حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم) ، قال ابن عباس : وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها، وقال الحميدي عن سفيان قال سليمان : لا أدري أذكر سعيد الثالثة فنسيتها أو سكت عنها؟ ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب، جزيرة العرب هي الجزيرة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر الله عز وجل هذه الرسالة المحمدية منها، وانتشر منها النور والضياء الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنحاء المعمورة، فكان مما خصها الله عز وجل به وميزها أن حرم على الكفار أن يستوطنوها، وإنما يخرجون منها سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو غيرهم من أصناف الكفرة، وهنا ترجم المصنف لإخراج اليهود، وليس الأمر خاصاً بهم، ولكنه جاء في بعض النصوص التنصيص عليهم، وقد ذكر أيضاً غيرهم، فهذا الحكم يشملهم ويشمل غيرهم، فالكفار لا يقرون في جزيرة العرب، وإنما يخرجون منها، ولا يبقى فيها إلا دين الإسلام.
أورد أبو داود أحاديث تحت هذه الترجمة، ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وكلمة المشركين تشمل اليهود والنصارى وغيرهم، لأن اليهود مشركون، والنصارى مشركون، وكذلك غيرهم مشركون، فالكل يجب إخراجهم من جزيرة العرب؛ ولهذا جاء في الحديث: (أمرت أن أخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً) فهذا يفيد أن جميع أصناف الكفرة يخرجون من جزيرة العرب، وأنه لا يبقى فيها إلا المسلمون، وجاء في مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يترك دينان في أرض العرب) يعني: لا يبقى فيها دينان، بل دين واحد هو دين الإسلام، أما الأديان الأخرى فتكون خارج جزيرة العرب، وأما هذه فلا يكون فيها إلا الدين الإسلامي الذي بعث الله به رسوله الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم.
والجزيرة في الأصل هي ما تحيط بها المياه من جميع الجهات، وقيل لها: جزيرة تغليباً، وإلا فهي شبه جزيرة وليست جزيرة، ولكن لما كانت المياه محيطة بأكثرها قيل لها: جزيرة؛ لأن البحور تحيط بها من جميع الجهات إلا من جهة الشمال.
قوله: [ (وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزه) ].
الوفد هم الذين يفدون من الرؤساء والملوك، فإنهم يكرمون، وتحصل لهم الضيافة والإحسان، وفي ذلك فوائد تعود إلى من جاءوا منهم؛ لأنهم إذا رأوا المسلمين ومعاملتهم الطيبة لهم ثم رجعوا إلى أقوامهم بتلك الأشياء التي شاهدوها وعاينوها من الإحسان والمعاملة الطيبة؛ فإن ذلك يكون له أثر على من وراءهم ممن جاءوا منهم، ويكون ذلك سبباً لهدايتهم وهداية من يعودون إليهم.
قوله: [ قال ابن عباس : وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها ].
يعني: عنده شك هل هو سكت عنها أو أنه ذكرها ولكن نسيها ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وقد قيل: هي النهي عن اتخاذ قبره عيداً، وقيل: هي تجهيز جيش أسامة .
سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان بن عيينة ].
سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سليمان الأحول ].
سليمان الأحول اسمه سليمان بن أبي مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الحميدي هو عبد الله بن الزبير المكي الحميدي ، أحد شيوخ البخاري ، وهو أول شيخ روى عنه في صحيحه، فقد روى عنه حديث: [ (إنما الأعمال بالنيات) ] وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم في المقدمة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
أورد أبو داود حديث عمر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أترك فيها إلا مسلماً)، فذكر أولاً اليهود والنصارى، ثم أتى بلفظ يشمل غيرهم من أنواع الكفرة بقوله: (حتى لا أترك فيها إلا مسلماً) يعني: لا يبقى فيها إلا مسلم، فهذا دليل على أن الحكم ليس خاصاً باليهود والنصارى، وإنما هو عام لجميع أصناف الكفرة.
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا أبو عاصم ].
هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وعبد الرزاق ].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا ابن جريج ].
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبو الزبير ].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي ابن صحابي، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ عن عمر بن الخطاب ].
هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكبيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى عن جابر عن عمر وقال: بمعناه يعني: بمعنى الطريق السابقة عن عمر ، قال: والطريق الأولى أتم يعني: الطريق الأولى أتم من الطريق التي لم يذكر المتن فيها.
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله ].
محمد بن عبد الله الزبيري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يخطئ في حديث الثوري ، وهذا لا يؤثر في هذا الحديث، فقد تقدم الحديث من طريق آخر.
[ حدثنا سفيان ].
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزبير عن جابر عن عمر ].
مر ذكرهم.
أورد أبو داود حديث ابن عباس : (لا تكون قبلتان في بلد واحد) قيل: معنى ذلك أن المسلم لا يستوطن بلاد الكفار، فهو يصلي إلى قبلة المسلمين، وأولئك الكفار يصلون إلى قبلتهم، فيكون بلد واحد فيه قبلتان، قبلة المسلمين وقبلة الكافرين، وقيل: المقصود من ذلك أن الكفار لا يكونون مع المسلمين في بلد واحد، ولا يقرون بأن يكونوا مع المسلمين.
والحديث غير صحيح، ولكن قضية السكنى مع الكفار جاء حديث يدل على تحريمها، إلا إذا كان هناك أمر يقتضي ذلك لمصلحة ولفائدة، مثل السكن في بلادهم من أجل الدعوة إلى الله عز وجل، ودعوتهم إلى الدخول في الدين الحنيف، ويكون المسلم قائماً بأمور دينه، ولا يحصل منه شيء من التساهل، ولا يحال بينه وبين إظهار شعائر دينه.
وهذا الحديث: (لا تكون قبلتان في بلد واحد) لفظ عام، وقيل: إن المقصود من ذلك جزيرة العرب يعني: لا يكون فيها دينان، ولكن لفظ: (بلد واحد) عام، والحديث ضعيف، فيه قابوس بن أبي ظبيان وفي حديثه لين.
سليمان بن داود العتكي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا جرير ].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قابوس بن أبي ظبيان ].
قابوس بن أبي ظبيان في حديثه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن أبيه ].
أبو ظبيان وهو حصين بن جندب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
مر ذكره.
ذكر المصنف هذا الأثر عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي في حد جزيرة العرب، وأنه إلى أقصى اليمن وإلى البحر وإلى تخوم العراق وإلى الوادي، قيل: المراد بالوادي وادي القرى، ولكن وادي القرى قريب من المدينة، وهو إلى جهة الشمال، والرسول صلى الله عليه وسلم سلكه في ذهابه إلى تبوك، فهو من جزيرة العرب.
محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا عمر يعني ابن عبد الواحد ].
عمر بن عبد الواحد الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن سعيد بن عبد العزيز ].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
ذكر المصنف هذا الأثر عن مالك بن أنس قال: عمر أجلى أهل نجران، وعمر مبتدأ، والخبر أجلى أهل نجران.
والراجح أن حد الجزيرة من الشمال حدود الشام والعراق.
الحارث بن مسكين ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ أخبرك أشهب بن عبد العزيز ].
أشهب بن عبد العزيز ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
فدك قريبة من خيبر.
أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا ابن وهب ].
عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مالك ].
مالك بن أنس مر ذكره.
ولا يجوز بناء الكنائس في جزيرة العرب.
حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، ثم عدتم من حيث بدأتم -قالها
أرض السواد المقصود بها سواد العراق؛ لأن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما فتحها المسلمون أوقفها على المسلمين، ولم يقسمها على الغانمين، وإنما أبقاها ليستفيد منها المجاهدون وغير المجاهدين، فكانت تأتي الغلة والثمرة للمسلمين بصفة مستمرة، ولو وزعت على الناس لكان كل من ملك أرضاً يستحق ثمرتها، وإذا مات يرثه أقرباؤه، وبقاؤها على هذا الوجه يضيق على المسلمين، فرأى عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن المصلحة في وقفها، وجعل ثمرتها مستمرة للمسلمين، والإمام له أن يقسم ما يقسم، وله أن يبقي ما يبقي كما حصل في أرض خيبر، فإنها فتحت عنوة، ومنها ما بقي للنبي صلى الله عليه وسلم لحاجاته ونوائبه، ومنها ما قسم، ومن العلماء من قال: إن هذا إنما يكون بالنسبة للأرض التي يمكن أن تستثمر وتستمر بخلاف الأشياء المتحركة والمنقولة فإن هذه تقسم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قسم بعض أرض خيبر وأبقى بعضها؛ فدل على أن هذا سائغ، وإبقاء الأرض كما فعل عمر رضي الله عنه فيه بقاء الفوائد واستمرارها للمسلمين، بخلاف ما لو ما قسمت فإن ثمرتها تكون لكل من أعطي شيئاً منها، وإذا مات صارت لورثته فقط.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه: (منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، ثم عدتم من حيث بدأتم).
قالها زهير ثلاث مرات: يعني عدتم من حيث بدأتم، عدتم من حيث بدأتم، عدتم من حيث بدأتم.
قوله: شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه، يعني: أنه متحقق من هذا ومستوثق منه، وأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه متمكن منه غاية التمكن، وحافظ له ومتقن له.
وهذا إخبار عن أمر سيقع، وهو أن المسلمين سيفتحونها، وأنها ستكون في أيديهم ثم بعد ذلك تعود إلى الكفار، ويمنعون الأشياء التي كانت تأتي المسلمين منها، ويكون ذلك من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، حيث أخبر عن أمر في المستقبل ويقع طبقاً لما أخبر به عليه الصلاة والسلام.
وأيضاً يمكن أن يكون المقصود به منعت قبل الفتح ثم حصل الفتح، ثم يعود الأمر كما كان، وأنه لا يصل إلى المسلمين شيئاً من ذلك.
قوله: [ (منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها) ].
قفيزها مكيال، والدرهم عملة نقود، ومنعت الشام مديها وهو مكيال شامي، والدينار عملة، ومنعت مصر إردبها وهو مكيال، ودينارها وهو عملة، يعني: منعوا الشيء الذي يكال، ومنعوا الأثمان التي هي الدراهم من الفضة، والدنانير من الذهب، والمقصود من ذلك أنهم يمنعون الخراج ويمنعون أيضاً الجزية التي ضربت عليهم.
قوله: [ (ثم عدتم من حيث بدأتم) ].
قال في عون المعبود: أي: رجعتم إلى الكفر بعد الإسلام، وقال في مجمع البحار: وحديث: (عدتم من حيث بدأتم) هو في معنى حديث: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ)، وقال الخطابي : معنى الحديث -والله أعلم- أن ذلك كائن، وأن هذه البلاد تفتح للمسلمين، ويوضع عليها الخراج شيئاً مقدراً بالمكاييل والأوزان، وأنها ستمنع في آخر الزمان، وخرج الأمر في ذلك على ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبيان ذلك ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أرض السواد، ويوجد اختلاف في مقدار ما وضعه عليها، وفيها مستدل لمن ذهب إلى أن وجوب الخراج لا ينفي وجوب العشر.
وأرض العنوة يجوز إيقافها أو تقسيمها على الغانمين أو إيقاف بعضها وتقسيم بعضها.
أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا زهير ].
هو ابن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سهيل بن أبي صالح ].
سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة ورواية البخاري عنه تعليقاً ومقروناً.
[ عن أبيه ].
هو أبو صالح السمان واسمه ذكوان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
قوله: [ (أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها) ].
قيل: هذا إشارة إلى الأرض التي تكون فيئاً، والتي تكون لمصالح المسلمين.
قوله: [ (وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله وللرسول ثم هي لكم) أي: ثم ما بقي فهو لكم؛ لأنها تكون غنيمة إذا كان فتحها بقتال، والأول إذا كان فتحها من غير قتال ومن غير إيجاف خيل، فتكون في مصالح المسلمين.
معمر بن راشد الأزدي ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن همام بن منبه ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
هذا الحديث من صحيفة همام بن منبه المشهورة المشتملة على مائة وأربعين حديثاً تقريباً، وكلها في مسند الإمام أحمد في مسند أبي هريرة منه، وهي بإسناد واحد، وبين كل حديث وحديث وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فأول حديث منها فيه إسناد الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة ، وهو حديث: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة) ثم يأتي بعده وقال رسول الله كذا، والصحيفة كلها صحيحة، فهي بإسناد واحد، والبخاري وأبو داود وكثير من الأئمة عندما يروون من الصحيفة حديثاً يأتون بالإسناد الذي في أولها ثم يأتون بالحديث الذي يريدون من الصحيفة بعد نهاية الحديث، وأما الإمام مسلم رحمه الله فله طريقة خاصة، وهي أنه يسوق الإسناد، وإذا وصل إلى قوله: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر هذا ثم يقول: فذكر أحاديث، يعني أبو هريرة ثم قال: وقال رسول الله، ويأتي بالحديث الذي يريد، وهذه اللفظة تشعر بأن هناك أحاديث قبل الحديث الذي أورده.
والبخاري ومسلم رحمة الله عليهما لم يوردا كل حديث صحيح، بل ولم يلتزما ذلك حتى يستدرك عليهما، وأوضح دليل على ذلك هذه الصحيفة؛ لأنها كلها بإسناد واحد، وقد انتقيا منها أحاديث، فاتفقا على أحاديث من الصحيفة، وانفرد مسلم بأحاديث، وانفرد البخاري بأحاديث، وتركا منها أحاديث، فلو كانا التزما إخراج كل حديث صحيح لأوردا كل ما في الصحيفة، لكن كونهما تركا منها أحاديث، مع أنها بإسناد واحد، وأخذ كل منهما ما أراد أن يستدل به؛ فهذا من أوضح الأدلة على أنهما لم يلتزما إيراد كل حديث صحيح.
حدثنا العباس بن عبد العظيم حدثنا سهل بن محمد حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وعن عثمان بن أبي سليمان : (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث
أورد أبو داود باب أخذ الجزية، وهي ما يؤخذ من الكفار إذا أقرهم المسلمون على البقاء في أرضهم، على أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ومن العلماء من قال: إنها تؤخذ من جميع الكفار سواء كانوا من العرب أو غير العرب، وبعض أهل العلم يقول: إنها لا تؤخذ إلا من اليهود والنصارى، وقد جاء في الأحاديث ما يدل على أخذها من عموم الكفار إذا بقوا تحت ولاية المسلمين، فيدفعون الجزية، ويشاهدون أحكام الإسلام وأعمال المسلمين، ويكون ذلك من أسباب دخولهم في الإسلام.
وقد أورد أبو داود عدة أحاديث، منها هذا الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
وقوله هنا: فحقن له دمه يعني: أعطاه الأمان وصالحه على أن يدفع الجزية.
العباس بن عبد العظيم العنبري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ حدثنا سهل بن محمد ]
سهل بن محمد وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن يحيى بن أبي زائدة ].
يحيى بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن إسحاق ].
محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عاصم بن عمر ].
عاصم بن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس بن مالك ].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ وعن عثمان بن أبي سليمان ].
وهذا تابعي، فيكون حديثه مرسلاً، فيكون الحديث جاء من طريقين: طريق متصلة، وطريق مرسلة.
وعثمان هذا ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .
أورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً يعني: جزية، والحالم هو المحتلم الذي بلغ الحلم، ومعنى هذا أن الصغير والمرأة لا يؤخذ منهما شيء، وإنما يؤخذ على الرجال البالغين.
قوله: أو عدله من المعافري، يعني: ما يعادل ذلك من الثياب المعافرية التي تنسب إلى قبيلة في اليمن.
والجزية تقدر على حسب الغنى والفقر، وبعضهم قدرها على الغني بثمان وأربعين درهماً، وعلى المتوسط بأربع وعشرين درهماً، وعلى الفقير باثني عشر درهماً، لكن حديث معاذ رضي الله عنه نص من نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم في المقدار.
ومصارف الجزية مثل مصارف الفيء.
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا أبو معاوية ].
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ]
سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي وائل ]
هو شقيق بن سلمة وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معاذ ].
معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد المصنف حديث معاذ من طريق أخرى، وقال في آخره مثله: أي مثل الطريق السابقة، وكلمة مثله إذا جاءت تعني المماثلة بين الذي ذكر والذي لم يذكر، وكلمة نحوه أو بمعناه تعني التقارب في المعنى مع الاختلاف في الألفاظ .
قوله: [ حدثنا النفيلي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم ].
إبراهيم هو ابن يزيد بن قيس النخعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مسروق ].
مسروق بن الأجدع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معاذ ].
مر ذكره.
قال أبو داود : هذا حديث منكر، بلغني عن أحمد أنه كان ينكر هذا الحديث إنكاراً شديداً.
قال أبو علي : ولم يقرأه أبو داود في العرضة الثانية ].
هذا الحديث ظاهر النكارة لقوله فيه: ألا ينصروا أبناءهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فكونه ينشأ بينهم، ولا يعرف إلا ما يسمع منهم وما يشاهد منهم، فلابد أن يكون مثلهم.
وهذا الحديث أنكره أبو داود وقال: بلغني عن الإمام أحمد أنه كان ينكره إنكاراً شديداً، وقال: أبو علي اللؤلؤي راوي سنن أبي داود : لم يقرأه أبو داود في العرضة الأخيرة، يعني أنه أعرض عنه وتركه لأنه منكر عنده، ولأنه نقل عن الإمام أحمد أنه أنكره إنكاراً شديداً، فهو غير صحيح، وفي إسناده كلام.
مر ذكره.
[ حدثنا عبد الرحمن بن هانئ أبو نعيم النخعي ].
عبد الرحمن بن هانئ أبو نعيم النخعي صدوق له أغلاط، وقد نقل عن ابن معين أنه قال عنه: كذاب، وقال الإمام أحمد : ليس بشيء، أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ أخبرنا شريك ].
شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق ساء حفظه لما ولي القضاء، ويخطئ كثيراً، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن إبراهيم بن مهاجر ].
إبراهيم بن مهاجر وهو صدوق لين الحفظ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن زياد بن حدير ].
زياد بن حدير ثقة، أخرج له أبو داود .
[ عن علي ].
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو الحسنين صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال إسماعيل : فقد أكلوا الربا.
قال أبو داود : إذا نقضوا بعض ما اشترط عليهم فقد أحدثوا ].
هذا الحديث غير صحيح، وفيه أخذ الجزية على أهل نجران مقسمة في أثناء السنة، وليست كلها دفعة واحدة، ومنها عارية يعيرون المسلمين من الأنواع المذكورة، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم.
قوله: [ على ألا تهدم لهم بيعة، ولا يخرج لهم قس، ولا يفتنوا عن دينهم ].
يعني: أنهم يبقون ويقرون على ما هم عليه، فلا تهدم لهم بيعة وهي مكان التعبد للنصارى أو لليهود، ولا يخرج لهم قس، وهو عالمهم، ولا يفتنوا عن دينهم، يعني: لا يلزمون بترك دينهم، وإنما يقروا على ما هم عليه مع دفع الجزية.
قوله: [ ما لم يحدثوا حدثاً أو يأكلوا الربا ].
قال الراوي: فقد أكلوا الربا، وقال أبو داود : إذا تركوا شيئاً مما اشترط عليهم فقد أحدثوا حدثاً.
مصرف بن عمرو اليامي ثقة، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا يونس بن بكير ].
يونس بن بكير صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ حدثنا أسباط بن نصر الهمداني ].
أسباط بن نصر الهمداني وهو صدوق كثير الخطأ يغرب، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي ].
إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي وهو السدي ، صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن ابن عباس ].
مر ذكره، قيل: إن السدي لم يسمع من ابن عباس فيكون منقطعاً، وأيضاً فيه أسباط وهو صدوق كثير الخطأ يغرب، فالحديث ضعيف، والله أعلم.
الجواب: هو أراد أن يفسر الحدث، وأن كونهم ينقضون بعض ما اشترط عليهم فقد أحدثوا.
الجواب: ليست من جزيرة العرب؛ لأن جزيرة العرب حدودها البحر، ولكن كونها الآن صار فيها جسر إلى الجزيرة قد يجعلها من جزيرة العرب.
الجواب: الوفد الذين يأتون قادمين على الولاية المسلمة يكرمون ويضيفون ويعاملون معاملة طيبة.
الجواب: أرض السواد المقصود بها أرض العراق.
الجواب: في السنة.
الجواب: الفيء يكون كله في مصالح المسلمين على نظر الإمام، وأما الغنيمة فإنها يؤخذ خمسها ويصرف في المصارف التي ذكر الله عز وجل في سورة الأنفال: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41]، والباقي وهو الأربعة الأخماس يقسم على الغانمين، للرجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر