حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).
قال أبو داود : أبو الغيث سالم مولى ابن مطيع .
حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني حدثنا معاذ بن هانئ حدثنا حرب بن شداد حدثنا يحيى بن أبي كثير عن عبد الحميد بن سنان عن عبيد بن عمير عن أبيه رضي الله عنه أنه حدثه -وكانت له صحبة- أن رجلاً سأله فقال: (يا رسول الله! ما الكبائر؟ فقال: هن تسع -فذكر معناه، زاد-: وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم ].
أي: بيان أن ذلك خطير وشديد، وأنه من الكبائر التي حرمها الله عز وجل، وقد جاء في القرآن الكريم بيان خطورته، وكذلك في السنة، وقد جاء في القرآن: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10].
وجاء في السنة أحاديث منها هذا الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) (اجتنبوا) أي: ابتعدوا واحذروا أن تقعوا فيها، ولتكن هي في جانب وأنتم في جانب بحيث لا تقربوها ولا تفعلوا شيئاً منها، وأولها: الشرك بالله عز وجل.
والشرك بالله عز وجل بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، فالله تعالى هو الذي خلق ورزق، وهو الذي يحيي ويميت، فكيف يجعل لله نداً؟! وهذه الأنداد مخلوقة كانت بعد أن لم تكن، فكيف يعبد الإنسان مخلوقاً مثله! أين العقول؟!
العبادة إنما تكون لله عز وجل الذي تفرد بالخلق والإيجاد، وهو الذي يجب أن يفرد ويخص بالعبادة، ولا يجعل مع الله شريك في العبادة، بل يجب أن تكون خالصة لوجه الله، كما قال الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وقال: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، فلابد من الإخلاص لله عز وجل، ولابد من إفراد الله بالعبادة، وهذا هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن مقتضاها: ألا يعبد إلا الله، وأن تكون العبادة خالصة لوجه الله، لا شريك له فيها، كما أنه لا شريك له في الخلق والإيجاد والإحياء والإماتة، فلا شريك له في العبادة، بل المتفرد بالخلق والإيجاد هو الذي يجب أن يفرد بالعبادة، ولهذا يأتي كثيراً في القرآن الكريم بيان تفرد الله بالخلق والإيجاد، وأنه هو الذي ينفع ويضر، ويأتي بعد ذلك التنبيه على أن من يكون كذلك فهو الذي يجب أن يعبد وحده لا شريك له، كما قال الله عز وجل: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا [النمل:60]، ثم قال بعد ذلك: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ أي: الذي يتفرد بهذا الخلق والإيجاد هو الذي يجب أن يكون وحده المعبود، فلا يجعل معه آلهة ولا يعبد مع الله غيره، (أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [النمل:60] أي: يسوون غير الله بالله.
أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:61-62]، وهكذا يأتي ذكر تفرده بالخلق والإيجاد والتصرف في الكون كيف يشاء، وأنه هو الذي يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ، ويكون المقصود من ذلك الإلزام بأن تكون العبادة لله وحده لا شريك له، ولهذا يقولون: توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، فمن أقر بالربوبية يلزمه أن يأتي بالألوهية؛ لأنه إذا كان الله هو الخالق وحده، والرازق وحده، وكل ما سواه مخلوق، فكيف يعبد المخلوق؟! وكيف تصرف العبادة للمخلوق الذي كان عدماً فأوجده الله؟! هذا المعدوم الذي أوجده الله يعبد فيكون له نصيب من العبادة.. أين العقول؟! أين الفهم؟
ولا بد مع إفراد الله بالعبادة أن تكون العبادة مطابقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن كانت على خلاف ذلك كانت من البدع المحرمة التي لا يجوز التعبد لله عز وجل بها؛ لأن الله تعالى يتعبد بما شرع، ولهذا قال بعض أهل العلم في تفسير شهادة أن محمداً رسول الله: هي طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، لا يعبد الله إلا بما شرع عز وجل من الشرع الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا عبد الله، وأخلصت العبادة لله، ولكنها كانت مبنية على بدعة؛ فإنها تكون مردودة على صاحبها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم ، وفي لفظ لـمسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وهو أعم من الذي قبله؛ لأنه يشمل ما إذا كان هو المحدث للعمل الذي عمله مخالفاً للشرع به، أو كان المحدث غيره ولكنه اتبع من أحدثه، فقوله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أعم من قوله: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)؛ لأن الأول جزء من الثاني، أي: أن المحدث للعمل الذي عمله، وكذلك الذي لم يحدثه ولكنه تابع المحدث، كل من هؤلاء وهؤلاء الذين عملوا عملاً على غير وفق السنة أعمالهم مردودة عليهم، وهذا هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن مقتضى الشهادة بأنه رسول الله أن يتابع، وأن يلتزم بما جاء به عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
إذاً: مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله: ألا يعبد إلا الله، ومقتضى شهادة أن محمداً رسول الله: ألا يعبد الله إلا طبقاً لما شرع رسول الله، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] فعلامة محبة الإنسان لله عز وجل: أن يكون متبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ، لابد من البينة على الدعوى، وإذا كانت البينة كاذبة تكون الدعوى كاذبة، فإذا قال: إنه يحب الله ورسوله، ولا يطيع الله ورسوله، ولا يعمل بما جاء عن الله ورسوله؛ فهذه الدعوى غير صادقة بل هي كاذبة.
فالدعوى إنما تكون صحيحة إذا قامت البينة عليها، والبينة عليها هي الاتباع، وعلى هذا فلابد من أمرين، وهما: تجريد الإخلاص لله وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يعبد إلا الله، ولا يعبد الله إلا طبقاً لما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يعبد بالبدع والهوى ومحدثات الأمور، وإنما يعبد بالشرع الذي شرعه الله لرسوله، والذي أنزله الله على رسوله، سواء كان كتاباً أو سنة، هذا هو الذي يتعبد الله به.
ولهذا يلزم علي المسلم أن يكون حريصاً على اتباع الكتاب والسنة، وأن يسأل عما جاء في الكتاب والسنة ليعمل به، وهذا هو الذي قامت عليه الرسالات، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فكل رسول أرسله الله يدعو قومه الذين أرسل إليهم إلى أن يعبدوا الله وحده وأن يجتنبوا عبادة غيره.
وقال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ أي: أن أي رسول أرسلناه من قبلك نوحي إليه: أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ .
إذاً: أظلم الظلم، وأبطل الباطل، وأعظم الذنوب على الإطلاق: الإشراك بالله، وهو صرف حق الله إلى غير الله، كالاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ودعاء الجن، ودعاء الملائكة، ودعاء الغائبين ممن لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وإنما يسأل الإنسان فيما يقدر عليه، ويطلب من الإنسان الحي ما يقدر عليه، أما أن يطلب من الأموات أشياء، ويطلب من الجن أشياء، ويطلب من الملائكة أشياء، وهذه الأشياء لا يجوز أن تطلب إلا من الله؛ فهذا هو الشرك بالله عز وجل، وإن لم يكن هذا شركاً فما هو الشرك؟! هل الشرك فقط أن يدعى أن السماوات والأرض شارك في خلقهما أحد غير الله؟! لا أحد يقول: إن السماوات والأرض شارك في خلقهما أحد غير الله، والكفار لما بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المتصرف في الكون، ولكنهم مع ذلك كانوا يجعلون معه آلهة أخرى، وتلك الآلهة يزعمون أنها تقربهم إلى الله، والله عز وجل لا يحتاج في عبادته إلى واسطة تكون بينه وبين خلقه، يقول الله عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، وقال: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء:57]، فالملائكة والأنبياء وغيرهم الذين يدعونهم من دون الله، هؤلاء كلهم يتنافسون في التقرب إلى الله، ويعملون الأعمال التي تقربهم من الله سبحانه وتعالى، فلا يصرف إليهم شيء من العبادة، ولا تصرف العبادة إلا لله عز وجل.
هذا هو الأمر الأول من الأمور السبعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات).
قوله: (وقتل النفس التي حرم الله) أي: المعصومة التي لا يجوز للإنسان أن يتعدى عليها إلا إذا كان بحق، وذلك بالقصاص، أما في غير ذلك فإن الأصل هو العصمة، ولا يجوز للإنسان أن يقدم على مضرة الإنسان وسفك دمه إلا إذا كان بحق، والحق هو القصاص، فإن قتل عمداً فيقتل قصاصاً، كما قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179].
فإذا اختلف الجنس بأن بيع ذهب بفضة، أو تمر ببر، فالتفاضل لا بأس به، ولكن لا بد من التقابض، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).
إذاً: التقابض لابد منه في جميع الأحوال، والتماثل لابد منه فيما إذا كانا جنساً واحداً، والتقابض لا بد منه إذا كانا جنساً واحداً، وإذا كانا جنسين فلا بأس بالتفاضل لكن بشرط التقابض.
أما بالنسبة للأثمان فكون الإنسان يشتري تمراً بفضة أو بذهب يجوز، وإن كانت هذه كلها ربوية، إلا أنها لما كانت أثماناً فلا بأس بأن يكون الثمن حاضراً والمثمن غائباً، أو المثمن حاضراً والثمن غائباً، فتعجيل الثمن وتأجيل المثمن -مثل السلم الذي جاء جوازه- لا بأس به.
والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] يكتب؛ لأن الذهب والفضة أثمان، وكذلك الأوراق النقدية أثمان، فلا يقال: إنه جنس بآخر، فلا بد فيه من التقابل.
وأخذ الربا حرام سواء أكل أو أخذ عن طريق الربا، أو بني به بيت، أو اشتريت به سيارة، كل ذلك حرام، ولكنه عبر بالأكل -وإن كانت جميع أوجه الانتفاع ممنوعة ومحرمة- لأن الأكل هو الغالب في الاستعمال بين الناس؛ لأنهم يأكلون من المال الذي يحصلونه، ويعتمدون على المال الذي يحصلونه في القوت، فليس الأمر مقصوراً على الأكل، بل إذا أخذ الربا واشترى به سيارة أو مسكناً أو لباساً فهو حرام، ولكنه عبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع.
قوله: (وأكل مال اليتيم)، المقصود به أن يأخذ الإنسان مال اليتيم سواء اشترى به لباساً أو سيارة أو أي شيء، فصاحبه مرتكب كبيرة، ولكنه عبر بالأكل أيضاً لأنه أعم وجوه الانتفاع، وأكثر وجوه الانتفاع، وإلا فالحكم يعم جميع وجوه الانتفاع.
قوله: (والتولي يوم الزحف) أي: عند التقاء المسلمين بالكفار في سبيل الله، ثم يفر؛ لأن هذا يسبب الهزيمة للمسلمين، وينتج عنه ضعفهم أمام عدوهم.
الأول: الزوجة. والثاني: الأمة التي يملكها الإنسان، وغير ذلك لا يجوز وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]، فكل شيء وراء الزوجة وملك اليمين من العدوان، حتى العادة السرية؛ لأنها مما وراء ذلك وداخلة في قوله: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ، فكل شيء غير الزوجة وملك اليمين محرم، وهو من العدوان.
فالإحصان يأتي بمعنى العفة كما يأتي في القذف، ويأتي بمعنى الزواج والتزوج؛ ولذا فإن الزاني المحصن يرجم وإن لم يكن عنده زوجة حين زنى، ولكنه سبق أن تزوج، واستمتع بالطريق المشروع بالزواج، فيقال له: محصن أو محصنة، لكن الإحصان عندما يأتي فيما يتعلق بالقذف فإن المراد به العفيفات.
وليس المقصود قذف النساء فقط دون قذف الرجال، بل قذف الرجال أيضاً مثل قذف النساء، قذف المحصنين العفيفين مثل قذف العفيفات، ولكنه جاء التعبير بالمحصنات لأن إلصاق هذا العيب بهن أخطر وأشد من إلحاقه بالرجل؛ لأنه يترتب على زنا المرأة إفساد الفراش، وإلحاق الولد بغير أهله، وربما ينتفي منه بلعان، فيكون في ذلك إفساد للفراش واختلاط الأنساب، وأن يكون في البيت من ليس من أهله، فلذلك جاء التنصيص على المحصنات، وإلا فإن المحصنين مثلهن، ولكن لبيان أن قذف النساء أخطر وأعظم لما يترتب عليه من تلويث للفراش، واختلاط الأنساب، وإلحاق من ليس من البيت بأهل البيت بسبب هذه الجريمة، وبسبب هذا الأمر المنكر؛ نص على (المحصنات المؤمنات الغافلات) أي: اللاتي لم يقعن في الريبة، ولا في الأمر المحرم، ومع ذلك تقذف وهي بريئة.
وقوله: (المؤمنات) هذا قيد؛ أي أن هذا الحكم إنما هو في حق العفيفات المؤمنات، وقد عرفنا أن الحكم لا يختص بالنساء وقذفهن، بل قذف الرجال الذين هم عفيفون من الكبائر، كما أن قذف المحصنات من الكبائر.
قوله: (واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً).
المحرمات في كل وقت وفي كل حين محرمة، ولكنها في المكان المقدس أخطر؛ لأن المعصية في الحرم أشد من المعصية في غير الحرم، لأن المعاصي في الزمان الفاضل والمكان الفاضل أعظم منها في غيره، والمعاصي لا تتضاعف بكمياتها بأن تكون السيئة في الحرم بسيئتين أو ثلاث أو عشر، ولكن السيئة في الحرم أعظم من حيث الكيف، ومن حيث الخطورة، أي أنها تضخم وتعظم، والسيئة في الحرم أعظم من السيئة في غير الحرم؛ لأن من يعصي الله في حماه وفي حرمه ليس كالذي يعصيه في مكان آخر، وإن كان الكل معصية لله عز وجل لكن يزداد الأمر خطورة إذا كان في المكان المقدس.
وكذلك ما يختص بالحرم مثل الصيد فلا يجوز الصيد في الحرم، ولا يجوز قطع الشجر الذي نبت بدون سبب من الناس، أما ما يزرعه الناس لحاجتهم ومصالحهم فلهم أن يقطعوه، فإذا زرعوا زرعاً أو علفاً لبهائمهم فإنهم يقطعون الذي زرعوه ويعلفونه لبهائمهم، ولكن الشجر الذي نبت من دون فعل الآدميين ليس لهم أن يقطعوه.
وقوله: (قبلتكم أحياء وأمواتاً)، هذا يدل على أن الناس عندما يموتون يوجهون إلى القبلة؛ لأنه قال: (قبلتكم أحياء وأمواتاً) أي: في حال حياتكم تتعبدون وتؤدون الصلاة وتتجهون إلى القبلة، وفي حال الموت يوجه الميت إلى القبلة، وعندما يدفن في قبره يكون وجهه إلى القبلة وليس إلى جهة أخرى.
أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سليمان بن بلال ].
سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ثور بن زيد ].
هو ثور بن زيد الديلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الغيث ].
هو سالم مولى ابن مطيع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا معاذ بن هانئ ].
وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا حرب بن شداد ].
حرب بن شداد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا يحيى بن أبي كثير ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الحميد بن سنان ].
عبد الحميد بن سنان مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن عبيد بن عمير ].
عبيد بن عمير ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من ثقات التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو عمير بن قتادة الليثي وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .
و الألباني صحح الحديث، فلعل له شواهد.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن خباب رضي الله عنه قال: (
أورد أبو داود : باب ما جاء في الدليل على أن الكفن يكون من جميع المال، أي: أن الميت إذا مات فإن كفنه ومئونة تجهيزه مقدمة على كل شيء في ماله، بمعنى: أنه ليس هناك ميراث ولا وصية؛ كل هذه تؤخر، ويكون المقدم هو كفنه وما يلزم لتجهيزه، هذا هو المقصود بالترجمة، فإن كان المال كثيراً فيؤخذ منه، وإن كان المال قليلاً جداً وما يكفي إلا للكفن؛ فإنه يكون للكفن، وليس هناك ميراث ولا وصية؛ لأنه لم يبق لهم مجال؛ لأن الكفن مقدم، ولأن مئونة تجهيزه وستر عورته مقدمة في ماله.
وقد أورد أبو داود حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أن مصعب بن عمير لما استشهد لم يجدوا له إلا نمرة، إن غطوا بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطوا بها رجليه بدا رأسه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر) أي: غطوه بهذا النبات، واجعلوه غطاء له، فهذا يدل على أن الكفن مقدم؛ لأنهم ما وجدوا له إلا هذا يكفن به، فدل هذا على أن الكفن يؤخذ من أصل المال، وأنه المقدم على غيره، فإن كان المال كثيراً أخذ منه ما يلزم للتجهيز، وإن كان قليلاً لا يكفي إلا للتجهيز أخذ للتجهيز، ولا يقدم عليه أي أمر من المستحقات التي تؤخر.
والشهيد يكفن في ثيابه التي مات فيها، ولا يغسل.
هو محمد بن كثير العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي وائل ].
هو شقيق بن سلمة وهو ثقة مخضرم مشهور بكنيته، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره بكنيته كثيراً، وهو مشهور بها، ويأتي ذكره باسمه، ومعرفة كنى المحدثين من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفته: ألا يظن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر بكنيته مرة وباسمه مرة، فإن الذي لا يعرف ذلك يظن أن هذا غير هذا، ولكن من يعرف أن أبا وائل كنية لـشقيق ، فإذا وجد شقيقاً في إسناد، ووجد أبا وائل في إسناد آخر يقول: هذا هو هذا، ولا يلتبس عليه ويظنه شخصين مع أنه شخص واحد.
[ عن خباب بن الأرت ].
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة رضي الله عنه: أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: (كنت تصدقت على أمي بوليدة، وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة، قال: قد وجب أجرك، ورجعت إليك في الميراث، قالت: وإنها ماتت وعليها صوم شهر، أفيجزئ -أو يقضي- عنها أن أصوم عنها؟ قال: نعم، قالت: وإنها لم تحج، أفيجزئ -أو يقضي- عنها أن أحج عنها؟ قال: نعم) ].
أورد أبو داود رحمه الله باباً في الرجل يهب الهبة ثم يوصى له بها أو يرثها، أي: ما الحكم في ذلك؟
وقوله: (الرجل)، ليس المقصود تخصيص الرجال بالذكر، وإنما المقصود أن الكلام يكون مع الرجال غالباً، مع أن سبب الحديث هو امرأة، فهي التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المسألة، فذكر الرجل لأن الخطاب في الغالب يكون للرجال.
فإذا أعطى إنسان عطية، أو وهب هبة لإنسان، ثم مات ذلك الإنسان وورثه المعطي، فإن رجوعها إليه بالميراث أو بالوصية لا بأس به، وهو مأجور على عطيته، ولكن الله تعالى ملكه إياها بأن ورثها أو أوصي له بها حيث جازت الوصية له، أما إذا لم تجز الوصية له كأن يكون وارثاً، فإن ذلك لا يسوغ إلا بإجازة الورثة على قول بعض أهل العلم.
وقد أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إني تصدقت على أمي بوليدة) أي: جارية ملكتها إياها، فماتت، فهي تسأل عن هل ترثها مع أنها هي التي أعطتها؟
(قال: قد وجب أجرك) على الله من أجل العطية والهبة (ورجعت إليك في الميراث) أي بأن ورثتيها، فهذا شأن الأموات إذا ماتوا يرثهم أقرباؤهم.
ولو كان هذا المال الذي ورثه الميت جاء عن طريق الوارث فإن الوارث أحسن إلى الميت بأن أعطاه في حياته تلك العطية، ولما مات فإن الملك ينتقل من المورث إلى الوارث، ولا بأس أن ينتقل مثل ذلك إلى من حصل منه الذي هو المعطي؛ لأنه قال: (قد وجب أجرك) أي: كونك أعطيتها حصل لك الأجر على العطية، ولكن وصلت إليك بالإرث، فإذا تصدق الإنسان بصدقة أو أعطى عطية، ثم مات من تصدق عليه وهو وارث له، أو وهبه؛ فإن ملكه لذلك الذي خرج منه حق وسائغ ولا بأس به، ولكن الذي لا يسوغ هو أن يشتري الإنسان صدقته ممن تصدق عليه؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمر رضي الله عنه قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم)؛ لأن الإنسان إذا تصدق على إنسان ثم جاء ليشتري منه فقد يستحي فلا يأخذ حقه كاملاً؛ لأنه في الأصل محسن إليه، فيكون في ذلك مجاملة، وقد يخجل من أن يعامله معاملة الناس الآخرين، فمنع من هذا، أما إذا وصل إليه عن طريق الميراث أو الوصية والموصى له غير وارث وكان في حدود الثلث، فهذا هو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (قد وجب أجرك وردها عليك الميراث).
قوله: (قالت: وإنها ماتت وعليها صوم شهر، أفيجزئ أو يقضي أن أصوم عنها؟ قال: نعم)، دل هذا على أن الإنسان إذا مات وعليه صوم، سواء كان ذلك الصوم واجباً بأصل الشرع كصوم رمضان، أو واجباً بإيجاب الإنسان على نفسه كالنذر؛ فإن غيره يصوم عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه)، فصوم النذر الإنسان أوجبه على نفسه، وصوم رمضان أوجبه الله عليه، فإذا كان قد أفطر لعذر كالمرض أو السفر، وبعد ذلك شفي من مرضه ولم يحصل منه الصيام، فلوليه أن يقضي عنه، أما إذا كان قد أفطر رمضان لمرض واستمر معه المرض حتى مات؛ فإنه لا قضاء عليه؛ لأنه لم يتمكن من القضاء، أو مرض في رمضان ومات فيه، فإن هذه الأيام التي أفطرها لا قضاء عليه فيها، وإنما القضاء على من تمكن من القضاء بحيث خرج رمضان وشفي بعد رمضان، ولم يحصل منه القيام بالواجب، فهذا هو الذي يقضى عنه.
وقوله: (قالت: وإنها لم تحج أفيجزىء أو يقضي عنها أن أحج عنها؟ قال: نعم).
كذلك أيضاً سألت عن الحج فقالت: (وإنها لم تحج أفيجزئ أن أحج عنها؟ قال: نعم)، فدل هذا على أن الحج أيضاً تدخله النيابة، وأن الإنسان يمكن أن يحج عن غيره.
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا زهير ].
زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الله بن عطاء ].
عبد الله بن عطاء صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن بريدة ].
هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الجواب: يجوز ذلك، فإذا أراد الحاج وهو بالمدينة أن يذهب إلى مكة فله أن يستعد للإحرام وهو في منزله حيث يكون على سعة ومهل، فيغتسل ويتجرد من المخيط، ويلبس الإزار والرداء، ويطيب رأسه ولا يطيب ثيابه، ولكنه لا ينوي الإحرام إلا إذا جاء إلى الميقات؛ لأن الإحرام هو النية، وأما لبس الإحرام فليس إحراماً، فالإنسان عندما يلبس إزاره ورداءه وهو في المدينة له أن يغطي رأسه حتى يصل إلى الميقات؛ لأنه ما أحرم إلى الآن، وهذا استعداد للإحرام وليس هو الإحرام؛ لأن الإحرام هو النية، فإذا لبس إزاره ورداءه فله أن يجعل رداءه فوق رأسه لأنه لا يقال له محرم حتى ينوي ويلبي، وعند ذلك لا يغطي رأسه.
إذاً: الاستعداد والتهيؤ للإحرام لا بأس أن يكون من المنزل بالمدينة؛ لأن الماء متوافر والدفء متوافر على راحة ومهل، فيغتسل ويلبس إزاره ورداءه فإذا جاء إلى الميقات ينوي ويلبي.
الجواب: هذا من سنوات، وكيف لا يسأل الإنسان عن الشيء في وقته حتى يتدارك، وإنما يسأل عنه بعد أن مضى وقت طويل! هذا من الغلط، والإنسان عليه أن يسأل عما أشكل عليه في الحج في وقته؛ لأنه إذا نبه يتدارك، لكن أن يمضي عليه وقت طويل ثم بعد ذلك يسأل فهذا غلط.
أما من انتقض وضوءه في الطواف ولم يتوضأ، فما طاف طواف الإفاضة، وطواف الإفاضة باق في ذمته، ويمكن أن يتدارك الآن ولو مضى على ذلك وقت طويل؛ لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فيمكنه أن يأتي به الآن عندما يذهب إلى مكة معتمراً، فبعد أن يطوف ويسعى ويقصر للعمرة يطوف طواف الإفاضة الذي كان عليه فيما مضى، وإن كان متزوجاً وقد وطئ زوجته فإنه يجب عليه أن يذبح شاة؛ لأنه جامع بعد التحلل الأول، لأنه لما حلق رأسه ورمى الجمرة تحلل التحلل الأول، فيبقى عليه التحلل الثاني، فإذا جامع قبل التحلل الثاني فإنه يلزمه أن يذبح شاة في مكة، وتوزع على فقراء الحرم، هذا إن كان متزوجاً، وإن كان غير متزوج فعليه أن يطوف طواف الإفاضة؛ لأنه ركن من أركان الحج، فيأتي به ولو مضى عليه وقت طويل.
الجواب: لا أعرف صحة السجود عليه، وإنما الذي ثبت وجاء في الأحاديث الكثيرة عنه وعن أصحابه: أنهم كانوا يقبلونه، والسجود إذا ثبت فمعناه: أنه يضع جبهته عليه، هذا إذا ثبت.
الجواب: المشهور عند جماعة من أهل العلم أن التلبية ليست من الواجبات، وإنما هي من الأمور المستحبة، والإهلال هو الإحرام، والإنسان عندما يحرم يقول: لبيك عمرة؛ لأنه ينوي ويذكر ما أحرم به، فإن كان معتمراً بعمرة متمتعاً يقول: لبيك عمرة، وإن كان مفرداً يقول: لبيك حجاً، وإن كان قارناً قال: لبيك عمرة وحجة، والإنسان يهل ويرفع صوته ليتبين له ولغيره النسك الذي دخل فيه، ويحصل به التعييناً، فالإهلال هو عندما يدخل في النسك فينوي بقلبه ويتلفظ بلسانه بالشيء الذي نواه؛ لأن الحج فيه أنساك، فكونه ينوي واحداً منها ويظهره قد جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الأعمال الأخرى فلا يجوز التلفظ بنيتها، فلا يقول الإنسان: نويت أن أصلى الظهر أربع ركعات، أو نويت أن أصلي الفجر ركعتين، أو نويت أن أطوف، أو نويت أن أتصدق، أو نويت أن أصلي النافلة؛ فهذا كله لا يجوز، ولكن الحج جاء فيه جواز أن يظهر الإنسان ما نواه ويتلفظ به؛ لأنه ثلاثة أنساك، فيظهر ويبين لنفسه ولغيره النسك الذي دخل فيه.
الجواب: نعم يجوز ذلك؛ لأنك عندما تدفع للبنك الإسلامي للتنمية فهو وكيل عنك، فكأنك أعطيت إنساناً نقوداً وقلت له: اشتره لي ذبيحة واذبحها يوم العيد أو يوم أحد عشر أو اثني عشر أو ثلاثة عشر، فهذا سائغ وجائز، ولا يقال: إن الإنسان قد ساق الهدي، فلا يقال: إن من أحرم بعمرة أو بحج وعمرة يجب عليه الهدي؛ لأن الهدي إنما يجب على القارن والمتمتع، وأما المفرد لا هدي عليه، فالإنسان إذا أعطى البنك لينوب عنه لا يعتبر ساق الهدي، وعليه فلا يحول إحرامه إلى عمرة بأن يفسخ إحرامه بالقران أو الإفراد، فهذا سائغ، والقارن عليه هدي ولا يعتبر بهذا أنه ساق الهدي، فيبقى على إحرامه؛ لأن هذا توكيل، فكأنك وكلت إنساناً يوم العيد أن يشتري لك ذبيحة ويذبحها، ولا بأس بذلك.
الجواب: التلبية ليست بـلازمة، وإنما المهم هو النية، وكون الإنسان نوى بقلبه الدخول في النسك وإن لم ينطق فإن هذا يكفيه؛ لأن النطق ليس بلازم ولا واجب، وإنما الواجب هو النية التي في القلب، فالإنسان ينوي بقلبه أنه دخل في الإحرام، وعند ذلك يحرم عليه بهذه النية كل ما كان حلالاً له قبل أن ينوي؛ لأن معنى الإحرام: هو الدخول في النسك، وقيل له: إحرام؛ لأن الإنسان بدخوله في النسك حرمت عليه أشياء كانت حلالاً له قبل أن يدخل في النسك، فقد كان يحل له أن يصيد الصيد، -أي: في غير المدينة؛ لأنه لا يجوز الصيد فيها- ويحل له أن يأخذ شاربه، ويقص أظفاره، ويلبس المخيط، ويغطي رأسه، فإذا دخل في النسك حرمت عليه هذه الأمور كلها، فقيل له: إحرام، لأنه حرم عليه بالإحرام أمور كانت حلالاً له قبل أن يدخل في الإحرام.
إذاً: الركن هو الدخول في النسك، وتلفظه بما نواه من حج أو عمرة أو قران ليس بلازم، وإنما اللازم هو الدخول في النسك بقلبه، وإن لم يتلفظ.
الجواب: هذا ليس بصحيح؛ لأن الحاكمية داخلة في الثلاثة، وليست خارجة عنها؛ لأنها قسم منها، وليست قسيماً لها؛ لأن القسيم معناه غيره، وأما كونه داخلاً فيه فلا يحتاج إلى أن يفرد ويميز مع أنه داخل في غيره، فأنواع التوحيد ثلاثة وهي: الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات.
وتوحيد الحاكمية داخل في الربوبية من جهة أن الحكم لله، والله تعالى هو الذي يحكم، وهو الذي يشرع، وداخل في توحيد الألوهية لأن التنفيذ والتطبيق هو عبادة لله عز وجل، وهذا هو توحيد الألوهية.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر