حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [باب الاعتكاف].
أبو داود رحمه الله وكذلك غيره من العلماء يذكرون الاعتكاف مع الصيام؛ لأن الاعتكاف -كما قال بعض أهل العلم -لا يكون إلا مع صيام، وأيضاً كون المشهور والمعروف فيه أنه يكون في رمضان وفي العشر الأواخر وذلك في حال الصيام، فناسب أن يأتي ذكر الاعتكاف مع الصيام أو بعد الصيام.
والاعتكاف في اللغة قيل: هو الحبس والمكث واللزوم.
وفي الاصطلاح: هو المكث في المسجد على وجه مخصوص. فالحبس والمكث واللزوم كلها تطلق على المكث في المسجد، أو حبس النفس في المسجد، أو لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل، ولهذا فإن المعنى الشرعي مطابق أو مندرج تحت المعنى اللغوي، والمعاني اللغوية تدخل فيها المعاني الشرعية، ولكن المعنى الشرعي أخص، والمعاني اللغوية أعم.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر حتى قبضه الله) يعني: حتى توفي، واعتكف أزواجه بعده، وهذا يدلنا على أن الاعتكاف سنة ومستحب، ولا يجب إلا بالنذر، فالإنسان إذا أوجبه على نفسه بنذر فإنه يلزمه ويجب عليه أن يفي بنذره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه).
فقول عائشة : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله) يدل على أنه حكم محكم غير منسوخ؛ لأن قولها: (حتى قبضه الله) يعني: أنه مستمر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم، وقولها: (ثم اعتكف أزواجه من بعده) يدلنا على أن الاعتكاف باقٍ وأنه سنة، وأنه فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه، وكذلك فعل من بعده، وممن فعله أزواجه رضي الله تعالى عنهن، وفيه دليل على أن الاعتكاف إنما يكون في المساجد سواء للرجال أو للنساء، ويدل على اعتكاف النساء في المساجد إذا أمن عليهن من أي محذور بسبب المكوث في المسجد والبقاء فيه، ولكن ذلك يكون بإذن أزواجهن؛ لأن الاعتكاف تطوع ومستحب، فلا تفعله المرأة إلا بإذن زوجها، وتفعله حيث لا يكون هناك محذور، وحيث لا يترتب أو يخشى من ذلك مضرة عليها.
واعتكاف العشر الأواخر من رمضان فيه ليلة القدر، فالإنسان إذا كان معتكفاً العشر الأواخر فمعناه أن ذلك فيه تحر لها، وكون الإنسان ملازماً للمسجد يسأل الله ويرجوه ويتقرب إليه بالأعمال الصالحة في تلك الأيام والليالي التي فيها ليلة القدر -وهي ليلة خير من ألف شهر- فهي تعادل عبادة اثنين وثمانين سنة.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الليث ].
هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عقيل ].
هو عقيل بن خالد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة ].
هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاماً -لأنه كان في سفر- فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين ليلة) يعني: لما كان العام المقبل اعتكف عشرين ليلة: عشر ليالٍ للسنة الحاضرة، وعشر ليالٍ للسنة الماضية، وهذا يدل على قضاء التطوع، وأن الإنسان إذا اعتاد شيئاً يحرص عليه، وإذا فاته فله أنه يقضيه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فعل شيئاً داوم عليه، وكان كما جاء في بعض الأحاديث أنه شغل عن ركعتين بعد الظهر، فقضاهما بعد العصر، ثم داوم على ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ أخبرنا ثابت ].
هو ثابت بن أسلم البناني البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي رافع ].
هو أبو رافع هو نفيع الصائغ ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بن كعب ].
هو أبي بن كعب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر، يعني: يبدأ اعتكافه بعد صلاة الفجر، وأنه أمر ببنائه فنصب يعني: الخباء أو المكان الذي يعتكف فيه صلى الله عليه وسلم، فرأى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأمرن بضرب الأخبية لهن، ولما صلى الفجر عليه الصلاة والسلام ورأى الأخبية قال: ما هذا؟ فعلم بأن نساءه ضربن تلك الأخبية فقال: (آلبر تردن؟)، خشي أن يكون هذا الذي قد حصل منهن إنما هو تنافس للقرب منه، وأن تكون تلك العبادة يدخلها شيء من الغيرة عليه صلى الله عليه وسلم، بحيث تكون كل واحدة قريبة منه، فيكون في ذلك تأثير على نية الاعتكاف، فقال عليه الصلاة والسلام: (آلبر تردن؟ ثم إنه أمر بخبائه فقوض)، يعني: رفع وأزيل، ثم أمر أزواجه بأخبيتهن فقوضت، واعتكف في العشر الأول من شوال، يعني: بعد يوم العيد؛ لأن يوم العيد كما هو معلوم فيه ذهاب للعيد وإياب، فالذي يبدو أن ذلك كان بعد العيد، وأنه اعتكف عشراً بعد العيد يعني: بدلاً من هذه العشر التي تركها من أجل ما رأى من زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن.
ثم ما جاء في الحديث أنه كان يدخل معتكفه بعد الفجر، فمعلوم أن أول ليلة من ليالي العشر هي ليلة واحد وعشرين، والليلة تبدأ بغروب الشمس، فإذا غربت الشمس من يوم عشرين جاءت ليلة واحد وعشرين ويومها بعدها، وكما هو معلوم ليلة اليوم تسبقه، ولهذا إذا رؤي الهلال في أول يوم من رمضان فإن الناس يصلون التراويح قبل أن يصوموا؛ لأن تلك الليلة تكون من رمضان، وإذا رؤي الهلال لخروج رمضان فإنهم يتركون التراويح؛ لأن الليلة تكون ليلة العيد من شوال، وعلى هذا فالعشر الأواخر من رمضان اعتكافها يكون بغروب الشمس من يوم عشرين، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر في سنة من السنين بليلة القدر أنها ليلة واحد وعشرين، كما جاء في حديث أبي سعيد أنه رأى أنه يسجد في صبيحتها بماء وطين، فلما صلوا الفجر من صبيحة واحد وعشرين وكانوا في الصلاة نزل المطر فخر السقف، وجاء على مكان مصلاه صلى الله عليه وسلم، ثم لما انصرف وإذا على جبهته آثار الماء والطين صلى الله عليه وسلم، فعلم بأنها ليلة القدر، يعني: ليلة واحد وعشرين، وهو كان يعتكف من أجل أنه في العشر الأواخر يدرك ليلة القدر، ومعلوم أنه إذا كان دخول المعتكف بعد الفجر ذهبت ليلة واحد وعشرين التي هي أول الليالي؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: إن الاعتكاف يكون من عند غروب شمس يوم عشرين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل المحل المعد للاعتكاف إلا بعد الفجر، فيكون قولها: (دخل معتكفه) يعني: المكان الذي نصب له، ويكون ما قبل ذلك كان خارج المعتكف ولكنه في المسجد، ومعلوم أن المكث في المسجد سواء كان في نفس المعتكف أو في غيره كل ذلك يقال له: اعتكاف ما دام أنه منقطع للعبادة، ومنصرف عن الناس، وعلى هذا يكون ما جاء في هذا الحديث يفسر على اعتبار أن تواجده قبل طلوع الفجر من تلك الليلة إنما كان في المسجد، والذي جاء فيه إنما هو دخول المكان المعد للاعتكاف، فلا يخرج عن كونه معتكفاً لكونه كان في المسجد من أول الليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وتأخيره صلى الله عليه وسلم الاعتكاف إلى العشر الأول من شوال أداء؛ لأنه ما دخل في الاعتكاف، أو أنه قضاء؛ لأنه دخل في الاعتكاف وقطعه إذا كان الدخول للاعتكاف من الليل، فهو أمر بالتقويض بعد صلاة الفجر، فهو إما قضاء أو أداء فعله في تلك الليالي وترك ذلك خوفاً على أمهات المؤمنين من أن يكون حصل عندهن ما يؤثر في النية.
وكونه صام تلك الأيام في شوال فلا نعلم شيئاً يدل على أنه صامها، ومسألة أن الاعتكاف لا يكون إلا مع الصيام، هذا فيه خلاف بين أهل العلم.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فإخراجه له في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا أبو معاوية ].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ويعلى بن عبيد ].
هو يعلى بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن سعيد ].
يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرة ].
هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
وقد مر ذكرها.
قوله: [ رواه ابن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق بن يسار المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ والأوزاعي ].
الأوزاعي هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي فقيه الشام ومحدثها، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن سعيد نحوه ].
يحيى بن سعيد الذي مر ذكره وقوله: (نحوه) يعني: نحو ما تقدم.
[ ورواه مالك عن يحيى بن سعيد قال: (اعتكف عشرين من شوال) ].
يعني: قال غيره: عشراً وقال هو: اعتكف عشرين من شوال، وهذا يخالف ما جاء في الروايات التي أثبتت العشر الأول من شوال؛ لأن العشرين ضعف العشر، والروايات المتعددة جاءت في أنه اعتكف عشراً من شوال وليس عشرين.
حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب عن يونس أن نافعاً أخبره عن ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان) قال نافع : وقد أراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد].
أورد أبو داود باب أين يكون الاعتكاف؟
والاعتكاف يكون في المساجد ولا يكون في غيرها، لكن أي المساجد يكون فيها الاعتكاف؟
من العلماء من قال: إنه يعتكف في أي مسجد جامع يصلى فيه الجماعة، وإذا جاء يوم الجمعة يخرج إلى المسجد الذي يجمع فيه، ومنهم من قال: إنه يعتكف في مسجد فيه جمعة وجماعة، حتى لا يحتاج إلى أن يخرج إلى الجمعة، ومن العلماء من قال: إن الاعتكاف إنما يكون في المساجد الثلاثة التي هي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، ومنهم من قال: إنه يكون في المسجدين فقط وهما: المسجد الحرام، والمسجد النبوي. والذي يبدو أنه يكون في أي المساجد ما دام أنه مسجد يصلى فيه جماعة فإنه يعتكف فيه، وإذا كان الإنسان يحتاج إلى أن يعتكف في مسجد لا جمعة فيه فخروجه إلى الجمعة لا بأس به، ولا يؤثر، ولا مانع منه، وإن اعتكف في مسجد فيه جمعة وجماعة فهو الأولى، لكن لا يكون ذلك مقتصراً على المساجد الثلاثة ولا على مسجدين منها؛ لأن الله عز وجل قال: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] وهذا لفظ عام، ثم ما جاء في بعض الأحاديث أنه (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) يحمل على أن المقصود به: لا يكون الاعتكاف كاملاً إلا فيها، لا أنه لا يجوز أن يعتكف في غيرها.
قوله: [ قال نافع : وقد أراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ].
أي: المكان الذي كان يضرب فيه الخباء.
سليمان بن داود المهري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ أخبرنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن نافعاً أخبره ].
نافع هو مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
ابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: ابن عمر وابن عمرو وابن عباس وابن الزبير وهو أحد السبعة المعروفين أيضاً بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث دليل على أن المعتكف يتخذ مكاناً معيناً يكون نومه وصلاته وقراءته فيه، والحديث الذي مر: (فأمر بخبائه فضرب، وأمر أزواجه بأخبيتهن فضربت) يدل على هذا.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف كل رمضان عشرة أيام) التي هي العشر الأواخر، ولما كان العام الذي قبض فيه -وهو رمضان الذي كان في العاشرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في ربيع الأول من سنة إحدى عشرة، فآخر رمضان مر عليه صلى الله عليه وسلم هو في السنة العاشرة- اعتكف عشرين يوماً من رمضان؛ العشر الأواخر والعشر الأوسط، وذلك فيه دلالة على أهمية الزيادة في العمل، وأيضاً كان جبريل يدارسه القرآن في كل رمضان مرة، وفي آخر رمضان دارسه القرآن مرتين، وهذا الذي جرى من اعتكافه عشرين ليلة، فيه تمكين من مدارسة جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم القرآن مرتين في آخر رمضان.
هو هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي بكر ].
هو أبو بكر بن عياش ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي حصين ].
أبو حصين هو عثمان بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي صالح ].
هو أبو صالح ذكوان السمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأضاه.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) ].
أورد أبو داود باب المعتكف يدخل البيت لحاجته.
يعني: قضاء الحاجة؛ لأنه لا بد من الخروج من المسجد لقضاء الحاجة فكان يخرج من المسجد لقضاء الحاجة، والبيت بجوار المسجد، فكان يذهب لقضاء الحاجة ولا يذهب لغيرها، ولهذا لما احتاج إلى أن ترجل عائشة رأسه صلى الله عليه وسلم أدخل رأسه عليها، فكانت ترجله وجسمه في المسجد، فدل على أن المعتكف إنما يخرج للأمر الذي لا بد منه، كقضاء حاجته التي لا بد منها، أما الأمور الأخرى التي هي غير ذلك فإنه لا يخرج لأجلها، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم عندما يريد أن ترجل رأسه يدخل رأسه عليها وهي في الحجرة فترجله، فهذا فيه دليل على أن المعتكف له أن يغتسل وأن يتنظف، وله أن يرجل شعره، وكذلك ملامسة الحائض له عند الحاجة؛ لأنها كانت ترجله وهي حائض، ومن نذر ألا يدخل بيتاً فأدخل رأسه لم يحنث؛ لأن إدخال الرأس لا يعتبر دخولاً في البيت؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً في المسجد، وكان يخرج رأسه ولا يكون بذلك خارجاً من المسجد وداخلاً في البيت.
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس ، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة بن الزبير عن عمرة ].
أورد الحديث من طريق أخرى، وفيه أن ابن شهاب يروي عن عروة وعمرة مع بعض، وفي الطريق الأولى يروي عن عروة عن عمرة ، ومعناه: في الأول يوجد روايتان في الإسناد، وأما هنا فيعتبرون زملاء في الإسناد وهما أخذا عن عائشة ، فهذه الطريق فيها أن ابن شهاب روى عن الاثنين عن عروة بن الزبير وعن عمرة بنت عبد الرحمن معاً، وكل منهما يروي عن عائشة نحو ما تقدم.
[ قال أبو داود وكذلك رواه يونس عن الزهري ولم يتابع أحد مالكاً على عروة عن عمرة ، ورواه معمر وزياد بن سعد وغيرهما، عن الزهري عن عروة عن عائشة ].
معناه: أن الذي تقدم عروة عن عمرة ، ثم عروة وعمرة ، ثم عروة عن عائشة أنه روي من طريق فيها عروة عن عمرة ، وطريق فيها عروة وعمرة عن عائشة ، وطريق فيها عروة عن عائشة ، ولم يتابع أحد مالكاً في عروة .
قوله: [ ولم يتابع أحد مالكاً ].
أي: ولم يتابع أحد مالكاً في الرواية التي فيها عروة عن عمرة .
قوله: [ رواه معمر وزياد بن سعد ].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وزياد بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في أنه كان معتكفاً في المسجد، وأنه يدخل رأسه وأنها ترجله وهي حائض وقد مر ذلك.
قوله: [ (من خلل الحجرة) ].
يعني: من فرجة في الحجرة، فالحجرة كانت ملاصقة للمسجد؛ والفرجة بين الحجرة والمسجد.
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ومسدد ].
هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ قالا: حدثنا حماد بن زيد ].
هو حماد بن زيد بن درهم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام بن عروة ].
هو هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه عن عائشة ].
أورد أبو داود حديث صفية بنت حيي رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين: (أنها زارت النبي صلى الله عليه وسلم في معتكفه ليلاً، وأنها حدثته، ولما أرادت الانصراف والانقلاب -وهو الرجوع- قام ليقلبها -يعني خرج معها ليرافقها في الذهاب إلى بيتها- ومر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قال: على رسلكما إنها
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن هذه المرأة زوجته صفية ، وأراد بذلك ألا يقع في قلب هذين الصحابيين شيء يكون سبباً في هلاكهما، يعني: من اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم، فبادر عليه الصلاة والسلام إلى أن يقول لهما ما قال، وقالا: سبحان الله! يعني: تعجباً؛ لأنهما ما وقع في نفوسهما شيء، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك خشية أن يحصل لهما شيء من ذلك.
أحمد بن شبويه هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا عبد الرزاق ].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: أخبرنا معمر عن الزهري ].
[ عن علي بن حسين ].
هو علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن صفية ].
هي صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها وأرضاها، أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وأشار إلى المكان الذي حصل فيه مرور الرجلين، وأنه كان عند باب المسجد الذي عند باب أم سلمة.
قوله: [ وساقا معناه ] يعني: معنى ما تقدم في الرواية السابقة.
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا أبو اليمان ].
هو أبو اليمان الحكم بن نافع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا شعيب ].
هو شعيب بن أبي حمزة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
الزهري مر ذكره.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ومحمد بن عيسى قالا: حدثنا عبد السلام بن حرب أخبرنا الليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قال النفيلي : قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف، فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه) وقال ابن عيسى : قالت: (إن كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود المريض وهو معتكف) ].
أورد أبو داود ترجمة: [باب المعتكف يعود المريض].
والمعتكف لا يخرج لعيادة المريض، ولكنه إذا خرج لحاجته أو لأمر لا بد منه ثم مر به فإنه يسأل عنه، لكن لا يقصد أن يعود المريض ولا يتبع الجنازة؛ لأنه إذا كان يعود المريض ويتبع الجنازة فكأنه غير معتكف، ولكن إذا كان المريض في طريقه فزاره من غير أن يذهب من أجله فلا بأس بذلك، أما كونه يذهب خصيصاً من أجل العيادة فهذا لم يثبت.
وهذا الحديث فيه ليث بن أبي سليم وهو لا يحتج به.
قوله: [ (إن كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود المريض وهو معتكف) ].
يعني: إنه كان يعود المريض وهو معتكف.
وقوله: [ (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف، فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه) ].
يعني: يمر ويسأل عنه، ولكنه لا يعرج، ومعناه: أن مثبتة في اللفظين، إلا أن هذا فيه تنصيص على أنه من غير تعريج.
وقوله: [ (إن كان) ].
هي مخففة من الثقيلة، وأنه كان يمر ولا يعرج، ولكنه يسأل عنه حيث يمر بدون تعريج، فيكون متفقاً مع الرواية الثانية، ولكن فيه ليث بن أبي سليم ، ولا يحتج بحديثه، فالحديث غير ثابت.
عبد الله بن محمد النفيلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ ومحمد بن عيسى ].
هو محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .
[ قالا: حدثنا عبد السلام بن حرب ].
عبد السلام بن حرب له مناكير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا الليث بن أبي سليم ].
الليث بن أبي سليم صدوق اختلط جداً فلم يتميز فترك، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الرحمن بن القاسم ].
عبد الرحمن بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
أبوه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة رضي الله عنها مر ذكرها.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها.
قوله: [ (السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة) ألا يعود مريضاً قصداً، وأما إذا مر به وسأل عنه فهذا لا بأس به، وكذلك لا يشهد جنازة.
قوله: [ (ولا يمس امرأة ولا يباشرها) ].
يعني: لا يباشرها ولا يجامعها، وقد جاء في القرآن: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].
فالمسيس يراد به الجماع، والمباشرة يراد بها التقاء البشرتين بتلذذ، وأما إذا كان حصل بدون ذلك فقد مر في حديث عائشة أنها كانت ترجل شعره صلى الله عليه وسلم، وتمسه، وكانت حائضاً.
قوله: [ (ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه) ].
يعني: كونه يخرج لقضاء حاجته فيقضيها ويتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد؛ لأن هذا لا يكون إلا في خارج المسجد.
والطعام يؤتى به إليه ويأكله في المسجد ولا يكون من الحاجة.
قوله: [ (ولا اعتكاف إلا بصوم) ].
يعني: أن الاعتكاف يكون معه صوم، وأنه لا يكون بدون صوم، وهذا يقال إذا كان يحتمل فيه الرفع، وأن يكون ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا يكون الصيام مع الاعتكاف، وأن الاعتكاف لا يكون بصيام، ويحتمل أن يكون منها إفتاء بما تفهمه من الشرع، وعلى هذا يكون النظر فيما جاء عنها وجاء عن غيرها من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، والعلماء اختلفوا في هذا، فمنهم من قال باعتبار الصوم، وأنه لا يكون الاعتكاف إلا بصوم، ومنهم من قال: يكون بدون صوم، كما أنه يكون في ليلة من الليالي، والليل ليس فيه صيام، وقد سبق أن مر في حديث عائشة أن النبي اعتكف العشر الأول من شوال وليس فيه ذكر الصيام، وهذا لو كان مرفوعاً فالأمر واضح في ذلك، ولكنه محتمل؛ لأنه جاء من بعض الطرق أنه ليس فيه: (من السنة) وكلمة: (من السنة) تضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدونها معناه يصير من كلامها واجتهادها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ولكن لا شك أن كون الإنسان إذا كان اعتكافه ليس خاصاً في الليل بأن يكون أكثر من ليلة فالأحوط له أن يكون بصيام دفعاً للاحتمال والاشتباه، ووجود شرط الصوم ما هناك دليل واضح يدل عليه إلا هذا الحديث، والحديث محتمل بأن يكون مرفوعاً وأن يكون غير مرفوع، ولكن قطع الشك باليقين، والأخذ بالاحتياط بأن الإنسان يصوم، لا شك أن هذا من باب: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
قوله: [ (ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) ].
يعني: في مسجد جامع، والجامع إنما أن يراد به الذي تقام فيه الجماعة أو المقصود به الجمعة والجماعة، وعلى كل فيمكن أن يعتكف الإنسان في أي مسجد تقام فيه الجماعة، وإذا جاءت الجمعة يذهب إليها، والذهاب إلى الجمعة لا يؤثر على اعتكافه.
هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ أخبرنا خالد ].
هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن -يعني ابن إسحاق- ].
عبد الرحمن بن إسحاق صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن الزهري عن عروة عن عائشة ].
الزهري وعروة وعائشة قد مر ذكرهم.
[ قال أبو داود : غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه: قالت: السنة ].
فمعنى هذا أنه يكون من كلامها.
[ قال أبو داود : جعله قول عائشة ].
إذا لم يذكر ذكر فيه: (السنة) يكون من قول عائشة .
هذا الحديث لا يطابق الترجمة؛ لأنه لا علاقة له بعيادة المريض، وإنما هو في النذر والوفاء بالنذر والاعتكاف يعني: إذا نذر اعتكافاً فإنه يأتي به، فليس فيه ما يطابق الترجمة التي عقدها أبو داود رحمه الله وجعل الحديث تحتها، فلا أدري ما وجهه هل جاء تبعاً أم أن فيه ترجمة سقطت؟ فهو يتعلق بالنذر أي: نذر الاعتكاف في حال الكفر، ثم بعد ذلك يكون الوفاء به في الإسلام المهم أنه لا يطابق الترجمة.
أورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه: (أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة أو يوماً في المسجد الحرام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اعتكف وصم) وفي هذا دليل على أن نذر القربة الذي يكون في الجاهلية يصح أن يفي الإنسان به بعدما يدخل في الإسلام، وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب إلى ذلك، حيث أمره بأن يفي بنذره، وأما ما جاء في ذكر الصيام، وذكر اليوم أو الليلة فالذي ثبت في الصحيحين هو ذكر الليلة، ويحتمل أن تكون الليلة معها يوم، ومعلوم أنه أحياناً يذكر اليوم وتتبعه الليلة، وأحياناً تذكر الليلة ويتبعها اليوم، والذي هو ثابت ذكر الليلة، وأما ما جاء من ذكر أنه مأمور بالصيام لم يرد إلا في هذه الطريق التي هي ليست في الصحيحين، وإنما هي عند أبي داود وفيها عبد الله بن بديل ، وفيه كلام.
هو أحمد بن إبراهيم الدورقي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ حدثنا أبو داود ].
أبو داود هو سليمان بن داود الطيالسي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عبد الله بن بديل ].
عبد الله بن بديل صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والنسائي .
[ عن عمرو بن دينار ].
هو عمرو بن دينار المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
ابن عمر قد مر ذكره.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه ذكر ما تقدم من ذكر الاعتكاف، وزاد فيه قوله: (فبينما هو معتكف إذ كبر الناس فقال: ما هذا يا
يعني: أنهم كبروا فرحاً، والتكبير يكون عند الفرح، وكان هذا يحصل عند الصحابة، وجاء في أحاديث قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة قال: فكبرنا) يعني: فرحاً وسروراً، وهذا يدل على أنه عندما يأتي شيء سار أنه يشرع التكبير، ولا يصلح التصفيق مثل ما يحصل في هذا الزمان عند كثير من الناس.
قوله: [ (قال: وتلك الجارية فأرسلها معهم) ].
يعني: وكانت عند عمر وهي منهم؛ لأنها من سبي هوازن، إذاً فتلحقهم في العتق.
وهو صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا عمرو بن محمد -يعني العنقري- ].
عمرو بن محمد العنقري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن .
[ عن عبد الله بن بديل بإسناده نحوه ].
مر ذكره.
حدثنا محمد بن عيسى وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا يزيد عن خالد عن عكرمة عن عائشة قالت: (اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه، فكانت ترى الصفرة والحمرة، فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي) ].
أورد أبو داود باباً في المستحاضة تعتكف.
والمستحاضة هي: التي يخرج منها الدم بصفة دائمة، وهو غير الحيض؛ لأن الحيض يأتيها في أوقات معينة، فالمستحاضة عندما يأتيها الحيض تكون مدته معينة، فإذا جاءت المدة تمسك عن الصلاة والصيام، فإذا مضت مدته -وكان ذلك يعرف بلونه أو بمعرفة وقته أو أنها تقدر لها أياماً معلومة- فيكون الباقي استحاضة.
فأورد أبو داود حديث المرأة تعتكف وهي مستحاضة، والمستحاضة كما هو معلوم يكون معها الدم باستمرار، وذلك لا يمنع من صيامها، ولا من صلاتها، ولا من جماعها، ولا من جميع الأعمال التي تحتاج إلى الطاهرة؛ لأن هذا شيء لا علاقة لها به، فلا يعامل معاملة الحيض، فهي تصوم وتصلي، وتعتكف وتقرأ القرآن من المصحف، وكذلك يجامعها زوجها، وتفعل كل الأمور التي تكون من الطاهرات.
فأورد أبو داود حديث عائشة أن إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كانت مستحاضة، وأنها كانت ترى الصفرة والحمرة، وأنها كانت تعتكف في المسجد، وأنهم كانوا يضعون الطست لها وهي تصلي، وقيل: إن هذه المرأة هي أم سلمة رضي الله عنها، ومثل المستحاضة مثل من به حدث دائم كالذي معه سلس البول، أو الذي يكون معه الريح التي تخرج باستمرار، فيتوضأ عند دخول الوقت ولا يؤثر ما يحصل له بعد ذلك؛ لأن هذا شيء خارج عن إرادته، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ويدل على اعتكاف المستحاضة وعلى دخولها المسجد والمكث فيه، ولكنها تعمل على عدم تلويث المسجد، وعدم تعريضه لأن يسقط عليه شيء من الدم.
محمد بن عيسى وقتيبة بن سعيد مر ذكرهما، ويزيد هو ابن زريع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خالد ].
هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عكرمة ].
هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.
وفي قوله: إنه ما كشف عن كنف امرأة قط. هذا محمول على أنه ما كان قد تزوج، ثم إنه تزوج فيما بعد.
الجواب: لا نعلم دليلاً يدل على هذا، وبعض أهل العلم قال به، لكن الاعتكاف معروف أنه في المساجد، والنساء كن يعتكفن في المساجد مع رسول الله في مسجده.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر