قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب اليمين في قطيعة الرحم.
حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب : أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة، فقال: إن عدت تسألني عن القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة، فقال له عمر : إن الكعبة غنية عن مالك، كفر عن يمينك وكلم أخاك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب وفي قطيعة الرحم وفيما لا تملك) ].
قوله: [ باب اليمين في قطيعة الرحم ].
اليمين في قطيعة الرحم لا تجوز، والوفاء بها إذا وقعت لا يجوز، فلو حصل من شخص يمين على قطيعة الرحم فإنه لا يجوز له أن يفي بها، بل يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير.
وقد أورد أبو داود عن سعيد بن المسيب أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة، فقال: إن عدت تسألني عن القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة. أي: أن أحدهما أراد القسمة، والثاني لم يرد القسمة، فقال: إن عدت تسألني عن هذا الذي سألتني عنه فكل مالي في رتاج الكعبة، أي: لمصالح الكعبة، أو وقف على مصالح الكعبة، فقال له عمر : (إن الكعبة غنية عن مالك)، أي: أن هذا الذي حصل لم يحصل إلا من أجل قطيعة رحم، ثم قال: (كفر عن يمينك وكلم أخاك) أي: في الشيء الذي امتنعت منه ولا تستمر على ذلك، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب وفي قطيعة الرحم وفيما لا تملك) أي: أن الإنسان إذا حلف على قطع رحم أو نذر قطع رحم فإنه لا يفي بذلك.
وقوله: (وفي قطيعة الرحم ولا فيما تملك) أي: أن اليمين وكذلك النذر لا يكون من الإنسان في معصية الله، ولا في قطيعة الرحم، ولا في شيء لا يملكه الإنسان، وإنما يكون في شيء يملكه الإنسان وفي طاعة الله وفي غير قطيعة الرحم، واليمين لا يجوز الوفاء بها إذا كانت في قطع الرحم أو في معصية الله، وكذلك النذر، ولكن يجب على الإنسان أن يكفر؛ لأن النذر كفارته كفارة يمين.
وقول عمر : (كفر عن يمينك وكلم أخاك) إن كان أتى بهذا على أساس أن النذر مثل اليمين، فهذا من جنس التحريم الذي جاء في القرآن في قوله تعالى: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] ثم قال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2]، وهو صلى الله عليه وسلم إنما حرم على نفسه شيئاً معيناً حيث قال: إنه لن يأكله أو لن يفعله، وكما جاء في الآية أنه إما أن يتعلق بالأمة والسرية، أو أنه يتعلق بالشيء الذي حرمه على نفسه وهو العسل الذي كان يأكله من بيت إحدى زوجاته فأنزل الله عز وجل: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2].
ويقول الخطابي : إن النذر إذا خرج مخرج اليمين كان بمنزلة اليمين في أن الكفارة تجزئ عنه.
وقد جاء في الحديث: (أن النذر كفارته كفارة يمين).
فقوله: (إن عدت تسألني عن القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة) من قبيل التحريم الذي حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه ألا يأكله وسمي يميناً.
قوله: [ حدثنا محمد بن المنهال ].
محمد بن المنهال ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا يزيد بن زريع ].
يزيد بن زريع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حبيب المعلم ].
حبيب المعلم اختلف في اسم أبيه فقيل: زائدة وقيل: زيد، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن شعيب ].
عمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[ عن سعيد بن المسيب ].
سعيد بن المسيب ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ فقال له عمر ].
هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابي الجليل، ثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث ضعفه الألباني، ولا أدري ما وجه التضعيف، فإن سعيداً روى عن عمر وعثمان وعلي ، ولكنه روى عن أبي بكر مرسلاً، وقد أدرك زمن عمر وأدرك مدة من حياة حياته.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن حدثني أبي عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله وآله وسلم قال: (لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله، ولا يمين في قطيعة رحم) ].
أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله، ولا يمين في قطيعة رحم) أي: لا يحصل هذا ولا هذا، فاليمين لا تكون إلا في قربة وفي طاعة ولا تكون في معصية، وكذلك أيضاً لا تكون في قطيعة رحم، وإنما تكون في أمر مباح وأمر سائغ ومشروع، وأما الأمر المحرم فلا ينذر ولا يحلف فيه، والجميع -كما تقدم- فيه الكفارة.
قوله: [ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ].
أحمد بن عبدة الضبي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن ].
المغيرة بن عبد الرحمن صدوق يهم، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثني أبي عبد الرحمن ].
أبوه عبد الرحمن صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن عمرو بن شعيب عن أبيه ].
عمرو بن شعيب مر ذكره، وأبوه هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو صدوق كابنه أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.
[ عن جده ].
جده عبد الله بن عمرو ، وليس المقصود به جد عمرو، وإنما هو جد شعيب الذي هو عبد الله بن عمرو ؛ لأن أباه محمد بن عمرو ليس صحابياً، وإذا كانت الرواية تنتهي إليه فالحديث يكون مرسلاً، وقد صح أن عمرو بن شعيب سمع من جده عبد الله بن عمرو فهو متصل، ولهذا يأتي في بعض الأحاديث عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهذا معناه: أن أباه شعيباً يروي عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص وليس عن أبيه محمد فيكون مرسلاً منقطعاً. وعبد الله بن عمرو بن العاص هو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا المنذر بن الوليد قال: حدثنا عبد الله بن بكر حدثنا عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة رحم، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها) ].
أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم) أي: أن الإنسان لا ينذر شيئاً لا يملكه بل هو ملك غيره، ولا يحلف على شيء يتعلق بملك غيره، وإنما يكون في الشيء الذي يملكه الإنسان سواء كان نذراً أو يميناً.
وقوله: (ولا في معصية الله) أي: لا ينذر شيئاً في معصية، ولا يحلف على شيء هو معصية.
وقوله: (ولا في قطيعة رحم) كذلك قطيعة الرحم لا نذر ولا يمين فيها.
وقوله: (ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليدعها وليأت الذي هو خير) وهذا عام، فكل من حلف على يمين ورأى غيرها خيراً منها فإنه يدعها ويأتي الذي هو خير، وإذا كانت في أمر محرم أو في معصية فلا شك أن غيرها خير منها، وأما إذا كان في أمر مباح فقد يكون الإقدام والتنفيذ خيراً، وأما إذا كان معصية فالتنفيذ لا يجوز والترك هو المتعين.
وقوله: (فإن تركها كفارتها) هذا لا يدل على أنه لا كفارة على من نذر معصية، ولكن هذا يدل على أن تركها متعين وأن فعلها حرام ولا يجوز الإقدام عليه، وكون الإنسان يتركها من أجل الله يثاب على ذلك، ولكن ذلك لا يغني عن الكفارة، والنذر كفارته كفارة يمين.
وإذا صح قوله: (فإن تركها كفارتها) فالمقصود أن المعصية لا تفعل، كون الإنسان يتركها من أجل الله لا شك أنه مأجور على ذلك وأنه على خير، ولكن كونه حلف فإنه مع تركها عليه الكفارة التي هي كفارة اليمين.
قوله: [ حدثنا المنذر بن الوليد ].
المنذر بن الوليد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود .
[ حدثنا عبد الله بن بكر ].
عبد الله بن بكر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد الله بن الأخنس ].
عبيد الله بن الأخنس صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ].
عمرو بن شعيب وأبوه وجده قد مر ذكرهم.
[ قال أبو داود : الأحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وليكفر عن يمينه) إلا فيما لا يعبأ به ].
أي: أن الأحاديث كلها جاءت في أنه إذا حلف يميناً ولم يفعلها فإنه يكفر عنها، ولا يأتي الذي هو خير إلا فيما لا يعبأ به ولعله يعني في الشيء التافه.
ويمكن أن يكون المعنى: إلا فيما لا يعبأ به من الأحاديث؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث شيء من هذا الذي أشار إليه.
[ قال أبو داود : قلت لـأحمد : روى يحيى بن سعيد عن يحيى بن عبيد الله ؟ فقال: تركه بعد ذلك وكان أهلاً لذلك، قال أحمد : أحاديثه مناكير وأبوه لا يعرف ].
يحيى بن سعيد هو القطان ، ويحيى بن عبيد الله هو ابن عبد الله بن موهب وهو متروك أخرج له الترمذي وابن ماجة .
وقوله: [ فقال: تركه بعد ذلك ].
أي: أن يحيى بن سعيد روى عنه ولكنه تركه بعد ذلك.
وقوله: [ وكان أهلاً لذلك ].
أي: وكان أهلاً لأن يتركه.
وقوله: [ قال أحمد : أحاديثه مناكير وأبوه لا يعرف ].
أي: أن أباه مجهول، ولكن كلمة (مناكير) عند الإمام أحمد لها اصطلاح خاص، فإذا قال: أحاديثه مناكير، فإن كان معروفاً بذلك مثل هذا الذي هو متروك فإنه يكون على الجادة، لكن يقول بعض أهل العلم: إنه يطلق المنكر أو المناكير على ما يكون به التفرد، وأن الراوي إذا تفرد بأشياء عن غيره يقول عنه: أحاديثه مناكير، ولكنها لا تكون مردودة؛ لأن التفرد محتمل، فمن تفرد بأحاديث فإنه يحتمل أن تكون أحاديثه مقبولة، وقد ذكر هذا الحافظ في مقدمة الفتح عند ترجمة بريد بن عبد الله بن أبي بردة، ذكر هذا الاصطلاح عن بعض المحدثين، والذي يظهر أنه لا يقصد بها هنا مجرد التفرد؛ لأن هذا الراوي متروك، ولذا قال: وكان أهلاً للترك.
ولعل المقصود: أنه متروك في أشياء تتعلق بالشيء الذي لا يعبأ به، لكن ما دام أنه قال: كان أهلاً للترك فمعناه: أنه متروك مطلقاً.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن يحلف كاذباً متعمداً.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطالب البينة فلم تكن له بينة، فاستحلف المطلوب فحلف بالله الذي لا إله إلا هو، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بلى قد فعلت، ولكن قد غفر لك بإخلاص قول: لا إله إلا الله) ].
قوله: [ باب فيمن يحلف كاذباً متعمداً ]. هذه الترجمة أتى بها مطلقة، والمقصود: ما حكمه؟ فقد يكون متعمداً ولكنه قد يكون مغفوراً له، ولكن هذا لا يقال في كل أحد، إنما هو في هذا الذي ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام وفي قصة الشخص الذي قال له: (بلى ولكن الله قد غفر لك بإخلاص قول: لا إله إلا الله)، فهذا شيء جاء عن الوحي وعن إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على شيء حصل على خلاف الواقع.
وقوله: (بلى قد فعلت) أي: أن هذا الذي حلفت عليه لست صادقاً فيه وإنما أنت كاذب فيه، ولكن الله غفر لك بأنك قلت: والله الذي لا إله إلا هو، فحينما ذكرت الشهادة مخلصاً كان ذلك كفارة لهذا الإثم الذي حصل منك، لكن هذا لا يقال لكن من يحلف ويقول: والله الذي لا إله إلا هو؛ لأن ذاك حصل به وحي ودل على أنه كان مخلصاً، وأيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إنك كنت مخلصاً، فلا يقاس عليه غيره، ولا يقال: إن غيره يكون كذلك، ولا يقال: إن هذا حكم عام، بل هذا حكم مقصور ومخصوص فيما ورد؛ لأن فيه حصول شيء عن طريق الوحي وهو أنه أخبر بأنه قد فعل وأنه ليس صادقاً فيما حلف عليه، بل هو كاذب فيما حلف عليه، ولكن هذا الكذب غفر له بسبب هذا الذي أضافه إلى اليمين من الإخلاص لله عز وجل.
والحديث في إسناده رجل متكلم فيه وهو عطاء بن السائب، فإنه اختلط، والشيخ ناصر صححه، ولعله لوجود شواهد له، فيكون قد جاء عن ابن عباس وجاء عن غيره، فقد جاءت قصص أخرى فيها أن جبريل نزل وقال له كذا وكذا، فيمكن أن يكون هذا التصحيح مع وجود هذا الرجل المختلط للشواهد الأخرى التي جاءت من طرق أخرى غير هذه الطريق، وقد أشار إليها في عون المعبود، فإنه ذكر حديث ابن عباس وحديثاً آخر أيضاً بهذا المعنى.
[ قال أبو داود : يراد من هذا الحديث أنه لم يأمره بالكفارة ].
أي: فيما حلف عليه، ولعل اليمين لم تكن معقودة على أمر وإنما على خبر، ومعلوم أن اليمين التي على خبر هي اليمين الغموس ولا كفارة فيها، وليس فيها إلا الاستغفار والتوبة كما ذكرنا ذلك فيما مضى، وإنما الكفارة تكون في الأمر المستقبل الذي يقول فيه: والله لأفعلن أو والله لا أفعل، ثم يحنث، وأما ذاك فهو إما صادق فيما أخبر به ويكون سالماً من الإثم، وإما كاذب فيأثم لحصول الكذب منه، فهنا لم يأمره بكفارة لأن هذا المجال ليس مجال كفارة؛ لأنه ليس على أمر مستقبل، ولم تكن يمينه معقودة على أمر يفعله أو لا يفعله، وإنما هي مبنية على الإخبار: والله ما حصل كذا أو والله إنه حصل كذا.
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو ابن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحماد إذا جاء غير المنسوب ويروي عنه موسى بن إسماعيل فالمراد به حماد بن سلمة وليس المراد حماد بن زيد ؛ لأن حماد بن زيد وحماد بن سلمة قرينان، وهما في وقت واحد، وهما بصريان ومتفقان في الشيوخ والتلاميذ كثيراً، ولهذا يأتي في تراجم بعض الرواة: روى عن الحمادين إذا كانا في شيوخه، وإذا كانا من تلاميذه يقال: روى عنه الحمادان.
وقد اختص بعض الرواة بالرواية عن أحدهما دون الآخر، فإذا جاء موسى بن إسماعيل يروي عن حماد غير منسوب, فالمراد به حماد بن سلمة , وإذا جاء سليمان بن حرب يروي عن حماد غير منسوب, فالمراد به حماد بن زيد , وقد ذكر المزي في تهذيب الكمال بعد ترجمة حماد بن سلمة فصلاً ذكر فيه بعض التلاميذ الذين إذا رووا عن حماد فالمراد حماد بن زيد ، وإذا روى غيرهم عن حماد فالمراد حماد بن سلمة , وهذا الذي هنا هو من هذا القبيل؛ لأن موسى بن إسماعيل يروي عن حماد بن سلمة ، فحيث جاء مهملاً فالمراد به حماد بن سلمة , وحماد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقا ومسلم وأصحاب السنن.
[ أخبرنا عطاء بن السائب ].
عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري مقروناً وأصحاب السنن, والذين رووا عنه قبل الاختلاط روايتهم صحيحة, والذين رووا عنه بعد الاختلاط أو رووا قبل الاختلاط وبعده, ولم يتميز، فروايتهم لا يعتد بها, وحماد بن سلمة ممن روى عنه قبل الاختلاط وبعد الاختلاط, بخلاف فـحماد بن زيد فقد روى عنه قبل الاختلاط, فإذا روى عن عطاء بن السائب فروايته صحيحة, وأما حماد بن سلمة فروى عنه قبل الاختلاط وبعد الاختلاط, وعلى هذا فروايته عنه فيها نظر.
ولكن لعل التصحيح الذي ذكرت عن الشيخ ناصر رحمه الله هو للشواهد الأخرى التي جاءت في هذا المعنى.
[ عن أبي يحيى ].
هو زياد المكي الأعرج ، وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي .
[عن ابن عباس ].
ابن عباس رضي الله عنه قد مر ذكره.
السؤال: هل الكفارة تكون في اليمين التي على المستقبل فقط؟
الجواب: نعم, لا تكون إلا في يمين معقودة على أمر مستقبل, وأما اليمين على الخبر, فإن صدق المتكلم فيسلم من الذنب، وإن كذب فهي يمين غموس.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقسم) جاء في رواية البخاري ومسلم : (والله لتحدثني يا رسول الله! فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تقسم) فقوله هنا: (لا تقسم) فيه اختصار.
السؤال: هل يجوز الحلف بصيغة: وحق الله, وعهد الله، والقديم الأزلي؟
الجواب: لا يجوز ذلك؛ لأن العهد مثل الأمانة, وحق الله هو العبادة.
وأما القديم الأزلي فيمكن؛ لأن الله عز وجل قديم أزلي, وهو بهذا قد حلف بالله, وإن كانت كلمة القديم لم تأت في أسماء الله, وكذلك الأزلي، ولكن لا شك أن الله تعالى لا بداية له.
السؤال: هل يجزئ في كفارة اليمين إطعام مسكينين خمس مرات؟ وهل يلزم إخبارهم أن هذا الطعام كفارة يمين؟
الجواب: إذا كان المساكين موجودين فيطعم عشرة, وإذا كان لا وجود لهم, أو كانوا قليلين فيمكن أن يعطي خمسة منهم طعام يومين, أو يعطيهم في كل يوم طعاماً لمدة يومين.
وأما إذا كان المساكين كثيراً فيطعم عشرة حتى يفيد عدداً لا أن يفيد شخصاً واحداً أو شخصين.
ولا يلزم أن يخبرهم أنه طعام كفارة ما دام أنه يعرف أنهم مستحقون له.
السؤال: من هو المسكين في هذا العصر؟
المسكين في هذا العصر وفي كل عصر: هو الذي ليس عنده شيء يكفيه, فالفقير والمسكين: هما اللذان لا يجدان كفاية لهما, وهما بحاجة إلى إحسان المحسنين, والفرق بين الفقير والمسكين: أن الفقير أشد حاجة, قالوا: إن الفقير هو الذي لا يجد شيئاً أصلاً, والمسكين هو الذي يجد شيئاً لا يكفيه.
السؤال: إذا قال شخص: والله! إن رزقني الله مالاً لأتصدقن، فهل هذا نذر فيما لا يملكه؟
الجواب: هذا مثل النذر، كأن يقول: إن شفى الله مريضي لأفعل كذا, وقوله: إن رزقني الله مالاً لأتصدقن بكذا من هذا القبيل.
السؤال: في عون المعبود عند قوله: (يا مقلب القلوب) قال الحافظ : فيه جواز تسمية الله تعالى بما ثبت من صفاته على الوجه الذي يليق به، فما وجهه؟
الجواب: وجه: أن الله يقال له: مقلب القلوب, يطلق عليه ذلك, ولكن هل من أسماء الله المقلب؟ الله أعلم؛ لأن هذا مقيد بالقلوب, والأصل في الأسماء أنها تأتي مطلقة بدون تقييد.
السؤال: في بعض الأحيان يحلف الإنسان وهو لا يريد الشيء المحلوف عليه, فما حكم يمينه؟
الجواب: ما دام أنه حصل منه عقد على شيء مستقبل فالأصل أنه يمين؛ لأن الأصل أن الإنسان يحلف على شيء يريده.
السؤال: ما العمل إذا وجد الشخص أشياء مما يعمله الكهنة والمشعوذون؟ وهل له أن يقوم بإحراقه أو سكب الماء عليه وإتلافه؟
الجواب: الأشياء المحرمة يتلفها الإنسان بأي طريقة, سواء بحرقها أو دفنها أو تمزيقها أو غير ذلك، المهم أنه يزيلها ويتلفها.
السؤال: هل هذه العبارة صحيحة: المدينة منبع من منابع العلوم الشرعية, أم أن الصحيح منبع العلوم الشرعية هو الكتاب والسنة فقط؟
الجواب: معلوم أن الكتاب والسنة هما الينبوع الصافي النقي، ولكن إذا أريد به أن المدينة حصل فيها نزول الوحي وشع منها النور, وانتشر منها الهدى، فهذا معنى صحيح, وذلك من ناحية أن مكة والمدينة هما بلدا الوحي ومهبطاه, وقد حصل هذا النور وهذا الينبوع فيهما، ولا شك أن ذلك هو الحق والهدى الذي هو كتاب الله وسنة رسوله, فكتاب الله وسنة رسوله إنما كانا في مكة والمدينة, والرسول صلى الله عليه وسلم كان في مكة ثم كان في المدينة, وسور القرآن منها ما هو مكي ومنها ما هو مدني.
فالمدينة لا شك أنه شع منها النور وخرج منها الخير, وانطلق منها الهداة المصلحون, ولكن الشيء الذي خرج به الناس من الظلمات إلى النور هو الوحي الذي هو كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإذا أريد: أنه ظهر منها الحق والهدى, وأنه انطلق الهداة المصلحون من المدينة, وأن الكتاب والسنة إنما نزل في مكة والمدينة, وأن كل ما حصل للناس مما فيه السعادة إنما خرج من مكة والمدينة، فلا شك أن الذي خرج من مكة والمدينة هو الحق والهدى، بخلاف الذي خرج من المدن الأخرى من مناهج وطرق جديدة محدثة ليس لها أساس من الدين.
السؤال: كيف أضعف خالد القسري الصاع وهو يعلم أن الأحكام متعلقة به كالكفارات والزكوات؟
الجواب: لا أدري، لكن يمكن أن يكون هذا بعد أن عرف أن مقدار صاع الرسول صلى الله عليه وسلم هو خمسة أرطال وثلث، فجعله ستة عشر رطلاً، والذي يتعلق به الأحكام هو ثلث هذا الصاع الكبير؛ لأنه ما دام أنه قد عرف مقدار صاع الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه خمسة أرطال وثلث, فكونه جعله ستة عشر لعله من أجل أن الناس إذا أرادوا أن يكيلوا يكيلون بسرعة؛ لأن المال كثير، وبدلاً من أن يكيل ثلاثة آصع يكيل صاعاً مرة واحدة، فلعل هذا من ناحية الكيل، ولكنه من ناحية الحكم ما دام أنه معروف أن صاع الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة أرطال وثلث فمعنى ذلك أن الكفارة إذا أخرجت بهذا الصاع تصير ثلاث كفارات, أو ست كفارات على اعتبار أن الكفارة نصف صاع.
السؤال: هل يصح تقدير الكيل بالوزن؛ لأن الكيل من كل صنف من الحبوب أو الزيوت أو غيرها يختلف حسب وزن ذلك الصنف؟
الجواب: يمكن أن يقدر، لكن الوزن يختلف بالنسبة للأشياء، فصاع من شيء خفيف لا يعادل صاعاً من شيء ثقيل؛ بل يتفاوت، فيمكن أن يستعمل الوزن مكان الكيل إذا عرف وزن الكيل، فمثلاً: إذا كان الصاع من البر أو من الأرز ثلاثة كيلو فلا يحتاج إلى أن يكال الصاع، وإنما يكفي معرفة الوزن, وهكذا لو كان هناك وعاء يسع عشرة كيلو من الأرز، ونحو ذلك.
السؤال: هل كفارة اليمين صاع أو نصف صاع؟
الجواب: كفارة اليمين نصف صاع لكل مسكين، فيطعم عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع, أي: خمسة عشر كيلو.
السؤال: في رؤيا أبي داود لـمحمد بن خلاد إذا فسر الوقف بالوقف في خلق القرآن، فهل تعتبر هذه الرؤيا تخفيفاً من شأن هذه البدعة وأنها ليست منكرة؟
الجواب: هذه البدعة لا شك أنها منكرة, وكون الله عز وجل تجاوز عنه وعفا عنه لا يدل على عدم شناعتها؛ لأن الله عز وجل يغفر كل شيء دون الشرك.
السؤال: هل يصح الاستثناء إن لم يتلفظ به وإنما نواه بقلبه؛ لأنه ما لم يرد أن يسمعه المحلوف له؟
الجواب: لا ينفع الاستثناء بالقلب؛ لأنه لا بد من الكلام.
السؤال: في سؤاله صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء), هل تأتي (في) بمعنى فوق؟
الجواب: (في) تأتي بمعنى على, كما قال الله عز وجل في قصة موسى مع السحرة وفرعون: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71] أي: على جذوع النخل؛ لأنه ليس المعنى أنه يشق جذوع النخل ويدخلهم فيها, وإنما يصلبهم عليها.
فلو أريد به السماء المبنية فإن (في) بمعنى على, لكن هناك شيء أوضح من هذا وهو أن المراد بالسماء: العلو, وليس المراد بها السماء المبنية.
السؤال: هل يستفاد من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ ومن أنا؟) جواز اختبار بعض الناس لمعرفة عقيدتهم وكذلك لمعرفة منهجهم بسؤالهم بعض الأسئلة؟
الجواب: السؤال هناك حصل لمعرفة كونها من أهل الإيمان، فإذا كانت هناك حاجة إلى معاملة إنسان أو إلى مداخلة إنسان فيمكن للإنسان أن يحتاط في التعرف عليه بسؤاله عما يحتاج إلى معرفته.
السؤال: هل الذي ينكر صفة العلو يعد كافراً بدون قيام الحجة عليه لأجل أن دلالة العلو دلالة نقل وعقل وفطرة؟
الجواب: لا شك أن علو الله عز وجل دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول وكذلك الفطرة، وهذه أدلة كلها متوفرة على ذلك, لكن الإنسان قد يكون عنده شيء من اللبس أو شيء يشوش عليه من بعض المبتدعة، كما حصل لكثير من الناس الذين ابتلوا بترك عقيدة الفطرة التي عليها أهل السنة والجماعة, فكونه تقام عليه الحجة ويبين له الحق هذا أمر لا بد منه.
السؤال: هل يدخل الأشاعرة في مسمى أهل السنة؟
الجواب: لا يدخلون؛ لأن أهل السنة والجماعة هم من وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (من كان على ما أنا عليه وأصحابي), والأشاعرة ليسوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ولما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الفرق قال: (كلها في النار إلا واحدة) ومعلوم أن أصحاب هذه الفرق كلهم مسلمون، لكن منهم فرقة واحدة سالمة من العذاب؛ لأنها على الجادة، وبقية تلك الفرق منحرفة عن الجادة مع تفاوتها في القرب والبعد، ولكنها كلها مستحقة للوعيد.
إذاً: الأشاعرة ليسوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالصحابة لم يكونوا يعرفون هذه العقيدة التي عليها الأشاعرة، فإنها إنما جاءت بعدهم.
السؤال: إذا قيل: أهل السنة في مقابل الرافضة فهل يدخل الأشاعرة حينئذٍ في أهل السنة؟
الجواب: إذا كان المقصود المقابلة بين السنة والشيعة, فهم داخلون في السنة؛ لأنهم ليسوا من الشيعة, ولكن السنة التي هي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الرسول وأصحابه ليسوا عليها, وأما كونهم ليسوا شيعة, فنعم ليسوا بشيعة, بل هم مخالفون للشيعة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر