حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد حدثنا غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير. أو قال: إلا أتيت الذي هو خير وكفرت يميني)].
قوله: [باب في الرجل يكفر قبل أن يحنث], أي: عندما يحلف على يمين, ويرى أن الخير في ترك اليمين والتكفير, فهل يكفر قبل أن يحصل الحنث الذي هو فعل الشيء الذي حلف ألا يفعله, أم أنه لا يكفر إلا بعد الحنث؟
والجواب: أنه يجوز للإنسان أن يكفر قبل الحنث وبعده, فإذا كانت المصلحة في غير ما حلف عليه, فإنه يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير, أو يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه, فكل ذلك سائغ.
ومن أهل العلم من قال: إنه لا يكفر قبل الحنث؛ لأنه لا تجب الكفارة إلا بالحنث, فإذا وجد الحنث لزمت الكفارة, وقبل الحنث فالكفارة غير لازمة, لكن جاء في بعض الأحاديث تقديم الكفارة وفي بعضها تقديم الحنث, وذلك يدل على جواز التقديم والتأخير بين الحنث والكفارة, فالحانث له أن يكفر قبل أن يحنث, وله أن يحنث قبل أن يكفر.
وقد أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير).
وهذا فيه الإتيان بالكفارة أولاً، والحنث ثانياً.
وقوله: (أو قال: إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني)، هذا شك من الراوي، لكن جاء في بعض الأحاديث ما يدل على تقديم الحنث على الكفارة, وجاء في بعضها ما يدل على تقديم الكفارة ثم الحنث, وذلك في العطف بثم، وهذا يدل على أن الكفارة يجوز أن تقدم على الحنث وأنه ليس الأمر كما قال بعض أهل العلم: إنه لا تقدم الكفارة على الحنث؛ لأنها لا تجب, فكون الإنسان يقدم الكفارة ثم يحنث لا بأس بذلك.
سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو ابن زيد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة, وهنا جاء حماد غير منسوب, وإذا جاء سليمان يروي عن حماد فهو حماد بن زيد , وقد مر قريباً أن موسى بن إسماعيل إذا روى عن حماد, فهو حماد بن سلمة .
إذاً: يعرف المهمل برواية التلاميذ عن ذلك المهمل؛ لأن الشخص إذا ذكر باسمه ولم يذكر نسبه يقال له في علم المصطلح: مهمل, أي: أهمل عن النسبة فلم ينسب, فصار محتملاً لشخصين أو أكثر مثل: حماد، فهذا يقال له: المهمل.
ومعرفة المهمل تكون بمعرفة التلاميذ، فإذا جاء سليمان بن حرب يروي عن حماد فهو ابن زيد, وإذا جاء موسى بن إسماعيل يروي عن حماد فهو ابن سلمة .
[ حدثنا غيلان بن جرير ].
غيلان بن جرير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بردة ].
هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, واسمه عبد الله بن قيس الأشعري، وهو مشهور بكنيته, وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
فذكر الرجال سواء كان في كلام العلماء في التراجم كما هو هنا, أو في غير ذلك في الأمور التي ليس فيها دليل على اختصاص الرجل بها عن النساء فالحكم للرجال والنساء جميعاً, وكذلك يأتي في الأحاديث ذكر أحكام مضافة إلى الرجال وليس المقصود اختصاص الرجال بتلك الأحكام, بل النساء كذلك.
والأصل: هو أنه لا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام إلا إذا وجد تمييز بين الرجال والنساء في الأحكام بأن قيل: هذا الحكم للرجال, وهذا الحكم للنساء، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) أي: في الصلاة, ومثل قوله: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام) وغير ذلك, هذا إذا جاء شيء يميز الرجال على النساء, أو النساء على الرجال, فالمعتبر الأدلة, والأصل هو عدم التفريق حتى يوجد دليل, ولهذا يأتي ذكر الرجل في الأحاديث وليست خاصة به، كقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) فكلمة (رجل) هذه لا مفهوم لها، فلا تخرج منها المرأة, بل المرأة مثل الرجل في ذلك، فإذا كانت معتادة أن تصوم يوم الإثنين ووافق يوم الثلاثين من شعبان فلها أن تصوم, فليس الحكم خاصاً بالرجال دون النساء.
وكذلك مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به)، وكذلك لو وجد متاعه عند امرأة قد أفلست فهو أحق به من الغرماء.
والحاصل: أن ذكر الرجال في كلام العلماء وكذلك في بعض الأحاديث إنما هو لأن الخطاب في الغالب مع للرجال, لا لأن هذا حكم يخص الرجال دون النساء.
وأما ما ذكره الخطابي عن الشافعي أنه قال: وإن كفر بالصوم قبل الحنث لم يجزه, وإن كفر بالطعام أجزأه, واحتج أصحابه في ذلك بأن الصيام مرتب على الإطعام فلا يجوز إلا مع عدم الأصل، كالتيمم لما كان مرتباً على الماء لم يجز إلا مع عدم الماء.
فهذا إذا كان الإنسان لا يقدر على الإطعام، ولا يقدر على العتق, ولا يقدر على الكسوة، فله أن يتحول إلى الصيام، فلا فرق بين هذا وهذا, فلا يجوز للإنسان أن يكفر بالصيام إذا كان يستطيع التكفير بغيره.
أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (إذا حلفت على يمين ورأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر يمينك)، فذكر الحنث قبل الكفارة, وقد تقدم أن كل ذلك جائز, فكون الكفارة قبل الحنث أو بعده كل ذلك صحيح.
محمد بن الصباح البزاز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا هشيم ].
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا يونس ].
هو يونس بن عبيد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
منصور بن زاذان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ومنصور بن زاذان هذا ذكر في ترجمته عن بعض أهل العلم أنه قال: لو أن منصور بن زاذان قيل له: إن ملك الموت بالباب ما أمكنه أن يزيد شيئاً في عمله؛ لأنه ملازم التقوى والعمل الصالح, ومداوم على ذلك, أي: أنه لا يستطيع أن يأتي بشيء جديد, فلا يهتم ويستعد، وإنما تكون حالته بعد أن قيل له هذه المقالة مماثلة لحالته قبلها, ولا يكون بإمكانه أن يأتي بزيادة عمل؛ لأنه ملازم للتقوى, وهذا يدل على صلاحه وتقواه, وقد مر قريباً كلمة تدل على صلاح رجل مماثل له وهو إبراهيم بن ميمون الصائغ, فقد كان صائغاً، وكان إذا رفع المطرقة ثم سمع النداء للصلاة طرحها وترك الضرب على الشيء الذي يصوغه ويشتغل فيه, ثم يقوم إلى الصلاة.
[عن الحسن ].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن سمرة ].
عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه صحابي, وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ذكر أبو داود هذا عن أحمد ؛ لأنه جاء عن بعض أهل العلم المنع من ذلك, وأنه لا تقع الكفارة قبل الحنث؛ لأن الوجوب إنما يكون بالحنث, ولكن كونها تقدم لا بأس بذلك؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث تقديم الكفارة وفي بعضها تقديم الحنث فكل ذلك سائغ.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن سمرة وهو مثل الذي قبله, إلا أن فيه تقديم الكفارة على الحنث, فالرواية السابقة فيها تقديم الحنث على الكفارة, وهنا: تقديم الكفارة على الحنث, وكل ذلك صحيح.
يحيى بن خلف صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ حدثنا عبد الأعلى ].
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سعيد ].
هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة ].
الحسن وعبد الرحمن بن سمرة قد مر ذكرهما.
ذكر أبو داود: أن أحاديث أبي موسى الأشعري وعدي بن حاتم وأبي هريرة في بعضها تقديم الكفارة على الحنث, وفي بعضها تقديم الحنث على الكفارة, وهذا مثل هذا الذي مر في حديث عبد الرحمن بن سمرة ؛ فحديث عبد الرحمن بن سمرة جاء من طريقين: الطريق الأولى فيها تقديم الحنث على الكفارة, والطريق الثانية فيها تقديم الكفارة على الحنث, وحديث أبي موسى الذي مر فيه: (إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) أو: (إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني)، وكذلك حديث عدي بن حاتم, وحديث أبي هريرة كلها فيها هذا وهذا, وهذا يدل على جواز الأمرين وأنه لا بأس بتقديم الكفارة على الحنث, أو تقديم الحنث على الكفارة.
قوله: [ وعدي بن حاتم ].
عدي بن حاتم صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[وأبي هريرة ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
وفي عون المعبود ذكر أن حديث أبي موسى في الصحيحين، وحديث عدي بن حاتم في مسلم وحديث أبي هريرة في مسلم أيضاً.
وقول أبي داود : (روي عن كل واحد منهم) بصيغة التمريض ليس المقصود التمريض؛ لأن الحديث في الصحيحين أو أحدهما, وإنما فيه الإشارة إلى حصول الرواية؛ لأنه لم يذكر الذي روى عنهم, وإنما بنى ذلك للمجهول، فليس المقصود من ذلك أنها صيغة تمريض.
حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على أنس بن عياض قال: حدثني عبد الرحمن بن حرملة عن أم حبيب بنت ذؤيب بن قيس المزنية وكانت تحت رجل منهم من أسلم ثم كانت تحت ابن أخ لـصفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حرملة : فوهبت لنا أم حبيب صاعاً، حدثتنا عن ابن أخي صفية عن صفية رضي الله عنها أنه صاع النبي صلى الله عليه وسلم. قال أنس : فجربته أو قال: فحزرته فوجدته مدين ونصفاً بمد هشام .]
قوله: [باب كم الصاع في الكفارة؟].
أي: مقدار الصاع في الكفارة، ومعلوم أن الصاع في الزكاة وفي الكفارات وغير ذلك هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو مقدار النصاب، وهو ثلاثمائة صاع؛ لأن النصاب خمسة أوسق, والوسق ستون صاعاً، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق فيما يتعلق بالوضوء والغسل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد, وأن المد هو ربع الصاع, وأن الصاع أربعة أمداد، وقالوا: إن المد مقدار ملء اليدين المتوسطتين، فملؤهما يقال له: مد, وأربعة أمداد هي الصاع.
وقد جاء في بعض الأحاديث فيما يتعلق بكفارة لبس المخيط أو الحلق في الحج أنها كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, أو صيام ثلاثة أيام) فتكون الكفارة لكل مسكين نصف صاع، ونصف الصاع مدان.
وقد أورد أبو داود حديث صفية بنت حيي رضي الله عنها زوج الرسول صلى الله عليه وسلم, وفيه أن أم حبيبة وهبت صاعاً وروت عن ابن أخي صفية عن صفية أنه صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أنس بن عياض شيخ شيخ أبي داود حزره وقدره فوجده مدين ونصفاً.
وقوله: (بمد هشام) يعني: هشام بن عبد الملك الخليفة.
ومعلوم أن الصاع هو أربعة أمداد كما جاء في الأحاديث، وليس مدين, ومعلوم أن الآصع تختلف والناس يختلفون في الزيادة والنقصان، ولكن المعتبر هو صاع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أربعة أمداد.
وهذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه من هو متكلم فيه.
هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[قال: قرأت على أنس بن عياض ].
أنس بن عياض ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني عبد الرحمن بن حرملة ].
هو عبد الرحمن بن حرملة المدني، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أم حبيب بنت ذؤيب بن قيس المزنية ].
أم حبيب بنت ذؤيب المزنية مستورة، أي: مجهولة الحال, أخرج لها أبو داود.
قوله: [وكانت تحت رجل منهم من أسلم، ثم كانت تحت ابن أخي لـصفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن حرملة : فوهبت لنا أم حبيب صاعاً حدثتنا عن ابن أخي صفية ].
ابن أخي صفية لا يعرف، أخرج له أبو داود .
وأم حبيب هي زوجته.
[عن صفية ].
صفية أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود هذا الأثر عن محمد بن محمد بن خلاد قال: كان عندنا مكوك يقال له: مكوك خالد، وكان كيلجتين بكيلجة هارون، قال محمد : صاع خالد صاع هشام .]
محمد هو محمد بن محمد بن خلاد, وهذا أثر موقوف على محمد بن محمد بن خلاد ، والمكوك مكيال, ومكوك على وزن (تنُّور) كما في القاموس.
وقوله: [يقال له: مكوك خالد ].
وخالد لا أدري من هو، وقد يكون خالد بن عبد الله القسري المذكور في الأثر الآتي.
وقوله: [وكان كيلجتين بكيلجة هارون ].
الكيلجة: مقدار مكيال، وهارون هذا شخص من الناس الله أعلم من هو.
وقوله: [قال محمد : صاع خالد صاع هشام، يعني ابن عبد الملك ].
أي: أن صاع خالد هذا المذكور هنا هو صاع هشام بن عبد الملك الذي مر في الأثر الذي قبل هذا.
وقوله: [حدثنا محمد بن محمد بن خلاد أبو عمر ].
هو محمد بن محمد بن خلاد الباهلي، وهو ثقة أخرج له أبو داود.
هذا قد يوضح الرواية الأولى؛ لأن الرواية عن محمد بن خلاد لم ينسب فيها خالداً , وهنا نسبه.
وقوله: [ لما ولي خالد القسري ] خالد القسري ولي الحجار ثم ولي الكوفة.
وقوله: [ أضعف الصاع ] أي: زاد فيه حتى بلغ ستة عشر رطلاً, والمعروف أن صاع الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة أرطال وثلث، كما جاء ذلك عن مالك بن أنس في مناظرة جرت بينه وبين أبي يوسف، فأخرج صاعاً وقدروه فإذا هو خمسة أرطال وثلث, فرجع أبو يوسف إلى قول مالك .
وهذا يعني أنه أضعفه أكثر من الضعفين؛ لأن صاع النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أرطال وثلث، وهذا جعله ستة عشر رطلاً، أي: أنه جعله ثلاثة أضعاف صاع النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ حدثنا محمد بن محمد بن خلاد عن مسدد ].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[عن أمية بن خالد ].
أمية بن خالد صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
[قال أبو داود : محمد بن محمد بن خلاد قتله الزنج صبراً فقال بيده هكذا. ومد أبو داود يده وجعل بطون كفيه إلى الأرض، قال: ورأيته في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أدخلني الجنة، فقلت: فلم يضرك الوقف].
هذا الكلام ذكره أبو داود وهو يتعلق بـمحمد بن خلاد وهو شيخه الذي يروي عنه, وقال: إنه قتله الزنج صبراً، وقد تقدم أن اليمين المصبورة هي التي يحبس عليها الإنسان, وقد قالوا: كل قتل ليس في قصاص ولا في جهاد في سبيل الله ولا خطأ يقال له: صبر؛ لأن فيه تعمداً وحبساً على القتل.
وقوله: [فقال بيده هكذا، ومد أبو داود يده وجعل بطون كفيه إلى الأرض].
لا أدري ما هو المقصود بهذه الإشارة.
وقوله: [ ورأيته في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أدخلني الجنة, فقلت: فلم يضرك الوقف].
قال الشارح: لعل المقصود بذلك كونهم وقفوه أو حبسوه للقتل.
وهنا يأتي احتمال آخر وهو: أنه كان ممن وقف في فتنة خلق القرآن، وهذا مذكور في ترجمته في تهذيب التهذيب، لكن الله أعلم بثبوت ذلك عنه.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الحجاج الصواف حدثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! جارية لي صككتها صكة، فعظم ذلك عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها. قال: فجئت بها، قال: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة).]
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي [باب الرقبة المؤمنة]، أي: في الكفارة, يعني: هل يشترط وصف الإيمان للرقبة التي تعتق أم أنه يعتق أي رقبة ولو كانت كافرة؟ فمثلاً: جاء في كفارة اليمين أنها عتق رقبة ولكنها جاءت مطلقة في القرآن, غير مقيدة بالإيمان, وكذلك جاء في كفارة الظهار عتق رقبة وجاءت غير مقيدة, ولم تأت مقيدة بالإيمان إلا في كفارة القتل, فجمهور العلماء حملوا المطلق على المقيد, وقالوا: إن النفس التي تعتق تكون مؤمنة, ومن أهل العلم من أجاز أن تكون كافرة, ولكن الجمهور على أنها لابد أن تكون مؤمنة ولا يجوز أن تكون كافرة.
ولا شك أن القول بأنها لابد أن تكون مؤمنة هو القول الذي يجعل الإنسان يطمئن أنه قد أبرأ ذمته في الكفارة، والقول بإعتاق الرقبة الكافرة لا يكون فيه اطمئنان إلى براءة الذمة.
إذاً: القول بحمل المطلق على المقيد كما جاء في القرآن هو الذي فيه السلامة والاطمئنان إلى براءة الذمة.
وقد أورد أبو داود حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه كانت له جارية, وكانت ترعى غنماً، فجاء الذئب وأخذ شاة منها, ثم جاء وسأل عنها, فقالت: أخذها الذئب، فصكها، ثم ندم وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فعظم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, أي: أخبره أن ضرب الجارية وصكها أمر عظيم، فقال: ألا أعتقها يا رسول الله؟! قال: (ائتني بها. فأتاه بها, فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة).
فلما قالت: (إن الله في السماء) حكم الرسول صلى الله عليه وسلم بإيمانها وأقرها على ذلك، وهذا كقول الله عز وجل: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] والمراد بالسماء: العلو, وليس المراد به السماء المبنية أو السموات السبع, فإن الله لا يحويه شيء مخلوق، وإنما هو فوق العرش بائن من خلقه لا يحويه شيء من مخلوقاته.
فالمقصود بقوله: (في السماء) أي: في العلو, ومعلوم أن العلو يطلق على كل ما علا الإنسان، فكل ما فوق الإنسان يقال له: علو، والسماء المبنية والتي هي شيء وجودي هي مخلوقة، والله عز وجل لا يحويه شيء مخلوق, فلا يقال: إنه في السماء وإن السموات تحويه؛ لأنه سبحانه وتعالى فوق العرش, وإنما المقصود بالسماء العلو, وما فوق العرش يقال له: علو, ويقال له: سماء.
إذاً: الله سبحانه وتعالى في السماء أي: فوق العرش, وليس في السماء دون العرش, أي: السماء المبنية.
وهذه العقيدة التي قالتها هذه الجارية هي عقيدة الفطرة التي فطر الله الناس عليها, والناس الذين لم يتعلموا علم الكلام ولم يبتلوا به لم يخرجوا عن الفطرة, فعقيدة الفطرة هي عقيدة هذه الجارية التي قالت: (إن الله في السماء)، ولهذا جاء عن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه أنه سأله رجل عن شيء من الأهواء, فقال له: (الزم عقيدة الصبي والأعرابي واله عما سوى ذلك)، أي: لأن الصبي والأعرابي على الفطرة, والذي يكون على الفطرة تكون عقيدته هي العقيدة الصحيحة, وأما الذين اعتقدوا شيئاً مخالفاً لهذه العقيدة فإنما جاءهم البلاء بخروجهم عن الفطرة, وخروجهم عن هذه العقيدة الحقة الصحيحة السليمة التي دل عليها كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعض المتكلمين الذين ابتلوا بعلم الكلام منهم من آل أمره إلى الندم والحيرة بعد توغله في علم الكلام وتمكنه منه, وقد جاء عن الرازي -وهو ممن تمكن من علم الكلام- أنه قال: الفائز من كان على عقيدة العجائز، يعني: العوام.
وجاء عن أبي المعالي الجويني أنه قال: أموت على عقيدة عجائز نيسابور.
وهذا يعني أن المتكلمين الذين ابتلوا بعلم الكلام منهم من آل أمره إلى الحيرة, وبعد ذلك تبين له أن الفطرة والشيء الذي عليه العوام هو الحق والهدى, وأن هذا العلم الذي تعلموه وخرجوا به عن الفطرة أوقعهم في الحيرة والندم, ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية, وشارح الطحاوية، والشهرستاني وغيرهم مقولات عديدة عن جماعة من المتكلمين، منهم الرازي والجويني وابن أبي الحديد, نقلوا عنهم ما يدل على حيرتهم وندمهم, وفيهم من صرح بأن السلامة إنما هي في عقائد العوام وفيما عليه العوام, وهذا هو الذي قال عنه عمر بن عبد العزيز : (الزم عقيدة الصبي والأعرابي واله عما سوى ذلك), يعني: ابتعد عما سوى ذلك.
وفي هذا الزمان انتشر مذهب الأشاعرة, ومذهب الأشاعرة ليس هو مذهب أهل السنة والجماعة؛ لأن الأشاعرة يثبتون سبع صفات, والسبع الصفات التي أثبتوها لم تسلم من التأويل, كصفة الكلام، وهي واحدة من السبع, وما سوى ذلك يؤلونه.
وهذه العقيدة التي ابتلي بها كثير من الناس سبب ذلك هو دراستها، فإنهم درسوها فخرجوا عن الفطرة التي هي عقيدة العجائز والعوام، ولهذا يقول بعض الناس في هذا الزمان: إن 95% من المسلمين أشاعرة, وهذا كلام ليس بصحيح؛ لأن الأشاعرة هم المتعلمون الذين درسوا مذهب الأشاعرة, وأما العوام وهم الأكثرية الكاثرة فهم على الفطرة, ولم يخرجوا عن الفطرة، وإنما خرج عنها الذين تعلموا هذه العقيدة التي خرجوا بها عن الفطرة, وإلا فالذين بقوا على الفطرة -وهم الأكثرية- ليسوا أشاعرة, بل الأشاعرة هم الذين درسوا في مؤسسات تدرس عقيدة الأشاعرة.
والحاصل: أن هذا الحديث في سؤال الرسول إياها وأنها قالت: في السماء، فيه إثبات صفة العلو لله عز وجل، وهو مثل ما جاء في القرآن: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ [الملك:16], والمقصود بذلك: العلو, والله تعالى عالٍ على خلقه, وفوق عرشه المجيد بذاته سبحانه وتعالى، فله علو القدر وعلو القهر وعلو الذات سبحانه وتعالى.
وقوله: (فإنها مؤمنة) فيه إشارة إلى أن الرقبة التي تعتق تكون مؤمنة.
وبعض المتكلمين من الأشاعرة يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب الجارية على قدر عقلها! وهذا كلام باطل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء, قال: أعتقها فإنها مؤمنة)، فحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بإيمانها, إذاً: هذا الشيء الذي قالته هو خلاف عقيدة الأشاعرة؛ ولذا يقال لهم: هل أقرها الرسول على باطل؟! وهل هذه العقيدة التي ابتلي بها بعض الناس وجاءت بعد زمن الصحابة حجب عنها الصحابة وادخرت لمن بعدهم؟!
وهل تكون هناك عقيدة حقة تحجب عن الصحابة ولا يعرفونها ولا يظفرون بها, ويظفر بها أناس يجيئون بعدهم؟! هل هذا يعقل؟!
والجواب: أبداً لا يكون ذلك, بل الحق والهدى هو ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو كانت هذه العقيدة التي عليها الأشاعرة خيراً لسبق إليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن العقيدة التي كانوا عليها هي أنهم كانوا يثبتون النصوص على ما تقتضيه على وجه يليق بجلال الله تعالى, دون أن يفكروا بتشبيه أو تعطيل أو تأويل.
ولو أن الناس بقوا على مثل عقل هذه الجارية الذي هو عقل السلامة لكان خيراً لهم.
يحيى هو ابن سعيد القطان البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحجاج الصواف ].
الحجاج الصواف ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني يحيى بن أبي كثير ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هلال بن أبي ميمونة ].
الشيخ: عن هلال بن أبي ميمونة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يسار ].
عطاء بن يسار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معاوية بن الحكم السلمي ].
معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأبو داود والنسائي.
أورد أبو داود حديث الشريد بن سويد رضي الله عنه أنه قال: إن أمه أوصت أن يعتق عنها جارية مؤمنة, وأنه كان عنده جارية نوبية.. فذكر نحوه, أي: نحو ما تقدم في حديث معاوية بن الحكم السلمي, وأن الرسول سألها وأنها قالت نحو ذلك.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن عمرو ].
هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الوقاصي الليثي، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم, وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الشريد ].
هو الشريد بن سويد رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[قال أبو داود : خالد بن عبد الله أرسله لم يذكر الشريد ].
أي: أن خالد بن عبد الله أحد الرواة أرسله فلم يذكر الشريد، بل قال: عن أبي سلمة، ورفعه.
وخالد بن عبد الله هو الواسطي الطحان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى بجارية سوداء وقال: يا رسول الله! إن علي رقبة مؤمنة، فالرسول صلى الله عليه وسلم اختبرها ليعرف إيمانها فقال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء, وسألها عن نفسه فأشارت إليه وإلى السماء, أي: أنت رسول الله, فقال: أعتقها فإنها مؤمنة).
إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ثقة أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا يزيد بن هارون ].
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني المسعودي ].
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن عون بن عبد الله ].
عون بن عبد الله هو أخو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المعروف, وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عتبة ].
عبد الله بن عتبة قيل: له رؤية, ووثقه جماعة، وأخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن أبي هريرة ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
وقد ضعف الألباني هذا الحديث، وقال: فيه ذكر الأعجمية، والأعجمية لم تأت إلا في حديث أبي هريرة، نقله عن الذهبي في العلو, وعلق الشيخ الألباني على كلام الذهبي في العلو.
وأما مسألة الإشارة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه أشار إلى السماء, أي: أن الله تعالى فوق, وذلك في حديث جابر الطويل حين قال: (إنكم ستسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت, فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اشهد).
ولفظة: (أعجمية) ليست في هذا الحديث, ولكنها جاءت في حديث أبي هريرة في بعض الطرق، وقد نقلها الذهبي في العلو، وتضعيف الشيخ الألباني هو للحديث كله؛ لأن فيه المسعودي هذا.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا شريك عن سماك عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله لأغزون قريشاً، والله لأغزون قريشاً، والله لأغزون قريشاً, ثم قال: إن شاء الله).]
قوله: [باب الاستثناء في اليمن بعد السكوت], سبق أن ذكرنا أن الاستثناء في اليمين إنما ينفع إذا كان متصلاً بالكلام، وأن السكوت أو الفصل إذا كان بسبب أمر طارئ كسعال أو عطاس أو تنفس فلا يؤثر، وأما إذا طال الفصل فإنه لا يصح الاستثناء, ومن العلماء من قال: إنه يكون في المجلس. ولكن الذي يبدو أنه لا بد أن يكون متصلاً, والسكوت إذا كان لأمر طارئ أو لأمر يقتضيه فلا يؤثر, وأما إذا كان السكوت لإعراض عن القصة واشتغال بغيرها, ثم بعد ذلك يرجع ويقول: إن شاء الله, فهذا لا ينفع.
إذاً: هذا السكوت فيه تفصيل، فإن كان الصوت انقطع شيئاً يسيراً لأمر طارئ كما في الأمثلة التي أشرت إليها, فإن ذلك لا يؤثر في الاستثناء, وأما إذا طال الفصل, فإنه لا ينفع الاستثناء.
وقد أورد أبو داود حديث عكرمة، وقد جاء في الرواية الآتية أنه أسنده عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (والله! لأغزون قريشاً، والله! لأغزون قريشاً, والله! لأغزون قريشاً، ثم قال: إن شاء الله).
[ قال أبو داود : وقد أسند هذا الحديث غير واحد عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
أي: وقد أسند هذا غير واحد عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، فيكون مرفوعاً ومتصلاً وليس منقطعاً كما هو ظاهر الرواية التي ساقها المصنف أولاً, فإنه أشار إلى أن جماعة أسندوه, وأنهم رفعوه وذكروا الواسطة بين عكرمة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن عباس .
قوله: [وقال الوليد بن مسلم عن شريك : ثم لم يغزهم].
أي: قال الوليد في روايته عن شريك : ثم لم يغزهم، يعني: أنه لم يحصل منه غزو وقد حلف عليه, فيكون الاستثناء الذي حصل وهو قول: (إن شاء الله) هو الذي نفع وأثر في ذلك.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شريك ].
هو ابن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيراً, أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سماك ].
هو سماك بن حرب، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. وروايته عن عكرمة فيها اضطراب.
[عن عكرمة ].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
[وقال الوليد بن مسلم ].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال أبو داود : زاد فيه الوليد بن مسلم عن شريك : ثم قال: ثم لم يغزهم ].
أورد هذه الرواية الثانية التي هي عن عكرمة مسندة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (والله! لأغزون قريشاً، ثم قال: إن شاء الله, ثم قال: والله! لأغزون قريشاً إن شاء الله, ثم قال: والله! لأغزون قريشاً، ثم سكت ثم قال: إن شاء الله) وهذا هو الذي فيه مطابقة للترجمة من ناحية السكوت, أي: أن هذه الطريق هي التي فيها ذكر السكوت بهذا التفصيل الذي فيه أنه حلف واستثنى ثم حلف واستثنى ثم حلف وسكت ثم استثنى, ولكن هذه الطريق مرسلة، والمسندة هي التي جاء فيها الحلف ثلاث مرات, ثم قال في الأخير: (إن شاء الله) فترجع إلى الجميع؛ لأنه قسم متصل.
وهذه الطريق الثانية ضعفها الشيخ ناصر ، لكن من حيث الحكم الشرعي على ما جاء في الرواية الأولى: (والله! لأغزون قريشاً، والله! لأغزون قريشاً، والله! لأغزون قريشاً) إذا كان الكلام متصلاً فمعلوم أن الاستثناء يرجع إلى الجميع.
وفي الرواية الثانية: (والله! لأغزون قريشاً إن شاء الله, والله! لأغزون قريشاً إن شاء الله), وفي الثالثة: سكت, فالأولى ليس فيها إشكال؛ لأن الاستثناء متصل, والثالثة هي التي حصل فيها سكوت, ثم حصل استثناء, وهي التي فيها الإشكال؛ لأن الاستثناء يلزم أن يكون متصلاً, وهذه الرواية لم يثبت أنه كان متصلاً، فهل يكون فيه دليل على أنه يمكن الفصل في السكوت؟
الجواب: إذا كان المقصود بالسكوت سكوتاً طارئاً لتنفس أو سعال أو عطاس, أو لمخاطبة إنسان, مثل: أن يقال له: قل: إن شاء الله، فإن مثل هذا سائغ أن يقول الإنسان: والله، فيقال له: قل: إن شاء الله, فيقول: إن شاء الله.
وأما قوله: (والله! لأغزون قريشاً ثم قال: إن شاء الله), فإن ( ثم ) هنا لا تفيد التراخي، وإنما يمكن أنها جاءت بعدها لكن بشيء يسير, وليس معناه أنه سكت ثم رجع إلى الكلام.
هو محمد بن العلاء أبو كريب، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا ابن بشر ].
هو محمد بن بشر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مسعر ].
هو مسعر بن كدام، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر