حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا مسكين -يعني ابن بكير - حدثنا محمد بن مهاجر عن ربيعة بن يزيد عن أبي كبشة السلولي ، عن السهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة) ].
قوله: [ باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم ] يعني من القيام عليها برعايتها والإحسان إليها وعدم إلحاق الضرر بها، وعدم إيذائها.
قوله: [ (مر ببعير قد لحق ظهره ببطنه) ] يعني من الجوع ومن الهزال بحيث لصق بطنه بظهره، والأوضح أن يقال: لحق بطنه بظهره؛ لأن ظهره ثابت، وبطنه هو الذي يلحق بظهره أحياناً فيرتفع لهزاله، وأحياناً ينزل لأكله وكثرة ما يحصل له.
قوله: [ (فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة) ].
أي: التي لا تنطق ولا تعبر عن حاجتها ولا تفصح عما في نفسها، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتقوى الله تعالى فيها، وذلك بأن يحسن إليها ولا يساء وبأن تؤتى حقها، وترعى حق رعايتها، وتعطى ما تحتاج إليه، ويصرف عنها ما يسوءها، ولا تؤذى، هذا هو المقصود بتقوى الله عز وجل في البهائم المعجمة.
قوله: [ (اركبوها صالحة، وكلوها صالحة) ].
أي: بعد أن تكونوا قد أحسنتم إليها فصارت قوية.
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن مسكين -يعني ابن بكير - ].
وهو صدوق يخطئ أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن محمد بن مهاجر عن ربيعة بن يزيد ].
محمد بن مهاجر مر ذكره، وربيعة بن يزيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي كبشة السلولي ].
ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن سهل بن الحنظلية ].
عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي .
قول الألباني رحمه الله: (الحديث المتقدم) يعني: في السلسلة الصحيحة وهو برقم اثنين وعشرين.
والرواية الواردة بلفظ (كلوها) جاءت أيضاً في الصحيحة (1/63) الحديث الثالث والعشرون.
فلو صحت الرواية بالكسر فنعم، وإلا فكلوها بالضم واضحة وهي الأصل، أي: كلوها صالحة أو اركبوها صالحة، وصالحة يعني: سليمة، وكونها أهلاً لأن تركب وأهلاً لأن تؤكل، فلا يساء إليها بحيث لا تعلف فتكون هزيلة ولحمها لا يكون طيباً، وكذلك الركوب عليها لا يكون مريحاً لها، بل يكون فيه مشقة عليها، وكونه لا ينفق عليها ثم تركب يجمع لها بين مصيبتين مصيبة الضعف الذي حصل لها بسبب عدم إطعامها بما يكون سبباً في قوتها ونشاطها، ومصيبة ركوبها على ما فيها من ضعف.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لا أحدث به)، ومعنى ذلك أنه حديث خاص وسر، وليس من قبيل الأحكام الشرعية التي يجب بيانها للناس، وهو من جنس السر الذي كان حصل مع أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال لأمه: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إلي في حاجة فقالت: وما حاجته؟ قال: إنها سر قالت: لا تفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: هذا لا يقال إنه من قبيل التشريع أو من قبيل الأحكام الشرعية التي يحتاج الناس إليها، وإنما هو من قبيل شيء خاص لا علاقة له بالتشريع كالذي حصل لـأنس بن مالك في الحديث الذي أشرت إليه.
قوله: [ (أردفني رسول الله) ].
يعني: على دابة، وهذا فيه جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة.
قوله: [ (وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل) ].
يعني: عندما يقضي حاجته يستتر بشيء يستره عن الأنظار، والهدف شيء شاخص، أي: قائم مرتفع يستتر به، (أو حائش نخل)، وهو النخل الملتف المتقارب بعضه من بعض، بحيث إن الإنسان إذا جلس وراءه فإنه يستتر به، بخلاف ما إذا كانت النخلة لا يوجد إلا ساقها وساقها دقيق فإنه لا يستر كما ينبغي وإن كان يحصل به الستر، لكن ليس مثل الشيء الملتف الذي هو المشتبك بعضه ببعض.
قوله: [ (فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه) ].
يعني: ذلك الجمل، فالنبي صلى الله عليه وسلم سأل عن صاحب الجمل قال: (من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار وقال: لي يا رسول الله! قال: ألا تتقي الله، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه) معناه: أنه لا يطعمه، ومع ذلك يدئبه من الدأب وهو العمل عليه باستمرار وبدون غذاء، يعني: لا يغذيه ويتعبه في العمل والكد، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الإحسان إلى هذه البهيمة، وأن الإنسان يعطيها ما تستحقه من الغذاء والطعام، كذلك أيضاً لا يكلفها ما لا تطيق، وإنما يستعملها في شيء تكون له مطيقة.
قوله: [ (فإنه شكا إلي) ].
وهذا من دلائل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، كون الجمل شكا إليه، والرسول صلى الله عليه وسلم سمع منه هذه الشكوى، وفهمها منه.
وقوله: (فأتاه النبي)، يعني: هذا البعير (ومسح ذفراه)، المقصود: مؤخرة الرأس و(ذفرا) لفظ مفرد على صيغة التأنيث مثل: ذكرى، وليس مثنى بحيث يقال: ذفريه.
قوله: [ (فسكت) ]
فسكت ذلك البعير عندما مسح عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه شكوى فهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه.
قال صلى الله عليه وسلم (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياه).
أي: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي جعلها لملكك وتحت تصرفك، فعليك أن تتقي الله فيما تملك.
موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا مهدي ].
مهدي بن ميمون ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن أبي يعقوب ].
محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن بن سعد ].
الحسن بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عبد الله بن جعفر ].
عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقوله: (أردفني) أي: على الدابة خلفه، ويستدل بحديث معاذ حيث يقول: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار).
و معاذ كان رديفه صلى الله عليه وسلم على حمار، والإرداف على الدابة بأن يكون اثنين راكبين عليها، صاحب الدابة وغيره معه قبله أو قدامه، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن ابن مندة جمع الذين أردفهم النبي صلى الله عليه وسلم فبلغوا ثلاثين رجلاً.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (بينما رجل يمشي بطريق فاشتد عليه العطش فوجد بئراً، فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش..).
قوله: [ (يأكل الثرى) ] يعني: التراب الذي فيه رطوبة، فتذكر الرجل وضعه وحالته التي كان عليها لما كان قد عطش قبل أن يشرب، فقال: قد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي قد حصل لي، يعني: مثل العطش الذي أدركته ورأيت أنني بحاجة شديدة إلى الشرب، فهذا الكلب حالته مثل حالتي لما كنت عطشان، فنزل وأخذ خفه الذي هو غير النعل، فأمسكه بفيه لأنه لا يستطيع أن يأخذه بيديه، من أجل أن يرقى ويصعد على البئر، ولكنه أمسكه بفيه واستعمل يديه للصعود حتى خرج إليه بهذا الخف، وسقاه من الماء الذي فيه، فشكر الله له فغفر له بسبب هذا الإحسان.
قوله: [ (قالوا: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم لأجراً) ].
يعني: إذا أحسنا إليها وسقيناها (قال: نعم في كل ذات كبد رطبة أجر) يعني: في كل شيء فيه الروح.
وبعض أهل العلم قال: إنه إذا كان ذلك الحيوان يلزم قتله فإنه لا يسقيه، وإنما يقتله إذا كان مأموراً بقتله، ومنهم من قال: إنه يسقيه أولاً، ثم يقتله بعد ذلك حيث يكون مأذوناً في قتله.
وهذه القصة الظاهر أنها وقعت في الأمم السابقة، فهي من الأخبار التي تكون في الأمم السابقة.
عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرج له صحاب الكتب الستة.
[ عن سمي مولى أبي بكر ].
سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي صالح السمان ].
أبو صالح السمان واسمه: ذكوان ولقبه السمان ويقال أيضاً: الزيات ؛ لأنه كان يجلب الزيت والسمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره.
والجواب: إذا كان مسئولاً عنه فيلزمه الإحسان إليه مثلما مر بنا فيما يؤمر به من القيام على البهائم، يعني: بالإحسان إليها ودفع الأذى عنها.
أقول: ما دام أنه هو المسئول عنها فيلزمه ذلك، وأما قصة هذا الرجل فهذا كلب مر به وأحسن إليه، فالشيء الذي ينميه للتجارة فيلزمه الإحسان إليه فيطعمه ويسقيه.
وأما الفضل والأجر فلا شك أن أي عمل واجب إذا فعله المرء يحتسب الأجر والثواب عند الله فإنه مأجور عليه، كأن ينفق على ذريته وأولاده وعلى أهل بيته، وهو يحتسب الأجر ويرجو الثواب فإنه يثاب عليه ولو كان واجباً، وأما إذا كان لا ينفق إلا بحكم عليه وبإلزام القاضي له، ولا يفعل ذلك من تلقاء نفسه فهذا لا يحصل على أجر، ولكنه سقط عنه الوجوب، فالأجر إنما يكون لمن نواه، وأما من أخذت منه الزكاة جبراً مثلاً فإنه يسقط عنه الواجب؛ لأنه أخذ منه الحق وهو كاره لإخراجه.
حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن حمزة الضبي قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنا إذا نزلنا منزلاً لا نسبح حتى نحل الرحال) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة (باب في نزول المنازل) وهذه الترجمة غير موجودة في أكثر النسخ، وهي في الحقيقة لا وجه لها، بل الحديث تابع للباب الذي قبله؛ لأن فيه الإحسان إلى البهائم وعدم الإساءة إليها، وأما نزول المنازل فالفائدة التي تحصل من وراء ذلك أن الناس المسافرين ينزلون المنازل، ولا بد لكل مسافر أن ينزل في المكان الذي فيه فائدة، ولكن الفائدة هي في الإحسان إلى البهائم وما يؤمر به الإنسان من القيام على البهائم.
والمعنى بهذه الترجمة غير مستقيم، لكن كونه ينزل على هيئة معينة أو على فئة معينة أو شيء يقال عند النزول فنعم، وأما مجرد نزول المنازل فليس فيه فائدة تذكر، ولكن الفائدة في الحديث هي في الإحسان إلى البهائم، وعلى هذا فتكون علاقته قوية وواضحة بالباب الذي قبل هذه الترجمة.
محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب الزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: حدثني محمد بن جعفر ].
محمد بن جعفر الملقب غندر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حمزة الضبي ].
حمزة الضبي ، وهو صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن أنس بن مالك ].
أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري رضي الله عنه أخبره (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً قال
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب تقليد الخيل بالأوتار.
والأوتار: جمع وتر، وهي خيوط من جلد تكون فيه بالقسي، وقد أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر ولا قلادة إلا قطعت).
قال مالك : أرى أن ذلك من أجل العين. يعني: أنهم كانوا يفعلون ذلك من أجل دفع العين، أي أنهم كانوا يعلقون قلادة من وتر أو قلادة من أجل العين، وقيل: إن النهي عن ذلك لما فيه من مشقة عليها، ويكون ذلك سبباً في اختناقها عند الجري والركض، وقيل: إنه قد يكون ذلك أيضاً سبباً في كونه يعلق في الشجر، فيكون ذلك سبباً في هلاكها أو سبباً في حبسها فترة من الزمان دون أن ترعى، ودون أن تستفيد، فعلل هذا المنع بهذه العلل وبهذه الأسباب، وإذا كان هذا التعليق يترتب عليه مثل هذه المفاسد السيئة فهذا واضح أنه لا يجوز، ولكن العلماء ذكروا هذه التعليلات لهذا العمل الذي هو النهي عن التقليد وقطع القلائد لئلا يكون ذلك سبباً في هذه الأمور، فيصير النهي عامّاً يشمل الجميع.
عبد الله بن مسلمة ومالك مر ذكرهما، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عباد بن تميم ].
عباد بن تميم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بشير الأنصاري ].
أبو بشير الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
معناه: أن هذا الرسول كان يمشي عليهم وهم مستقرون بائتون ليسوا مسافرين.
والتبويب في تقليد الخيل، والحديث ليس فيه ذكر الخيل، وإنما فيه ذكر الإبل، والتقليد المحذور يمكن أن يكون في الإبل أو في الخيل.
ويدخل في ذلك ما يوضع في المرآة القدامية للسائق من بعض الأشياء لأجل العين، ويدعون أنه يجعل الإنسان العائن ينظر إليه، ويكون انشغاله به عن هذا المركوب؛ وهذا لا شك أنه اعتقاد سيئ لا يجوز.
وأما بالنسبة للشرك فكما هو معلوم أنه إذا كان الإنسان يعتقد أن هذا الشيء ينفع ويضر، وأن النفع والضر منه فهذا يكون من الشرك الأكبر، وأما إذا كان لا يريد النفع منه، وإنما هو من الله عز وجل فهذا لا شك أنه من الشرك الأصغر.
حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هشام بن سعيد الطالقاني أخبرنا محمد بن المهاجر قال: حدثني عقيل بن شبيب عن أبي وهب الجشمي رضي الله عنه -وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارتبطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها -أو قال: أكفالها- وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب إكرام الخيل وارتباطها والمسح على أكفالها.
يعني: كونها تربط وتعد وتهيأ لاستعمالها في الغزو والجهاد في سبيل الله، فيشرع للمرء أن يدخرها ويكرمها ويعتني بها، حتى إذا جاءت الحاجة إليها وهي تحت تصرفه يتمكن من الجهاد عليها.
وإكرامها هو بالإحسان إليها وتغذيتها، وعدم إيصال الأذى إليها.
والمسح على أكفالها يمكن أن يكون المقصود من ذلك تأنيسها، ويكون أيضاً لإزالة الغبار والتراب عنها أو الوسخ عنها، أو غير ذلك من الأسباب التي يمكن أن تكون مرادة من هذا الفعل الذي أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث أبي وهب الجشمي رضي الله عنه.
قوله: [ (ارتبطوا الخيل) ].
يعني: اربطوها لاتخاذها وتنشئتها والمحافظة عليها وتهيئتها للغزو عليها.
قوله: [ (وامسحوا بنواصيها وأعجازها) ].
الناصية: مقدمة الرأس، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جاء عن كثير من الصحابة: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم) وأعجازها: مؤخرها الذي هو كفلها.
قوله: [ (أو قال: أكفالها، وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار) ].
تقليده، أي: اجعل له أقلاده ولا تقلده الأوتار التي كانوا يتخذونها في الجاهلية، بأوتار القسي، فهذا فيه إشارة إلى التقليد وأنه يسوغ تقليدها، ومعلوم أن القلادة إذا كان المقصود بها شيء له حاجة كالخطام أو اللجام الذي يمسك به الفرس فهذا ليس فيه إشكال، وحتى البعير كذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يركب البعير وهو مخطوم، وكان يشده، وكان إذا وجد زحاماً أمسك الخطام، وإذا كان أرخى له الخطام يمشي، فالخطام لا بأس به، وأما القلادة التي تكون لغرض سيئ فلا تجوز، وأما إذا كانت لغرض محمود فلا بأس بها.
وهذا الحديث فيه تعارض مع الحديث السابق، وذلك أن الأول فيه (ولا قلادة) وهنا قال: (قلدوها) فالحديث في إسناده عقيل بن شبيب ، والإسناد كله مر في حديثين قد مضيا، وضعف الحديث الواحد الذي جاء من طريقين بـعقيل بن شبيب لأنه مجهول، وهنا جاء في هذا الإسناد، لكن الألباني حسَّن الحديث في صحيح سنن أبي داود، فلا أدري لعل ذلك بالشواهد وإلا فإن الإسناد هو نفس الإسناد الذي في الحديث السابق الذي مر بنا.
وهنا مسألة: وضع سلاسل أو حبال للزينة لتجميل الإبل في أعناقها عادة منتشرة عندنا في البلد، فهل هذا يدخل في النهي؟
إذا كانت توضع في رقبتها فهي قلادة سواء كانت من حديد أو من صوف أو من أي شيء، لكن جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقلد الهدي، وهذا مر بنا في الحج في تقليد الهدي، وأن عائشة كانت تفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإشعار، وهذا ليعرف أنه هدي، فإذا كان التقليد لغرض صحيح لا محذور فيه فإنه لا بأس به.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن سالم عن أبي الجراح مولى أم حبيبة عن أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في تعليق الأجراس. أي: في الخيل أو الإبل أو غيرها، أي: أن ذلك لا يجوز، وذلك لأنه ورد في بعض الأحاديث أنها مزمار الشيطان، فهذا يدل على ذمه، وعلى أنه لا يجوز تعليقه في البهائم، وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
أود أبو داود حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس) يعني: جماعة مع بعضهم، فإن الملائكة لا تصحبهم، بسبب ذلك الجرس الذي يكون في عنق دابة من دوابهم، وهذا يدل على تحريم ذلك، وأن ذلك من أسباب ابتعاد الملائكة، وعدم صحبة الملائكة لهؤلاء الرفقة، وذلك لهذا الذنب الذي اقترفه أحدهم، وهو يدل أيضاً على أن المصيبة وإن كانت خاصة فإنها تعم؛ لأن الذي علقه قد يكون واحداً منهم، ولكن هذا الحرمان من رفقة الملائكة يكون للجميع، وهذا يقتضي أن ينكر هذا الفعل ويمنع حتى تحصل الفائدة والمصلحة للجميع.
يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا تصحب الملائكة رفقة فيهم جرس)، والمقصود بذلك ملائكة الرحمة، أما الملائكة الذين هم ملازمون للكتابة فهؤلاء لا يفارقون الإنسان، ولكن المقصود من ذلك ملائكة الرحمة الذين يكونون مع الناس يستغفرون لهم، ويدعون لهم، فهذا من أسباب ابتعاد الملائكة عنهم.
وأما علة ذلك فقد سبق أن أشرت إلى أنه جاء في حديث من الأحاديث أنه مزمار الشيطان، وذلك أنها تشغل البال في هذا الأمر المحرم، وتشغل عن الأمر المشروع والأمر المستحب الذي هو ذكر الله عز وجل.
مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا يحيى ].
يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد الله ].
عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع ].
نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له صحاب الكتب الستة.
[ عن سالم ].
سالم بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الجراح مولى أم حبيبة ].
أبو الجراح قيل: اسمه الزبير ، مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن أم حبيبة ].
أم حبيبة رضي الله تعالى عنها، أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث الذي بعده شاهد له، فالمعنى الموجود في هذا الحديث موجود في الحديث الذي بعده، وفيه زيادة الكلب.
وقد قيل: إن منع تعليق الأجراس يدل على صاحبه برنينه وبصوته، وإن ذلك قد يشعر بوجود الجيش، ويدل على أن الجيش إذا كان فيهم جرس فإنهم يعرفون، ولكن الذي تقدم من جهة ورود الحديث في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مزمار الشيطان هو الأولى والأظهر بالتعليل.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة ، وهو مثل الذي قبله؛ وفيه زيادة الكلب، وأن الملائكة لا تصحب رفقة فيها كلب أو جرس.
والكلب: المقصود به الذي هو ممنوع منه، وأما إذا كان مأذوناً فيه فإن ذلك لا يمنع، وأما إذا كان غير مأذون فيه فهذا هو المحذور، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع نقص من أجره كل يوم قيراط) فهذا فيه دليل على عقوبة من يقتني الكلب لغير حاجة، فإن الملائكة ستبتعد عنه، وأيضاً كما جاء في الحديث الآخر أنه ينقص من أجره كل يوم قيراط.
أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا زهير ].
زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له صحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سهيل بن أبي صالح ].
سهيل بن أبي صالح ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإخراج البخاري له مقرون.
[ عن أبيه ].
أبو صالح وهو ذكوان السمان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الجرس -يعني: في شأنه وفي أمره- إنه مزمار الشيطان، وهذا هو التعليل لمنعه وتحريم تعليقه للبهائم.
محمد بن رافع النيسابوري القشيري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا أبو بكر بن أبي أويس ].
وهو: عبد الحميد بن عبد الله الأصبحي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثني سليمان بن بلال ].
سليمان بن بلال ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن العلاء بن عبد الرحمن ].
العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة قد مر ذكره.
كذلك منبه الساعة: فهناك أصوات ليست مثل صوت الجلجل الذي له رنين، فإذا حصل شيء من هذا فلا بأس به.
كذلك الجوال فيه أصوات ليس فيها موسيقى، وفيه أصوات فيها موسيقى، والناس الآن يتخذون في الجوال أصواتاً موسيقية، بحيث إذا دق إذا هي موسيقى، فهذا لا يجوز، وأما إذا كان صوت منبه، وليس من قبيل الجرس الذي يقال له الجلجل الذي فيه الرنين المحذور، فمجرد الصوت لا يؤثر.
الجواب: لا يجوز هذا أبداً ولو كان لهذا الغرض، فهو مزمار الشيطان.
الجواب: لا شك أنها سترجع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر فقال: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة).
ثم أيضاً الأحاديث التي وردت في أخبار آخر الزمان أنهم يركبون على الخيول، فهذا وارد في أحاديث آخر الزمان في الصحيحين وفي غيرهما، فهذا يدل على بقاء الخيل وعلى الاستفادة منها في ذلك الوقت أو في تلك الأزمان، ولا ندري هل هذه الوسائل الموجودة ستستمر وتبقى أم أنها ستنتهي، والعلم عند الله عز وجل!
ومعلوم أن هذه الوسائل تمشي على هذا الوقود وعلى هذا النفط الذي جعله الله سبباً في تحريكها والاستفادة منها، لكن لو أن هذه المادة ما وجدت؛ فلا يستفاد من هذه المركوبات شيئاً، فهذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد وأن يقع، أما هذا النفط الموجود فهل سيبقى أم ينتهي؟ الله تعالى أعلم.
لكن غالباً أنهم لا يذهبون إلى استعمال مثل هذه الوسائل مع وجود ما هو أمكن منها أو ما هو أشد منها، فيحتمل أن ذلك ينتهي، وأن الناس يعودون إلى تلك الوسائل التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عنها، أعني: الجيش الذي أخبر أنه يكون في زمن الدجال قال: (إني أعرف عشرة بأسمائهم وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم)، يقال لهم: إن الدجال خلفكم في أهليكم المرة الأولى فيكون كذباً، وفي المرة الثانية يكون صدقاً.
الجواب: خروجهم عن منهج أهل السنة في هذه الناحية لا شك فيه وهو أمر مؤكد لا إشكال فيه، ولكن هل يكونون ليسوا من أهل السنة أصلاً بسبب هذا أم أنهم منهم في الأصل ولكنهم أخطئوا في هذه الناحية أو في هذه الجزئية المعينة، وهذا لا شك أنه من جملة عقائد أهل السنة، أعني تحريم الخروج على الولاة، حتى المؤلفات السابقة الصغيرة المختصرة فيها هذا الشيء، يقول الطحاوي : ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم وندعو لهم بالصلاح والمعافاة.
يعني: فمنهج أهل السنة والجماعة أنهم لا يخرجون على الحكام، بل يدعون لهم ولا يدعون عليهم، وأما أهل البدع فإنهم يدعون عليهم ولا يدعون لهم، وغالباً أن الذين يخرجون يريدون أن يحلوا محلهم ويريدون أن يحصلوا هذا الذي حصل لغيرهم، فيكون الدافع لهم إلى ذلك إنما هو حب الرئاسة وحب الولاية وحب الدنيا.
الجواب: إذا لم تكن بيدهم سلطة يكون من العبث، اللهم إلا أن يكون المقصود أنهم يكونون مرجعاً للمسلمين في البلاد التي يحكمها كفار، فالأقليات الإسلامية تكون بحاجة إلى مرجع يرجعون إليه، فمثل ذلك إذا اجتمعوا وصار لهم مرجع يرجعون إليه لا بأس به، ولكنه كما هو معلوم لا يقال له: وال أو حاكم؛ لأن الحكم يكون للذي يستطيع التنفيذ، ولكن هؤلاء يعتبرون مرجعاً يرجع إليهم في الأمور التي يحتاجون إليها، يعني لحل مشاكلهم، ولإصلاح أحوالهم، ولطلب الأشياء التي يحتاج إلى طلبها، ولدفع الأذى عنهم.. وما إلى ذلك، أما أن تكون هناك ولاية تحت ولاية فهذه لا تكون وإنما الولاية فيمن من ولاه الله عز وجل سواء كان كافراً أو مسلماً، وسواء كان جائراً أو عادلاً، هذا هو الذي بيده التصرف ويسمع ويطاع في المعروف كما هو معلوم، ولكن مثل هذه الجماعة إذا كان المقصود منها كون المسلمين يرجعون إليهم، ويرتبطون بهم من ناحية حل المشاكل، وإصلاح ذات البين أو السعي لهم لتحصيل هذا فلا بأس به.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر