سبق في الدرس الماضي البدء بترجمة: [ما يكره من الضحايا] وشرحنا الحديث الصحيح الذي فيه بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لأربع أنه لا يضحى بها قال: (العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسير التي لا تنقي)، وفي بعض الأحاديث: (العجفاء التي لا تنقي)، وقد أورد أبو داود هنا حديث عتبة بن عبد السلمي رضي الله تعالى عنه.
قوله: [خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئاً يعجبني غير ثرماء فكرهتها].
الثرماء قيل هي: التي سقطت الثنية والرباعية من أسنانها، ولا أعلم ما يدل على تحريمها وعلى عدم إجزائها إذا كانت سمينة صالحة من حيث قوتها وسلامتها، وأما إذا كانت هزيلة عجفاء فإنها لا تجزئ، كما سبق أن مر: (والعجفاء التي لا تنقي).
قوله: [ (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المصفرة، والمستأصلة، والبخقاء، والمشيعة، والكسراء) ].
قد ذكر تفسير هذه الخمس فقال: [ المصفرة التي قطعت أذنها من سماخها] أي: من أصلها.
قال: [والمستأصلة التي استؤصل قرنها من أصله، والبخقاء التي تبخق عينها] أي: تفقأ عينها.
قال: [والمشيعة هي التي لا تتبع الغنم] أي لا تسايرها ولا تمشي معها لضعفها وهزالها، قيل: المشيَعة، وقيل: المشيِعة، المشيَعة لأن الراعي يشيعها، أي يسوقها حتى تلحق بغيرها، ومشيِعة لأنها تشيع الغنم، أي تمشي وراءها، وذلك لهزالها وضعفها.
قال: [والكسراء الكسيرة] أي التي فيها كسر، ويترتب على ذلك عدم قدرتها على مسايرة الغنم.
فالحديث يدل على أن هذه الأشياء مما يكره في الضحايا، لكن الحديث غير ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه رجلاً مجهولاً وفيه رجلاً مقبولاً لا يحتج به إلا عند المتابعة.
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: أخبرنا، ح وحدثنا ].
[ح] هي للتحول من إسناد إلى إسناد، ومع أن أبا داود له هذان الشيخان إلا أنه أتى بالتحويل من أجل أن يبين الفرق في الصيغة، وهي أن الشيخ الأول قال: أخبرنا، والشيخ الثاني قال: حدثنا.
[حدثنا علي بن بحر بن بري ].
علي بن بحر بن بري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي .
[ حدثنا عيسى المعنى ].
عيسى هو شيخ إبراهيم وشيخ ابن بري ، وهو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقوله: المعنى يعني: أن رواية كل من الشيخين ليست متفقة في اللفظ، ولكنها متفقة في المعنى.
[ عن ثور ].
هو ابن يزيد الحمصي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثني أبو حميد الرعيني ].
هو مجهول، أخرج له أبو داود .
[ أخبرني يزيد ذو مضر ].
يزيد ذو مضر وهو مقبول، أخرج له أبو داود .
[ عن عتبة بن عبد السلمي ].
عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود وابن ماجة .
أورد أبو داود حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
قوله: [ (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذنين) ].
أي: أن نطلع ونشرف عليها ونراها ونتأمل فيها.
قوله: [ (ولا نضحي بعوراء) ]، أي: العوراء البين عورها، كما سبق في حديث مضى.
قوله: [ (ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء) ].
المقابلة هي التي قطع من مقدم أذنها.
والمدابرة التي قطع من مؤخر أذنها.
والشرقاء التي قطعت أذنها وشقت فصارت قطعتين.
والخرقاء التي خرقت أذنها للسمة، أي أنه حصل فيها وسم، ولكن الوسم لم يكن على الظاهر بل ترتب عليه أنه سقط ما يقابله من الداخل؛ لأن الوسم قد يكون بدون خرق فيكون علامة بينة فيها، وقد يترتب على ذلك استئصال مكان الوسم الذي توسم به الغنم لتميز ولتعرف بأنها لآل فلان الذين وسمهم على صفة كذا؛ لأنهم كانوا يسمون، وكل له وسم معروف بحيث إنه إذا رئي الوسم قيل: هذه لآل فلان، أو هذا وسم آل فلان، فيكون هذا علامة.
فالتي تخرق أذنها للسمة معناه أنه يحصل الانخراق بسبب أنها وسمت، فترتب على الوسم استئصال ما جاءت عليه النار فصارت خرقاء.
[ فقلت لـأبي إسحاق : أذكر عضباء؟ قال: لا ].
والعضباء هي التي قطع أكثر قرنها أو أكثر أذنها كما سيأتي مبيناً في بعض الروايات عند أبي داود .
والحديث ضعفه الشيخ الألباني بسبب أبي إسحاق السبيعي ، وهو أنه قد اختلط، وقال: إن الذين رووا عنه هذا الحديث كلهم ممن روى عنه بعد الاختلاط، ليس فيهم أحد روى عنه قبل الاختلاط.
وكما هو معلوم أن بعض هذه العيوب لا يؤثر، كما لو قطع شيء من مقدم أذنها أو من مؤخر أذنها، أو كان في أذنها خرق أو ما إلى ذلك.
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن زهير ].
زهير بن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي إسحاق ].
عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شريح بن النعمان -كان رجل صدق- ].
وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن علي ].
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن)]، وعضباء الأذن والقرن هي التي قطع أكثر أذنها وأكثر قرنها، وقد مر في الحديث السابق أنه قال: هل ذكر العضباء؟ قال: لا، وإنما جاء ذكره في هذا الحديث، والحديث أيضاً فيه جري بن كليب وهو متكلم فيه فلا يصح من أجله، وهو مقبول.
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جري بن كليب ].
وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن علي ].
علي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
[ قال أبو داود : جري سدوسي بصري لم يحدث عنه إلا قتادة ].
هذا تعريف من أبي داود لـجري بن كليب وأنه بصري لم يحدث عنه إلا قتادة ، وقد روى عنه بالعنعنة، وهو نفسه متكلم فيه.
وجري تصغير جرو، والجرو هو ولد الكلب، وكليب تصغير كلب، فهو هنا مصغر وابن مصغر: جري بن كليب .
أورد أبو داود هذا الأثر في بيان الأعضب وأنه ما ذهب منه النصف فما فوقه، أي: من القرن أو الأذن، فهذا تفسير من سعيد بن المسيب للأعضب.
وهذا المتن يقال له في علم المصطلح: مقطوع، وهو المتن الذي ينتهي إسناده إلى التابع أو من دون التابع؛ لأن الذي ينتهي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، والذي ينتهي إلى الصحابي يقال له: موقوف، والذي ينتهي إلى التابعي أو من دونه يقال له: مقطوع.
والمقطوع غير المنقطع؛ لأن المنقطع من صفات الإسناد، وهو سقوط رجل أو أكثر بشرط عدم التوالي، وكذلك أيضاً مع التوالي يقال له انقطاع.
مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن يحيى ].
يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكرهما.
[عن سعيد بن المسيب ].
وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا هشيم حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كنا نتمتع في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نذبح البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة، نشترك فيها) ].
أورد أبو داود : باباً في البقر والجزور عن كم تجزئ؟ يعني عندما يشترك جماعة في ضحايا أو في هدي، كم يشترك في البقرة والجزور؟
والجزور هي من الإبل سواء كانت ذكوراً أو إناثاً، والجزور تجزئ عن سبعة والبقرة تجزئ عن سبعة، ومعنى ذلك أن البقرة تعادل سبع شياه والجزور سبع شياه، فيمكن أن يوجد سبعة أشخاص كل واحد يريد أضحية فيشتركون في بقرة أو في بدنة، وكل واحد له سبع يعادل الشاة.
وأما الغنم فإنه لا اشتراك فيها؛ لأن شاة واحدة يأتي بها الإنسان لنفسه أو عنه وعن غيره، وأما بالنسبة للهدي فلا اشتراك فيه عنه وعن غيره، وإنما يكون الهدي بالشاة عن واحد، وسبع البدنة عن واحد أو سبع البقرة عن واحد.
[ عن جابر بن عبد الله قال: (كنا نتمتع في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نذبح البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة نشترك فيها) ].
قوله: [ (كنا نتمتع) ] معناه: أنهم عند الحج يكونون متمتعين وعليهم هدي، فيشترك في البقرة سبعة وفي البدنة سبعة، بمعنى أن سبعة أشخاص يجتمعون ويشترون جزوراً أو يشترون بقرة ويذبحونها عن السبعة هدياً، والرسول صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر في حجة الوداع وهن متمتعات، فالبقرة يشترك فيها سبعة والبدنة سبعة.
وذكر التمتع مع أن الكتاب كتاب الضحايا؛ لأن الغالب أن الأحكام واحدة فيما يتعلق بالذبائح، إلا أن هناك فرقاً بينها من حيث إن الأضحية تكون في كل مكان والهدي لا يكون إلا في الحرم، أو حيث أحصر كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية، وكذلك لا تذبح الشاة في الحج عن الرجل وأهل بيته أو زوجته بخلاف الأضحية فيذبحها الرجل عن نفسه وأهل بيته.
أما العقيقة فلا اشتراك فيها، فيذبح عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة، ولا يشترك فيها أحد.
أما لو ذبح بقرة أو جزوراً عن الشاتين أو عن الشاة في العقيقة فهذا لا شك أنه مجزئ؛ لأنه أكمل وأتم وأكثر من الشاتين؛ لأن البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة، فهي تجزئ وزيادة؛ لكن لا تذبح البدنة أو البقرة إلا عن شخص واحد، أو شاتين عن الغلام، أو شاة عن الجارية، ولا يشترك في العقيقة سبعة أشخاص كل واحد له بنت فيذبحون عنهن بقرة أو بدنة، فإن هذا ما ورد.
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشيم ].
هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الملك ].
وهو ابن أبي سليمان ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عطاء ].
عطاء بن أبي رباح المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة)، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد ].
هو ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
و حماد هنا مهمل، لأنه إذا ذكر الراوي دون أن ينسب قيل له: مهمل سواءً ذكر اسمه ولم ينسب، أو ذكر اسمه واسم أبيه وكان ملتبساً ومشتبهاً بغيره، وتمييز المهمل ومعرفته تكون بالشيوخ والتلاميذ؛ فلنا حماد بن زيد وحماد بن سلمة وكلاهما بصري، وكلاهما في طبقة واحدة، ولهذا يأتي في الأسانيد أو في التراجم: روى عن الحمادين، أو: روى عنه الحمادان.
ولكن هناك تلاميذ فيهم من لا يروي إلا عن واحد منهما مثل موسى بن إسماعيل لا يروي إلا عن حماد بن سلمة ، ولا يروي عن ابن زيد ، فإذا أطلق حماد غير منسوب يروي عنه موسى بن إسماعيل فالمراد به حماد بن سلمة ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن قيس ].
قيس بن سعد المكي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
عطاء بن أبي رباح عن جابر قد مر ذكرهما.
هذا في الهدي، وجابر رضي الله عنه يقول: [ (نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة) يعني: في غزوة الحديبية، وكانت على حدود الحرم وقريبة من الحرم، وذلك حيث أحصر صلى الله عليه وسلم، وهذا دال على ما دل عليه الحديثان المتقدمان من الاشتراك في البقر والإبل، وهذا في الهدي، والأضحية مثله.
القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزبير المكي ].
محمد بن مسلم بن تدرس ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
جابر رضي الله عنه، وقد مر ذكره، وهذا رباعي، فهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب (يعني الإسكندراني ) عن عمرو عن المطلب عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتي بكبش، فذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده، وقال: باسم الله، والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي) ].
أورد أبو داود باباً في الشاة يضحى بها عن جماعة وليس المقصود بالشاة -كما سبق- خصوص الشاة التي هي من الضأن، وإنما المقصود من ذلك الذكر والأنثى من الضأن والماعز، هكذا جاء الاستعمال والإطلاق في الأحاديث، فالمقصود أن الأضحية الواحدة من الغنم الواحدة سواء كانت تيساً أو عنزاً أو خروفاً أو كبشاً، يضحي بها صاحب البيت عنه وعن أهل بيته، فيشتركون فيها، وهذا بخلاف الهدي.
ووجه الدلالة من الحديث قوله: [ (عني وعمن لم يضح من أمتي) ] ؛ لأن معناه أن جماعة اشتركوا في الأضحية، أي: في الأجر والثواب، وأن الرسول ضحى عنه وعمن من لم يضح من أمته صلى الله عليه وسلم، فهذا هو وجه إيراد الحديث في الترجمة.
والحديث فيه أيضاً التسمية والتكبير عند الذبح، وفيه أيضاً كون المضحي يذبح بيده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذبحه بيده.
قوله: [ (فلما قضى خطبته) ].
فيه النحر في المصلى؛ لأنه قال: [ (نزل من منبره) ] وذبح أضحيته.
وقيل: إن الذبح حدث بالمصلى من أجل أن يعلم الناس كيفية الذبح، أو من أجل أن يأتي الفقراء والمساكين ليأخذوا حقهم ويكون مبذولاً لهم.
وقوله: [ (فلما قضى خطبته نزل من منبره) ].
لأن الخطبة بعد الصلاة، ومعناه أنه انتهت الصلاة وانتهت الخطبة فنزل وذبح.
قوله: [ (وأتي بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) ] فيه أنه أتي بكبش، ومر معنا ذكر أنهما كبشان، فيمكن أن تكونا حادثتين في سنتين، ويمكن أنه ذبح واحداً في المصلى وواحداً في غير المصلى.
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يعقوب يعني الإسكندراني ].
يعقوب بن عبد الرحمن القاري الإسكندراني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن عمرو ].
عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المطلب ].
المطلب بن عبد الله بن حنطب ، وهو صدوق كثير التدليس والإرسال، وقد أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[ عن جابر بن عبد الله ].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.
وهنا راو كثير التدليس والإرسال، ولكن جاء عند الحاكم في المستدرك التصريح بالسماع من جابر ومعه شخص آخر مبهم، وقال: إنه أخبرهما، والحديث ذكره الألباني في إرواء الغليل، وقال: إنه حصل التصريح بالتحديث عند الحاكم ، وكذلك عند الطحاوي، فقول الترمذي أن عبد الله بن حنطب لم يسمع من جابر مردود؛ لأنه قد صرح بالسماع عند الحاكم.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة أن أبا أسامة حدثهم عن أسامة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يذبح أضحيته بالمصلى) ، وكان ابن عمر يفعله ].
أورد أبو داود [باب الإمام يذبح في المصلى] أي: يذبح الأضحية في المصلى، وقد أورد فيه حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذبح أضحيته بالمصلى.
والحديث السابق يدل على هذا، لأنه نزل فأتي بكبش فذبحه، فهذا الذي جاء في حديث ابن عمر يدل عليه حديث جابر المتقدم وهو أنه ذبح في المصلى.
وقد قيل: إن ذبح الإمام بالمصلى من أجل أن يتبعه الناس ويذبحون بعد ذبحه، ومعلوم أن الذبح لا يكون إلا بعد الصلاة، فإذا كان الإمام قد نزل من المنبر وذبح أضحيته، فمعناه أنه سيكون ذبحهم بعد ذبحه، وكذلك أيضاً لتعليم الناس طريقة الذبح، وأيضاً ليكون هناك مجال للفقراء والمساكين ليأخذوا من اللحم؛ لأنه في مكان بارز وهو المصلى.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ عن أبي أسامة ].
أبو أسامة حماد بن أسامة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أسامة ].
أسامة بن زيد الليثي ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن نافع ].
نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس ، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وجابر وأنس وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فهؤلاء السبعة عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ وكان ابن عمر يفعله ] أي: فليس ذلك خاصاً بالإمام.
قال: حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقي، قالت: فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا رسول الله! لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم ويجملون منها الودك، ويتخذون منها الأسقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وما ذاك؟ أو كما قال، قالوا: يا رسول الله! نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم؛ فكلوا، وتصدقوا، وادخروا) ].
أورد أبو داود [باب في حبس لحوم الأضاحي] أي: ادخارها، وأن الناس يبقونها عندهم للاستفادة منها عدة أيام يوم العيد وأيام التشريق، وأن هذا سائغ ومشروع ولا بأس به.
وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [ (دف ناس من الأعراب حضرة الأضاحي) ]، معناه أنهم جاءوا وعندهم ضعف وفيهم مسكنة وحاجة، وقد جاءوا يتحرون أن يحصلوا شيئاً من اللحم بمناسبة العيد وذبح الأضاحي.
والدف قيل: هو المشي الخفيف، وقيل: المشي السريع مع مقاربة الخطا، ولعل السبب في ذلك الضعف ما كان فيهم من الفاقة والحاجة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يدخروا الثلث وأن يتصدقوا بالثلثين؛ من أجل تمكين هؤلاء الذين جاءوا من تحصيل اللحم الذي هم بحاجة إليه.
أي: كانوا يفعلون ذلك فيما مضى؛ ولكنهم بعد ذلك أمروا بأن يبقوا الثلث ويتصدقوا بالثلثين.
قوله: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وما ذاك؟) ].
أي: ما السبب الذي جعلكم تقولون هذا الكلام؟
قوله: [ (قالوا: إنك نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث) ]، معناه أن الناس يأكلون في حدود ثلاثة أيام، وبعد ذلك لا يمسكون.
قوله: [ (إنما نهيت من أجل الدافة التي دفت)]، أي من أجل تلك الحالة التي حصلت، والجماعة الذين جاءوا يدفون إلى المدينة من أجل أن يحصلوا اللحم، ومعنى هذا أنه نسخ ذلك النهي عن إمساك اللحم بعد ثلاث، فصار سائغاً لهم الأكل والادخار.
قوله: [ (ويجملون منها الودك) ].
الجمل هو الإذابة، أي أن الشحم يذاب فيخرج منه ودك نتيجة للإذابة، ثم هذا الودك يحتفظون به ويجعلونه إداماً لأطعمتهم.
ثم الحديث جاء عن بعض الصحابة، وجاء عن بريدة رضي الله عنه ذكر ثلاثة أشياء منها هذا، وهو ذكر الناسخ والمنسوخ في حديث واحد، ففيه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ألا فادخروا، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الأسقية فانتبذوا في كل سقاء ولا تشربوا مسكراً)؛ لأنه قبل كان نهاهم أن ينتبذوا في الدبا والحنتم والمقير من الأوعية التي قد يحصل فيها إسكار دون أن يظهر على ظاهرها، ثم بعد ذلك أذن لهم أن ينتبذوا في كل وعاء ولكن بشرط ألا يشربوا مسكراً.
فهذا حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه اشتمل على ثلاثة أمور فيها إشارة إلى المنسوخ والإتيان بالناسخ، ومنه هذه المسألة التي معنا في حديث عائشة رضي الله عنها.
عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرة بنت عبد الرحمن ].
عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية رحمها الله، وهي تابعية ثقة، وهي مكثرة من الرواية عن عائشة ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة ].
أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث نبيشة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (كنا نهيناكم عن لحومها) ] أي لحوم الأضاحي.
قوله: [ (أن تأكلوها فوق ثلاث) ].
أي أمرهم أن يأكلوا في حدود ثلاثة أيام، ولا يزيدون عن ذلك.
ثم إنه قال: [ (إنما نهيناكم من أجل السعة)]، يعني من أجل التوسيع على الناس، ومن أجل الحاجة إلى الناس.
قوله: [ (وقد جاء الله بالسعة) ] أي: كثر الخير وحصل الاستغناء، والسبب الذي نهينا من أجله -وهو أن يتيحوا الفرصة ويفسحوا المجال لأولئك الذين دفوا وجاءوا إلى المدينة من أجل أن يحصلوا اللحم- قد ذهب، فكلوا وادخروا واتجروا.
قوله: [ (اتجروا) ] معناه تصدقوا، والمقصود من ذلك اطلبوا الأجر، وليس المقصود التجارة الدنيوية؛ لأن الضحايا لا يباع منها شيء، بل الجزار لا يعطى أجرته منها، وإنما يعطى أجرته من خارجها، فالمقصود بالاتجار هنا طلب الأجر وذلك بالصدقة، وليس المقصود منه التجارة؛ لأن الضحايا لا يباع منها شيء.
قوله: [ (ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل) ].
هذه الأيام التي هي أيام عيد الأضحى والثلاثة الأيام التي بعده هي أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، أي أنه لا يجوز صومها فهو حرام، أما يوم العيد فلا يجوز صومه بحال من الأحوال، وأما أيام التشريق فأيضاً لا يجوز صومها إلا لمن لم يجد الهدي، كما ثبت أنه لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، فمن لم يجد هدي التمتع أو القران يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فله أن يصوم أيام التشريق، وقد رخص له في ذلك.
مسدد مر ذكره.
[ عن يزيد بن زريع ].
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خالد الحذاء ].
خالد بن مهران الحذاء ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي المليح ].
أبو المليح بن أسامة بن عمير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نبيشة ].
قال الشيخ الألباني رحمه الله: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو من رواية عبد الرزاق عن معمر ، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة في التوحيد وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة، وكذلك أخرجه مسلم والبخاري بلفظ: (فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه).
السؤال: ما معنى قوله: (لم يعملوا خيراً قط)، وهل يكون الحديث حجة للذين يجعلون الأعمال شرط كمال، مع أن ظاهر الحديث يؤيد ما ذهبوا إليه ولا قرينة صارفة؟
الجواب: الأعمال ليست على حد سواء، بل هي متفاوتة، فيها ما يكون كمالاً وفيها ما لابد منه، ومعلوم أن الأعمال من الإيمان، وهي داخلة في مسمى الإيمان، والمسلم عندما يدخل في الإسلام يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولابد أن يأتي بمقتضى الشهادتين، وليس معنى ذلك أنه يدخل في الإسلام ثم لا يصلي لله ركعة، ولا يزكي، ولا يحج، ولا يفعل الأعمال مطلقاً، فالحديث لا أدري على أي وجه يحمل إذا كان صحيحاً وإلا فإن الأعمال لابد منها.
فالشهادتان لابد من العمل بمقتضاهما، وإلا فإن المنافقين يقولونها ومع ذلك لا تنفعهم، ومن كان مؤمناً وهو صادق الإيمان فإن مقتضى ما عنده من الإيمان أن يأتي بالأعمال الصالحة كما قال بعض السلف: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال.
والحاصل: أنه لا يجوز أن يبحث عن أشياء يستهان بسببها بالأعمال، فبعض الناس يعتمد على أحاديث الوعد، ثم يهملون أو يضيعون ويفوتون على أنفسهم تحصيل الأعمال الصالحة؛ بسبب ما يسمعونه من أحاديث الوعد، فلابد من مراعاة الوعد ولابد من مراعاة الوعيد، فلا يغلب أحد جانب الوعد ولا يغلب جانب الوعيد، بل لابد من هذا وهذا.
وهذه اللفظة يستدل بها من يقول بعدم كفر تارك الصلاة.
أما حديث المفلس فلا دلالة فيه على شيء؛ لأنه يدل على أنه كان عنده شيء ولكنه ذهب، حيث أخذه الدائنون، فيمكن أن يكون المعنى أنهم ما عملوا شيئاً بقي لهم أو ينفعهم، لا أنهم دخلوا في الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله ثم لم يسجدوا لله سجدة، ولم يطعموا مسكيناً، ولم يحجوا، ولم يصوموا يوماً من الدهر.
الجواب: إذا كانوا في بيت واحد فإنها تجزئ عنهم كلهم، وذلك إذا كانوا في بيت واحد وطعامهم واحد ومسكنهم واحد، أما إن كان كل واحد مستقلاً في بيته وعائلته، فكل واحد يذبح ذبيحة.
الجواب: تجزئ الحامل، ولكن الأولى أن تجتنب.
الجواب: هذا غير صحيح، إنما التكبير يشرع للذابح الذي يذبح، فيقول: باسم الله، والله أكبر، أما الباقون فلا يكبرون للذبح، ولكن إن كانوا يكبرون لأيام التشريق فلا بأس، لا من أجل الذبح؛ لأن أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر