باب ما جاء في تعليم الفرائض.
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب حدثني عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (العلم ثلاثة، وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادل) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ كتاب الفرائض ]. الفرائض جمع فريضة، والمراد بها هنا المواريث التي فرضها الله عز وجل وقدرها في كتابه، وفي سنة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وأصل الفرائض من الفرض وهو القطع، وكذلك من التقدير، والفرائض فيها قطع، وهو: إعطاء كل من الورثة قطعة قدرت من الشارع، وهو أيضاً تقدير؛ لأن كل واحد قدر له نصيب من الميراث.
أورد أبو داود [ باب تعليم الفرائض ] ومعناه: الحث على تعليم الفرائض، أي: علم المواريث، وذلك لحاجة الناس إلى ذلك، ولحاجتهم إلى قسمة الميراث، ومعرفة من يرث ومن لا يرث، ومن يحجب ومن لا يحجب، ومن يستحق الميراث ومن لا يستحق، ومن يرث بالفرض ومن يرث بالتعصيب، فالناس بحاجة إلى معرفة هذا العلم، كما أنهم بحاجة إلى معرفة العلوم الأخرى، ولكن مسائل ما بعد الموت من قسمة الميراث، وتوزيعه على من يستحقه تحتاج إلى عناية واهتمام، ولم يثبت في فضل تعلمه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وردت في ذلك أحاديث ضعيفة، منها هذا الحديث الذي أورده أبو داود، وكذلك حديث: (تعلموا الفرائض وعلموها الناس) ولم يثبت في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن حاجة الناس إلى معرفة المسائل الفرضية، وقسمة المواريث ضرورية؛ لكي تقسم المواريث بين الناس، والناس في كل وقت وحين يحتاجون إليها، إذ كل من مات وله مال فإنه يحتاج إلى قسمة ماله، ومعرفة طريقة القسمة، وذلك على ما جاء عن الله وعن رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وتكون (أل) للعهد الذهني، إذا سبقت بشيء معهود في الأذهان، مثل: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2] أي: الكتاب المعهود في الأذهان، وهنا العلم أي: العلم الشرعي المعهود في الأذهان.
(ثلاثة) يعني: ثلاثة أشياء وما سواها فهو (فضل) أي: زيادة علم، وإلا فإن الأصول في هذه الأمور الثلاثة التي ذكرها.
قوله: (آية) يعني: آية من كتاب الله وهو القرآن، (محكمة) أي: غير منسوخة، فحكمها وثابت، فلم يحصل لها نسخ، فيعمل بها بخلاف الآية المنسوخة فإنه لا يعمل بها، لأنها تتلى ويتعبد الله عز وجل بتلاوتها، ولكن لا يتعبد بالعمل بها؛ لأنها قد نسخت، أما الآية المحكمة فإنه يتعبد بتلاوتها، ويتعبد بالعمل بها، فالمحكمة هي التي حكمها باقٍ غير منسوخ، وكذلك المحكمة هي الواضحة الجلية؛ لأن المحكم -هو الواضح الجلي- يطلق في مقابل المتشابه الذي فيه خفاء، وطريقة أهل العلم أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، بخلاف أهل الزيغ فإنهم يتبعون المتشابه.
ثم أيضاً السنة وحي من الله وليست من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، فكل ما يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة فهو من عند الله عز وجل، ومما يوضح ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد كل شيء -ثم قال: - إلا الدين سارني به جبريل آنفاً) يعني: أن جبريل جاء باستثناء الدين، ومعنى ذلك: أن السنة وحي من الله، إلا أنها وحي غير متعبد بتلاوته، ولكنه متعبد بالعمل به، ولا يمكن أن يقتصر على القرآن دون السنة، ولو اقتصر على القرآن دون السنة فكيف سيدرك الناس الصلوات الخمس ومقاديرها وأوقاتها وأعدادها إذ لا وجود لها في القرآن، إنما توجد في السنة؟!
الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، والفجر اثنتين، لا وجود لهذا في القرآن، فالذي يزعم أنه لا يعمل إلا بالقرآن فهو كافر بالقرآن والسنة، ومكذب بالقرآن والسنة، فلابد من السنة مع القرآن، وكل منهما يجب العمل به، ورغم أن الصلاة عمود الإسلام إلا أن الناس لا يعلمون كم أعداد الصلوات، ولا كيفيتها إلا بالسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالذي يزعم أنه يأخذ بالقرآن ولا يأخذ بالسنة كافر بالكتاب والسنة في الحقيقة.
إذاً: إما أن يكون المراد بها الفرائض التي هي المواريث، ويكون معنى عادلة، أنها عادلة في قسمتها، وأن قسمتها قسمة عدل؛ لأنها جاءت من عند الله في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أن يراد بها ما هو أعم من ذلك، فتدخل في ذلك الفرائض وغير الفرائض، ويكون المقصود بها الأحكام الشرعية، فإنها عادلة وموصوفة بالعدل، كما قال الله عز وجل: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115]، فهي صدق في الأخبار، وعدل في الأحكام.
وأبو داود رحمه الله أورد الحديث من أجل كلمة: (عادلة) على المعنى الأول، الذي هو في المواريث، وأن المقصود بذلك العدل في قسمتها.
والحديث غير صحيح؛ لأن فيه رجلين ضعيفين، وهما عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، وشيخه؛ فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن تعلم الفرائض ومعرفة المواريث لا شك أنه من أهم المهمات، لشدة حاجة الناس إلى ذلك؛ لأنهم بحاجة إلى أن يعطى كل ذي حق حقه، كما قسم الله في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أحمد بن عمرو بن السرح المصري ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ أخبرنا ابن وهب ].
ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة .
[ حدثني عبد الرحمن بن زياد ].
عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ضعيف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة .
[ عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي ].
عبد الرحمن بن رافع التنوخي وهو أيضاً ضعيف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ].
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أصحاب الكتب الستة.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان قال: سمعت ابن المنكدر أنه سمع جابراً رضي الله عنه يقول: (مرضت فأتاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعودني هو و رضي الله عنه ماشيين، وقد أغمي علي فلم أكلمه، فتوضأ وصبه علي فأفقت، فقلت: يا رسول الله! كيف أصنع في مالي ولي أخوات؟ قال: فنزلت آية المواريث: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]
أورد أبو داود [ باب في الكلالة ]، والكلالة: هي الميراث لغير الأصول والفروع؛ لأن الذي ليس له أصول ولا فروع، والذي يرث وهو ليس من الأصول ولا من الفروع يقال له: كلالة؛ والأصول والفروع هما عمود النسب، فالعمود الأعلى هو الآباء والأمهات، والعمود من أسفل هو الأبناء والبنات، وأبناء البنين وإن نزلوا، فما كان من غير الأصول والفروع فهو كلالة.
ويقال للميت حينئذ كلالة لأن الورثة أحاطوا به من الجوانب؛ لأنهم ليسوا من أصوله ولا من فروعه، ولكنهم من حواشيه الذين يحيطون به ويلتفون حوله، فميراث هؤلاء يقال له: كلالة، ويكون هذا في حق الإخوة والأخوات مطلقاً سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم، ويكون أيضاً لأبناء الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب، ويكون أيضاً في الأعمام وأبناء الأعمام؛ هؤلاء هم الذين يرثون كلالة؛ لأنهم لا يعتبرون من الأصول أو الفروع، فهم يحيطون بالميت ويحدقون به، ويرثون بهذه الطريقة لأنهم يدلون إلى الميت بأبيه كالإخوة، أو بجده كالأعمام.
ويكون فيهم الإخوة الأشقاء أو لأب وبنوهم، والأخوات كذلك دون أولادهن، والأعمام وبنوهم دون العمات ودون بنات الأعمام، فإنهن لسن من أصحاب الميراث، ويدخل فيهم أيضاً الإخوة لأم دون أولادهم؛ لأن أبناء الإخوة لأم لا ميراث لهم.
وعلى هذا فالإخوة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: إخوة أشقاء وإخوة لأب وإخوة لأم.
فالإخوة لأم من أصحاب الفروض، الواحد منهم يعطى السدس، فإن زادوا أخذوا الثلث، ولا يرثون بالتعصيب، ولا يرثون إلا عند عدم الفرع الوارث والأصل الذكر، وهم: الأب والجد، والابن والبنت، أو ابن الابن أو بنت الابن؛ لأنه ليس لهم ميراث مع الأصول والفروع فهم محجوبون، ولكن إذا لم يوجد أصول ولا فروع يحجبونهم فإنهم يرثون، وميراثهم هو: إن كان واحداً فله السدس، سواء كان ذكراً أو أنثى وإن كانوا اثنين أو أكثر فإنهم شركاء في الثلث سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً أو مختطلين؛ لأنهم يستوي ذكرهم وأنثاهم، فالذكر الواحد له السدس، والأنثى الواحدة لها السدس، وأكثر من واحد سواء كانوا من الذكور الخلص، أو من الإناث الخلص، أو من الذكور والإناث مختلطين فلهم الثلث، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].
أما أولاد الإخوة لأم فإنهم ليسوا من أهل الميراث لا فرضاً ولا تعصيباً.
وأما الإخوة الأشقاء، فإن كانوا ذكوراً وإناثاً، فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كانوا إخوة لأب ذكوراً وإناثاً فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كن أخوات شقيقات فلهن الثلثان، وإن كانت واحدة فلها النصف، وكذلك الأخوات لأب إذا كن جمعاً فلهن الثلثان، وإن كانت واحدة فلها النصف.
هذا إذا كن أخوات شقيقات خلص، أو أخوات لأب ليس معهن غيرهن، فإن كن جمعاً من الأخوات الشقيقات والأخوات لأب، فإن الأخوات لأب لا ميراث لهن؛ لأن الأخوات الشقيقات يستغرقن الثلثين الذي هو ميراث الأخوات، وإن كانت أختاً واحدة شقيقة والباقي أخوات لأب واحدة فإنهن يرثن السدس تكملة الثلثين؛ لأن الأخوات لهن الثلثان، فإذا وجدت واحدة من الشقيقات، أخذت النصف، والسدس تكملة الثلثين يكون للأخوات لأب سواء كن جمعاً أو واحدة.
وبنات الإخوة ليس لهن ميراث، وإنما الميراث لبني الإخوة الأشقاء ولأب.
وأما الأعمام فإنهم يأخذون ما أبقت الفروض إن لم يوجد إخوة أشقاء ولا إخوة لأب ولا أبناؤهم، وكذلك إن لم يوجد الفرع الوارث والأصل الذكر الوارث فإن الميراث ينتقل إلى الأعمام، وإن كان الأعمام غير موجودين، انتقل إلى بني الأعمام، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر) .
والكلالة نزلت فيها آيتان: الآية الأولى في أول سورة النساء، وهي مع آية الأزواج، وهي خاصة بالإخوة لأم، وطريقة ميراثهم: أن الفرد الواحد منهم له السدس، وإذا كانوا أكثر من واحد فلهم الثلث، سواء كانوا ذكوراً خلصاً، أو إناثاً خلصاً، أو مختلطين من الذكور والإناث، وأولاد الإخوة لأم ليس لهم ميراث مطلقاً.
أما الإخوة الأشقاء والإخوة لأب فقد جاءت فيهم آية الكلالة التي في آخر النساء، وميراث الإخوة الأشقاء والإخوة لأب هو أن الإناث إذا كانت واحدة فلها النصف، وإن كن اثنتين فأكثر فلهما الثلثان، وإذا وجد شقيقات ولأب، فإن الشقيقات إذا كن أكثر من واحدة يحجبن الأخوات لأب، وإن كانت واحدة فقط فالأخوات لأب يأخذن السدس تكملة الثلثين.
وإذا كانوا ذكوراً فقط وكانوا إخوة أشقاء فإنهم يحجبون الإخوة لأب، ويستقلون بالميراث، وإذا لم يوجد الإخوة الأشقاء يرث الإخوة لأب كما يرث الإخوة الأشقاء، فإذا كانوا ذكوراً وإناثاً فللذكر مثل حظ الأنثيين، قال الله عز وجل: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]، وعلى هذا فقد جاء في كتاب الله عز وجل في أول سورة النساء وفي آخر سورة النساء بيان ميراث أصحاب الكلالة الذين ليسوا أصولاً ولا فروعاً مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر).
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: أنه مرض فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعودانه ماشيين، وهذا فيه: عيادة المريض، سواء بالمشي أو الركوب، وفي الحديث أنهما جاءا ماشيين، وأنه كان أغمي عليه، فما استطاع أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مغمىً عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم توضأ وأخذ من وضوئه فصبه عليه فأفاق.
وهذا فيه فضل ما مس وتساقط من جسده صلى الله عليه وسلم من الماء، فالصحابة كانوا يتبركون به، ولا شك أن ما لامس جسده مبارك، ويتبرك به، فقد كان الصحابة يفعلون ذلك، وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يتبرك بأحد من الناس سواه، ولم يكن الصحابة يتبركون بـأبي بكر وعمر، وهم خير الناس وأفضلهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث أنه أفاق من إغمائه وقال: إن لي مالاً ولي أخوات فكيف أصنع بمالي؟ فأنزل الله آية الكلالة، أي: الآية التي في آخر النساء: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ [النساء:176]، ومعنى هذا: أن أخوات جابر يكون لهن الثلثان -لأنهن أخوات شقيقات- كما جاء في هذه الآية التي هي آية الكلالة التي هي ختام سورة النساء، وكان هذا في مرضه، وكان لا يوجد له إلا أخوات، وقد توفي أبوه، وليس له ولد؛ فأنزل الله عز وجل هذه الآية التي فيها بيان ميراث الأخوات وغير الأخوات من أولاد الأب، وسواء كانوا ذكوراً أو إناثاً أو مختلطين فإن الآية بينت ميراثهم.
أحمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
سفيان هو ابن عيينة المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت ابن المنكدر ].
محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أنه سمع جابراً ].
جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد من رباعيات أبي داود التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود، أي أن بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا كثير بن هشام حدثنا هشام -يعني: الدستوائي - عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: (اشتكيت وعندي سبع أخوات، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفخ في وجهي، فأفقت، فقلت: يا رسول الله! ألا أوصي لأخواتي بالثلث؟ قال: أحسن، قلت: الشطر، قال: أحسن، ثم خرج وتركني، فقال: يا
قوله: [ باب من كان ليس له ولد وله أخوات ] هذا فيه إشارة إلى تفسير الكلالة، وأن المقصود بها: من ليس له ولد، وهذا هو الذي جاء في القرآن: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:176]، وما ذكر الوارث، ولكن العلماء من الصحابة ومن بعدهم اعتبروا أن الكلالة من لا أصل له ولا فرع، أي من ولد له ولا والد، فليس المقصود بالكلالة: من ليس له ولد، بل من ليس له والد ولا ولد، يعني: ليس له وارث من الأصول الذكور؛ لأن الأصول الذكور يحجبون الإخوة، فلا ميراث للإخوة مع وجود الأصول من الذكور بالنسبة للأب بالإجماع، وبالنسبة للجد على خلاف بين أهل العلم.
وعلى هذا فإن المراد بالكلالة من لا فروع له ولا أصول، وكذلك الفروع بالنسبة للذكور فإنهم يحجبون الإخوة، وإذا وجد بنات فإنهن يأخذن نصيبهن والباقي لأولى رجل ذكر، وإذا كان هناك إخوة فإنهم يرثون بعد فرض البنات، وإنما يحجبهم ويحول بينهم وبين الميراث نهائياً الأبناء وأبناء الأبناء، والأب باتفاق والجد على خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه يحجب الإخوة كالأب، فكما أن ابن الابن ابن وإن نزل، فأب الأب أب وإن علا، فيكون حاجباً للإخوة، وهذا هو القول الصحيح في ذلك.
وهنا ذكر المصنف التقييد بالولد؛ لأنه هو الذي جاء في القرآن، إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ، ولكن المقصود به من ليس له ولد وليس له والد، وآية الكلالة التي في آخر النساء فيها إشارة إلى هذا؛ لأن قوله: وَهُوَ يَرِثُهَا أي: الأخ الشقيق يرث أخته إن لم يكن لها ولد، وإذا كان هناك أب، فإنه يحوز ميراثها، فالكلالة هي من لا والد له ولا ولد.
أورد أبو داود حديث جابر وهو مثل الذي قبله، وفيه: أنه كان عرض أن يوصي لأخواته بالثلث، فقال: (أحسن)، يعني: إليهن، فقال: الشطر، فبعد ذلك تركه، ثم أخبره بأنه لن يموت من مرضه هذا، وأن الله عز وجل قد أنزل قرآناً، وأن لأخواته الثلثان، يعني: فرض الأخوات الثلثين، فقال جابر : إن هذه الآية نزلت في، وهي: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ ، فهي مثل الرواية التي قبلها، على اعتبار أن الأخوات الشقيقات أو لأب يرثن كلالة، وميراثهن إذا كن أكثر من واحدة فهو الثلثان، سواء كن ثنتين أو أكثر.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أحسن) يعني: زد، وهذا كان قبل أن تنزل الفرائض، وبيان الميراث، ولكنه بعدما نزل قال: إن الله أنزل في كتابه ما تستحقه أخواتك، وهو الثلثان، إذاً فلا وصية، وقبل أن ينزل الميراث كانت الوصية موجودة للوالدين والأقربين، ولكن نسخت بعد أن نزلت آيات المواريث، وقد جاء في الحديث (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)، وهذه المحاورة كانت قبل أن ينزل البيان الذي فيه استحقاقهن للميراث، وجاء في السنة أنه لا وصية لوارث.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا كثير بن هشام ].
كثير بن هشام هو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا هشام -يعني: الدستوائي - ].
هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزبير ].
أبو الزبير هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
[ عن جابر ].
جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره.
أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: آخر آية نزلت في الكلالة: (( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ))، ويقال لها: آية الصيف؛ لأنها نزلت في الصيف، وآية الكلالة الأولى آية الشتاء؛ لأنها نزلت في الشتاء، وكما هو معلوم الآية الأولى خاصة بالإخوة لأم، ولهذا جاءت مع الأزواج الذين هم من أصحاب الفروض، ولا يكونون من أصحاب التعصيب بحال من الأحوال، فالأزواج والإخوة لأم أصحاب فروض، ولا يكونون من أصحاب التعصيب بحال من الأحوال، وأما آية الكلالة التي هي آية الصيف، وهي آخر آية: (( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ))، فإنها في الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب، وفيهم من يرث بالفرض، وفيهم من يرث بالتعصيب، فإن الواحدة لها النصف، وإذا وجد معها أخوات من الأب فلهن السدس تكملة الثلثين، وأكثر من واحدة لهن الثلثان، وإذا كان هناك إخوة وأخوات أشقاء أو لأب، فإن للذكر منهم مثل حظ الأنثيين.
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
[ حدثنا شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي إسحاق ].
أبو إسحاق الهمداني ، وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة .
[ عن البراء بن عازب ].
البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وهذا أيضاً من الرباعيات ومن أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فهو يروي عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب .
أورد المصنف حديث البراء بن عازب : أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أخبرني عن الكلالة، وقيل: إن هذا الرجل هو عمر رضي الله عنه؛ فقال: (تجزيك آية الصيف) يعني: أحاله على آية الكلالة التي في آخر النساء، وهي التي نزلت في الصيف، فالحكم واضح فيها، ولعله لم يوضح له ذلك اكتفاءً بما عنده من العلم والفهم، وأنه يرجع إلى هذه الآية ففيها البيان.
وهذه الآية ذكر فيها الولد ونص عليه، وأما الوالد فإنه يؤخذ من قوله: (( وَهُوَ يَرِثُهَا )) أي: أخته إذا لم يكن لها ولد، فإنه لا يحوز ميراثها إلا إذا لم يكن لها ولد وليس لها أب؛ لأنه لو كان لها أب فإنه ليس للإخوة ميراث بالإجماع، وإنما الخلاف في ميراثهم مع وجود الجد.
منصور بن أبي مزاحم ثقة، أخرج له مسلم وأبي داود والنسائي .
[ حدثنا أبو بكر ].
أبو بكر بن عياش ، وهو ثقة، أخرج له مسلم والبخاري ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن .
[ عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب ].
مر ذكرهما.
وهذا أيضاً إسناد رباعي .
حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي قيس الأودي عن هزيل بن شرحبيل الأودي قال: (جاء رجل إلى
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب ما جاء في ميراث الصلب ] وهم أبناء الإنسان من صلبه، الذين تفرعوا منه ؛ لأن الميت له عمودان، عمود من فوق، وعمود من تحت.
العمود الذي من فوق هم أصوله، والعمود الذي من تحت هم أبناؤه.
وهذه الترجمة تتعلق بميراث فروع الميت، وهم أبناؤه لصلبه، والذين تحدروا منهم، وقد جاء في القرآن الكريم بيان عمودي النسب الذين هم الأبناء والبنات، والأب والأم، فالآية الأولى في النساء: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، فإن هذه الآية تتعلق بأصول الميت وفروعه، والله ذكر في القرآن ثلاث آيات، اثنتان في أول النساء، الأولى منهما في عمودي النسب: الآباء والأمهات، والأبناء والبنات، والثانية في الأزواج والإخوة لأم، وهم الذين لا يرثون إلا بالفرض، ولا سبيل لهم إلى التعصيب، وقد جمعهم في آية واحدة هي الآية الثانية، وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، وفي ختامها: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12]، والآية الثالثة التي في آخر النساء في الإخوة الأشقاء والإخوة لأب.
وإن لم يوجد هناك ذكور من أبناء الأبناء فإن البنات الصبيات قد استغرقن الثلثين، ولم يبق لبنات الابن شيء.
لكن لو لم توجد من البنات إلا واحدة، فإنه يكون قد بقي من ميراث البنات السدس، فهذا السدس يعطى لبنات الابن؛ لأنهن داخلات في أنهن بنات للميت، إلا أن هذه بنت قريبة، وبنت الابن أنزل منها، فالقريبة أعطيت القسم الأكبر وهو النصف، والتي أنزل منها أعطيت ما يكمل الثلثين وهو السدس، وهو ميراث البنات لو كن متعددات، وإن كانوا ذكوراً خلصاً فالمال لهم، ويجوزون جميع الميراث؛ لأنهم عصبة بالنفس، فهم يرثون المال كله.
ثم بعد ذلك جاء في الآية ذكر ميراث الأب والأم، والتفصيل فيه له موضع آخر غير هذا الباب.
معناه أنه سوف يقول بقولنا، وكأنه وقع في بالهما أن هذا هو الحق، وأن ابن مسعود سيتابعهما، لكن ابن مسعود رضي الله عنه كانت عنده سنة وعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما أبلغه السائل قولهما وأنه سيتابعهما قال: [ لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين ] يعني: إن تابعتهما، وأنا أعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الميراث.
وهما كما هو معلوم قالا باجتهاد، وعلى حسب ما بلغهما من العلم، وهما معذوران، لكن الذي عنده سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمعذور أن يحيد عنها، وأن يعدل عنها كما قال الإمام الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
وقوله: [ قد ضللت ] فيه إشارة إلى أن الفعل على خلاف ما جاء به الشرع، وأن الأخذ بغيره ضلال وخروج عن الجادة، وأكد ذلك بقوله: (وما أنا من المهتدين) يعني: أنه يكون ضالاً غير مهتدٍ.
ثم قال: [ ولكن سأقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: لابنته النصف، ولابنة الابن سهم -أي: السدس- تكملة الثلثين ].
لأن الثلثين ميراث البنات المتعددات، لكن لما كانت البنات في درجتين ولسن في درجة واحدة، فالتي في الدرجة الأولى -وهي واحدة- أعطيت النصف كاملاً، ثم اللاتي أنزل منها يحزن باقي الثلثين وهو السدس، وهذا كما أنه نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أيضاً يفهم من القرآن، لأنه جعل ميراث البنات الثلثين، ومعلوم أن بنت الابن تعتبر من بنات الميت، ولكن لتفاوتهما جاء في السنة التفريق بينهما، وأن التي في الدرجة الأولى تعطى النصف كاملاً، والتي دونها تأخذ السدس الذي يكمل به الثلثان.
أي: للأخت الشقيقة، وهذا الذي تأخذه الأخت الشقيقة تأخذه تعصيباً، ويقال له: تعصيب مع الغير؛ لأن التعصيب أقسامه ثلاثة: تعصيب بالنفس، وتعصيب بالغير، وتعصيب مع الغير.
فالعصبة بالنفس هو الذي لا يحتاج لأحد يعصبه كالابن، وكذا الأخ الشقيق والأخ لأب والعم وابن العم، وإذا كان بنون وبنات فهم يرثون للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا ترث البنات بالفرض؛ لأنه لا فرض للبنات مع إخوانهن، بل يقسم المال بين البنين والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين، وقد تسقط بنت الابن وترث مع أخيها لو وجد بنتان وبنت ابن وابن ابن، فإن البنتين لهما الثلثان، وابن الابن وأخته أو بنت عمه لهما الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، وحينئذ يقال لبنت الابن: إنها عصبة بالغير، أي ليست عصبة بنفسها وإنما هي عصبة بغيرها؛ لأن غيرها هو الذي عصبها، وهو الذي جعلها ترث بهذا الوجه، ولو لم يوجد أخوها أو ابن عمها الذي هو ابن الابن فإنها تسقط؛ لأن البنات يستكملن الفرض -الثلثين- لكن لما وجد فرع من الذكور الوارث، فإنه يعصب بنت الابن وترث مع أخيها تعصيباً بالغير.
وأما التعصيب مع الغير فهو ميراث الأخوات مع البنات، وذلك حيث توجد بنات وليس معهن ذكور يعصبونهن ويستوعبون المال معهن، فإذا أخذت البنات فرضهن، فإن الباقي للأخوات الشقيقات أو لأب، وهذا يقال له: تعصيب مع الغير.
إذاً: العصبة بالنفس: هم الذكور من البنين وأبناء البنين، والأب والجد وكذلك الأعمام، وأبناء الأعمام، والإخوة الأشقاء، وأبناء الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب وأبناء الإخوة لأب، والمعتق والمعتقة.
والذين يعصبون أخواتهم هم: الابن وابن الابن والأخ الشقيق والأخ لأب، فإن أخواتهم يرثن معهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويقال عن الإناث حينئذ إنهن عصبة بالغير، وهن البنات مع البنين، وبنات البنين مع بني البنين، والأخوات الشقيقات مع الإخوة الأشقاء، والأخوات لأب مع الإخوة لأب.
وأما الأخوات الشقيقات أو لأب إذا كن مع البنات أو بنات الابن، فإنهن عصبة مع الغير، فتأخذ البنات فرضهن سواء كانت واحدة أو اثنتين فأكثر، فيكون لهما الثلثان إذا تعددن، والنصف إذا كانت واحدة، والباقي للأخوات تعصيباً، ومن العصبة مع الغير.
عبد الله بن عامر بن زرارة صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجة .
[ حدثنا علي بن مسهر ].
علي بن مسهر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
الأعمش هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
[ عن أبي قيس الأودي ].
أبو قيس الأودي هو: عبد الرحمن بن ثروان ، وهوصدوق ربما خالف، أخرج له البخاري وأصحاب السنن .
[ عن هزيل بن شرحبيل الأودي ].
هزيل بن شرحبيل الأودي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن .
[ عن ابن مسعود ].
عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة .
قال أبو داود : أخطأ بشر فيه، إنما هما: ابنتا سعد بن الربيع، وثابت بن قيس قتل يوم اليمامة ].
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: (أن امرأة ثابت بن قيس ) والصواب أنها امرأة سعد بن الربيع، كما بين ذلك أبو داود في آخر الحديث؛ لأن ثابت بن قيس بقي إلى ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، واستشهد يوم اليمامة مع الجيوش التي أرسلها أبو بكر رضي الله عنه لقتال المرتدين.
وفيه: أن امرأة سعد بن الربيع جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: هاتان ابنتا سعد الذي قتل معك يوم أحد، وإن عمهما استفاء مالهما، يعني: اختص بمالهما وأخذ مالهما، ولا ينكحان إلا بمال، فقال: (يقضي الله في ذلك، فأنزل الله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]) .
فاستدعى عمهما وقال: (أعطهما الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فلك)؛ لأن عمهما يرث الباقي بعد أخذ الفروض، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر)، والفرائض هنا: ثمن للزوجة؛ لوجود الفرع الوارث، والبنتان لهما الثلثان، كما قال الله عز وجل: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ [النساء:176] .
والأسواف: مكان من الحرم.
مسدد هو ابن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا بشر بن المفضل ].
بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
[ حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ].
عبد الله بن محمد بن عقيل صدوق في حديثه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن جابر بن عبد الله ].
جابر بن عبد الله مر ذكره .
وهذا إسناد رباعي.
قال أبو داود : وهذا هو أصح ].
أورد أبو داود طريقاً أخرى وفيها بيان أن سعد بن الربيع هو الذي استشهد، وأن الابنتين التي أخذ عمهما المال ولم يبق لهما شيئاً هما ابنتا سعد ، ثم بعد ذلك نزل القرآن، ودعا عمهما وأخبره أن له ما بقي بعد الثلثين الذي هو فرض للبنتين، والثمن الذي هو فرض للزوجة، وفيه بيان أن هذا هو الصحيح من جهة أنه هو الذي قتل يوم أحد.
وأما ثابت بن قيس بن شماس في الرواية الأولى فهو خطأ؛ لأن ثابتاً عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم واستشهد في خلافة الصديق رضي الله عنه.
قوله: [ حدثنا ابن السرح عن ابن وهب عن داود بن قيس ].
ابن السرح وابن وهب مر ذكرهما، وداود بن قيس ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ وغيره من أهل العلم عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله ].
عبد الله بن محمد بن عقيل وجابر بن عبد الله مر ذكرهما .
هذا الأثر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه ورث بنتاً وأختاً إما شقيقة أو لأب، فأعطى كل واحدة منهما النصف، فالبنت أعطاها النصف فرضاً، وأما الأخت فهو تعصيب مع الغير، وذلك في زمن النبوة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي.
فهذا يشعر بأن هذا إما أن يكون حصل في زمن النبوة، ولو كان الحكم بخلاف هذا لنزل القرآن، كما جاء في حديث جابر : [ كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن ]، أو أنه إنما قال ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه مبني على علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أيضاً ما في هذا الحديث مطابق لما تقدم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، في أن الأخت ترث مع البنت أو البنات على سبيل التعصيب مع الغير، وليس من قبيل الفرض.
وقوله: [ أعطى كل واحدة منهما النصف ] ليس معنى ذلك فرضاً؛ لأن الأخت لا يفرض لها مع وجود البنات أو البنت، وإنما يفرض لها مع عدم وجود الفرع الوارث، وعدم وجود الأصل الوارث من الذكور، وإنما المقصود أنه تعصيب، أي: تعصيب مع الغير، فلها الباقي الذي صار نصفاً.
موسى بن إسماعيل هو التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
[ حدثنا أبان ].
أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
[ حدثني أبو حسان ]
أبو حسان الأعرج وهو مسلم بن عبد الله صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن .
[ عن الأسود بن يزيد ].
الأسود بن يزيد بن قيس النخعي وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
[ عن معاذ بن جبل ]
معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة .
الجواب: نعم. العملات تعتبر أجناساً، فالتفاضل فيها سائغ، والتقابض لازم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)، : (كيف شئتم) يعني: متفاضلاً، لكن بشرط أن يكون يداً بيد، فلابد من التقابض.
الجواب: هذا الحديث غير ثابت، ومعناه: أن الزوجة تختار من أناس طيبين، ومن أناس خيار، لأنه إذا كان في أصلها سوء فإنه قد يسري على الفروع ما هو موجود في الأصول، وهذا ليس على إطلاقه، والحديث غير ثابت.
الجواب: هذا ليس مرسلاً؛ لأن الأسود بن يزيد مخضرم، وهو يحكي عن معاذ ، ولا يحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان هذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن معاذاً كان قاضياً باليمن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم قد يجتهد، ولكنه لا يقر على الشيء الذي يحصل منه وهو خلاف الأولى، كما في قضية أسارى بدر، وغير ذلك مما ورد، بل ينزل الوحي ببيان الصواب.
الجواب: كل هذا شر في شر؛ لأن هذا الذي اتصل ستعطيه من غير حق، وأولئك يأخذون بغير حق.
الجواب: لا تبطل الصلاة، اللهم إلا إذا وجدت شدة منعت الإنسان أن يأتي بما هو واجب، وبما هو مطلوب، وبما هو متعين؛ فحينئذٍ لا تصح الصلاة، أما إذا أتى بما هو مطلوب فيها، ولكنه كان مشغولاً بهذه المدافعة؛ فإن صلاته تصح.
الجواب: كون الإنسان يعطي أولاده من ماله في حياته على قدر الميراث لا بأس به، وكل واحد يحصل ميراثه كما شرع الله عز وجل، والمشاكل تحصل فيما إذا اعتدى أحد على أحد، وإلا فإن كل واحد نصيبه معروف ومقدر، والحق سوف يصل إليه.
الجواب: ما أعرف شيئاً عن صحته، لأن قول الهيثمي : رجاله ثقات، لا يدل على صحته، فقد يكون فيه انقطاع، ولا يكفي في صحته كون جميع رواته ثقات.
الجواب: لا، البنت ترث النصف، والباقي لابن الابن، وإنما يعصب أخته أو ابنة عمه.
الجواب: هذا الحديث عن أبي الزبير يشهد له حديث ابن المنكدر ، فهما سواء، وفي حديث ابن المنكدر : (فتوضأ وصبه علي فأفقت)، وفي حديث أبي الزبير : (فنفخ في وجهي فأفقت) والجمع بينهما ممكن.
الجواب: لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فيه بركة، ويتبرك بفضل وضوئه، وأما غيره من الناس فلا يتبرك بهم، فإن خير الناس من بعده أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ما كان الصحابة يتبركون بهما، وإنما هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: الذي يجاهد في سبيل الله، ثم يموت في المعركة الظاهر أنه يستشهد، ولكن الحقيقة علمها عند الله، كما جاء في قصة الرجل الذي كان له نكاية بالعدو، ولا ترك شاذة ولا فاذة إلا وقد أتى عليها للعدو، ثم أثنوا عليه عند النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (هو في النار) ، وبعد ذلك تبعه أحد الصحابة ورآه قتل نفسه.
الجواب: الأشخاص الذين لا حق لهم في الإرث هم من يذكرون في علم الفرائض تحت باب موانع الميراث، وهي: الرق، والقتل واختلاف الدين، فهذه موانع الإرث، فالمسلم لا يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم، والقاتل والرقيق لا يرثان.
الجواب: إذا خرج من مزدلفة قبل نصف الليل فإن عليه فدية، وهي شاة تذبح في مكة، وتوزع على فقراء الحرم.
الجواب: لها أن ترجع إذا رغب بها وطلبها، وإذا كانت خرجت من العدة فلا بد من عقد ومهر جديدين.
الجواب: لا شك أنه نجس، ويجب التطهر منه، وهو ينقض الوضوء، وهذا حيث يكون نادراً، وأما إذا كان مستمراً مثل سلس البول، فهذا له حكم آخر، ويتقي الله ما استطاع، ويتوضأ عند ضيق الوقت، ولا يضره ما يخرج منه بعد ذلك.
الجواب: بل يجلس في المسجد؛ لأنه قال في المسجد؛ لأنه لو ذهب إلى البيت ما حصل الذي جاء في الحديث.
الجواب: إذا كان لها شغل يشغلها عن هذا، ففضل الله واسع، وإذا ذكرت الله عز وجل فهي مأجورة على ذلك، لكن الذي جاء في الحديث هو المسجد، وإن شاء الله لو فعلت المرأة فهي على خير، ولكن لم يرد نص يدل على هذا، ولكن كونها تقوم وتتحرك وتذهب وتأتي، فهذا لا يصدق عليه أنها جلست في مكانها.
الجواب: لا تجلس، بل انتظر حتى يفرغ المؤذن ثم صل ركعتين.
الجواب: هذا الكلام يحتاج إلى تحقق، هل هو صحيح أو غير صحيح، وأنا أشك في صحته؛ لأن كثيراً من الناس يأتون إلى الحج من مختلف البلاد ولهم لحى، لكن بعض الناس يتخوف، وبعض الناس لهم رغبة في حلقها، وكونه يجد ولو يسيرة يقدم على حلقها! ولكن من يتق الله يجعل له مخرجاً، ولا يقال: إن كل من كان في تلك البلاد لابد لهم من الحلق، ففيهم حليقون، وفيهم ذوو لحى، والإنسان يكون مع أهل الحق، ويكون مع أهل الطاعة، ولا يكون مع أهل المعاصي، وما أظن أنه لا يخرج من تلك البلاد أحد إلا وقد حلق!
الجواب: المصافحة للنساء غير المحارم لا تجوز، وكونهن يكن متكشفات وعندهن أجنبي لا يجوز، ويجب عليهن التستر والاحتجاب، ولا يجلسن مع الرجال، ولا ينبغي أن يكون جلوسكم مع مثل هؤلاء البنات، بل يجب أن تكونوا على حدة، ولا يجلسن مع الرجال، ولو كن متحجبات.
الجواب: هذا من الجهل، ومثل ذلك لا يجوز، نعم على المسلم أن يكون محباً للنبي صلى الله عليه وسلم محبة تفوق النفس والمال والولد والوالد والناس أجمعين، ولكن هذه المحبة لا تكون بتمسيح الجدران، وإنما تكون باتباع النبي عليه الصلاة والسلام، والسير على منهاجه، والعمل بسنته، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وأما مسح الجدران والتمسح بالشبابيك وما إلى ذلك فهذا غير صحيح، ولا يجوز الإتيان به؛ لأنه ما جاء عن سلف هذه الأمة، ولو كان خيراً لسبقوا إليه، لأنهم السابقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير، وعلى الإنسان أن يكون متبعاً لا أن يكون مبتدعاً، والاتباع يكون بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وتصديق الأخبار، وأن تكون العبادة لله مطابقة للسنة التي جاء بها رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر