حدثنا أحمد بن سنان الواسطي حدثنا محمد بن بلال عن عمران القطان عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب أخذ الجزية من المجوس، المجوس هم الذين يعبدون النار، وأورد أبو داود رحمه الله أحاديث تتعلق بأخذ الجزية منهم، وأورد أولاً هذا الأثر عن ابن عباس قال: إن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية يعني: أنه جعلهم يتركون ما كان عليه نبيهم، وانتقلوا إلى المجوسية التي هي عبادة النار، وهذا أثر موقوف على ابن عباس ، ويحتمل أن يكون أخذه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً، ويحتمل أن يكون مأخوذاً من كتب أهل الكتاب ومن أخبار بني إسرائيل، ومن أهل العلم من قال: المجوس كانوا على دين نبي ثم تحولوا من ذلك الدين إلى المجوسية، ومن أهل العلم من قال: أخذ الجزية من المجوس إنما هو أخذ من الكفار، والجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن غير أهل الكتاب.
أحمد بن سنان الواسطي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة .
[ حدثنا محمد بن بلال ].
محمد بن بلال وهو صدوق يغرب، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة .
[ عن عمران القطان ].
هو عمران بن داور القطان وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ عن أبي جمرة ].
هو نصر بن عمران الضبعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو جمرة هذا مشهور بكنيته، وهو الذي كان ابن عباس رضي الله عنه اتخذه من أجل أن يبلغ عنه الحديث، وقال: هل أجعل لك شيئاً من مالي على أن تبلغ عني الناس، وقالوا: هذا حجة في اتخاذ المحدث للمستملي الذي يبلغ كلامه للناس.
وفي الرواة الذين يروون عن ابن عباس أبو حمزة القصاب ، وهو راوي حديث ابن عباس في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يدعو معاوية ، فذهب إليه فوجده يأكل، فتأخر فقال: (لا أشبع الله بطنه) وأبو حمزة القصاب لفظه قريب من لفظ أبي جمرة ؛ ولهذا يكون بينهما الاشتباه والالتباس والتصحيف، فـأبو جمرة هو نصر بن عمران ، وهو كثير الرواية عن ابن عباس ، وأبو حمزة القصاب هو من الرواة عن ابن عباس .
أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا هو الشاهد للترجمة من جهة أخذ الجزية من المجوس، وأن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا يدلنا على مشروعية أخذ الجزية من المجوس، ومن أهل العلم من قال: إنهم ألحقوا بأهل الكتاب لأنه كان لهم دين وكتاب، ومنهم من يقول: إنهم كفار يعبدون النار، والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية منهم، فدل على أن الجزية تؤخذ من غير أهل الكتاب، فتؤخذ من العرب والعجم، ويدل عليه حديث بريدة بن الحصيب الطويل الذي في صحيح مسلم وفي أوله: (كان إذا أمر أميراً أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، وقال: اغزوا باسم الله) إلى آخر الحديث، وفيه: (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام فإن أبوا فاطلب منهم الجزية فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم) وهذا يدل على مشروعية أخذ الجزية من عموم الكفار، وأن الأمر ليس مقصوراً على أهل الكتاب.
قوله: (اقتلوا كل ساحر) هذا فيه بيان أن الساحر حده أن يقتل.
وقوله: (وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس) يعني: إذا كان المجوسي متزوجاً بقريبته كبنته أو أخته أو عمته أو خالته أو ما إلى ذلك مما هو موجود عند المجوس؛ فإنه يفرق بينهم، ولا يقر هذا الزواج.
قوله: (وانهوهم عن الزمزمة) قالوا: إن الزمزمة هي كلام بينهم وبين أنفسهم عندما يجلسون للأكل، فكان المجوسي يكلم نفسه عند الأكل فنهاهم عن ذلك.
قوله: [ فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله ].
يعني: أنهم نفذوا ما جاء في كتاب عمر ، وأنهم في يوم واحد قتلوا ثلاثة من السحرة، وفرقوا بين كل رجل من المجوس وبين حريمه في كتاب الله، يعني: على ما هو محرم في كتاب الله من المحارم، فإذا كان المجوسي تزوج بأخته أو ابنته أو عمته أو خالته أو من هي محرم من محارمه فإنهم فرقوا بين هذا الرجل وبين من هو محرم لها.
قوله: [ وصنع طعاماً كثيراً فدعاهم فعرض السيف على فخذه ].
يعني: جعل السيف على فخذه مهدداً لهم، حتى لا تحصل منهم الزمزمة، فأكلوا ولم يزمزموا خوفاً من السيف.
قوله: [ وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق ].
الوقر: هو الحمل الذي يكون على البغل أو الحمار، ويكون طرفاه على جانب الحمار أو البغل.
قال في الشرح: يريد أخلة من الورق يأكلون بها يعني: يستعملونها في الأكل، فإما أن تكون أخلة أو وسيلة يؤكل بها كالملاعق أو ما إلى ذلك، والأخلة جمع خلال، والخلال هو الذي تخلل به الأسنان، ولعلها كانت مصنوعة من الورق.
وقال في النهاية: الوقر بكسر الواو: الحمل، وأكثر ما يستعمل في حمل البغل والحمار يريد حمل بغل أو بغلين أخلة -جمع خلال- ما تخلل به الأسنان من الفضة، كانوا يأكلون بها الطعام فأعطوها ليمكنوا بها من عادتهم في الزمزمة.
وآنية الذهب والفضة لا يجوز استعمالهما في الأكل، لكن لعل المقصود أنه خلال مثل الشوك الذي يغمز به الطعام الذي يراد أكله.
قوله: [ ولم يكن عمر رضي الله عنه أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها من مجوس هجر) ].
هذا الحديث فيه أخذ الجزية من المجوس، وأن عمر رضي الله عنه وأرضاه لم يكن يأخذها حتى بلغه هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، وهجر من أعمال البحرين.
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن سفيان ].
سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن دينار ].
عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن بجالة ].
بجالة بن عبدة وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن عمر عن عبد الرحمن بن عوف ].
فيه الأخذ بالكتابة، وفيه أن عمر أخذ بما جاء عن عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس، وعمر رضي الله عنه هو أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه: أنه جاء رجل من الأسبذيين -وهم من مجوس البحرين- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكث عنده، ثم خرج فسألته: ما قضى الله ورسوله فيكم؟ أي: سأل الأسبذي المجوسي، فقال: شر، إما الإسلام وإما القتل، يعني: لا توجد جزية، إما الإسلام أو القتل، وقال عبد الرحمن بن عوف : (قبل منهم الجزية) يعني: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل منهم الجزية، قال: فأخذ الناس بما جاء عن عبد الرحمن وتركوا ما سمعته من الأسبذي، ومعنى هذا أنها تأخذ منهم الجزية، وأن ما جاء عن الأسبذي المجوسي لا يعول عليه، بل المعول على ما أخبر به عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم الجزية.
وهذا الحديث فيه رجل ضعيف، وهو قشير ، ولكن ما يتعلق بأخذ الجزية عنهم ثابت.
محمد بن مسكين اليمامي هو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا يحيى بن حسان ].
يحيى بن حسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا هشيم ].
هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا داود بن أبي هند ].
داود بن أبي هند وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن قشير بن عمرو ].
قشير بن عمرو وهو مستور، أي: مجهول الحال، أخرج له أبو داود .
[ عن بجالة بن عبدة عن ابن عباس ].
مر ذكرهما.
حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما وجد رجلاً وهو على حمص يشمس أناساً من القبط في أداء الجزية، فقال: ما هذا؟! سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة باب: التشديد في جباية الجزية، أي: التشديد في أخذها، والإيذاء عند أخذها، هذا هو المقصود من التشديد؛ لأنه كما في الحديث كان يعذبهم من أجل أن يصل إلى الجزية، وقد أورد أبو داود حديث هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه وجد رجلاً بحمص كان يشمس ناساً من القبط في الجزية، فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا) وهذا من تعذيب الناس في الدنيا أي: كونه يوقفهم في الشمس من أجل أن تحرقهم ويوقفهم في رمضاء فيه تعذيب لهم، فروى هشام بن حكيم رضي الله تعالى عنهما هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مستدلاً به على تحريم مثل هذا التعذيب، وأن الله عز وجل يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا، فإن الجزاء من جنس العمل، فكما أنه عذب غيره فإنه يعذب في الآخرة.
وقوله: يشمس ناساً من القبط، القبط هم من النصارى الذين في مصر، والظاهر أن هذا تصحيف، وصوابه: الأنباط، فهم الذين كانوا في الشام، وقد قال النووي : الأنباط هم فلاحوا العجم.
سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ أخبرنا ابن وهب ].
عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني يونس بن يزيد ].
يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة بن الزبير ].
عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام بن حكيم ].
هشام بن حكيم رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله عن جده أبي أمه عن أبيه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على المسلمين عشور) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة باب: تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا في التجارات يعني: إذا جاءوا إلى بلاد المسلمين فإنه تؤخذ منهم عشور أموالهم التي اختلفوا فيها إلى بلاد المسلمين، يعني: عشر بضاعاتهم.
وأورد أبو داود هنا عدة أحاديث كلها ضعيفة، وقد اختلف العلماء في حكم أخذ العشور من الكفار، فمنهم من أجازه، ومنهم من حرمه، لكن إذا أخذوا من تجار المسلمين في بلادهم، فإنهم يقابلون بمثل ما حصل منهم، فإذا كانوا يأخذون من تجار المسلمين إذا مروا ببلادهم، فكذلك المسلمون يأخذون منهم إذا مروا ببلادهم.
قوله: [ (إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على المسلمين عشور) ].
أي: أنها تؤخذ من اليهود والنصارى، ولا تؤخذ من المسلمين إذا جاءوا بالتجارة.
مسدد مر ذكره، وأبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عطاء بن السائب ].
عطاء بن السائب وهو صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ عن حرب بن عبيد الله ].
حرب بن عبيد الله وهو لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود .
[ عن جده أبي أمه عن أبيه ].
هو مجهول، وأبو جد أمه صحابي لم يسم.
والحديث ضعيف، ففي إسناده حرب بن عبيد الله وهو لين الحديث، فهو غير حجة.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه: (الخراج) بدل (العشور) يعني بدل قوله: (ليس على المسلمين عشور، إنما العشور على اليهود والنصارى) قال: (ليس على المسلمين خراج، إنما الخراج على اليهود والنصارى) والخراج بمعنى العشور.
قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ].
محمد بن عبيد المحاربي صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا وكيع ].
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ].
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله ].
عطاء بن السائب وحرب بن عبيد الله مر ذكرهما.
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وفيه أن رجلاً قال: (أعشر قومي يا رسول الله؟ قال: إنما العشور على اليهود والنصارى) وهو مثلما تقدم.
قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ].
محمد بن بشار الملقب بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الرحمن ].
عبد الرحمن بن مهدي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثلما تقدم.
وقوله: كلما علمتني قد حفظته إلا الصدقة يعني: لم يتقن فهمها.
قوله: [ حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز ].
محمد بن إبراهيم البزاز ثقة، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا أبو نعيم ].
أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد السلام ].
عبد السلام بن حرب وهو ثقة له مناكير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله بن عمير الثقفي ].
مر ذكرهما.
[ عن جده ].
هو عمير الثقفي صحابي، له حديث، أخرج له أبو داود .
أورد أبو داود هذا الحديث عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال: [ (نزلنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيبر ومعه من معه من أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلاً مارداً منكراً، فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد! ألكم أن تذبحوا حمرنا، وتأكلوا ثمرنا، وتضربوا نساءنا؟) ].
معناه: أنه يشتكي أو ينكر على من مع الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يأكلون الحمر، ويضربون النساء، ويأكلون الثمر، فالرسول صلى الله عليه وسلم جمعهم فوعظهم وقال: (أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئاً إلا ما في هذا القرآن؟!) ومعنى ذلك أن السنة مثل القرآن، وأنه قد حرم أن يؤذى أهل الكتاب، وأن يدخلوا بيوتهم إلا بإذنهم، وأن يأخذوا إلا الشيء الواجب عليهم، وأنه لا يجوز ظلمهم، وكل هذا جاء في السنة، والسنة هي مثل القرآن، وهي شقيقة القرآن، ويعمل به كما يعمل بالقرآن، بل إن السنة داخلة في قول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من السنة فهو مأمور به في القرآن، لقول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ولا يقتصر على القرآن دون السنة، ولا تتضح الأمور التي يتعبد الناس بها إلا بالسنة، فمثلاً الله عز وجل أجمل الزكاة، وأمر بإعطاء الزكاة، لكن تفصيلها ومقاديرها وشروط أخذ الزكاة ومقدارها إنما جاء بيان ذلك في السنة، وكذلك الصلوات أوقاتها وأعداد ركعاتها وما إلى ذلك كل ذلك إنما جاء في السنة، فالذي لا يأخذ إلا بالقرآن هو كافر بالكتاب والسنة، ولا يستغنى عن السنة بالقرآن، بل الواجب الأخذ بهما جميعاً، والعمل بما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث ضعيف، في إسناده رجل فيه ضعف.
محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا أشعث بن شعبة ].
أشعث بن شعبة وهو مقبول، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا أرطأة بن المنذر ].
أرطأة بن المنذر وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن حكيم بن عمير ].
حكيم بن عمير وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ عن العرباض بن سارية ].
العرباض بن سارية رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.
أورد أبو داود حديث رجل مجهول من الصحابة من جهينة، ومعلوم أن الجهالة في الصحابة لا تؤثر، والمجهول فيهم في حكم المعلوم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم) أي: تغلبونهم، فالظهور عليهم بمعنى غلبتهم والتفوق عليهم كما قال الله: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14] يعني غالبين لهم.
قوله: [ (فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم) ].
يعني: يدفعون لكم المال ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم.
قوله: [ (فيصالحونكم على صلح) ].
يعني: يعطونكم شيئاً تتفقون معهم على أخذه.
قوله: [ (فلا تصيبوا منهم شيئاً فوق ذلك فإنه لا يصلح لكم) ].
أي: الذي اتفقتم معهم عليه.
والحديث فيه رجل مجهول غير الصحابي، وهو رجل من ثقيف.
مسدد مر ذكره، وسعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو عوانة ].
هو الوضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور ].
منصور بن المعتمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هلال ].
هلال بن يساف وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن رجل من ثقيف عن رجل من جهينة ].
هما مجهولان.
قوله: [ (أو انتقصه) ] يعني: انتقص حقه أو تنقصه أو عابه بشيء يسيء إليه ويلحقه بسببه أذى.
وقوله: [ (أو كلفه فوق طاقته) ].
يعني: كلفه ما لا يطيق من العمل.
قوله: [ (أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس) ] يعني: ونفسه غير طيبة في الشيء الذي أخذ منه مكرهاً.
قوله: [ (كنت حجيجه يوم القيامة) ] يعني: خصمه يوم القيامة.
أبو صخر المديني هو حميد بن زياد صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة .
[ عن صفوان بن سليم ].
صفوان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله ].
يحتمل أن يكونوا صحابة أو أن يكونوا تابعين وآباؤهم أيضاً تابعيون.
والمناسبة من إيراده في ترجمة باب تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا في التجارات أنه من أخذ منهم شيئاً من العشور أو غيرها فوق ما ينبغي فهو عرضة لهذا الوعيد.
وأحاديث هذا الباب كلها فيها ضعف، ولا تصل إلى درجة الحسن لغيره؛ لأنها كلها ضعفها شديد.
حدثنا عبد الله بن الجراح عن جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس على المسلم جزية) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة باب: في الذمي يسلم في بعض السنة هل عليه جزية؟ يعني: هل يؤخذ منه القسط الذي كان عليه قبل أن يسلم، وكذلك أيضاً لو أن السنة مضت كلها ثم أسلم هل تؤخذ منه الجزية أو لا تؤخذ؟
الذي يظهر أنه لا يؤخذ منه شيء مادام أنه دخل في الإسلام، وفي ذلك ترغيب له في الإسلام.
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن كثير قال: سئل سفيان عن تفسير هذا: فقال: إذا أسلم فلا جزية عليه ]. يعني: سواء كان ذلك عن بعض السنة أو كمالها.
قوله: (ليس على مسلم جزية) يعني: الجزية إنما هي على الكافر، ومن كان مسلماً فإنه لا يؤخذ منه جزية سواء كان إسلامه قديماً أو حديثاً، ومن دخل في الإسلام يقال له: مسلم، فلا تؤخذ منه الجزية؛ لأنها إنما تجب على من كان كافراً، فيدفع الجزية من أجل أن يبقى تحت حكم المسلمين، ويكون خاضعاً لهم، ولكنه إذا دخل في الإسلام خرج عن أن يكون من أهل الجزية فلا تؤخذ منه، ومن أهل العلم من قال: تؤخذ منه بقسطها، ولكن الأظهر -والله أعلم- أنها لا تؤخذ منه مطلقاً، ويكون في ذلك ترغيب له في الإسلام.
وهذا الحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده قابوس بن أبي ظبيان وهو لين الحديث.
عبد الله بن الجراح صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة .
[ عن جرير ].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قابوس ].
قابوس بن أبي ظبيان وهو لين الحديث، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن أبيه ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
مر ذكره.
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سئل سفيان ].
هو سفيان بن سعيد الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا معاوية -يعني ابن سلام - عن زيد أنه سمع أبا سلام قال: حدثني عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالاً رضي الله عنه مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحلب فقلت: يا بلال ! حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: (ما كان له شيء، كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلماً فرآه عارياً يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه حتى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: (باب في قبول الإمام هدايا المشركين) أي: حكم ذلك، والحكم في هذا أنه يجوز إذا كان في قبول الهدية من المشرك مصلحة كترغيبه في الإسلام وتألفه على الإسلام، وإذا لم يكن هناك مصلحة فالأولى عدم قبولها.
وقد أورد أبو داود حديث بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله عبد الله الهوزني بحلب في الشام عن نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه هو الذي كان يتولاها منذ بعثه الله عز وجل إلى أن توفاه الله، وذكر أنه لم يكن عنده شيء مدخر، وقد عرفنا فيما مضى أنه كان يدخر لأهله من خيبر قوت السنة، ولكنه كان ينفد في وقت قريب؛ لكرمه صلى الله عليه وسلم وجوده وإحسانه، وكونه يبذل فينتهي ذلك الذي جعله لأهله في وقت قريب صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأنه كان أجود الناس كما جاء في حديث ابن عباس : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس).
وأخبر بلال بأنه كان إذا جاءه أحد من المسلمين عارياً يعني: ليس عليه ثياب كافية، فإنه يأمره أن يستدين ويشتري له لباساً ويطعمه، ثم إن رجلاً من المشركين قال لـبلال : إن عندي سعة فلا تقترض إلا مني، فكان يقترض منه، وفي يوم من الأيام قبل نهاية الشهر بأربعة أيام قال له: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ فقال: قريب، فقال: أربعة أيام، ولقيه ووجهه مكفهر يظهر عليه الغضب، وقال له: إذا جاء الوقت ولم تقضني فستعود على ما كنت عليه، آخذك بالذي عليك فترجع ترعى الغنم كما كنت من قبل ذلك، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره هذا الخبر، وقال: إنك ليس عندك ما أقضي به وليس عندي، فأذن لي أن أذهب إلى بعض الأحياء فأبقى عندهم حتى يأتي شيء يحصل به السداد، وعزم على الذهاب، فهيأ عند نومه نعليه وسيفه وجرابه والأشياء التي سيذهب بها، وكان يريد أن يطلع الفجر الأول الذي هو الكاذب ثم يذهب في جنح الليل وفي الظلام حتى يخفي نفسه عن ذلك المشرك الذي تهدده بهذا التهديد، ثم جاء رجل ينادي: يا بلال ! أجب الرسول صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه وإذا ركائب أربع من الإبل مناخة وعليها أحمال، فأخبره أن هذه الركائب وأحمالها من كسوة وطعام ليقضي بها الدين، وأخبره أنه أهداها إليه عظيم فدك، وهذا هو محل الشاهد من الترجمة، ففيه قبول الإمام هدايا المشركين.
ثم بعد ذلك قضى ذلك الدين الذي عليه وبقيت بقية، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفق البقية، وأخبره أنه لن يدخل على أهله حتى ينتهي من توزيعه، وبات رسول الله عليه الصلاة والسلام في المسجد ولم يدخل على أهله، وفي الليلة الآتية أتاه وأخبره أنه قد وزع الشيء الذي بحوزته، وأخبر أنه كان يخشى أن يموت وعنده شيء من ذلك المال الذي بقي دون أن يصل إلى من يستحقه من المسلمين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم بعد ذلك دخل إلى نسائه وسلم على كل واحدة منهن حتى وصل إلى التي لها النوبة في المبيت عندها، وبات عندها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وعندما أكمل بلال رضي الله عنه القصة قال لـعبد الله الهوزني : فهذا الذي سألتني عنه.
والحاصل: أن الحديث فيه دلالة على قبول الهدية من أهل الكتاب، قال بعض أهل العلم: هذا يدل على قبول الهدايا من أهل الكتاب دون غيرهم، وسيأتي حديث فيه امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن قبول هدية رجل مشرك، والراجح أن الأمر يرجع إلى المصلحة والفائدة من وراء قبول الهدية، فإن كان سيترتب على قبولها مصلحة وفائدة من التألف على الإسلام، فإن الهدية ينبغي قبولها، أو كان في قبولها فائدة للمسلمين فإنه لا بأس بذلك، وإذا لم يكن هناك شيء من هذا فإنها لا تقبل الهدية، وعلى هذا يكون التوفيق بين ما جاء من قبول الهدية وما جاء من الامتناع من قبول الهدية، فتقبل في حال ولا تقبل في حال.
قوله: [ عن عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالاً مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحلب فقلت: يا بلال ! حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ].
هذا كان بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، وبلال ما ذهب إلى الشام إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (ما كان له شيء، كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي) ].
يعني: أنه ينبئه عن نفقته عن خبرة ومعرفة بهذا الشيء الذي سأل عنه.
قوله: [ (وكان إذا أتاه الإنسان مسلماً فرآه عارياً يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه) ].
البردة نوع من اللباس.
قوله: [ (حتى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا
هذا يدل على جواز التعامل مع الكافر والاقتراض منه.
قوله: [ (فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار) ].
أي: جماعة من التجار من جنسه.
[ (فلما أن رآني قال: يا حبشي قلت: يا لباه) ].
يا لباه كلمة يجاب بها مثل: يا لبيك أو يا لباك، وهو جواب حسن يجيب به من دعاه.
قوله: [ (فتجهمني وقال لي قولاً غليظاً) ].
يعني: ظهر في وجهه الاستياء والشدة والغلظة والقسوة والكراهية.
هذا تهديد له بأن يجعله عبداً يرعى الغنم كما كان قبل ذلك.
قوله: [ (فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهله فاستأذنت عليه) ].
قوله: حتى صلوا العتمة أي: صلاة العشاء.
قوله: [ (فاستأذنت عليه فأذن لي فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي) ].
يعني: أنت مفدي بأبي وأمي، وليس هذا قسماً، وإنما هو افتداء.
يعني: يريد أن يختفي من وجه هذا المشرك حتى يأتي شيء يكون به السداد.
قوله: [ (فخرجت حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجني عند رأسي) ].
الجراب: هو الوعاء من جلد، يكون فيه المتاع، والقراب هو قراب السيف، والمجن هو الترس الذي يتقى به السلاح في الحرب، وهو مأخوذ من الجنة وهي السترة والوقاية.
قوله: [ (حتى إذا انشق عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو) ].
عمود الصبح الأول هو الفجر الكاذب، وهو الذي يكون مستطيلاً في الأفق ثم يزول، وهو بخلاف الذي يكون معترضاً في الأفق ويتزايد حتى تطلع الشمس، والمقصود به الفجر الذي يحل فيه الأكل والشرب في حق الصائم، ولا تحل به صلاة الفجر؛ لأنه لم يأت وقتها، وأما الفجر الثاني الذي هو المعترض في الأفق والذي يتزايد ضوءه حتى تطلع الشمس فهو الذي يمنع الأكل والشرب في حق الصائم.
يعني: جاء الله بالشيء الذي تقضي به الدين الذي أنت خفت من تبعته، فعزمت على ما عزمت عليه.
قوله: [ (إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاماً أهداهن إلي عظيم فدك) ].
هذا هو محل الشاهد من ترجمة باب قبول الإمام هدايا المشركين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قبلها.
وهذه القصة فيها بيان تحقيق قول الله عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] فإن بلالاً حصلت له هذه الشدة، وهذا التهديد من هذا الكافر، والله عز وجل ساق هذا الرزق، وجاء بهذه الركائب التي هي نفسها هدية، وما عليها من الأحمال من كسوة وطعام هدية، فقضى الدين وبقي منها بقية.
قوله: [ (ثم انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد في المسجد فسلمت عليه فقال: ما فعل ما قبلك؟) ].
يعني: ما عندك من المال الذي بحوزتك.
قوله: [ (قلت: قضى الله كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يبق شيء قال: أفضل شيء؟) ].
يعني: لم يبق شيء من الدين، فكله سدد ولم يبق منه شيء، فسأله: أفضل شيء؟ أي: هل فضل شيء زائد عن سداد الدين.
قوله: [ (قلت: نعم، قال: انظر أن تريحني منه فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه) ].
تريحني منه يعني: بكونك تنفقه وتصرفه في وجه الخير، فقد كان عليه الصلاة والسلام ينفق ما يأتيه من المال، ولا يبقى منه شيء، وقد جاء في بعض الأحاديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس، ثم لما سلم خرج مسرعاً؛ ففزع الناس من هذا الإسراع الذي حصل منه صلى الله عليه وسلم، ثم إنه عاد إليهم وذكر لهم: أنه كان عنده شيء من ذهب قال: فأحببت أن أفرقه) يعني: لما تذكره أحب أن يفرقه ولا يبقى منه شيء، فمن أجل ذلك بادر صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة بالخروج، وهذا كان على خلاف عادته التي كان عليها صلى الله عليه وسلم من المكث في مصلاه ثم يقوم، ففزع الناس وخشوا أن يكون حصل له شيء صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم أنه كان عنده شيء من الذهب فأراد أن يوزعه وأن يفرقه ولا يبقى منه شيء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذا من جنس هذا.
وهذه القصة وقعت في المدينة، وقد سبق أنه قبل غزوة بدر كان فيها أخلاط من اليهود والمشركين والمسلمين، وكان هذا قبل غزوة بدر، وقبل أن يظهر الله الإسلام، وبعد غزوة بدر أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، فتحولوا من كونهم كفاراً صرحاء إلى كونهم كفاراً أخفياء يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، فلعل هذا كان قبل أن يظهر الإسلام قبل غزوة بدر.
وقول بلال : آبق إلى بعض أهل هذه الأحياء يعني: أذهب، وليس هو إباق العبد.
والمدين إذا كان معسراً فالحكم الشرعي نظرة إلى ميسرة، ولكن إذا كان ذلك الدائن يؤذيه ويلحقه بضرر فله أن يغيب نفسه مثلما فعل بلال ، لكن يجب أن يمنع الدائن أن يلحق ضرراً بدائنه، قال الله: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280].
وعظيم فدك قيل: هو من اليهود.
وهذا الدين كان على بلال ؛ لأنه استدان للرسول صلى الله عليه وسلم كما في قوله: كان يأمرني أن أستدين وأقضي.
أبو توبة الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا معاوية بن سلام ].
معاوية بن سلام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زيد ].
زيد بن سلام هو أخو معاوية ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي سلام ].
أبو سلام هو جدهما، وهو ممطور الحبشي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني عبد الله الهوزني ].
عبد الله الهوزني وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن بلال ].
بلال بن رباح صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤذنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، وفيه زيادة: (فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتمزتها) يعني: أنني تأثرت لكونه سكت ولم يجبني بشيء.
قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ].
محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا مروان بن محمد ].
وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا معاوية ].
هو معاوية بن سلام مر ذكره.
[ بمعنى إسناد أبي توبة وحديثه ].
أي: بمعنى الحديث الذي تقدم ذكر إسناده ومتنه.
أورد أبو داود حديث عياض بن حمار رضي الله عنه: (أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فقال له: أسلمت؟ قال: لا، قال: إن نهيت عن زبد المشركين)، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك ليؤثر فيه، ويكون سبباً في إسلامه، ولهذا قال له: (أسلمت؟ قال: لا، فقال: إني نهيت عن زبد المشركين)، فلعل الامتناع بسبب ما يرجوه ويؤمله من إسلامه.
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا أبو داود ].
هو سليمان بن داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عمران ].
عمران بن داور القطان ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد بن عبد الله بن الشخير ].
يزيد بن عبد الله بن الشخير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أخو مطرف بن عبد الله بن الشخير .
[ عن عياض بن حمار ].
عياض بن حمار رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
والهدية تقبل أو ترد حسب المصلحة حتى من المشركين غير أهل الكتاب، ولا تخصص بأهل الكتاب، وبعض العلماء يخصصها بأهل الكتاب قياساً على أنها تحل ذبائحهم وتحل نساءهم بخلاف المشركين فإنها لا تحل ذبائحهم ولا نساؤهم، ولكن الظاهر أن هناك فرقاً بين هذه وهذه.
وهذا الحديث فيه دليل على جواز تحمل الكافر الحديث وأداؤه له بعد الإسلام؛ لأن الصحابي تحمل هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في حال كفره، وأداه في حال إسلامه، وهذا من جنس ما جاء في قصة أبي سفيان مع هرقل ، فإنه تحمل ذلك في حال كفره، وأداه بعد إسلامه، ومثل ذلك حال الصغر، فالصغير قد يتحمل في حال صغره ويؤديه في حال كبره، والكافر قد يتحمل في حال كفره ويؤديه في حال إسلامه، وهذا الحديث من أمثلة التحمل في حال الكفر والأداء في حال الإسلام، أما التحمل في حال الصغر والأداء في حال الكبر فمثل صغار الصحابة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم صغار، وتلقوا بعض الأحاديث في حال صغرهم وأدوها في حال كبرهم، ومن ذلك حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلال بين والحرام بين) وهو متفق عليه، والنعمان بن بشير توفي رسول الله عليه السلام وعمره ثمان سنوات، أي: أنه تحمل الحديث وهو صغير وأداه وهو كبير.
الجواب: سبق أن ذكرت أن بعض العلماء قال: هو يتعلق باتخاذ قبره مسجداً وهذا من جنسه، وقيل: هو إنفاذ جيش أسامة .
الجواب: تخصيص ذلك بيوم معين ودعوة الناس إلى أن يقوموا بهذا، لا أصل له، ولا وجه له، ولكنهم يحثون على ذلك في جميع الأوقات، وفي جميع الأيام، ولا يخصص يوم جمعة أو يوم معين.
الجواب: نعم هم مخاطبون بفروع الشريعة -على القول الصحيح- كما أنهم مخاطبون بأصولها، لكن لا يثابون على الإتيان بالفروع إلا إذا أتوا بالأصول؛ لأنهم لو أتوا بالفروع ولم يأتوا بالأصول فإن أعمالهم مردودة ولا يثابون عليها كما قال الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، وفائدة خطابهم بالفروع تبعاً للأصول أن في ذلك زيادة عذاب لهم إذا تركوا الأصول والفروع، ولهذا فإن الكافر الذي هو شديد الإيذاء للناس أعظم من الكافر الذي لا يؤذي الناس، والكفر دركات كما أن الإيمان درجات، والكفار في النار في دركات كما أن أهل الجنة في درجات؛ ولهذا الله عز وجل يقول: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ [النحل:88] فالذي يكفر ويصد عن سبيل الله أسوأ وأشد عذاباً من الذي يكفر ولا يصد عن سبيل الله، والفرق بينهم في الدركات في النار، فهؤلاء يعذبون أشد مما يعذب به أولئك، وإن كان خفيف العذاب منهم يتصور أنه لا أحد أشد منه عذاباً والعياذ بالله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في حق أبي طالب : (هو في ضحضاح من نار عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه)، فنعلاه في رجليه وهي في أسفل شيء منه، وحرهما يغلي منه دماغه الذي هو أعلى شيء فيه والعياذ بالله!
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر