قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كيف القضاء.
حدثنا عمرو بن عون أخبرنا شريك عن سماك عن حنش عن علي قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن قاضياً، فقلت: يا رسول الله! ترسلني وأنا حديث السن، ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء. قال: فما زلت قاضياً، أو ما شككت في قضاء بعد) ].
أورد أبو داود باب كيف القضاء.
يعني: كيف يقضي الإنسان؟ والمقصود من ذلك أنه يسمع ما عند الخصمين؛ فيسمع من المدعي ثم يسمع من المدعى عليه؛ لأن المدعي هو الذي يبدأ بالكلام ثم المدعى عليه، وبهذه الكيفية يتبين الحكم ويتضح، أما أن يأخذ من واحد دون الثاني أو يسمع كلام واحد دون الثاني فهذه طريقة غير صحيحة؛ لأنه لابد من الأمرين، ولهذا علي رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً، فقلت: يا رسول الله! ترسلني وأنا حديث السن، ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان).
هذا هو محل الشاهد من الترجمة، يعني: إذا جلس بين يديك الخصمان للقضاء فاسمع من هذا واسمع من هذا.
قوله: [ (فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول؛ فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء) ].
يعني: فإنه أحرى أن يتبين لك وجه الحكم بينهما، أما إذا أخذت كلام المدعي ولم تنظر في كلام المدعى عليه تكون أخطأت وقصرت ولم تأت بالذي هو واجب عليك، وهذا فيه بيان الشاهد لما ترجم له المصنف من كيفية القضاء، وهو أن القاضي في طريقته في الحكم بين الناس عليه أن يسمع من هذا ومن هذا.
قوله: [ (قال: فما زلت قاضياً، أو ما شككت في قضاء بعد) ].
وهذا يدل على فضيلة علي رضي الله عنه وأرضاه، كونه صلى الله عليه وسلم دعا له، وكونه سدد ووفق وأنه ما شك في قضاء قضاه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ].
عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا شريك ].
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق اختلط ويخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن سماك ].
هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن حنش ].
هو حنش بن المعتمر الكناني، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن علي ].
علي رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
السؤال: قال مالك والشافعي : يجوز القضاء على الغائب إذا تبين للحاكم أن فراره واستخفاءه إنما هو فرار من الحق ومعاندة للخصم، فهل هذا صحيح؟
الجواب: نعم، هذا فيما إذا كان هناك امرأة ادعت النفقة على زوجها وله مال موجود عند أحد، فإنه يحكم بالإنفاق عليها من ذلك المال، وإذا جاء وادعى أمراً يخالف ذلك فإنه تُسْمَعُ دعواه.
إذاً: الحكم على الغائب في أمر حاضر وأمر لا يقبل التأخير ككون امرأة في عصمته وليس لها نفقة منه، وتطالب بنفقة ويوجد له مال مرصود عند أحد، فيمكن أن تعطى من ذلك المال، وإذا جاء لا يسقط حقه في الرجوع إليها، إذا كانت غير صادقة فيما تقول.
السؤال: ما حكم من يقول عند ذكر علي رضي الله عنه: عليه السلام؟
الجواب: كلمة (عليه السلام) هذه ذكر ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة الأحزاب عند قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] قال: إنه اعتاد بعض النساخ أو كثير من النساخ أنهم عندما يأتي ذكر علي أو فاطمة يقولون: عليه السلام أو عليها السلام، وهذا غير صحيح؛ لأن الذي ينبغي فيه أن يسوى بين الصحابة، وأن يعامل الصحابة معاملة واحدة، وأن يترضى عنهم، وطريقة السلف هي الترضي عن الصحابة.
السؤال: في حديث علي رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (لا علم لي بالقضاء)، وقد سبق أن القاضي لا يكون قاضياً إلا إذا كان عالماً، فما التوجيه؟
الجواب: قال ذلك من باب التواضع رضي الله عنه، وأنه يريد السلامة.
السؤال: في حديث علي لابد أن يكون كل من الخصمين موجوداً، وحديث هند سبق أن قلتم: إنه فتوى.
الجواب: تلك فتوى، والإشكال أن البخاري رحمه الله بوب لحديث هند فقال: باب القضاء على الغائب.
وعلى كل حال فهذا على اعتبار أن هنداً كانت مستحقة للنفقة؛ لأنه كما هو معلوم من حال أبي سفيان رضي الله عنه أنه كان شحيحاً، وأنه كذا وكذا، ومن أجل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لها بأن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها، يعني: كونه قضاءً على غائب من هذا القبيل، لكن الذي يظهر أنه من قبيل الفتوى.
السؤال: هل الذي يطلب من المسئول المختص أن يكون إماماً في أحد المساجد يكون طلبه مذموماً؟
الجواب: إذا كان قصده طيباً، بحيث أنه يريد أن يحافظ على الصلوات، ويريد أيضاً أن يعتني بالقرآن حفظاً وتلاوة وتدبراً، فلكل امرئ ما نوى.
السؤال: هل القاضي الذي يقضي بأحكام وضعية، يكون في النار أو يكون كافراً؟
الجواب: كونه يستحق النار فهذا ليس فيه إشكال، لكن هل يكون كافراً أو يكون غير كافر هذا فيه تفصيل؛ فإذا كان مستحلاً لا شك أنه يكون كافراً، وإذا كان يرى أن أحكام الشريعة غير كافية فهو كافر، وإذا كان يرى أن أحكام الشريعة لا تصلح فهو كافر، وإذا كان يرى أن غير الشريعة أحسن من الشريعة أو مثل الشريعة فهو كافر، أما إذا كان يعرف أن هذا لا يجوز لكنه أقدم عليه مع عدم استحلاله له فهذا يكون معصية.
السؤال: أبي قاضٍ، وفي بلادنا القضاء يكون بالقوانين الوضعية، فهل يجوز لي الأكل من ماله؟
الجواب: إذا أمكنك أن تستغني عنه فذلك خير لك، ولكن الذي ينبغي أن تفعله تجاه والدك هو أن تحرص على سلامته، وأن تنصحه بأن يطلب رزقه من طريق مشروع؛ حتى يكون رزقه حلالاً، وأن يبتعد عن هذا العمل الخبيث الذي هو الحكم بغير ما أنزل الله، والحكم بالقوانين الوضعية الوضيعة.
السؤال: عندنا في بلادنا القضاة يقضون بالقوانين الوضعية، فإذا حصل لي ظلم من أحد الأشخاص في عرض أو مال، فهل لي أن أتحاكم إليهم؟
الجواب: احرص على أنك تنتهي مع خصمك على طريقة دون أن تصل إلى هؤلاء الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، وإذا كان هناك أحد عنده علم ترجعون إليه وتحكمونه وتصيرون إلى ما يحكم به، هذا هو الذي عليكم أن تفعلوه، وإذا كان غيرك طلبك وألزمك بالذهاب إليهم ولست أنت الذي قصدت ذلك، وأنه لا سبيل غير ذلك، فلك أن تذهب وتبدي ما عندك، ولكن الطريقة المثلى كما هو معلوم من الجانبين الابتعاد عن القضاة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، وتحكيم من يكون عنده علم بالشريعة والنزول على حكمه.
السؤال: إن هؤلاء الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله قد أقيمت عليهم الحجة؛ لأن الأشرطة منتشرة والكتب موجودة، وهم يصرون على الحكم بالديمقراطية، فهل هذا يقتضي كفرهم؟
الجواب: كونهم عرفوا الحق وحادوا عنه مع اعتقادهم أنهم مخطئون لا يدل على الكفر، فهم مثل العصاة الذين يقدمون على الأمر المحرم وهم يعلمون أنه محرم، فالزاني عنده علم بأن الزنا حرام، ولكنه لم يستحله بل يعترف أنه مخطئ، فهذا ليس بكفر.
السؤال: لو قدم حاكم في بلد إسلامي وغير الشريعة بالقوانين الوضعية التي وضعها الغرب؛ لأجل الحصول على أغراض دنيوية مع كراهيته لهذه القوانين فما حكمه؟
الجواب: ما دام أنه بدل الشريعة وألزم الناس بغير الشريعة، فهذا يكون كافراً والعياذ بالله.
والتبديل كما هو معلوم يكون فيما يتحاكم إليه الناس من القضايا التي يفصل القضاة فيها بينهم، وأما الأمور التي لا يحتاج الناس فيها إلى قضاء فهذا شيء بينهم وبين الله، ولكن الشيء الذي يحتاج فيه الناس إلى قضاة ويذهبون للمحاكم بسببه، ويطلب بعضهم بعضاً من أجل التحاكم فهذا هو الذي يدخل في الحكم بغير ما أنزل الله، وأما فيما يتعلق بأمور عقدية، أو كونه يعتقد عقيدة غير صحيحة فهذا لا يترتب عليه أنه حكم بغير ما أنزل الله، فهذه قضية أخرى؛ لأنه ليس من قبيل الشيء الذي يحتاج الناس إليه في الحكم بينهم والقضاء بينهم.
السؤال: ذكرتم الفرق بين من كان يُحكم في بلده بالشرع فنحاه وألزم الناس بالقوانين الوضعية، وبين من أتى بعده وهذه القوانين موجودة، فهذا الأخير إن لم يسع إلى تغييرها، فهل يكون له حكم الأول؟
الجواب: لا يكون له حكم الأول، الإنسان الذي غير وبدل هذا هو الذي كفره واضح، وأما الإنسان الذي جاء والتركة موجودة وبقي على شيء موجود وهو كاره له فإنه يختلف عن ذاك.
السؤال: إذا جاء القضاة وهناك قوانين وضعية يحكم بها فهل يتركون العمل في القضاء في بلادهم حتى تحكم الشريعة؟
الجواب: الواجب عليهم أن يتركوا القضاء حتى لا يحكموا بغير ما أنزل الله، وعلى الناس أن يرجعوا إلى قضاة شرعيين إن تمكنوا، كأن ينصبوا رجالاً من أهل العلم حتى يفصلوا بينهم ويرضوا بحكمهم.
السؤال: أصل الحكم بغير ما أنزل الله هل هو كفر أو معصية؟
الجواب: الحكم بما أنزل الله يكون كفراً ويكون معصية، بالتفصيل الذي ذكرناه سابقاً.
السؤال: هل يفهم من كلامكم أن مجرد استبدال الشريعة بقوانين وضعية يكون كفراً وإن لم يجحد؟
الجواب: نعم، فهو لم يغير الشريعة ولم ينحها ويستبدلها بالقوانين إلا لأنه يرى أن هذه القوانين أفضل من الشريعة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قضاء القاضي إذا أخطأ.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئاً، فإنما أقطع له قطعة من النار) ].
قوله: [ باب في قضاء القاضي إذا أخطأ ].
سبق أن عرفنا أن القاضي إذا اجتهد وأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد وخطؤه مغفور، وأنه إذا قضى بغير علم فإنه آثم ولو أصاب، وأنه في النار، وهو أحد القضاة الثلاثة الذين مر ذكرهم في الحديث.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئاً، فإنما أقطع له قطعة من النار) ] وهذا فيه بيان أن الحكم إنما هو بالظاهر، وأنه لا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، وأن حكم الحاكم إذا كان بناه على ما ظهر فإنه لا يحرم الحلال ولا يحل الحرام، وإنما على من قضي له بحق أخيه وهو يعلم أنه مبطل ألا يأخذ ذلك الحق؛ لأنه إن أخذه فإنه يعاقب عليه يوم القيامة ويعذب به في نار جهنم، وإنما عليه أن يرد الحق إلى صاحبه.
إذاً: الحكم إنما يكون بالظاهر فلا يكون الحكم ظاهراً وباطناً؛ لأن القاضي قد يأتي إليه شهود يشهدون ويبني حكمه على شهادتهم، وقد يكونون شهود زور، والمقضي له يعلم بأنه مبطل فحكم القاضي له في الظاهر لا يحل الحرام بل عليه أن يرد الحق إلى صاحبه؛ لأنه إنما حكم بالظاهر، والباطن لا يعلمه إلا الله عز وجل.
قوله: [ (إنما أنا بشر) ] يعني: أنه من جنسهم ولكن الله عز وجل منَّ عليه بالرسالة، وهو صلى الله عليه وسلم ليس له شيء من خصائص الله، بحيث يكون عالماً بكل الغيوب؛ فإن علم الغيب على الإطلاق من خصائص الله سبحانه وتعالى، كما قال الله عز وجل: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، والله تعالى أمر نبيه بأن يقول: إنه لا يعلم الغيب، يقول عز وجل: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام:50] وقال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188] وعلى هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يأتيه الخصوم ويكون بعضهم ألحن بحجته من بعض، وقد يأتي بشهود الزور ثم يحكم بتلك الشهادة وهو لا يعلم الغيب، وإنما الله عز وجل هو الذي يعلم الغيب، ولهذا قال: (فمن قضيت له من حق أخيه) يعني: وهو لا يستحقه فحكمي إنما هو بالظاهر ولا يحل الحرام، فهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب على الإطلاق، وإلا فإن الله تعالى قد أطلعه على كثير من الغيوب، ولكن الذي اختص بعلم الغيب مطلقاً بحيث يكون محيطاً بكل شيء، عالم الغيب والشهادة، يعلم السر والنجوى، وهذا كله من خصائص الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، ومما لم يطلعه عليه علم الساعة متى تقوم، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الساعة كما جاء في حديث جبريل قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) وقال عز وجل حكاية عن نبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [الأعراف:187].
قوله: [ (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض) ].
يعني: لو كان عليه الصلاة والسلام يعلم الغيب لعلم المحق من المبطل إذا جاءه الخصمان، ولكنه لا يعلم الغيب فيأتيه الخصمان وكل يدلي بما عنده، وقد يكون بعضهم أبلغ في الحجة وأفصح وأبين وأفطن فيقضي على نحو ما يسمع، ولكن بين صلى الله عليه وسلم أن قضاءه لا يحل ما كان حراماً، فإذا كان الخصم يعلم أنه مبطل فإن حكم القاضي لا يبيح له ذلك الباطل؛ لأن القاضي يحكم بالظاهر، والباطن علمه عند الله عز وجل، فمن كان مبطلاً وعرف أنه مبطل فلا يتذرع بقضاء القاضي ويقول: أنا قضي لي بهذا، أو حكم لي الحاكم بهذا؛ لأن الحاكم حكم بالظاهر، والباطن لا يعلمه إلا الله، فلا يجوز للمقضي له أن يستعمل ذلك الذي قضي له به وهو لا يستحقه، بل عليه أن يعيده إلى صاحبه.
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].
هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام بن عروة ].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة ].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زينب بنت أم سلمة ].
زينب بنت أم سلمة صحابية، وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أم سلمة ].
أم سلمة رضي الله عنها هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما، لم تكن لهما بينة إلا دعواهما فقال: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكر مثله، فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: حقي لك، فقال لهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أما إذ فعلتما ما فعلتما فاقتسما وتوخيا الحق، ثم استهما ثم تحالا) ].
أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم يختصمان في ميراث بينهما، ثم ذكر ما تقدم من قوله: (إنما أنا بشر) كما مر في الحديث السابق، فقال كل واحد منهما: حقي لك.
يعني: ليس لي حق والحق لك، كل واحد تبرأ من هذا الذي ادعاه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما إذا فعلتما ما فعلتما فاقتسما وتوخيا الحق) يعني: بأن يكون القسمان متعادلين ومتساويين.
قوله: [ (ثم استهما) ] يعني: اعملا القرعة.
قوله: [ (ثم تحالا) يعني: ليحلل كل منكما صاحبه.
فهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الخوف من الله عز وجل، وأنه لما ذكرهما صلى الله عليه وسلم وبين أن من حكم له بشيء من حق أخيه فإنما يقطع له قطعة من النار، فكل واحد تبرأ وقال: حقي لك.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى كل منهما تبرأ، وكل منهما خاف، وكان الحق بينهما لا يعدوهما فقال لهما: اقتسماه بينكما نصفين، وتوخيا في القسمة بحيث يكون كل قطعة مماثلة للقطعة الثانية، أو كل جزء مماثل للجزء الثاني، ثم بعد ذلك استهما -أي: يعملان القرعة التي يتميز بها ما يكون لهذا- وما يكون لهذا، ثم بعد ذلك يكون التحالل الذي هو كون كل واحد يحلل للآخر ويبيحه، فتكون هناك براءة ذمة وتخالص مما حصل بينهما من الخلاف، بأن يبيح كل منهما صاحبه، ويحلل كل منهما صاحبه.
ووجه الاستهام أن القسمة لم تكن في شيء موزن، وإنما كان في قطع وأشياء غير موزنة وغير مكيلة.
قوله: [ (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما) ].
يعني: كل يدعي أن الحق له وهي مواريث قديمة.
قوله: [ (لم تكن لهما بينة إلا دعواهما) ].
يعني: ليس عند أحد بينة على الآخر إلا مجرد الدعوى، كل واحد يدعي شيئاً.
قوله: [ حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة ].
هو الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا ابن المبارك ].
هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أسامة بن زيد ].
هو أسامة بن زيد الليثي، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ].
عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أم سلمة ].
أم سلمة مر ذكرها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى حدثنا أسامة عن عبد الله بن رافع قال: سمعت أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الحديث قال: (يختصمان في مواريث وأشياء قد درست فقال: إني إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه) ].
أورد أبو داود رحمه الله تعالى الحديث من طريق أخرى وقال: (إني إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه) ولكن كما هو معلوم أنه إذا اجتهد فأخطأ فإنه لا يقر إلا على حق صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وإذا حصل منه شيء نزل الوحي ببيان الحق في ذلك، مثل ما حصل في قصة أسارى بدر، وفي غير ذلك.
قوله: [ (يختصمان في مواريث وأشياء قد درست) ].
يعني: أشياء قديمة قد درست.
قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ].
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا عيسى ].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أسامة عن عبد الله بن رافع قال: سمعت أم سلمة ].
قد مر ذكرهم.
والحديث ضعفه الشيخ الألباني بـأسامة بن زيد ، والحقيقة أن أسامة بن زيد صدوق يهم، وقد صحح العلماء كثيراً من حديثه، ولا يؤثر وجود أسامة بن زيد فيه، والتضعيف فيه نظر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو على المنبر: (يا أيها الناس! إن الرأي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصيباً؛ لأن الله كان يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف) ].
أورد أبو داود أثر عمر رضي الله عنه: أن الرأي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيباً؛ لأن الله تعالى كان يريه.
يعني: ينزل عليه الوحي ويبين له صحة ما حكم به، أو العتب عليه فيما رآه كما حصل في أسارى بدر.
قوله: [ وإنما هو منا الظن والتكلف ].
يعني: الرأي من غير الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو ظن وتخمين، ولكنه إذا كان مبنياً على قياس فهو دليل؛ لأن القياس دليل من جملة الأدلة، ولكنه إذا كان مجرد رأي ليس هناك شيء يستند عليه فهو كما قال عمر : إنما هو الظن والتكلف، ولكن الأثر منقطع غير ثابت؛ لأن الزهري لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لأنه من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وعمر رضي الله عنه توفي سنة ثلاث وعشرين والزهري مات سنة مائة وخمس وعشرين فلم يدرك عمر .
قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ].
هو سليمان بن داود المهري المصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ أخبرنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يونس بن يزيد ].
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن عمر بن الخطاب ].
هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا معاذ بن معاذ أخبرني أبو عثمان الشامي ولا إخالني رأيت شامياً أفضل منه، يعني حريز بن عثمان ].
أورد أبو داود هذا الإسناد بدون متن، ولا أدري ما وجهه، وقد جاء في بعض النسخ مثلما قال صاحب عون المعبود.
قوله: [ ولا إخالني رأيت شامياً أفضل منه، يعني حريز بن عثمان]، يعني: لا أظنني رأيت شامياً أفضل منه.
قوله: [ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ].
أحمد بن عبدة الضبي ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[ أخبرنا معاذ بن معاذ ].
هو معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبو عثمان الشامي ].
هو حريز بن عثمان، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
السؤال: هل في حديث أم سلمة رضي الله عنها دليل على أن حديث الآحاد لا يفيد العلم اليقيني؟
الجواب: لا ليس فيه دليل؛ لأن حديث أم سلمة فيه اختصام وحكم بين المتخاصمين، فلا وجه في كونه يفيد العلم أو لا يفيد العلم.
السؤال: ما صحة قول بعض الفقهاء من الحنفية من أن قضاء القاضي نافذ ظاهراً وباطناً؟
الجواب: هذا جاء عن أبي حنيفة وخالفه أصحابه فقالوا بقول الجمهور، وقول أبي حنيفة غير صحيح، كيف يكون نافذاً باطناً والمحكوم عليه يعلم أنه مبطل وأنه إنما قضي له بشهادة زور؟!
إذاً: الصواب أنه نافذ ظاهراً لا باطناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار) فهذا بيان أنه لا ينفذ باطناً وإنما ينفذ ظاهراً، ولكن المحكوم له فيما بينه وبين الله عليه أن يتقي الله عز وجل ولا يأكل مال أخيه بالباطل، فالقول بأنه ينفذ باطناً هذا خطأ ومخالف لما جاء فيه هذا الحديث، ولهذا خالفه أصحابه وقالوا بقول الجمهور.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كيف يجلس الخصمان بين يدي القاضي؟
حدثنا أحمد بن منيع حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحكم) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب كيف يجلس الخصمان بين يدي القاضي؟ ]
أي: كيفية جلوسهما، هل يكونان متساويين، أو بينهما فرق، بحيث يكون أحدهما بجواره والثاني يكون بعيداً منه؟ الجواب: أنه لا يفرق بينهما فيقرب أحدهما ويبعد الآخر وإنما يسوي بينهما في الجلوس، وهذا من العدل؛ لأنه لو ميز أحدهما بشيء فيمكن أن يكون ذلك مؤثراً في الشخص الذي لم يميز، فيكون ذلك سبباً في ضياع حجته، وسبباً في عدم إتيانه بالشيء الذي يوضح كلامه ويبينه؛ لأنه حصل له هم بسبب التمييز، فإذا سوي بينهما فإن ذلك يزول.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن الزبير وفيه: قعود الخصمين أمام الحاكم، والمعنى صحيح، ولكن الحديث في إسناده ضعف وهو غير ثابت؛ لأن فيه مصعب بن ثابت وهو لين الحديث، فلا يعتبر ذلك ثابتاً ولكن من حيث المعنى هو صحيح.
قوله: [ حدثنا أحمد بن منيع ].
أحمد بن منيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا مصعب بن ثابت ].
مصعب بن ثابت لين الحديث، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عبد الله بن الزبير ].
عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذا من الرباعيات.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر