حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا محمد بن عبيد عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: استأذنت ربي تعالى على أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، فاستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور؛ فإنها تذكر بالموت) ].
قوله: [باب في زيارة القبور]، زيارة القبور سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها فائدة للزائرين والمزورين إذا كانوا مسلمين، فالزائر يستفيد أنه يتذكر الموت؛ فيستعد له بالأعمال الصالحة، ويستفيد أيضاً أنه يكون قد فعل سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيؤجر على ذلك، ويستفيد أيضاً أنه دعا لإخوانه المسلمين فأحسن إليهم، فيثاب على ذلك الإحسان، ومن أحسن أحسن الله إليه، والله تعالى يقول: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60].
إذاً: الحي يستفيد ثلاث فوائد، وأما الميت المسلم المزور فإنه يستفيد الدعاء له، فالأموات يستفيدون من دعاء الأحياء.
إذاً: الزيارة الشرعية التي تكون على وفق السنة، والمشتملة على تذكر الموت، وعدم فعل شيء من البدع، ثم حصول الدعاء للميت، يستفيد فيها الحي والميت.
وأما الزيارة البدعية المخالفة للسنة التي يكون فيها استغاثة بالأموات، أو يكون فيها توسل بهم وغير ذلك، فإن ذلك يتضرر منه الحي ولا يستفيد منه الميت، فالحي يتضرر من ذلك لأن الاستغاثة بغير الله شرك بالله، وأما التوسل بأصحاب الأموات إلى الله عز وجل فهذا من البدع المحدثة، وهو من الوسائل التي تؤدي إلى الشرك، فيكون الزائر قد تضرر من ذلك ولم يستفد، وأما المزور الذي استُغيث به فلم يستفد من ذلك شيئاً؛ لأنه طلب منه أمور لا تطلب منه، ولا يقدر عليها، وعلى هذا فالزيارة الشرعية يستفيد منها الحي والميت، والزيارة البدعية يتضرر بها الحي ولا يستفيد منها الميت شيئاً.
وأما زيارة المسلم لقبر الكافر فإن فيها فائدة للحي وهي تذكر الموت، وأما الميت فلا يستفيد شيئاً؛ لأنه لا يجوز الدعاء له.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله) قيل: إنه بكى على ما فاتها وعلى ما سبقها من الخير الكثير عندما ماتت قبل أن يبعث نبياً، فقد كانوا على عبادة الأوثان والأصنام، فبكى وأبكى عليه الصلاة والسلام، وقال: (إنه استأذن ربه أن يستغفر لها فلم يأذن له)؛ لأن الكافر لا يستغفر له، قال الله عز وجل: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113]، (واستأذن أن يزورها فأذن له، فقال صلى الله عليه وسلم: زوروا القبور؛ فإنها تذكر بالآخرة)، إذاً فزيارة قبر الكافر سائغة ولكنها من أجل تذكر الموت لا للدعاء للميت، فإن الميت الكافر لا يدعا له، والدعاء لا ينفعه، وهذا الحديث يدل على أن أم الرسول صلى الله عليه وسلم ماتت كافرة، وأنها من أهل النار، وقد بيّن الله عز وجل في كتابه أنه لا يجوز للنبي والمؤمنين أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى فقال: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113].
وهذا الحديث حديث صحيح، وقد رواه مسلم في صحيحه، وهو يدل على أن أم الرسول صلى الله عليه وسلم ماتت كافرة، وكذلك أبوه، فقد جاء في الحديث الذي في صحيح مسلم: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فلما رأى ما في وجهه دعاه وقال له: إن أبي وأباك في النار) .
محمد بن سليمان الأنباري صدوق أخرج له أبو داود .
[ حدثنا محمد بن عبيد ].
هو محمد بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد بن كيسان ].
يزيد بن كيسان صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب الكتب السنن.
[ عن أبي حازم ].
هو سلمان الأشجعي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة مر ذكره.
أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة)، وهذا الحديث فيه الجمع بين الناسخ والمنسوخ، فقوله: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور) منسوخ، وقوله: (فزوروها) ناسخ .
وقد كان النهي عن الزيارة في أول الأمر؛ لكونهم حديثي عهد بالجاهلية، فمنعوا من ذلك حتى تنقطع ما في قلوبهم من أمور الجاهلية، ثم نسخ بعد ذلك وأثبتت الزيارة؛ لأن فيها تذكرة للموت وللآخرة، فيكون الإنسان على استعداد تام لذلك بالأعمال الصالحة التي تقربه إلى الله عز وجل زلفى.
وهذا إنما هو في حق الرجال، وأما النساء فقد جاءت في حقهن بعض الأحاديث التي فيها لعن الزائرة كما سيأتي.
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا معرف بن واصل ].
معرف بن واصل ثقة أخرج له مسلم وأبو داود .
[ عن محارب بن دثار ].
محارب بن دثار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن بريدة ].
هو عبد الله بن بريدة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
أبوه هو بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن محمد بن جحادة سمعت أبا صالح يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج) ].
قوله: [باب في زيارة النساء القبور]، اختلف العلماء في حكم زيارة النساء للقبور، فمنهم من قال بجوازها، ومنهم من قال بمنعها.
والذين قالوا بالجواز استدلوا بما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، واستدلوا أيضاً بالأحاديث العامة في الزيارة كقوله: (فزوروها)، وكذلك قوله: (فإنها تذكر بالآخرة) قالوا: والنساء بحاجة إلى التذكرة، فهن مثل الرجال.
واستدل أصحاب القول الثاني بالأحاديث التي فيها منع النساء من الزيارة، والتي تدل على لعن الزوارات، وأن المصلحة اليسيرة التي تحصل لهن بالزيارة يقابلها مفسدة أكبر وأعظم وهي: ما يكون منهن من النياحة، وما هن عليه من الضعف وعدم الصبر كما هو حال الرجال، لذلك جاءت أحاديث تدل على المنع.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج).
وهذا الحديث جاء بلفظ: (زائرات) وفيه ذكر اتخاذ المساجد والسرج عليها، وكل هذه الأمور غير سائغة.
وهذا الحديث في إسناده رجل متكلم فيه وهو أبو صالح الراوي عن ابن عباس ، وليس أبا صالح السمان ، وإنما هو شخص آخر فيه كلام، فتكلموا على الحديث من أجله، ولكن الحديث جاء من وجه آخر وفيه: (لعن الله زوارات القبور).
فالذين قالوا: إن زيارة النساء للقبور جائزة قالوا: إن المقصود بالنهي هو المكثرات من الزيارة؛ لأن (زوارات) صيغة مبالغة، تدل على إكثارهن من الزيارة.
ولكن يمكن أن يفسر (زوارات) بمعنى (زائرات)، فيكون متفقاً مع هذا الحديث السابق: (لعن رسول الله زائرات القبور)، فصيغة فعّال كما أنها تأتي للمبالغة فإنها تأتي للنسبة، فليس كل ما يأتي على صيغة فعّال يكون للمبالغة، بل قد يكون للنسبة، وذلك مثل: نجار وحداد، فهذه الصيغ ليست للمبالغة، وإنما هي نسبة إلى الحدادة والنجارة.
ومن ذلك أيضاً قول الله عز وجل: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، فإن المنفي هو أصل الظلم، أي: وما ربك بذي ظلم، فهو سبحانه ليس بمنسوب إلى الظلم، ولا يقال: إن المقصود من ذلك نفي المبالغة، وإنما هو نفي لأصل الظلم عن الله تعالى.
إذاً: المراد من قوله: (زوارات) أي: المنسوبات للزيارة، وليس معنى ذلك المكثرات من الزيارة.
وقد ضعف الشيخ الألباني رحمه الله هذا الحديث في السنن، ولما جاء إلى الكلام عليه في (أحكام الجنائز) ذكر أن الترمذي قال: حديث حسن، وقال: إن هذا لا يسلم له، إلا إن أراد أنه حسن لغيره فيكون مسلماً؛ لأنه قد جاء بلفظ: (زوارات)، وهذا إنما يكون إذا اعتبرنا أن (زوارات) بمعنى (زائرات)، وهو رحمه الله قد أشار إلى أن اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة، ولكن الذي يظهر أن ذلك اللعن ليس على المبالغة، وإنما هو لعن على أصل الزيارة؛ لأنه يترتب عليها ضرر كبير، وأمر عظيم، وذلك لضعف النساء، وعدم صبرهن، وعدم قدرتهن وجلدهن كما هو حال الرجال.
وعلى هذا: فالقول الصحيح هو القول بالتحريم، وأن النساء لا يجوز لهن أن يزرن القبور، ثم أيضاً -كما هو واضح- أن المرأة إذا تركت الزيارة فأكثر ما في الأمر أنها تركت أمراً مستحباً، وأما إذا فعلت الزيارة فإنها تتعرض للعنة كما في هذا الحديث، ومعلوم أن ترك هذا الفعل الذي تسلم فيه من اللعنة أولى ومقدم على كونها تفعل شيئاً لو تركته لم يحصل لها شيء إلا أنها تركت أمراً مستحباً لا يترتب على تركه شيء.
إذاً: القول بالتحريم والمنع هو الأظهر والأولى.
وكذلك إذا أتين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس لهن أن يقصدن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم.
هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا شعبة ].
شعبة مر ذكره.
[ عن محمد بن جحادة ].
محمد بن جحادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت أبا صالح ].
أبو صالح اسمه باذان ، وهو ضعيف، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا القعنبي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ].
قوله: [باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها]، أي: أنه يسلم على أهل القبور ويدعو لهم.
وقد أورد حديث أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) .
قوله: (السلام عليكم) هذا دعاء لهم بالسلامة.
وقوله: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) فيه أن الإنسان يتذكر أن مصيره إلى ما صاروا إليه، وأنه لا بد أن يكون في يوم من الأيام معهم، وأنه سيُزار كما زارهم، فكما أنه الآن زائر فغداً سيكون مزوراً.
وقوله: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ليس هذا للشك وأنه قد يحصل وقد لا يحصل، فهذا أمر محقق، وهذا مثل قوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [الفتح:27]، فهو إخبار عن أمر محقق، وليس أمراً مشكوكاً فيه.
وقد جاء في بعض الروايات زيادة على ذلك: (أنتم سلفنا ونحن بالأثر، نسأل الله لنا ولكم العافية) .
والحاصل: أن الزيارة الشرعية تشتمل على الدعاء للأموات، وفي ذلك فائدة لهم.
وأما تخصيص السلام على ميت واحد كأن يقول: السلام على فلان، ثم يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، فإنه إذا رأى القبور يسلم على الجميع، وإذا أراد أن يسلم على شخص بعينه فإنه يذهب إليه، ويقف عند رأسه مستقبلاً إياه، فيسلم عليه، ويدعو له.
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن العلاء بن عبد الرحمن ].
هو العلاء بن عبد الرحمن الحرقي، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
أبوه ثقة أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة مر ذكره.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثني عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل وقَصْته راحلته، فمات وهو محرم، فقال: كفنوه في ثوبيه، واغسلوه بماء وسدر، ولا تخمروا رأسه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة يلبي) ].
قوله: [باب في المحرم يموت كيف يصنع به؟] أي: إذا مات في حال إحرامه فكيف يصنع به؟ والجواب: أنه يغسل، ويعامل معاملة المحرم الحي فلا يغطى رأسه، ولا يطيب.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أن رجلاً وقصته دابته وهو واقف بعرفة، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كفنوه في ثوبيه) أي: الإزار والرداء.
قوله: (ولا تخمروا رأسه) أي: كما أن المحرم في حال حياته لا يغطى رأسه فكذلك في حال موته، فيدفن ورأسه مكشوف لا يغطى، ويعامل في حال موته معاملة الحي المحرم.
وكذلك أيضاً لا يطيب، وذلك مثل المحرم الحي فإنه لا يمس طيباً.
وقوله في أول الحديث: (وقصته راحلته) أي: أنه سقط عنها فدقت عنقه، فمات من ذلك.
وهذا الحديث يدل على أن من مات على شيء فإنه يُبعث عليه، فهذا مات وهو محرم يلبي وسوف يبعث وهو محرم يلبي.
وأما تغطية الوجه ففيه خلاف بين أهل العلم، وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث: (ولا تخمروا رأسه ووجهه)، وجاء عن عدد من الصحابة أنهم كانوا يغطون وجوههم.
وهناك حديث ذكره الشيخ الألباني في كتاب العلل للدارقطني، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (2899)، وقد جاء موقوفاً ومرفوعاً: (أنه كان يخمر وجهه وهو محرم)
إذاً: قد جاء المنع والجواز، ولكن إذا احتاط الإنسان ولم يخمر وجهه فهذا هو الذي ينبغي له أن يفعله، ولعل المنع يكون على العموم، ويكون الجواز للحاجة.
محمد بن كثير مر ذكره.
وسفيان هو الثوري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني عمرو بن دينار ].
هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس مر ذكره.
[ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: في هذا الحديث خمس سنن: (كفنوه في ثوبيه) أي: أن الميت يكفن في ثوبين، (واغسلوه بماء وسدر) أي: أن السدر يكون في جميع الغسلات، (ولا تخمروا رأسه، ولا تقربوه طيباً، وكان الكفن من جميع المال ]، فهذه خمس سنن ذكرها الإمام أحمد في قصة هذا المحرم الذي وقصته ناقته.
قوله: (كفنوه في ثوبيه) أي: أنه يكفن في ثيابه، فلا يكفن في ثلاثة أثواب، وإنما يكفن في ثوبيه اللذين أحرم بهما، وهما إزار ورداء.
قوله: (واغسلوه بماء وسدر) أي: أنه يغسل بماء وسدر كما يغسل الميت غير المحرم، والسدر ليس بطيب، ويكون السدر في كل غسلة.
قوله: (ولا تخمروا رأسه) أي: لا تغطوه، فالتخمير هو التغطية.
قوله: (ولا تقربوه طيباً)، أي: أنه يعامل معاملة المحرم الحي، فلا يطيب، ولا يغطى رأسه، ويكون الكفن من جميع المال، فإنه قال: (في ثوبيه)، ولم يسأل: هل له ورثة؟ أو هل عليه دين؟ ومعنى هذا أن الكفن يكون من رأس المال، وأنه يقدم على غيره بحيث لو ضاقت التركة ولم تكف إلا للكفن فإنه يكفن بها، ولا يعطاها أصحاب الدين إذا كان عليه دين.
وكما أن كسوته في حال الحياة مقدمة على الديون فكذلك في حال الموت فإن كفنه مقدم.
وأما المحرمة إذا ماتت في حال إحرامها فإنها تكفن في ثيابها التي أحرمت بها.
أورد رواية فيها: (كفنوه في ثوبين)، وهذا مطلق، أي: أنهما قد يكونان ثوبي الإحرام وقد يكونان غيرهما، لكن جاء في الرواية السابقة: (في ثوبيه) أي: أنه يكفن في نفس إحرامه الذي عليه.
قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ].
سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ومحمد بن عبيد ].
هو محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا حماد ].
هو ابن زيد بن درهم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو ].
هو عمرو بن دينار وقد مر ذكره.
[ وأيوب ].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ].
قد مر ذكرهما.
[ قال أبو داود : قال: سليمان : قال: أيوب : (ثوبيه)، وقال: عمرو : (ثوبين) ].
وهذا اختلاف في الروايات، ففي بعضها: (ثوبين)، وفي بعضها: (ثوبيه).
[ وقال ابن عبيد : قال: أيوب : (في ثوبين)، وقال: عمرو: (في ثوبيه)، زاد سليمان وحده: (ولا تحنطوه) ]، الحنوط: شيء يوضع مع الميت في كفنه، وهذا بمعنى قوله: (لا تقربوه طيباً).
قوله: [ حدثنا مسدد ].
هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا حماد عن أيوب عن سعيد عن ابن عباس ].
قد مر ذكرهم جميعاً.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو كالسابق.
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا جرير ].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور ].
هو منصور بن المعتمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحكم ].
هو الحكم بن عتيبة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ].
الجواب: ليس لذلك وقت معين، فيمكن أن يكون عند السماع، أو عند الدفن، فكل ذلك جائز، ولا يتكلم إلّا من يعرف حاله، ومن لا يعرف حاله يسكت، أو يستغفر له ويسكت.
الجواب: لأنه صلى على القبر الذي كان رطباً كما مر بنا، وصفوا وراءه فصلى بهم وصلوا معه، وإن لم يأت ما يدل على أنهم صلوا معه فإن ما يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم تفعله أمته، ولكنه لما جاء في الحديث: (كالمودع للأحياء والأموات) دل ذلك على أنه خاص به، وأما نحن فلا نفعل ذلك، فلا يذهب أحدنا ويصلي على القبور مودعاً للأحياء والأموات.
فأما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أخبر بقرب أجله، وأما نحن فلا ندري متى آجالنا.
الجواب: المكان الذي يترتب عليه مضرة فيما يتعلق بالحمل وتربية الأولاد من ناحية أنهم يولدون كل سنة، فقد تلد والشخص الذي قبله لم يمش بعد، فلها أن تعمل شيئاً يؤخر الحمل ولا يقطعه.
وأما قضية كونهم في حجرة واحدة فيمكن أن تنجب أكثر من ثلاثة أولاد وليس في ذلك بأس، بل الأولى أن تفرح بكثرة الولد.
الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على مشروعيتها، لكن إذا فُعل شيء من ذلك فليس هناك ما يمنعه.
الجواب: الحدود يقيمها السلطان والوالي، ولا يقيمها أشخاص ليسوا بأهل سلطة ولا ولاية.
الجواب: الذي يبدو أنه جائز، فهذه جماعة وتلك جماعة، ولا شك أن الجماعة في المسجد أفضل؛ لأنها أولى، وإذا صلى معه تطوعاً وقد فاتته الصلاة فإنه يكون محسناً إليه، فلا بأس بذلك.
الجواب: كلهم يكونون عن يمينه، مثل وضعهم في القبر، ومثله لو صلى عليهم وهم في القبر، فإن الميت يكون في القبر مستقبل القبلة، وما نعرف شيئاً يدل على خلاف ذلك.
الجواب: الذي يبدو أنه لا بأس بذلك.
الجواب: المشركون الوثنيون غير أهل الكتاب لا تحل ذبائحهم، وأما إذا كانوا أهل كتاب فإن ذبائحهم تحل، إلا إذا عرف أنهم يذبحون ذبحاً غير شرعي، أي: غير الذبح الذي جاء في شريعتنا، كأن يخنقوها خنقاً أو تكون ميتة، فالمسلم لو فعل ذلك فإنها لا تؤكل ذبيحته فما بالك بالكتابي.
وأما إذا كانوا يصعقونها: فإن كانت تموت بالصعق فلا تحل، وأما إذا كان الصعق لا يميتها ولكنه يخدرها، فتبقى حية، وتبقى لها قوتها ونشاطها وحركتها، وتبقى الحياة مستقرة فيها، فلا بأس بذلك.
ولا يؤخذ بما هو مكتوب عليها من أنها ذُبحت على الطريقة الإسلامية؛ لأنهم يكتبون ذلك على علب الأسماك!!
الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على ذلك، ولكن إذا وضع حجران ليتعرف عليه الإنسان، وفي نفس الوقت أيضاً ليكون تحديداً للقبر وأطرافه بحيث يُعرف ولا يوطأ فلا بأس بذلك.
والذي جاء في أصل الإعلام هو وضع حجر واحد، فقد مر بنا في الحديث: (أعلمه بحجر، فكانت تلك الحجر صخرة كبيرة لم يستطع الرجل أن يحملها فحسر الرسول عليه الصلاة والسلام عن ذراعيه وحملها ووضعها عند رأسه) .
الجواب: نعم يقال ذلك، وقد جاء في الحديث: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا)، فيقال بالذي ورد.
الجواب: إذا أراد الإنسان أن يغتسل من الجنابة فالمستحب له أن يتوضأ ثم يغتسل، ولكنه إذا اغتسل فلا يمس -في حال الاغتسال- ذكره؛ لأن ذلك ينقض الوضوء، وإذا صب الماء على جسده ونوى بذلك رفع الحدث الأكبر والأصغر فإنه يصح، ويغني ذلك عن كونه يتوضأ؛ لأن الكل لرفع الحدث، ولكن ذلك لا يصح في مثل غسل الجمعة أو غسل التبرد؛ لأن هذين ليس فيهما رفع للحدث، والأكمل أن يتوضأ ويغتسل.
الجواب: لم يصح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الجواب: نعم، يصلى عليه، والأولى أن يعق عنه، وأما التسمية فليس لها وجه؛ لأنه ليس بحي حتى يسمى ويدعا وينادى.
الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على أن يديه توضع على صدره، وإنما تكون على وضعهما الطبيعي، فتوضع بجنبيه ممتدتين، وكل واحدة لاصقة بجنبه.
الجواب: هذه الآية الكريمة تدل على إثبات صفة الوجه لله عز وجل، وتدل على بقاء الله عز وجل بذاته ومنها صفة الوجه، والله تعالى باق بذاته وصفاته، ولا يقال: إن البقاء إنما هو للوجه فقط، وإنما هو للذات والصفات.
الجواب: التسنيم: هو أن يكون أعلى القبر ضيقاً، وأسفله واسعاً كالهرم، وهو أيضاً مثل سنام البعير.
فلو نظرت إلى البعير لوجدت بطنه واسعة، ثم يضيق شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى مكان ضيق أعلى السنام، بحيث إنه لو نزل عليه المطر لذهب ولم يستقر، وهكذا القبر المسنّم.
وأما إذا كان مسطحاً فإن الماء يستقر عليه، ويكون فيه مجال للحيوانات كالكلاب وغيرها أن تبرك وتربض عليه، فإذا كان مسطحاً فإنه يكون أسلم وأبقى له.
الجواب: لا أعلم شيئاً يدل على هذا.
الجواب: لا يفعل ذلك؛ فإن النعش يبقى للناس يحملون عليه، ثم إن دفن النعش -مع أنه لا أصل له- فإنه يضيق القبر، فإن القبر يحفر على قدر الإنسان، والنعش يحتاج إلى مساحة كبيرة، ولذلك فإنه يضيق القبر، فيترتب عليه توسيع اللحد، بالإضافة إلى كونه ليس له أساس، ثم ما هي الفائدة منه؟!
الجواب: الذي يقوم بعملية التفجير بنفسه هو منتحر، ولا يوصف بأنه شهيد.
وقد توسع الناس الآن في إطلاق الشهادة، فكل من يموت يقال: استشهد، وقد يكون هؤلاء الذين ماتوا نصارى، ومع ذلك يقال عنهم: إنهم شهداء، نعم هم شهداء النار، فليس أمامهم إلا النار يشهدونها ويحضرونها، وأما الجنة فلا سبيل لهم إليها، أعني النصارى والكفار الذين يموتون على ذلك.
فصارت الشهادة الآن سهلة تعطى لكل أحد.
الجواب: كان السلف يقولون: أنا مؤمن إن شاء الله، والمقصود من ذلك عدم تزكية النفس، فالإيمان صفة كمال، وهو أعلى من درجة الإسلام.
فالمسلم إذا قيل له: أنت مسلم؟ قال: نعم أنا مسلم والحمد لله، لكن إذا قيل له: أنت مؤمن؟ فإنه يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، أي: أرجو أن أكون من أهل هذه الصفة التي هي صفة كمال.
الجواب: لا يعتبر ذلك غيبة له إذا ذكره بصفاته الذميمة، أو بشيء مما هو فيه؛ حتى يجتنبه الناس ويبتعدوا عنه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على الثناء بالخير والثناء بالشر.
الجواب: التعبير بمثل هذه العبارة ليس بجيد.
الجواب: كما هو معلوم أن الميت إذا كان في سكرات الموت وروحه تنزع فإنه ليس هناك مجال كي يلقن الشهادة، ولا تنفع في ذلك الوقت، فما ينفعه الإيمان في ذلك الوقت إذا لم يكن قد آمن من قبل، وأما إذا كان يعقل فتذكر عنده لا إله إلا الله؛ حتى يقولها فتكون آخر كلامه.
وأما إذا لم يؤمن قبل ذلك فلن ينفعه أن يؤمن في سكرات الموت، وأما إذا لم يغرغر فإن توبته تقبل، وأما إذا غرغر فلا ينفعه ذلك كما حصل لفرعون؛ فإنه لما قال: آمنت، قيل له: آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91].
الجواب: لا يدخلان في ذلك؛ لأن الرسالة كانت موجودة في عهدهما، وكان هناك مؤمنون على دين إبراهيم، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتحنث على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام قبل أن يبعث، فالدين إذاً كان موجوداً، وهناك من كان متمسكاً به، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنهما في النار.
الجواب: لا يجوز شد الرحل لأجل ذلك، وأما إذا مر الإنسان وتذكر الموت فلا بأس به، ولا يدعو، فإن الفائدة من زيارة قبور الكفرة هي تذكر الموت لا الدعاء لهم.
أما هؤلاء الذين فُتنوا فيعتقدون أنها مؤمنة، فإنهم يذكرون في ذلك أشياء ساقطة ليس لها قيمة، وقد ذكرها بعض العلماء، ومن ذلك: أن الله تعالى أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم فآمنا به!! ولو كان هذا أمراً ثابتاً لنقل، ولصار أمراً خارقاً للعادة يتناقله الناس، ولم يأت شيء صحيح من ذلك، بل الذي جاء من طرق صحيحة أنهما في النار، كما رواه مسلم في صحيحه.
الجواب: نعم تصح، فإذا كان على القبور سور فرآها وشاهدها وسلم عليهم السلام المشروع من خارج السور كفى، وليس بلازم أن يدخل إلى المقبرة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر