حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس المعنى قالا: حدثنا بشر بن عمر الزهراني قال: حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان رضي الله عنه قال: أرسل إلي عمر رضي الله عنه حين تعالى النهار فجئته فوجدته جالساً على سرير مفضياً إلى رماله، فقال حين دخلت عليه: يا مال ! إنه قد دف أهل أبيات من قومك، وإني قد أمرت فيهم بشيء فاقسم فيهم قلت: لو أمرت غيري بذلك فقال: خذه، فجاءه يرفأ ، فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا، ثم جاءه يرفأ فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في العباس وعلي رضي الله عنهما؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا، قال العباس : يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا -يعني علياً - فقال بعضهم: أجل يا أمير المؤمنين! اقض بينهما وأرحهما. قال مالك بن أوس : خيل إلي أنهما قدما أولئك النفر لذلك، فقال عمر رحمه الله: اتئدا، ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)؟ قالوا: نعم. ثم أقبل على علي وعباس رضي الله عنهما فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)؟ فقالا: نعم. قال: فإن الله خص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخاصة لم يخص بها أحداً من الناس، فقال الله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر:6]، وكان الله أفاء على رسوله بني النضير، فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أخذها دونكم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ منها نفقة سنة أو نفقته ونفقة أهله سنة، ويجعل ما بقي أسوة المال.
ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، ثم أقبل على العباس وعلي رضي الله عنهما فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم.
فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر رحمه الله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نورث ما تركنا صدقة)، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، فوليها أبو بكر ، فلما توفي أبو بكر قلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولي أبي بكر فوليتها ما شاء الله أن أليها، فجئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتمانيها فقلت: إن شئتما أن أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يليها فأخذتماها مني على ذلك، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك، والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرداها إلي.
قال أبو داود : إنما سألاه أن يكون يصيره بينهما نصفين، لا أنهما جهلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)، فإنهما كانا لا يطلبان إلا الصواب، فقال عمر : لا أوقع عليه اسم القسم، أدعه على ما هو عليه ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال، يريد أبو داود رحمه الله من هذه الترجمة ما اصطفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبقاه دون أن يقسم من الأموال، وذلك في الأموال الثابتة التي يستغل ريعها مع بقاء أصلها، وهي الأراضي.
وكل ما أورده أبو داود هنا يتعلق بشيء ثابت، وقوله: من الأموال، يريد به هذا المعنى، وهناك اصطفاء في غير الأموال بغير هذا المعنى، وهو الاصطفاء في السبي، كما حصل لـصفية رضي الله تعالى عنها حيث اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، ولكن الترجمة هنا يراد بها ما يتعلق بالأموال، والمقصود من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أبقاه دون أن يقسم ودون أن يباع، وإنما يستفاد من ثمنه مع بقاء أصله، بحيث يستفاد من غلته ومن ثمرته، وليس معنى ذلك أنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه بمثابة المال الذي يملكه، فإن المقصود من ذلك أنه أبقاه لينفق على نفسه منه وعلى أهل بيته، وما يبقى يكون في مصالح المسلمين، والمقصود بكونه من الصفايا أنه بقي واستفيد منه بصفة مستمرة، ولم يقسم ويوزع بين الناس، ولم يبع ويتصرف في قيمته، وإنما بقيت أصوله ويستفاد من غلته وثمرته على مر السنين.
أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فيما يتعلق بما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم من أرض بني النضير، وهي مما أفاؤه الله على رسوله من غير قتال كما قال الله عز وجل: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر:6]، وهذه الأموال أبقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على أهله قوت سنة، وذلك القوت كان ينتهي في وقت قريب؛ لكثرة بذله صلى الله عليه وسلم وجوده وإحسانه، فلا يبقى في بيته شيء مما كان يدخره لمدة السنة؛ لأنه كان ينتهي قبل ذلك؛ لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجود والكرم والبذل والإحسان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وما بقي بعد ذلك ينفقه في مصالح المسلمين.
أورد أبو داود هذا الحديث الطويل الذي فيه أن مالك بن أوس بن الحدثان دعاه عمر رضي الله عنه ليأتي إليه وذلك بعدما ارتفع النهار، فجاء إليه وقال: إنه دفت دافة من قومك، وإني قد أمرت لهم بشيء فأعطهم إياه ووزعه عليهم، والمقصود بالدافة: الذين جاءوا يدفون مسرعين يريدون الإحسان والعطاء لما حصل لهم من فقر وحاجة، فطلب مالك بن أوس أن يعفيه من ذلك، حتى لا يتحمل الأمانة، فقال: خذه، وليس فيه أنه أعفاه، وإنما أمره بأخذه، والذي يظهر أنه هو الذي تولى ذلك؛ لأنه ما جاء شيء يفيد بأن عمر اختار غيره وأسنده إلى غيره.
ويرفأ هو الذي كان على الباب يخبر بمن يستأذن فقال: هل لك -يا أمير المؤمنين- في عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد ، وهم من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فدخلوا عليه، ثم بعد ذلك جاء يخبره عن علي والعباس رضي الله عنهما وأنهما يستأذنان، فدخلا عليه، وكانت بينهما خصومة، فقال العباس : يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا يعني: علياً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والذين جاءوا من قبل قالوا: اقض بينهما وأرحهما يا أمير المؤمنين! قال مالك : فيخيل لي أنهما قدموهم ليكونوا عوناً لهم على أن يحقق عمر رضي الله عنه الذي يريده علي والعباس ؛ لأنهم قالوا: اقض بينهما وأرحهما.
فقال عمر : ائتدا يعني: تمهلا وانتظرا، فقبل أن يذكر الجواب فيما طلبا أراد أن يمهد لذلك، وأن يبين ما حصل فيما مضى فيما بينه وبينهما.
أي: أقبل عمر رضي الله عنه على هؤلاء الرهط الأربعة الذين هم: عثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير رضي الله تعالى عنهم، فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نورث ما تركنا صدقة)؟ قالوا: نعم.
وهذا الحديث يدل على أن الأنبياء لا يورثون، فلا يورث عنهم المال؛ لأنهم ما جاءوا لجمع المال وتوريثه لأقربائهم، وإنما جاءوا بالحق والهدى لهداية البشر، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فهذا هو ميراثهم، وهو ميراث مبذول لكل من أراده، ولكل من وفقه الله لأن يحصل العلم النافع المستمد من الكتاب والسنة، ولهذا جاء في الحديث: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)، فهم ما جاءوا لجمع المال وتحصيله ثم كونهم يخلفونه وراءهم ليرثه أقرباؤهم، فالله تعالى لم يجعل الأنبياء كغيرهم من الناس الذين يورث عنهم المال، فما يخلفونه يكون صدقة ولا يكون ميراثاً لأقربائهم، قال بعض أهل العلم في تعليل ذلك: أصحاب الأموال بعض الأقرباء يتمنى أن يموتوا ليرثوهم، وهذا إذا حصل بالنسبة للأنبياء يكون خطيراً في حق من يتمنى ذلك، فصارت شريعة الله عز وجل في حق رسله أنه لا يورث عنهم المال، وإنما يورث عنهم العلم النافع الذي به الهداية للصراط المستقيم، والخروج من الظلمات إلى النور.
ثم التفت إلى علي والعباس رضي الله تعالى عنهما وقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك؟ فقالا: نعم. يعني: أنهما يعلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نورث، ما تركناه صدقة).
ثم قال: [ فإن الله خص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخاصة لم يخص بها أحداً من الناس، فقال الله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر:6] ].
قوله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ يعني: من يهود بني النضير، فإن الأموال التي تركوها أخذها المسلمون بلا قتال، وإنما هي فيء، والفيء لا يخمس، وإنما يكون على نظر الإمام يصرفه في مصالح المسلمين، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ينفق على نفسه وأهله من هذا المال ويدخر من ذلك قوت سنة، ثم الباقي يكون أسوة المال الذي يكون في بيت المال، أي: يصرف في مصالح المسلمين، فهو لم يدخره له ولم يملكه، وإنما هو محبوس دون أن يوزع ودون أن يباع، وإنما ينفق على نفسه منه صلى الله عليه وسلم وعلى أهله لمدة سنة، وما وراء ذلك فإنه ينفقه في سبيل الله أسوة سائر الأموال التي تكون في بيت المال.
ثم إن عمر رضي الله عنه بعد أن ذكر ما يتعلق بكون الأنبياء لا يورثون وبعد أن أقر الرهط الذين حضروا عنده، وكذلك علي والعباس رضي الله تعالى عنهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نورث ما تركناه صدقة)، بعد ذلك ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أبقى هذا المال ولم يقسمه أنه ما اختص به دون الناس، وإنما كان يأخذ منه نفقته ونفقة أهله سنة، والباقي أسوة المال يصرفه في مصالح المسلمين ويقسمه في مصارف بيت المال صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
ثم سأل الرهط الأربعة هل يعلمون ذلك؟ فأقروا بذلك، وسأل علياً والعباس رضي الله عنهما هل يعلمان ذلك؟ فأقرا بذلك، ثم قال عمر رضي الله عنه: إن الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته قام بهذا المال على هذا الوجه، وهو الإنفاق منه على أهله، والباقي أسوة المال، وإن أبا بكر رضي الله عنه لما قام مقامه قال: أنا ولي الأمر من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأتصرف في هذا المال الذي خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يتصرف فيه، وإن علياً رضي الله عنه جاء يطلب ميراث زوجته فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء العباس يطلب ميراثه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أبا بكر قرأ عليهم الحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وهو قوله: (إنا لا نورث ما تركناه صدقة).
ثم إن عمر رضي الله عنه لما توفي أبو بكر قام بالأمر من بعده، وقام بصرف المال الذي كان يصرفه أبو بكر وفقاً لما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله عنه يصرفه مدة من خلافته على هذا النحو، ثم إن علياً والعباس رضي الله تعالى عنهما جاءا إليه وهما متفقان وأمرهما جميع، وطلبا منه أن يدفع هذه الأموال لهما ليقوما بصرفها وفقاً لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفها، فأخذ عليهم العهد أن يقوما بذلك على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه دفعه إليهما، فصارا يقومان بذلك، ثم إنه حصل منهما ما جاء في هذا الحديث بحضور هؤلاء الرهط، أن يقسم بينهما النظارة على هذه الأموال، وأن يجعل كل واحد منهما على قسم من هذه الأموال، وعمر رضي الله عنه وأرضاه أراد أن تبقى على ما كانت عليه، وهما لما طلبا أن يتوليا ذلك ولاهما جميعاً، وصارت النظارة لهما مجتمعين، ولم يوافق على قسمة هذه الأموال بينهما بحيث يتولى هذا على شيء وهذا على شيء، وإنما تبقى كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولاها واحد أو أكثر على طريقة واحدة وعلى منهج واحد بحيث يكون التوزيع للجميع من واحد سواء الخليفة أو من طلبا أن يقوما بهذا الأمر، وجعلت النظارة لهما مجتمعين، ولم يوافق عمر رضي الله عنه على أن يقسم هذا المال بينهما؛ لأنه لو قسم المال بينهما لظن على مر السنين والدهور أن المال الذي بيد العباس ميراثه، والذي بيد علي ميراث زوجته، ولكنه لما بقي مال واحد يتصرف فيه الناظر تصرفاً واحداً زال ذلك الاحتمال الذي يخشى من قسمة المال بينهما.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يورث لورثه زوجاته أمهات المؤمنين، ولكان لهن الثمن، وسيأتي حديث فيه أنهن أردن أن يرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر ليعطيهن الثمن من هذه الأموال.
وفي هذا الحديث جاء علي يطلب ميراث زوجته فاطمة رضي الله تعالى عن الجميع، وجاء العباس يطلب ميراثه من النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يورث فإن الزوجات يكون لهن الثمن، وللبنت النصف، والباقي للعم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر)، والعباس كان أقرب قريب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته؛ لأنه عمه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عم الرجل صنو أبيه) أي: مثل أبيه.
قوله: [ فجئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتمانيها فقلت: إن شئتما أن أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يليها، فأخذتماها مني على ذلك، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك ].
المقصود بقوله: بغير ذلك أي: قسمتها بينهم على أن يتولى هذا النظارة على النصف، وهذا على النصف، وهذا هو المقصود بالذي يختصمون فيه، لا أنهما يريدان الميراث؛ لأنهما يعرفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نورث)، وقد سبق أنهما أقرا بذلك، وبينا أنهما يعلمان ذلك، وإنما الشيء الجديد الذي جاءا من أجله هو قسمة النظارة بينهما، بحيث يكون هذا له الإشراف على النصف، وهذا له الإشراف على النصف، وقد أوضح هذا أبو داود رحمه الله بعد الحديث، وبين أن المقصود من مجيئهما إنما هو قسمة النظارة بينهما، لا أن المقصود من ذلك طلب الميراث.
قوله: [ والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرداها إلي ].
يعني: بغير الذي كنت دفعته إليكما على أن تقوما بصرفها طبقاً لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفها دون قسمة حتى تقوم الساعة، والمقصود ساعته يعني حتى يموت؛ لأن من مات فقد قامت قيامته وقامت ساعته، وليس المقصود من ذلك قيام الساعة آخر الدنيا؛ لأن قوله: لا أقضي بينكما حتى تقوم الساعة يعني: ما دمت حياً، والساعة أحياناً يراد بها قيام الساعة التي تكون في نهاية الزمان، والتي يموت فيها من كان حياً في نهاية الدنيا، وعند ذلك يتساوى الذين ماتوا من قديم الزمان والذين ماتوا في آخر الزمان، وأحياناً يراد بقيام الساعة الموت.
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ ومحمد بن يحيى بن فارس ].
محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا بشر بن عمر الزهراني ].
بشر بن عمر الزهراني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني مالك بن أنس ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مالك بن أوس بن الحدثان ].
مالك بن أوس بن الحدثان له رؤية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمر ].
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بكر ].
أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عبد الله بن عثمان أبي قحافة التيمي خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الأمم وخير الأمم أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وخير هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين، وحديث أبي بكر عند أصحاب الكتب الستة.
رِماله أو رُمالِه يعني: على سرير ليس عليه فراش، وإنما كان جسده مفضياً إلى رماله وهي الحبال التي تكون بين الخشب، ويجلس عليها الذي يجلس على السرير، والمعنى أنه لم يكن عليه فراش.
قوله: [ فقال حين دخلت عليه: يا مال ].
هذا ترخيم، يعني: يا مالك ، حذفت الكاف، واللام تكسر أو تضم يا مالُ أو يا مالِ.
قوله: [ فجاءه يرفأ ].
يرفأ هذا هو الحاجب الذي يكون على الباب، ويخبر عمر بمن يستأذن، واتخاذ الوالي البواب أو الحاجب ليعرف من يأتي يستأذن؛ حتى يأذن أو لا يأذن أمر سائغ؛ لأنه قد يكون مشغولاً، وقد يكون هناك ما هو أهم من ذلك.
والفيء منه شيء يقسم، وشيء يبقى، والذي يبقي يستفاد من غلته هو المقصود بكونه من الصفايا.
وهذا الحديث يتعلق بأموال بني النضير التي قال الله عز وجل فيها: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ أي: من اليهود فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ يعني: هذا لا يطلب قسمته كما تقسم الغنائم؛ لأن الغنائم تقسم على الغانمين، فيكون لهم أربعة أخماس، والخمس الباقي يصرف في الأصناف التي ذكرها الله في سورة الأنفال: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41]، أما الفيء فهو إلى الإمام له أن يقسمه، وله أن يبقيه، وله أن يتصرف فيه بما يراه في مصالح الناس، ويكون للإمام نصيب في الفيء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ من الفيء ما يكفيه وأهله لمدة سنة، وهذا النصيب باق لذرية النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو داود : أراد ألا يوقع عليه اسم قسم ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو كما تقدم إلا أن فيه إشارة إلى أن هذه الأموال من يهود بني النضير.
يحتمل أن يكون محمد بن عبيد بن حساب أو محمد بن عبيد المحاربي ، وكل منهما روى عن محمد بن ثور ، ومحمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وأما المحاربي فهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا محمد بن ثور ].
محمد بن ثور ، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن معمر ].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري عن مالك بن أوس ].
مر ذكرهما.
قال ابن عبدة : ينفق على أهله قوت سنة، فما بقي جعل في الكراع وعدة في سبيل الله عز وجل، قال ابن عبدة : في الكراع والسلاح ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، قال عمر : [ (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب) ].
الإيجاف: هو الإسراع.
قال: [ (كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالصاً ينفق على أهل بيته) ].
يعني: اصطفاها بأن تبقى ينفق على أهل بيته منها، وما بقي جعله في الكراع والعدة في سبيل الله، والكراع هو الخيل، والعدة أي: للجهاد في سبيل الله.
[ قال ابن عبدة : ينفق على أهله قوت سنة ].
يعني: أحد الشيخين -وهو أحمد بن عبدة -قال: ينفق على أهله قوت سنة، وقال الشيخ الأول: ينفق على أهل بيته.
[ قال ابن عبدة : في الكراع والسلاح ].
يعني: أنه ساقه على لفظ ابن أبي شيبة ، ثم ذكر الفروق بين لفظ رواية: ابن أبي شيبة وبين ابن عبدة .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ وأحمد بن عبدة ].
أحمد بن عبدة الضبي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن سفيان بن عيينة ].
سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن دينار ].
عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري عن مالك بن أوس عن عمر ].
مر ذكرهم.
أورد أبو داود حديث عمر من طريق أخرى، وفيه أنه قال: [ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6]، قال الزهري : قال عمر : هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة قرى عرينة فدك وكذا وكذا ].
هذه أماكن أخرى غير ما تقدم من ذكر بني النضير، وكل هذه من الأموال التي بقيت يستفاد من غلتها، وينفق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله منها، والباقي يوضع في سبيل الله عز وجل.
ثم ذكر مصارف الفيء وأنه يكون في الأمور الخمسة التي ذكر الله في آية سورة الحشر، ثم ذكر بعد ذلك المهاجرين والأنصار ثم قال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]، وهذه الآية الأخيرة استوعبت جميع الناس؛ لأنها تتعلق بكل من جاء بعد المهاجرين والأنصار ممن يستغفر لهم، ويسأل الله عز وجل ألا يجعل في قلبه غلاً لهم، وأنه لا يستثنى من ذلك إلا الأرقاء الذين هم مملوكون تابعون لأسيادهم، فهم ينفق عليهم أسيادهم، ولو أعطوا لصار ذلك الذي يعطونه ملكاً لأسيادهم.
وهذه الآيات الثلاث: آية في المهاجرين، وآية في الأنصار، وآية في الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار ممن يستغفر لهم ويسأل الله عز وجل ألا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، أي: أن قلوبهم وألسنتهم سليمة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء عن مالك بن أنس رحمة الله عليه أنه قال: إن هذه الآية تدل على أن الرافضة لا نصيب لهم في الفيء؛ لأنهم ليسوا من الأصناف الثلاثة؛ لأن الآية التي جاءت بعد ذكر المهاجرين والأنصار وصف الله عز وجل أهلها المستحقين للفيء أنهم يستغفرون للذين سبقوهم بالإيمان من المهاجرين والأنصار، ويسألون الله ألا يجعل في قلوبهم غلاً لهم.
قوله: [ إلا بعض من تملكون من أرقائكم ] قيل: إن المقصود بالتبعيض الكل، أي: الذين تملكون من أرقائكم، وقيل: المقصود أن بعض الأرقاء أعطوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا التبعيض يراد به أن منهم من أعطي ومنهم من لم يعط.
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ].
إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا أيوب ].
أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والزهري مر ذكره، وعمر أيضاً مر ذكره، والزهري من صغار التابعين لم يدرك عمر رضي الله عنه، ولكن الحديث صححه الألباني للشواهد، وإلا ففيه انقطاع.
أورد أبو داود حديث مالك بن أوس بن الحدثان
قال: [ (كان فيما احتج بهيعني: كان فيما احتج به عمر في كون الرسول صلى الله عليه وسلم خلف شيئاً وأبقاه، وأنه يصرف في سبيل الله عز وجل إلا ما كان يأخذ منه لأهله نفقة سنة.
قوله: [ (فأما بنو النضير فكانت حبساً لنوائبه) ] يعني: ما ينوبه من المناسبات التي تحتاج إلى بذل وعطاء، فإنه ينفق منها في سبيل الله عز وجل، يعني: للجهاد وللسلاح وللكراع ولإعطاء المحتاجين.
قوله: [ (وأما فدك فكانت حبساً لأبناء السبيل) ].
يعني: ينفق على أبناء السبيل منها.
يعني: وما حصل من خيبر جزأه ثلاثة أجزاء: جزءان للمسلمين، وجزء ينفق على نفسه وأهله منه، وما بقي فإنه يجعله في المهاجرين في سبيل الله، الذين هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت التي كانت فيه الهجرة قبل أن تفتح مكة، فكان يعطيهم منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والمقصود أنهم أشد حاجة من غيرهم في الإعطاء، وإلا فإنه كان يعطي المهاجرين والأنصار جميعاً.
هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا حاتم بن إسماعيل ] .
حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: ح وحدثنا سليمان بن داود المهري ].
سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج أبو داود والنسائي .
[أخبرنا ابن وهب ].
عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عبد العزيز بن محمد ].
عبد العزيز بن محمد الدراوردي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: ح وحدثنا نصر بن علي ].
نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا صفوان بن عيسى ].
صفوان بن عيسى وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[وهذا لفظ حديثه].
أي: لفظ حديث صفوان ؛ لأنه ذكره من عدة طرق، ولكنه ساقه على الطريق الأخيرة من هذه الطرق.
[ كلهم عن أسامة بن زيد ].
أسامة بن زيد الليثي وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن الزهري عن مالك بن أوس الحدثان ].
مر ذكرهما.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر رضي الله عنه تطلب ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم من فدك وما بقي من خمس خيبر وما كان في المدينة من أموال بني النضير، وسبق أن مر أن علياً رضي الله عنه جاء يطلب ميراث زوجته، فلعل المقصود أنها طلبت من علي أن يطلب ذلك؛ فـأبو بكر رضي الله عنه قال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا نورث، ما تركنا صدقة)، وقال: إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني: أنهم ينفق عليهم من هذا المال الذي هو الخمس والفيء الذي يفيء الله عز وجل، ثم ذكر أنه لا يغير شيئاً كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ينفق على آل محمد من هذا المال والباقي يصرفه في سبيل الله كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، وقد قال: (ما تركناه صدقة).
وأبى أن يدفع لها المال على أساس أنه ميراث، ولكنه يعطيها ويعطي غيرها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي أهل بيته، فكان آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم يأكلون من هذا لمال ويعطون من هذا المال، ولا تحل لهم الصدقة اكتفاءً بما كانوا يعطون من الأموال التي هي غنيمة وفيء.
يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا الليث بن سعد ].
الليث بن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عقيل بن خالد ].
عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير ].
ابن شهاب مر ذكره، وعروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة ].
هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عمرو بن عثمان الحمصي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[حدثنا أبي].
وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا شعيب بن أبي حمزة ].
شعيب بن أبي حمزة الحمصي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري حدثني عروة عن عائشة ].
مر ذكر الثلاثة.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى وفيه أن علياً والعباس دفع إليهما عمر ما يتعلق بالمدينة، وأن ما كان من مال خيبر وفدك فإنه بقي بيده رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومعلوم أن كلاً من الثلاثة مصيرها واحد، ولكن هذا هو الذي جعله بأيدي علي والعباس رضي الله تعالى عنهما، والباقي بقي في يد الخليفة والوالي يصرفه في مصالح المسلمين.
قوله: إني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ. يعني: أن أزيغ عن الحق؛ لأنه ما أخذ بما أخذ به رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يسلك المنهج الذي كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، إذا فعل خلاف ما كان عليه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
حجاج بن أبي يعقوب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود .
[ حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ].
يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن صالح ].
صالح بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب أخبرني عروة عن عائشة ].
مر ذكر الثلاثة.
قال الزهري : وكانت بنو النضير للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خالصاً لم يفتحوها عنوة، افتتحوها على صلح، فقسمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين لم يعط الأنصار منها شيئاً إلا رجلين كانت بهما حاجة ].
سبق أن مرت جملة من الأحاديث تحت هذا الباب: باب صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال، وعرفنا أن المقصود من ذلك: ما يتعلق بالأراضي والنخيل وغير ذلك من الأشياء الثابتة التي لم تقسم وتوزع على الناس، وإنما بقيت أصولها ثابتة محبسة، وثمرتها وغلتها تصرف في المصارف التي يراها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود هذا الحديث الذي هو مرسل عن الزهري في قوله: فما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6] قال: (صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل فدك وقرى وقد سماها لا أحفظها) يعني: قرى أخرى مع فدك.
قوله: [ (وهو محاصر قوماً آخرين) ].
قيل: إنها خيبر أو بعض خيبر.
قوله: [ (فأرسلوا إليه بالصلح) ].
يعني: يطلبون منه أن يصالحوه.
قوله: [ (قال: فما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6] يقول: بغير قتال) ].
هذا تفسير لقوله: (فما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ) يعني: من غير قتال، وإنما حصلت بالرعب والخوف الذي جعل الأعداء يستسلمون ويصالحون.
قوله: [ قال الزهري : وكانت بنو النضير للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خالصاً لم يفتحوها عنوة، افتتحوها على صلح ].
يعني: صارت فيئاً يصرف في مصالح المسلمين ولا تخمس؛ لأنها ليست من الغنائم.
قوله: [ فقسمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين، لم يعط الأنصار منها شيئاً إلا رجلين كانت بهما حاجة ].
قسمها بين المهاجرين؛ لأنهم أصحاب حاجة، ولأنهم تركوا أموالهم وبلادهم وخرجوا منها لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما الأنصار فكان عندهم أموال، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار أول ما قدموا المدينة.
وقوله: (ولم يعط الأنصار إلا اثنين كانت بهما حاجة) ومعنى هذا أنها ليست للمهاجرين خاصة، وإنما هي للمهاجرين والأنصار.
والحديث مرسل؛ لأن الزهري من صغار التابعين.
يحتمل أن يكون ابن حساب أو يكون المحاربي ، وابن حساب ثقة، والمحاربي صدوق، وقد مر ذكرهما قريباً في هذا الباب.
وابن ثور هو محمد بن ثور ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن معمر ].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال أبو داود : ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة وغلته أربعون ألف دينار، وتوفي وغلته أربعمائة دينار ولو بقي لكان أقل ].
أورد أبو داود هذا الحديث، وهو مرسل، وفيه: [ جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان حين استخلف، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له فدك، فكان ينفق منها ويعود منها على صغير بني هاشم، ويزوج منها أيمهم ].
يعود منها على صغير بني هاشم، يعني: اليتامى، ويزوج أيمهم أي: من لم يكن ذا زوج سواء كان رجلاً أو أنثى.
قوله: [ وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى ].
أي: فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيها إياها.
قوله: [ فكانت كذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مضى لسبيله ].
يعني كانت كذلك على النحو الذي ذكر أنه ينفق على صغيرهم ويزوج أيمهم، ثم بعد ذلك ولي الخلافة أبو بكر ، وقام بالأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي صرف ذلك على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كذلك في زمن عمر رضي الله عنه، ثم أقطعها مروان بن الحكم ، قالوا: والذي أقطعها له عثمان بن عفان ، قالوا: وهذا مما عابوه عليه، وتكلموا فيه، لكن هذا الحديث غير ثابت؛ لأنه مرسل، فالإقطاع المذكور في هذا الحديث لا يكون ثابتاً.
قوله: [ ثم صارت لـعمر بن عبد العزيز ].
لأنه حفيد مروان .
قوله: [ قال عمر -يعني ابن عبد العزيز -: فرأيت أمراً منعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة رضي الله عنها ليس لي بحق ].
يعني: أن فاطمة طلبت أن تكون فدك لها، فأبى ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: فهو ليس لي بحق، فأعاده على ما كان عليه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: أنه صار ينفق منه على صغير بني هاشم، ويزوج أيمهم، ويصرف في المصارف التي كان يصرف فيها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ قال أبو داود : ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة وغلته أربعون ألف دينار، وتوفي وغلته أربعمائة دينار، ولو بقي لكان أقل ] .
يعني: أنه كان يصرف على نفسه من ماله ومن غلته التي كانت عنده قبل أن يتولى الخلافة، وأنه مات وغلته أربعمائة، ولو بقي لكان أقل، يعني: أنها كانت تتناقص؛ لأنه كان ينفق على نفسه منها، وهذا ليس متعلقاً بفدك، وإنما متعلق بماله هو، وأنه كان ينقص لأنه كان ينفق على نفسه منه.
عبد الله بن الجراح صدوق، يخطئ أخرج له أبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة .
[حدثنا جرير ].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المغيرة ].
المغيرة بن مقسم الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمر بن عبد العزيز ].
عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، الخليفة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد توفي وعمره أربعون سنة، ولم يكن من المعمرين، ولكن له الشهرة العظيمة والمنزلة الرفيعة والمحبة في نفوس المسلمين.
أورد أبو داود حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه قال: (جاءت
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا محمد بن الفضيل ].
محمد بن الفضيل بن غزوان صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الوليد بن جميع ].
الوليد بن جميع وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[ عن أبي الطفيل ].
أبو الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو آخر الصحابة موتاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وقد جاء أن أبا بكر رضي الله عنه ذهب إلى فاطمة واسترضاها، وأنها رضيت، وما يذكر أن علياً غضب لغضبها، ولم يبايع إلا بعد موتها بستة أشهر، فغير صحيح، بل هو بايع كما بايع الناس من البداية، وما ذكر من مبايعته بعد ذلك تجديد للبيعة، وليس أصل البيعة.
قال أبو داود : مؤنة عاملي يعني أكرة الأرض ].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقتسم ورثتي ديناراً)، وهذا إشارة إلى الحد الأدنى، يعني: لا يرثون شيئاً، ديناراً فما فوقه.
قوله: [ (ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة) ] يعني: الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نسائه وينفق منه على العمال الذين يحرثون الأرض أو الولاة الذين يلون الأمر من بعده، فما سوى ذلك فإنه صدقة يصرف في مصارف المسلمين وفي المصارف العامة، كما تقدم أنه كان ينفق على نفسه وعلى أهله قوت سنة، وما فضل عن ذلك فإنه يصرفه في سبيل الله.
[قال أبو داود : مؤنة عاملي يعني: أكرة الأرض ].
أكرة الأرض هم من الذين يشتغلون في الأرض ويحرثون فيها، فإنهم يعطون أجرتهم من ريعها، وقيل: إن المقصود بذلك الخليفة ومن يلون الأمر، فإنه ينفق عليهم من الفيء الذي هو في بيت المال أو يئول إلى بيت المال.
عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزناد ].
أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعرج ].
الأعرج هو عبد الله بن هرمز المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.
أورد أبو داود حديث أبي البختري عن رجل، وهذا الرجل قيل: هو مالك بن أوس بن الحدثان الذي سبق أن مر في أول الباب، والقصة هي نفس القصة السابقة، وذكر المصنف الحديث هنا مختصراً وأحال عليه فقال: بمثل حديث مالك بن أوس أي: الذي تقدم في أول الباب، والحافظ ابن حجر قال: لعله مالك بن أوس بن الحدثان .
قوله: [ (سمعت حديثاً من رجل فأعجبني، فقلت: اكتبه لي فأتى به مكتوباً مذبراً) ] يعني: معتناً بكتابته بخط واضح.
قوله: [ (دخل
وهذا كما تقدم في أول الباب في حديث مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي الله تعالى عنه، وفيه التفصيل لما جرى في مجلس عمر بحضور هؤلاء الرهط الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الاختلاف بين العباس وعلي حول التولية التي ولاهما عمر مجتمعين، ثم إنه حصل اختصامهما، وسبق أن مر أن المقصود من وراء الاختصام هو أن تقسم النظارة بينهما، وأن يكون كل واحد منهما مسئولاً عن نصف ذلك الذي ولي بينهما جميعاً، وأن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: إنه لا يفعل ذلك، بل يستمر الأمر على ما كان عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن قاما بها مجتمعين وإلا رداها إليه ليقوم بتصريفها كما كان يصرفها قبل أن يعطيهما إياها؛ وذلك وفقاً لما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان يفعله أبو بكر رضي الله تعالى عنه.
عمرو بن مرزوق ثقة له أوهام، أخرج له البخاري وأبو داود .
[ أخبرنا شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن مرة ].
عمرو بن مرة الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي البختري ].
أبو البختري هو سعيد بن فيروز ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت حديثاً من رجل ].
قيل: هو مالك بن أوس بن الحدثان .
[ عن عمر ].
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أردن أن يرسلن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه؛ ليطلبن ثمنهن من ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا لا نورث ما تركناه صدقة)؟ فيحتمل أنهن لم يعلمن ولكن أرادت هي أن تخبرهن بالذي قال ويحتمل أن يكن قد علمن ذلك، ولكنهن نسين، فذكرتهن بذلك عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وأن هذا المال الذي كان بيده صلى الله عليه وسلم ليس موروثاً عنه، وإنما ينفق على نفسه منه فيما ينوبه ويعروه، وأنه إذا توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن الأمر فيه يئول إلى من يلي الأمر من بعده، ليصرفه وفقاً لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفه، وهذا هو الذي حصل من أبي بكر رضي الله عنه، فإنه لما ولي الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بصرفه وفقاً لما كان يصرفه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن أبي بكر .
وولي الأمر له أن ينفق على نفسه منه، وقد سبق في الحديث: (ومؤنة عاملي) قيل: المقصود به الخليفة والولاة الذين يلون الأمر، والفيء عام لا يصرف في مصارف الخمس فقط، وإنما يصرف في مصارف المسلمين عموماً، ويأخذ منه الوالي.
محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا إبراهيم بن حمزة ].
إبراهيم بن حمزة صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا حاتم بن إسماعيل ].
حاتم بن إسماعيل وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أسامة بن زيد ].
أسامة بن زيد الليثي ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن ابن شهاب بإسناده ].
وقد مر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر