حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا ابن المبارك عن جرير بن حازم عن الزبير بن خريت عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نزلت إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال:65] فشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة، ثم إنه جاء تخفيف فقال: الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ [الأنفال:66] قرأ أبو توبة إلى قوله: يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ قال: فلما خفف الله تعالى عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم ].
أورد أبو داود باباً في التولي يوم الزحف يعني التولي عند التقاء جيوش المسلمين وجيوش الكفار وبدء المعركة.
والفرار والتولي يوم الزحف من الكبائر؛ لأن هذا يسبب الوهن والضعف، ومن أسباب الهزيمة للمسلمين كونه يوجد فيهم من يفر وينهزم، فيكون ذلك سبباً في هزيمة المسلمين، وهذا من الكبائر، وهو من السبع الموبقات التي جاءت في الحديث المتفق على صحته.
وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في المصابرة؛ وهو أنه كان في أول الأمر يجب على كل مسلم أن يصابر عشرة من المشركين، فيقف للعشرة ولا ينهزم أمامهم، بل عليه أن يثبت ويصبر، ثم إن الله عز وجل خفف عنهم، وجعل المصابرة من الواحد للاثنين.
فـابن عباس رضي الله تعالى عنه ذكر الناسخ والمنسوخ، وقال: إنه لما نقص العدد في المصابرة نقص من الصبر بقدره، بمعنى أنه قبل كان يصابر الواحد عشرة، فصار يصابر اثنين، فنقص العدد ونقصت المصابرة بقدره.
هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا ابن المبارك ].
هو عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جرير بن حازم ].
جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزبير بن خريت ].
الزبير بن خريت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ عن عكرمة ].
هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان في سرية، وأنهم حاصوا حيصة، أي: مالوا ميلة وانحرفوا وانهزموا وفروا، ولما برزوا وابتعدوا عن الكفار وعن المعركة ندموا على ما حصل منهم، وقالوا: إننا تولينا من الزحف. فرأوا أن يدخلوا المدينة خفية، ثم إنهم بدا لهم أن يعرضوا أمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لهم توبة وإلا فإنهم يعودون، فلما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر أخبروه بالذي قد حصل وقالوا: نحن الفرارون. فقال: [ (لا، بل أنتم العكارون) ].
أي: العائدون الذين هم معذورون.
وقوله: [ فدنونا فقبلنا يده ] فيه تقبيل اليد، وتقبيل اليد جاء فيه أحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سائغ لمن يستحق أن تقبل يده، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك ديدناً، ولا يصح حين يترتب على ذلك اغترار من الذي تقبل يده أو فتنة، أو غلو من الذي يحصل منه التقبيل، وإلا فإنه في الأصل جائز وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: [ (أنا فئة المسلمين) ].
وهذا إشارة إلى الاستثناء في قوله تعالى: (( إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ )) فهذا ليس ممن توعد إذا كان متحرفاً لقتال، والمتحرف للقتال هو الذي يحصل منه شيء من أجل أن يوهم العدو أنه منهزم ثم يكر عليهم، أو يطمع العدو في نفسه حتى يرجع إليهم ويقتلهم، أو ينحرف من جهة إلى جهة في المعسكر، فيذهب من جهة إلى جهة.
والتحيز إلى فئة هو أن يكون هناك جماعة أخرى تقاتل في مكان آخر في مقابل العدو فيذهب إليهم، فيكون فاعلو هذين الأمرين غير مؤاخذين وغير متوعدين بالوعيد.
وإنما المحذور هو الذي يفر لا لهذا ولا لهذا، لا متحرفاً لقتال ولا متحيزاً إلى فئة.
فقوله صلى الله عليه وسلم: [ (أنا فئة المسلمين) ] يعني أنهم برجوعهم إلى المدينة داخلون في قوله تعالى: (( أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ )) فيكونون بذلك معذورين.
والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف.
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا زهير ].
هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يزيد بن أبي زياد ].
يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه ].
عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن عبد الله بن عمر حدثه ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الذي فيه بيان نزول الآية: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ [الأنفال:16]،فهذه الآية نزلت في غزوة بدر، وأن التولي مذموم ومحرم إلا في حق هذين الصنفين من الناس: المتحرف لقتال والمتحيز إلى فئة.
محمد بن هشام المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا بشر بن المفضل ].
بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا داود ].
هو داود بن أبي هند ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي نضرة ].
هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي سعيد ].
هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم وخالد عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم عن خباب رضي الله عنه أنه قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فجلس محمراً وجهه فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله تعالى والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون) ].
أورد أبو داود باب في الأسير يكره على الكفر يعني كونه مأسوراً ويكره على أن يكون كافراً فيرجع عن الإسلام إلى الكفر، والعياذ بالله.
فكون الأسير يثبت على الإسلام ولو قتل هذا هو الذي يدل عليه حديث خباب بن الأرت ، ولو أن إنساناً أكره على الكفر ثم أظهر الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فإن ذلك ينفعه، ولا يكون كافراً بذلك كما جاء في القرآن الكريم، ولكن كونه يصبر ويثبت على دينه حتى لو قتل فإن هذا يكون أولى؛ حيث يدل على عزة المسلم وعظم شأن إسلامه، وأنه يثبت على الدين ولو قتل في سبيل دينه، ولكنه إن لم يصبر وأراد أن يتخلص من القتل بأن يظهر الكفر مع اطمئنان قلبه بالإيمان ومع كونه إنما يقول ذلك بلسانه دون قلبه فإنه معذور، ولا بأس بذلك.
وأورد أبو داود حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أنهم جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فقالوا له وقت إيذاء المشركين لهم: [ يا رسول الله! ألا تستنصر لنا؟ ] أي: تطلب النصر لنا من الله عز وجل فيظهرنا على أعدائنا.
فجلس صلى الله عليه وسلم محمراً وجهه من الغضب، فأخبرهم بأن الله عز وجل سيظهر دينه، ولكن الله عز وجل يبتلي المؤمنين بالكفار والكفار بالمؤمنين، والله عز وجل قادر على أن ينصر نبيه بدون قتال وبدون جهاد، ولكنه شاء أن يكون القتال والصراع بين الحق والباطل والمؤمنين والكفار، كما قال الله عز وجل: وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4].
فالله عز وجل قادر، ولو شاء أن ينصر المسلمين على الكفار بدون قتال لحصل ذلك، ولكنه شاء أن يبتلى المؤمنون بالكفار ليصلوا إلى ما يصلون إليه بأعمال صالحة وبهمم عالية، فقوله تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ [محمد:4] يعني: الكفار وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ يعني: أن الوصول إلى هذه الغاية يكون بتعب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) فالطريق الموصل إلى الجنة فيه تعب ونصب، ويحتاج الإنسان فيه إلى صبر، ولا بد من الصبر على طاعة الله، ولا بد من الصبر عن معاصي الله، ولا بد من الصبر على أقدار الله؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، كما قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [ (قد كان من قبلكم) ].
يعني في الأمم السابقة كان يؤتى بالرجل فيحفر له حفرة ثم يدفن فيها حتى لا يهرب وحتى لا يفر؛ لأن جسمه قد دفن في الأرض وما بقي إلا رأسه ظاهراً، فيؤتى بالمنشار ويطلب منه أن يرجع عن دينه ويترك دينه، فيأبى ويبقى على دينه فيفلق فلقتين، وكان يؤتى بأمشاط الحديد ثم تحرك على رأس الإنسان فتقطع كل ما تمر به دون العظم من عصب ولحم، كل ذلك من أجل أن يرجع عن دينه فلا يرجع، وهذا أذىً شديد وعذاب عظيم، ومع ذلك كانوا يصبرون، فأنتم مطلوب منكم أن تقاتلوا المشركين وأن تصبروا، والله عز وجل قادر على نصرة أوليائه، ولكنه شاء أن يبتليهم.
قوله: [ (والله ليتمن الله هذا الأمر) ].
يعني أن الغاية التي تريدونها والأمر الذي تريدونه سيحصل، وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، وهو أنه يخبر بالأمور المستقبلة والأمور المغيبة فتقع كما أخبر، وكان الصحابة يصدقون بحصولها ووقوعها حينما يبلغهم الخبر بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيصدقون ويؤمنون بأن ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام لا بد أن يوجد.
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر الذي يريدونه أنه سيحصل، ولكن الله شاء أن يكون الطريق الموصل إليه فيه تعب وفيه نصب، ولا يحصل بسهولة ويسر بدون أن يتعبوا وبدون أن ينصبوا وبدون أن يتميز من يصبر ممن لا يصبر، ومن يثبت ممن لا يثبت، فقال صلى الله عليه سولم: [ (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه) ] يعني: لا يخاف إلا الله عز وجل الذي هو النافع الضار والذي لا يحصل نفع إلا بقضائه وقدره، ولا يحصل ضرر إلا بقضائه وقدره، كما قال عليه الصلاة والسلام في وصيته لـابن عباس (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بحصول الأمن وأن الراكب سيسافر وحده، بل جاء في بعض الأحاديث أن الضعينة ستسافر وحدها لا تخشى أحداً.
وكذلك لا يخاف إلا الذئب على غنمه، وهذا من الأسباب العادية التي جعلها الله عز وجل من أسباب إلحاق الضرر بالشخص، وهي بقضاء الله وقدره، وفي ذلك بيان أن الأسباب تخشى، ولكن لا تكون خشيتها على اعتبار أن الأمر حاصل منها ومتعلق بها، بل ذلك بقضاء الله وقدره؛ لأنه لا يكون شيء من الأسباب ضاراً إلا وقد جعله الله ضاراً، ولا يكون سبب نافعاً إلا وقد جعله الله نافعاً، وقد يوجد السبب ولا يوجد المسبب، فقد يوجد الذئب، ولكن الله تعالى يعصم ويحفظ الغنم من أن يصل إليها الذئب، وقد يقدر الله عز وجل أن الذئب يصيبها.
قوله: [ (ولكنكم تعجلون) ] أي: تستعجلون فتريدون أن تحصل الأمور بدون تعب، وتريدون أن يحصل لكم شيء بدون مقابل وبدون نصب، والأمر هو كما قال عليه الصلاة والسلام: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات).
عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
هشيم مر ذكره، وخالد هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، وكل منهما ثقة، أخرج حديثهما أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم ].
إسماعيل وقيس بن أبي حازم قد مر ذكرهما.
[ عن خباب ].
هو خباب بن الأرت رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عمرو حدثه حسن بن محمد بن علي أخبره عبيد الله بن أبي رافع -وكان كاتباً لـعلي بن أبي طالب - قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا و
أورد أبو داود [ باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلماً ] يعني: ماذا يفعل به؟ هل يقتل أو لا يقتل؟ والذي يظهر أن حكمه يرجع إلى الإمام، وأنه يرى ما فيه المصلحة، فإن قتله فله قتله، وإن أبقاه فله إبقاؤه، وقد أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قصة حاطب .
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يغزو مكة عام الفتح أخفى الخبر عن الناس حتى لا يحصل اطلاع ومعرفة من الكفار بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم فيستعدون.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها إلا في غزوة تبوك فإنه أعلن أنه سيغزو الروم، وأمر الناس بالاستعداد وأمرهم بالنفير، وفي غيرها كان يوري حتى يخفى الخبر على الكفار الذين يريد أن يغزوهم صلى الله عليه وسلم.
وحصل من حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه أنه كتب كتاباً إلى الكفار بمكة يخبرهم بشيء من خبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يريد أن يأتي إليهم وأنه يتهيأ لغزوهم، وأرسل بذلك مع ضعينة -امرأة- فذهبت بهذا الكتاب.
فالله تعالى أطلع نبيه على ذلك، فأرسل علياً ومعه الزبير والمقداد بن الأسود ليأتوا بذلك الكتاب الذي مع هذه المرأة، وقال: [ (اذهبوا إلى روضة خاخ) ] وهي مكان بين مكة والمدينة، وأخبرهم بأنهم سيجدون امرأة معها الكتاب فليأتوا به، فذهبوا وأدركوها في المكان الذي أخبرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الغيب الذي أطلع الله نبيه عليه الصلاة والسلام عليه، والله تعالى يطلع من شاء من خلقه على ما شاء من غيبه، وقد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على كثير من الغيوب، ولكنه لم يطلعه على كل غيب، فعلم الغيب على الإطلاق من خصائص الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ [النمل:65] فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم متى تقوم الساعة، وقد جاء في حديث جبريل (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) وجاءت أحاديث كثيرة تدل على حصول أمور مغيبة لم يعلمها رسول الله عليه الصلاة والسلام، مثل العقد الذي كان لـعائشة فقد مكثوا يبحثون عنه وكان تحت الجمل الذي تركب عليه عائشة ، وكذلك في قصة الإفك ما كان صلى الله عليه وسلم يعلم الحقيقة، بل قال لـعائشة : (إذا كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه) ومكث خمسين يوماً وهو حزين متألم، وبعد ذلك أنزل الله براءتها في آيات تتلى من سورة النور، فعلم عليه الصلاة والسلام أنها بريئة، وقبل ذلك ما كان يعلم أنها بريئة، بل كان يقول لها: (يا
فلما لحق الثلاثة بالمرأة قالوا: أخرجي الكتاب. قالت: ما معي من كتاب. فقالوا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. أي: نفتشك ونخرجه منك. لأن الرسول أخبر بأنه معها، والرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يقول، فإذاً الكتاب موجود، وقد أمروا بأن يذهبوا للإتيان به، فهددوها وأخبروها، بل ورد في بعض الروايات أنهم هددوها بالقتل، فأخرجته من عقاصها، قيل: إنه كان في رأسها. وجاء في بعض الروايات أنه كان في حقوها، وجمع بينهما بأن قالوا: لعله كان في حقوها وربطته في طرف عقيصتها.
فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بموضوعه من حاطب بن أبي بلتعة إلى كفار قريش يخبرهم ببعض خبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ (ما هذا يا
فقوله: [ ما كان بي من كفر ولا ارتداد ] معناه أنه ليس باقياً على الكفر مظهراً للإسلام نفاقاً كما هو شأن المنافقين الذين لما قوي الإسلام وظهر الإسلام أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، فهم كفار، وذلك لأن قلوبهم معقودة على الكفر وباقية على الكفر، ولكنهم أظهروا الإسلام خوفاً من المسلمين، كما قال الله تعالى عنهم: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14] وقوله: [ ولا ارتداد ] يعني: ما دخلت في الإسلام ثم خرجت منه بالردة ورجعت إلى الكفر والعياذ بالله.
ثم بين سبب فعله بأن الموجودين في المدينة من المهاجرين لهم أقارب في مكة يحمون أهليهم وذويهم عندما يحصل الغزو، وقال: وأنا لست من أنفسهم، وإنما كنت ملصقاً بهم. يعني: أنا حليف من حلفائهم ولست من أنفسهم، فأراد إذ فاته أن يكون منهم من يحمون من يكون قريباً له أن تكون له هذه اليد عندهم حتى يحموا قرابته.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (صدقكم) ] فأخبر بأنه قد صدق، فقال عمر رضي الله عنه: [ دعني أضرب عنق هذا المنافق ] مع أن حاطباً قال: [ ما كان بي من كفر ] ومعناه: إني لست منافقاً باقياً على النفاق. فـعمر رضي الله عنه وأرضاه رأى أن هذا الفعل هو فعل من يظهر الإيمان ويبطن الكفر، فقال: [ دعني أضرب عنق هذا المنافق ].
فقال صلى الله عليه وسلم: [ إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم! ] فكونه من أهل بدر وكونه من الذين حصلت لهم تلك الفضيلة وتلك المنقبة، فنهايتهم طيبة، وما يحصل منهم فإنه مغفور لهم، ويكونون في الآخرة من أهل الجنة، فهذا يجعل حاطباً رضي الله عنه لا يؤاخذ بما فعل.
قوله: [ فأخرجته من عقاصها ].
العقاص هو ضفائر شعر رأسها.
قوله: [ فقال: يا رسول الله! لا تعجل علي؛ فإني كنت امرأً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها، وإن قريشاً لهم بها قرابات يحمون بها أهليهم بمكة ].
المقصود بقوله: [ وإن قريشاً ] المهاجرون الذين في المدينة، فقد كان لهم قرابات يحمون قراباتهم، وأما أنا فليس لي قرابات، فلست مثل بقية المهاجرين، فأردت أن تكون هذه اليد التي أقدمها لهم تقوم مقام القرابة التي حصلت للناس الآخرين فيحمون قرابتي وأهلي هناك.
وقول عمر رضي الله عنه: [ دعني أضرب عنق هذا المنافق ] وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شهد بدراً فيه إشارة إلى جواز قتل الجاسوس؛ لأنه ما ذكر شيئاً يمنع منه إلا كونه شهد بدراً، ففهم منه أنه لو لم يكن عنده هذه المنقبة لكان أهلاً لأن يقتل، ولكن الذي حصل لهذا الرجل رضي الله عنه أنه شهد بدراً، وأهل بدر قد قال الله تعالى فيهم ما قال، وهذا يدل على أن أهل بدر نهاياتهم حسنة، وأن مآلهم إلى الجنة، وهم من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم مغفور لهم في الآخرة، لكن هذا لا يعني أن من وجب عليه منهم شيء في الدنيا لا يؤاخذ به ويسقط عنه. بل لو فعل أمراً يستحق عليه حداً أو نحو ذلك فإنه يؤاخذ به، وإنما الكلام فيما يتعلق بالآخرة.
هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو ].
هو عمرو بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثه حسن بن محمد بن علي ].
حسن بن محمد بن علي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبره عبيد الله بن أبي رافع ].
عبيد الله بن أبي رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت علياً ].
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
هذا الإسناد الثاني الذي أورده المصنف عن علي رضي الله تعالى عنه هو قريب من الأول.
قوله: [ فانتحيناها ].
أي: قصدناها فحاولوا أخذ الكتاب فما وجدوه معها.
وقوله: [ والذي يحلف به ].
الذي يحلف به هو الله تعالى، فالحلف لا يكون إلا بالله تعالى.
قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ].
هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن خالد ].
هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حصين ].
هو حصين بن عبد الرحمن السلمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعد بن عبيدة ].
سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي عبد الرحمن السلمي ].
هو عبد الله بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن علي ].
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصهره زوج ابنته فاطمة ، وأبو الحسنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
حدثنا محمد بن بشار حدثني محمد بن محبب أبو همام الدلال حدثنا سفيان بن سعيد عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن فرات بن حيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتله، وكان عيناً لـأبي سفيان رضي الله عنه، وكان حليفاً لرجل من الأنصار، فمر بحلقة من الأنصار فقال: إني مسلم. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! إنه يقول: إنني مسلم! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن منكم رجالاً نكلهم إلى إيمانهم، منهم
أورد أبو داود [ باب في الجاسوس الذمي ] يعني: ماذا يصنع به وماذا يعمل به.
والذمي هو الذي له ذمة وله عهد، فإذا صار جاسوساً فإنه يكون ناقضاً لعهده وللإمام أن يقتله.
فالذمي هو الكافر الذي له عهد وذمة، فإذا غزا المسلمون بلاداً فدخل أهلها في ولايتهم وصاروا يدفعون الجزية لبقائهم على كفرهم صاروا أهل ذمة، وابن القيم له كتاب واسع في أحكام أهل الذمة من أحسن ما كتب في بيان أحكام أهل الذمة وما يتعلق بهم من مسائل وأحكام مختلفة، وهو كتاب واسع في عدة مجلدات، فهو من أحسن ما يرجع إليه فيما يتعلق بأحكام الكفار والتعامل معهم، سواء أكان في التهنئة أم في التعزئة أم في السلام أم في غير ذلك مما يتعلق بأحكام الكفار أهل الذمة وغير أهل ذمة.
وقد أورد أبو داود حديث فرات بن حيان رضي الله عنه أنه كان جاسوساً لـأبي سفيان ، وقد جاء في بعض الروايات أنه كان ذمياً وكان جاسوساً، ففي مسند الإمام أحمد أنه كان ذمياً، وهذا هو الذي فيه مطابقة للترجمة من جهة كونه ذمياً، وأنه كان عيناً -أي: جاسوساً- لـأبي سفيان في حال كفره، وذلك قبل أن يسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، وهذا يدل على أن الجاسوس الكافر إذا كان ذمياً فإنه يكون قد نقض عهده بذلك ويحل قتله، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى قتله، فجاء إلى مجلس جماعة من الأنصار فقال: [ إني مسلم ].
أي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، ولكن فراتاً أخبرهم بأنه مسلم، أي: دخل في الإسلام، وكان جاسوساً قبل أن يسلم.
فقال رجل من الأنصار: [ يا رسول الله! إنه يقول: إنه مسلم ].
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (إن منكم رجالاً نكلهم إلى إيمانهم) ].
يعني ما يقولونه بألسنتهم من أنهم مؤمنون وأنهم مسلمون، أي: الحكم بالظاهر؛ لأن الكافر إذا قال: إنه مسلم. أو قال: آمنت بالله. أو قال: أشهد أن لا إله إلا الله فإن الحكم أنه يكون مسلماً بذلك، ولا يبحث عما سوى ذلك؛ لأن الظاهر للناس والباطن علمه إلى الله سبحانه وتعالى، وقد مر في بعض الأحاديث: (أفلا شققت عن قلبه) يعني الذي قتل بعد أن قال: (لا إله إلا الله).
قال صلى الله عليه وسلم: [ (إن منكم رجالاً نكلهم إلى إيمانهم منهم
أي: أن فرات بن حيان من هؤلاء الذين نكلهم إلى إيمانهم.
ومحل الشاهد من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتله من أجل تجسسه، ولكن الإسلام هو الذي منع من ذلك وحال بينه وبين أن يقتل.
وقد كان جاسوساً لـأبي سفيان ، ولا ندري هل كان -أيضاً- من أهل الذمة أم لم يكن له عهد، ويمكن أن يكون عاش تحت ولاية الإسلام ولكنه استخدم للتجسس.
هو محمد بن بشار الملقب بـبندار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثني محمد بن محبب أبو همام الدلال ].
محمد بن محبب أبو همام الدلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان بن سعيد ].
هو سفيان بن سعيد الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي إسحاق ].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حارثة بن مضرب ].
حارثة بن مضرب ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن فرات بن حيان ].
هو فرات بن حيان رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود وحده.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو نعيم حدثنا أبو عميس عن ابن سلمة بن الأكوع عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين من المشركين وهو في سفر، فجلس عند أصحابه ثم انسل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اطلبوه واقتلوه. قال: فسبقتهم إليه فقتلته وأخذت سلبه فنفلني إياه) ].
أورد أبو داود [ باب في الجاسوس المستأمن ].
المستأمن هو الذي له أمان، وهو الذي يدخل إلى بلاد المسلمين ويعطى أماناً على نفسه وماله مدة بقائه في بلاد المسلمين.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث سلمة بن الأكوع ، وفيه ذكر قصة الرجل الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في سفر، وأنه جاء وأناخ بعيره ودخل معهم، وبعد ذلك انسل بسرعة وركب بعيره وهرب، فعلموا أنه جاسوس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم باللحاق به وبقتله، فلحقوه، وكان الذي أدركه سلمة بن الأكوع ، وكان عدَّاءً -أي: سباقاً على رجليه- فسبق الذين على الإبل حتى تقدم عليهم وأمسك خطام جمل الجاسوس وقتله، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه.
والحديث ليس فيه دليل واضح على الاستئمان، ولكن كونه جاء وجلس معهم ورأى حالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق بسرعة معناه أن له حكم المستأمن الذي أعطي أماناً.
ولكن البخاري بوب لهذا بقوله: (باب الجاسوس بغير أمان) يعني: وليس له أمان؛ لأن هذا جاء ولم يكن له أمان، فلعل أبا داود أراد من وراء ذلك أن يبين أن حكم المستأمن يكون كذلك، وأنه إذا حصل منه تجسس فإنه ينقض أمانه ويستحق القتل.
وهذا الجاسوس الذي جاء وجلس مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى حالهم ثم انسل فعرفوا أنه جاسوس ما كان ابن سبيل أو عابر سبيل، وما جاء ليشاركهم في أكلهم أو ليكون ضيفاً عندهم، وإنما جاء ليتجسس ثم انصرف بسرعة وهرب، فعند ذلك عرفوا أنه جاسوس فلحقوه، وقتله سلمة بن الأكوع، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه.
قوله: [ أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه ثم انسل ].
أي: جلس عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى ضعف حالهم وضعف ركابهم وما فيهم من ضعف.
[ فانسل ] يعني: خرج منسلاً إلى بعيره، وكان قد قيده، ففك قيده وركب عليه ثم هرب.
قوله: [ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلبوه فاقتلوه. قال: فسبقتهم إليه فقتلته وأخذت سلبه فنفلني إياه ].
هذا اختصار للقصة، وستأتي بكمالها في الحديث الآتي.
فـسلمة بن الأكوع رضي الله عنه لحقه يعدو على رجليه، وكان ممن لحقه صاحب ناقة ورقاء كانت من أحسن الركاب، ولكنه سبق الناقة وسبق الجمل حتى تقدم وأمسك بخطامه وأناخه، ولما أناخه اخترط سيفه وضرب عنقه فسقط رأسه ومات.
هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا أبو نعيم ].
هو الفضل بن دكين الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو عميس ].
هو عتبة بن عبد الله المسعودي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن سلمة بن الأكوع ].
هو إياس بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وهو أكثر تفصيلاً لهذه القصة من الرواية السابقة، وقد أخبر سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بأنهم كانوا في غزوة هوازن، وأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا قد نزلوا يأكلون طعاماً في الضحى، قال: نتضحى مثلما يقال: نتغدى ونتعشى. أي: طعام الغداة وطعام العشاء.
فجلسوا يأكلون في وقت الضحى فجاء هذا الرجل وشاركهم في الأكل وهو جاسوس، فلما رأى رقة حالهم وضعفهم انسل وركب، وكان حين وصل إليهم قد انتزع طلقاً من حقو جمله -والطلق هو عقال من جلد- فقيده به، أي: وضعه على يديه بحيث لا يمشي مع استطاعته أن يتحرك ليرعى.
فلما رأى حالتهم انسل وأطلق عقال جمله وأناخه وركب عليه، ثم جعل يركضه، أي: يستحثه على الجري والعدو، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم باللحاق به وقتله، فلحقه رجل من أسلم من جماعة سلمة بن الأكوع على ناقة ورقاء هي أمثل الإبل التي معهم، فكان رأسها عند ورك الجمل، فلحق بهما سلمة حتى صار عند ورك الناقة، ثم تقدم حتى صار عند ورك الجمل، ثم تقدم حتى صار أمامه وأمسك بخطامه وأناخه، ولما أناخه وصارت ركبة البعير في الأرض اخترط سيفه فضرب رأسه فندر، أي: سقط رأسه، فجاء بالبعير يقوده وما عليه، فاستقبله الرسول صلى الله عليه وسلم هو والناس، أي: قاموا من أماكنهم يستقبلون اللذين ذهبا لقتل هذا الجاسوس فلما وصلا قال صلى الله عليه وسلم: [ (من الذي قتله؟) ] قالوا: سلمة بن الأكوع فقال: [ (له سلبه أجمع) ] يعني: كل سلبه يكون لـسلمة ، والسلب هو مال القتيل الكافر ثيابه وسلاحه يعطاه قاتله.
والحديث فيه دليل على القيام لاستقبال من يأتي واستقبال القادم والداخل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة استقبلوا من لحق ذلك الجاسوس.
هو هارون بن عبد الله الحمال ، وهو البغدادي ، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ أن هاشم بن القاسم ].
هاشم بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن هشاماً ]
يحتمل أن يكون المراد به هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي ، ويحتمل أن يكون المراد به هشام بن سعيد الطالقاني ، وفي تهذيب الكمال في ترجمة هارون بن عبد الله الحمال لم يذكر من مشايخه من يسمى هشاماً إلا هشام بن سعيد الطالقاني .
وإن كان هشام هنا هو هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي فمعنى ذلك أن أبا داود روى عنه بواسطة وبغير واسطة.
وعلى كل حال فإن كان المراد هشام بن سعيد الطالقاني فهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي ، وإن كان المراد هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي فهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عكرمة ].
هو عكرمة بن عمار العجلي ، صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني إياس بن سلمة حدثني أبي سلمة بن الأكوع ].
قد مر ذكرهما.
وقوله: [ قال هارون : هذا لفظ هاشم ] معناه أن الحديث لفظ هاشم بن القاسم وليس لفظ هشام .
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر