حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: (باب في التلقي) أي: تلقي الركبان، أو تلقي الجلب، أو تلقي السلع التي تجلب ويأتي بها غير أهل البلد، سواء كانوا من بادية أو غير بادية، فلا يجوز لمن كانوا من أهل البلد أن يخرجوا ويستقبلوهم قبل أن يصلوا إلى البلد، فيشتروا منهم السلع كلها، ثم يهبطوا بها إلى البلد؛ لأنهم قد يخدعونهم بأن يقولوا: الأسعار رخيصة، فيشتروا منهم السلع التي معهم كلها، فيكون في ذلك غبن للبائعين، وأيضاً يكون في ذلك إضرار بأهل البلد؛ لأن الجالب الذي يريد أن يبيع بضاعته الناس يشاهدونها، وكل منهم يشتري ويحصل له ارتفاق بهذا الشراء، بخلاف ما إذا اشتراها تاجر من أهل البلد ثم ادخرها، أو حجزها، أو جعلها عنده وباعها بأسعار زائدة، فإن هذا فيه مضرة على الناس.
وعلى هذا فتلقي الركبان فيه محذوران:
أحدهما يرجع إلى الجالبين: وهو أنه قد يحصل لهم غبن، والثاني: يرجع إلى أهل البلد، وهي أن حاجة أهل البلد يختص بها إنسان من أهل البلد ثم يدخرها، ويضيق عليهم في ذلك.
وقد جاء في بعض النصوص أن البائع إذا دخل السوق فله الخيار إذا رأى أنه غبن.
وأبو داود رحمه الله عبَّر بالتلقي، ولم يقل: تلقي الركبان، أو تلقي السلع، أو تلقي الجلب بذكر المضاف والمضاف إليه، وإنما أتى بأل، وهي دالة على المضاف إليه لأنها بدل من المضاف إليه، فقوله: (التلقي) أي: تلقي الركبان، فأحياناً يحذف المضاف إليه ويؤتى بأل بدلاً منه، وهذا موجود في اللغة وفي كلام العلماء للاختصار، مثل أسماء الكتب التي هي مكونة من مضاف ومضاف إليه، فكثيراً ما يذكرونها بدون المضاف إليه مع إضافة أل، فمثلاً يقال: كتاب البلوغ، بدل (بلوغ المرام) أو الفتح، بدل (فتح الباري) أو المنتقى، بدل (منتقى الأخبار).
وقد جاء في القرآن قول الله عز وجل: وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [الأنفال:11] يعني: أقدامكم، وقوله: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37-39] يعني: هي مأواه وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] أي: هي مأواه.
ولعل أبا داود رحمه الله اختار التلقي؛ لأنه قد جاء المضاف على ألفاظ متعددة، فقد جاء: تلقي الركبان، وجاء: تلقي السلع، وجاء: تلقي الجلب، وقد جاء عند أبي داود ذكر السلع وذكر الجلب، وهي ألفاظ متعددة، فلعله من أجل تعدد ألفاظ المضاف إليه اختار أن يأتي بلفظ يشمل هذا وهذا، وهو أن يأتي بأل التي تقوم مقام المضاف إليه أو تدل على المضاف إليه.
وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبع بعضكم على بيع بعض) وهذا يكون فيما إذا حصل بيع بين شخصين وبينهما خيار مجلس أو خيار شرط، فإذا حصل البيع والشراء وهم لا يزالون في المجلس، فلهم خيار المجلس، فكل واحد له أن يفسخ ما دام في المجلس، فيأتي رجل ثالث إلى المشتري ويقول: اترك هذه السلعة التي اشتريتها وأنا أبيعك مثلها بأرخص منها، إذا كانت بعشرة فأنا أبيعك إياها بثمانية، فهذا يعتبر من البيع على بيع أخيه، أو كان في العقد خيار شرط، فقال المشتري: أعطني مدة ثلاثة أيام أفكر، وبعد ذلك أخبرك هل أعزم على الشراء أو أترك، فيأتي شخص آخر إلى المشتري في مدة الخيار فيقول له: اترك هذه السلعة وأنا أبيعك مثلها بأرخص منها، هذا هو البيع على بيع أخيه.
وأما الشراء على شرائه فهو مقابل هذا، فيكون البائع والمشتري كل منهما له خيار، فيأتي رجل للبائع ويقول: اترك هذا البيع، وأنا أشتريه منك بأزيد من هذا، فإذا باع السلعة بعشرة على إنسان وهما في خيار مجلس أو خيار شرط يأتي شخص للبائع ويقول له: أنا أشتريها منك بإحدى عشر ريالاً، وأزيدك ريالاً على السعر الذي اشترى منك هذا الشخص، فكل ذلك لا يجوز، لا يبيع على بيع أخيه، ولا يشتري على شراء أخيه.
قوله: [ (ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق) ].
أي: ولا تلقوا السلع فتشترونها من الجالبين قبل أن يصلوا إلى الأسواق، ولكن حتى يهبطوا بها الأسواق، وبعد ذلك كل يشتري؛ لأنها إذا وصلت الأسواق رآها الناس فكلٌّ يشتري منها، وفي ذلك مصلحة لأهل البلد ومصلحة للجالب.
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع ].
نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن عمر ].
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل حديث ابن عمر في النهي عن تلقي الجلب، فإن تلقاه متلق فالبائع بالخيار إذا هبط السوق.
وإذا كان أصحاب القرى لا يسيرون إلى السوق، بل يقف أحدهم على أطراف المدينة بسلعته ويشترى منه فلا بأس، ما دام أنه جاء إلى هذا المكان وجلس يبيع فيه، وهذا لا يسمى تلقي ركبان، وإنما الكلام على أناس يريدون الأسواق، فيتلقاهم أناس قبل أن يصلوا إلى الأسواق فيشتروا منهم.
الربيع بن نافع أبو توبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا عبيد الله يعني ابن عمرو الرقي ].
ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن سيرين ].
محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً.
[ قال أبو علي : سمعت أبا داود يقول: قال سفيان : لا يبع بعضكم على بيع بعض أن يقول: إن عندي خيراً منه بعشرة ].
هذا تفسير للبيع على بيع أخيه، وهو أن يقول الرجل للمشتري: إن عندي خيراً منه بعشرة، وقد يزيد وقد ينقص عن السعر الذي باعه به، فقد تكون السلعة أحسن والسعر واحداً.
وأبو علي المذكور هو الراوي عن أبي داود .
وقوله: (قال سفيان)، قد يكون المقصود به سفيان الثوري أو سفيان بن عيينة ، ومعلوم أن كلاً منهما لم يدركه أبو داود ، وإنما يروي عنه بواسطة، وكل منهما ثقة .
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تناجشوا) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي النهي عن النجش، والنجش هو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، إما أن يريد أن ينفع البائع أو يريد أن يضر المشتري، بحيث إذا جاء رجل يشتري يقول: هذه السلعة مرغوب فيها، فهذا الرجل يزيد فيها، فيكون في ذلك ضرر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تناجشوا) أي: أن الإنسان إذا كانت السلعة يُحرَّج عليها وينادى عليها فإنه لا يزيد إلا إذا كان سيشتري، أما أن يزيد وهو لا يريد أن يشتري، وإنما ليرفع السعر للبائع؛ فهذا محرم، أما إن كان له رغبة في الشراء، وزاد من أجل رغبته في الشراء، فهذا ليس بنجش، وإنما النجش أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها ليزيد في الثمن، وقد يكون البائع صديقاً له، وهو يريد أن ينفعه من قبل هذا المشتري.
أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
سفيان هو ابن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن المسيب ].
سعيد بن المسيب وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
قد مر ذكره.
حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيع حاضر لباد، فقلت: ما يبيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمساراً) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة (باب لا يبيع حاضر لباد) والحاضر هو ساكن الحاضرة، والبادي هو ساكن البادية الذي يأتي بسلعة ويجلبها، فيأتيه أحد أهل الحاضرة فيقول: بدلاً من أن تبيعها برخص، اتركها عندي في الدكان، وأنا أبيعها لك على مهل بسعر أغلى ولي جزء من الأجرة، فيكون واسطة -أي: سمساراً- يبيع له، فبدلاً من كونه يبيعها ويأخذ ثمنها ويمشي والناس يستفيدون منه، يحول بين الناس وبين الاستفادة.
أما أن يبيع له الحاضر في الحال فلا بأس، مثل أن ينادي بها ويصوت في الحراج، فهذا لا بأس به، وإذا أتى صاحب البادية بالسلع وهو لا يريد أن يبيعها في الحال، فذهب إلى شخص من الحاضرة وقال له: أنا أريد أن تبيع لي هذه السلعة؛ فهذا لا بأس به، وإنما المحذور أن يقول الحاضر للبادي: لا تبع السلع، ولكن دعها عندي أبعها لك؛ فهذا هو الممنوع.
محمد بن عبيد يحتمل أن يكون محمد بن عبيد بن حساب أو محمد بن عبيد المحاربي ، وذلك أن كلاً منهما روى عنه أبو داود ، وهما رويا عن محمد بن ثور ، وكل منهما يحتج به، فـمحمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي ، ومحمد بن عبيد المحاربي صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
و محمد بن ثور ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن معمر ].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن طاوس ].
عبد الله بن طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
طاوس بن كيسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً: (لا يبع حاضر لباد، ولو كان أباه أو أخاه) بمعنى أن يقول له: هذه السلع لا تبعها على الناس، ولكن دعني أتولى بيعها على مهل؛ لأن بيع الجلب في الحال فيه مصلحة للناس، ومصلحة للمالك؛ لأن المالك إذا أخذ القيمة يمكن أن يشتري بها سلعاً ويستفيد منها، ويجلب مرة ثانية، بخلاف ما إذا بيعت على مهل فإنه قد يحصل على ربح زائد، ولكنه لا يجد الفلوس في الحال بحيث يأتي بسلعة أخرى ويجلبها مرة ثانية، فهذا الحديث مثل الذي قبله، وفيه زيادة في التأكيد: (ولو كان أباه أو أخاه).
زهير بن حرب أبو خيثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ أن محمد بن الزبرقان حدثهم ].
هو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ قال زهير : وكان ثقة ].
هذا توثيق لـمحمد الزبرقان .
[ عن يونس ].
يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن ].
الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود هذا الأثر عن أنس قال: (لا يبيع حاضر لباد) وهي كلمة جامعة، لا يبيع له شيئاً، ولا يبتاع له شيئاً، يعني لا يقول: دعني أشتري لك، لأنه قد يخص به بعض الناس دون بعض، فإذا ترك وحاله اشترى ممن شاء، أو اشترى من هذا ومن هذا ومن هذا، فيكون في ذلك فائدة لجهات مختلفة متعددة.
أما إن كان مشغولاً أو بحاجة إلى من يشتري له، فوكل أحد الناس ليشتري له؛ فلا بأس بذلك.
وقائل هذه الكلمة: (هي كلمة جامعة) هو محمد بن سيرين .
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا أبو هلال ].
أبو هلال الراسبي محمد بن سليم صدوق فيه لين، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
مر ذكرهما.
أورد أبو داود حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه جاء رجل بحلوبة له يريد أن يبيعها، وكأنه فهم أنه أراد أن يبيع الحلوبة فقال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد) ولكن اذهب إلى السوق واعرف الأسعار، وإن أردت بيعها فارجع إلي في ذلك.
فهذا الحديث مثل ما تقدم أنه لا يبيع حاضر لباد، ولكن لو أن إنساناً أراد أن يستشيره مثلما جاء في قصة طلحة فلا بأس بذلك.
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن إسحاق ].
محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن سالم المكي ].
سالم المكي يحتمل أنه ابن شوال ، ويحتمل أنه مجهول.
[ طلحة بن عبيد الله ].
طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث ضعيف فيه راو مجهول، وفيه عنعنة ابن إسحاق ، أما الأعرابي فهو صحابي.
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (لا يبع حاضر لباد، وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)، وهذا فيه إشارة إلى استفادة الناس من السلع التي تجلب، ولا يختص بها أحد دون غيره، فلا يقول: لا تبعها، ودعها عندي في الدكان وأنا أبيعها لك على مهل. فيحول بين الناس وبين الاستفادة منها في وقت جلبها، ويحصل هو وحده على الفائدة من ورائها، بحيث يبيعها بغلاء ويحصل أجرة على بيعها.
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا زهير ].
زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو الزبير ].
محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
جابر بن عبد الله صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تلقوا الركبان للبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر) ].
أورد أبو داود باب من اشترى مصراة فكرهها. والمصراة هي الناقة أو البقرة أو الشاة التي حبس اللبن في ضرعها مدة حتى صار الضرع كبيراً، فيظن من رآها أن هذا حليب اليوم أو حليب البارحة، وقد يكون مضى عليه عدة أيام، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن تصرية الإبل والغنم ومثلها البقر؛ لأن فيه غشاً للناس وتغريراً عليهم، حيث يظنون أنها حلوب، وأنها كثيرة اللبن، فيغتر من يشتريها.
فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وجعل من اشترى المصراة بخير النظرين بعد أن يحلبها، ويعرف أن هذا الحليب له مدة في ضرعها، فيكون بخير النظرين إذا سخطها: إن أراد أن يبقيها أبقاها، وإن أراد أن يرجعها فإنه يرجعها وصاعاً من تمر مقابل الحليب الذي حلبه، ولا يرد بدله حليباً بل تمراً كما جاء في هذا الحديث، والتمر كان قوت أهل المدينة وكانوا يدخرونه، أما لو لم يكن عندهم تمر فليرد صاعاً من غير التمر.
أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعرج ].
الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
قد مر ذكره.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه أن من اشترى شاة مصراة أو بقرة أو ناقة فإنه بخير النظرين لمدة ثلاثة أيام: إن أبقاها أبقاها، وإن ردها رد صاعاً من طعام لا سمراء، والطعام يطلق على التمر وعلى غيره، فقوله: (لا سمراء) يعني: الحنطة، أي: البر، فيكون المقصود بالطعام هنا هو التمر حتى يتفق مع الحديث الأول؛ لأنه نفى السمراء التي هي البر.
كلهم مر ذكرهم.
[ وهشام ].
هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وحبيب ].
حبيب بن الشهيد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ].
مر ذكرهما.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل الذي قبله، إلا أنه ذكر غنماً، والمقصود أنه عن كل شاة صاع من تمر، وليس المقصود صاعاً عن عدة شياه، ولكن عن كل شاة احتلبها صاع تمر.
وبعض أهل العلم لم يقل بحديث المصراة، وقال: إن صاعاً من تمر يخالف القياس، والأصل أنه يرد حليباً بدل الحليب!
والجواب: أن ما جاء بالشرع هو أصل بنفسه، فلا يقال إنه خالف القياس أو إنه ليس بأصل؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد أن يعول عليه، وأن يؤخذ به، فهو أصل بنفسه، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي عين هذا، فيصار إلى ما عينه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبعضهم تكلم في أبي هريرة من جهة كونه راوي الحديث، وقال: إنه ليس في الفقه مثل عبد الله بن مسعود ، وهذا معناه أنه ليس بفقيه، ففيه لمز له؛ فهذا غلط وخطأ، والحافظ ابن حجر رحمه الله لما ذكر هذا عمن قاله وقال معلقاً عليه: وقائل هذا الكلام إنما آذى نفسه، ومجرد تصوره يغني عن التكلف في رده!
وهذا صحيح؛ لأنه كلام باطل لا قيمة له، ثم نقل عن أبي المظفر السمعاني في رده على أبي زيد الدبوسي في كتاب اسمه الاصطلام أنه قال: ولا يجوز التعرض لجناب أحد من الصحابة، والكلام في الصحابة بدعة من البدع.
عبد الله بن مخلد التميمي مقبول أخرج له أبو داود .
[ حدثنا المكي يعني ابن إبراهيم ].
مكي بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري ، وهو أحد الذين روى عنهم الثلاثيات.
[ حدثنا ابن جريج ].
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني زياد ].
زياد بن سعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن ثابتاً مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره ].
ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن أبي هريرة ].
مر ذكره.
أورد أبو داود حديث ابن عمر وفيه: (من ابتاع محصلة) يعني: مصراة حبس اللبن في ضرعها، وفيه: (إن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحاً) وهذا يخالف ما تقدم من الروايات في أنه يرد تمراً، ولا يرد سمراء، والسمراء هي القمح، وهذا الحديث غير صحيح، والمعتمد والمعول عليه هو الحديث المتقدم الذي في الصحيحين وغيرهما من أنه يرد صاعاً من تمر، وليس قمحاً.
أبو كامل الجحدري وهو فضيل بن حسين وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا عبد الواحد ].
عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا صدقة بن سعيد ].
صدقة بن سعيد مقبول، أخرجه له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن جميع بن عمير ].
جميع بن عمير وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن عمر ].
عبد الله بن عمر رضي الله عنه وقد مر ذكره.
والحديث غير صحيح؛ لأنه فيه من هو متكلم فيه، والأمر الثاني: أنه يخالف الأحاديث السابقة التي في الصحيحين وفي غيرهما في ذكر التمر.
حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن عمرو بن يحيى عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن المسيب عن معمر بن أبي معمر -أحد بني عدي بن كعب - رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحتكر إلا خاطئ) ].
أورد أبو داود باب النهي عن الحكرة، وهو احتكار الطعام الذي يكون الناس بحاجة إليه، فيخفيه ويدخره حتى تشتد الحاجة إليه أكثر ويبيعه بسعر غال، فهذا لا يسوغ ولا يجوز، وذلك أن فيه تضييقاً على الناس في شيء هم بحاجة إليه.
أورد أبو داود حديث معمر بن أبي معمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحتكر إلا خاطئ) أي: آثم.
وهب بن بقية الواسطي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ أخبرنا خالد ].
خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن يحيى ].
عمرو بن يحيى المازني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن عمرو بن عطاء ].
محمد بن عمرو بن عطاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن المسيب ].
مر ذكره.
[ عن معمر بن أبي معمر ].
معمر بن أبي معمر رضي الله عنه، خرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
قيل: إن هذا يحمل على شيء ليس الناس بحاجة إليه، وليس من الأشياء الضرورية مثل الطعام أو ما يشبه الطعام.
[ قال أبو داود : وسألت أحمد : ما الحكرة؟ قال: ما فيه عيش الناس ].
يعني: الذي به قوت الناس وطعام الناس، بحيث يسد فاقتهم ورمقهم، هذا هو الذي فيه الحكرة، ولا يكون في كل شيء؛ لأن بعض الأشياء يمكن أن تخزن والناس ليسوا بضرورة إليها، مثل الكماليات التي الناس بغنية عنها وقد لا يحتاجون إليها.
[ قال أبو داود : قال الأوزاعي : المحتكر من يعترض السوق ].
يعني: يترقب الذي يحتاج إليه الناس في السوق للبيع، فيحول بينهم وبينه، هذا هو المحتكر.
ويدخل فيه الذي يتلقى الركبان ثم يحتكر الشيء الذي تلقاه والناس بحاجة إليه.
قال أبو داود : هذا الحديث عندنا باطل ].
أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن أنه ليس في التمر حكرة، والتمر هو من القوت والطعام الذي يحتاجه الناس، ولهذا جاء في حديث المصراة أنه يرد صاعاً من تمر؛ لأنه الطعام الذي يأكله الناس.
قال أبو داود : هو حديث باطل؛ لأن التمر هو أهم طعام في المدينة، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم (بيت لا تمر فيه جياع أهله)، لأنه هو الطعام عندهم، فإذا كان التمر ليس فيه حكرة فما هي الحكرة؟
محمد بن يحيى بن فياض ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا أبي ].
يحيى بن فياض وهو لين الحديث، أخرج له أبو داود .
[ قال ح وحدثنا ابن المثنى ].
وهذه طريق أخرى، ومحمد بن المثنى هو أبو موسى الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى بن فياض حدثنا همام ].
يحيى بن فياض تقدم، وهمام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن ].
الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ فقلنا له: لا تقل: عن الحسن ].
يعني: لا تأت بلفظ فيه تدليس؛ لأن قتادة مدلس، فإذا قال: عن الحسن فهذا اللفظ فيه تدليس، وعلى كل فالأثر غير صحيح.
وقد يكون معناه أن الحسن بن أبي الحسن رفيع المنزلة، وكونه يقول مثل هذا الكلام الشاذ أمر ليس بالهين؛ لأن التمر هو قوت للناس، وإذا لم يكن فيه احتكار فلا يكون الاحتكار في شيء.
[ قال أبو داود : كان سعيد بن المسيب يحتكر النوى والخبط والبزر ].
هذا فيه بيان الشيء الذي يجوز أن يحتكر، وهو الشيء الذي الناس ليسوا بحاجة إليه، فمن ذلك نوى التمر، وهو علف للإبل، والعلف يمكن أن يحصل من غيره مما يخرج من الأرض.
والخبط هو ورق الشجر.
والبزر: هو بذور الأشياء التي تزرع من بقول وغيرها.
هو علف الدواب، فبدلاً من كونه يباع وهو رطب ويستفاد منه، فقد يدخر لكونه كثيراً زائداً عن الحاجة، فيكبسونه بمعنى أنهم يضمون بعضه إلى بعض وييبسونه، ثم يستعمل وهو يابس، هذا هو الكبس، ثم يبيعونه في وقت آخر وهو يابس، وهذا لا بأس به.
وقول سفيان : (كانوا يكرهون الحكرة) هذا لفظ عام، وكأنه أراد منه التعميم، وأنه يدخل فيه احتكار قوت الدواب.
وقول أبي بكر بن عياش : (اكبسه) يعني: أنه لا بأس باحتكاره؛ لأنه ليس من الأشياء الضرورية.
قوله: [ سمعت أحمد بن يونس ].
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سألت سفيان ].
هو الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وسألت أبا بكر بن عياش ].
أبو بكر بن عياش ثقة، أخرج له البخاري ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
الجواب: إذا كان المكان الذي خرجوا إليه سوقاً فلا إشكال، فإن السوق يكون في عدة أماكن، فإذا كان هناك سوق خارجي يذهب الناس إليه، فلا إشكال، وإنما الكلام في أناس يلتقون بهم في الطريق قبل أن يصلوا إلى الناس ويشترون منهم .
الجواب: لا، فإذا كان الميناء فيه محل للبيع فهو مثل السوق، فإذا كان من عادة الناس أنهم يذهبون إلى الميناء، ويشترون السلع من الميناء، فلا بأس.
الجواب: لا، فهذا فيه محذور؛ لأنه سيترك معاملته ويتحول إلى معاملته هو، فيضر أخاه بأن يأخذ عميله منه، وقد يبيعه برخص في هذه المرة، وبعد ذلك يرفع عليه السعر.
الجواب: لا بأس بهذا؛ لأن هذا ليس فيه تلقي جلب، ولا فيه أي محذور، فكلاهما من أهل البلد، فإذا كان يعرف أن الأسعار في أوقات يكون فيها هبوط، وفي أوقات يكون فيها ارتفاع فقال مثل هذا لأخيه؛ فلا بأس.
الجواب: لا يبيع حاضر لباد ولو بدون أجرة، وفي الحديث: (وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) فكونه يبيع له السلع على مهل يضر أهل السوق.
الجواب: النتيجة واحدة، فهي مثل البيع على بيع أخيه؛ لأن الإجارة هي بيع المنافع، وهي كبيع الأعيان داخلة تحت البيع على بيع أخيك، لأن هذا يبيع المنفعة، وهذا يبيع السلعة، فلا فرق بين الإجارة والبيع.
الجواب: إذا كانت السلعة تسام، ولم يحصل اتفاق بينهما، فلا بأس؛ لأن البيع على البيع يكون في خيار مجلس أو خيار شرط، أي: وقد تم الاتفاق بينهما.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر