حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي حدثنا بقية حدثنا بحير عن خالد بن معدان عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد؛ فإن نومه ونُبهه أجر كله؛ وأما من غزا فخراً ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض؛ فإنه لم يرجع بالكفاف) ].
قوله: باب فيمن غزا يلتمس الدنيا يعني من كان الباعث له على الغزو هو أنه يريد الدنيا، فهذا مذموم، ولكنه إذا أراد إعلاء كلمة الله، وأيضاً أراد أن يرجع بأجر وثواب عند الله عز وجل أو بغنيمة يحصلها؛ فإن ذلك لا بأس به، وإنما المحذور أن يكون همه ورغبته وقصده الدنيا وليس الآخرة.
فمن قصد الآخرة وحصل له شيء من الدنيا فهو ثواب عاجل ينقص من أجره في الدار الآخرة كما مر بنا في باب السرية تغزو فتخفق، ومن لم يحصل على غنيمة فإنه يحصل الأجر كاملاً في الدار الآخرة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن الغزو غزوان، أي: ينقسم إلى قسمين: قسم غزا للدنيا، وقسم يلتمس الأجر والثواب.
قوله: (فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام).
أي: أن قصده حسن وهو الآخرة وليس قصده الدنيا، وأطاع الإمام في حدود ما هو طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وأنفق الكريمة) أي: أنفق الكريم والنفيس من ماله في سبيل الله عز وجل.
قوله: (وياسر الشريك) يعني ساهله، ولم تكن معاملته معه بشدة وبتضييق، بل بمسامحة ومساهله ومياسرة، وذلك فيمن يكون شريكاً له في عمل أو في تجارة أو غير ذلك.
قوله: (واجتنب الفساد) فكل ما هو فساد يجتنبه ويبتعد عنه.
قوله: (فإن نومه ونبهه أجر كله) .
أي: هو على خير في حال نومه وفي حاله يقظته مادام غازياً في سبيل الله؛ لأن كل حركة وسكون منه من حين يخرج إلى أن يرجع خير، فكله له أجر، وهذا يدل على عظم ثواب من خرج في سبيل الله يريد بذلك وجه الله، ويريد بذلك إعلاء كلمة الله، ولم يكن همه الدنيا وحطامها.
قوله: (وأما من غزا فخراً ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض؛ فإنه لم يرجع بالكفاف).
الكفاف أن يرجع لا له ولا عليه، فلا حصل أجراً ولا أصابه إثم، أما من خرج رياء فإنه يرجع بتحصيل الإثم، لأن هذا التفاخر والتعالي والترفع، والإفساد في الأرض، وكونه يعصي الإمام؛ كل هذه الأمور يؤاخذ عليها، فلا يرجع بالكفاف، بل يرجع وعليه إثم؛ لأن فالأول رجع بالشيء الذي هو له، وأما هذا رجع بالشيء الذي هو عليه.
حيوة بن شريح الحضرمي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن بقية ].
بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن بحير ].
بحير بن سعد وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن خالد بن معدان ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بحرية ].
اسمه عبد الله بن قيس ، ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن معاذ بن جبل ].
معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد كله شاميون، فهو مسلسل بالرواة الشاميين.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يريد الجهاد وهو يبتغي عرضاً من الدنيا، فقال: لا أجر له، لأن الذي يدفعه للجهاد هو أن يحصل عرضاً دنيوياً من غنيمة أو أجرة، والمقصود من ذلك أن قصده الدنيا وحدها، ولا يريد إعلاء كلمة الله، والصحابة رضي الله عنهم استعظموا ذلك، لأنهم يقصدون من أراد إعلاء كلمة الله وتحصيل الغنيمة، وقد سبق أن مر بنا أن السرية إذا أخفقت رجعوا بالأجر الكامل، وإذا حصلت شيئاً من الغنائم فإنهم تعجلوا ثلثي أجرهم.
وهذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه من هو مجهول، وهو ابن مكرز .
أبو توبة الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن ابن المبارك ].
عبد الله بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي ذئب ].
محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن القاسم ].
عن القاسم بن عباس وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن بكير بن عبد الله بن الأشج ].
بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن مكرز ].
قيل: هو يزيد بن مكرز ، وهو مجهول، أخرج له أبو داود .
[ عن أبي هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن أبي موسى رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن الرجل يقاتل للذكر، ويقاتل ليحمد، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قاتل حتى تكون كلمة الله هي أعلى فهو في سبيل الله عز وجل) ].
أورد أبو داود رحمه الله باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، أي من كان كذلك هو الذي حصل منه الجهاد حقيقة، وحصل منه القتال حقيقة، أما من كان على غير ذلك فهذا قاتل للشيء الذي قاتل من أجله، وقد حصل له ذلك الشيء الذي أراده، أما من أراد نصرة الإسلام وأن تكون كلمة الله هي العليا، فيعبد الله وحده لا شريك له، ويدخل الكفار في دين الله، أو يرضخوا لحكم الإسلام فيشاهدوا تطبيق أحكام الإسلام فيكون ذلك سبباً في هدايتهم ودخولهم في الإسلام، أو يبقوا على ما هم عليه ويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون؛ فإن القتال الذي يكون على هذا الوجه هو الذي يكون محموداً ويكون صاحبه مجاهداً حقيقة.
أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في ذلك.
قوله: (إن الرجل يقاتل للذكر).
يعني ليذكر.
قوله: (ويقاتل ليحمد) .
أي: ليحمده الناس ويقولون إنه شجاع.
قوله: (ويقاتل ليغنم) .
أي: يقاتل للدنيا والغنيمة فقط.
قوله: (ويقاتل ليرى مكانه) .
يعني يرى منزلته عند الناس وقصده أن يعلو عند الناس.
قوله: [ (من قاتل حتى تكون كلمة الله هي أعلى فهو في سبيل الله) ].
أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم جواباً من أتى به فهو الذي يكون في سبيل الله، ومن لم يأت به فهو يقاتل لما أراده: (ولكل امرئ ما نوى)، فقال عليه الصلاة والسلام: (من قاتل لتكون كلمة الله هي أعلى فهو سبيل الله) أما المقاتلة للذكر أو ليحمد عند الناس ويشار إليه بالبنان، فهذا ليس في سبيل الله.
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .
[ عن شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن مرة ].
عمرو بن مرة الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي وائل ].
هو شقيق بن سلمة الكوفي ، مشهور بكنيته، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي موسى ].
أبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى بالمعنى الأول.
قوله: [ حدثنا علي بن مسلم ].
ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ عن أبي داود ].
هو سليمان بن داود الطيالسي ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن شعبة عن عمرو عن أبي وائل ].
قد مر ذكرهم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن حاتم الأنصاري حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا محمد بن أبي الوضاح عن العلاء بن عبد الله بن رافع عن حنان بن خارجة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال عبد الله بن عمرو : (يا رسول الله! أخبرني عن الجهاد والغزو، فقال: يا
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد والغزو فقال: [ (إن قاتلت صابراً محتسباً بعثك الله صابراً محتسباً) .
قوله: (على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله على تلك الحال) .
هذا توضيح لما تقدم من أنه إن قاتل صابراً محتسباً فإنه يبعث صابراً محتسباً، وإن قاتل مفاخراً مكاثراً فإنه يبعث كذلك.
وفيه أن المعتبر النيات في الأعمال كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي هو أول حديث في صحيح البخاري : (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فهذا الذي نوى في جهاده نصرة الإسلام محتسباً الأجر والثواب من الله عز وجل يبعث على نيته، والذي قاتل مكاثراً مرائياً فإنه يبعث على نيته، والناس يبعثون على نياتهم كما جاء في الحديث (إن جيشاً يغزو الكعبة ثم يهلكهم الله في بيداء من الأرض، قيل: كيف وفيهم من ليس منهم؟ قال: يهلكون ثم يبعثون على نياتهم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
قوله: (مكاثراً) المكاثرة تكون بالدنيا وذلك بجمع المال، أو يقول: أنا حضرت كذا كذا معركة، قال الله: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2].
وهذا الحديث إسناده ضعيف.
مسلم بن حاتم الأنصاري صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والترمذي .
[ عن عبد الرحمن بن مهدي ].
عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن أبي الوضاح ].
محمد بن أبي الوضاح صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن العلاء بن عبد الله بن رافع ].
هو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن حنان بن خارجة ].
حنان بن خارجة مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن عبد الله بن عمرو ].
عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر