حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه، يعني: الطاعون) ].
ثم أورد أبو داود باب: الخروج من الطاعون، يعني: بسبب الطاعون، وهو وباء يكون مثل الموت العام، فيخرج من بلده فرراً من الطاعون، فهذا هو المقصود من الترجمة، والخروج من أجل الطاعون غير سائغ؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا وقع الطاعون في بلد فمن كان خارج البلد فلا يقدم عليه، ومن كان في داخل البلد فلا يخرج فراراً منه).
والمقصود: أنه لا يخرج فراراً من الطاعون، وأما إذا جاء لمهمة وانتهت مهمته ويريد أن يخرج إلى بلده وليس قصده الفرار، فلا بأس بذلك، ولا يلزمه أن يبقى؛ لأن المنع إنما هو من أجل الفرار منه، وأما الخروج من بلد الطاعون لانتهاء المهمة مثلاً فلا بأس به، فالتقييد بقوله: (فراراً منه) يدل على أنه ليس كل خروج يكون ممنوعاً منه، وإنما الخروج الممنوع هو ما كان على وجه الفرار.
فإذا كان الإنسان خارج البلد فلا يقدم عليه؛ لئلا يعرض نفسه للخطر، وعليه أن يأخذ بأسباب النجاة، ويتوقى أسباب الهلاك والضرر، وإذا كان في ذلك البلد فإنه لا يخرج منه، وإنما يتوكل على الله عز وجل ويبقى، ثم قد يترتب على خروجه إذا كان مصاباً بذلك المرض أن ينشره إلى الآخرين الذين لم يكونوا في بلد الطاعون.
وهذا الحديث جاء عن عبد الرحمن بن عوف ، وجاء عن غيره الصحابة. ولتحديث عبد الرحمن بن عوف بهذا قصة، وهي: أن عمر رضي الله عنه لما وقع الطاعون في الشام كان في طريقه إلى الشام، وفي أثناء الطريق لقيه أبو عبيدة وأمراء الأجناد، فكان منهم من يطلب منه أن يقدم على الشام وأن يواصل السير إليها؛ حتى ينتهي من مهمته، وبعضهم يرى أنه لا يدخلها؛ لئلا يعرض نفسه ومن معه من الصحابة للهلاك، فما كان من عمر إلا أن استشار المهاجرين الذين كانوا متواجدين معه، فانقسموا قسمين: فمنهم من يقول: ارجع، ومنهم من يقول: ادخل، ثم استشار الأنصار، فانقسموا قسمين: فمنهم من يقول: ادخل، ومنهم من يقول: ارجع، ثم استشار مُسلمة الفتح، فكان رأيهم أن يرجع، فكان الرأي الذي استقر عليه هو أن يرجع، فقال رضي الله عنه: (إني مصبح على ظهر) أي: إني في الصباح سأركب بعيري وأرجع إلى المدينة ، وكان أبو عبيدة رضي الله عنه ممن يرى الدخول وعدم الرجوع، فقال لـعمر : أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟! فقال عمر رضي الله عنه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! نفر من قدر الله إلى قدر الله، وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه موجوداً، ولكنه لم يكن موجوداً حال المحاورة، ولعله ذهب في مهمة، فلما جاء وعلم بالمحاورة التي حصلت قال رضي الله عنه: عندي فيها علمٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الحديث، فبلغ ذلك عمر فَسُر وفرِح بذلك؛ لأن اجتهاده وقع مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا يعتبر من موافقة عمر للحق، فقد كان يقول القول في أمر ما فيكون مطابقاً للسنة، وكان ذلك في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، فقد أشار في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بأمور متعددة فنزل الوحي مطابقاً لمشورته، وحصل أيضاً بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث، لكن هذا لا يعني أن يكون الحق معه دائماً، وأن كل قول يقوله ويخالف غيره فإن الحق معه، ففي بعض المسائل قد يكون الحق مع غيره، ومن ذلك: مسألة ميراث الجد مع الإخوة، فإن أبا بكر وبعض الصحابة رضي الله عنهم يرون أنه أب، لذلك فإنه يحجب الإخوة فلا يرثون معه، وكان عمر رضي الله عنه يرى أنهم يشتركون مع الجد في الميراث، والدليل مع أبي بكر رضي الله عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر)، والجد أولى من الإخوة.
أن كل مرض يكون فيه موت عام فحكمه حكم الطاعون، والنهي في الحديث للتحريم.
إذا منع ولي الأمر من الخروج من هذا البلد الذي وقع فيه هذا الوباء فيستجاب قوله، ولو كان للشخص عمل في تلك البلد ثم انتهى عمله وأراد الخروج منها لا فراراً منه، فإنه يستجيب لكلام ولي الأمر ويبقى.
والمنع من الخروج من بلد الوباء مقيد بالفرار من الوباء، ولا يقال: إنه خرج مخرج الغالب، بل هو تعليل لا يهمل، ولا يقال أيضاً: إن النهي هو لتفادي العدوى، فإذا كان الرجل في بلد الطاعون وليس فيه عدوى فإنه يجوز له أن يفر من تلك البلد، لأنا نقول: إن العدوى -كما هو معلوم- بالنسبة للبلد الذي فيه الوباء أمرها واضح؛ لأن المرض موجود، ولكن ليس موجوداً في كل أحد، فقد يكون شخص منهم سلم من الطاعون، وليس كل من في البلد قد أصابهم الطاعون، فلا يخرج منه أحد فراراً بحجة أنه لم يصب بالعدوى، فقد يكون مصاباً وهو لا يدري، وعلى كل فالتعليل الشرعي قد منع الخروج فراراً منه، وإلا فإنه لا يلزم أن يكون كل الذين في البلد قد أصابهم الطاعون، وإذا خرج قد لا يكون فيه عدوى، ولكن يحتمل أن يكون فيه هذا المرض.
وقد مات أبي عبيدة رضي الله عنه في طاعون عامواس، وقد كان من أمراء الأجناد الذين كانوا في الشام، وقد جاءوا لاستقبال عمر ومرافقته، فلا أدري هل رجع أو لا، فكونه توفي في طاعون عمواس هذا معروف، ولكن هل هو طاعون عمواس الذي كان في خلافة عمر في سنة ثمانِ عشرة؟ لا أدري.
هو القعنبي عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ].
عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ].
عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن عبد الله بن عباس ].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ عن عبد الرحمن بن عوف ].
عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه صحابي، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا الجعيد عن عائشة بنت سعد أن أباها رضي الله عنه قال: اشتكيت بمكة فجاءني النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعودني، ووضع يده على جبهتي، ثم مسح صدري وبطني، ثم قال: (اللهم! اشفِ
ثم أورد أبو داود باب: الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة، أي: أنه يدعو له عندما يعوده.
وعيادة المريض تشتمل على فوائد منها: أن يدعو له، وأنه يؤنسه ويدخل السرور عليه.
وأورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أنه قال: (اشتكيت بمكة فجاءني النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعودني، ووضع يده على جبهتي، ثم مسح صدري وبطني وقال: اللهم اشفِ
وقوله: (وأتم هجرته) أي أنه دعا له بألا يموت في البلد الذي هاجر منه، وقد كانوا يحرصون على ألا يموتوا في دار هجرتهم التي تركوها من أجل الله، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المهاجرين في الحج أن يغادروا مكة، وألا يبقوا فيها بعد الحج.
هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا مكي بن إبراهيم ].
مكي بن إبراهيم ثقة من كبار شيوخ البخاري ، ومن الذين أخرج عنهم الثلاثيات، وعدد ثلاثيات البخاري في الصحيح اثنان وعشرون حديثاً، وقد رواها عن عدد قليل من شيوخه، منهم: مكي بن إبراهيم هذا، ومنهم أبو عاصم النبيل ، فشيوخه في الثلاثيات قليلون جداً.
[ عن الجعيد ].
الجعيد ، ويقال له: الجعد بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن عائشة بنت سعد ].
هي عائشة بنت سعد بنت بن أبي وقاص ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن أبيها ].
وهو سعد بن أبي وقاص رضي تعالى الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ ووضع يده على جبهتي، ثم مسح صدري وبطني ] فيه دليل على أن الإنسان إذا زار مريضاً فإنه يُشرع له أن يلمس جسده وأن يمسح عليه؛ لأن هذا فيه إيناس له، وليس هذا خاصاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم للبركة التي فيه، بل يجوز لكل أحد أن يلمس جسد المريض، وأن يلمس جبهته لينظر هل هناك حرارة أو لا؛ حتى يطمئن ويرتاح.
وأما بالنسبة للبركة والتبرك فهذا لا يكون إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يمسح من أجل تحصيل البركة، وأما إذا كان من أجل الاطمئنان على المريض وسلامته فلا بأس بذلك لكل أحد.
قال سفيان : والعاني: الأسير ].
ثم أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أطعموا الجائع) أي: الجائع المحتاج إلى الطعام، فهذا مأمورٌ بإطعامه.
وقوله: (وعودوا المريض) وهذا أمر بالعيادة، لذلك من أهل العلم من قال: إنها واجبة على الكفاية بناء على هذا الحديث، ومنهم من قال: إنها مستحبة، وقوله: (وفكوا العاني) العاني: هو الأسير، فالأسير يفك إذا أسَره الكفار، وذلك إما بدفع مقابل لتخليصه منهم، أو بمقابلته بمأسور من الكفار، أي: على سبيل المبادلة.
وليس في الحديث شيء يدل على الترجمة السابقة، وهي: الدعاء بالشفاء عند عيادة المريض.
[ قال سفيان : والعاني: الأسير ].
وقد ذكرنا هذا.
والأوامر في قوله: (أطعموا الجائع، وعودوا المريض) للوجوب، ولكنه على الكفاية، فإذا وجد من يقوم بذلك حصل المقصود.
وأما عيادة المريض فكما قلت إن العلماء قد اختلفوا في ذلك: فمنهم من قال: إنها مستحبة، ومنهم من قال: إنها فرض كفاية كإطعام الجائع، وفك العاني.
هو: محمد بن كثير ، وقد مر ذكره.
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد الثوري ، وقد مر ذكره.
منصور مر ذكره، وأبو وائل هو: شقيق بن سلمة ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي موسى الأشعري ].
أبو موسى الأشعري مر ذكره.
حدثنا الربيع بن يحيى حدثنا شعبة حدثنا يزيد أبو خالد عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرار: أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب الدعاء للمريض عند عيادته، والدعاء ههنا مطلق، وأما في الترجمة السابقة فهو مقيد بالشفاء، والأحاديث التي أوردها أبو داود في هذه الترجمة هي في الدعاء بالشفاء، فهي صالحة في الترجمة السابقة، والترجمة هنا ذكرها مطلقة، والأولى أن يأتي بها مقيدة، أو أن يأتي بأحاديث تدل على الترجمة، حتى تناسب المقام والترجمة.
قوله: (من عاد مريضاً لم يحضر أجله) أي: أن المريض إذا حضر أجله فلا ينفع فيه أي سبب من الأسباب.
وقوله: (إلا شفاه الله) هذا إذا كان المريض لم يحضر أجله، وأما إذا كان المريض قد حضر أجله فلا ينفع فيه ذلك، ولا يحصل له الشفاء من ذلك المرض، بل يحصل له الموت الذي قدر الله تعالى أن يكون له، فلا يستأخر عن وقته ولا يتقدم.
ويجوز أن يقول هذا الدعاء سراً وجهراً، فكل ذلك سائغ، ولكن إذا أسمع المريض فهو الأولى والأفضل؛ لأن فيه إدخال السرور عليه، وليس هناك دليل يدل على أن المريض يدعو بهذا الدعاء لنفسه، لكن له أن يسأل الله الشفاء.
الربيع بن يحيى صدوق له أوهام، أخرج له البخاري وأبو داود .
[ حدثنا شعبة حدثنا يزيد أبو خالد ].
هو يزيد أبو خالد الدهلاني صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن المنهال بن عمرو ].
المنهال بن عمرو صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري ، وأصحاب السنن.
[ عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس مر ذكره.
قال أبو داود : وقال ابن السرح : إلى صلاة ].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (إذا جاء الرجل يعود مريضاً فليقل: اللهم! اشف عبدك؛ ينكأ لك عدواً، ويمشي لك إلى جنازة)، وفي رواية: (إلى صلاة) أي: أنه يمشي إلى الصلاة على جنازة، وهذا الحديث يدل على الدعاء للمريض بالشفاء.
قوله: (ينكأ لك) أي: يحدث منه نكاية في العدو، وذلك إذا شفاه الله ثم حصل منه جهاد أو غير ذلك، فإنه يفيد في النكاية في العدو.
يزيد بن خالد الرملي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حيي بن عبد الله ].
حيي بن عبد الله صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن أبي عبد الرحمن الحُبلي ].
هو: عبد الله بن يزيد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن والحُبلي هذا سبق أن مر ذكره، وقد كنا نبحث عن ضبطه: هل هو الحُبُلِّي أو الحُبُلِي، ولم نهتدِ إلى شيء.
[ عن ابن عمرو ].
هو: عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو داود : وقال: ابن السرح ].
هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
الجواب: النظر إلى النساء غير سائغ، ونظر النساء إلى الرجال غير سائغ أيضاً، وقد جاء في الحديث: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)، والتدريس من وراء حجاب هو الذي يحصل به المقصود، ويندفع به المحذور، وأما الشيء الذي كان عليه السلف فما أذكر شيئاً الآن، ولكن الذي نعلم أن السلف كانوا على أحسن حال، وعلى أتم احتياط، وكانوا أحرص الناس على كل خير، ولا شك أن كل شيءٍ فيه بُعد عن المحذور فهم أولى الناس به، وأحق الناس باتباعه، فعلى هذا الأخ أن يدرس النساء من وراء حجاب.
الجواب: بالنسبة لأولاد المسلمين هم تبع لآبائهم، لكن لا يجزم لهم بذلك؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على المنع من ذلك، فقد قالت عائشة رضي الله عنها عن طفل مات: عصفور من عصافير الجنة، فمنع الرسول من ذلك.
وأما بالنسبة لأولاد الكفار، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما سئل عن أولاد الكفار قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، وهذا يفيد بأنهم يُمتحَنون يوم القيامة، وإلا فإنهم تابعون لآبائهم في الحكم من ناحية الوراثة وغيرها، وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) يعني: فآباؤهم يصرفونهم عن الفطرة، ويكونون على ما كان عليه آبائهم إلا أنهم غير مكلفين، فيحصل لهم إذاً امتحان يوم القيامة، وعلى ضوء نتيجة ذلك الامتحان يكون مآلهم: إما إلى جنة، وإما إلى نار، ومثلهم في ذلك الذين لم تبلغهم الدعوة، فإنهم يمتحنون يوم القيامة، وقد ذكر العلماء ذلك عند قوله عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15].
الجواب: سبق أن مر بنا عيادة الذمي في الدرس الماضي، وأنه إذا كان من وراءها مصلحة كأن يُدعى إلى الإسلام فإنها سائغة، وإذا لم يكن من ورائها مصلحة فإنه لا يزار، هذا بالنسبة للكافر، وأما بالنسبة للمبتدع فإذا جلس معه وبين له منهج أهل السنة والجماعة، وأنه يجب عليه أن يترك ما هو عليه من بدعة؛ ليختم له بخير، فلا شك أن هذا أمرٌ مناسب ومرغوب فيه.
الجواب: يبدو أنه إخبار، وأن التطهير يحصل إن شاء الله.
الجواب: لا يُعتمر ولا يُحج عن أحدٍ حي إلا في حالتين اثنتين:
إحداهما: أن يكون هرماً كبيراً لا يستطيع السفر ولا الركوب.
والثانية: أن يكون مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه.
فإذا كان من هذين الصنفين فإنه يعتمر عنه ويحج، وإذا لم يكن كذلك فإنه لا يحج عنه ولا يعتمر وهو حي، وإنما إذا تمكن الابن من أن يدفع المال لأبيه وأمكنه أن يحج بنفسه فعل، وإلا فإنه لا يجب عليه الحج، ولا يحج عنه وهو حي إلا في الحالتين اللتين أشرت إليهما.
الجواب: على المدرس أن يعطي كل ذي حقٍ حقه، ولا يعطي أحداً شيئاً لا يستحقه.
الجواب: خال زوجتك محرم من محارمها، لكن إذا خيف من ذلك فتنة فلا يصلح أن يكون هناك تقبيل، ولكن يُكتفى بالمصافحة، وينبغي أن تقول لها ألا تمكنه من ذلك، وإنما تمد يدها إليه من بعد، ولا تقرب وجهها إليه ليقبلها أو تقبله.
حدثنا بشر بن هلال ، حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يدعُونّ أحدكم بالموت لضرٍ نزل به، ولكن ليقل: اللهم! أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) ].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في كراهية تمني الموت، أي: أن الإنسان لا يتمنى الموت من أجل أمرٍ حصل له؛ لأنه لا يدري ماذا يحصل له بعد الموت، فقد يحصل له بعد الموت أمر أخطر وأعظم من الضر الذي قد حصل له، فينتقل من شديد إلى أشد، ومن خطير إلى أخطر، فلا يتمنين أحد الموت في أمرٍ يصيبه، ولكن إذا حصل له ضرّ فإن له أن يسأل الله عز وجل الحياة على خير، أو الموت على خير، كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه في هذا الباب: (لا يدعون أحدكم بالموت لضرٍ نزل به، ولكن ليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) أي: أنه يسأل الله تعالى الخير في الحياة أو في الممات، فإن كانت الحياة خيراً له فإنه يحييه، وإن كان الوفاة خيراً له فإنه يميته، أي: إن كانت الحياة خيراً له فإنه يبقى ليكتسب عملاً صالحاً، وإن كانت الوفاة خيراً له فإنه ينتقل إلى ذلك الذي هو خير له.
وهذا الدعاء عظيم في كون الإنسان يسأل الله عز وجل ما هو الخير له في الدنيا والآخرة، وهذا من كمال بيانه ونصحه صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الدعاء فيه تحصيل الخير إما في الدنيا وإما في الآخرة، وكذلك في زمن وجود الفتن والبلاء فإنه ينبغي له أن يسأل بهذه الطريقة؛ لأن الإنسان لا يدرِ ما هو الخير له، فلا يدري هل الحياة خيراً له أو أن الوفاة خير له، ولكنه يسأل الله عز وجل ما فيه الخير له في الدنيا والآخرة.
بشر بن هلال ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عبد الوارث ].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد العزيز ].
هو عبد العزيز بن صهيب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، ففيه بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.
ثم أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه: (لا يتمنين أحدكم الموت)، فهنا تمني وفي الأول دعاء، ومن المعلوم أن التمني قد يكون بدون دعاء، وقد يكون مع الدعاء، فقد يتمنى شيئاً ويطلبه، وقد يتمنى الشيء في نفسه ويحبه ويوده ولا يطلبه، فالإنسان لا يتمنى الموت ولكنه يسأل الله عز وجل الخير له: فإن كان في الحياة فيحييه، وإن كان في الممات فيميته.
محمد بن بشار هو الملقب بندار البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو داود الطيالسي ].
هو سليمان بن داود ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
أنس رضي الله عنه صحابي، وقد مره ذكره في الحديث الذي قبل هذا.
وقد يتمنى بعض الناس المرض لما في المرض من تكفير الذنوب، ولا ينبغي له ذلك، ولكن يسأل الله العافية، ويعمل الأعمال الصالحة، فالحسنات يذهبن السيئات.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن منصور عن تميم بن سلمة أو سعد بن عبيدة عن عبيد بن خالد السلمي رضي الله عنه -رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم- قال مرةً: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال مرةً: عن عبيد أنه قال: (موت الفجأة أخذت أسف) ].
ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: باب موت الفجأة، والفجأة هي البغتة، ومعنى ذلك أن الإنسان يموت بغتة، أي: أن الموت يداهمه فيموت إما بسكتة قلبية، أو أنه يقتل ويرمى، أو أنه يحصل له حادث فيموت في الحال، فهذا كله يقال له: موت فجأة، فالإنسان لم يحصل له مرض بحيث يوصي إذا كان يحتاج إلى أن يوصي، ولهذا جاء في الحديث الذي مر بنا في الوصية أن الإنسان يبادر بها ولا يؤخرها؛ لأنه قد يحصل له موت فجأة، فعليه أن يوصي ويبين ما له وما عليه؛ حتى لا يأتيه الموت فجأة، فلا يُعرف ما له وما عليه، والمهم في الأمر أن يُعرف ما عليه، فموت الفجأة هو موت البغتة، ويترتب عليه أن الإنسان ما يكون عنده مجال حتى يستعد ويتهيأ، وأما إذا أصابه مرض فلعله أن يرجع إلى الله عز وجل ويستفيد من ذلك، وأما إذا كان صحيحاً ساهياً لاهياً غافلاً معرضاً فقد يأتيه الموت فجأة فلا يمكنه أن يتدارك، وقد يموت الإنسان فجأة وهو على عملٍ صالح، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل)، وذلك أن العمل القليل إذا داوم عليه الإنسان فإنه إذا مات في أي وقت فإنه يموت وهو على حالة طيبة حسنة، وكم من الناس من أهل الفضل والصلاح من يحصل له ذلك، وممن مات فجأة عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما، فإنه مات فجأة ما بين مكة والمدينة، فالموت يحصل للمقبل وللاهي، ولكن إذا حصل للإنسان مرض فإنه يذكر الله عز وجل ويستغفره، ويرجع ويتوب إليه، فإن ذلك فيه خير له، وإذا حصل له الموت فجأة فقد يموت وهو على حالة سيئة والعياذ بالله، ولا يمكنه أن يتدارك، ولا أن يذكر الله عز وجل.
وأورد أبو داود حديث عبيد بن خالد السلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (موت الفجأة أخذت أسفٍ)، وسواء كان أسف أو آسف، فالآسِف هو الغضبان، والأسَف هو الغضَب كما قال تعالى: فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف:55] أي: أغضبونا، وليس كل من مات فجأة فهو مغضوب عليه، فقد يموت الإنسان فجأة وهو على خير، لكن الفاجر والفاسق والكافر فهؤلاء هم الذين ينطبق في حقهم هذا، فهؤلاء يموتون ولا يمكنهم أن يتداركوا، وأما من مات وهو على استقامة وحالة طيبة فلا يقال: إنه مغضوب عليه، كما عرفنا أن من أهل الصلاح والتقى من يموت فجأة كما حصل لـعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما.
وقد جاء حديث وفيه كلام: (أن موت الفجأة رحمة للمسلم أو راحة للمسلم، وأخذت أسفٍ للفاجر)، ولكن فيه كلاماً.
هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج ، وقد مر ذكره.
[ عن منصور ].
هو منصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ تميم بن سلمة ].
تميم بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ أو سعد بن عبيدة ].
سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد بن خالد السلمي ].
عبيد بن خالد السلمي رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي .
وقد قال مرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال مرةً أخرى: عن عبيد ، وهذا يعني أنه جاء عنه مرفوعاً، وجاء عنه موقوفاً.
حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحارث بن عتيك -وهو جد عبد الله بن عبد الله أبو أمه- أنه أخبره أن عمه جابر بن عتيك أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غُلب، فصاح به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يجبه، فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (غُلبنا عليك يا
ثم أورد أبو داود باب: فضل من مات في الطاعون، أي: أن ذلك يعتبر شهادة، وهو من قبيل الشهادة من حيث الحُكم، فحكمه حكم الشهيد، وقد بوب النووي رحمه الله في (رياض الصالحين) باباً، فقال: باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة، ويغسلون ويصلى عليهم، ويعني: أنهم شهداء من حيث ثواب الآخرة وليسوا شهداء من ناحية أنهم قتلوا في سبيل الله، وأنهم يأتون يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فهذا هو شهيد المعركة الذي قتل في سبيل الله، وهو الأصل والمعروف في الشهادة، وهناك أناس جُعل حكمهم حكم الشهداء من حيث أنهم يثابون ثواباً عظيماً في الآخرة، كما أن للشهداء أجراً عظيماً، وإن لم تكن أحكامهم كأحكام الشهداء الذين لا يغسلون، ويدفنون في ثيابهم، ويدفنون في دمائهم؛ ليكون ذلك علامة لهم يوم القيامة، كما جاء في الحديث: (اللون لون الدم، والريحة ريح المسك).
ذكر أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء يعود
قوله: (فوجده قد غلب) يعني: أنه على وشك الموت، أو أنه قد فارق الحياة، (فصاح به) أي: كلمه ليعرف هل ما زال على قيد الحياة (وقال: غُلِبْنَا عليك يا
قوله: (فصاح النسوة وبكين) أي: لما سمعن صوت الرسول يخاطبه ويناديه صِحن وبكين.
قوله: (فجعل
قوله: (دعهن، فإذا وجب فلا تبكين باكية) أي: إذا حصل الموت فلا تبكين باكية، أي: لا تنح نائحة، فالمقصود بالبكاء هنا النياحة، وأما البكاء الذي هو دمع العين وحزن القلب فهذا لا بأس به، وقد حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه إبراهيم : (إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا
قوله: (وما الوجوب يا رسول الله! قال: الموت)، أي: إذا حصل موت.
قوله: (قالت ابنته: والله! إن كنت لأرجو أن تكون شهيداً، فإنك كنت قد قضيت جهازك) أي: أنها تثني عليه، وقولها: (إني أرجو أن تكون شهيداً) تعني: شهيد المعركة، (لأنك قد قضيت جهازك) تعني: أنه قد استعد وتجهز للقتال، فمات قبل أن يخرج، وقولها هذا فيه دليل على عدم الجزم بالشهادة.
قوله: (إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته)، فقد نوى الخروج في سبيل الله، فتجهز وتهيأ وأعد لذلك العدة، فأوقع الله أجره على قدر نيته، وهذا يدلنا على أن النية لها أثر عظيم، فهو يموت دون أن يفعله ومع ذلك، فإنه يحصل الأجر على ذلك، وقد جاء في الحديث الذي في غزوة تبوك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في الطريق قال: (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر) أي: أنهم بنياتهم مع المجاهدين في سبيل الله، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في فقه غزوة تبوك : إن الجهاد يكون بالنية، ويكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالمال وبالنفس، فالإنسان يجاهد بنفسه وبماله وبنيته وبلسانه، فكل هذه يقع بها الجهاد، وهذا الحديث يدل على ذلك، فقد أوقع الله أجره على قدر نيته، والحديث الذي ذكرناه آنفاً في غزوة تبوك يدل على أنهم مجاهدون بنياتههم وبقلوبهم المتعلقة والحريصة على الخروج في سبيل الله، ولكنهم لم يستطيعوا ذلك، ولم يقدر النبي على تمكينهم منه؛ لكونه لم يجد الظهر الذي يحقق به رغبتهم في ذلك، ولهذا قال الله فيهم: إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ [التوبة:92].
قوله: (وما تعدون الشهادة فيكم؟ قالوا: القتل في سبيل الله) فهذا هو الذي يعرفونه أن الشهادة هي القتل في سبيل الله، فإذا قتل الإنسان في سبيل الله، أو مات في سبيل الله وكان غازياً وخارجاً لقتال الكفار فهذا هو الذي يكون في سبيل الله.
قوله: (الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله)، ثم ذكر هذه السبع، (المطعون شهيد) وهذا هو محل الشاهد، فالمطعون هو الذي أصابه الطاعون ومات به.
قوله: (والغريق شهيد) وهو الذي مات بالغرق.
قوله: (وصاحب ذات الجنب شهيد)، وذات الجنب مرضٌ يكون في الجنب، ويموت بسببه الإنسان.
قوله: (والمبطون شهيد) وهو الذي أصابه المرض في بطنه، كأن يكون فيه إسهال ومات بسبب ذلك، فإنه يكون شهيداً، لأنه مات من وجع البطن.
قوله: (وصاحب الحريق شهيد) يعني: الذي مات في الحريق.
قوله: (والذي يموت تحت الهدم شهيد) يعني: هو الذي يسقط عليه بنيان أو جدار فيموت بسبب ذلك.
قوله: (والمرأة تموت بجمعٍ شهيدة) يعني: في الولادة، أي: أنها تموت وفي بطنها ولد، أو تموت في نفاسها، فإنها تكون شهيدة.
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك ].
عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عتيك بن الحارث بن عتيك ].
عتيك بن الحارث بن عتيك مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن عمه جابر بن عتيك ].
عمه جابر بن عتيك رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي .
الجواب: من حيث إنه يموت بغتة أو قريباً من البغتة فهو من جنس ذلك، لكن قد يحصل ذلك للإنسان بسبب خطأه، فالإنسان قد يسوق سيارة فيسرع سرعة شديدة فيقتل نفسه بذلك، فمثل ذلك كيف يقال: إنه شهيد؟! وعلى كلٍ فالله تعالى أعلم، لكنه إذا كان متسبباً في ذلك، أو عمل عملاً وتصرف تصرفاً ترتب عليه موته فهذا -والعياذ بالله- أمره ليس بهين.
الجواب: لا؛ لأن السرطان لا يكون دائماً في البطن، فقد يكون في غير البطن.
الجواب: ليس هناك عمليات استشهادية!! وهذه العمليات الموجودة إنما هي عمليات انتحارية، وهي قتل للنفس.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب أخبرني عمر بن جارية الثقفي حليف بني زهرة ، وكان من أصحاب أبي هريرة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيباً رضي الله عنه، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيراً حتى أجمعوا لقتله، فاستعار من ابنة الحارث موسىً يستحد بها فأعارته، فدرج بُنيٌّ لها وهي غافلة، حتى أتته فوجدته مُخْلياً وهو على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها فيها، فقال: أتخشين أن أقتله؟! ما كنت لأفعل ذلك.
قال أبو داود : روى هذه القصة شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عياض أن ابنة الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا -يعني: لقتله- استعار منها موسىً يستحد بها فأعارته ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: بابٌ: في المريض يؤخذ من أظفاره وعانته، ولفظه: (يؤخذ) هنا مبينة للمجهول، أي: يأخذ غيره، وهذا -كما هو معلوم- إذا تولى ذلك غيره ممن يجوز له الإطلاع على عورته، ومعلومٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك).
وليس في هذه الترجمة ولا في الحديث ما يدل على أن هناك مريضاً، ولكن لما كان خبيب رضي الله تعالى عنه وأرضاه قد أُجمع على قتله طلب موسىً ليستحد به، فهو مثل المريض؛ لأنه على وشك الموت، فإنهم يستعدون لقتله، والمريض أيضاً يُخشى عليه أن يموت، فمن أجل ذلك أورد هذه الترجمة وأتى بهذا الحديث.
قوله: (ابتاع بنو الحارث بن نوفل
وإنما ألحقه أبو داود رحمه الله بالمريض لأنه في معناه، فهذا على وشك الموت، ولعله أراد من الاستحداد أن يكون نظيفاً، وأن تكون تلك الأشياء التي يطلب إزالتها قد أزيلت منه قبل أن يموت، ولهذا ذكر بعض أهل العلم أن الإنسان إذا مات وله أظفار، أو كان شاربه طويلاً، وكذلك له عانة تحتاج إلى نظافة فإنه يقص شاربه، وتقلم أظفاره، ومن أهل العلم من لم ير ذلك.
ولعل قائلاً أن يقول: لو كانت الترجمة مبنية للمعلوم لكان أحسن، فأقول: قد يكون المريض لا يستطيع أن يفعل ذلك، فإذا أخذه من له حق جواز النظر إليه فلا بأس بذلك.
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا إبراهيم بن سعد ].
إبراهيم بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أ خبرنا ابن شهاب ].
هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمر بن الجارية الثقفي ].
هو عمر بن أبي سفيان بن الجارية الثقفي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وهو أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً.
[ قال أبو داود : روى هذه القصة شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عياض أن أبنة الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا -يعني: لقتله- استعار منها موسى يستحد بها فأعارته ]
وهذه طريق أخرى، وقد رواها شعيب بن أبي حمزة وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، عن الزهري وقد مر ذكره، أخبرني عبيد الله بن عياض وهو ثقة، أخرج له البخاري في (خلق العباد) ولم يُذكر أبو داود في المخرجين له؛ لأن هذه الرواية معلقة، وقد جرت العادة أنه إذا روى عن الراوي تعليقاً فإنه لا يذكر أن أبا داود أخرج لها، وإنما يقال: إن أبا داود أخرج إذا أخرج له متصلاً.
[ أن ابنة الحارث أخبرته ].
فأقول: هو لم يرد هذا، ثم كيف يفادي نفسه بهذا الطفل البريء؟ فهذا لا يفعله صحابي، بل ولا يفعله من عنده إيمان.
تنبيه: قال بعض أهل العلم ببدعية حلق عانة الميت، وتقليم أظافره، وحفّ شاربه، وأما أنا فلا أعلم شيئاً يدل على أن هذا من البدع، وهو محتمل للجواز؛ لأن هذه الأشياء مستكرهة في الحياة فكونها تزال عنه بعد الممات فإنه من كمال تطهيره وتنظيفه، فقد يكون له وجه، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فالحنابلة والشافعية يقولون بالجواز، والمالكية والحنفية يقولون بالمنع.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر