حدثنا محمد بن يحيى بن فارس أن الحكم بن نافع حدثهم أخبرنا شعيب عن الزهري عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ابتاع فرساً من أعرابي، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن كنت مبتاعاً هذا الفرس وإلا بعته، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سمع نداء الأعرابي فقال: أوليس قد ابتعته منك؟ فقال الأعرابي: لا، والله ما بعتكه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: بلى، قد ابتعته منك، فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيداً، فقال
قول المصنف: [ باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به ] هذه الترجمة ليست على إطلاقها؛ لأن هذا الشاهد الذي جعل الرسول صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين هي من خصائص ذلك الصحابي الذي هو خزيمة بن ثابت رضي الله عنه؛ لأنه بادر إلى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم والشهادة له؛ لأنه يخبر بالوحي ويخبر عن الله، وهو مصدق في كل ما يقول؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقاً ولا يتكلم إلا بصدق صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهي ليست على إطلاقها في غير هذا الموضع، ولكن يمكن أن يقال: يقبل الشاهد الواحد مع اليمين، والحكم بالشاهد واليمين جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبالنسبة لـخزيمة الذي جاء ذكره في الحديث أن شهادته بشهادة رجلين فهذا من خصائصه ولا يتعداه إلى غيره، وأما بالنسبة لغيره فإن الشاهد الواحد يكون معه اليمين في جانب المدعي؛ لأنه وجد بينة ولكنها غير كافية، تحتاج إلى ضميمة تضم إليها وهي اليمين من المدعي.
وعلى هذا فالترجمة التي أوردها المصنف ليست واضحة؛ لأنها تتعلق بشيء من خصائص ذلك الشاهد الذي حكم النبي صلى الله عليه وسلم بشهادته؛ لصدقه ولكونه شهد للنبي عليه الصلاة والسلام بأنه صادق في كل ما يقول، فمن أجل ذلك بادر إلى هذه الشهادة وسبق غيره إليها، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين.
وعلى هذا فالترجمة ليست دقيقة في الحقيقة، من جهة أن الدليل خاص، ولا يشمل هذا الشمول الذي اشتملت عليه الترجمة، ولكن كونه يضم إليه اليمين، فهذا ليس فيه إشكال، فيحكم بشاهد واحد مع يمين المدعي كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الوضوء، لما جاء إلى حديث فيه شيء يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، أضاف الحكم إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال في الترجمة: باب صب النبي صلى الله عليه وسلم فضل وضوئه على المغمى، ثم ذكر الحديث الذي فيه أنه صب فضل وضوئه على مغمى عليه فأفاق، ولم يقل: باب صب الزائر على المريض؛ لأن هذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن كل ما لامس بدنه صلى الله عليه وسلم يكون فيه بركه، ويكون له ميزة على غيره، فـالبخاري رحمه الله أتى بهذه الترجمة الخاصة التي تدل على الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأت بترجمة عامة أوسع مما جاء في الحديث، حيث قال: باب صب النبي صلى الله عليه وسلم فضل وضوئه على المغمى عليه.
أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث عن أخي خزيمة الذي هو عم عمارة بن خزيمة بن ثابت وفيه: [ (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ابتاع فرساً من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه) ].
يعني اشترى فرساً من أعرابي، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتبعه كي يعطيه قيمة الفرس، والرسول صلى الله عليه وسلم أسرع وتقدم، والأعرابي كان يمشي ببطء، فصار هناك فجوة كبيرة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، والناس لقوا هذا الأعرابي الذي معه الفرس، فصاروا يساومونه ولا يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اشتراه، وكأنه وجد زيادة، أو أكثر مما كان باعه على النبي صلى الله عليه وسلم فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (إن كنت مبتاعاً هذا الفرس وإلا بعته) ] فالنبي صلى الله عليه وسلم التفت إليه فقال: [ (أو ليس قد ابتعته منك؟! فقال الأعرابي: لا، والله ما بعتكه) ] يعني: حلف الأعرابي كاذباً، وهذا الذي حصل من هذا الأعرابي من جفاء الأعراب وجهلهم، وقد سبق أن مر في الحديث قريباً أنه لا تقبل شهادة البدوي على الحضري؛ لأنه يغلب عليهم الجهل، وعدم الإتيان بالأمور على حقيقتها، وهذا يوضح الذي تقدم؛ لأنه قد باع الفرس من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك أنكر وحلف على إنكاره بأنه لم يبعه، ثم قال: [ (هلم شهيداً) ] يعني: يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحضر شهوداً على أنه باعه، فقال خزيمة بن ثابت رضي الله عنه: [ (أنا أشهد أنك بايعته، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على
قوله: [ (فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ أن الحكم بن نافع ].
هو الحكم بن نافع أبو اليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا شعيب ].
هو شعيب بن أبي حمزة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمارة بن خزيمة ].
هو عمارة بن خزيمة بن ثابت وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن عمه ].
قيل: اسمه عمارة قاله ابن مندة .
وفي نسخة أبي الأشبال قال: قيل: اسمه عمارة بن ثابت صحابي، ورمز له بدال وسين.
الجواب: لا، لا يحكم بكونه يعرف صدق هذا وإنما يحكم للمدعي بالبينة، والمدعى عليه عليه اليمين، وإذا وجد بينة غير كافية كالشاهد الواحد، فإنه يضم إليه يمين المدعي، وهذه القصة التي معنا يمكن أن تكون معتبرة مع يمين المدعي.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي أن زيد بن الحباب حدثهم قال: حدثنا سيف المكي قال عثمان : سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بيمين وشاهد) ].
قوله: [ باب القضاء باليمين والشاهد ] يعني: يمين المدعي مع شاهد يكون معه يشهد على دعواه، فإنه في هذه الحالة تضم إليه اليمين وتكون بمثابة الشاهدين، ولا تحول إلى المدعى عليه؛ لأنه قد وجد شيئاً يرجح جانب المدعي، وهو الشاهد الواحد، فلم يهدر هذا الشاهد ولكن ضم إليه شيء يقويه وهو يمين المدعي، وأما إذا لم يوجد مع المدعي بينة، فإن اليمين تكون على المدعى عليه وتبرأ ساحته باليمين، وعلى هذا فالبينة إذا حصل شاهدان فيما يتعلق بالحقوق حكم بها، وإن لم يوجد إلا شاهد واحد فتلك بينة لا تهدر، ولكن يضم إليها شيء يقويها وهو اليمين على المدعي، وبهذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد) ] أي: يمين المدعي مع الشاهد الذي يكون معه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أضاف إلى الشاهد يمين المدعي وقضى له على المدعى عليه، ولا يقال: إن هذا يعارض ما جاء أن اليمين على المدعى عليه؛ لأن هذا إنما إذا لم يكن مع المدعي بينة تحتاج إلى ما يقويها، أما إذا وجد مع المدعي شيء من البينة التي هي شاهد واحد، فلا تهدر هذه البينة وإنما يضم إليها بينة أخرى تقويها وهي يمين المدعي، فلا يكون الحكم بالشاهد واليمين معارضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه) وذلك لأن اليمين على المدعى عليه إذا لم يكن هناك بينة مع المدعي، أما وقد وجد منه بينة ولكنها غير كافية وتحتاج إلى ما يقويها وهو اليمين فيتوجه اليمين إلى المدعي لا إلى المدعى عليه، وعلى هذا فلا تنافي بين الحديثين، يعني: لا تنافي بين ما جاء بالحكم بالشاهد واليمين، وما جاء بأن اليمين تكون على المدعى عليه.
والأصل أنه لا نطلب اليمين من المدعي عليه إلا إذا عدمت البينة من المدعي، ولا يجوز للقاضي استحلاف المدعى عليه إلا إذا عدم المدعي البينة.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ والحسن بن علي ].
هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ أن زيد بن الحباب ].
زيد بن الحباب وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا سيف المكي قال عثمان : سيف بن سليمان ].
الشيخ الأول وهو الحسن بن علي قال: سيف المكي فقط، ولم يذكر اسم أبيه، وأما الشيخ الثاني الذي هو عثمان بن أبي شيبة فإنه قال: سيف بن سليمان ، يعني: ذكر اسم أبيه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن قيس بن سعد ].
قيس بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عمرو بن دينار ].
هو عمرو بن دينار المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ]
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وقال: بمعناه، يعني: بمعنى الحديث الذي تقدم.
قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى ].
محمد بن يحيى مر ذكره.
وسلمة بن شبيب .
سلمة بن شبيب ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عبد الرزاق ].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا محمد بن مسلم ].
هو محمد بن مسلم الطائفي وهو صدوق يخطئ إذا روى من حفظه، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عمرو بن دينار بإسناده ومعناه ].
عمرو بن دينار مر ذكره.
[ قال سلمة في حديثه: قال عمرو : (في الحقوق) ].
يعني: أن مثل هذه الشهادة التي مع اليمين إنما تكون في الحقوق ولا تكون في الحدود.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله وهو مثل حديث ابن عباس الذي تقدم: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد) ] يعني: أن الشاهد الذي هو بعض البينة يضم إليه اليمين.
قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي بكر أبو مصعب الزهري ].
أحمد بن أبي بكر أبو مصعب الزهري هو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الدراوردي ].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ].
ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سهيل بن أبي صالح ].
سهيل بن أبي صالح ، وهو صدوق، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
و البخاري إنما أخرج له مقروناً، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من طريقه وهو حديث: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أورده في ترجمته باب، حيث قال: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) ولم يورده في الأصل؛ لأنه من رواية سهيل بن أبي صالح وهو ليس على شرطه، وإنما يروي عنه مقروناً وتعليقاً.
[ عن أبيه ].
هو أبو صالح السمان اسمه ذكوان ولقبه السمان ويقال: الزيات ؛ لأنه كان يجلب السمن والزيت ويبيعه، وهو مشهور بكنيته، أبو صالح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
أورد أبو داود طريقاً أخرى وفيها كون ربيعة بن أبي عبد الرحمن رواه عن سهيل ، وأن سهيلاً نسي بعد ذلك، ولكنه عالم بحفظ تلميذه ربيعة ، فكان يحدث به عن ربيعة عنه عن أبيه.
وهذا من النوع الذي يسمى في علم المصطلح (من حدث ونسي) ويقول علماء المصطلح: إن فيه تفصيلاً، فإذا كان الذي نسي أنكر هذا وقال: ما حدثت بهذا قط، أو قال: هذا كذب علي؛ فلا تقبل روايته.
وأما إذا قال: لا أذكر، أو قال: إنه ثقة وأنا قد نسيت، فإنه في هذه الحالة، تعتبر روايته وتقبل، وكان بعض الرواة يقول: حدثني فلان عني أني حدثته عن أبي بكذا.
قوله: [ قال أبو داود وزادني الربيع بن سليمان المؤذن .
الربيع بن سليمان المؤذن هو المرادي، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.
[ أخبرني الشافعي ].
هو محمد بن إدريس الشافعي ، الإمام المحدث الفقيه، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ عن عبد العزيز ].
هو الدراوردي وقد مر ذكره.
[ قال: فذكرت ذلك لـسهيل فقال: أخبرني ربيعة ].
سهيل بن أبي صالح وربيعة بن أبي عبد الرحمن مر ذكرهما.
أورد أبو داود إسناداً من طريق أخرى، وفيه أيضاً نسيان سهيل وتصديقه لربيعة ، وتجويزه الرواية عن ربيعة عنه.
قوله: [ حدثنا محمد بن داود الإسكندراني ].
محمد بن داود الإسكندراني ثقة، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة.
زياد بن يونس ثقة، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[ حدثني سليمان بن بلال ].
سليمان بن بلال ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ربيعة بإسناد أبي مصعب ومعناه ].
ربيعة مر ذكره.
أورد أبو داود حديث الزبيب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه القضاء بالشاهد واليمين، أي أنه لما قال: [ (من يشهد لك أنكم أسلمتم قبل أن تؤخذوا، فقال:
قوله: [ بعث نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً إلى بني العنبر، فأخذوهم بركبة من ناحية الطائف ].
ركبة مكان قريب من الطائف.
قوله: [ (فاستاقوهم إلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، فركبت فسبقتهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، أتانا جندك فأخذونا، وقد كنا أسلمنا وخضرمنا آذان النعم) ] يعني: أنهم كانوا يقطعون شيئاً منها لتكون علامة على إسلامهم.
قوله: [ (فلما قدم بلعنبر قال لي نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل لكم بينة على أنكم أسلمتم قبل أن تؤخذوا في هذه الأيام؟ قلت: نعم، قال: من بينتك؟ قلت:
قوله: [ (فشهد الرجل، وأبى
يعني: كون سمرة أبى أن يشهد لعله لم يكن عنده العلم بهذا الذي استشهد عليه.
قوله: [ (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: قد أبى أن يشهد لك فتحلف مع شاهدك الآخر؟ قلت: نعم) ].
وهذا هو محل الشاهد للترجمة، يعني: فيه القضاء بالشاهد واليمين، وهذا يشهد له ما تقدم من الحديثين الذي في الصحيحين، وهما: حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة .
يعني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه الذين ذهبوا إليهم واستاقوا ما معهم: اذهبوا وقاسموهم وخذوا النصف.
قوله: [ (لولا أن الله لا يحب ضلالة العمل) ] يعني: عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والضلالة هي الضياع، يقال: ضل السمن في الطعام إذا ذهب وتلاشى فيه، ومنه قول الله عز وجل: َقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [السجدة:10] يعني: إذا ذهبت أجسامنا واختلطت بالتراب وضاعت في التراب، فهذا المقصود بضلالة العمل.
قوله: [ (ما رزيناكم) ] يعني: ما نقصناكم.
قوله: [ (عقالاً) ] الذي هو عقال البعير.
قوله: [ (قال
زربية هي نوع من المتاع والفراش، كما جاء في القرآن: وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية:16].
قوله: [ (فانصرفت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني فأخبرته، فقال لي: احبسه، فأخذت بتلابيبه) ].
يعني: احبس الشخص الذي تدعي عليه، فأمسك بتلابيبه يعني: بثوبه من جهة رقبته.
يعني: أنه لما لم يجد الزربية أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم سيف الرجل فأعطاه لـزبيب ، وكأن السيف كان أقل من الزربية، فطلب من الرجل أن يعوضه بشيء من الطعام، فزاده على السيف آصعاً من شعير؛ ليكون ذلك السيف والآصع مقابل الزربية.
وهذا الحديث -ما عدا الشاهد واليمين- ما جاء إلا من هذا الطريق، وهذا الحديث غير ثابت لوجود من هو متكلم فيه.
هو أحمد بن عبدة الضبي وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عمار بن شعيث بن عبد الله بن الزبيب العنبري ].
عمار بن شعيث بن عبد الله بن الزبيب العنبري وهو مقبول، أخرج له أبو داود .
وشعيث هنا صحفت إلى شعيب، والسبب في هذا أن شعيثاً غير مشهور، وشعيب مشهور، ويقولون للشيء المشهور: الجادة، والشيء غير المشهور: على خلاف الجادة، ولهذا يحصل التصحيف في الشيء الغير المشهور فيؤتى به على اللفظ المشهور؛ لأن لفظ شعيب مشهور وشعيث غير مشهور، وقد سبق أن مر بنا رجل اسمه أبو أناس وأبو أناس صحفت إلى أبي إياس ؛ لأن إياساً هي الجادة، وأناساً هذا على خلاف الجادة، فالشيء الذي هو غير مألوف وغير مشهور يحصل فيه التصحيف إلى ما هو مشهور، ومثل: نابت وثابت، يعني: ثابت مشهور وهو الجادة، ونابت غير مشهور، وهذا مر في ترجمة واحد من الرواة في التقريب اسمه: حرمي بن عمارة بن أبي حفصة نابت ، بنون وموحدة ثم مثناه، وقيل: كالجادة يعني: ثابت؛ لأن لفظ ثابت هو الجادة، يعني: الشيء الكثير، ونابت قليل جداً أو نادر، ولهذا يذكر ابن حجر في تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، عندما يذكر الكثير يقول: كذا الجادة، ثم يذكر شيئاً على خلاف الجادة مثل: أحمد هو الجادة، وهناك شخص يقال له: أجمد بالجيم وهذا نادر، وهو على خلاف الجادة، فيعبرون عن الشيء المشهور بالجادة، وبغيره على خلاف الجادة، والتصحيف يحصل بسبب ذلك، بإخراجه من غير الجادة إلى الجادة، مثل ما هو هنا صحف من شعيث إلى شعيب، ومثل ما مر بنا في أبي أناس صحف إلى أبي إياس .
[ حدثني أبي ].
وهو مقبول، أخرج له أبو داود .
[ قال: سمعت جدي الزبيب ]
الجواب: قد يكون الحديث طويلاً ومحفوظاً والذي أتى به قد حفظه، ولكن الإسناد لا يعول عليه، وإنما يحتاج إلى ما يؤيده، فالذي وجد ما يؤيده وهو الشاهد واليمين، فهذا يعتبر، والذي بخلافه لم يأت إلا من هذا الطريق، فلا يعتبر ثابتاً.
الجواب: هي شبيهة بها، لكن سليمان عليه الصلاة والسلام أتى بشيء استنتج منه الحكم، وهو أنه عندما رأى المرأتين تتنازعانه وتتجاذبانه ويدهما عليه وكل واحدة تدعيه، قال عليه أفضل الصلاة والسلام: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فلما قال هذا الكلام قالت الكبرى التي ليس ولدها: شقه، وقالت الصغرى التي هو ولدها: هو ولدها، فعرف أن أمه هي الصغرى التي أرادت أن يبقى حياً ولو كان مع غيرها، وعرف أن الكبرى التي رضيت بشقه كاذبة؛ لأنه ليس في قلبها رحمة، ففهم منها أنها ليست أمه، وهذا من الفراسة، ومن الشيء الذي يستعمل لمعرفة الحق، ولهذا ترجم له بعض الأئمة بقوله: (باب قول الحاكم أفعل كذا وهو لا يريد أن يفعل) أي: وإنما أراد أن يستنتج الحكم.
الجواب: الإسراء والمعراج ليس له ليلة معينة معروفة؛ لأنه لم يثبت شيء يدل على أنها ليلة سبع وعشرين، أو أنها غير ليلة سبع وعشرين، ولو ثبت أنها ليلة سبع وعشرين، فإنه مع ذلك لا يجوز أن تخص بشيء لم تأت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحق إنما هو باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تميز ليلة من الليالي إلا إذا جاء فيها فضيلة وتمييز عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأعمال التي يتقرب فيها إلى الله عز وجل لابد أن تكون مشتملة على أمرين:
أن تكون خالصة لوجه الله، وأن تكون مطابقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد من الإخلاص ولابد من المتابعة، لا بد من تجريد الإخلاص لله وحده، ولا بد من تجريد المتابعة للرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإذا توافر الشرطان كان العمل مقبولاً ونافعاً، وإذا اختل أحدهما فإنه لا يقبل بل يكون مردوداً.
فإذا فقد الإخلاص وإن كان العمل مبنياً على سنة ومطابقاً للسنة، فإنه يكون مردوداً؛ لقول الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]،
وفي الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) ، وإن كان العمل خالصاً لله، ولكنه ليس على السنة فإنه يكون مردوداً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق علي صحته عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) ، وفي لفظ لـ مسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
وتجريد الإخلاص لله وحده هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فلا تخص ليلة من الليالي بعمل لم تأت به السنة؛ لأنه لو كان ذلك العمل خيراً لسبق إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما لم يحصل ذلك منهم، دل على أنه ليس بحق، وأن الحق إنما هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
إذاً: من البدع تخصيص ليلة معينة بأنها ليلة الإسراء والمعراج، وتخصيصها بعبادة، وتخصيصها بعمل، ولو كان ثابتاً أنها ليلة سبع وعشرين ثم خصصت بعمل، فإن ذلك لا يجوز، فكيف ولم يثبت أنها ليلة سبع وعشرين!
الحاصل أن الأعمال لابد أن تتبع فيها السنن، ولابد أن تكون مطابقة لما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وإلا فإن إحداث شيء ليس على نهج الرسول عليه الصلاة والسلام يعتبر من البدع المحدثة، والنبي صلى الله عليه وسلم رغب في السنن، وحذر من البدع، فقال عليه الصلاة والسلام: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
فهذه من البدع المحدثة ولشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة مشتملة على أمور متعددة، فيما يتعلق ببدعة المولد، وبدعة الإسراء والمعراج، وبدعة إحياء ليلة النصف من شعبان، وكذلك ما يتعلق به برؤيا خادم الحجرة النبوية الذي يقال له: أحمد، وهي كذب وافتراء، وطبعت هذه الرسائل الأربع في كتيب باسم (التحذير من البدع).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر