً؛ لوجود هذا الضعف الذي فيه، وهو ذكر الرجل المبهم، بل لو عرف وسمي وجهلت حاله فإنه لا يحتج به، وهنا غير مذكور الاسم ولا يعرف من هو.
[ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ].
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تؤثر فيهم الجهالة، وإنما تؤثر في غيرهم؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم رضي الله عنهم وأرضاهم، وأما غيرهم فلابد من معرفة حاله ومعرفة ثقته وعدالته أو ضعفه أو أنه يحتج به أو لا يحتج به، وأما الصحابة رضي الله عنهم فكلهم عدول، والمجهول فيهم في حكم المعلوم.
حدثنا النفيلي حدثنا علي بن ثابت حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: ليتقه الصائم) ].
أورد أبو داود باباً في الاكتحال فقال: باب في الكحل عند النوم للصائم.
والاكتحال عند النوم ليس فيه إشكال؛ لأن اكتحال الإنسان عندما ينام في الليل ليس واقعاً في وقت الصيام، ولكن الكلام في الاكتحال في الصيام، ولا بأس به، والحديث الذي ورد في هذا ضعيف لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيه رجل مجهول، فالاكتحال سائغ وجائز، ولا بأس به، وقد جاء عن بعض الصحابة أنهم لا يرون بذلك بأساً، وليس هناك شيء يدل على المنع منه، وعلى أنه يحصل به الإفطار، فالصحيح أنه لا يحصل به إفطار وأنه لا مانع منه.
النفيلي : عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا علي بن ثابت ].
علي بن ثابت ، وهو صدوق ربما أخطأ أخرج له أبو داود والترمذي .
[ حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة ].
عبد الرحمن بن النعمان بن معبد ، وهو صدوق ربما غلط، أخرج له أبو داود .
[ عن أبيه ].
وهو مجهول أخرج له أبو داود .
[ عن جده ].
جده معبد (صحابي) رضي الله عنه وهو صحابي أخرج له أبو داود .
[ قال أبو داود : قال لي يحيى بن معين : هو حديث منكر، يعني: حديث الكحل ].
وهذا تضعيف للحديث.
أورد أبو داود هذا الأثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه كان يكتحل وهو صائم، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ممن فعل ذلك وهو صائم، أي: أنه لم ير بالكحل بأساً في حق الصائم، وأن للإنسان أن يكتحل وهو صائم، ولا يؤثر ذلك على صومه.
وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .
[ أخبرنا أبو معاوية ].
هو: محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عتبة أبي معاذ ].
عتبة أبي معاذ ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ].
عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس بن مالك ].
أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود عن الأعمش أنه قال: ما علمت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم، يعني: أنه لا بأس به، وكان إبراهيم -يعني: النخعي - يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر.
فهذه كلها آثار عن بعض الصحابة والتابعين، لأن الأعمش من صغار التابعين، وهو يقول: ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل، يعني: فكأن هذا شيء مشهور ومعروف عندهم، وأن كثيرين يرون أنه لا بأس بالكحل للصائم، وإبراهيم النخعي هو من الفقهاء المعروفين.
محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .
[ ويحيى بن موسى البلخي ].
يحيى بن موسى البلخي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا يحيى بن عيسى ].
يحيى بن عيسى ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن الأعمش ].
الأعمش هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
و إبراهيم هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقض) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب الصائم يستقيئ عامداً.
يعني: ما حكم ذلك؟
والحكم أن عليه القضاء، وأما إذا كان غير عامد فإنه لا قضاء عليه؛ لأن هذا شيء خارج عن إرادته، فما كان بفعله وكسبه وإرادته ومشيئته فإنه يكون مؤثراً ويكون قد أفطر به، وإذا كان من غير اختياره ومشيئته بل حصل من غير قصده، فإنه ليس عليه قضاء.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه) يعني: من حصل له القيء من غير فعله ولا تسببه فإنه لا قضاء عليه؛ لأن هذا خارج عن إرادته.
قوله: [ (وإن استقاء فليقض) ].
يعني: طلب القيء، فالألف والسين والتاء تدل على الطلب، فمعناه: أنه طلب القيء وعالجه وجذبه، فإنه عليه القضاء، وهذا من الأدلة الدالة على أن الإفطار يكون بما يخرج -مثلما مر بنا في الحجامة- كما أنه يكون بما يدخل، وهذا من الإفطار بما يخرج؛ لأن القيء خروج من الفم، فمتعمده يكون عليه القضاء.
مسدد بن مسرهد البصري ، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا عيسى بن يونس ].
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام بن حسان ].
هشام بن حسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن سيرين ].
محمد بن سيرين ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة : عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
[ قال أبو داود : رواه أيضاً حفص بن غياث عن هشام مثله ].
حفص بن غياث ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهشام هو هشام بن حسان [ مثله ] يعني: مثل الذي تقدم.
أورد أبو داود حديث أبي الدرداء وحديث ثوبان رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر) يعني: بسبب القيء والمقصود بذلك التعمد؛ لأنه سبق أنه قال: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء) وهنا قال: إنه قاء، يعني: يمكن أن فعله لأمر احتاج إلى دفعه، أو جعله يفعل ذلك، فأفطر بسبب القيء؛ لأنه فعل ذلك عمداً، ولا يحمل على أنه حصل من غير اختياره؛ لأنه سبق أن جاء النص عنه صلى الله عليه وسلم، بأن من ذرعه القيء فإنه لا قضاء عليه، وإنما الكلام في كونه متعمداً ومقصوداً، وذلك لحاجة ولأمر دعاه أن يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم وهو يدل على حصول الإفطار بالقيء، إذا تعمد الإنسان ذلك، والترجمة التي عقدها المصنف هي في فعل ذلك عامداً، فأورد الحديث من فعله، وأورد حديثاً آخر من قوله، وأن القيء عمداً يحصل به الإفطار.
قوله: [ فلقيت ثوبان ].
معنى هذا أنه حدث عن أبي الدرداء وعن ثوبان ، فهو عن صحابيين، هما أبو الدرداء وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وأنا صببت عليه وضوءه).
وهذا الحديث فيه الإشارة إلى نقض الوضوء بالقيء، قال: (وأنا صببت عليه وضوءه) يعني: بسبب القيء.
أبو معمر : هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الوارث ].
عبد الوراث بن سعيد العنبري ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الحسين ].
الحسين بن ذكوان المعلم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى ].
يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ].
عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يعيش بن الوليد بن هشام ].
يعيش بن الوليد بن هشام ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ أن أباه حدثه ].
أبو: ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ قال: حدثني معدان بن طلحة ].
معدان بن طلحة ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي الدرداء ].
عويمر بن زيد ، واختلف في اسم أبيه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وعن ثوبان أيضاً، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملك لإربه) ].
أورد أبو داود باب القبلة للصائم، يعني: أنها سائغة وجائزة ولا بأس بها، ولكن الإنسان إذا كان يعلم أن التقبيل يؤدي إلى أنه ينزل فإنه يجب عليه أن يبتعد عنه، وأما إذا كان يعلم أنها لا تؤثر عليه، وأنها لا تجعله ينزل فإن ذلك سائغ وجائز، ولو حصل مذي فإن المذي لا يؤثر، وإنما يؤثر خروج المني، والمسألة تتبع كون الإنسان يعلم من نفسه أنه لا يترتب على ذلك إنزال، فلا بأس بها، وإذا كان يعلم أنه يترتب على ذلك الإنزال فإنه لا يجوز له.
وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أنه كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، وكان أملك لإربه) صلى الله عليه وسلم.
قولها: [ (أملك لإربه) ] فيه إشارة إلى أن الإنسان الذي لا يملك إربه وهو الذي يحصل منه إنزال بسبب التقبيل أو اللمس الذي هو المباشرة، فليس له أن يفعل ذلك، وإذا كان يعلم من نفسه أنه لا يؤثر ذلك عليه فلا بأس بها.
قولها: [ (ويباشر وهو صائم) ] المقصود بذلك اللمس، يعني: أن تمس البشرة البشرة، فهذا يقال له: المباشرة.
مسدد وأبو معاوية مر ذكرهما.
[ عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة ].
الأعمش وإبراهيم مر ذكرهما، والأسود : هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعلقمة هو ابن قيس ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أنه كان يقبل في شهر الصوم) وهذا فيه التنصيص على أن ذلك في الفرض، والحديث الأول يدل على العموم يعني: يشمل الفرض والنفل، ولكن هذا فيه تنصيص على الفرض، ولو لم يأت التنصيص على الفرض فإن اللفظ العام يشمل الفرض والنفل، ولكن هذا فيه زيادة تعيين الفرض، وأنه كان يقبل في شهر الصوم، يعني: وهو صائم؛ لأن التقبيل والجماع في الليل ليس فيه إشكال، وإنما الشأن في النهار الذي هو محل الصيام، فالحديث دليل على أن القبلة تجوز للصائم ولو كان في فرض، إذا كان يعلم من نفسه أن ذلك لا يترتب عليه إنزال.
أبو توبة : الربيع بن نافع الحلبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
وأبو توبة هذا هو الذي جاء عنه الكلمة المشهورة في حق معاوية رضي الله عنه أنه قال: معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن اجترأ عليه اجترأ على ما وراءه. يعني من اجترأ عليه فإنه يجترئ على غيره من الصحابة.
[ حدثنا أبو الأحوص ].
أبو الأحوص : سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زياد بن علاقة ].
زياد بن علاقة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة ].
[ عن عمرو بن ميمون ].
عمرو بن ميمون ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة رضي الله عنها مر ذكرها.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، وهي صائمة، يعني: كل منهما صائم، وهذا كما هو معلوم يحمل أيضاً على ما إذا كان يملك نفسه، وهي أيضاً يعلم أنها تملك نفسها، وأنه لا يحصل منها شيء بسبب هذا التقبيل.
محمد بن كثير وسفيان مر ذكرهما، وسعد هو سعد بن إبراهيم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن طلحة بن عبد الله ].
طلحة بن عبد الله ، هو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ عن عائشة ].
عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها.
أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: هششت وأنا صائم فقبلت، وهششت معناه: أنه حصل له ارتياح وميل إلى هذا، فقبل وهو صائم، ولكنه ما كان يعرف الحكم وكأنه استعظم ذلك، ورأى أنه فعل أمراً عظيماً، فجاء يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أرأيت لو مضمضت وأنت صائم؟) يعني: كون الإنسان يمضمض وهو صائم لا بأس به.
قال: فمه؟ يعني: أن هذا مثل هذا، وهذا فيه دليل على إثبات القياس؛ لأنه قاس كونه يقبل وهو صائم -والتقبيل من مقدمات الجماع- على المضمضمة وهو صائم وهي مقدمة الشرب، فكما أن هذا لا يؤثر فإن هذا لا يؤثر، والقياس هو إلحاق فرع بأصل في حكم لجامع بينهما، إلحاق فرع وهو التقبيل بأصل وهو المضمضمة، في حكم وهو عدم ترتب شيء على المضمضة من أنها تفطر، وكذلك التقبيل الذي هو وسيلة الجماع لا يفطر، يعني: لجامع بينهما، وهو أن كلاً منهما مقدمة لما هو مفطر، فاتفقا في الحكم، فهذا فيه دليل على إثبات القياس، وسبق أن مر بنا قريباً قصة الرجل الذي ولدت امرأته غلاماً أسود، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما لونها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق، قال: إن فيها ورقاً، قال: فماذا ترى؟ قال: لعله نزعه عرق، قال: وأيضاً هذا لعله نزعه عرق) فهذا أيضاً من أدلة إثبات القياس.
أحمد بن عبد الله بن يونس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الليث ].
الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا عيسى بن حماد ].
عيسى بن حماد التجيبي ، الملقب زغبة ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود ، والنسائي وابن ماجة .
[ أخبرنا الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله ].
الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الملك بن سعيد ].
عبد الملك بن سعيد ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن جابر بن عبد الله ].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ قال عمر بن الخطاب ].
رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا محمد بن دينار حدثنا سعد بن أوس العبدي عن مصدع أبي يحيى عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب الصائم يبلع الريق.
كون الصائم يبلع ريقه لا بأس به؛ لأن الإنسان كلما اجتمع الريق في فمه لا يتفل، وإنما يبلع، ولكن كونه يبلع ريق غيره فهذا إدخال شيء أجنبي إلى جوفه؛ لأنه ريق غيره، فكونه يبتلعه معناه أنه جذب شيئاً من الخارج ليس بريقه، فهذا يؤثر.
وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أنه كان يقبل وهو صائم) وهذا ليس فيه إشكال؛ لأن الأحاديث التي مرت كلها تدل عليه، فهذه الجملة ثابتة بالأحاديث الأخرى، لكن جملة مص الريق: (كان يمص لسانها) معناه: أن ريقها موجود في لسانها يمصه، فهذا غير ثابت وغير صحيح، فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جاء من طريق غير صحيح، فيكون الحديث ليس فيه دليل على أن الصائم يمص ريق غيره أو يبلع ريق غيره، أو أنه يأتي بشيء من الخارج يبتلعه.
لكن بلع الريق من الإنسان نفسه لا بأس به، وهذا شيء لا بد منه، فبعض الناس يمكث مدة صيامه وهو يتفل، وهذا ليس بصحيح، ولكن المقصود ريق غيره؛ لأنه مثل الماء، فلو أدخل إلى فمه ماء وابتلعه فهو كما لو مص ريق غيره وابتلعه؛ لأنه فيه إدخال شيء من الخارج، فالجملة ليس فيها شيء يدل على الجواز؛ لأن الحديث غير صحيح، وأما الجملة الأولى فهي متفقة مع الأحاديث الأخرى، وثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
محمد بن عيسى هو الطباع ، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا محمد بن دينار ].
محمد بن دينار ، وهو صدوق سيء الحفظ، أخرج له أبو داود والترمذي .
[ حدثنا سعد بن أوس العبدي ].
سعد بن أوس العبدي ، وهو صدوق له أغاليط، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي .
وهذان هما اللذان تكلموا على الحديث وضعفوه بسببهما، ولكن فيه أيضاً شخص آخر وهو مصدع العبدي ، وهو مقبول، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
ومقبول، يعني: أنه يحتج به إذا توبع، وهنا ما في متابعة على مسألة مص اللسان.
[ عن عائشة ].
عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها.
[ قال ابن الأعرابي : بلغني عن أبي داود أنه قال: هذا الإسناد ليس بصحيح ].
ابن الأعرابي هو من الراواة للسنن، قال: بلغني عن أبي داود أنه قال: هذا الإسناد ليس بصحيح. يعني: أنه قدح في الإسناد، والعلة فيه هؤلاء الثلاثة الذين هم سعد بن أوس ومحمد بن دينار ، ومصدع ، هؤلاء الثلاثة هم الذين فيهم الكلام.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر